المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



[السير باتجاه حرب صفين]  
  
4783   06:30 مساءً   التاريخ:
المؤلف : السيد محسن الامين
الكتاب أو المصدر : أعيان الشيعة
الجزء والصفحة : ج2,ص227-240
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن أبي طالب / مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام) /

دعا  معاوية ثقاته فقال له عتبة بن أبي سفيان وكان نظيره استعن على هذا الأمر بعمرو بن العاص وأثمن له بدينه فإنه من قد عرفت وقد اعتزل أمر عثمان في حياته وهو لأمرك أشد اعتزالا الا أن يرى فرصة فكتب معاوية إلى عمرو وهو بفلسطين كان ذهب إليها لما حوصر عثمان وكان له منزل بها :

اما بعد فإنه كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة أهل البصرة وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني اقبل أذاكرك أمرا فاستشار عمرو ابنيه عبد الله ومحمدا فقال عبد الله قتل عثمان وأنت عنه غائب فقر في منزلك فلست مجعولا خليفة ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة اوشك أن تهلك فتشقى فيها .

وقال محمد انك شيخ قريش وصاحب امرها وإن تصرم هذا الأمر وأنت فيه خامل تصاغر امرك فالحق بجماعة أهل الشام فكن يدا من أيديها واطلب بدم عثمان .

فقال عمرو اما أنت يا عبد الله فامرتني بما هو خير لي في دنياي وانا ناظر فيه فلما جنه الليل رفع صوته وأهله ينظرون إليه فقال :

تطاول ليلي للهموم الطوارق * وحولي التي تجلو وجوه العواتق

وإن ابن هند سائلي أن أزوره * وتلك التي فيها بنات البوائق

اتاه جرير من علي بخطة * امرت عليه العيش ذات مضايق

فان نال مني ما يؤمل رده * وإن لم ينله ذل ذل المطابق

فوالله ما أدري وما كنت هكذا * أكون ومهما قادني فهو سائقي

أخادعه أن الخداع دنية * أم اعطيه من نفسي نصيحة وامق

أو اقعد في بيتي وفي ذاك راحة * لشيخ يخاف الموت في كل شارق

وقد قال عبد الله قولا تعلقت * به النفس إن لم تعتلقني عوائقي

وخالفه فيه اخوه محمد * واني لصلب العود عند الحقائق

فقال عبد الله ترحل الشيخ ودعا عمرو غلاما له يقال له وردان وكان داهيا ماردا فقال ارحل يا وردان ثم قال حط يا وردان فقال له وردان خلطت أبا عبد الله اما انك إن شئت أنبأتك بما في نفسك قال هات ويحك قال اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك فقلت علي معه الآخرة في غير دنيا وفي الآخرة عوض من الدنيا ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة وليس في الدنيا عوض من الآخرة فأنت واقف بينهما قال والله ما أخطأت فما ترى يا وردان قال ارى أن تقيم في بيتك فان ظهر أهل الدين عشت عفو دينهم وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك قال الآن لما شهدت العرب مسيري إلى معاوية فارتحل وهو يقول :

يا قاتل وردانا وقرحته * أبدي لعمرك ما في النفس وردان

اما علي فدين ليس يشركه * دنيا وذاك له دنيا وسلطان

فاخترت من طمعي دينا على بصر * وما معي بالذي اختار برهان

لكن نفسي تحب العيش في شرف * وليس يرضى بذل العيش انسان

فسار حتى قدم على معاوية وعرف حاجة معاوية إليه فباعده وكايد كل واحد منهما صاحبه فلما دخل عليه قال أبا عبد الله طرقتنا في ليلتنا هذه ثلاثة اخبار ليس فيها ورد ولا صدر قال وما ذاك قال ذاك ان محمد بن أبي حذيفة ثم صالحه معاوية فغدر به وسجنه ثم كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه وهو من آفات هذا الدين ومنها أن قيصر زحف بجماعة الروم إلي ليغلب على الشام ومنها أن عليا نزل الكوفة متهيأ للمسير إلينا قال ليس كل ما ذكرت عظيما اما ابن أبي حذيفة فما يتعاظمك من رجل خرج في اشباهه أن تبعث إليه خيلا تقتله أو تأتيك به وإن فاتك لا يضرك واما قيصر فاهد له من وصفاء الروم ووصائفها وآنية الذهب والفضة وسله الموادعة فإنه إليها سريع واما علي فلا والله يا معاوية ما تسوي العرب بينك وبينه في شئ من الأشياء وإن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش وإنه لصاحب ما هو فيه الا أن تظلمه .

وقال معاوية لعمرو يا أبا عبد الله إني أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الذي عصى ربه وقتل الخليفة وأظهر الفتنة وفرى الجماعة وقطع الرحم .

قال عمرو إلى من ؟ قال : إلى جهاد علي فقال له عمرو والله يا معاوية ما أنت وعلي بعكمي بعير ما لك هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا جهاده ولا فقهه ولا علمه والله إن له مع ذلك حدا وحدودا وحظا وحظوة وبلاء من الله حسنا فما تجعل لي إن شايعتك على حربه وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر قال حكمك قال مصر طعمة ، فتلكأ عليه معاوية وفي رواية قال له معاوية اني أكره لك أن يتحدث العرب عنك انك انما دخلت في هذا الأمر لعرض الدنيا قال دعني عنك قال معاوية إني لو شئت أن أمنيك وأخدعك لفعلت قال عمرو لا لعمر الله ما مثلي يخدع لأنا أكيس من ذلك قال له معاوية ادن مني برأسك أسارك فدنا منه عمرو يساره فعض معاوية أذنه وقال هذه خدعة هل ترى في بيتي أحدا غيري وغيرك فانشا عمرو يقول :

معاوية لا أعطيك ديني ولم انل * بذلك دنيا فانظرن كيف تصنع

فان تعطني مصرا فأربح بصفقة * أخذت بها شيخا يضر وينفع

وما الدين والدنيا سواء وانني * لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع

وأعطيك أمرا فيه للملك قوة * وإني به إن زلت النعش اضرع

قال يا أبا عبد الله أ لم تعلم أن مصر مثل العراق قال بلى ولكنها انما تكون لي إذا كانت لك وانما تكون لك إذا غلبت عليا على العراق ، وقد كان أهلها بعثوا بطاعتهم إلى علي ودخل عتبة بن أبي سفيان فقال أ ما ترضى أن تشتري عمرا بمصر إن هي صفت لك فليتك لا تغلب على الشام فقال معاوية يا عتبة بت عندنا الليلة .

فلما جن الليل على عتبة رفع صوته ليسمع معاوية وقال من أبيات :

اعط عمرا ان عمرا تارك * دينه اليوم لدنيا لم تحز

اعطه مصرا وزده مثلها * انما مصر لمن عز وبز

إن مصرا لعلي أو لنا * يغلب اليوم عليها من عجز

فلما سمع معاوية قوله ارسل إلى عمرو وأعطاه مصرا فقال عمرو لي الله عليك بذلك شاهد قال نعم لك الله علي بذلك إن فتح الله علينا الكوفة فقال عمرو والله على ما نقول وكيل فخرج عمرو من عنده فقال له ابناه ما صنعت قال أعطانا مصر طعمة قالا وما مصر في ملك العرب قال لا أشبع الله بطونكما إن لم تشبعكما وكتب معاوية له بمصر كتابا وكتب على أن لا ينقض شرط طاعة فكتب عمرو على أن لا ينقض طاعة شرطا فكايد كل واحد منهما صاحبه ؛ ذكر هذا اللفظ أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في الكامل ، وتفسيره : إن قول معاوية على أن لا ينقض شرط طاعة أي أن الاخلال بما شرط له لا ينقض طاعة عمرو له فعليه أن يطيعه ولو أخل بالشرط وقول عمرو على أن لا ينقض طاعة شرطا أي أن الاخلال بالطاعة لا ينقض هذا الشرط فعليه أن يفي بما شرط ولو أخل عمرو بالطاعة .

