إن الموقع الجغرافي للعالم العربى يعرضه لتأثير كل أنواع الهواء المعروفة تقريبا ، ولكن أكثر الأنواع انتشارا وتأثيرا هي الأنواع الآتية :

1 - الهواء المدارى القارى (CT) : وهو أهم الأنواع وأعظمها تأثيرا ، ذلك إلى وقوع العالم العربي في العروض المدارية والمعتدلة الدافئة ، وإلى طبيعة أرضه وموقعه القارى . ويكاد هذا النوع يكون هو نوع الهواء الوحيد الذي يسيطر في فصل الصيف على مناخ معظم البلاد العربية الواقعة إلى الشمال خط عرض 015 شمالا، بل إن هذا العالم يعتبر من أهم مناطق نشأة هذا الهواء ، ولكنه كثيرا ما يصل إليه كذلك من الأقاليم القارية الواقعة في شماله أو في شماله الشرق ، حيث يصل عادة بشكل رياح شمالية أو شمالية شرقية ذات تأثير ملطف على حرارة فصل الصيف ، إلا أن صفاته تتباين بعض الشيء من مكان إلى آخر على حسب طبيعة السطح الذي يمر فوقه . فإذا كان مروره على مسطحات مائية فإنه يكتسب بعض الرطوبة فى أجزائه السفلى بينما تظل قطاعاته العليا جافة . وكثيرا ما يؤدى هذا الهواء إلى تكون الضباب أو الشابورة على بعض السواحل في ساعات الصباح ، ولكن على الرغم من أن الرطوبة النسبية لمثل هذا الهواء تصل أحيانا إلى مائة في المائة فإنها لا تؤدى عادة إلى تكون سحب كثيفة ، لأن الطبقة الهوائية الرطبة تكون عادة رقيقة .

2ـ   الهواء المدارى البحرى (m) : وأهم مصادره هي المحيطان الأطلسي والهندى ، فالمحيط الأطلسي هو مصدر الهواء الذي تحمله الرياح الغربية إلى المغرب العربي وشمال ليبيا وشمال مصر ، كما أنه هو مصدر الهواء الرطب الذي يصل إلى أواسط السودان وشماله فى فصل الصيف وإلى أجزائه الجنوبية في معظم شهور السنة ، وهو مصدر الأمطار التي تسقط على كل هذه المناطق ، كما أن بعض هذا الهواء يعتبر هضبة الحبشة والبحر الأحمر في فصل الصيف فيقابل مرتفعات اليمن وجنوب غرب المملكة العربية السعودية ويؤدى إلى سقوط الأمطار الصيفية عليها .

ويلاحظ أن الهواء المدارى البحرى يندفع أحيانا من المحيط الهندى والخليج العربي في مقدمة المنخفضات الجوية المتقدمة من الغرب عبر المملكة العربية السعودية نحو الخليج العربي فيؤدى إلى زيادة نسبة الرطوبة في الهواء ، ويصبح الجو بسببه رطبا ثقيلا ، وهي ظاهرة مألوفة في أواخر الصيف وأوائل الخريف في كل البلاد الساحلية بما فيها سواحل البحر المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الأطلسي ، ففى هذا الوقت من السنة تكون درجة حرارة سطح ماء البحار قد وصلت إلى أعلاها ويكون الهواء الذى فوقها محملا بكميات كبيرة من بخار الماء . فإذا ما وصل هذا الهواء إلى البلاد الساحلية فإنه يؤدى إلى تكون الضباب أو الشابوره والندى أثناء الليل وفى الصباح، وكلما تقدم النهار صار الجو حارا رطبا ثقيلا.

أما إذا اندفع هذا الهواء في مقدمة المنخفضات الجوية الشتوية فإنه يرتفع فوق الهواء المدارى القارى القادم من الشمال ويؤدى إلى تكون السحب وسقوط الأمطار، كما أن ملامسة هذا الهواء لسطح الأرض الساخن في فصل الربيع هو أحد الأسباب الرئيسية الخلق حالة عدم الاستقرار التي تؤدى إلى حدوث العواصف الرعدية الشديدة التي ينهمر معها للمطر بغزارة والتي يشتهر بها هذا الفصل .

