أقرأ أيضاً
التاريخ: 7/11/2022
1801
التاريخ: 2024-05-02
760
التاريخ:
1537
التاريخ: 23-4-2022
2618
|
وقعة الزلاقة عن الروض المطار وغيره
ورأيت أن أذكر هنا وقعة الزلاقة التي نشأت عن طليطلة وما يتبع ذلك من كلام صاحب الروض المعطار وغيره فنقول : إنه لما ملك يوسف ابن تاشفين اللمتوني المغرب وبنى مديني مراكش وتلمسان الجديدة وأطاعته البربر مع شكيمتها الشديدة وتمهدت له الأقطار الطويلة المديدة تاقت نفسه إلى العبور لجزيرة الأندلس فهم بذلك وأخذ في إنشاء المراكب والسفن ليعبر فيها فلما علم بذلك ملوك الأندلس كرهوا إلمامه بجزيرهم وأعدوا له العدة
والعدد وصعبت عليهم مدافعته وكرهوا أن يكونوا بين عدوين الفرنج من شمالهم والمسلمين من جنوبهم وكانت الفرنج تشتد وطأها عليهم وتغير تنهب وربما يقع بينهم صلح على شيء معلوم كل سنة يأخذونه من المسلمين والفرنج ترهب ملك المغرب يوسف بن تاشفين إذ كان له اسم كبير وصيت عظيم لنفاذ أمره وسرعة تملكه بلاد المغرب وانتقال الأمر إليه في أسرع وقت مع ما ظهر لأبطال الملثمين ومشايخ صنهاجة في المعارك من ضربات السيوف التي تقد الفارس والطعنات التي تنظم الكلى فكان له بسبب ذلك ناموس ورعب في قلوب المنتدبين لقتاله وكات ملوك الأندلس يفيئون إلى ظله ويحذرونه خوفا على ملكهم مهما عبر إليهم وعاب بلادهم فلما رأوا ما دلهم على عبوره إليهم وعلموا ذلك راسل بعضهم بعضا يستنجدون آراءهم في أمره وكان مفزعهم في ذلك إلى المعتمد بن عباد لأنه أشجع القوم وأكبرهم مملكة فوقع اتفاقهم على مكاتبته لما تحققوا أنه يقصدهم يسألونه الإعراض عنهم وأنهم تحت طاعته فكتب عنهم كاتب من أهل الأندلس كتابا وهو : أما بعد فإنك إن أعرضت عنا نسبت إلى كرم ولم تنسب إلى عجز وإن أجبنا داعيك نسبنا إلى عقل ولم ننسب إلى وهن وقد اخسرنا لأنفسنا أجمل نسبيتينا فاخر لنفسك أكرم نسبيتك فإنك بالمحل الذي لا يجب أن تسبق فيه إلى مكرمة وإن في استقبائك ذوي البيوت ماشئت من دوام لأمرك وثبوت والسلام فلما وصله الكتاب مع تحف وهدايا وكان يوسف بن تاشفين لا يعرف بالسان العربي لكنه ذكي الطبع يجيد فهم المقاصد وكان له كاتب يعرف اللغتين العربية والمرابطة فقال له : أيها الملك هذا الكتاب من ملوك الأندلس يعظمونك فيه ويعرفونك أنهم أهل دعوتك وتحت طاعتك ويلتمسون منك أن لا تجعلهم في منزلة الأعادي فإنهم مسلمون وذوو بيوتات فلا تغير بهم وكفى بهم من وراءهم من الأعداء
الكفار وبلدهم ضيق لا يحتمل العساكر فأعرض عنهم إعراضك عمن أطاعك من أهل الغرب فقال يوسف بن تاشفين لكاتبه فما ترى أنت ؟ فقال أيها الملك والمال ان يعفو إذا استعفي وأن يهب إذا استوهب وكلما وهب جليلا جزيلا كان لقدره أعظم فإذا قدره تأصل ملكه وإذا تأصل ملكه تشرف الناس بطاعته وإذا كانت طاعته شرفا جاءه الناس ولم يتجشم المشقة إليهم وكان وارث الملك من غير إهلاك لآ خرته واعلم أن بعض الملوك الحكماء الأكابر البصراء بطريق تحصيل الملك قال : من جاد ساد ومن ساد قاد ومن قاد ملك البلاد فلما ألقى الكتاب هذا الكلام على السلطان يوسف بلغته فهمه وعلم صحته فقال للكاتب : بسم الله الرحمن الرحيم من يوسف بن تاشفين سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته تحية من سالمكم وسلم عليكم وإنكم مما في أيديكم من الملك في أوسع إباحة مخصومين منا بأكرم إيثار
وسماحة فاستديموا وفاءنا بوفائكم واستصلحوا إخاءنا بإصلاح إخائكم
والله ولي التوفيق لنا ولكم والسلام فلما فرغ من كتابه قرأه على يوسف بن تاشفين بلسانه فاستحسنه وقرن به ما يصلح لهم من التحف ودرق اللمط التي لا توجد إلا ببلاده وأنفذ ذلك إليهم فلما وصلهم ذلك وقرأوا كتابه فرحوا به وعظموه وسروا بولايته وتقوت نفوسهم على دفع الفرنج عنهم وأزعموا إن رأوا من الفرنج ما يريهم أنهم يرسلون إلى يوسف بن تاشفين ليعبر إليهم أو يمدهم بإعانة منه , وكان ملك الإفرنج الأذفونش لما وقعت الفتنة بالأندلس وثار الخلاف وكان كل من حاز بلدا وتقوى فيه ملكه وادعى الملك وصار مثل ملوك الطوائف
فطمع فيهم الأذفونش بسبب ذلك وأخذ كثيرا من ثغورهم فقوي شأنه وعظم سلطانه وكثرت عساكره وأخذ طليلة من صاحبها القادر بالله بن المأمون يحيى بن ذي النون بعد أن حاصرها سبع سنين وكان أخذه لها في منتصف محرم سنة ثمان وسبعين وأربعمائة فزاد لعنه الله تعالى بملكه طليطلة قوة إلى قوته وأخذ يجوس خلال الديار ويستفتح المعاقل والحصون :
قال ابن الأثير في الكامل : وكان المعتمد بن عباد أعظم ملوك الأندلس ومتملك أكثر بلادها مثل قرطبة وإشبيلية وكان مع ذلك يؤدي الضريبة إلى الأذفونش كل سنة فلما تملك الأذفونش طليطلة أرسل إليه المعتمد الضريبة المعتادة فلم يقبلها منه وأرسل إليه يهدده ويتوعد بالمسير إلى قرطبة ليفتحها إلا أن يسلم جميع الحصون المنيعة ويبقى السهل للمسلمين وكان الرسول في جمع كثير نحو خمسمائة فارس فأنزله المعتمد وفرق أصحابه على قواد عسكره ثم أمر قواده أن يقتل كل منهم من عنده من الكفرة وأحضر الرسول وصفعه حتى خرجت عيناه وسلم من الجماعة ثلاثة نفر فعادوا إلى الأذفونش وأخبروه الخبر وكان متوجها إلى قرطبة ليحاصرها فرجع إلى طليطلة ليجمع آلات الحصار ويكثر العدد والعدة انتهى
