المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الاخلاق و الادعية
عدد المواضيع في هذا القسم 6225 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


بداية التغيير الأخلاقيّ  
  
693   07:32 مساءً   التاريخ: 2024-10-20
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : الأخلاق في القرآن
الجزء والصفحة : ج1/ ص 103 ـ 112.
القسم : الاخلاق و الادعية / أخلاقيات عامة /

بما لدينا من المعلومات والمعارف الكلّية نقوم بالبِدء في طريق تهذيب النّفس، أو الإنتقال من المسائل الذهنيّة إلى ميدان الممارسة والتّطبيق، ومن الكلّيات إلى الجزئيات.

ويجب التّوقف هنا، لتهيئة لوازم سفرنا الروحاني، حتى لا نصاب في سلوكنا لذلك الطّريق بالحيرة والضّلالة وعدم التّنظيم والتّنظير، وعليه فلا بدّ من الإلتفات إلى امور:

1 ـ ثلاث رُؤى في كيفيّة التعامل مع المسائل الأخلاقيّة.

2 ـ هل يحتاج الإنسان في كل مرحلة إلى أستاذٍ ومرشدٍ؟

3 ـ دور الواعظ الخارجي والواعظ الداخلي.

4 ـ الامور التي تُساعد الإنسان في عملية الوصول إلى هذا الهدف؛ مثل ذكر الله والعبادة والأدعية، الزّيارات، النصائح المتكررة، التلقين.

5 ـ طهارة المحيط.

 

ثلاث نظريّات في كيفيّة التعامل مع المسائل الأخلاقيّة:

النظريّة الأولى:

رأيٌ يقول: إنّ تهذيب النفس، نوع من الجهاد ومحاربة أعداء الداخل، الّذين يتحرّكون لإيقاع الإنسان في مستنقع الرّذيلة، وشراك الخطيئة.

هذا الرأي مقتبسٌ في الأصل، من حديث الرسول الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله)، المعروف، عند ما خاطب الرسول (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله)، قومٌ من المجاهدين، رجعوا لتوّهم من الغزو فقال: «مَرحَباً بِقَومٍ قَضَوا الجِهادَ الأَصغَرَ وَبَقيَ عَلَيهِم الجِهادُ الأَكبَرُ، فَقِيلَ يا رَسُولَ اللهِ، ما الجِهادُ الأكبرُ، قالَ: جِهادُ النَّفسِ» ([1]).

وجاء في البحار في ذيل هذا الحديث: ثُمّ قَالَ (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله): «أَفضَلُ الجِهادِ مَنْ جاهدَ نَفْسَهُ الَّتي بَينَ جَنْبَيهِ» ([2]).

هذا وقد فُسّرت بعض الآيات التي وردت في دائرة الجهاد، بالجهاد الأكبر، إمّا لأنّها تخصّ الجهاد مع النفس، أو لمدلولها العام في حركة السياق القرآني، الذي يتناول القِسمين للجهاد.

وجاء في تفسير القمي، في ذيل الآية (6) من سورة العنكبوت: (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)، قَالَ (عليه ‌السلام): «ومن جاهد نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَواتِ وَاللَّذَّاتِ وَالمَعاصِي» ([3]).

ويمكن أن نستوحي هذا المعنى من هذه الآية، من حيث إنّ فائدة الجهاد تعود على الإنسان نفسه، ويتّضح ويتجلّى أكثر في الجهاد مع النفس، وخصوصاً أنّ الآية التي جاءت قبلها، تكلّمت عن لقاء الله: (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ ...)، ونعلم أنّ لقاء الله، والشهود والقرب منه، هو الهدف الأصلي للجهاد مع النفس.

وكذلك جاء في آخر آيةٍ من سورة العنكبوت: (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

وهذه الآية أيضاً ناظرةٌ حسب الظاهر إلى الجهاد الأكبر، وذلك لقرينة: (فينا)، وجملة: (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)، أو تتضمن مفهوماً عاماً يستوعب كلا النَّحوين من الجهاد.

وجاء أيضاً في الآية (78) من سورة الحج: (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).

فقد فسّر أغلب المفسّرين كلمة الجهاد بمعناها ومفهومها العام، الذي يشمل الجهاد الأصغر والأكبر، أو بخصوص معنى الجهاد الأكبر، وكما قال المرحوم العلّامة الطّبرسي في كتابه مجمع البيان، أنّ أكثر المفسّرين ذهبوا إلى أنّ المقصود من حقّ الجهاد، هو إخلاص النيّة والأعمال والطّاعات لله تعالى ([4]).