3ـ الهواء القطبي القارى (CP) : ومصدره المعتاد هو السهول الشمالية لأوروبا وآسيا . ويرتبط وصوله إلى الأجزاء المختلفة للوطن العربي بمرور المنخفضات الجوية التى تتكون على حوض البحر المتوسط أو على جنوبى أوروبا أو شمالي إفريقيا ، ولهذا فإن كثرة وصوله وشدة تأثيره تتوقفان على كثرة هذه المنخفضات وعلى طبيعتها من حيث العمق وشدة انحدار الضغط الجوى نحو  مركزها . كما أن طبيعة هذا الخواء تختلف من فصل إلى آخر . فالهواء الذي يصل في فصل الشتاء يكون بجادة شديد البرودة ، فيؤدى إلى حدوث موجات باردة غير عادية ، وقد تنخفض درجة الحرارة عند وصوله إلى مادون درجة التجمد حتى في الأجزاء الوسطى والشمالية من شبه الجزيرة العربية ، وفى جنوب العراق وشمالي الخليج العربى . وقد تصحبه في بعض الأحيان عواصف ثلجية مدمرة في البلاد الشمالية من المشرق العربي وخصوصا في سوريا ولبنان . أما في البلاد الواقعة إلى الجنوب من البحر المتوسط فإن موجات البرد التي يجلبها هذا الهواء تكون أقل قسوة منها في البلاد الواقعة إلى الشرق منه ، لأن مروره على مياه البحر المتوسط الدافئة نسبيا يساعد على تخفيف حدة برودته ، وعلى زيادة نسبة الرطوبة فى قطاعاته السفلى بدرجة تجعله شبيها بالهواء القطبي البحرى . ولهذا فإنه يؤدى إلى تكوين الضباب والسحب المنخفضة ، وقد يؤدى إلى سقوط الأمطار .

وتتوقف المدة التي يستمر فيها غزو الهواء القطبي لأي مكان على مدة بقاء المنخفض الجوى الذى أدى إلى وصوله متمركزا في مكانه . فعلى الرغم من أن معظم المنخفضات الجوية تواصل تحركها من الغرب إلى الشرق فإن بعضها قد يتوقف في مكان واحد لبضعة أيام. وتعتبر جزيرة قبرص من أشهر المراكز التي تتوقف عندها المنخفضات الجوية في بعض الأحيان لبضعة أيام . فيؤدى هذا إلى استمرار الاضطرابات الجوية المرتبطة بها طول مدة توقفها . وتختلف هذه الاضطرابات من مكان إلى آخر على حسب موقع كل مكان منها بالنسبة المركز المنخفض الجوى . وقد يؤدى تمركز أحد المنخفضات النشطة على هذه الجزيرة لمدة أيام إلى اندفاع الهواء القطبي في مؤخرتها نحو الجنوب حتى أواسط السودان وأواسط شبه الجزيرة العربية حيث يحمل إليها موجات من البرد الشديد .

والهواء القطبي القارى هو أحد العوامل المهمة التي تؤدى إلى حدوث الزوابع الترابية والرملية فى أشهر الربيع وأوائل الصيف في المناطق الصحراوية والمناطق الواقعة على أطرافها. إذ أن سخونة سطح هذه المناطق تؤدى إلى حدوث حالة عدم استقرار فى الأجزاء السفلى من الهواء مما يساعد على نشاط التيارات الصاعدة التي تحمل الأتربة والرمال الناعمة إلى أعلى . ويساعدها على ذلك أن سطح الأرض يكون عندئذ جافا وفقيرا في حياته النباتية وتكون الرمال والأتربة مفككة وسهلة الحركة.

4ـ الهواء القطبي البحرى ( m ) : يصل هذا النوع من الهواء إلى الوطن العربي من المحيط الأطلسي الشمالي . وكما هي الحال بالنسبة للنوع القطبي القارى فإن وصوله يرتبط بنشاط المنخفضات الجوية في حوض البحر المتوسط والمناطق المحيطه به . وباستثناء البلاد المغربية والموريتانية التي قد يصلها هذا الهواء من شمالي المحيط الأطلسي مباشرة فإن وصوله إلى بقية الوطن العربى يكون عن طريق أوروبا والبحر المتوسط ، ولهذا فإن صفاته تكون معدلة بعض الشيء ، ولكنه يظل مع ذلك محتفظا بمعظم صفاته الرئيسية من حيث شدة البرودة وارتفاع نسبة الرطوبة . ويصل هذا الهواء عادة عند . مرور الجبهة الباردة أو بعد مرورها مباشرة ، وهو المسئول عن تكون السحب وسقوط الأمطار التي تتميز بها هذه المرحلة من مراحل المنخفضات الجوية ، حيث أن مرورها على سطح مياه البحر المتوسط الدافئة يساعد على زيادة رطوبتها وعلى خلق عدم استقرار بها . والموسم الرئيسى لوصول هذا الهواء هو فصل الشتاء وأوائل الخريف.