وقال الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحميري في كتابه الروض المعطار في ذكر المدن والأقطار ما ملخصه : إنه لما اشتغل المعتمد بغزو ابن صمادح صاحب المرية حتى تأخر الوقت الذي كان يدفع فيه الضريبة لأذفونش وأرسلها إليه بعد ذلك استشاط الطاغية غضبا وتشطط وطلب بعض الحصون زيادة على الضريبة وأمعن في التجني وسأل في دخول امرأته القميجطة إلى جامع قرطبة لتلد فيه إذ كانت حاملا لما أشار عليه بذللك
القسيسون والأساقفة لمكان كنيسة كانت في الجانب الغربي منه معظمة عندهم عمل عليها المسلمون الجامع الأعظم وسأل أن تنزل امرأته المذكورة بالمدينة الزهراء غربي مدينة قرطبة وهي التي أنشأ بناءها الناصر دين الله وأمعن في بنائها وأغرب في حسنها وجلب إليها الرخام الملون والمرمر الصافي والحوض المشهور من البلاد والأقطار وكان يثيب على السارية بكذا وكذا غير الثمن وأجرة الحمل وأنفق فيها الأموال العظيمة واشتغل بها وكان يباشر الصناع بنفسه حتى تخلف عن حضور الجمعة ثلاث مرات متواليات وحضر في الرابعة وكان الخطيب يوئذ الفقيه الزاهد منذر بن سعيد البلوطي فعرض به في الخطبة وونجه على رؤوس الملا وقصته في ذلك مشهورة وبناء الزهراء أيضا من أغرب مباني الإسلام فمن أراد الوقوف على ذلك فعليه بتاريخ ابن حيان ولنرجع إلى الأذفونش فإن الأطباء والقسوس لما أشاورا أن تكون المرأة المذكورة ساكنة بالزهراء وتردد إلى الجامع المذكور حتى تكون ولا دها بين طبيب نسيم الزهراء وفضيلة موضع الكنيسة من الجامع المذكور وكان السفير في ذلك يهوديا كان وزير الأذفونش فامتنع ابن عباد من ذلك فراجعه فأباه وأيأسه من ذلك فراجعه اليهودي في ذلك وأغلظ له في القول وواجهه بما لم يحتمله ابن عباد فأخذ ابن عباد محبرة كانت بين يديه وضرب بها رأس اليهودي فأنزل دماغه في حلقه وأمر به فصلب منكوسا بقرطبة واستقى لما سكن غضبه الفقهاء عن حكم ما فعله باليهودي فبادره الفقيه محمد بن الطلاع بالرخصة في ذلك لتعدي الرسول حدود الرسالة إلى ما استوجب به القتل إذ ليس له ذلك وقال للفقهاء : إنما بادرت بالفتوى خوفا أن يكسل الرجل عما عزم عليه من منابذة العدو وعسى الله أن يجعل في عزيمته للمسلمين فرجا
وبلغ الأذفونش ما صنعه ابن عباد فأقسم بآلهته ليغزونه بإشبيلية ويحاصره في قصره فجرد جيشين جعل على أحدهما كلبا من مساعير كلابه وأمره أن يسير على كورة باجة من غرب الأندلس ويغير على تلك التخوم والجهات ثم يمر على لبلة إلى إشبيلية وجعل موعده إياه طريانة للاجتماع معه ثم زحف الأذفونش بنفسه في جيش آخر عرمرم فسلك طريقا غير الطريق التي سلكها الآخر وكلاهما عاث في البلاد وخرب ودمر حتى اجتمعا لموعدها بضفة النهر الأعظم قبالة قصر ابن عباد وفي أيام مقامه هنالك كتب إلى ابن عباد زاريا عليه : كثر بطول مقامي في مجلسي الذبان واشتد علي الحر فأتحفني
من قصرك بمروحة أروح بها على نفسي وأطرد بها الذباب عن وجهي فوقع له ابن عباد بخط يده في ظهر الرقعة .. قرأت كتابك وفهمت خيلاءك وإعجابك وسأنظر لك في مراوح من الجلود اللمطية تروح منك لا تروح عليك إن شاء الله
تعالى فلما وصلت الأذفونش رسالة ابن عباد وقرئت عليه وعلم مقتضاها أطرق إطراق من لم يخطر له ذلك ببال
وفشا في الأندلس توقيع ابن عباد وما أظهر من العزيمة على جواز يوسف ابن تاشفين و الاستظهار به على العدو فاستبشر الناس وفرحوا بذلك وفتحت لهم أبواب الآمال وأما ملوك طوائف الأندلس فلما تحقووا عزم ابن عباد وانفراده برأيه في ذلك اهتموا منه من كاتبه ومنهم من كلمه مواجهة وحذروه عاقبة ذلك وقالوا له: الملك عقيم والسيفان لا يجتمعان في غمد واحد فأجابهم ابن عباد بكلمته السائرة مثلا: رعي الجمال خير من رعي الخنازير ومعناه أن كونه مأكولا ليوسف بن تاشفين أسيرا يرعى جماله في الصحراء خير من كونه ممزقا لأذفونش أسيرا له يرعى خنازيره في قشتالة وقال لعذاله ولوامه: يا قوم إني من أمري على حالتين حالة يقين وحالة شك ولا بد لي من إحداهما أما حالة الشك فإني إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى الأذفونش ففي الممكن أن يفي لي ويبقى على وفائه ويمكن أن لا يفعل فهذه حالة شك وأما حالة اليقين فإني إن استدنت إلى ابن تاشفين فأنا أرضي الله وإن استندت إلى الأذفونش أسخطت الله تعالى فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة فلأي شيء أدع ما يرضي الله وآني ما يسخطه ؟ فحينئذ قصر أصحابه عن لومه