وكان مع عمرو ابن عم له فتى شاب وكان داهيا حليما فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى وقال ألا تخبرني يا عمرو بأي رأي تعيش في قريش أعطيت دينك ومنيت دنيا غيرك أ ترى أهل مصر وهم قتلة عثمان يدفعونها إلى معاوية وعلي حي وتراها إن صارت إلى معاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه في الكتاب فقال عمرو يا ابن الأخ إن الأمر لله دون علي ومعاوية فقال الفتى في ذلك شعرا :

الا يا هند أخت بني زياد * دهي عمرو بداهية البلاد

له خدع يحار العقل فيها * مزخرفة صوائد للفؤاد

تشرط في الكتاب عليه حرفا * يناديه بخدعته المنادي

وأثبت مثله عمرو عليه * كلا المرئين حية بطن وادي

الا يا عمرو  ما أحرزت مصرا * وما ملت الغداة إلى الرشاد

وبعت الدين بالدنيا خسارا * فأنت بذاك من شر العباد

فلو كنت الغداة أخذت مصرا * ولكن دونها خرط القتاد

وفدت إلى معاوية بن حرب * فكنت بها كوافد قوم عاد

وأعطيت الذي أعطيت منه * بطرس فيه نضح من مداد

أ لم تعرف أبا حسن عليا * وما نالت يداه من الأعادي

عدلت به معاوية بن حرب * فيا بعد البياض من السواد

ويا بعد الأصابع من سهيل * ويا بعد الصلاح من الفساد

أ تأمن أن تراه على خدب * يحث الخيل بالأسل الحداد

ينادي بالنزال وأنت منه * بعيد فانظرن من ذا تعادي

فقال عمرو يا ابن أخي لو كنت مع علي وسعني بيتي ولكن الآن مع معاوية فقال له الفتى انك إن لم ترد معاوية لم يردك ولكنك تريد دنياه ويريد دينك وبلغ معاوية قول الفتى فطلبه فهرب فلحق بعلي فحدثه بأمر عمرو ومعاوية فسره ذلك وقربه ؛ وغضب مروان وقال ما بالي لا اشتري كما اشتري عمرو ؟ ! فقال له معاوية : انما تبتاع الرجال لك ؛ وقال معاوية لعمرو ما ترى قال امض الرأي الأول فبعث مالك بن هبيرة الكندي في طلب ابن أبي حذيفة فأدركه فقتله وبعث إلى قيصر بالهدايا فوادعه ثم قال ما ترى في علي ؟ قال إن رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط بن جبلة الكندي هو عدو لجرير المرسل إليك فأرسل إليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس إن عليا قتل عثمان وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب وإن تعلق بقلبه لم يخرجها شئ ابدا فكتب ، إليه أن جرير بن عبد الله قدم علينا من عند علي بن أبي طالب بأمر فظيع فاقدم ، ودعا جماعة هم رؤساء قحطان واليمن وثقات معاوية وخاصته وبنو عم شرحبيل وأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان فلما قدم عليه كتاب معاوية وهو بحمص استشار أهل اليمن فاختلفوا عليه فقام إليه عبد الرحمن بن غنم الأزدي وكان أفقه أهل الشام فقال إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم أنه قد القي إلينا قتل عثمان وإن عليا قتله فان يك قتله فقد بايعه المهاجرون والأنصار وهم الحكام على الناس وإن لم يكن قتله فعلام تصدق معاوية عليه لا تهلك نفسك وقومك ، فابى شرحبيل الا أن يسير إلى معاوية فبعث إليه عياض اليماني وكان ناسكا بهذه الأبيات :

أ يا شرح يا ابن السمط انك بالغ * بود علي ما تريد من الأمر

ويا شرح أن الشام شامك ما بها * سواك فدع قول المضلل من فهر

فان ابن حرب ناصب لك خدعة * تكون علينا مثل راغية البكر

فان نال ما يرجو بنا كان ملكنا * هنيئا له والحرب قاصمة الظهر

وإن عليا خير من وطئ الحصى * من الهاشميين المداريك للوتر

له في رقاب الناس عهد وذمة * كعهد أبي حفص وعهد أبي بكر

فبايع ولا ترجع على العقب كافرا * أعيذك بالله العزيز من الكفر

ولا تسمعن قول الطغام فإنما * يريدون أن يلقوك في لجة البحر

وما ذا عليهم أن تطاعن دونهم * عليا بأطراف المثقفة السمر

فان غلبوا كانوا علينا أئمة * وكنا بحمد الله من ولد الطهر

وإن غلبوا لم يصل بالحرب غيرنا * وكان علي حربنا آخر الدهر

يهون على عليا لؤي بن غالب * دماء بني قحطان في ملكهم تجري

فدع عنك عثمان بن عفان اننا * لك الخير لا ندري

فلما قدم شرحبيل على معاوية تلقاه الناس فاعظموه ودخل على معاوية فقال معاوية إن جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي وعلي خير الناس لولا أنه قتل عثمان بن عفان وحبست نفسي عليك وانما أنا رجل من أهل الشام ارضى ما رضوا وأكره ما كرهوا فقال شرحبيل اخرج فانظر فخرج فلقيه هؤلاء النفر الموطئون له فكلهم يخبره بان عليا قتل عثمان فرجع إلى معاوية مغضبا فقال يا معاوية أبى الناس الا أن عليا قتل عثمان ووالله لئن بايعت له لنخرجنك من الشام أو لنقتلنك قال معاوية ما كنت لأخالف عليكم ما انا الا رجل من أهل الشام قال فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذن .

فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق وإن الشام كله مع شرحبيل فخرج شرحبيل فقال لحصين بن نمير ابعث إلى جرير فبعث إليه فاجتمعا عنده فقال شرحبيل يا جرير أتيتنا بأمر ملفف لتلقينا في لهوات الأسد وأردت أن تخلط الشام بالعراق وأطريت عليا وهو قاتل عثمان والله سائلك عما قلت يوم القيامة فقال جرير اما قولك إني جئت بأمر ملفف كيف يكون أمرا ملففا وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار وقوتل على رده طلحة والزبير واما قولك إني ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواته القيت نفسك واما خلط العراق بالشام فخلطها بها على حق خير من فرقتها على باطل واما قولك إن عليا قتل عثمان فوالله ما في يديك من ذلك الا القذف بالغيب من مكان بعيد ولكنك ملت إلى الدنيا وشئ كان في نفسك علي زمن سعد بن أبي وقاص . فبلغ معاوية قول الرجلين فبعث إلى جرير فزجره وكتب جرير إلى شرحبيل :

شرحبيل يا ابن السمط لا تتبع الهوى * فما لك في الدنيا من الدين من بدل

وقل لابن حرب ما لك اليوم حرمة * تروم بها ما رمت فاقطع له الأمل

شرحبيل إن الحق قد جد جده * وانك مأمون الأديم من النغل

وارود ولا تفرط بشئ نخافه * عليك ولا تعجل فلا خير في العجل

ولأنك كالمجري إلى شر غاية * فقد خرق السربال واستنوق الجمل

وقال ابن هند في علي عضيهة * ولله في صدر ابن أبي طالب أجل

وما لعلي في ابن عفان سقطة * بأمر ولا جلب عليه ولا قتل

وما كان الا لازما قعر بيته * إلى أن أتى عثمان في بيته الأجل

فمن قال قولا غير هذا فحسبه * من الزور والبهتان بعض الذي احتمل

وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه الأولى به يضرب المثل

فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر وقال هذه نصيحة لي في ديني ودنياي لا والله لا أعجل في هذا الأمر بشئ فلفلف له معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به عليا ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلفة حتى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه وبلغ ذلك قومه فبعث إليه ابن أخت له من بارق كان يرى رأي علي بن أبي طالب فبايعه وكان ممن لحق به من أهل الشام وكان ناسكا فقال :

