أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-7-2022
2715
التاريخ: 8-7-2022
2147
التاريخ: 16-7-2022
1912
التاريخ: 5-7-2019
1505
|
هذه القاعدة من أشهر القواعد الفقهيّة، الّتي يستدلّ بها في جُلّ أبواب الفقه من العبادات والمعاملات، بل هي المدرك الوحيد لكثير من المسائل، ولهذا أفردها العلماء بالبحث والتحقيق، وصنّف فيها غير واحد من العلماء رسائل مستقلّة، بيّنوا فيها حال القاعدة من حيث مدركها ومعناها، وفروعها ونتائجها، وهي من القواعد المهمّة في مقام الاستنباط، فإنّه بناءً على كون المقصود منها نفي الحكم الّذي ينشأ منه الضرر، فسوف يثبت لدى الفقيه نفي وجوب الوضوء إذا ترتّب عليه الضرر...، وهكذا الحال في موارد الضرر الكثيرة .
ويعتمد في إثباتها على مجموعة من الروايات أبرزها، قضيّة سَمُرة بن جندب مع الرجل الأنصاري، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: "إنّ سمرة بن جندب كان له عذق(1) في حائط لرجل من الأنصار. وكان منزل الأنصاريّ بباب البستان، وكان يمرُّ به إلى نخلته ولا يستأذن، فكلّمه الأنصاريّ أن يستأذن إذا جاء، فأبى سمرة، فلما تأبّى جاء الأنصاريّ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فشكا إليه وخبّره الخبر، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخبّره بقول الأنصاري، وما شكاه،
وقال: إن أردت الدخول فاستأذن، فأبى، فلمّا أبى ساومه حتّى بلغ به الثمن ما شاء الله، فأبى أن يبيع، فقال: لك بها عذق يمدّ لك في الجنّة، فأبى أن يقبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأنصاريّ: إذهب فاقلعها، وارم بها إليه، ولا ضرر ولا ضرار"(1) . على أنّنا سنفصّل الاستدلال بهذه الرواية وغيرها في سياق الدرس، وقد ذكرناها، هنا، لبيان منشأ القاعدة فقط .
بيان المراد من القاعدة
تعدّدت الأقوال في المقصود من قاعدة لا ضرر ولا ضرار، نكتفي بذكر ثلاثة أقوال مهمّة ومشهورة، وهي:
الأوّل: ما ذهب إليه شيخ الشريعة الأصفهاني قدس سره: هو أنّ المقصود النهي وإفادة تحريم الضرر تكليفاً، فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا ضرر: أي يحرم الضرر. فيحرم إيجاد ضرر بالغير، أو مطلقاً حتّى على النفس، فيكون مساقها مساق قوله تعالى: ﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ...﴾(3) ، حيث إنّ الآية الشريفة تدلّ على حرمة هذه الأمور في الحجّ من خلال النهي عن الرفث (الفحش والجماع)، والفسوق (الكذب)، والجدال (الحلف بقول: لا والله ونحوه). ونظائرها كثيرة في الأخبار، حيث يكون ظاهر الكلام النفي، ولكن أريد منه النهي، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا سبق إلّا في خف أو حافر أو نصل"(4)، وغير ذلك من الموارد العديدة. ولقد أصرّ شيخ الشريعة الإصفهاني قدس سره على هذا القول(5) .
الثاني: ما ذهب إليه الإمام الخمينيّ قدس سره:
وخلاصته: إنّ القاعدة لم يذكرها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على أنّها قاعدة من القواعد
الإلهيّة الّتي أُمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغها كقانون من الله تعالى، وإنّما ذلك حكم صادر عنه صلى الله عليه وآله وسلم بما هو رئيس للحكومة الإسلاميّة، فالقاعدة حكم سلطانيّ وحكوميّ وليس إلهيّاً. وتوجيه ذلك أنّه يوجد احتمال آخر في معنى الحديث ، وهو أنّ مفاد هذه القاعدة حكم سلطانيّ بمنع إضرار الناس بعضهم ببعض، فإنّ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مقامات ثلاثة:
1- مقام النبوّة وتبليغ الرسالة، وهومن هذه الجهة مبلّغ عن الله - تعالى -، وحاكٍ لأحكامه الظاهريّة والواقعيّة، كالمجتهد بالنسبة إلى الأحكام الشرعيّة المستفادة من الكتاب والسنّة .
2- مقام القضاء: وذلك عند تنازع الناس في حقوقهم وأموالهم، فللنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم القضاء وفصل الخصومة بينهم .