ولما عزم أمر صاحب بطليوس المتوكل عمر بن محمد وعبد الله بن حبوس الصنهاجي صاحب غرناطة أن يبعث إليه كل منهما قاضي حضرته ففعلا واستحضر قاضي الجماعة بقرطبة أبا بكر عبيد الله بن أدهم وكان أعقل أهل زمانه فلما اجتمع عنده القضاة بإشبيلية أضاف إليهم وزيره أبا بكر ابن زيدون وعرفهم أربعتهم أنهم رسله إلى يوسف بن تاشفين وأسند إلى القضاة ما يليق بهم من وعظ يوسف بن تاشفين وترغيبه في الجهاد وأسند إلى وزيره ما لا بد منه في تلك السفارة من إبرام العقود السلطانية وكان يوسف بن تاشفين لاتزال تفد عليه وفود ثغور الأندلس مستعطفين مجهشين بالبكاء ناشدين الله والإسلام مستنجدين بفقهاء حضرته ووزراء دولته فيسمع إليهم ويصغي لقولهم وترق نفسه لهم
فما عبرت رسل ابن عباد البحر إلا ورسل يوسف بالمرصاد ولما انتهت الرسل إلى ابن تاشفين أقبل عليهم وأكرم مثواهم واتصل ذلك بابن عباد فوجه من إشبيلية أسطولا نحو صاحب سبته فانتظمت في سلك يوسف ثم جرت بينه وبين الرسل مراوضات ثم انصرفت إلى مرسلها ثم عبر يوسف البحر عبورا سهلا حتى أتى الجزيرة الخضراء ففتحوا له وخرج إليه أهلها بما عندهم من الأقوات والضيافات وأقاموا له سوقا جلبوا إليه ما عندهم من سائر المرافق وأذنوا للغزاة في دخول البلد والتصرف فيه فامتلأت المساجد والرحبات بالطوعين وتواصوا بهم خيرا هذا مساق صاحب الروض المعطار وأما ابن الأثير فإنه لما ذكر وقعة الزلاقة ذكر ما تقدم من فعل المعتمد بالأرسال وقتلهم وتخوف أكابر الأندلس من الأذفونش وأنه اجتمع منهم رؤساء وساروا إلى القاضي عبيد الله بن محمد بن أدهم وقالوا له : ألا تنظر إلى ما فيه المسلمون من الصغار والذلة وإعطائهم الجزية بعد أن كانوا يأخذونها وقالوا : قد غلب على البلاد الفرنج ولم يبق إلا القليل وإن طال هذا الأمر عادت نصرانية كما كانت أولا وقد رأينا رأيا نعرضه عليك قال وما هو قالوا نكتب إلى عرب إفريقية ونبذل لهم إذا وصلوا إلينا شطر أموالنا ونخرج معهم مجاهدين في سبيل الله فقال لهم إنا نخشى إن وصلوا إلينا أن يخرجوا بلادنا كما فعلوا بإفريقية ويتركوا الإفرنج ويبدأوا بنا والمرابطون أصلح منهم وأقرب إلينا فقالوا له : فكاتب أمير المسلمين وأسأله العبور إلينا أو إعنتنا بما تيسر من الجند فبينما هم في ذلك يتراوضون إذ قدم عليهم المعتمد بن عباد
360 #$
قرطبة فعرض عليه القاضي ابن أدهم ما كانوا فيه فقال له ابن عباد: انت رسولي إليه في ذلك فامتنع وإنما أراد أن بيرىء نفسه من ذلك فألح عليه المعتد فسار إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين فوجده بسبتة وأبلغه الرسالة وأعلمه بما فيه المسلمون من الخوف من الأذفونش ففي الحال أمر بعبور العساكر إلى الأندلس وأرسل إلى مراكش في طلب من بقي من العساكر فأقبلت إليه يتلو بعضها بعضا فلما تكاملت عنده عبر البحر واجتمع بالمعتمد بن عباد بإشبيلية وكان المعتمد قد جمع عساكره أيضا وخرج من أهل قرطبة عسكر كثير وقصده المطوعة من سائر بلاد الأندلس ووصلت الأخبار إلى الأذفونش فجمع عساكره وحشد جنوده وسار من طليلطة وكتب إلى أمير المسلمين يوسف بن تاشفين كتابا كتبه له بعض غواة أدباء المسلمين يغلظ له في القول ويصف ما معه من القوة والعدد وبالغ في ذلك فلما وصله وقرأه يوسف أمر كاتبه أبا بكر ابن القصيرة أن يجيبه وكان كاتبا مفلقا فكتب وأجاد فلما قرأه على أمير المسلمين قال: هذا كتاب طويل أحضر كتاب الأذفونش ارتاع له وعلم أنه بلي رجل لاطاقة له به
وذكر ابن خلكان أن يوسف بن تاشفين أمر بعبور الجمال فعبر منها ما أغص الجزيرة وارتفع رغاوها إلى عنان السماء ولم يكن أهل الجزيرة رأوا
جملا قط ولا خيلهم فصارت الخيل تجمع من رؤية الجمال ومن رغائها وكان ليوسف في عبور الجمال رأي مصيب فكان يحدق بها عسكره ويحضرها للحرب فكانت خيل الفرنج تجمع منها وقدم يوسف بين يديه كتابا لأذفونش يعرض عليه فيه الدخول في الإسلام أو الجزية أو الحرب كما هي السنة ومن جملة ما في الكتاب بلغنا يا أذفونش أنك دعوت إلى الإجتماع بنا وتمنيت أن تكون سفن تعبر بها البحر إلينا فقد عبرنا إليك وقد جمع الله تعالى في هذه الساحة بيننا وبينك وسرى عاقبة دعائك وما دعاء الكافرين إلا في ضلال
انتهى بمعناه وأكثر بلفظه
ألأأأأجفاكحىبلأبنملارملامرطوكوأمر عمال البلاد بجلب الأقوات والضياقات ورأى يوسف من ذلك ما سره ونشطه وتواردت الجيوش مع أمرائها على إشبيلية وخرج المعتمد إلى لقاء يوسف من إشبيلية في مائة فارس ووجوه أصحابه فلما أتى محلة يوسف ركض نحو القوم وركضوا نحوه فبرز إليه يوسف وحده والتقيا منفردين وتصافحا وتعانقا وأظهر كل منهما لصاحبه المودة والخلوص وشكرا نعم الله تعالى وتواصيا بالصبر والرحمة وبشرا أنفسهما بما اسقبلاه من غزو أهل الكفر وتضرعا إلى الله تعالى في أن يجعل ذلك خالصا لوجهه مقربا إليه وافرقا فعاد يوسف لحلته وابن عباد إلى جهته وألحق ابن عباد ما كان أعده من هدايا وتحف وضيافات أوسع بها على محلة يوسف بن تاشفين وباتوا