لعمر أبي الأشقى ابن هند لقد رمى * شرحبيل بالسهم الذي هو قاتله

ولفف قوما يسحبون ذيولهم * جميعا وأولى الناس بالذنب فاعله

فالقى يمانيا ضعيفا نخاعه * إلى كل ما يهوون تحدى رواحله

وقالوا علي في ابن عفان خدعة * ودبت إلين بالشنان غوائله

ولا والذي أرسى ثبيرا مكانه * لقد كف عنه كفه ووسائله

وما كان إلا من صحاب محمد * وكلهم تغلي عليه مراجله

فقال شرحبيل هذا بعيث الشيطان الآن امتحن الله قلبي والله لأسيرن إلى صاحب هذا الشعر أو ليفوتني فهرب الفتى إلى الكوفة وكان أصله منها وكاد أهل الشام أن يرتابوا وبعث معاوية إلى شرحبيل أنه قد كان من اجابتك الحق وما وقع فيه اجرك على الله وقبله عنك صلحاء الناس ما علمت وإن هذا الأمر الذي عرفته لا يتم إلا برضا العامة فسر في مدائن الشام وناد فيهم بان عليا قتل عثمان وأنه يجب على المسلمين أن يطلبوا بدمه فسار فبدأ باهل حمص فقام فيهم خطيبا وكان مأمونا في أهل الشام ناسكا متألها فقال يا أيها الناس إن عليا قتل عثمان وقد غضب له قوم فقتلهم وغلب على الأرض فلم يبق إلا الشام وهو واضع سيفه على عاتقه ثم خائض به غمار الموت حتى يأتيكم أو يحدث الله أمرا ولا نجد أحدا أقوى على قتاله من معاوية فجدوا فاجابه الناس الا نساك من أهل حمص فإنهم قالوا بيوتنا قبورنا ومساجدنا وأنت أعلم بما ترى وجعل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به فبعث إليه الناشي بن الحارث وكان صديقا له :

شرحبيل ما للدين فرقت امرنا * ولكن لبغض المالكي جرير

وشحناء دبت بين سعد وبينه * فأصبحت كالحادي بغير بعير

أ تنصل أمرا غبت عنه بشبهة * وقد حار فيها عقل كل بصير

بقول رجال لم يكونوا أئمة * ولا للتي لقوكها بحضور

وما قول قوم غائبين تقاذفوا * من الغيب ما دلاهم بغرور

وتترك أن الناس أعطوا عهودهم * عليا على أنس به وسرور

إذا قيل هاتوا واحدا تقتدونه * نظيرا له لم يفحصوا بنظير

لعلك أن تشقى الغداة بحربه * شرحبيل ما ما جئته بصغير

وروى نصر بن مزاحم بسنده عن الشعبي أن شرحبيل دخل على معاوية فقال أنت عامل أمير المؤمنين وابن عمه ونحن المؤمنون فان كنت رجلا تجاهد عليا وقتلة عثمان حتى ندرك ثارنا أو تفنى أرواحنا استعملناك علينا وإلا عزلناك واستعملنا غيرك ممن نريد ثم جاهدنا معه حتى ندرك بدم عثمان أو نهلك فقال جرير يا شرحبيل مهلا فان الله قد حقن الدماء ولم الشعث وجمع أمر الأمة ودنا من هذه الأمة سكون فإياك أن تفسد بين الناس وامسك عن هذا القول قبل أن يظهر منك قول لا تستطيع رده ، قال لا والله لا أسره أبدا ثم قال فتكلم فقال الناس صدق صدق ، القول ما قال والرأي ما رأى فايس جرير عند ذلك من معاوية ومن عوام أهل الشام .

وكان معاوية أتى جريرا في منزله فقال إني رأيت رأيا قال هاته قال اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي واسلم له هذا الأمر وأكتب إليه بالخلافة فقال جرير أكتب بما أردت وأكتب معك فكتب معاوية بذلك إلى علي فكتب علي إلى جرير أما بعد فإنما أراد معاوية أن لا يكون لي في عنقه بيعة وأن يختار من أمره ما أحب وأراد أن يريثك حتى يذوق أهل الشام وأن المغيرة بن شعبة قد كان أشار على أن استعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة فأبيت ذلك عليه ولم يكن الله ليراني اتخذ المضلين عضدا . فان بايعك الرجل وإلا فاقبل .

وفشا كتاب معاوية في العرب فبعث إليه الوليد بن عقبة :

معاوي أن الشام شامك فاعتصم * بشامك لا تدخل عليك الأفاعيا

وحام عليها بالقنابل والقنا * ولا تك محشوش الذراعين وانيا

وإن عليا ناظر ما تجيبه * فاهد له حربا يشيب النواصيا

والا فسلم أن في السلم راحة * لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا

وإن كتابا يا ابن حرب كتبته * على طمع يزجي إليك الدواهيا

سالت عليا فيه ما لن تناله * ولو نلته لم يبق الا لياليا

وسوف ترى منه الذي ليس بعده * بقاء فلا تكثر عليك الأمانيا

أ مثل علي تعتريه بخدعة * وقد كان ما جربت من قبل كافيا

ولو نشبت أظفاره فيك مرة * حداك ابن هند منه ما كنت حاديا

وأبطأ جرير عند معاوية حتى اتهمه الناس وقال علي وقت لرسولي وقتا لا يقيم بعده إلا مخدوعا أو عاصيا وأبطأ على علي حتى ايس منه فكتب إليه اما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل وخذه بالأمر الجزم ثم خيره بين حرب مجلية أو سلم محظية فان اختار الحرب فانبذ له وإن اختار السلم فخذ بيعته ؛ فاقرأ معاوية الكتاب وقال يا معاوية لا أظن أن قلبك إلا مطبوعا أراك قد وقفت بك الحق والباطل فقال معاوية ألقاك بالفيصل أول مجلس إن شاء الله فلما بايع معاوية أهل الشام وذاقهم قال يا جرير ألحق بصاحبك ، وكتب إليه بالحرب ، قال المبرد الكامل وكتب إليه مع جرير جواب كتابه المتقدم : من معاوية بن صخر إلى علي بن أبي طالب أما بعد فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك وأنت برئ من دم عثمان كنت كابي بكر وعمر وعثمان ولكنك أغريت بعثمان المهاجرين وخذلت عنه الأنصار فأطاعك الجاهل وقوي بك الضعيف وقد أبى أهل الشام إلا قتالك حتى تدفع إليهم قتلة عثمان فان فعلت كانت شورى بين المسلمين ولعمري ليس حججك علي كحججك على طلحة والزبير لأنهما بايعاك ولم أبايعك وماحجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة لأن أهل البصرة أطاعوك ولم يطعك أهل الشام فاما شرفك في الاسلام وقرابتك من النبي (صلى الله عليه واله) وموضعك من قريش فلست أدفعه ، وكتب في أسفل الكتاب أبيات كعب بن جعيل :

