أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-01
1047
التاريخ: 2024-03-18
866
التاريخ: 2024-04-23
784
التاريخ: 2024-08-08
502
|
لقد كان من نتائج تدهور السلطة في البلاد بعد سقوط الدولة القديمة أن أصبحت الحالة الاجتماعية في تأخر ملموس في كل نواحيها، فقد كان المعمار وزخرفة المقابر يظهر فيها الانحطاط من جيل إلى جيل، وقد كان القوم يحاولون أن يقلدوا المناظر القديمة، غير أن قلة المال والاستعداد العقلي قد قاما حائلًا دون بلوغ ذلك؛ ولذلك نشاهد مما بقي لنا أن عتاد المقابر أخذ يتضاءل أكثر فأكثر حتى أصبح شيئًا حقيرًا تافهًا؛ لأن أهل هذا العصر لم يكن لديهم الموارد التي كانت في يد رجال الدولة القديمة. وكذلك نشاهد في هذا العصر أن رجال الفن قد اختفوا، ولم يبقَ إلا أصحاب الحرف والصناعات، ومع ذلك فإن عصر الانحطاط هذا كان له أهمية عظمى في تاريخ مصر؛ لأنه كان من نتائج محو سلطة الأشراف أن قام في البلاد طائفة الطبقة الوسطى لتناهضها، فاكتسبت من الحقوق ما كان له شأن عظيم في توطيد العدالة الاجتماعية، وإذا كنا نلاحظ أن مقابر هذه الطبقة كانت أبسط بكثير من مقابر هؤلاء الأشراف، فإننا من جهة أخرى نلاحظ أن المبادئ الأصلية في عبادة الأموات ومعتقداتهم، وهي التي كانت وقفًا على علية القوم، قد أصبحت ملكًا مشاعًا لكل الشعب المصري؛ ويرجع السبب في ذلك أيضًا إلى ما قام به رجال الفكر في هذا العصر من حملة شنعاء على النظم القديمة العتيقة، والمطالبة بحقوق الإنسان في هذه الحياة وفي الحياة الآخرة، ناشدين الوصول إلى مساواة الناس جميعًا في الدنيا والآخرة. وقد تكلمنا في الفصل السابق عن العدالة الاجتماعية في هذه الدنيا، وسنتناول الآن الكلام عن العدالة في حقوق الإنسان في الآخرة، ومعتقدات القوم عامة في هذه الفترة. لقد كان من نتائج التخريب والتدمير والفوضى التي حدثت في البلاد في العهد الإقطاعي الأول أن تحوَّلت النفوس إلى سوء الظن والتشكك في فائدة الاستعداد للحياة الآخرة الذي كان مظهره بناء قبر ضخم مجهز بالأثاث الجنازي، وبخاصة أن كُتاب هذا العصر أخذوا ينادون بعدم فائدة العتاد المادي للمتوفى، غير أن المعتنقين لهذا المذهب كانوا فئة ضئيلة جدًّا، وذلك بالرغم من مبالغة الكُتاب في هذا الاتجاه، كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق، والواقع أن مثل تلك الاتجاهات كانت من جهة من مستلزمات عقيدة التشاؤم واليأس المطلقين، كما كانت من جهة أخرى من مستلزمات الاعتقاد بضرورة التحلي بالقيم الخلقية للحياة الآخرة بدلًا من الالتجاء إلى الوسائل المادية التي كانت تنحصر في بناء المقابر الضخمة وتزويدها بالأوقاف والكهنة. وهذا الاعتقاد الخلقي أخذ ينمو ويزداد نفوذه، غير أن هذه الآراء التي كانت تعتبر ثورية ورجعية على العادات القديمة لم ينحدر في تيارها الجم الغفير من الشعب المصري القديم؛ ولذلك لما صارت سعادة الآخرة حقًّا مشاعًا لجميع المتوفين، كما سنرى، فإن عامة الشعب الذين كانوا متمسكين بامتيازاتهم هذه الجديدة التي تجعل لهم حق التمتع بذلك المصير السماوي الفخم، والذي كان منذ زمن بعيد حقًّا موقوفًا على الفرعون فقط، قد اتخذوا تلك الشعائر الجنازية، واستمروا قائمين بالمحافظة على مزاولتها، وقد استمرت العناية بإقامة تلك الشعائر تزداد وتنتشر دون أي التفات إلى ذلك الصمت البيِّن والخراب البادي الذين كانا يخيمان فوق هضبة الأهرام، وفوق جبانات الأجداد القدامى؛ ولذلك نجد أنه بالرغم من أن والد «مريكا رع» كان يشعر وهو يلقي تعاليمه لابنه شعورًا عظيمًا بتلك الأهمية الخطيرة التي تنتج من التحلي بالأخلاق القيمة، فإنه مع ذلك لم يرَ بدًّا من الإفصاح لابنه بضرورة العناية بإقامة القبور؛ إذ يقول له: «زين مثواك (أي قبرك) الذي في الغرب، وجمِّل مقعدك في الجبانة»، ثم اضطَّر أن يضيف إلى ذلك قوله: «كإنسان أقام العدالة؛ لأن ذلك هو ما يرتكن عليه القلب«. ويتضح من ذلك القول أن هذا الملك لم يكن يعتبر القبر الوطيد البنيان وحده كافيًا لضمان السعادة في الحياة الآخرة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نجد أن «أبور» قال في تحذيراته للملك فضلًا عن ذلك: «فإنه من الخير أن تقيم أيدي الناس الأهرام وتحفر البحيرات وتغرس خمائل الجميز للإله.» والواقع أن فقدان القبر كان يعد في نظر الموظف الثري