تلك الليلة فلما أصبحوا وصلوا الصبح ركب الجميع وأشار ابن عباد على يوسف بالتقدم نحو إشبيلية ففعل ورأى الناس من عزة سلطانه ماسرهم ولم يبق من ملوك الطوائف بالأندلس إلا من بادر أو أعان وخرج أو أخرج وكذلك فعل الصحراوين مع يوسف كل صقع من أصقاعه رابطوا وصابروا وكان الأذفونش لما تحقق الحركة والحرب استنفر جميع أهل بلاده وما يليها وما
وراءها ورفع القسيسون والرهبان والأساقفة صلبانهم ونشروا أنا جيلهم فاجتمع
له من الجلاقة والإفرنجة ما لا يحصى عدده وجواسيس كل فريق تردد بين الجميع وبعث الأذفونش إلى ابن عباد : إن صاحبكم يوسف قد تعنى من بلاده وخاض البحور وأنا أكفيه للعناء فيما بقي ولا أكلفكم تعبا أمضي إليكم وألقاكم في بلادكم رفقا بكم وتوفيرا بكم عليكم وقال لخاصته وأهل مشورته إني رأيت أني إن مكنتهم من الدخول إلى بلادي فاتجزوني فيها وبين جدرها وربما كانت الدائرة علي يستحكون البلاد ويحصدون من فيها غداة واحدة ولكني أجعل يومهم معي في حوز بلادهم فإن كانت علي اكتفوا بما نالوه ولم يجعلوا الدروب وراءهم إلا بعد أهبة أخرى فيكون في ذلك صون لبلادي وجبر لمكاسري وإن كانت الدائرة عليهم كان مني فيهم وفي بلادهم ماخفت أنا أن يكون في وفي بلادي إذا ناجوزني في وسطها ثم برز بالمختار من جنوده وأنجاد جموعه على باب دربه وترك بقية جموعه خلف وقال حين نظر إلى ما اختاروه منهم : بهؤلاء أقاتل الجن والإنس وملائكة السماء فالمقلل يقول : المختارون أربعون ألف دارع ولكل واحد أتباع وأما النصارى فيعجبون ممن يزعم ذلك ويرون أنهم أكثر من ذلك كله واتفق الكل أن عدد المسلمين أقل من الكفرة ورأى الأذفونش في نومه كأنه راكب فيل يضرب نقيره طبل فهالته الرؤيا وسأل عنها القسوس والرهبان فلم يجبه أحد فدس يهوديا عمن يعلم تأويلها من المسلمين فدل على معبر فقصها عليه ونسبها لنفسه فقال له المعبر : كذبت ما هذه الرؤيا لك ولا أعبرها لك إلا إن صدقتني بصاحب الرؤيا
فقال له : اكم علي الرؤيا للأذفونش فقال المعبر : صدقت ولايراها غيره والرؤيا تدل على بلاء عظيم ومصيبة فادحة فيه وفي عسكره وتفسيرها قوله تعالى ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) الفيل 1 ) وأما ضربه النقيرة فتأويلها ( فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير ) المدثر ) فانصرف اليهودي وذكر للأذفونش
ما وافق خاطره
ثم خرج الأذفونش ووقف على الدروب ومال بجيوشه إلى الجهة الغربية من بلاد الأندلس وتقدم السلطان يوسف فقصده وتأخر ابن عباد لبعض مهماته ثم انزعج يقفو أثره بجيش فيه حماة الثغور ورؤساء الأندلس وجعل ابنه عبد الله على مقدمته وسار وهو ينشد لنفسه متفائلا مكملا البيت المشهور :
لا بد من فرج قريب يأتيك بالعجب العجب
غزو عليك مبارك سيعود بالفتح القريب
لله سعدك إنه نكس على دين الصليب
لابد من يوم يكون له أخا يوم القليب
ووافت الجيوش كلها بطليوس فأناخوا بظاهرها وخرج إليهم صاحبها التوكل عمر بن محمد بن الأفطس فلقيهم بما يجب من الضيافات والأقوات وبذل المجهود وجاءهم الخير بشخوص الأذفونش ولما ازدلف بعضهم إلى بعض أذكى المعتمد عيونه في محلات الصحراوين خوفا عليهم من مكايد الأذفونش إذ هم غرباء لا علم لهم بالبلاد وجعل يتولى ذلك بنفسه حتى قبل : إن الرجل من الصحراوين لا يخرج على طرف المحلة لقضاء أمر أو حاجة إلا ويجد ابن عباد بنفسه مطيفا بالمحلة بعد ترتيب الخيل والرجال على أبواب المحلات وقد تقدم كتاب السلطان يوسف إلى الأذفونش يدعوه إلى إحدى الثلاث المأمور بها شرعا فامتلأ الكافر غيضا وعتا وطغى وراجعه بما يدل على شقائه وقامت الأساقفة والرهبان فرفعوا صلبانهم ونشروا أنا جيلهم وتبايعوا على الموت ووعظ يوسف وابن عباد أصحابهما وقام الفقهاء والصالحون مقام الوعظ وحضوهم على الصبر والثبات وحذرهم من الفشل والفرار
وجاءت الطلائع تخبر أن العدو مشرف عليهم صبيحة يومهم وهو يوم الأربعاء
فأصبح المسلمون وقد أخذوا مصافهم فكع الأذفونش ورجع إلى إعمال
المكر والخديعة فعاد الناس إلى محلاهم وباتوا ليلتهم ثم أصبح يوم الخميس
فبعث الأذفونش إلى ابن عباد يقول: غدا يوم الجمعة وهو عيدكم والأحد عيدنا فليكن لقاؤنا بينهما وهو يوم السبت فعرف المعتمد بذلك السلطان يوسف وأعلمه أنها حيلة منه وخديعة وإنما قصده الفتك بنا يوم الجمعة فليكن الناس على استعداد له يوم الجمعة كل النهار وبات الناس ليلتهم على أهبة واحراس وبعد مضي جزء من الليل انتبه الفقيه الناسك أبو العباس أحمد ابن رميلة القرطبي _ وكان في محلة ابن عباد _ فرحا مسرورا يقول :إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة في النوم فبشره بالفتح والموت على الشهادة في صبيحة تلك الليلة فتأهب ودعا وتضرع ودهن رأسه وتطيب وانتهى ذلك إلى ابن عباد فبعث إلى يوسف يخبره بها تحقيقا لما توقعه من غدر الكافر بالله تعالى .