أرى الشام تكره ملك العرا * ق وأهل العراق لهم كارهونا

وقالوا علي إمام لنا * فقلنا رضينا

ابن هند رضينا وما في علي لمستعتب * مقال سوى ضمه المحدثينا

وايثاره اليوم أهل الذنوب * ورفع القصاص عن القاتلينا

إذا سيل عنه حدا شبهة * وعمى الجواب عن السائلينا

فليس براض ولا ساخط * ولا في النهاة ولا الآمرينا

ولا هو ساء ولا سره * ولا بد من بعض ذا أن يكونا

قال المبرد في الكامل : فاجابه علي (عليه السلام) عن كتابه هذا : من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى معاوية بن صخر بن حرب أما بعد فإنه أتاني منك كتاب امرئ ليس له بصر يهديه ولا قائد يرشده دعاه الهوى فاجابه وقاده الضلال فاتبعه زعمت إنما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين أوردت كما أوردوا وأصدرت كما أصدروا وما كان الله ليجمعهم على الضلال ولا يضربهم بالعمى وبعد فما أنت وعثمان إنما أنت رجل من بني أمية وبنو عثمان أولى بذلك منك فان زعمت أنك أقوى على دم أبيهم منهم فادخل في طاعتي ثم حاكم القوم إلي أحملك واياهم على المحجة وأما تمييزك بينك وبين طلحة والزبير وأهل الشام وأهل البصرة فلعمري ما الأمر فيما هناك إلا سواء لأنها بيعة شاملة لا يستثنى فيها الخيار ولا يستأنف فيها النظر وأما شرفي في الاسلام وقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه واله) وموضعي من قريش فلعمري لو استطعت دفعه لدفعته . وفي هذا الجواب ما يقطع معاذير أهل الجمل وغيرهم التي كانوا يظهرون التشبث بها وقلوبهم منطوية على خلافها فإنهم ليس لهم المطالبة بدم عثمان مع وجود  أولاده الذين هم أولياء الدم فعليهم أولا أن يبايعوا ويقدموا الطاعة ثم يحاكموا قتلة عثمان والمتهمين بقتله فما يوجبه الشرع يجري عليهم على أن المباشر لقتله واحد أو اثنان ولكن هوى النفس ورقة الدين والعداوة يبعثان على اختلاف المعاذير ؛ وأمر علي النجاشي فأجاب عن الشعر فقال :

دعن يا معاوية ما لن يكونا * فقد حقق الله ما تحذرونا

أتاكم علي باهل الحجا * ز وأهل العراق فما تصنعونا

يرون الطعان خلال العجاج * وضرب الفوارس في النقع دينا

هم هزموا الجمع يوم الزبير * وطلحة والمعشر الناكثينا

وقالوا يمينا على حلفة * لنهدي إلى الشام حربا زبونا

تشيب النواصي قبل المشيب * وتلقي الحوامل منها الجنينا

فقل للمضلل من وائل * ومن جعل الغث يوما سمينا

جعلتم عليا واتباعه * نظير ابن هند ألا تستحونا

إلى أول الناس بغد الرسو * ل وصنو الرسول من العالمينا

وصهر الرسول ومن مثله * إذا كان يوم يشيب القرونا

واجتمع جرير والأشتر عند علي (عليه السلام) فقال الأشتر أما والله يا أمير المؤمنين لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى من خناقه وأقام حتى لم يدع بابا يرجو روحه إلا فتحه أو يخاف غمه إلا سده فقال جرير والله لو اتيتهم لقتلوك وخوفه بعمرو وذي الكلاع وحوشب ذي ظليم وقد زعموا انك من قتلة عثمان فقال الأشتر لو أتيته لم يعيني جوابها ولم يثقل علي بحملها ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر قال فائتهم إذن قال الآن وقد أفسدتهم ، ووقع بينهما الشر وفي رواية أن الأشتر قال أ ليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا وأخبرتك بعداوته وغشه وأقبل الأشتر يقول يا أخا بجيلة والله ما أنت باهل أن تمشي فوق الأرض حيا إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم ثم رجعت إلينا تهددنا بهم وأنت والله منهم ولا أرى سعيك إلا لهم ولئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ليحبسنك وأشباهك في محبس لا تخرجون منه حتى تستبين هذه الأمور ويهلك الله الظالمين قال جرير وددت والله أنك كنت مكاني بعثت إذا والله لم ترجع فلما سمع جرير ذلك لحق بقرقيسا ولحق به أناس من قسر من قومه فخرج علي إلى دار جرير فهدم منها وحرق مجلسه فقيل له ان فيها أرضا لغير جرير فخرج منها وأحرق دار ثوير بن عامر وهدم منها وكان لحق بجرير .

ولما أراد معاوية المسير إلى صفين قال لعمرو بن العاص إني رأيت أن نلقي إلى أهل مكة وأهل المدينة كتابا نذكر لهم فيه أمر عثمان فاما أن ندرك حاجتنا وأما أن يكف القوم عنا فقال عمرو إنما نكتب إلى ثلاثة نفر راض بعلي فلا يزيده ذاك إلا بصيرة ورجل يهوى عثمان فلن نزيده على ما هو عليه ورجل معتزل فلست بأوثق في نفسه من علي قال علي ذلك فكتبا فأجابهما عبد الله بن عمر ما أنتما والخلافة أما أنت يا معاوية فطليق وأما أنت يا عمرو فظنون الا فكفا فليس لكما ولي ولا نصير .

وكتب معاوية إلى عبد الله بن عمر خاصة وإلى سعد بن أبي وقاص وإلى محمد بن مسلمة فكان في كتابه إلى ابن عمر أما بعد فإنه لم يكن أحد من قريش أحب إلى أن تجمع عليه الأمة بعد قتل عثمان منك ثم ذكرت خذلك إياه وطعنك على انصاره فتغيرت لك وقد هون ذلك علي خلافك على علي فأعنا رحمك الله على حق هذا الخليفة المظلوم فاني لست أريد الامارة عليك ولكني أريدها لك فان أبيت كانت شورى بين المسلمين فاجابه ابن عمر بأنه لن يترك عليا في المهاجرين والأنصار وطلحة والزبير وعائشة أم المؤمنين ويتبعه .

وكتب إلى سعد أما بعد فان أحق الناس بنصر عثمان أهل الشورى من قريش الذين أثبتوا حقه واختاروه على غيره وقد نصره طلحة والزبير وهما شريكان في الأمر ونظيراك في الاسلام وخفت لذلك أم المؤمنين فلا تكرهن ما رضوا ولا تردن ما قبلوا فانا نردها شورى بين المسلمين وقال أبياتا أولها :

ألا يا سعد قد أظهرت شكا * وشك المرء في الأحداث داء

فاما إذ أبيت فليس بيني * وبينك حرمة ذهب الرجاء

سوى قولي إذا اجتمعت قريش * على سعد من الله العفاء

فاجابه سعد :

أما بعد فان عمر لم يدخل في الشورى إلا من تحل له الخلافة من قريش غير أن عليا قد كان فيه ما فينا ولم يكن فينا ما فيه فاما طلحة والزبير فلو لزما بيوتهما كان خيرا لهما والله يغفر لأم المؤمنين ما أتت وأجابه عن شعره بأبيات أولها :

معاوي داؤك الداء العياء * فليس لما تجئ به دواء

فما الدنيا بباقية لحي * ولا حي له فيها بقاء

أ تطمع في الذي أعيا عليا * على ما قد طمعت به العفاء

ليوم منه خير منك حيا * وميتا أنت للمرء الفداء

وكتب معاوية إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) كتابا نذكره مع جوابه عبرة لمن نظر واعتبر ليعلم أنه كيف يصف الطائي بالبخل ما در ويعير قسا بالفهاهة بأقل ويقول السهى للشمس أنت ضئيلة ويقول الدجى للصبح لونك حائل وتفاخر الأرض السماء وتطاول الشهب الحصى والجنادل وأنه لا يستبعد وقوع شئ في هذا الكون من بني البشر وأن ابن آدم يمكنه أن يحتج على الليل بأنه نهار وعلى النهار بأنه ليل وعلى أن العلقم أحلى من العسل ويقبل ذلك منه ويجد له عليه أعوانا .

 قال ابن أبي الحديد : كتب معاوية : من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فان الله تعالى يقول في محكم كتابه {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] وإني أحذرك الله أن تحبط عملك وسابقتك بشق عصا هذه الأمة وتفريق جماعتها فاتق الله واذكر موقف القيامة وأقلع عما أسرفت فيه من الخوض في دماء المسلمين وإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول لو تمالأ أهل صنعاء وعدن على قتل رجل واحد من المسلمين لأكبهم الله على مناخرهم في النار فكيف يكون حال من قتل اعلام المسلمين وسادات المهاجرين بله ما طحنت رحى حربه من أهل القرآن وذوي العبادة والايمان من شيخ كبير وشاب غرير كلهم بالله مؤمن وبرسوله مقر فان كنت أبا حسن إنما تحارب على الإمرة والخلافة فلعمري لو صحت خلافتك لكنت قريبا من أن تعذر في حرب المسلمين ولكنها ما صحت لك وانى صحتها وأهل الشام لم يدخلوا فيها وخف الله وسطواته وأغمد سيفك عن الناس فقد والله أكلتهم الحرب فلم يبق منهم الا كالثمد في قرارة الغدير والله المستعان .

