أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-1-2022
2146
التاريخ: 4-7-2020
1788
التاريخ: 19-2-2021
1999
التاريخ: 13-5-2021
2606
|
الشقاوة ضدّ السعادة، ولها أيضاً مراتب، فمن لم يحصّل في دار الدنيا تصوّراً ولا تصديقاً ولم تقبل نفسه من المبادئ العالية صوراً، وتسامح في أداء الطاعات والأعمال الحسنة ولم يتخلّ عن الرذائل الخلقيّة ولم يتحلّ بالفضائل النفسيّة وأهمل قوّتيه العلمية والعملية فإن كان له شعور جملي بالكمال وتصوّر إجمالي لما هو مركوز في جبلّه من تمييز الحسن عن القبيح، والممدوح عن المذموم، فهذا الرجل بعد كشف غشاوة الحجب الظلمانية عنه يدرك حقيقة حرمانه عن ملائمات جوهره وانهماكه في منافيات روحه وانقطاع ما كان يراه لذّة وملائماً، وانسداد أبواب ما كان يطلبه مع رسوخ رغبته وميله في نيله عنه ويصل إليه من الالم والعذاب ما يكون نسبته إلى سائر الآلام كنسبة عذاب الآخرة إلى الدنيا، وهذه هي الشقاوة الحقيقية، و ...[هكذا في الكتاب].
ولعلّ مراد مَن قال بتجسّد الأعمال وأنّ الهيأة النفسانيّة إذا صارت ملكة تصير متمثّلة في عالم الباطن بما يناسبها ؛ لأنّ صور الأشياء تختلف باختلاف العوالم كالعلم المدرك في اليقظة بالعقل أو الوهم وفي النوم باللبن وكالسرور المتصوّر في النوم بالبكاء، فإنّ الحقيقة متحدّة، الا أنّها تتجلّى في كل عالم بصورة، هو أنّ موادّ الأشخاص الأخروية هي الملكات النفسية والنيّات القلبية المتصوّرة بصور روحانية وجودها الادراك، فإذا انقطعت علاقة النفس عن دار الفناء وحان أوان مسافرتها إلى دار البقاء وارتفعت عنها حجب الموادّ الظلمانية وخلصت عن عوائق الدنيا الدنيّة والتفتت إلى صحيفته صار الادراك فعلياًّ والعلم عينيّاً، فيشاهد ويرى أفعاله {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} (1)، {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} (2) وبهذا المعنى يصحّ حديث الخلود، فإنّ القول والعمل الفانيين لو كانا هما السبب، لبقي المسبب مع زوال السبب، وهو محال مع أنّه يقبح على الحكيم التعذيب أبداً على فعل قصير المدّة.
وهذا حال الناقصين في الكمالات العلمية، سواء كانوا ناقصين في الكمالات العملية أيضاً أم لا، فإنّ العمل لا يجدي مع نقصان العلم، وأمّا من كان كاملاً في العلم ناقصاً في العمل منقاداً لقوّتيه الشهوية والغضبية، فهو وإن لم يحصل له الالتذاذ بما له من الكمالات بعد مفارقة روحه عن البدن، فإنّ غفلة النفس وعدم التذاذها بالكمال ما دام (3) في البدن ليست لانطباعها فيه لتجرّدها بل للعلاقة التي لها معه وشوقها إلى تدبيره والاشتغال بآثاره، فلو فارقته على هذه الحالة فكأنّها لم تفارقه لبقاء الشوق والعلاقة، بل هو في هذه الحالة أسوء حالاً من السابق ؛ لأنّه من جهة حصول اللذّات الحسّية له بالفعل لم يكن متأذّياً من فقد الكمال العقلي، فكان كالمريض الممرور، وفي هذه الحالة لمّا انقطعت عنه اللذّات الحسّية لفقدان آلتها مع بقاء ميله إليها وحصول الشوق الأصلي المغفول عنه أولّاً على وجه آكد لعدم شاغل عنه حينئذ، فالميل البدني يجذبه إلى السفل، الشوق يجذبه إلى العلو، فيحدث له من الحركات المشوشة ما يعظم أذاه جدّاً، على أنّ الهيأة البدنية الراسخة فيه غير الزائلة عنه مضادّة لا محالة لجوهر ذاته، فهي مؤلمة غاية الألم، الا أنّه ليس لأمر ذاتي بل لأمر عرضي غريب هو حصول الملكات الرديّة من كثرة الاتيان بالملائمات الحسّية، فبعد انقطاع آلتها عنه يضعف الميل تدريجاً إلى أن يفنى ويزول، فلا يكون مخلداً في هذا النوع من العذاب، بخلاف شوق الكمال العلمي، فإنّه لا يزول أبداً فلو لم يحصّل في دار الدنيا شيئاً منه بقي ألمه أبداً، وما ذكرناه من أحوال الصنفين فإنّما هي للنفوس الذكيّة.