ثم جاء بالليل فارسان من طلائع المعتمد يخبران أنهما أشرفا على محلة الأذفونش وسمعا ضوضاء الجيوش واضطراب الأسلحة ثم تلاحق بقية الطلائع متحققين بتحرك الأذفونش ثم جاءت الجواسيس من داخل محلتهم تقول : اسرقنا السمع فسمعنا الأذفونش يقول لأصحابه :ابن عباد مسعر هذه الحروب وهؤلاء
الصحراوين وإن كانوا أهل حفاظ وذوي بصائر في الحروب فهم غير عارقين بهذه البلاد وإنما قادهم ابن عباد فاقصدوه واهجموا عليه واصبروا فإن انكشف لكم هان عليكم الصحراوين بعده ولا أرى ابن عباد يصب
ر لكم إن صدقتموه الحملة فعند ذلك بعث ذلك ابن عباد الكاتب أبا بكر ابن القصيرة إلى السلطان يوسف يعرفه بإقبال الأذفونش ويستحث نصرته فمضى ابن القصيرة يطوي الحلات حتى جاء يوسف بن تاشفين فعرفه يجليه الأمر فقال له : قل له إني سأقرب منه إن شاء الله تعالى وأمر يوسف بعض قواده أن يمضي
بكتيبة رسمها له حتى يدخل محلة النصارى فيضرمها نارا ما دام الأذفونش مشتغلا مع ابن عباد .
وانصرف ابن القصيرة إلى المعتمد فلم يصله إلا وقد غشيته جنود الطاغية فصدم ابن عباد صدمة قطعت آماله ومال الأذفونش عليه بجموعه وأحاطوا به من كل جهة فهاجت الحرب وحمي الوطيس واستحر القتل في أصحاب ابن عباد وصبر ابن عباد صبرا لم يعهد مثله لأحد واستبطأ السلطان يوسف وهو يلاحظ طريقه وعضته الحرب واشتد عليه وعلى من معه البلاء وأبطأ عليه الصحراوين وساءت الظنون وانكشف بعض أصحاب ابن عباد وفيهم ابنه عبد الله وأثخن ابن عباد جراحات وضرب على رأسه ضربة فقلت هامته حتى وصلت إلى صدغه وجرحت يمنى يديه وطعن في أحد جانبيه وعقرت تحته ثلاثة أفراس كلما هلك واحد قدم له آخر وهو يقاسي حياض الموت ويضرب يمينا وشمالا وتذكر في تلك الحالة ابنا له صغيرا كان مغرما به تركه في إشبيلية عليلا وكنيته أبو هاشم فقال :
أبا هاشم هشمتني الشفار فله صبري لذاك الأوار
ذكرت شخصيك تحت العجاج فلم يشني ذكره للفرار
ثم كان أول من وافى ابن عباد من قواد ابن تاشفين داود بن عائشة وكان
بطلا شجاعا شهما فنفس بمجيئه عن ابن عباد ثم أقبل يوسف بعد ذلك وطبوله تصعد أصواتها إلى الجو فلما أبصره الأذفونش وجه حملته إليه وقصده بمعظم جنوده فبادر إليهم السلطان يوسف وصدمهم يجمعه فردهم إلى
مركزهم انتظم به شمل ابن عباد واستنشق ريح الظفر وتباشر بالنصر ثم صدقوا جميعا الحملة فتزلزلت الأرض بحوافز خيولهم وأظلم النهار بالعجاج والغبار وخاضت الخيل في الدماء وصبر الفريقان صبرا عظيما ثم تراجع ابن عباد إلى يوسف وحمل معه حملة معها النصر وتراجع المنهزمون من أصحاب ابن عباد حين علموا بالتحام الفئتين وصدقوا الحملة فانكشف الطاغية ومر هاربا منهزما وقد طعن في إحدى ركبتيه طعنه بقي يخمع بها بقية عمره .,
وعلى سياق ابن خلكان أن ابن تاشفين نزل على أقل من فرسخ من عسكر العدو في يوم الأربعاء وكان الموعد في المناجزة في يوم السبت فغدر الأذفونش ومكر فلما كان سحر يوم الجمعة منتصف رجب أقبلت طلائع ابن عباد والروم في أثرها والناس على طمأنينة فبادر ابن عباد للركوب وبث الخبر في العساكر فماجت بأهلها ووقع البهت ورجفت الأرض وصار الناس فوضى على غير تعيية ولا أهبة ودهمتهم خيل العدو فأحاطت بابن عباد وحطمت ما تعرض لها وتركت الأرض حصيدا خلفها وجرح ابن عباد جرحا أشواه وفر رؤساء الأندلس وتركوا محلاتهم وأسلموها وظنوا أنه وهي لا يرقع ونازلة لا تدفع وظن الأذفونش أن السلطان يوسف في المنهزمين ولم يعلم أن العاقبة للمتقين فركب أمير المسلمين وأحدق به أنجاد خيله ورجله من صنهاجة رؤساء القبائل وقصدوا محلة الأذفونش فاقتحموها ودخلوها وفتكوا فيها وقتلوا وضربت الطبول وزعقت البوقات فاهتزت الأرض وتجاوبت الجبال والأفاق وتراجع الروم إلى محلاهم بعد أن علموا أن أمير المسلمين فيها فصدموا أمير المسلمين فأفرج لها عنها ثم كر عليهم فأخرجهم منها ثم كروا عليه فخرج لهم عنها ولم تزل الكرات بينهم تتوالى إلى أن أمر أمير المسلمين حشمه السودان فرجل منهم زهاء أربعة آلاف ودخلوا المعرك بدرق اللمط وسيوف الهند ومزاريق الران فطعنوا الخيل فرمحت بفرسانها وأجحمت عن أقرانها وتلاحق الأذفونش بأسود نفدت مزاريقه فأهوى ليضربه بالسيف فلصق به الأسود وقبض على عنانه وانتضى خنجرا كان متمنطقا به فأثبته في فخذه فهتك حلق درعه ونفذ من فخذه مع بداد سرجه وكان وقت الزوال وهبت ريح النصر فأنزل الله سكينته ونصر دينه القويم وصدقوا الحملة على الأذفونش وأصحابه فأخرجوهم عن محلتهم فولوا ظهورهم وأعطوا أعناقهم والسيوف تصفعهم والرماح تطعنهم إلى أن لحقوا ربوة لجأوا إليها واعتصموا بها وأحدقت بهم الخيل فلما أظلم الليل انساب الأذفونش وأصحابه من الربوة وأفلتوا بعدما تشبثت بهم ـأظفار المنية واستولى المسلمون على ما كان في محلتهم من الآلات والسلاح والمضارب والأواني وغير ذلك وأمر ابن عباد بضم رؤوس قتلى المشركين فاجتمع من ذلك تل عظيم انتهى وبعضه بالمعنى
رجع إلى كلام صاحب الروض المعطار قال:
ولجأ الأذفونش إلى تل كان يلي محلته في نحو خمسمائة فارس كل واحد منهم مكلوم وأباد القتل والأسر من عداهم من أصحابهم وعمل المسلمون من رؤوسهم مآذن يؤذنون عليها والمخذول ينظر إلى موضع الوقيعة ومكان الهزيمة فلا يرى إلا نكالا محيطا به بأصحابه وأقبل ابن عباد على السلطان يوسف وصافحه وهنأه وشكره وأتى عليه وشكر يوسف صبر ابن عباد ومقامه وحسن بلائه وجميل صبره وسأله عن حاله عندما أسلمته رجاله بانهزامهم عنه فقال له : هم هؤلاء قد حضروا بين يديك فليخبرك .
