أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-20
1015
التاريخ: 25-9-2016
1624
التاريخ: 22-6-2017
1614
التاريخ: 2023-12-19
1055
|
من أهمّ فلسفة البعثة النبويّة نشر الخلق الحسن في المجتمع، والعلماء ورثة الأنبياء، فهم أولى من غيرهم بحسن الخلق والتحلّي به، ونشره سلوكاً وعملا وقولا، فإنّ سوء الخلق ممّـا ينفّر الطباع ويوجب فرار الناس، ورجل العلم والدين هدفه السامي هداية الناس كالأنبياء (عليهم السلام)، وهذا يعني أنّه لا بدّ أن يحتكّ بالناس بعد أن يهذّب نفسه ويزكّي قلبه، وينشرح صدره، ويتزيّن بالعلم والحلم والوقار والسكينة، فيحتاج في مقام الإرشاد والتبليغ وأداء المسؤوليّة إلى خلق رفيع وحسن حتّى يجذب الناس إليه، كما يشهد بذلك سيرة نبيّنا المصطفى حبيب القلوب وطبيب النفوس رسول الله محمّد (صلى الله عليه وآله).
وعلماء الآخرة يتّصفون بصفات الله سبحانه، ولهم علامات ودلائل، أهمّها خمسة يفهم من خمس آيات، وهي: الخشية والخشوع والتواضع وحسن الخلق والزهد، أي إيثار الآخرة على الدنيا الدنيّة.
أمّا الخشية، فيدلّ عليها قوله تعالى:
(إنَّما يَخْشى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلَماءُ) (1).
وأمّا الخشوع، فمن قوله تعالى:
(خاشِعينَ للهِ لا يَشْتَرونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَليلا) (2).
وأمّا التواضع، فشاهده قوله تعالى:
(وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنينَ) (3).
وأمّا حسن الخلق، فمن قوله تعالى:
(فَبِما رَحْمَة مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) (4).
وأمّا الزهد، فمن قوله (عزّوجلّ):
(وَقالَ الَّذينَ اُوتوا العِلـْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ) (5).
فلين الجانب وحسن الخلق الذي هو مظهر رحمة الله سبحانه وتعالى اتّصف بها نبيّ الله محمّد الذي كان رحمةً للعالمين، وقد ورث العلماء صفات الأنبياء وعلومهم وأخلاقهم الحسنة، فعاشروا الناس برفق وحلم ولين ورحمة ومداراة، وتجرّعوا الغصص والأحزان من أيدي الناس، وتحمّلوا جهلهم وعداءهم وحتّى اتّهاماتهم وإشاعاتهم من أجل إعلاء كلمة الحقّ، والذي كان يطيّب خاطرهم ويخفّف من آلامهم أنّه كان بعين الله سبحانه.
فحسن الخلق من أهمّ العوامل في تعليم الناس وتربيتهم وتهذيبهم، وإصلاح المجتمع وإدارته.
وما أروع ما يقوله سماحة المجدّد الشيرازي الكبير (قدس سره) قائد ثورة التبغ في إيران سنة (1891 م): إنّ للمرجعيّة مئة شروط ومواصفات، أوّلها: العلم. والثانية: التقوى، والبقيّة فنّ الإدارة لشؤون المجتمع ومداراة الناس والنظر في حوائجهم وفق مقتضيات العصر الذي يعيشونه (6).
ومن روائع قصص علمائنا الأعلام في حسن الخلق ومداراة الناس وآيات الحلم ما ينقل عن المحقّق خواجة نصير الدين الطوسي عليه الرحمة لمّـا شتمه شخص في رسالة قائلا: يا كلب. فأجابه بحلم وهدوء وسكينة: أمّا قولك: يا كلب، فغير صحيح، فإنّ الكلب من ذوات الأربع وهو نابح طويل الأظفار، وأنا منتصب القامة بادي البشرة عريض الأظفار، ناطق ضاحك، فهذه الفصول والخواصّ غير فصول وخواصّ الكلب.
ويقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): ما أرضى المؤمن ربّه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه.
وهذا الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء (قدس سره) لمّـا كان جالساً في محراب الصلاة، جاءه سيّد فقير وطالبه مالا، ولم يكن عند الشيخ شيئاً، فغضب السيّد وبصق في وجه الشيخ، فقام الشيخ وأخذ طرف ردائه أو عمامته ودار بين صفوف المصلّين، وهو يقول: مَن كان يحبّ لحية الشيخ فليساعد هذا السيّد، وملأ الناس طرف رداء الشيخ بالمال فأعطاه الشيخ للسيّد ثمّ وقف يصلّي.
وبمثل هـذا الحلم والخلق الحسن كان يتعامل مراجعنا العظام مع عوامّ الناس.
قال الشهيد الثاني في منيته في بيان ما يلزم المعلّم والمتعلّم وآدابهما في أنفسهما:
فالأوّل: ما يجب عليهما إخلاص النيّة لله تعالى في طلبه وبذله، فإنّ مدار الأعمال على النيّات ـ ثمّ يذكر الإخلاص من خلال القرآن الكريم والروايات الشريفة ـ.