وقد ذكر العلّامة المجلسي (رحمه ‌الله) هذه الآية، في زمرة الآيات النّاظرة للجهاد الأكبر ([5]) كذلك.

وجاء في الحديث المعروف عن أبي ذرّ (رحمه ‌الله) أنّه قال: قُلتُ يا رسُولَ اللهِ أَيُّ الجِهادِ أَفضَلُ؟

فَقالَ (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله): «أَنْ يُجاهِدَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ وَهَواهُ» ([6]).

وكما ورد في حديث: جنود العقل وجنود الجهل، هذا المعنى أيضاً، إذ يُشبّه حياة الإنسان بساحةِ حربٍ، العقلُ جنوده في جهةٍ، والجهلُ وهوى النّفس وجنودهما في الجهة المقابلة، فهذان المعسكران، يعيشان دائماً في حالة حربِ سِجالٍ، ومن خلال هذا النّزاع، ومعطيات حالات الصّراع في أعماق النّفس، تتولد الكمالات المعنويّة للإنسان، وذلك عند ما ينتصر العقل وجنوده، والنّصر الآني، هو السّبب في التّقدم النّسبي للكمالات الإنسانيّة.

النظريّة الثّانية: نظريّة الطّب الرّوحاني

فقد ذهبوا إلى أنّ الرّوح كجسم الإنسان، تُصاب بأنواع الأمراض، ولأجل الشّفاء يتوجب اللّجوء إلى أطبّاء النّفس والرّوح، والاستعانة بأدوية الأخلاق الخاصّة، حتى تبقى الرّوح سالمةً ونشطةً وفعّالةً.

والجدير بالذكر، أنّ القرآن الكريم أشار إلى الأمراض الأخلاقية والروحية، في إثنى عشر موضعاً، وعبّر عَنها بالمرض ([7])، ومنها الآية (10) من سورة البقرة، إعتبرت النِّفاق من زمرة الأمراض الروحية، فقالت: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً)؛ بسبب إصرارهم على النّفاق.

وفي الآية (32) من سورة الأحزاب، وصفت عبيد الشّهوة بمرضى القلوب، الذين يتحيّنون الفرص لاصطياد النّساء العفيفات، حيث خاطب الباري تعالى نساء النبي (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله)، فقال: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ).

وجاء في الآيات الاخرى نفس هذا المعنى، أو أوسع منه، بحيث تناولت الآيات، جميع الانحرافات الأخلاقيّة والعقائديّة.

وفي معنى عميق آخر، عبّر القرآن الكريم، عن القلوب المليئة بنور المعرفة والأخلاق والتّقوى: بالقلوب السليمة. وجاء ذلك على لسان النّبي إبراهيم (عليه ‌السلام)، حيث قال: (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ* يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ* إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)([8]).

«السّليم» من مادة «السّلامة»، وتقع في مقابل الفساد والانحراف والمرض، و «القلب السّليم» كما جاء في الرّوايات عن المعصومين (عليهم ‌السلام)، في تفسير هذه الآية، أنّه القلب الذي خَلا من غير الله تعالى، (منزّه من كلّ مرضٍ أخلاقي وروحي).

وقال القرآن الكريم في مكانٍ آخر: إنّ إبراهيم (عليه ‌السلام) عند ما طلب من الباري تعالى: القلب السّليم، (كما أشارت الآيات الآنفة الذّكر)، تحقّق له ما يُريد، وشملته رحمة ولطف الله تعالى، وأصبح ذا قلبٍ سليمٍ، فنقرأ في الآيات (83 و 84) من سورة الصافات: (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ* إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

نعم، فإنّ إبراهيم (عليه ‌السلام) كان يتمنى أن يكون ذا قلبٍ سليمٍ، وبالسّعي والإيثار ومحاربة الشرك، وهو النفس من موقع عبادة الله، استطاع أن يصل بالنّهاية إلى ذلك المقام.

ونجد في الأحاديث الإسلامية، إشاراتٌ كثيرةٌ حول هذا الموضوع، ومنها:

1 ـ يصف الإمام علي (عليه ‌السلام)، الرّسول الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) في نهج البلاغة، فيقول: «طَبِيبٌ دَوّارٌ بِطِبّهِ قَدْ أَحْكَمَ مَراهِمَهُ وَأَحمَى مَواسِمَهُ يَضَعُ ذِلِكَ حَيثُ الحاجة إِلَيهِ مِنْ قُلُوبٍ عُمى وآذانٍ صُمٍّ وَأَلسِنَةٍ بُكْمٍ، مُتَتَبِّعٌ بِدوَائِهِ مَواضِعَ الغَفلَةِ وَمَواطِنَ الحَيرَةِ» ([9]).

