المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6291 موضوعاً

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
داء المستخفيات الرئوية Pulmonary cryptococcosis
2024-12-22
احكام الوضوء وكيفيته
2024-12-22
أحكام النفاس
2024-12-22
من له الحق في طلب إعادة المحاكمة في القوانين الجزائية الإجرائية الخاصة
2024-12-22
PRIONS
2024-12-22
أحكام المياه
2024-12-22



الحديث الصحيح.  
  
1084   10:06 صباحاً   التاريخ: 2024-02-24
المؤلف : أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ جمعها ونظّمها السيّد محمّد البكّاء.
الكتاب أو المصدر : قبسات من علم الرجال
الجزء والصفحة : ج3، ص 31 ـ 43.
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الحديث / أقسام الحديث /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-8-2016 1432
التاريخ: 2024-12-18 97
التاريخ: 31-8-2016 1264
التاريخ: 2024-12-04 238

الحديث الصحيح (1):

ذكر غير واحد من الأعلام أنّ (الصحيح) يصطلح به عند المتأخرين ـ من زمن السيد ابن طاووس - للحديث الذي يكون كل واحد من رواة سنده إمامياً عادلاً ضابطاً، ولكن وقع الاختلاف بينهم فيما يقصد بالصحيح عند القدماء، وفي ذلك رأيان:

(الأول): ما أفاده المعظم من أنّ مرادهم بالصحيح هو الخبر الذي يقطع أو يطمأن بصدوره سواء من جهة ثبوت وثاقة رواته أو لبعض القرائن والشواهد الخارجية.

قال المحقق الشيخ حسن نجل الشهيد الثاني في مقدمة المنتقى (2) بعد ذكر مصطلح المتأخّرين في الخبر الصحيح: (إنّ القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعاً لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر وإن اشتمل طريقه على ضعف كما أشرنا إليه سالفاً، فلم يكن للصحيح كثير مزية توجب له التمييز باصطلاح أو غيره، فلمّا اندرست تلك الآثار واستقلّت الأسانيد بالأخبار اضطر المتأخّرون إلى تمييز الخالي من الريب وتعيين البعيد عن الشك؛ فاصطلحوا على ما قدّمنا بيانه، ولا يكاد يعلم وجود هذا الاصطلاح قبل زمن العلّامة إلا من السيد جمال الدين بن طاووس  - رحمه الله - وإذا اطلقت الصحة في كلام من تقدّم فمرادهم منها الثبوت أو الصدق، وقد قوي الوهم في هذا الباب على بعض من عاصرناه من مشايخنا، فاعتمد في توثيق كثير من المجهولين على صحة الرواية عنهم واشتمالها على أحد الجماعة الذين نقلوا الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم وهم ثمانية عشر رجلاً ذكرهم الكشي).

وقال الشيخ البهائي (3) بعد ذكر مصطلح المتأخرين أيضاً: (وهذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا قدس الله أرواحهم، كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كل حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه، أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون اليه).

وقال العلّامة المجلسي الأول (4): (الظاهر من طريقة القدماء لا سيما أصحابنا أن مرادهم بالصحيح ما علم وروده من المعصوم عليه السلام).

وقال المحقّق الوحيد البهبهاني (5): (اعلم أنّ الحديث الصحيح عنـد القدماء هو ما وثقوا بكونه من المعصوم عليه السلام، أعم من أن يكون منشأ وثوقهم كون الراوي من الثقات أو أمارات أخر، ويكونوا يقطعون بصدوره عنه (عليه السلام) له أو يظنون).

(الثاني): ما أصرّ عليه المحدّث النوري من أنّ مرادهم بالصحيح هو يكون كل واحد من رواة سنده من الثقات وإن لم يكن إماميّاً عادلاً.

قال (قده) (6) بعد نقل كلام المحقّق الشيخ حسن والإشارة إلى ما أفاده الشيخ البهائي: (نحن نسأل الشيخ وهذا المحقّق عن مأخذ هذه النسبة ومدرك هذا القول؟ فإنّا لم نجد في كلمات القدماء ما يدل على ذلك، بل هي على خلاف ما نسباه ومن تبعهما إليهم، بل وجدناهم يطلقون الصحيح غالباً على رواية الثقة وإن كان غير الإمامي).