فكتب إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وبعضه مذكور في نهج البلاغة : من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد اتتني منك موعظة موصلة ورسالة محبرة نمقتها بضلالك وأمضيتها بسوء رأيك وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه ولا قائد يرشده دعاه الهوى فاجابه وقاده الضلال فاتبعه فهجر لاغطا وضل خابطا فاما أمرك لي بالتقوى فارجو أن تكون من أهلها واستعيذ بالله من أن أكون من الذين إذا أمروا بها أخذتهم العزة بالإثم وأما تحذيرك إياي أن يحبط عملي وسابقتي في الاسلام فلعمري لو كنت الباغي عليك لكان لك أن تحذرني ذلك ولكني وجدت الله يقول فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فنظرنا إلى الفئتين فاما الفئة الباغية فوجدناها الفئة التي أنت فيها لأن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة وأنت أمير لعمر على الشام وكما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر وهو أمير لأبي بكر على الشام وأما شق عصى هذه الأمة فانا أحق أن أنهاك عنه وأما تخويفك لي من قتل أهل البغي فان رسول الله (صلى الله عليه واله) أمرني بقتالهم وقتلهم وقال لأصحابه إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله وأشار إلي وأنا أولى من اتبع أمره وأما قولك أن بيعتي لم تصح لأن أهل الشام لم يدخلوا فيها كيف وإنما هي بيعة واحدة تلزم الحاضر والغائب لا يثنى فيها النظر ولا يستأنف فيها الخيار الخارج منها طاعن والموري فيها مداهن فأربع على ظلعك وانزع سربال غيك واترك ما لا جدوى له عليك فليس لك عندي إلا السيف حتى تفئ إلى أمر الله صاغرا وتدخل في البيعة راغما .

قال نصر بن مزاحم :وكتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى معاوية : من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام على من أتبع الهدى إلى أن قال واعلم يا معاوية أنك قد ادعيت أمرا لست من أهله ولست تقول فيه بأمر بين ولا لك عليه شاهد من كتاب الله ومتى كنتم يا معاوية ساسة للرعية أو ولاة لأمر هذه الأمة بغير قدم حسن ولا شرف سابق على قومكم فإنك مترف قد أخذ منك الشيطان ماخذه فجرى منك مجرى الدم في العروق .

واعلم أن هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم لحسدونا ولأمتنوا به علينا ولكنه قضاء ممن امتن به علينا على لسان نبيه الصادق المصدق لا أفلح من شك بعد البرهان والبينة .

وفي الكلام الأخير دلالة على أن الإمامة بالنص.

فاجابه معاوية : أما بعد فدع الحسد فإنك طالما لم تنتفع به ولا تفسد سابقة قدمك بشرة نخوتك فان الأعمال بخواتيمها ولعمري ما مضى لك من السابقات يشبه أن يكون ممحوقا لما اجترأت عليه من سفك الدماء وخلاف أهل الحق فاقرأ سورة الفلق وتعوذ من شر نفسك فإنك الحاسد إذا حسد .

ومثل هذا الجواب نذكره عبرة للناظر كالذي مضى قبله .

ولما قدم عبيد الله بن عمر بن الخطاب على معاوية بالشام أرسل معاوية إلى عمرو بن العاص فقال يا عمرو إن الله قد أحيا لك عمر بن الخطاب بالشام بقدوم عبيد الله وقد رأيت أن أقيمه خطيبا فيشهد على علي بقتل عثمان وينال منه فقال الرأي ما رأيت فبعث إليه معاوية فاتاه فقال يا ابن أخ لك اسم أبيك فانظر بملء عينيك وتكلم بكل فيك فأنت المأمون المصدق فاشتم عليا وأشهد عليه أنه قتل عثمان فقال أما شتمه فإنه علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم فما عسى أن أقول في حسبه وأما بأسه فهو الشجاع المطرق وأما أيامه فما عرفت ولكني ملزمه دم عثمان فقال عمرو إذا والله قد نكات القرحة فلما خرج عبيد الله قال معاوية أما والله لولا قتله الهرمزان ومخافة علي على نفسه ما أتانا أبدا أ لم تر إلى تقريظه عليا فقال عمرو يا معاوية إن لم تغلب فاخلب فخرج حديثه إلى عبيد الله فلما قام خطيبا تكلم بحاجته حتى إذا أتى إلى أمر علي أمسك فقال له معاوية ابن أخ انك بين عي أو خيانة فبعث إليه كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان وعرفت أن الناس محتملوها عني فهجره معاوية واستخف بحقه وفسقه فقال شعرا يذكر فيه أن عليا آوى قتلة عثمان وقربهم فلما بلغ معاوية شعره بعث إليه فأرضاه وقربه وقال حسبي هذا منك ؛ وقام أبو مسلم الخولاني في ناس من قراء الشام إلى معاوية فقالوا علا م تقاتل عليا وليس لك مثل صحبته ولا قرابته ولا سابقته قال لهم ما أقاتل عليا وأنا أدعي ان لي في الاسلام مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته ولكن أ لستم تعلمون ان عثمان قتل مظلوما قالوا بلى قال فليدفع إلينا قتلته فنقتلهم به ولا قتال بيننا وبينه قالوا فاكتب إليه كتابا يأته به بعضنا فكتب إليه مع أبي مسلم الخولاني : بسم الله الرحمن الرحيم من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب سلام عليك فاني أحمد إليك الله لا إله إلا هو اما بعد فان الله اصطفى محمدا بعلمه وجعله الأمين على وحيه واحتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فكان أفضلهم الخليفة من بعده وخليفة خليفته والثالث الخليفة المظلوم فكلهم حسدت وعلى كلهم بغيت عرفنا ذلك في نظرك الشزر وقولك الهجر وتنفسك الصعداء وإبطائك عن الخلفاء تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان فقطعت رحمه وألبت الناس عليه فقتل معك في المحلة فاقسم صادقا ان لو قمت فيما كان من امره مقاما واحدا تنهنه الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا واخرى أنت بها عند أنصار عثمان ظنين ايواؤك قتلة عثمان وقد ذكر لي إنك تنتصل من دمه فان كنت صادقا فأ مكنا من قتلته نقتلهم به ونحن أسرع إليك وإلا فليس لك ولأصحابك إلا السيف والله الذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال والبر والبحر أو لتلحقن أرواحنا بالله والسلام .