وكتب ابن عباد إلى ابنه بإشبيلية كتابا مضمونه :كتابي هذا من المحلة المنصورة يوم الجمعة الموفي عشرين من رجب وقد أعز الله الدين ونصر المسلمين وفتح لهم الفتح المبين وهزم الكفرة والمشركين وأذاقهم العذاب الأليم والخطب الجسيم فالحمد لله على ما يسره وسناه من هذه المسرة العظيمة النعمة الجسمية في تشتيت شمل الأذفونش والاحتواء على جميع عساكره أصلاه الله نكال الجحيم ولا أعدمه الوبال العظيم المليم بعد إتيان النهبار على محلاته واستئصال القتل في جميع أبطاله وحماته حتى اتخذ المسلمون من ها ما هم صوامع يؤذنون عليها فلله الحمد على جميل صنعه ولم يصيبني والحمد لله إلا جراحات يسيرة آلت لكنها فرجت بعد ذلك فلله الحمد والمنة والسلام واستشهد في ذلك اليوم جماعة من الفضلاء والعلماء وأعيان الناس مثل ابن رميلة صاحب الرؤيا المذكورة وقاضي مراكش أبي مروان عبد الملك الصمودي وغيرهما رحمهم الله تعالى
وحكي أن موضع المعرك كان على اتساعه ما كان فيه موضع قدم إلا على ميت أو دم وأقامت العساكر بالموضع أربعة أيام حتى جمعت الغنائم واستؤذن في ذلك السلطان يوسف فعف عنها وآثر بها ملوك الأندلس وعرفهم أن مقصده الجهاد والأجر العظيم وما عند الله في ذلك من الثواب المقيم فلما رأت ملوك الأندلس إيثار يوسف لهم بالغنائم استكرموه وأحبوه شكروا له ذلك ولما بلغ الأذفونش إلى بلاده وسأل عن أبطاله وشجعانه وأصحابه ففقدهم ولم يسمع إلا نواح الثكلى عليهم اهم ولم يأكل ولم يشرب حتى هلك غما وهما وراح إلى أمه الهاوية ولم يخلف إلا بنتا واحدة جعل الأمر إليها فتحضنت بطليطلة
ورحل المعتمد إلى إشبيلية ومعه السلطان يوسف بن تاشفين فأقام السلطان يوسف بن تاشفين بظاهر إشبيلية ثلاثة أيام ووردت عليه من المغربً أخبار
تقتضي العزم فسافر وذهب معه ابن عباد يوما وليلة فحلف ابن تاشفين وعزم عليه في الرجوع وكانت جراحاته تورمت عليه فسير معه ولده عبد الله إلى أن وصل البحر وعبر إلى المغرب
ولما رجع ابن عباد إلى إشبيلية جلس للناس وهنئ بالفتح وقرأت القراء وقال على رأسه الشعراء فأنشدوه قال عبد الجليل بن وهبون : حضرت ذلك اليوم وأعددت قصيدة أنشدها بين يديه فقرأ القارئ ( إلا تنصروه فقد نصره الله ) التوبة 40 ) فقلت: بعدا لي ولشعري والله ما أبقت لي هذه الآية معنى أحضره وأقوم به
ولما عزم السلطان يوسف بن تاشفين إلى بلاده ترك الأمير سير بن أبي بكر أحد قواده المشاهير وترك معه جيشا برسم غزو الفرنج فاسراح الأمير المذكور أيا ما قلائل ودخل بلاد الأذفونش وأطلق الغارة ونهب وسى وفتح الحصون المنيعة والمعاقل الصعبة العويصة وتوغل في البلاد وحصل أموالا وذخائر عظيمة ورتب رجالا وفرسانا في جميع ما أخذه وأرسل للسلطان يوسف جميع ما حصله وكتب له يعرفه أن الجيوش بالثغور مقيمة على مكابدة العدو وملازمة الحرب والقتال في أضيق للعيش وأنكده وملوك الأندلس في بلادهم
وأهليهم في أرغد العيش وأطيبه وسأله مرسومه فكتب إليه أن يأمرهم بالنقلة والرحيل إلى أرض العدوة فمن فعل فذاك ومن أبى فحاصره وقاتله ولا تنفس عليه ولتبدأ بمن والى الثغور ولا تتعرض للمعتمد بن عباد إلا بعد استيلائك على البلاد وكل بلد أخذته فول فيه أميرا من عساكرك فأول من ابتدأ به من ملوك الأندلس بنو هود وكانوا بروطة بضم الراء المهلة وبعدها واو ساكنة وطاء مهملة مفتوحة وبعدها هاء ساكنة وهي قلعة منيعة من
عاصمات الذرا وماؤها ينبع من اعلاها وفيها من الأقوات والذخائر المختلفات ما لا تفنيه الأزمان فحاصرها فلم يقدر عليها ورحل عنها وجند أجنادا على هيئة الفرنج وزيهم وأمرهم أن يقصدوها ويغيروا عليها وكمن هو وأصحابه بقرب منها فلما رآهم أهل القلعة استضعفوهم فنزلوا إليهم ومعهم صاحب القلعة فخرج عليه سير الذكور وقبضه باليد وتسلم الحصن ثم نازل بني طاهر بشرق الأندلس فأسلموا له البلاد ولحقوا ببر العدوة ثم نازل بني صمادح الغلب أسف ومات غبنا فأخذا القلعة واستولى على المرية وجميع أعمالها ثم قصد بطليوس وكان بها المتوكل عمر بن محمد بن الأفطس المتقدم ذكره فحاصره وأخذه واستولى على جميع أعماله وماله ولم يبق له إلا المعتمد بن عباد فكتب للسلطان يوسف يعرفه بما فعل ويسأله مرسومه
في ابن عباد فكتب إليه يأمره أنه يعرض عليه النقلة لبر العدوة بجميع الأهل والعشيرة فإن رضي وإلا فحاصره وخذه وأرسل به كسائر أصحابه فواجهه وعرفه بما رسم به السلطان يوسف وسأله الجواب فلم يجب بنفي ولا إثبات ثم إنه نازل إشبيلية وحاصره بها وألح عليه فأقام الحصار شهرا ودخل البلد قهرا واستخرجه من قصره فحمل وجميع أهله وولده إلى العدوة فأنزل بأغمات وأقام بها إلى أن مات رحمه الله تعالى وعفا عنه وأما ابن الأثير ففي كلامه تقديم وتأخير وبعض خلاف لما مر وأخبار المعتمد بن عباد وما رآه من الملك والعز على كل حاضر وباد وما قاساه في الأمر من الضيق والعسر وسوء العيش أمر عجيب يتعظ به العاقل الأريب وأما ما مدحته به الشعراء وأجوبته لهم في حالي يسره وعسره وملكه وأسره وطيه ونشره وتجهمه وبثره فهو كثير وفي كتب التواريخ منه نظيم ونثير وقد قدمنا منه في هذا الكتاب ما يبعث الاعتبار ويثير وخصوصا في الباب السابع من هذا التأليف الذي هو عند المنصف أثير وفي المعتمد وأبيه المعتضد يقول بعض الشعراء :