ثم تكلّم (قده) في موردين:

 (المورد الأول): عدم إطلاق القدماء الصحيح على الخبر نفسه إذا قامت القرائن على صحة مضمونه ومؤدّاه، واستشهد لذلك بكلام الشيخ (قده) في العدّة (7) حيث قال: (إنّ ما يتضمنه خبر الواحد إذا وافقه مقطوع على صحته أيضاً، وجب العمل به وإن لم يكن ذلك دليلاً على صحة نفس الخبر؛ لجواز أن يكون الخبر كذباً وإن وافق السنّة المقطوع بها).

ثم حكى قول الشيخ (قده) في الخبر المطابق للإجماع: (فإنّه متى كان كذلك دلّ أيضاً على صحة متضمّنه، ولا يمكننا أيضاً أن نجعل إجماعهم دليلاً على صحة نفس الخبر؛ لجواز أن يكونوا أجمعوا على ذلك عن دليل غير الخبر أو خبر غير هذا الخبر، ولم ينقلوه استغناء بإجماعهم على العمل به، ولا يدل ذلك على صحة نفس الخبر، فهذه القرائن كلّها تدل على صحة متضمن أخبار الآحاد ولا تدل على صحتها أنفسها لما بيّناه من جواز أن تكون الأخبار مصنوعة وإن وافقت هذه الأدلة).

وقال تعقيباً عليه: (انظر كيف صرّح في مواضع عديدة بأنّ موافقة هذه الأدلة لا توجب الصحة في نفس الخبر ولا يصير الخبر بها صحيحاً، وعلى هذا كافة الأصحاب، ومع ذلك كيف يجوز نسبة ذلك إليهم من غير اكتراث، ثم ترتيب الآثار عليها؟).

ثم قال: (والظاهر أنّ الشيخ - ويقصد صاحب المنتقى ـ ومن تبعه اشتبه عليهم المعمول به بالصحيح، ولا ملازمة بينهما كما عند المتأخّرين - كالضعيف المنجبر والحسن عند من يرى حجيته - فلا بدّ في المقام من ذكر موارد أطلقوا الصحيح على خبر غير الثقة لمجرّد الاقتران، وإلا فاعتمادهم ببعض القرائن في مقام العمل لا ينهض لإثبات الدعوى).

(المورد الثاني): إطلاق القدماء الصحيح على خبر الثقة - ولو من غير الإمامي - كثيراً، وفي موارد لا يبعد بعد ملاحظتها دعوى الاطمئنان بانحصار مصطلحهم فيه. ثم ذكر تلك الموارد، وهي كما يأتي مع ما ذكره في وجه الاستشهاد بها:

1 - تعبير الكليني في مقدمة الكافي (8) بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهما السلام

قال: قد أوضحنا في الفائدة الرابعة - أي من خاتمة المستدرك – أنّ المراد منها أخبار الثقات، وله في باب ميراث ابن أخ وجد كلام أوضح منه) أقول: الذي ذكره في تلك الفائدة هو ما نصّه (9): (إذا شهد ثقة الإسلام بكون أحاديث الكافي صحيحة، فسبب الشهادة إمّا وثاقة رواتها فلا إشكال فيه؛ لأنّها في حكم توثيق جميعهم بالمعنى الأعم، وأيّ فرق في الأخذ بقول المزكّي العادل بين تزكية واحد بعينه أو جماعة معلومين متسمين مشتركين في أمر واحد ..، أو كونها مأخوذة من تلك الأصول والكتب المعتبرة عند الإمامية كافة، وهي شهادة حسية أبعد من الخطأ والغلط من التوثيق، فإنّ حاصلها أنّي نقلت الحديث الفلاني من الكتاب الفلاني، واحتمال الاشتباه فيه سد لباب الشهادات، وكذا لو كان بعضها للوثاقة وبعضها لا للأخذ من تلك الأصول، كما لعلّه كذلك).