فقدم أبو مسلم بهذا الكتاب على علي فقام خطيبا وقال في جملة خطبته ان عثمان قتل مسلما محرما مظلوما فادفع إلينا قتلته وأنت أميرنا فقال له علي اغد علي غدا فخذ جواب كتابك فجاء من الغد فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه فلبست الشيعة أسلحتها ثم غدوا فملأوا المسجد وأخذوا ينادون كلنا قتلة ابن عفان وأذن لأبي مسلم فدخل على أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال أبو مسلم قد رأيت قوما ليس لك معهم أمر قال وما ذاك قال بلغهم انك تريد قتلة عثمان فضجوا واجتمعوا ولبسوا السلاح وزعموا انهم كلهم قتلة عثمان فقال علي والله ما أردت ان أدفعهم إليك طرفة عين لقد ضربت هذا الأمر انفه وعينه ما رأيت ينبغي لي ان أدفعهم إليك ولا إلى غيرك وأعطاه جواب كتاب معاوية فخرج بالكتاب وهو يقول الآن طاب الضراب وكان الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى  معاوية بن أبي سفيان اما بعد فان أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر فيه محمدا (صلى الله عليه واله) وما أنعم تعالى في نبيه محمد (صلى الله عليه واله) وفينا فكنت في ذلك كجالب التمر إلى هجر والداعي مسدده إلى النضال وذكرت ان الله اجتبى له من المسلمين أعوانا فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فلعمر الله اني لأرجو إذا اعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الاسلام ونصيحتهم لله ورسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر إن محمدا (صلى الله عليه واله) لما دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد كنا أهل البيت أول من آمن به فلبثنا أحوالا محرمة وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا فأراد قومنا قتل نبينا واجتياح أصلنا وهموا بنا الهموم وفعلوا بنا الأفاعيل فمنعونا الميرة وامسكوا عنا العذب واحلسونا الخوف وجعلوا علينا الأرصاد والعيون واضطرونا إلى جبل وعر وأوقدوا لنا نار الحرب وكتبوا علينا بينهم كتابا لا يواكلونا ولا يشاربونا ولا يناكحونا ولا يبايعونا ولا نأمن فيهم حتى ندفع إليهم النبي (صلى الله عليه واله) فيقتلوه ويمثلوا به فلم نكن نأمن فيهم إلا من موسم فعزم الله لنا على منعه والذب عن حوزته والرمي من وراء حرمته والقيام بأسيافنا دونه فاما من أسلم من قريش بعد فإنهم مما نحن فيه أخلياء فمنهم حليف ممنوع أو ذو عشيرة تدافع عنه وكان رسول الله (صلى الله عليه واله) إذا احمر الباس وأحجم الناس أقام أهل بيته فاستقدموا فوقى بهم أصحابه حر الأسنة والسيوف فقتل عبيدة يوم بدر وحمزة يوم أحد وجعفر يوم مؤتة وأراد من لو شئت ذكر اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي (صلى الله عليه واله) غير مرة إلا أن آجالهم عجلت ومنيته أخرت واما ما ذكرت من أمر عثمان فإنه عمل ما بلغك فصنع الناس به ما قد رأيت واما ما ذكرت من أمر قتلة عثمان فاني نظرت في هذا الأمر وضربت انفه وعينيه فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عن قليل يطلبونك ولا يكلفونك ان تطلبهم في بر ولا بحر ولا جبل ولا سهل .

ولما أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) المسير إلى أهل الشام دعا إليه من كان معه من المهاجرين والأنصار ، قال المسعودي : وكان معه من أصحاب بدر سبعة وثمانون رجل منهم سبعة عشر من المهاجرين وسبعون من الأنصار وشهد معه من الأنصار ممن بايع تحت الشجرة وهي بيعة الرضوان تسعمائة وكان جميع من شهد معه من الصحابة ألفين وثمانمائة . فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه وقال اما بعد فإنكم ميامين الرأي مراجيح الحلم مقاويل بالحق مباركو الفعل والأمر وقد أردنا المسير إلى عدونا وعدوكم فأشيروا علينا برأيكم .

فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص فحمد الله وأثنى عليه فما هو أهله ثم قال : اما بعد يا أمير المؤمنين فانا بالقوم جد خبير هم لك ولأشياعك أعداء وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء وهم مقاتلوك ومجاهدوك لا يبقون جهدا مشاحة على الدنيا وضنا بما في أيديهم منها وليس لهم اربة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من الطلب بدم عثمان كذبوا ليس بدمه يثارون ولكن الدنيا يطلبون فسر بنا إليهم فان أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال وإن أبوا إلا الشقاق فذلك الظن بهم والله ما أراهم يبايعون وفيهم أحد ممن يطاع إذا نهى أو يسمع إذا أمر .

وقام عمار بن ياسر فذكر الله بما هو أهله وحمده وقال يا أمير المؤمنين إن استطعت ان لا تقيم يوما واحد فاشخص بنا قبل استعار نار الفجرة واجتماع رأيهم على الصدود والفرقة وادعهم إلى رشدهم وحظهم فان قبلوا سعدوا وان أبوا إلا حربنا فوالله ان سفك دمائهم والجد في جهادهم لقربة عند الله وهو كرامة منه ؛ ثم قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أمير المؤمنين انكمش بنا إلى عدونا ولا تعرج فوالله لجهادهم أحب إلي من جهاد الترك والروم لأدهانهم في دين الله واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد (صلى الله عليه واله) من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان إذا غضبوا على رجل حبسوه أو ضربوه أو حرموه أو سيروه وفيئنا لهم في أنفسهم حلال ونحن لهم فيما يزعمون قطين قال يعني رقيق فقال أشياخ الأنصار منهم خزيمة بن ثابت وأبو أيوب الأنصاري وغيرهما لم تقدمت أشياخ قومك وبدأتهم يا قيس بالكلام فقال اما اني عارف بفضلكم معظم لشأنكم ولكني وجدت في نفسي الضغن الذي جاش في صدوركم حين ذكرت الأحزاب فقال بعضهم لبعض ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم فقالوا قم يا سهل بن حنيف فقام سهل فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أمير المؤمنين نحن سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت ورأينا رأيك ونحن كف يمينك وقد رأينا ان تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة فتامرهم بالشخوص وتخبرهم بما صنع الله لهم في ذلك فإنهم هم أهل البلد وهم الناس فان استقاموا لك استقام لك الذي تريد وتطلب واما نحن فليس عليك منا خلاف متى دعوتنا أجبناك ومتى امرتنا أطعناك .

فجمع أمير المؤمنين (عليه السلام) أهل الكوفة وحرضهم وأمرهم بالمسير إلى صفين لقتال أهل الشام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : سيروا إلى أعداء السنن والقرآن سيروا إلى بقية الأحزاب وقتلة المهاجرين والأنصار فقام رجل من بني فزارة اسمه أربد فقال أ تريد ان تسيرنا إلى اخواننا من أهل الشام فنقتلهم لك كما سرت بنا إلى اخواننا من أهل البصرة فقتلناهم كلا ها الله إذا لا نفعل ذلك .

فقام الأشتر فقال من لهذا أيها الناس وهرب الفزاري واشتد الناس على اثره فلحق في مكان من السوق تباع فيه البراذين فوطئوه بأرجلهم وضربوه بأيديهم ونعال سيوفهم حتى قتل فقيل يا أمير المؤمنين قتل الرجل قال ومن قتله قالوا همدان وفيهم شوبة من الناس فقال قتيل عمية لا يدري من قتله ديته من بيت مال المسلمين فقال علاقة التيمي :

أعوذ بربي أن تكون منيتي * كما مات في سوق البراذين أربد

تعاوره همدان خفق نعالهم * إذا رفعت عنه يد وضعت يد

وقام الأشتر فقال يا أمير المؤمنين لا يهلك ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن ان جميع من ترى من الناس شيعتك وليسوا يرغبون بأنفسهم عن نفسك ولا يحبون بقاء بعدك فان شئت فسر بنا إلى عدوك والله ما ينجو من الموت من خافه ولا يعطي البقاء من أحبه وما يعيش بالآمال إلا شقي وانا لعلى بينة من ربنا ان نفسا لن تموت حتى يأتي اجلها فكيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين وقد وثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين فأسخطوا الله واظلمت بأعمالهم الأرض وباعوا خلاقهم بعرض من الدنيا يسير .

فقال علي (عليه السلام) الطريق مشترك والناس في الحق سواء ومن اجهد رأيه في نصيحة العامة فله ما نوى وقد قضى ما عليه .

وقام عدي بن حاتم الطائي فقال يا أمير المؤمنين ما قلت إلا بعلم ولا دعوت إلا إلى حق ولا امرت إلا برشد ثم أشار بالتأني والكتابة إلى أهل الشام .

