أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-02-2015
1311
التاريخ: 22-04-2015
1373
التاريخ: 5-10-2014
1652
التاريخ: 13-02-2015
1272
|
لاشك ان اطلاق معاني العدالة الاجتماعية والقضائية في القرآن كقوله تعالى : {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ } [المائدة : 8] ، {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا} [النساء : 135]، {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام : 152]، { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ } [النحل : 90] ، يعكس شمولها لجميع المؤسسات الاجتماعية التي تهتم بشؤون الفرد ، لانها لم تقيد أو تخصص بمورد معين.
وتنعكس العدالة الاجتماعية التي نادى بها الاسلام وحث على تحقيقها بين جميع الافراد ، على النظام التعليمي بالخصوص . فبموجب الارتكاز العقلائي الذي امضاه الشارع ، لابد للأفراد القادرين من الناحية العقلية على التعلم وقطع اشواط المراحل الدراسية ، من المستوى الابتدائي وحتى المستوى التخصصي المهني أو العلمي . وفي المرحلة الاخيرة يلعب الجهد والذكاء دوراً أساسياً في مساعدة الافراد على حجز مقاعدهم الدراسية في الجامعات العلمية والأدبية والمعاهد الفنية . فالطلبة المتفوقون في العلوم البايولوجية والكيميائية يدخلون كليات الطب والعلوم المتعلقة بها.
والطلبة المتفوقون في الرياضيات والعلوم الهندسية يدخلون كليات الهندسة والعلوم المتعلقة بها . والمتفوقون في الاجتماعيات يدخلون كليات العلوم الاجتماعية ، وهكذا . وهذا المقياس في حجز مقاعد الجامعات ، أعدل من مقياس الأنظمة الغربية التي تشترط العامل الطبقي ولون البشرة اساساً في دخول الجامعات العريقة كجامعات اكسفورد وكامبردج وهارفرد وييل وبرنستون (1) . فالنظام التعليمي الاسلامي يشجع الطالب الفقير على شق طريقه بنجاح الى أرقى الجامعات في الدولة بغض النظر عن لونه وطبقته الاجتماعية . بل يستطيع ان يتميز عن أقرانه الاغنياء ، لأن الفقر لا يشغله عن التحصيل ، وهو على اطمئنان بأن عائلته المسحوقة سوف يعيلها النظام الاجتماعي أو الدولة عن طريق الحقوق الشرعية . فلا يصرفه الفقر ـ عندئذٍ ـ عن الدرس ، ولا تجبره حاجة العائلة الاساسية على ترك التحصيل . واذا ما ظهرت بوادر انحلال النظام الطبقي خلال مراحل التعليم ، أصبحت فرص انتعاش النظام الاجتماعي أوسع ؛ وأصبح المقياس في تسيير شؤون النظام الاجتماعي و الجهد والكفاءة والذكاء . ولا يختلف اثنان على ان الذكاء قدرة علمية تحصيلية تتواجد عند الفقراء كما تتواجد عند الاغنياء.
ومع ان الاسلام يقدم نظاماً عادلاً في توفير الفرص التعليمية لكل القادرين على التحصيل ، الا انه لا ينكر وجود التفاوت في قابليات الفهم والادراك والابداع لدى الفراد . فالأفراد عموماً متفاوتون في مستوى فهمهم العلمي وابداعهم وانتاجهم . ولما كانت هذه القابليات متفاوتة ، فان المكافأة على الجهد المبذول يجب ان تتفاوت حتماً من فرد الى آخر . ولكن هذا التفاوت في الاجور ينبغي ان لا يخلق طبقات اجتماعية متفاوتة ، بل طبقة واحدة مختلفة الدرجات . وهذا النظام التعليمي الرائع يضمن قضيتين اساسيتين ؛ الاولى : تنشيط فرص الابداع لكل فرد ، والثانية : العدالة الاجتماعية لكل الافراد . فلا يستطيع الذكي مهما أوتي من قوة عقلية ان ينشئ طبقة متميزة به عن الآخرين ، تماماً كما لا يستطيع الثري مهما أوتي من قوة مالية انشاء طبقة متميزة به وبأقرانه ، لأن ذلك يدعو الى الظلم الذي يرفضه الاسلام.