وأمّا ما ذكره الكليني في الباب المشار إليه فهو قوله بعد ذكر عدة روايات آخرها مرسلة إسماعيل بن منصور (10): (هذا قد روي وهي أخبار صحيحة إلا أنّ إجماع العصابة أنّ منزلة الجد منزلة الأخ من الأب...).

2 - قول الصدوق (11): (وأمّا خبر صلاة يوم غدیر خم والثواب المذكور فيه فإنّ شيخنا محمد بن الحسن (رضي الله عنه) كان لا يصحّحه، ويقول: إنّه طريق محمد بن موسى الهمداني وانّه غير ثقة، وكلّما لم يصحّحه ذلك الشيخ (قدّس الله روحه) ولم يحكم بصحته من الأخبار، فهو عندنا متروك غير صحيح).

قال المحدّث النوري: (ولا يخفى على المتأمّل أنّ المراد من الصحيح في أول الكلام ما كان تمام رواته، ثقات، فيكون في آخره كذلك، مع أنّ غير الوثاقة ممّا عدّوه من أسباب الصحة - كالوجود في الأصل والمعروض على الإمام عليه السلام الأمور المحسوسة غير المحتاجة إلى تبعيّة الآخر، والذي لا ضير في التبعيّة فيها معرفة الرجال ووثاقتهم وضبطهم وتثبّتهم، خصوصاً لمثل الناقد الخبير محمد بن الحسن بن الوليد، الذي من سلم من طعنة فكأنّه مرضي للكل).

3 ـ الفقرة الثانية في قولهم بشأن من ذكر في عداد أصحاب الإجماع (12): (تصحيح ما يصح عنه).

قال المحدّث النوري: (فإنّ المراد من الصحة في قولهم: (ما يصح عنه) لا بد وأن يكون من جهة اتصاف رجال السند - مثلاً إلى ابن أبي عمير ـ بالوثاقة، لوضوح عدم قابليّة السند إليه لاقترانه بما عدّوه من قرائن الصحة عندهم سوى الوثاقة.. ولا يخفى أنّ الصحة والظهور من غير جهة الوثاقة لا يكون إلا من جهة تكثّر الطرق إلى أحدهم إلى حد التواتر أو ما يقرب منه؛ وفيه من التكلّف ما لا يخفى، خصوصاً مع حمل الفقرة الأولى أيضاً عليه رعاية للتطابق).

4 - قولهم في ترجمة جماعة (13): (صحيح الحديث).

وقد أرجع المحدث النوري في وجه الاستشهاد به إلى ما ذكره في شرح المشيخة، والذي أفاده هناك هو قوله (14): (قد ذكروا في ترجمة جماعة أنّه الحديث، والصحيح عند القدماء وإن كان أعم منه عند المتأخّرين، وأسباب اتصاف الحديث عندهم بالصحة أكثر منها عند هؤلاء ككونه في أصل وتكرّر سنده ووجوده في كتاب معروض على أحدهم فيها واشتهاره ومطابقته لدليل قطعي وغير ذلك من الأمور الخارجيّة، ومنها الوثاقة والتثبّت والضبط من الأمور الداخليّة والحالات النفسانيّة للراوي التي هي ميزان الصحة عند المتأخّرين والموثقية، فلا يدل قولهم: (صحيح الحديث) على مدح في الراوي، فضلاً عدالته ووثاقته على ما يقتضيه بادئ النظر، ولكن المتأمّل المنصف يعلم أنّ الحكم بصحة حديث فلان من دون الإضافة إلى كتابه لا يصح أن يكون لأجل الأمور الخارجيّة المتوقفة على الوقوف على كل ما رواه ودونه وعرضه عليها، ودونه خرط القتاد، بل لا بدّ وأن يكون لما علم من حاله وعرف من سيرته وطريقته من الوثاقة والتثبّت والضبط والبناء على نقل الصحيح من هذه الجهة، وهذا مدح عظيم وتوثيق بالمعنى الأعم، فأحاديثه حجة عند كل من ذهب إلى حجية كل خبر وثق بصدوره، واطمأنّ بوروده إذا حصل الوثوق واطمئنان القلب من حسن الظاهر وصلاح ظاهر الحال كما هو الحق، وعليه المحقّقون).

