المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9103 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



عصمة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام  
  
412   04:18 مساءً   التاريخ: 2024-07-14
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : الحق المبين في معرفة المعصومين
الجزء والصفحة : ص249-258
القسم : سيرة الرسول وآله / السيدة فاطمة الزهراء / مناقبها /

بسم الله الرحمن الرحيم

( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) . ( سورة التوبة : 122 )

عرَّف صاحب المعالم رحمه الله الفقه بأنه : العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية .

لكن هذا التعريف لا يتم ، لأن القرآن والسنة القطعية لم يحصرا الفقه في هذا النطاق ، وهذا بحث مهم ينفع تحقيقه في مباحث الإجتهاد والتقليد بشكل خاص ، وفي بحث ولاية الفقيه ، وفي بحث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي بحث وجوب تعليم الجاهل وإرشاده ، وبحث حجية الخبر ، وحجية الفتوى .

أما في الآية فإن ( لولا ) للتحضيض على التفقه في الدين ، وليس على التفقه فقط في أحكام الطهارة ، فالطهارة جزء صغير من الدين ، وليست هي الدين ، وبعض الشيء ليس هو الشيء !

والفقه المعروف بالأقسام الأربعة : الإيقاعات ، والعقود ، والأحكام ، والعبادات ، كله قسم صغير من الفقه ، بل الفقه أوسع منه بكثير !

فالفقيه في رأي الإمام الصادق عليه السلام ليس هو فقط الذي تعلم علم أصول الفقه وعرف مبانيه ، من أول مبحث وضع الألفاظ إلى آخر مبحث التعادل والتراجيح ، وتعلم علم الفقه من أول بحث طهارة الماء المطلق إلى آخر أحكام العاقلة . فقوله تعالى : لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ . يدل على أن الإنذار يجب أن يكون بكل الدين ، وأن يكون الفقيه فقيهاً بكل الدين وهذه الحقيقة يجب أن تكون واضحة لكم أنتم الذين تسيرون في طريق الفقاهة ، فالفقيه الذي يكتفي بصفة نصف فقيه ، كمن يترك بناءه على النصف ، لا يمكنه أن يحل المشكلة الدينية للناس !

الفقهاء الذين عينتهم الآية الكريمة : فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ، لحل المشكلة ، هم طائفة منتخبة من كل فرقة ، وهم ثمرات الناس الذين لهم صلاحية أن يتفقهوا ، ثم ينذروا !

لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين . . أي دين ؟ إنه ذلك الدين الذي وصى به إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( سورة البقرة : 132 ) والذي قال عنه الله تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( سورة آل عمران : 19 ) ، فالتفقه المطلوب هو التفقه في الإسلام ، وصاحبه هو الفقيه المطلوب في الآية الكريمة ، وذلك الفقيه هو الإكسير الأعظم .

عندنا مثلاً في الأحكام الفقهية : ملعون من أخر الصلاة حتى تشتبك النجوم ، وعندنا : ملعون من أحب الرئاسة ، فلماذا نعتبر النص الأول حكماً فقهياً ولا نعتبر الثاني حكماً فقهياً ؟ ! فكما نبحث في معنى لعن من أخر الصلاة حتى تشتبك النجوم ، وأنه هل يدل على الحرمة أو الكراهة ، وما هو الموضوع فيه وما هو المحمول ، يجب أن نبحث ما يدل عليه لعن من أحب الرئاسة ، وما هو حب الرئاسة ، وهل اللعن فيه تمحيضي أو تحريمي ؟ ! إنها مسألة مهمة ، وأغلبكم والحمد لله في مستوى علمي كالثمر عند بدو صلاحه .

وعندنا مثلاً وجوب التولي والتبري ، فالواجب علينا أن نتبرأ من كل من أغضب ولي الله وحجته عليه السلام ، فهل هذا فقه أوليس فقهاً ؟

وهل أن التولي والتبري واجب أو مستحب ؟

وإن كان واجباً ، فما هو موضوعه وما محموله ؟ وما هي النسبة بين هذين الفرضين ، هل يمكن أن ينقص أحدهما عن الآخر ، أم يجب أن يساوق التبري التولي في كل مستوى تم عليه الدليل برهاناً وعقلاً كتاباً وسنة ؟ !

وما دامت هذه من مسائل الدين ، فلا بد لنا أن نتفقه فيها ، لأنها مشمولة للمأمور به في الآية : لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين ، ومشمولة بوجوب الإنذار بعد التفقه : وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ .

إن مقام الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله عليها مقامٌ عظيمٌ ، وحقها في أعناق المسلمين حقٌّ كبير ، ونحن مع الأسف لم نعمل لبيان حقها كما يجب !