أفظع دليل ممكن على عدم ولائه للفرعون؛ ولذلك قال حكيم لأولاده: «لا قبر لإنسان خارج على جلالة الفرعون، بل إن جثته سيُلقى بها في الماء «. (1) ومن أجل ذلك كان كثير من الأشراف في ذلك العصر يقومون ببناء المقابر وتجهيزها بمعدَّات، جريًا على ما كانت عليه الحال قديمًا. وحقيقة الأمر أنه لم يعُد في قبضة يد الفرعون ذلك السلطان المطلق على رجال الحكومة حتى يمكنه أن يتخذ منها مجرد العامل السامي المنظم لإقامة المقبرة الملكية الهائلة، ومع ذلك فإن الموظفين القائمين بإقامة مثل تلك المقابر لم يتردَّدوا طرفة عين في موازنة تلك المقابر بجبانة الجيزة، وقد كان ذلك من باب المبالغة، فقد أظهر مثلًا «مري» أحد مهندسي الملك «سنوسرت الأول» ارتياحه العظيم عندما كُلف من قِبل الملك بإقامة مثوى له أبدي تفوق شهرته «روستاو» (أي جبانة الجيزة)، وهي المنطقة الممتازة الخاصة بالآلهة، فكانت عُمد ذلك المثوى تخترق السماء، والبحيرة التي حُفرت هناك قد وصلت إلى النهر، وأبوابه العظيمة المناطحة للسماء في طولها قد أقيمت من أحجار «طرة» البيضاء. وقد فرح الإله «أوزير» رئيس أهل الغرب بكل آثار سيدي (الملك)، ولقد سُسررت أنا نفسي وكان قلبي مبتهجًا بما قد قمت بإنجازه. و«المثوى الأبدي» هذا هو قبر الملك، ويشتمل كذلك على المزار أو المعبد الجنازي الذي كان قد أقيم قبالته كما يدل على ذلك الوصف المذكور. ومع أن مقابر الإقطاعات لم تَعد تبنى حول هرم الملك، كما كان يفعل الأشراف ورجال البلاط في عهد بناة الأهرام؛ إذ صارت الآن قبور الأشراف مبنية في الإقطاعات في طول البلاد وعرضها، فإنهم مع ذلك قد استمروا يتمتعون إلى حد ما بالهبات الجنازية التي تُصرف من الخزانة الملكية، وكانت الصيغة الدينية الجنازية المألوفة في ذلك الوقت هي «قربان يهديه الملك»، وهي نفس الصيغة التي كانت شائعة الاستعمال في المقابر التي حول الأهرام، وقد صارت تُنقش بكثرة في ذلك الوقت على جدران مقابر الأمراء والأشراف. وعلى أية حال فإن هذه الصيغة لم تصبح بعد مقصورة على مقابر عِلية القوم؛ إذ باتساع انتشار المذهب الديني الذي كان خاصًّا بالأشراف بين عامة الشعب صار من العادات المعروفة المتفق عليها عند القوم أن يتضرع كل إنسان إلى الملك حتى يعطيه نصيبًا من تلك الهبات الجنازية الملكية؛ ولذلك نجد كل طبقات المجتمع حتى أحقر العمال من المدفونين في «العرابة المدفونة» وغيرها كانوا يتضرعون لنيل «قربان يهبه إليهم الملك»، بالرغم من أنه كان يستحيل أن يتمتع عامة الشعب بامتياز كهذا. على أننا لم نحصل على فكرة ما عن تلك العادات البهيجة الخاصة بتموين المُتوفَّى في الحياة الآخرة إلا في العهد الإقطاعي، وهي تلك العادات التي صارت الآن متأصلة في حياة الشعب المصري القديم.
وقد حفظت لنا المقابر التي لا تزال باقية إلى الآن في مقابر مقاطعات الوجه القبلي بعض بقايا تلك الشعائر اليومية العادية، وكذلك ما كان خاصًّا منها بالاحتفالات والأعياد التي كان الشعب يظن أنه بها يُدخل السرور على الذين رحلوا عن دار الدنيا إلى دار الآخرة، حتى تصير حياتهم أكثر مرحًا وأعظم حبورًا، وهذه الاحتياطات نفسها كانت متبعة في عصر الأهرام عند الأشراف أيضًا؛ إذ نجد أن الشريف «زفاي حعبي» الأسيوطي المنبت، وأمير مقاطعة «سيوط» الذي كان يعيش في عهد «سنوسرت الأول» قد أقام لنفسه تمثالًا في كل من المعبدين الرئيسيين في المدينة؛ أي إنه أقام تمثالًا في معبد الإله «وبوات»، وهو الإله المحلي القديم لذلك المكان، وكان يمثل في صورة ذئب، ومن ذلك الاسم باليونانية اشتقت المدينة اسمها «ليكوبوليس» (بلد الذئب)، أما التمثال الآخر فقد أقامه في معبد «أنوبيس» وهو إله معروف في صورة كلب أو صورة ابن آوى، وقد كان ذلك الإله يومًا ما أحد الآلهة المناهضين للإله «أوزير». وقد ترك الأوقاف الخاصة لإقامة الشعائر والاحتفالات للآلهة، ولتقديم الطعام اليومي لروحه «كا» في مقبرته، وقد نُقش على جدران مقبرته شروطًا عشرة لإقامة هذه الاحتفالات وتقديم الطعام، وهي توضح لنا الحياة الدينية في هذا العهد.
|
|
بكتيريا تعيش داخل الإنسان.. قد تقلل خطر الإصابة بالسرطان
|
|
|
|
|
دراسة تكشف أكثر سيارات موفرة في التكاليف بعد الشراء
|
|
|
|
|
موكب خدام الجوادين يجدد الحزن والعزاء لمناسبة ذكرى استشهاد السيدة الزهراء "عليها السلام"
|
|
|