وقام زيد بن حصين الطائي وكان من أصحاب البرانس المجتهدين فقال والله لئن كنا في شك من قتال من خالفنا لا يصلح لنا النية في قتلهم حتى نستأنيهم ما الأعمال إلا في تباب ولا السعي إلا في ضلال والله ما ارتبنا طرفة عين فيمن يبتغون دمه فكيف باتباعه القاسية قلوبهم القليل في الإسلام حظهم أعوان الظلم ومسددي أساس الجور والعدوان ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين باحسان .

فقام رجل من طئ فقال يا زيد أ كلام سيدنا عدي حاتم بن تهجن فقال ما أنت بأعرف بحق عدي مني ولكن لا أدع القول بالحق وان سخط الناس .

فقال عدي : الطريق مشترك والناس في الحق سواء فمن اجتهد رأيه في نصيحة العامة فقد قضى الذي عليه ؛ ثم قام عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي فقال يا أمير المؤمنين ان القوم لو كانوا الله يريدون أو لله يعملون ما خالفونا ولكن القوم انما يقاتلون فرارا من الأسوة وحبا للأثرة وضنا بسلطانهم وكرها لفراق دنياهم التي في أيديهم وعلى أحن في أنفسهم وعداوة يجدونها في صدورهم لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين بهم قديمة قتلت فيها آباءهم وإخوانهم ثم ، التفت إلى الناس فقال : كيف يبايع معاوية عليا وقد قتل أخاه حنظلة وخاله الوليد وجده عتبة في موقف واحد والله ما أظن أن يفعلوا ولن يستقيموا لكم دون ان تقصد فيهم المران وتقطع على هامهم السيوف وتنثر حواجبهم بعمد الحديد وتكون أمور جمة بين الفريقين .

وقال له عمرو بن الحمق اني والله يا أمير المؤمنين ما أحببتك ولا بايعتك على قرابة بيني وبينك ولا إرادة مال تؤتينيه ولا التماس سلطان يرفع ذكري به ولكن أحببتك لخصال خمس : إنك ابن عم رسول الله (صلى الله عليه واله) وأول من آمن به وزوج سيدة نساء الأمة فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه واله) وأبو الذرية التي بقيت فينا من رسول الله (صلى الله عليه واله) وأعظم رجل من المهاجرين سهما في الجهاد فلو اني كلفت نقل الجبال الرواسي أو نزح البحور الطوامي حتى يأتي على يومي في أمر أقوي به وليك وأوهن به عدوك ما رأيت اني قد أديت فيه كل الذي حق علي من حقك .

فقال أمير المؤمنين اللهم نور قلبه بالتقى واهده إلى صراط مستقيم ليت ان في جندي مائة مثلك.

فقال حجر إذا والله يا أمير المؤمنين صح جندك وقل فيهم من يغشك ؛ ثم قام حجر فقال يا أمير المؤمنين نحن بنو الحرب وأهلها الذين نلقحها وننتجها قد ضارستنا وضارسناها ولنا أعوان ذوو صلاح وعشيرة ذات عدد ورأي مجرب وبأس محمود وأزمتنا منقادة لك بالسمع والطاعة فان شرقت شرقنا وإن غربت غربنا وما امرتنا به من أمر فعلناه . فقال علي أ كل قومك يرى مثل رأيك ؟ قال ما رأيت منهم إلا حسنا وهذه يدي عنهم بالسمع والطاعة وبحسن الإجابة . فقال له علي خيرا . ودخل يزيد بن قيس الأرحبي على علي (عليه السلام) فقال يا أمير المؤمنين نحن على جهاز وعدة وأكثر الناس أهل القوة ومن ليس بمضعف وليس به علة فمر مناديك فليناد الناس يخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة فان أخا الحرب ليس بالسئوم ولا النؤوم ولا من إذا أمكنته الفرص اجلها واستشار فيها ولا من يؤخر الحرب في اليوم إلى غد وبعد غد .

فقال زياد بن النضر لقد نصح لك يا أمير المؤمنين يزيد بن قيس وقال مما يعرف فتوكل على الله وثق به واشخص بنا إلى هذا العدو راشدا معافى فان يرد الله بهم خيرا لا يدعوك رغبة عنك إلى من ليس مثلك  في السابقة مع النبي (صلى الله عليه واله) والقدم في الإسلام والقرابة من محمد (صلى الله عليه واله) وإلا ينيبوا ويقبلوا ويأبوا إلا حربنا نجد حربهم علينا هينا ورجونا ان يصرعهم الله مصارع اخوانهم بالأمس . وخرج حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران البراءة من أهل الشام واللعن فأرسل إليهما أمير المؤمنين (عليه السلام) ان كفا عما يبلغني عنكما فاتياه فقالا أ لسنا محقين ؟ قال بلى ولكن كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين ولو وصفتم مساوي أعمالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان اللعن والبراءة اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم ، كان أحب إلي وخيرا لكم فقالا يا أمير المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك .

ودخل عليه عبد الله بن المعتم العبسي وحنظلة بن الربيع التميمي في رجال من غطفان فأشار عليه التميمي مظهرا النصح ان يقيم ويكاتب معاوية ولا يعجل وقال اني ما أدري ولا تدري لمن تكون إذا التقيتم الغلبة وعلى من تكون الدبرة وتكلم العبسي ومن معهما بنحو ذلك فقال (عليه السلام) اما الدبرة فإنها على العاصين ظفروا أو ظفر بهم اما والله اني لأسمع كلام قوم ما أراهم يريدون أن يعرفوا معروفا ولا ينكروا منكرا فقال معقل بن قيس الرياحي إن هؤلاء ما اتوك بنصح بل بغش فاحذرهم وقال له مالك بن حبيب بلغني ان حنظلة هذا يكاتب معاوية فادفعه إلينا نحبسه حتى تنقضي غزاتك وقال عباس بن ربيعة وفائد بن بكير العبسيان يا أمير المؤمنين إن صاحبنا عبد الله بن المعتم بلغنا انه يكاتب معاوية فاحبسه حتى تنقضي غزاتك أو ادفعه إلينا نحبسه ، فجعلا يقولان هذا جزاء من نصركم وأشار عليكم بالرأي فقال لها علي (عليه السلام) الله بيني وبينكم واليه اكلكم وبه استظهر عليكم اذهبوا حيث شئتم فلحق ابن المعتم بمعاوية مع أحد عشر رجلا من قومه .

وبعث علي (عليه السلام) إلى حنظلة بن الربيع المعروف بحنظلة الكاتب وهو صحابي فقال أ علي أم لي قال لا عليك ولا لك ثم هرب إلى معاوية مع ثلاثة وعشرين رجلا من قومه لكنهما اعتزلا الفريقين فامر علي (عليه السلام) بهدم دار حنظلة هدمها عريفهم بكر بن تميم وشبث بن ربعي .

وقالت طائفة من أصحاب علي (عليه السلام) : له أكتب إلى معاوية وإلى من قبله من قومك بكتاب تدعوهم فيه إليك وتامر بما لهم فيه من الحظ فان الحجة لن تزداد عليهم بذلك إلا عظما فكتب إليهم : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية ومن قبله قريش سلام عليكم فاني احمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو اما بعد فان لله عبادا آمنوا بالتنزيل وعرفوا التأويل وفقهوا في الدين وبين الله فضلهم في القرآن الحكيم وأنتم في ذلك الزمان أعداء لرسول الله (صلى الله عليه واله) تكذبون بالكتاب مجمعون على حرب المسلمين من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه حتى إذا أراد الله إعزاز دينه وإظهار رسوله ودخلت العرب في دينه أفواجا وأسلمت هذه الأمة طوعا وكرها على حين فاز أهل السبق بسبقهم والمهاجرون الأولون بفضلهم فلا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم وفضائلهم ان ينازعهم الامر الذي هم أهله وأولى به ثم أن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما وحديثا أقربها من رسول الله (صلى الله عليه واله) وأعلمها بالكتاب وأفقهها في الدين وأولها إسلاما وأفضلها جهادا وأشدها بما تحمله الرعية من أمورها اضطلاعا فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون واعلموا ان خيار عباد الله الذين يعملون بما يعطون وإن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم فان للعالم بعلمه فضلا وإن الجاهل لن يزداد بمنازعة العالم إلا جهلا ألا واني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه واله) وحقن دماء هذه الأمة فان قبلتم أصبتم رشدكم وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الأمة لن تزدادوا من الله إلا بعدا والسلام ، فكتب إليه معاوية :

ليس بيني وبين قيس عتاب * غير طعن الكلى وضرب الرقاب

فقال علي (عليه السلام) {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56].