ولم يدع الاسلام الى جعل التعليم مطية رغبات طبقة دون اخرى لتحقيق التسلط على القوة السياسية ، وكسب الثروة ، وتحقيق الرفعة الاجتماعية ؛ بل اراد من التعليم فهم الانسان موقعه في الحياة الاجتماعية ، ومعرفة دور الدين في بناء النظام الاجتماعي لتحقيق سعادة الفرد وتثبيت أسس العدالة الاجتماعية . ولما كان العلم شريفاً في نفسه ، فان الشارع حث جميع الافراد على تحصيل المقدار المتميز منه ، كي يمنح الانسان فسحة للتفكير في موقعه الاجتماعي الحياتي وموقعه في الكون ، وما يترتب على ذلك من معارف ربانية توصله الى معرفة خالقه وصانعه العظيم ، وتحثه على تعلم الفنون والخبرات بشتى الوانها بما ينفع النظام الاجتماعي وافراده . ولاشك ان نظاماً تعليمياً كهذا لا يمنح امتيازاً لفرد دون آخر ؛ لأن عدالة نظام الاجور في الاسلام هي صمام الامان الذي يمنع بموجبه نشوء نظام طبقي مشابه للنظام الطبقي الرأسمالي . ولما كانت الدولة في المجتمع الاسلامي مسؤولة عن رعاية الافراد وحمايتهم والاهتمام بهم ، فان لها الحق في تحديد الاجور وتعيين الحد الأدنى والحد الاعلى للمكافآت الاجتماعية : على عكس الفكرة الغريبة الرأسمالية التي تعين حداً أدنى للأجور ولكنها لا تضع علامة للحد الاعلى (2) ، مما يفسح المجال لنمو الطبقة الرأسمالية الظالمة المتحكمة بشؤون المجتمع والسلطة السياسية واستفحالها.
والخلاصة ، ان الاسلام لا يقر نظام تكافؤ الفرص فحسب ، بل يهيئ الافراد تهيئة شاملة للمنافسة العلمية القائمة على اساس الجهد والذكاء . فيزيل اولاً كل اسباب التعويق الاجتماعي لطلب العلم من فقر وعدم اشباع الحاجات الاساسية ، فيأخذ حقوق الفقراء ويرجعها اليهم ، ويلغي النظام الطبقي العائلي ، ويشبع حاجات الافراد جميعاً ويوفر لهم مستوىً واحداً من التعليم الابتدائي والثانوي لا يختلف فيه الفقير عن الغني . ثم يضع هؤلاء المتسابقين في ميدان العلم على خط البداية ، ويهتف بهم : تسابقوا على بذل الجهد ، فان سبق أحدكم الآخر فانما يفوز بجهده وقابلياته . والاسلام بهذا النظام الرائع لا يثبت عدالته الاجتماعية بين الافراد فحسب ، بل يبرز نظامه المنسجم مع طبيعة الحياة الانسانية التي خلقها الباري عز وجل ، ويربطها بالنظام التكويني المبني على اساس الدقة والتنظيم والعدل . ولاريب ان هذا النظام العادل يقف موقفاً معارضاً للنظام الرأسمالي الذي يزج بالمتسابقين في ميدان العلم غاضاً نظره عن المعوقات الاجتماعية التي وضعها للبعض منذ البداية ، كتراكم الثروة لدى طبقة وحرمان الطبقات الاخرى ، وتسليح الاغنياء بأفضل النظام العلمية وحرمان الفقراء منها ، وحصر الجامعات الراقية بالنخبة من أفراد الطبقة الرأسمالية من خلال رسم مستقبل مشرق لهم وهم في مهد الطفولة (3).
ويتبين لنا من كل ذلك ان النظام الاسلامي في التعليم ـ بلحاظ الاطار الاخلاقي للكتاب المجيد وروايات اهل البيت (عليهم السلام) ـ هو من أعدل الانظمة التعليمية في العالم.
____________
(1) ( جون ليولين ) وآخرون . الذكاء واختلاف الاعراق . سان فرانسسكو : فريمان ، 1975 م.
(2) ( كريستوفر جنكز ) وآخرون . من الذي يسبق ؟ العوامل الحاسمة في النجاح الاقتصادي في امريكا . نيويورك : الكتب الاساسية ، 1979 م.
(3) ( راندال كولينز ) . المجتمع الاعتمادي : لمحة تاريخية عن علم اجتماع التعليم وانعدام العدالة الاجتماعية . نيويورك : المطبعة الاكاديمية ، 1979 م.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|