2 ـ ورد في تفسير القلب السّليم، الذي ذُكر في الآيتين الشّريفتين أعلاه، رواياتٌ كثيرةٌ، فنقرأ أنّ رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله)، سئل: ما القَلبُ السّلِيم.

فقال (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله): «دِينٌ بِلا شَكٍّ وَهُوىً، وَعَمَلٌ بِلا سُمْعَةٍ وَرِياءٍ» ([10]).

ونقرأ في حديث آخر عن الإمام الباقر (عليه ‌السلام): «لا عِلْمَ كَطَلَبِ السَّلامَةِ، ولا سَلامَةَ كَسَلامَةِ القَلبِ» ([11]).

وجاء في حديثٍ آخر عن أمير المؤمنين (عليه ‌السلام): «إِذا أَحَبَّ اللهُ عَبداً رَزَقَهُ قَلبَاً سَلِيماً وَخُلْقاً قَويمَاً» ([12]).

3 ـ وقد ورد التعبير عن الأخلاق الرّذيلة، في الروايات بأمراض القلب.

فورد في حديث عن الرسول الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله)، أنّه قال: «إِيّاكُم وَالمراءَ وَالخُصُومَةَ فإنّهما يُمرِضانِ القُلُوبَ عَلَى الإِخوانِ، وَيَنْبُتُ عَلَيهما النِّفاقَ»([13]).

وجاء أيضاً عن الإمام الصّادق (عليه ‌السلام) أنّه قال: «ما مِنْ شَيءٍ أَفْسَدَ لِلقَلبِ مِنْ خَطِيئَتِهِ» ([14]).

4 ـ ونقرأ عن الإمام علي (عليه ‌السلام) أيضاً: «أَلا وَمِنَ البَلاءِ الفاقَةُ، وَأَشَدُّ مِنَ الفاقَةِ مَرَضُ البَدَنِ، وَأَشَدُّ مِنْ مَرَضِ البَدنِ مَرَضُ القَلبِ». ([15])

5 ـ وجاء أيضاً عن الرسول الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله)، في معرض حديثه عن الحسد، وأنّه كان ولا يزال على طول التأريخ مرضٌ نفسي عضال، فقال: «أَلا إنَّهُ قَدْ دَبَّ إِلَيكُم داءُ الامَمِّ مِنْ قَبلِكُم وَهُوَ الحَسَدُ، لَيسَ بِحالِقِ الشَّعْرِ، لَكِنَّهُ حالِقُ الدِّينِ، ويُنجِي فِيهِ أَنْ يَكُفَّ الإِنسانُ يَدَهُ وَيَحْزُنَ لِسانَهُ وَلا يَكُونَ ذا غَمزٍ عَلَى أَخِيهِ المُؤمِنُ»([16]).

6 ـ وقد ورد في التّعبير عن الرذائل الأخلاقيّة، في كثيرٍ من الرّوايات ب: «الدّاء» ومفهومها المرض، وجاء مثلاً في الخطبة (176) من نهج البلاغة، حيث يصف الإمام (عليه ‌السلام) فيها القرآن الكريم:

«فاستشفوه مِنْ أَدواءِكُم ... فَإِنَّ فِيهِ شِفاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ وَهُوَ الكُفْرُ وَالنِّفَاقُ وَالغيُّ والضَّلالُ».

ونرى أيضاً هذا التعبير في روايات كثيرة اخرى.

وخلاصة القول، إنّ الفضائل والرّذائل، وطبقاً لهذه النظرية والرؤية، علامةٌ لسلامة ومرض الرّوح عند الإنسان، والأنبياء (عليهم ‌السلام) والأئمّة المعصومين (عليهم ‌السلام)، كانوا معلمي أخلاق، وأطباء نفسيين، وتعاليمهم تجسّد في مضمونها الدّواء النّافع والعلاج الشافي.

وعلى هذا، فكما هو الحال في الطّب المادي، ولأجل الوصول إلى الشّفاء الكامل، يحتاج المريض إلى الدواء، ويحتاج إلى الحُمية من بعض الأكلات، فكذلك في الطّب النّفسي والرّوحي الأخلاقي، يحتاج إلى الامتناع عن أصدقاء السّوء، والمحيط الملّوث بالمفاسد الأخلاقيّة، وكذلك الامتناع عن كلّ ما يَساعد على تفّشي الفساد، في واقع الإنسان النفسي، ومحتواه الداخلي.