وأمّا النفوس الساذجة غير المستشعرة بكمالها الحقيقي غير المكتسبة له فلا يخلو إمّا أن يكون معتقداً للعقائد الحقّة على سبيل التقليد مع اجتماع شرائط التقليد فيه أو لا.
والأوّل إن حصّل من الكمالات العملية اللائقة بحاله بقدر ما اكتسبه من العقائد الحقّة ولو على سبيل التقليد فهو أيضاً من السعداء وهم المعبّر عنهم بالبله في قوله صلى الله عليه وآله: «أكثر أهل الجنّة البله» (4).
وسعادتهم جسميّة؛ لعدم إدراكهم العقلية والباعث لهم على اقتناء الملكات الحسنة واجتنابهم عن الأخلاق الذميمة والأعمال القبيحة هو الطمع في لذّة مجانسة للذّات الجسميّة وإن كانت أرفع وألطف وأدوم وأشرف، أو الخوف من الآلام المجانسة لهذه الآلام الجسمانيّة وإن كانت أشدّ وأدوم منها، إذ لا يتصوّر في حقّهم غير ذلك، فنفوسهم بعد المفارقة عن البدن شائقة جاذبة إلى الأجسام العنصرية لاستحالة التناسخ سواء قلنا بتعلّقها بالأجسام الشريفة السماوية على تفاوت مراتبهم ودرجاتهم كما هو رأي المشّائين، أو بالأبدان المثاليّة كما هو رأي العرفاء والاشراقيّين.
وإن لم يحصّلها، بل حصّل الهيئات المرديّة والملكات الشهويّة والغضبيّة، فهو من صنف الأشقياء الواصلين إلى الكمال العلمي دون العملي يعذّب ولا يخلّد، وإن كان شقاوته أهون وعذابه أخفّ من شقاوتهم وعذابهم، والكلام في جنس ألمه وعذابه كما ذكرناه، ولمّا كان أغلب الناس من هذين الصنفين فالمواعيد الشرعيّة ترغيباً وترهيباً منساقة إليهم.
وإن لم يجتمع فيه شرائط التقليد لم ينفعه تقليده ولا الأعمال الصالحة الصادرة عنه، وكان كالمعتقد للعقائد الباطلة من صنف من لم يحصّل من الكمالين شيئاً، مخلّداً في الألم والعذاب الحاصل لأولئك.
فقد ظهر ممّا فصّلناه أنّ انحصار اللذّة في الجسمانيّات كما يظنّه المسجونون بسجن الطبيعة، فإنّ غاية همّتهم وشوقهم في تحصيل الملكات الفاضلة والأعمال الصالحة هي الوصول إلى أشرف أنواع اللذّات الحسّية، كالجنّة والحور والغلمان، وفي ترك الرذائل الخلقية والأفعال الفاضحة الخوف من أدوم أنواع آلامها كالنار والحيّات والعقارب، إنّما يصدر توهّمه من عدم خلاص النفس عن سجن الطبيعة ورسوخ العلاقة بالجسم وما يلزمه من قواه الشهويّة والغضبيّة، وكيف يرضى من له أدنى قريحة بأن يكون غاية همّته ونهاية سلوكه الوصول إلى أشرف لذّات البهائم، ويكون نفسه المخلوقة لأمر عظيم خادماً في هذه المدّة للنفس البهيميّة أو ما يتفكّر في أنّ ذلك عبادة الأجراء والعبيد؟ أو لم يسمع قول سيّد الموحّدين: «إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك ولا شوقاً إلى جنّتك، بل لمّا وجدتك أهلاً للعبادة عبدتك» (5).