إني أخاف أن تعقد محكمة لمحاكمتنا في الدنيا يكون القاضي فيها صاحب الزمان أرواحنا فداه . أو في الآخرة يكون القاضي فيها الله تعالى ، وأن نسأل هل عملنا لإحقاق فاطمة الزهراء عليها السلام بمقدار اعتراف فقيه سني ؟ أخشى أن نكون عاجزين عن الجواب !

ولننظر إلى ما رواه البخاري وما أثبته من حقها عليها السلام ولو عن غير عمد ! فالبخاري مقبول عند أشد المتعصبين منهم ، وأشد نقاد حديثهم ! وقد روى عن أبي الوليد عن ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( فاطمة بضعة مني ، من أغضبها فقد أغضبني ) . نوجه كلامنا حول هذا الحديث إلى الفقيه السني وليس إلى السفيه ! فماذا تقضي فقاهته في سند هذا الحديث ، ودلالته ؟

أما سنده فهو عندهم في الدرجة العليا حيث رواه البخاري الذي ( يحتاط ) في الرواية عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام !

وقد صحح هذا الحديث الذهبي الذي يعتبرونه أنقد نقادهم للحديث ، وصحح حديث : ( إن الرب يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضب فاطمة ) فالحديث عندهم في حد مقطوع الصدور عن النبي صلى الله عليه وآله ،[1] ونحن أردنا حديث البخاري مفسراً ومؤيداً لحديث الذهبي ، فعلى ماذا يدل هذا الحديث ؟

من أين ينشأ الرضا والغضب في أنواع الناس ؟

تقوم حياة النبات على قوتين ، قوة جذب الملائم ، وقوة دفع المنافر . وتظهر هاتان القوتان في حياة الحيوان بصورة قوة رضا وقوة غضب ، وتستمدان وجودهما من الطبع والغريزة .

وأما في حياة الإنسان ، ولا نقصد بها حياتنا نحن ، فليس مجلسنا هذا مجلس مجاملات ، إن معنى حياة الإنسان أن يصل أحدنا إلى درجة الإنسان الذي دعامة وجوده العقل : دعامة الإنسان العقل .[2] حينئذ يكون العقل منشأ كل رضاه وغضبه ، أما قبل ذلك فمنشؤهما الطبع والغريزة !

هل وصلت أنا إلى مرحلة الإنسان الذي ينشأ رضاه وغضبه من عقله ؟ أقول : كلا ، أبداً ، وكل عاقل لابد أن يعرف في أول درجات تعقله أنه لم يبلغ درجة الإنسان العاقل ، وهذا الاعتراف أمر مهم !

نحن إلى الآن لم نلتفت إلى محك إنسانيتنا وميزانها ما هو ؟ فنحن نرضى ونغضب لذواتنا ومكانتنا الاجتماعية ، ولا أقول إن رضانا وغضبنا لحاجاتنا البدنية !

فلينظر أحدنا إلى نفسه عندما يتركه شخص كان يثق به ويعتقد به ، هل ينقبض ويحزن ؟ فهو إذن ذئب ، ولم يصر إنساناً !

إن عمامة أحدنا لا تمنع أن يكون ما تحتها ذئب !

فلن يصير أحدنا إنساناً إلا إذا صار منشأ غضبه ورضاه العقل ، وليس الغريزة !

وإذا رأينا في حياتنا أن رضانا أو غضبنا نشأ ذات مرة من العقل ، فقد صار أحدنا ذات مرة إنساناً ! فإن عدنا إلى الرضا والغضب للبطن أو الفرج ، فنحن من تلك الحيوانات ، غاية الأمر أننا على شكل الناس !

أما الإنسان العقلاني فهو الذي يرضى دائماً لرضا العقل ، ويغضب لغضب العقل !

فإن كنت تعرف شخصاً على وجه الكرة الأرضية بلغ في شخصيته هذه الدرجة فدلني عليه حتى أذهب اليه وأقبل يده ، بل أقبل غبار قدميه !

وإن فوق هذه المرتبة مقاماً يمكن أن يبلغه الإنسان ، حيث تصير إرادته فانية في إرادة الله تعالى ، فلا يكون له مع إرادة ربه إرادة ! وهي درجة تجعله في كل أموره يرضى لرضا الله ويغضب لغضب ربه ! يعني لو قتلوا ابنه فهو يغضب لغضب الرب وليس لنفسه ، ولو أحيوا ابنه فهو يرضى لرضا الرب ، وليس لنفسه !

إن تصور هذا المستوى أمر صعب ، فكيف بتحققه ؟ !

وهذا هو مقام عصمة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله ، عصمة ذلك المخلوق الذي لا نظير لوجوده في جميع المخلوقات ، الذي ذاب حبه وبغضه وفني في حب الله وبغضه ! فلا يحب إلا ما يحبه الله ، ولا يبغض إلا ما يبغضه الله تعالى !