من بني منذر وذاك انتساب زاد في فخرهم بنو عباد
فتية لم تلد سواها المعالي والمعالي قليلة الأولاد
وقال ابن القطاع في كتابه لمح اللمح في حق المعتمد :إنه أندى ملوك الأندلس راحة وأرحبهم سماحة وأعظمهم ثمادا وأرفعهم عمادا ولذلك كانت حضرته ملقى الرحال وموسم الشعراء وقبلة الآمال ومألف الفضلاء حتى إنه لم يجتمع بباب أحد من الملوك من أعيان الشعراء وأفاضل الأدباء ما كان يجتمع ببابه وتشمل عليه حاشيتا جنابه
وقال ابن بسام في الذخيرة للمعتمد شعر كما انشق الكمام عن الزهر لو صارمثله ممن جعل الشعر صناعة واتخذه بضاعة لكان رائقا معجبا ونادرا مستغربا فمن ذلك قوله
أكثرت هجرك غير أنك ربما عطفتك أحيانا علي أمور
فكأنما زمن التهاجر بيننا ليل وساعات الوصال بدور
قال : وهذا المعنى ينظر إلى قول بعضهم من أبيات :
أسفر ضوء الصبح عن وجهه فقام ذاك الخال فيه بلال
كأنما الخال على خده ساعات هجر في زمان الوصال
وعزم على إرسال حظاياه من قرطبة إلى إشبيلية فخرج معهن يشيعهن فسايرهن من أول الليل إلى الصبح فودعهن ورجع وأنشد أبياتا منها :
سايرهم والليل عقد ثوبه حتى تبدى للنواظر معلما
فوقفت ثم مودعا وتسلمت مني يد الإصباح تلك الانجما
وهذا المعنى في نهاية الحسن ثم ذكر من كلامه جملة
عود وانعطاف :
ولما جاء أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى ناحية غرناطة بعدما حصر بعض حصون الفرنج فلم يقدر عليه خرج إلى لقائه صاحب غرناطة عبد الله بن بلكين فسلم عليه ثم عاد إلى بلده ليخرج له التقادم فغدر به ودخل البلد وأخرج عبد الله ودخل قصره فوجد فيه من الذخائر والأموال ما لا يحد ولا يحصى ثم رجع إلى مراكش وقد أعجبه حسن بلاد الأندلس وبهجتها وما بها من المباني والبساتين والمطاعم وسائر الأصناف التي لا توجد في بلاد
العدوة إذ هي بلاد بربر وأجلاف عربان فجعل خواص يوسف يعظمون عنده بلاد الأندلس ويحسنون له أخذها ويوغرون قلبه على المعتمد بأشياء نقلوها عنه فتغير على المعتمد وقصد مشارفه الأندلس وحكى ابن خلدون أن علماء الأندلس أفتوا ابن تاشفين بجواز خلع المعتمد وغيره من ملوك الطوائف وبقتالهم إن امتنعوا فجهز يوسف العساكر إلى الأندلس وحاصر سير بن أبي بكر أحد عظماء دولة يوسف إشبيلية وبها المعتمد فكان من دفاعه وشدة ثباته ما هو معلوم ثم أخذ أسيرا وصار طرف الملك بعده حسيرا وفي وصف ذلك يقول صاحب القلائد بعد كلام : ثم جمع هو وأهله
وحملتهم الجواري المنشآت وضمتهم جوانحها كأمنهم أموات بعدما ضاق عنهم القصر وراق منهم المصر والناس قد حشروا بضفي الوادي يبكون بدموع كالغوادي فسارو والنوح يحدوهم والبوح باللوعة لا يعدوهم انتهى
ولما فرغ أمير المسلمين يوسف بن تاشفين من أمر غزوة الزلاقة المتقدم ذكرها ورجع تكرم له ابن عباد وسأله أن ينزل عنده فعرج إلى بلاده إذ أجابه إلى ما طلب فلما انتهى ابن تاشفين إلى إشبيلية مدينة المعتمد وهي من أحسن المدن وأجلها منظرا أمعن يوسف النظر فيها وفي محلها وهي على نهر عظيم مستبحر تجري فيه السفن بالبضائع جالبة من بر المغرب وحاملة إليه وفي غريبها رستاق عظيم مسيرة عشرين ليه وفي غريبها رستاق عظيم مسيرة عشرين فرسخا يشتمل على آلاف من الضياع كلها تين وعنب وزيتون وهذا هو المسمى بشرف إشبيلية وتمتار بلاد المغرب كلها بهذه الأصناف منه وفي جانب المدينة قصور المعتمد وأبيه المعتضد في غاية الحسن والبهاء وفيها أنواع ما يحتاج إليه من المطعوم والمشروب واللبوس والمفروش وغير ذلك فأنزل المعتمد يوسف بن تاشفين في أحدها وتولى من إكرامه وخدمته ما أوسع شكر ابن تاشفين له وكان مع ابن تاشفين أصحاب له ينبهونه على حسن تلك الحال وتأملها وما هي عليه من النعمة والاتراف
ويغرونه باتخاذ مثلها ويقولون له: إن فائدة الملك قطع العيش فيه بالتنعم والبذة كما هو المعتمد وأصحابه وكان ابن تاشفين داهية عاقلا مقتصدا في أموره غير متطاول ولا مبذر غير سالك نهج الرف والتأنق في اللذة والنعيم إذ ذهب صدر عمره في بلاده بالصحراء في شظف العيش فأنكر على من أغراه بذلك الإسراف وقال له : الذي يلوح لي من أمر هذا الرجل يعني المعتمد أنه مضيع لما في يده من الملك لأن هذه الأموال الكثيرة التي تصرف في هذه الأحوال لابد أن يكون لها أرباب لا يمكن أخذ هذا القدر منهم على وجه العدل أبدا فأخذه بالظلم وإخراجه في هذه الترهات من أفحش استهتار ومن كانت همته في هذا الحد من التصرف فيما لا يعدو الأجوفين متى تستنجد