فالطّب المادي جعل العمليّة الجراحيّة كعلاجٍ لبعض الحالات، وكذلك جعل الطّب الرّوحي الحدود والتّعزيرات والعُقوبات كوسيلةٍ، ودواءٍ رادعٍ، عن الأعمال المنافيَة للأخلاق، وهي بِمنزلة إجراء العمليّة الجراحيّة في الطّب المادي.

وكما نرى في الطّب المادي، أنّه جعل العلاج في مرحلتين، مرحلة الوقاية: وهي المحافظة على الصّحة البدنيّة، والثّانية: مرحلة العلاج للمريض، فكذلك في الطّب الرّوحي والأخلاقي، يمرّ بمرحلتين: مرحلة الإرشاد والتعليم من قبل معلمي الأخلاق، للمحافظة على نفوس الناس من التلّوث بالرذائل، والثّانية: مرحلة العلاج للمذنبين الملوّثين بالرّذائل.

وما جاء في الخطبة (108) من نهج البلاغة، في وصف الرّسول الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله)، ومعالجاته بالمراهم والكيّ للجروح، يبيّن مدى التّنوع في الطّب الرّوحي، كما هو الحال في الطّب المادي.

ففي الطّب المادي (الجسماني)، توجد مجموعة إرشاداتٍ وأوامر كليّة لعلاج الأمراض، وقسمٌ من الأوامر التي تخص كلّ مرض بذاته، فكذلك الطّب الرّوحي، فالتّوبة وذكر الله والعبادات الاخرى، والمحاسبة والمراقبة للنفس، هي اصولٌ كليّةٌ للعلاج، وكلّ مرضٍ أخلاقي، نجد الأوامر والإرشادات الخاصة به، مذكورةٌ في الكتب الإسلاميّة والأخلاقيّة.

النظريّة الثالثة: نظريّة السّير والسّلوك

وقد شبّه الإنسان في هذه النظريّة، بمسافر انطلق من نقطةِ العدم، إلى لقاء الله تعالى، ويتحرك في سلوكه بهدف لقاء الله، والقرب من الذّات المقدّسة اللّامتناهية.

ففي هذا السّفر، وكما هو الحال بالنسبة لأسفارنا الماديّة، يجب تحضير المركب والمتاع، وإزالة الموانع التي تقف في الطّريق، والتّفكير في كيفية التّصدي للّصوص وقطاع الطّريق والأعداء، للمحافظة على المال والأرواح، فهذا السّفر الرّوحاني والمعنوي، فيه منازل وطرق ملتوية وصعبة العبور، ومطبّاتٌ خطرةٌ، ولا يمكن العبور منه بسلامة، إلّا بمعونة الدليل المطّلع والعارف بالطّريق، والعُبور منها واحداً بعد واحدٍ حتّى الوصول إلى محطّ الرّحال ومنزل المقصود.

ويصرّ البعض أنّ السّير والسّلوك إلى الله تعالى، ومعرفته ومنازله، وزاده وأدلّائه، و الطّريق الموصل إليه، هو علمٌ غير علم الأخلاق، ومنفصلٌ عنه، ولكن وبنظرةٍ أوسع، نرى أنّ السير والسّلوك الرّوحي، يلتقي في نفس الطّريق التي تهدف إليه التربية الأخلاقية، وتحصيل الفضائل في خط التّكامل المعنوي، أو على الأقل أنّ الأخلاق الإلهيّة هي أحد أبعاد السّير والسّلوك الرّوحاني.

وعلى أيّة حال، فإنّ الآيات والروايات، أشارت إلى هذه النّظرية أيضاً، ومنها: الآية (156) من سورة البقرة، حيث تقول: (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ).

فمن جهةٍ، يرى الإنسان نفسه أنّه مُلكٌ لله تعالى، ومن جهةٍ اخرى، يرى نفسه أنّه مُسافر، ويتحرّك باتّجاه الله تعالى شأنه.

ونقرأ أيضاً في سورة العَلق: (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى)([17]).

وجاء في سورة الإنشقاق: (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ)([18]).

وجاء في سورة الرّعد: (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ... يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ)([19]).

ويوجد أكثر من (20 آية)، تحدثت عن أن لقاء الله تعالى، في الواقع هو مقصود السّالكين إلى الله والعارفين به، ويعني اللّقاء المعنوي والرّوحي مع المحبوب، والمقصود الذي لا مثيل له.