ثمّ يتعرّض للأمر الثاني: وهو استعمال العلم.
ثمّ الأمر الثالث: التوكّل على الله سبحانه.
والرابع: حسن الخلق زيادة على غيرهما من الناس والتواضع وتمام الرفق وبذل الوسع في تكميل النفس. روى معاوية بن وهب، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: اطلبوا العلم وتزيّنوا معه بالحلم والوقار، وتواضعوا لمن تعلّمونه العلم، وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم، ولا تكونوا علماء جبّارين، فيذهب باطلكم بحقّكم. وروى الحلبي في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ألا اُخبركم بالفقيه حقّ الفقيه؟ من لم يقنّط الناس من رحمة الله، ولم يؤمّنهم من عذاب الله، ولم يرخّص لهم في معاصي الله، ولم يترك القرآن رغبةً عنه في غيره، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكّر.
واعلم أنّ المتلبّس بالعلم منظور إليه، ومتأسّى بفعله وقوله وهيئته، فإذا حسن سمته وصلحت أحواله وتواضعت نفسه، وأخلص لله تعالى عمله، انتقلت أوصافه إلى غيره من الرعيّة، وفشا الخير فيهم، وانتظمت أحوالهم، ومتى لم يكن كذلك كان الناس دونه في المرتبة التي هو عليها فضلا عن مساواته، فكان مع فساد نفسه منشأً لفساد النوع وخلله، وناهيك بذلك ذنباً وطرداً عن الحقّ وبعداً، ويا ليته إذا هلك انقطع عمله، وبطل وزره، بل هو باق ما بقي من تأسّى به واستنّ بسنّته.
وقد قال بعض العارفين: إنّ عامّة الناس أبداً دون المتلبّس بالعلم بمرتبة، فإذا كان ورعاً تقيّاً تلبّست العامّة بالمباحات، وإذا اشتغل بالمباح، تلبّست العامّة بالشبهات، فإن دخل في الشبهات تعلّق العامي بالحرام، فإن تناول الحرام كفر العامي، وكفى شاهداً على صدق هذه العيان وعدول الوجدان، فضلا عن نقل الأعيان (7).
فعلى طالب العلم في سيرته الأخلاقيّة أن يراعي حسن الخلق غاية المراعاة، ويحافظ على القيام بشعائر الإسلام وظواهر الأحكام، كإقامة الصلوات في مساجد الجماعات محافظاً على شريف الأوقات، وإفشاء السلام للخاصّ والعامّ مبتدئاً ومجيباً، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى بسبب ذلك، صادعاً بالحقّ، باذلا نفسه لله، لا يخاف لومة لائم، متأسّياً في ذلك بالنبيّ (صلى الله عليه وآله) وغيره من الأنبياء، فإنّ العلماء ورثه الأنبياء، متذكّراً ما نزل بهم من المحن عند القيام بأوامر الله تعالى. ولا يرضى من أفعاله الظاهرة والباطنة بالجائز، بل يأخذ نفسه بأحسنها وأكملها، فإنّ العلماء هم القدوة وإليهم المرجع، وهم حجّة الله تعالى على العوامّ، وقد يراقبهم للأخذ منهم، من لا ينظرون إليه، ويقتدي بهم من لا يعملون به، وإذا لم ينتفع العالم بعلمه، فغيره أبعد من الانتفاع به، ولهذا عظمت زلّة العالم لما يترتّب عليها من المفاسد. ويتخلّق بالمحاسن التي ورد بها الشرع وحثّ عليها، والخلال الحميدة والشيم المرضية، من السخاء والجود وطلاقة الوجه من غير خروج عن الاعتدال وكظم الغيظ وكفّ الأذى واحتماله والصبر والمروّة والتنزّه عن دنيّ الاكتساب والإيثار وترك الاستئسار والإنصاف وترك الاستنصاف وشكر المتفضّل والسعي في قضاء الحاجات وبذل الجاه والشفاعات والتلطّف بالفقراء والتحبّب إلى الجيران والأقرباء، والإحسان إلى ما ملكت الأيمان ومجانبة الإكثار من الضحك والمزاح والتزام الخوف والحزن والانكسار والإطراق والصمت بحيث يظهر أثر الخشية على هيئته وسيرته وحركته وسكونه ونطقه وسكوته، لا ينظر إليه ناظر إلاّ وكان نظره مذكّراً لله تعالى، وصورته دليلا على علمه.
وملازمة الآداب الشرعيّة القوليّة والفعليّة الظاهرة والخفيّة، كتلاوة القرآن الكريم متفكّراً في معانيه، ممتثلا لأوامره، منزجراً عند زواجره، واقفاً عند وعده ووعيده، قائماً بوظائفه وحدوده، وذكر الله تعالى بالقلب واللسان، وكذلك ما ورد من الدعوات والأذكار في آناء الليل والنهار ونوافل العبادات من الصلاة والصيام وحجّ البيت الحرام، ولا يقتصر من العبادات على مجرّد العلم، فيقسو قلبه، ويظلم نوره، كما تقدّم التنبيه عليه ـ وسيأتي أيضاً ـ.