5 ـ أورد الشيخ في مواضع من التهذيبَين (15) أخباراً ناقش فيها بالإرسال أو نحوه ثم قال: لو صحّت كان الوجه فيها كذا، أو أنّه على تقدير صحتها فهي محمولة على كذا.

6 - حكى الشيخ في التهذيب (16) عن الفضل بن شاذان أنّه قال ـ بشأن خبرين وردا في بعض فروض الميراث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أحدهما برواية سويد بن غفلة والآخر برواية سلمة كهيل - خبر سويد أصح؛ لأنّه أدرك عليا عليه السلام وسلمة لم يدركه.

7 - حكى الشيخ في الفهرست (17) عن الصدوق أنّه قال: (سمعت الحسن بن الوليد يقول: كتب يونس بن عبد الرحمن التي هي بالروايات كلّها صحيحة معتمد عليها، إلا ما ينفرد به محمد بن عیسی بن عبيد ولم يروه غيره).

قال المحدّث النوري بعد ذكر الموارد المتقدمة: (إلى غير ذلك من الموارد الصريحة في أنّ المناط في الصحة عندهم حالات نفس السند، من غير ملاحظة اقترانه بأمر خارجي).

وقال في ختام كلامه: (والحاصل: إنّا نطالب الجماعة الذين نصّوا بأنّ من الصحيح عندهم المقترن بأمور خارجية وأنّه أعمّ من الصحيح المصطلح من هذه الجهة وأرسلوه إرسال المسلّمات بشاهد يصدق هذه الدعوى ونصّ على ذلك من كلام أحد من القدماء وإلا فإنّا في عذر من عدم مضافا الى ما ذكرنا ممّا يدلّ على خلافه وبالله نستعين).

هذا مختصر ما أفاده في محاولة إثبات أنّ الصحة عند القدماء وصف لسند الخبر ويراد بها كون جميع رواته من الثقات.

أقول: إنّ صحة الخبر في العرف واللغة إنّما   هي بمعنى مطابقته للواقع والمتتبّع لموارد استعمالها وصفاً للحديث في كلمات السابقين على عصر العلّامة يجد أنّ معظمها على أحد نحوين:

(النحو الأول):

استعمالها وصفاً للحديث بلحاظ مضمونه في مقابل كونه باطلا لا ينسجم مع ثوابت الكتاب والسنة   بغض النظر عن سنده وكونه صادرا عن المعصوم أو لا.

(النحو الثاني):

استعمالها وصفاً للحديث بلحاظ صدوره عن المعصوم في مقابل كونه كذبا أو خطأ ولو من جهة توفر القرائن الدالة على ذلك بغض النظر عن كون الصدور لبيان حكم الله الواقعيّ أو لداعٍ آخر كالتقيّة.

والظاهر أنّ أكثر الموارد التي تقدّمت في كلام النوري إنّما هي من أحد النحوين المذكورين بل لعلّه   لا يوجد فيها مورد استعملت فيه الصحة وصفاً للحديث   بلحاظ سنده في مقابل اشتماله على علة من إرسال أو جهالة أو ضعف أو نحو ذلك خلافا لما ادعاه وفيما يلي استعراض لجملة من تلك   الموارد ممّا تعرّض لها وغيرها:

 فمنها: قول الفضل بن شاذان فيما نقله   عنه الصدوق (18) عقيب رواية   في الإرث مروية بطرق الجمهور: (هذا حديث صحيح على مواقفه كتاب الله) فإنّ الظاهر أنّ مقصوده به هو مطابقة مضمون ذلك الحديث لحكم الله الواقعي لا اعتبار سنده ولا صدوره بلفظه من المعصوم. كما أنّه لا يبعد أن يكون مقصوده بما تقدم نقله عنه من كون خبر سويد أصح من خبر سلمة هو صدور الأول أقوى؛ لأنّ سويداً أدرك الامام وسلمة لم يدركه فكان بينهما واسطة وهي مجهولة، ويجوز أنّه لم يكن ثقة في نقله.