3- مقام السلطنة والرياسة من قبل الله تعالى: فأمره ونهيه نافذان فيما يراه مصلحة للأمّة، كنصب أمراء الجيوش، والقضاة وأشباهها. والظاهر أنّ حكمه صلى الله عليه وآله وسلم في قضيّة سمرة بنفي الضرر والضرار ليس من الأوّل ولا الثاني, لأنّه لم يكن للأنصاريّ ولا لسمرة شكّ في حكم تكليفيّ أو وضعيّ في قضيّتهما، أو تنازع في حقّ اختلفا فيه من جهة اشتباههما في المصاديق أو الحكم، وإنّما وقع ما وقع من الأنصاريّ في مقام الشكوى والتظلّم والاستنصار منه صلى الله عليه وآله وسلم بما أنّه سلطان على المسلمين، وسائسهم، مع وضوح الحكم والموضوع كليهما، فأمره صلى الله عليه وآله وسلم بقلع النخلة حسماً لمادّة الفساد، ثمّ عقّبه بقوله: "لا ضرر ولا ضرار"، فهذا حكم سلطانيّ عامّ بعد حكمه الخاصّ، ومعناه أنّه لا يضرّ أحد أحداً في حِمى سلطاني ...، وعلى جميع الأمّة إطاعته في ذلك، والانتهاء بنهيه، لا بما أنّه حكم من أحكام الله، بل بما أنّه حكم من قبل سلطان مفترض الطاعة، ويشهد لهذا المعنى تصدير هذه الفقرة في رواية عبادة بن صامت، المرويّة من طرق السنّة بقوله: "وقضى". وبالنتيجة يكون الأمر بالقطع لقطع مادّة الفساد المتوقّع في المقام، وأنّه لا يظلم أحد أحداً في حكومة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ودولته (6) .
الثالث: ما ذهب إليه الشيخ الأنصاريّ (7): ويقصد به نفي تشريع الحكم الّذي يستلزم الضرر ويسبّبه، أي لا حكم ينشأ منه الضرر. وهذا ما اختاره جمع من الأعلام أيضاً، فيكون مفادها نفي الحكم الضرري، بمعنى أنّ كلّ حكم صدر من الشارع، فإن استلزم ضرراً أو حصل من قِبَل جعله ضررٌ على العباد - سواء أكان الضرر على نفس المكلّف، أم على غيره - (كوجوب الوضوء الّذي حصل من قِبَل وجوبه ضرر ماليّ أو بدنيّ على المكلّف، وكلزوم المعاملة في المعاملة الغبنيّة، حيث نشأ من قبله ضرر على المغبون) يكون مرفوعاً .
ولا يخفى أنّه، بناءً على هذا القول، استعملت كلمة "لا" في معناها الحقيقيّ، لأنّ معناها الحقيقيّ نفي جنس مدخوله حقيقة لا ادعاءً، ولا شكّ في أنّ رفع الحكم الضرريّ من الشارع رفع حقيقيّ, لأنّه لا وجود للحكم الضرريّ - لوكان - إلّا في عالم التشريع، والمفروض أنّه رفعه بهذه الجملة بناءً على هذا القول .
وهذا الرأي هو القول المشهور (8)، وذلك من جهة أنّه لا شكّ في أنّه صلى الله عليه وآله وسلم في مقام التشريع، وفي مقام أنّ الحكم المشروع في المقام حكم امتنانيّ على الأمّة، ويمكن توجيهه بأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حينما يتكلّم لا بدّ وأن يتكلّم بما هو شارع، والشارع حينما يخبر عن عدم الضرر، لا بدّ وأن يكون مقصوده نفي تحقّق الضرر من ناحية أحكامه وتشريعاته، وعليه يثبت كون المقصود نفي تحقّق الضرر في حقّ المكلّف من ناحية التشريع والأحكام، فكلّ حكم يكون ثبوته مستلزماً للضرر يكون منتفياً .
وينبغي أن يكون واضحاً أنّنا لا نقصد من خلال هذا البيان دعوى أنّ كلمة "ضرر" قد استعملت بمعنى الحكم ليقال: إنّه لم يعهد استعمال كلمة "ضرر" بمعنى الحكم، بل نقصد دعوى أنّ الّذي توجّه إليه النفي هو نفس الضرر بمعناه الحقيقيّ، غايته ندّعي أنّ النفي بلحاظ عالم التشريع وليس بلحاظ عالم الوجود الخارجيّ. ولا معنى لنفي تحقّق الضرر من زاوية عالم التشريع، إلّا ما تقدّمت الإشارة إليه، وهو نفي كلّ حكم يستلزم تشريعه الضرر على المكلّف .
_______________
(1) العذق على ما في المنجد: كلّ غصن له شعب، والحائط هو البستان .
(2) العاملي، وسائل الشيعة، م.س، ج25، باب12 من أبواب إحياء الموات، ح3، ص428-429 .
(3) البقرة: 197 .
(4) الكليني، الكافي، م.س، ج5، باب فضل ارتباط الخيل، ح14، ص50 .
(5) السيستاني، قاعدة لا ضرر ولا ضرار، م.س، ص24-27 .
(6) بتصرّف: الخميني، روح الله: بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، تحقيق ونشر مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره،ط2، قم المقدّسة، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، 1414هـ.ق .
(7) الأنصاري، فرائد الأصول، م.س، ص315 .
(8) الأنصاري، مرتضى: المكاسب، ص372؛ الخوانساري، موسى بن محمّد: منية الطالب، ج2، ص201 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|