همته في ضبط بلاده وحفظها وصون رعينه والتوقير لمصالحها .؟ ولعمري لقد صدق في كل ذلك
ثم إن يوسف بن تاشفين سأل عن أحوال المعتمد في لذاته : هل تختلف فتنقص عما عليه في بعض الأوقات ؟ فقيل له .: بل كل زمانه على هذا فقال :أفكل أصحابه وأنصاره على عدوه ومنجديه على الملك ينال حظا من ذلك ؟ فقالوا : لا قال : فكيف ترون رضاهم عنه ؟ فقالوا : لارضى لهم عنه فأطرق وسكت وأقام عند المعتمد على تلك الحال أياما
وفي أثنائها استأذن رجل على المعتمد فدخل وهو هيئة رثة وكان من أهل البصائر فلما مثل بين يديه قال : أصلحك الله أيها السلطان وإن من أوجب الواجبات شكر النعمة وإن من شكر النعمة إهداء النصائح وإني رجل من رعيتك حالي في دولتك إلى الاختلال أقرب منها إلى الاعتدال ولكني مع ذلك مستوجب لك من النصيحة ما للملك على رعيته فمن ذلك خبر وقع في أذني من بعض أصحاب ضيفك هذا يوسف بن تاشفين يدل على أنهم يرون أنفسهم وملكهم أحق بهذه النعمة منك وقد رأيت رأيا فإن آثرت الإصغاء
$$%375
إليه قتله فقال له : قله فقال له : رأيت أن هذا الرجل الذي أطلعته
على ملكك مستأسد على الملوك قد حطم على زناتة ببر العدوة وأخذ الملك
من أيديهم ولم يبق على واحد منهم ولا يؤمن أن يطمح إلى الطمع في ملكك
بل في ملك جزيرة الأندلس كلها لما قد عاينه من هناءة عيشك وإنه
لمتخيل في مثل حالك سائر ملوك الأندلس وإن له من الولد والأقارب وغيرهم
من يود له الحلول بما أنت فيه من خصب الجناب وقد أردى الأذفونش وجيشه
واستأصل شـأفتهم وأعدمك منه أقوى ناصر عليه لو احتجت إليه فقد كان لك
منه أقوى عضد وأوقى مجن وبعد فإنه إن فات الأمر في الأذفونش فلا يفتك
الحزم فيما هو ممكن اليوم فقال له المعتمد: وما هو الحزم اليوم ..؟ فقال: أن
تجمع أمرك على قبض ضيفك هذا واعتقاله في قصرك وتجزم أنك لا تطلقه
حتى يأمر كل من بجزيرة الأندلس من عسكره أن يرجع من حيث جاء حتى
لا يبقى منهم أحد بالجزيرة طفل فمن فوقه ثم تتفق أنت وملوك الجزيرة على
حراسة هذا البحر من سفينة تجري فيه له ثم بعد ذلك تستحلفه بأغلظ الأيمان
ألا يضمر في نفسه عودا إلى هذه الجزيرة إلا باتفاق منكم ومنه وتأخذ منه
على ذلك رهائن فأنه يعطيك من ذلك ما تشاء فنفسه أعز عليه من جميع ما
يتلمس منه فعند ذلك يقتنع هذا الرجل ببلاده التي لا تصلح إلا له وتكون
قد اسرحت منه بعدما اسرحت من الأذفونش وتقيم في موضعك على خير
حال ويرتفع ذكرك عند ملوك الجزيرة ويتسع ملكك وينسب هذا الاتفاق
لك إلى سعادة وحزم وها بك الملوك ثم اعمل بعد هذا ما يقتضيه حزمك في
مجاورة من عاملته هذه المعاملة واعلم أنه قد تهيأ لك من هذا أمر سماوي
تتفانى الأمم وتجري بحار الدم دون حصول مثله فلما سمع المعتمد كلام
الرجل استوصبه وجعل يفكر في انتهاز الفرصة .
وكان للمعتمد ندماء قد انهمكوا معه في اللذات فقال أحدهم لهذا الرجل
الناصح : ما كان المعتمد على الله وهو إمام أهل المكرمات ممن يعامل
بالحيف ويغدر بالضيف فقال الرجل : إنما الغدر أخذ الحق من يد
صاحبه لاد فع الرجل عن نفسه المحذور إذا ضاق به فقال ذلك النديم :
ضيم مع وفاء خير من حزم مع جفاء ثم إن ذلك الناصح استدرك الأمر
وتلافاه فشكر له المعتمد ووصله بصلة واتصل هذا الخبر بيوسف فأصبح
غاديا فقدم له المعتمد الهدايا السنية والتحف الفاخرة فقبلها ثم رحل
انتهى خبر وقعة الزلاقة وما يتبعه ملخصا من كتب التاريخ .
ولما انقرض بالأندلس ملك ملوك الطوائف بني عباد وبني ذي النون
وبني الأفطس وبني صمادح وغيرهم انتظمت في سلك اللمتونيين وكانت ب
لهم فيها وقعات بالأدعاء مشهورة في كتب التواريخ
دخول الأندلس في طاعة الموحدين
ولما مات يوسف بن تاشفين سنة خمسمائة قام بالملك بعده ابنه أمير المسلمين
علي بن يوسف وسلك سنن أبيه وإن قصر عنه في بعض الأمور ودفع العدو
عن الأندلس مدة إلى أن قبض الله تعالى للثورة عليه محمد بن تومرت الملقب
بالمهدي الذي أسس دولة الموحدين فلم يزل يسعى في هدم بنيان لمتونة إلى
أن مات ولم يملك حضرة سلطتهم مراكش ولكنه ملك كثيرا من البلاد
فاستخلف عبد المؤمن بن علي فكان من استيلائه على مملكة اللمتونيين ما هو
معروف ثم جاز إلى الأندلس وملك كثيرا منها ثم أخرج الإفرنج من مهدية
إفريقية وملك بلاد إفريقية وضخم ملكه وتسمى بأمير المسلمين
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
أكبر مسؤول طبي بريطاني: لهذا السبب يعيش الأطفال حياة أقصر
|
|
|
|
|
طريقة مبتكرة لمكافحة الفيروسات المهددة للبشرية
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|