ومنها: قول الكليني في مقدمة الكافي (19): (بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهما السلام)، وقوله في موضع منه (20): (وهي أخبار صحيحة..)، فإنّ الظاهر أنّ مراده بكون الآثار والأخبار صحيحة هي كونها صادرة من المعصومين عليهم السلام، لا صحّة مضامينها ولا أسانيدها، أمّا الأول فلاشتمال كتابه على جملة وافرة من الأخبار المتعارضة التي ليس بينها جمع عرفي، وأمّا الثاني فلكثرة ما فيه من الأخبار مخدوشة الأسانيد.

ودعوى أنّه لا يضر الأخير لأنّه ما من رواية مخدوشة السند فيه إلا وهي مقتبسة من كتاب معتمد مشهور عند الاماميّة ويكون الخدش في الطريق إلى ذلك الكتاب، أو مع وجود طريق آخر معتبر لمؤلفه إلى راويها عن المعصوم عليه السلام لم يذكره الكليني اختصاراً، وعلى التقديرين لا يمنع الخدش في السند المذكور في الكافي عن وصف الرواية بصحة السند.

مدفوعة بأنّه لا شاهد أبداً على الكلية المذكورة، بل يقطع الممارس بخلافها وأنّ جملة من الروايات الضعيفة سنداً في الكافي لا تندرج في أي من الوجهين المذكورين. ومنها: قول الكشي بشأن خبر يشتمل على مدح يونس بن ظبيان وفي سنده ابن الهروي (21): (ابن الهروي مجهول، وهذا حديث غير صحيح مع ما روي في يونس بن ظبيان)، أي هو باطل المضمون أو غير صادر من الإمام بالنظر إلى مخالفته لما هو المعلوم من حال ابن ظبيان من خلال سائر الروايات.

ومنها: قول الكشي في أصحاب الاجماع (22) (تصحيح ما يصح عنهم) فإنّ المراد به هو الحكم بمطابقة أخبارهم التي ثبت صدورها منهم للواقع، مثلاً إذا ثبت أنّ الحسن بن محبوب روى عن أبي أيوب الخزّاز عن أبي عبد الله عليه السلام يحكم بصحة روايته عنه، أي أنّ الخزّاز روى له ما حكاه عنه، ولم يقع خلل في هذه الحكاية.

ومنها: قول الصدوق (23): (وأمّا خبر صلاة يوم غدير خم.. فإنّ شيخنا محمد بن الحسن (رضي الله عنه) كان لا يصحّحه ... فإنّ المراد به أنّ ابن الوليد لم يكن يبني على صدور الخبر المذكور من الإمام من جهة عدم وثاقة راويه، ولو كان المراد ما فسّره به المحدّث النوري لكان الأولى أن يقول (كان يضعّفه)، وأمّا مناقشته في تبعيّة الصدوق لأستاذه ابن الوليد في غير التوثيق والتضعيف من موجبات الحكم بصدور الرواية أو عدم صدورها فغير متجهة، فإنّ الاعتماد في ذلك على نقّاد الروايات - ومنهم ابن الوليد ـ كان أمراً مألوفاً عندهم، كما عليه شواهد عديدة مذكورة في محلها.

ومنها: قول الصدوق (24): (سمعت محمد بن الحسن بن الوليد يقول: كتب يونس بن عبد الرحمن التي هي بالروايات كلّها صحيحة معتمد عليها، إلا ما ينفرد به محمد بن عيسى بن عبيد ولم يروه غيره) فإنّ المراد بالصحة فيه ليس مجرّد صحة السند إلى الروايات الواردة في كتب يونس بل صحة نقلها عن يونس وروايته لها.

ومنها: قول الصدوق في مقدمة الفقيه (25): (لم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنّه حجة فيما بيني وبين ربّي تقدّس ذكره)، فإنّ المراد بالصحة فيه هو مطابقة مضمون الخبر للواقع لا مجرد اعتبار الطريق إليه كما هو ظاهر.