وزيادة التنظيف بإزالة الأوساخ، وقصّ الأظفار وإزالة الشعور المطلوب زوالها، واجتناب الروائح الكريهة، وتسريح اللحية، مجتهداً في الاقتداء بالسنّة الشريفة والأخلاق الحميدة المنيفة. ويطهّر نفسه من مساوئ الأخلاق وذميم الأوصاف: من الحسد والرياء والعجب واحتقار الناس، وإن كانوا دونه بدرجات، والغِلّ والبغي والغضب لغير الله، والغش والبخل والخبث والبَطَر والطمع والفخر والخيلاء والتنافس في الدنيا والمباهاة بها والمداهنة والتزيّن للناس وحبّ المدح بما لم يفعل، والعمى عن عيوب النفس والاشتغال عنها بعيوب الناس، والحميّة والعصبيّة لغير الله، والرغبة والرهبة لغيره، والغيبة والنميمة والبهتان والكذب والفحش في القول.
ولهذه الأوصاف تفصيل وأدوية وترغيب وترهيب، محرّر في مواضع تخصّه ـ كجامع السعادات والمحجّة البيضاء وآداب النفس ومرآة الرشاد ـ والغرض من ذكرها هنا تنبيه العالم والمتعلّم على اُصولها، ليتنبّه لها ارتكاباً واجتناباً على الجملة، وهي وإن اشتركت بين الجميع، إلاّ أنّها بهما أولى، فلذلك جعلناها من وظائفهما، لأنّ العلم ـ كما قال بعض الأكابر ـ عبادة القلب وعمارته وصلاة السرّ، وكما لا تصحّ الصلاة التي هي وظيفة الجوارح، إلاّ بعد تطهّرها من الأحداث والأخباث، فكذلك لا تصحّ عبادة الباطن إلاّ بعد تطهيره من خبائث الأخلاق.
ونور العلم لا يقذفه الله تعالى في القلب المتنجّس بالكدورات النفسيّة والأخلاق الذميمة، كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): ليس العلم بكثرة التعلّم، وإنّما هو نورٌ يقذفه الله تعالى في قلب من يريد الله أن يهديه.
ونحوه قال ابن مسعود: ليس العلم بكثرة الرواية، إنّما العلم نورٌ يقذف في القلب.
وبهذا يعلم أنّ العلم ليس هو مجرّد استحضار المعلومات الخاصّة، وإن كانت هي العلم في العرف العامي، وإنّما هو النور المذكور الناشئ من ذلك العلم الموجب للبصيرة والخشية لله تعالى (8).
قال الله تعالى: (وَاللهُ عَليمٌ حَليمٌ) (9)، (إنَّ إبْراهيمَ لَحَليمٌ أوَّاهٌ مُنيبٌ) (10).
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فأمّا الحلم فمنه ركوب الجميل، وصحبة الأبرار، ورفع الضعة، ورفع الخساسة، تشهي الخير، ويقرب صاحبه من معالي الدرجات والعفو والمهل والمعروف والصمت، فهذا ما يتشعّب للعاقل بحلمه. ليس بحليم من لم يعاشر بالمعروف من لا بدّ من معاشرته. وما جمع شيء إلى شيء أفضل من حلم إلى علم. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): الحلم سجيّة فاضلة، زينة، غطاء ساتر، فاستر خلل خلقك بحلمك، حجاب من الآفات، رأس الرئاسة، عشيرة، نور جوهره العقل، تمام العقل، نظام أمر المؤمن، خليل المؤمن ووزيره، أنصر من شجعان العرب، زينة الأدب، جمال الرجل، وخير الحلم التحلّم، ومن لم يتحلّم لم يحلم، والحليم من احتمل إخوانه، وبوفور العقل يتوفّر الحلم، ولا يكون حليماً حتّى يكون وقوراً، وعليك بالحلم فإنّه ثمرة العلم، ومن حلم ساد، ويظفر من حلم، فكفى بالحلم ناصراً وبه تكثر الأنصار، والحلم كظم الغيظ وملك النفس مع القدرة، وكمال العلم الحلم، وكمال الحلم كثرة الاحتمال والكظم، فلن يثمر العلم حتّى يقارنه الحلم، والعلم أصل الحلم، والحلم زينة العلم. قال الإمام الصادق (عليه السلام): عليك بالحلم فإنّه ركن العلم، الحلم لباس العالم، فلا تعرينّ منه (11).
_________________
(1) فاطر: 28.
(2) آل عمران: 199.
(3) الشعراء: 215.
(4) آل عمران: 159.
(5) القصص: 80.
(6) قصص وخواطر: 655.
(7) منية المريد: 162.
(8) منية المريد: 162 ـ 168.
(9) النساء: 12.
(10) هود: 75.
(11) ميزان الحكمة 2: 511.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|