وهذا هو البشر الذي وصل إلى درجة : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى . ( سورة النجم : 3 - 4 ) وهذه المرحلة والدرجة هي التي يعبر عنها بالعصمة الخاتمية وهي غير العصمة الإبراهيمية ، والعصمة الإبراهيمية غير العصمة اليونسية .

إن عصمة يونس عليه السلام عصمة ، لكن فيها : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . ( سورة الأنبياء : 87 ) ، إنه نبي معصوم ولكن في حياته نقاطاً يحتاج أن يصل منها إلى درجة : سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين . وقبل بطن الحوت لم يصل إليها !

ونبي الله يوسف نبي معصوم ، وبرهان ربه الذي رآه هو عصمته : وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ . ( سورة يوسف : 24 ) ، لكنها عصمة بمستوى : وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِين . ( سورة يوسف : 42 ) ، أما التسليم المطلق لحب الله وبغضه ورضاه وغضبه ، فهو مقام خاص بأفضل الخلق وخاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله ، ففي هذا المقام نستطيع أن نقول إنه يرضى لرضا الله ويغضب لغضبه مطلقاً ، وأن الله تعالى يرى لرضاه ويغضب لغضبه !

فهل فهم البخاري والذهبي ما روياه عن خير الخلق وصححاه : إن الرب يرضا لرضا فاطمة ويغضب لغضب فاطمة ؟ ! وهل فهما أن النبي صلى الله عليه وآله لو قال : إن فاطمة ترضى لرضا الرب وتغضب لغضبه ، فقط ، لدل ذلك على أن رضاها وغضبها منشؤه من الله تعالى فقط ، وليس من نفسها ولا من عالم الخلق ، وكان معناه درجة العصمة الكبرى التي لرسول الله صلى الله عليه وآله ؟ !

فما معنى قوله صلى الله عليه وآله بعد هذا المقام : إن الرب يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضب فاطمة ؟ ما معنى الصعود إلى درجة أعلى تكون لام الرضا من جهة فاطمة عليها السلام ؟ ! هنا يفهم الكلام من يعرف فاطمة عليها السلام ما هي ؟

والذي يعرف فاطمة من هي هو الإمام جعفر الصادق عليه السلام الذي يقول : إنما سميت فاطمة فاطمة ، لأن الناس فطموا عن معرفتها . ( تفسير فرات ص 581 ، البحار : 43 / 65 )

فثبت بالدليل أننا مفطومون عن معرفتها ، لأننا عاجزون عن معرفة تلك الدرجة الأعلى التي تجعل الله تعالى يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ! ! عاجزون عن معرفة هذه المخلوقة الربانية ، والحوراء الإنسية ، ما هي ، وفي أي أفق هي ؟ !

لقد كشف لنا أمير المؤمنين عليه السلام ليلة دفنها عن نافذة من مقامها عليها السلام ، حيث قال : أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمُسَهَّد ! ( أمالي المفيد ص 281 )

وينبغي أن نعرف أن الذي يقول ذلك هو الذي عرف الدنيا والآخرة ، ووضعهما كلتيهما تحت قدميه ! لكن غصة فقد فاطمة أرهقته ، لأنه يعرف من هي فاطمة ! لاحظوا كلماته عليه السلام عندما صلى على جنازتها ، فقد حدث عند جنازتها ما لم يحدث عند جنازة أحد ! ولا نستطيع أن نذكر أكثر من هذا :

في البحار عن مصباح الأنوار للخوارزمي عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام قال :

إن أمير المؤمنين عليه السلام غسل فاطمة عليها السلام ثلاثاً وخمساً ، وجعل في الغسلة الخامسة الآخرة شيئاً من الكافور ، وأشعرها مئزراً سابغاً دون الكفن ، وكان هو الذي يلي ذلك منها ، وهو يقول : اللهم إنها أمتك ، وبنت رسولك ، وصفيك وخيرتك من خلقك ، اللهم لقنها حجتها ، وأعظم برهانها ، وأعل درجتها ، واجمع بينها وبين أبيها محمد صلى الله عليه وآله . فلما جن الليل غسلها علي ، ووضعها على السرير ، وقال للحسن أدع لي أبا ذر فدعاه ، فحملاها إلى المصلى ، فصلى عليها ثم صلى ركعتين ، ورفع يديه إلى السماء فنادى : هذه بنت نبيك فاطمة ، أخرجتها من الظلمات إلى النور ، فأضاءت الأرض ميلا في ميل ! ( مقتل الحسين للخوارزمي 1 : 86 ، البحار 43 : 214 ، عوالم العلوم : 11 / 514 ط . ثانية ) .