ومنها: قول الصدوق (26): (فأمّا الأخبار التي رويت في المغمى عليه أن يقضي جميع ما فاته وما روي أنّه يقضي صلاة شهر وما روي أنّه يقضي الصلاة ثلاثة أيام فهي صحيحة ولكنّها على الاستحباب لا على الوجوب). ونحوه قوله - بشأن عدد من الأخبار الواردة في موضع قطع التلبية للمعتمر عمرة مفردة (27): (هذه الأخبار كلّها صحيحة متفقة وليست مختلفة، فإنّ المراد بكون تلك الأخبار صحيحة هو صدورها عن المعصوم به أو صحة مضامينها لا صحة أسانيدها.

ومنها: قول الصدوق (28) - بشأن رواية أوردها عن الكافي: لست أفتي بهذا الحديث بل أفتي بما عندي بخط الحسن بن علي عليه السلام، ولو صح الخبران جميعاً لكان الواجب الأخذ بقول الأخير كما أمر الصادق عليه السلام)، فإنّه لا يراد بعدم صحة الأول الخدش في سنده، بل عدم ثبوت صدوره أو عدم صحة مضمونه.

ومنها: قول الصدوق (29): (قد وردت الأخبار الصحيحة بالأسانيد القوية أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بأمر الله تعالى إلى علي بن أبي طالب)، فإنّه يظهر بقرينة المقابلة أنّ المراد بصحة تلك الأخبار هو التأكّد من صدورها.

ومنها: قول الصدوق - عقيب رواية في صوم أيام البيض (30): (هذا الخبر صحيح..)، فإنّ الظاهر أنّ مقصوده به هو صحة مضمون هذا الخبر ومطابقته للواقع لا صحة سنده.

ومنها: قول السيد المرتضى في بعض رسائله (31): (فهذه الأخبار إمّا أن تكون باطلة مصنوعة أو يكون تأويلها - إن كانت صحيحة ـ ما ذكرناه..). وقوله أيضاً (32): لهذا جاءت الرواية الصحيحة بأنّه يجوز لمن هذه حاله أن يقيم الحدود..)، فإنّ المراد بالصحة فيهما هو صحة الصدور لا صحة السند.

ومنها: قول الشيخ بشأن خبر لمحمد بن قيس (33): (هذا الخبر ضعيف مخالف لما قدّمناه من الأخبار الصحيحة..) ولكن لا إشكال في صحة سند ذلك الخبر، فيعرف أنّ مراده هو ضعفه بمعنى آخر، وأنّ توصيفه للأخبار المخالفة له بالصحة إنّما هو بلحاظ صحة مضمونها أو ثبوت صدورها.

ومنها: قول الشيخ في العدة (34): (إنّ ما يتضمّنه خبر الواحد إذا وافقه مقطوع على صحته أيضاً وجب العمل به وإن لم يكن ذلك دليلاً على صحة نفس الخبر؛ لجواز أن يكون الخبر كذباً وإن وافق السنة المقطوع بها) فإنّ المراد بالصحة فيه هو صحة المضمون لا صحة السند.

ومنها: قول الشيخ بشأن عدد من الأحاديث (35): لو صحّت كان الوجه فيها كذا، أو أنّه على تقدير صحتها فهي محمولة على كذا، فإنّ مراده بالصحة فيه هو صدورها من الامام لا صحة أسانيدها.

ومنها: قول الشيخ والنجاشي - بشأن غير واحد من الرواة (36): (صحيح الحديث) فإنّ المراد به هو كون أحاديثهم خالية من الخلل والاشتباه كما مقتضی صدورها بلفظها أو معناها ويناسبه المقارنة بين صحة الحديث وصحة المذهب والاعتقاد في بعض المواضع، ودعوى أنّ ذلك يتوقف على الاطلاع على كل ما رووه ودوّنه خرط القتاد، غير مقبولة، فإنّ التعبير المذكور ورد بشأن جماعة كانت كتبهم وآثارهم بمرأى ومسمع المشايخ فتسنّى لهم معرفة حالها، كما اطّلعوا على أحاديث رواة آخرين وحيث وجدوها مشتملة على المناكير وصفوا أصحابها بأوصاف أخرى كقولهم (فاسد) (الحديث) أو (يعرف حديثه وينكر) وأمثال ذلك.