وصحيحٌ أنّ هذه الآيات، وآياتُ الرّجوع إلى الله تعالى، تستوعب جميع هذه المعاني، ولكن هذا لا يمنع من أنّ سير وسلوك المؤمن والكافر، من ناحية الفِطرة والخلقة، هو باتجاه الباري تعالى، فبعضٌ ينحرف عن طريق الفطرة، فيسقط في وادٍ سحيقٍ، ولكن أولياء الله ومع اختلافهم بالمراتب، يصلون إلى المقصود، مثل الحيامن التي تسير جميعاً في عالم الرّحم لِتكوين الجَنين، فبعضها تموت في المراحل الأولى بسبب بعض الآفات، وتتوقف عن الحركة، وبعضها يستمر في طريقه، ليصل أحدها إلى الهدف.

وأفضل وأوضح من هذه التّعابير، هو تعبير القرآن الكريم، حيث يقول: «(فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى)، (وعادةً كلمة: الزّاد، تقال للطعام الذي يحمله المسافر معه، ولكنّها في الأصل موضوعةٌ لمعنى أشمل: بحيث تشمل كلَّ ذخيرةٍ).

وعلى هذا الأساس يقول: إنّ التّقوى هي خيرُ الزّاد، وهي إشارةٌ إلى سير الإنسان في طريق التّوحيد الخالص، وعلى كلّ حال فإنّ هذا السّفر الرّوحاني يحتاج إلى زادٍ، وزاده لا بدّ وأن يكون معنوياً أيضاً.

ونرى مثل هذا التعبير، واردٌ بكثرةٍ في الرّوايات الإسلاميّة.

وفي موارد متعدّدةٍ من نهج البلاغة، أتى ذكر التّزود للآخرة: ففي الخطبة (157) يقول الإمام (عليه ‌السلام): «فَتَزَوَّدوا فِي أَيّامِ الفَناءِ لأَيَّامِ البَقَاءِ».

وفي الخطبة (132) نرى تعبيراً أوضح، فيقول (عليه ‌السلام): «إِنّ الدُّنيا لَمْ تُخْلَقُ لَكُم دارَ مُقامٍ، بَل خُلِقَتْ لَكُم مَجازاً لِتَزَوَّدُوا مِنها الأَعمَالَ إِلَى دارِ القَرارِ».

وجاء في الخطبة (133)، تعبير ألطَف وأدَق، فقال (عليه ‌السلام): «وَالبَصِيرُ مِنها مُتَزَوُّدُ والأَعمى لَها مُتَزَوُّدُ».

وهناك آيات في القرآن الكريم، يمكن أن تحمل في مضمونها إشاراتٌ لهذه النظريّة، ومنها: (صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)([20])، و (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)([21])، و (سَبِيلِ اللهِ)، موجودةٌ في آياتٍ كثيرةٍ من القرآن الكريم، و (لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ)([22])، وأمثالها يمكن الإشارة بها إلى هذه النظرية.

 

 


[1] وسائل الشيعة ، ج 11 ، ص 122 (باب 1 ، جهاد النفس).

[2] بحار الأنوار ، ج 67 ، ص 65.

[3] تفسير القمي ، ج 2 ، ص 148 ؛ بحار الانوار ، ج 67 ، ص 65.

[4] مجمع البيان ، ج 7 ، ص 97.

[5] بحار الأنوار ، ج 67 ، ص 63.

[6] ميزان الحكمة ، ج 2 ، ص 141.

[7] سورة البقرة ، الآية 10 ؛ سورة المائدة ، الآية 52 ؛ سورة الأنفال ، الآية 49 ؛ سورة التوبة ، الآية 125 ؛ سورة الحج ، الآية 53 ؛ سورة النور ، الآية 50 ؛ سورة الأحزاب ، الآية 12 و 32 و 60 ؛ سورة محمد ، الآية 20 و 29 ؛ سورة المدثر ، الآية 31.

[8] سورة الشعراء ، الآية 87 الى 89.

[9] نهج البلاغة ، الخطبة 108.

[10] مستدرك الوسائل ، ج 1 ، ص 103 (الطبعة الجديدة).

[11] بحار الأنوار ، ج 75 ، ص 164.

[12] غُرر الحِكم ، ج 3 ، ص 167 ، (طبعة جامعة طهران).

[13] بحار الأنوار ، ج 70 ، ص 399.

[14] المصدر السابق ، ص 312.

[15] نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، كلمة 388.

[16] ميزان الحكمة ، ج 1 ، ص 630.

[17] سورة العلق ، الآية 8.

[18] سورة الإنشقاق ، الآية 6.

[19] سورة الرّعد ، الآية 2.

[20] سورة إبراهيم ، الآية 1.

[21] فاتحة الكتاب ، الآية 6.

[22] سورة الأنفال ، الآية 36.




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.