بل كما قاله الشيخ: كيف يرضى بأن يكون ربّ العالمين الذي ليس له في بهائه وعظمته وكبريائه من يوازيه مسمّياً لهذه اللذّات لذّات قاصداً لها ممّا يكرّره في كتابه الكريم ويؤكّد عليه بلسان نبيّه الرسول الصادق الأمين، وكذا المبادئ العالية المنزهّة عن هذه اللذّات الحسيّة لا يكون لها لذّة وغبطة أصلاً، لكنّه تعالى ألقى بواسطة النبوّة إلى كافة الناس ما تحتمله أفهامهم وتصل إليه أوهامهم.
قال الغزالي في المضنون: اللذّة المحسوسة الموعودة في الجنان من أكل وشرب ونكاح يجب التصديق بها لإمكانها وهي حسّي وخياليّ وعقليّ.
أمّا الحسّي فبعد ردّ الروح إلى البدن كما ذكرناه. ولا كلام في أنّ بعض هذه اللذّات ممّا لا يرغب فيها كلّ أحد كاللبن والاستبرق والطلح المنضود والسدر المخضود، وقد خوطب بهذا جماعة يعظم ذلك في أعينهم ويشتهونه غاية الشهوة، وفي كلّ صنف واقليم مطاعم ومشارب وملابس يختصّ بقوم دون قوم، ولكلّ أحد في الجنّة ما يشتهيه{ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون} (6).
وربما عظّم الله شهوة في الآخرة لا يشتهيه أهل الدنيا في الدنيا كالنظر إلى ذاته سبحانه، فإنّ الرغبة الصادقة فيها إنّما يكون في الآخرة دون الدنيا، ـ إلى أن قال ـ:
وأمّا الوجه العقلي فهو أن يكون هذه المحسوسات أمثلة للذّات العقلية غير المحسوسة، لكنّها تنقسم إلى أنواع مختلفة الذات كالحسيّات، فتكون أمثلة لها، وكلّ واحد منها مثالاً للأخرى، وإن كانت ممّا لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيجوز أن يجمع بين الكلّ، ويجوز أن يكون نصيب كلّ واحد بقدر استعداده، فالمشغوف بالتقليد المتقيّد بقيد الصورة الذي لم ينفسح له طريق الحقائق يمثّل له هذه الصور، والعارفون المستبصرون يفتح لهم من لطائف السرور واللذّات العقليّة ما يليق بهم ويشفي شوقهم وشهوتهم، إذ حدّ الجنّة أنّ فيها لكلّ امرىء ما يشتهيه، فإذا اختلفت الشهوات اختلفت العطيّات واللذّات، والقدرة واسعة، والقوّة البشريّة عن الاحاطة بعجائب القدرة قاصرة، والرحمة الالهيّة ألقت بواسطة النبوّة إلى كافّة الناس ما احتملته أفهامهم فيجب التصديق بما فهموه والاقرار بما وراء منتهى الفهم من أمور تليق بالكرم الإلهي ولا تدرك بالفهم البشري، وإنّما تدرك في مقعد صدق عند مليك مقتدر. انتهى ملخّصاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ق: 22.
(2) الإسراء: 14.
(3) كذا، والظاهر: مادامت.
(4) الجامع الصغير: 1 / 53.
(5) البحار: 41 / 14 مع اختلاف.
(6) فصلت: 31.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|