ومنها: قول ابن الغضائري في جعفر بن محمد بن المفضل (37): (يروي عنه الغلاة خاصة وما رأيت له قط رواية صحيحة)، وقول ابن ادريس بشأن بعض الروايات (38): (هذه رواية صحيحة تعضدها الأدلة ... فإنّ مرادهما بالصحة صحة المضمون لا صحة السند ولا صحة الصدور.

وبالجملة: إنّ المتداول في كلمات المتقدمين استعمال الصحة في توصيف الحديث بمعنى المطابقة للواقع، ولكن قد يلاحظ في التوصيف بها أصل صدوره من المعصوم ولو من جهة الاقتران بالشواهد الموجبة للوثوق بذلك، وقد يلاحظ في التوصيف بها مطابقة مضمونه للواقع بغض النظر عن كونه صادراً عنه، وأمّا استعمالها وصفاً للحديث بلحاظ سنده في مقابل اشتماله على إرسال أو جهالة أو ضعف أو نحو ذلك فهو قليل، ولعلّ منه قول السيد المرتضى (39) بشأن خبر رواه الجمهور عن النبي إنّه أعطى الأخت مع (هذا حديث لو صح وبرئ من كل قدح لكان مخالفاً لنص الكتاب)، وقول الشيخ في موضع من التهذيب (40): (هذا خبر مقطوع الإسناد مرسل، وما هذا حكمه لا يعترض به الأخبار الصحيحة الطرق..)، فليتدبّر.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. فوائد رجاليّة متفرّقة للسيّد الأستاذ (دام تأييده) (مخطوطة).
  2. منتقى الجمان من الأحاديث الصحاح والحسان، ج1، ص 14.
  3. مشرق الشمسين وإكسير السعادتين، ص 26.
  4. روضة المتّقين، ج14، ص 10.
  5.  منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال، ج1، ص 106 (الهامش).
  6.  خاتمة المستدرك، ج7، ص 38.
  7.  العدّة في أصول الفقه، ج1، ص 145.
  8. الكافي، ج1، ص 25.
  9. خاتمة المستدرك، ج3، ص 483.
  10. الكافي، ج7، ص 115.
  11. من لا يحضره الفقيه، ج2، ص 55.
  12. اختيار معرفة الرجال، ج2، ص 673، 830.
  13. رجال النجاشي، ص 21، 40، 47؛ فهرست كتب الشيعة وأصولهم، ص 54، 91.
  14. خاتمة المستدرك، ج3، ص 476.
  15. تهذيب الأحكام، ج1، ص 196؛ ج4، ص 229؛ الاستبصار، ج2، ص 305.
  16. تهذيب الأحكام، ج9، ص 331.
  17. فهرست كتب الشيعة وأصولهم، ص 512.
  18. علل الشرائع، ج2، ص 569.
  19. الكافي، ج1، ص 25.
  20. الكافي، ج7، ص 115.
  21. اختيار معرفة الرجال، ج2، ص 658.
  22. اختيار معرفة الرجال، ج2، 673، 830.
  23. من لا يحضره الفقيه، ج2، ص 55.
  24. فهرست كتب الشيعة وأصولهم، ص 512.
  25. من لا يحضره الفقيه، ج1، ص 3.
  26. من لا يحضره الفقيه، ج1، ص 237.
  27. من لا يحضره الفقيه، ج2، ص 277.
  28. من لا يحضره الفقيه، ج4، ص 151.
  29. من لا يحضره الفقيه، ج4، ص 130.
  30. علل الشرائع، ج2، ص 380.
  31. رسائل الشريف المرتضى، ج1، ص 114.
  32. رسائل الشريف المرتضى، ج2، ص 93.
  33. تهذيب الأحكام، ج10، ص88.
  34. العدّة في أصول الفقه، ج1، ص 145.
  35. تهذيب الأحكام، ج1، ص 196؛ ج4، ص 229؛ الإستبصار، ج2، ص 305.
  36. رجال النجاشي، ص 21، 40، 47؛ فهرست كتب الشيعة وأصولهم، ج2، ص 305.
  37. رجال ابن الغضائريّ، ص 47.
  38. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى، ج2، ص 186.
  39. الانتصار، ص 557.
  40. تهذيب الأحكام، ج7، ص 326.

 

 

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)