ورفع يديه إلى السماء فنادى : هذه بنت نبيك فاطمة أخرجتها من الظلمات إلى النور !

ماذا يعني هذا الكلام ؟ ! لاحظوا أنه عليه السلام قال ذلك مجملاً ، فهذا المطلب لا يمكن أن يقوله لغير الله تعالى ! قال له إلهي إنك أخذت فاطمة من هذه الدنيا المظلمة ، إلى حيث النور نور السماوات والأرض .

ولاحظوا أن الله أجاب علياً وكأنه قال له نعم نقلتها إلى النور حيث خلقت روحها من نور ربها وفي نور ربها ، وما أن أكمل أمير المؤمنين عليه السلام كلمته حتى أضاء نورها من نقطة بدنها الطاهر عليها السلام إلى ميل في ميل ، تصديقاً لعلي عليه السلام وتطميناً له !

ماذا يعني هذا ؟ ! يعني أن حقيقة : إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، للجميع ، أما فاطمة فإلى نور عظمة الله الذي منه خلقت ، وإليه عادت !

هذه فاطمة . . وإلى ذلك النور ذهبت روحها ، وبهذا النحو استقبل ذلك العالم بدنها الذي كان في عالم الظلمة !

وهذه فاطمة التي بلغت مقام : إن الرب ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها ! ومن المهم هنا أن نشير إلى أن البخاري يروي في صحيحه عن عائشة أنها قالت : فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ! ( : 4 / 41 ) . وروى غيره أنها أوصت علياً عليه السلام أن يدفنها سراً ولا يعلمهم بجنازتها !

وبهذه الاعترافات تكتمل مواد الحكم عليهم ، في صغرى وكبرى ونتيجة القياس ، فهذا ما تقوله السنة : إن الله ليغضب لغضبها ، وتقول إنها غضبت على أبي بكر وهجرته حتى توفيت فحل عليه غضب الله ، والقرآن يقول : وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ! ( سورة طه : 81 )

فلا طريق أمام الفقيه السني الذي يقرأ في صلاته كل يوم عشر مرات : صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ، إلا أن يتنازل عن أئمته ، أو عن القرآن ، أو عن السنة !

نعم يوجد بديل واحد لذلك أن يكون : مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . ( سورة الجمعة : 5 )

 


[1] في مستدرك الحاكم : 3 / 154 : ( قال النبي صلى الله عليه وآله لفاطمة : إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك . هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

وفي مجمع الزوائد : 9 / 203 : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك . رواه الطبراني وإسناده حسن ) .

وهو في الطبراني الكبير : 1 / 108 ، ولم أجد تصريح الذهبي بتصحيحه في ميزان الإعتدال ، وقد يفهم ذلك من توثيقه للقزاز في : 2 / 492 ، وهو في سلسلة رواته عند الطبري .

وقال الصالحي في سبل الهدى والرشاد : 11 / 44 : ( الرابع : في أن الله تبارك وتعالى يرضى لرضاها ، ويغضب لغضبها . روى الطبراني بإسناد حسن ، وابن السني في معجمه وأبو سعيد النيسابوري في الشرف ، عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة : إن الله تعالى يغضب لغضبك ويرضي لرضاك . انتهى .

وهو مستفيض في مصادرنا ، راجع عيون أخبار الرضا عليه السلام : 2 / 26 ، وأمالي الصدوق : 1 / 313 ، وأمالي المفيد ، وغيرها .

[2] في علل الشرائع : 1 / 103 : ( حدثنا محمد بن الحسن قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : دعامة الانسان العقل ، ومن العقل الفطنة والفهم والحفظ والعلم ، فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالماً حافظاً ذكياً فطناً فهماً ، وبالعقل يكمل ، وهو دليله ومبصره ، ومفتاح أمره ) .

وفي الكافي 1 / 25 : ( عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد مرسلاً ، قال : قال أبو عبد الله : دعامة الإنسان العقل ، والعقل منه الفطنة والفهم ، والحفظ والعلم ، وبالعقل يكمل ، وهو دليله ومبصره ، ومفتاح أمره ، فإذا كان تأييد عقله من النور كان عالماً ، حافظاً ، ذاكراً فطناً ، فهماً ، فعلم بذلك كيفَ ولمَ وحيثُ ، وعرف من نصَحَهُ ومن غشَّهُ ، فإذا عرف ذلك عرف مجراه وموصوله ومفصوله ، وأخلص الوحدانية لله ، والإقرار بالطاعة ، فإذا فعل ذلك كان مستدركاً لما فات ، ووارداً على ما هو آت ، يعرف ما هو فيه ، ولأي شئ هو ههنا ، ومن أين يأتيه وإلى ما هو صائر ، وذلك كله من تأييد العقل ) .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.