وكتب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى عماله في الآفاق يأمرهم بالمسير إليه وحث الناس على الجهاد معه فكتب إلى مخنف بن سليم عامله على أصبهان وهمذان : إذا أتيت بكتابي هذا فاستخلف على عملك أوثق أصحابك في نفسك واقبل إلينا وكتب عبد الله بن أبي رافع سنة 37 هكذا وردت هذه الرواية وقد مر ما يدل على أن ذلك كان سنة 36 فاستعمل مخنف على أصبهان وهمدان رجلين من قومه واقبل حتى شهد معه صفين .

وكتب إلى عبد الله بن عباس إلى البصرة اما بعد فاشخص إلى من قبلك من المسلمين والمؤمنين وذكرهم بلائي عندهم وعفوي عنهم واستبقائي لهم ورغبهم في الجهاد واعلمهم الذي لهم في ذلك من الفضل فقرأ عليهم ابن عباس كتاب علي (عليه السلام) وقال أيها الناس استعدوا للمسير إلى امامكم وانفروا في سبيل الله خفاقا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فإنكم تقاتلون المحلين القاسطين الذين لا يقرؤون القرآن ولا يعرفون حكم الكتاب ولا يدينون دين الحق مع أمير المؤمنين وابن عم رسول الله (صلى الله عليه واله) الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والصادع بالحق والحاكم بحكم الكتاب الذي لا يداهن الفجار ولا تأخذه في الله لومة لائم . فقام الأحنف بن قيس فقال نعم والله لنجيبنك ولنخرجن معك على العسر واليسر والرضا والكره نحتسب في ذلك الخير ونأمل من الله عظيم الأجر وقام إليه خالد بن المعمر السدوسي فقال سمعنا وأطعنا فمتى استنفرتنا نفرنا ومتى دعوتنا أجبنا .

وقام إليه عمرو بن مرجوم العبدي فقال وفق الله أمير المؤمنين وجمع له أمر المسلمين ولعن المحلين القاسطين الذين لا يقرؤون القرآن نحن والله عليهم حنقون ولهم في الله مفارقون فمتى أردتنا صحبك خيلنا ورجلنا .

وأجاب الناس إلى المسير ونشطوا أو خفوا فاستعمل ابن عباس على البصرة أبا الأسود الدؤلي وقدم على علي ومعه رؤوس الأخماس خالد بن المعمر السدوسي على بكر بن وائل وعمرو بن مرجوم العبدي على عبد القيس وصبرة بن شيمان الأزدي على الأزد والأحنف بن قيس على تميم وضبة والرباب وشريك بن الأعور الحارثي على أهل العالية فقدموا على علي بالنخيلة . ولم يبرح علي النخيلة حتى قدم عليه ابن عباس باهل البصرة وكان امراء الأسباع من أهل الكوفة : سعد بن مسعود الثقفي على قيس وعبد القيس ؛ ومعقل بن قيس اليربوعي ثم الرياحي على تميم وضبة والرباب وقريش وكنانة وأسد ؛ ومخنف بن سليم على الأزد وبجيلة وخثعم والأنصار وخزاعة . وحجر بن عدي الكندي على كندة وحضرموت وقضاعة ومهرة ؛ وزياد بن النضر على مذحج والأشعريين ؛ وسعيد بن قيس بن مرة الهمداني على همدان ومن معهم من حمير ؛ وعدي بن حاتم على طئ وتجمعهم الدعوة مع مذحج وتختلف الرايتان راية مذحج مع زياد بن النضر وراية طئ مع عدي بن حاتم وقال زياد بن النضر الحارثي لعبد الله بن بديل بن ورقاء إن يومنا ويومهم ليوم عصيب ما يصبر عليه إلا كل مشبع القلب صادق النية رابط الجاش وأيم الله ما أظن ذلك اليوم يبقي منا ومنهم إلا الرذال قال عبد الله بن بديل وأنا والله أظن ذلك فقال علي ليكن هذا الكلام مخزونا في صدوركما لا تظهراه ولا يسمعه منكما سامع ان الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين وكل آتية منيته كما كتب الله فطوبى للمجاهدين في سبيل الله والمقتولين في طاعته ، فلما سمع هاشم بن عتبة مقالتهم حمد الله وأثنى عليه ثم قال سر بنا إلى أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وعملوا في عباد الله بغير رضى الله فأحلوا حرامه وحرموا حلاله واستولاهم الشيطان ووعدهم الأباطيل ومناهم الأماني حتى أزاغهم عن الهدى وقصد بهم قصد الردى وحبب إليهم الدنيا فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة وأنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله (صلى الله عليه واله) رحما وأفضل الناس سابقة وقدما وهم يعلمون منك مثل الذي علمنا ولكن كتب عليهم الشقاء ومالت بهم الأهواء وكانوا ظالمين فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة وأنفسنا بنورك جذلة على من خالفك وتولى الامر دونك والله ما أحب ان لي ما في الأرض مما أقلت وما تحت السماء مما أظلت واني واليت عدوا لك أو عاديت وليا لك فقال علي (عليه السلام) اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك والمرافقة لنبيك (صلى الله عليه واله) ثم إن عليا (عليه السلام) صعد المنبر ودعاهم إلى الجهاد ومما قاله في خطبته : اعلموا إن الله جعل أمراس الاسلام متينة وعراه وثيقة ونحن سائرون إن شاء الله إلى من سفه نفسه وتناول ما ليس له وما لا يدركه معاوية وجنده الفئة الباغية الطاغية يقودهم إبليس ويدليهم بغروره فلا اعرفن أحدا منكم تقاعس عني فان الذود إلى الذود ابل ؛ ومن لا يذد عن حوضه يتهدم ؛ ثم اني آمركم بالشدة في الأمر والجهاد في سبيل الله وان لا تغتابوا مسلما وانتظروا النصر العاجل من الله إن شاء الله . ثم قام الحسن بن علي (عليه السلام) خطيبا فمما قاله في خطبته : ان مما عظم الله عليكم حقه واسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصى ذكره ولا يؤدى شكره ولا يبلغه صفة ولا قول ونحن إنما غضبنا لله ولكم فإنه لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم واستحكمت عقدتهم فاحتشدوا في قتال عدوكم معاوية وجنوده ولا تخاذلوا فان الخذلان يقطع نياط القلوب وإن الأقدام على الأسنة نجدة وعصمة لأنه لم يمتنع قوم قط إلا رفع الله عنهم العلة وكفاهم جوائح الذلة وهداهم إلى معالم الملة .

والصلح تأخذ منه ما رضيت به * والحرب يكفيك من أنفاسها جرع

ثم قام الحسين بن علي (عليه السلام) خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أهل الكوفة أنتم الأحبة الكرماء الشعار دون الدثار جدوا في احياء ماثر دينكم واسهال ما توعر عليكم الا أن الحرب شرها ذريع وطعمها فظيع وهي جرع متحساة فمن اخذ لها أهبتها فذاك صاحبها ومن عاجلها قبل أوان فرصتها فذاك فمن إن لا ينفع قومه ويهلك نفسه نسأل الله بعونه أن يدعمكم بألفته ، ثم نزل ؛ فاجابه إلى السير والجهاد جل الناس الا أن أصحاب عبد الله بن مسعود وفيهم عبيدة السلماني وأصحابه قالوا نخرج معكم ولا ننزل عسكركم ونعسكر على حدة فمن رأيناه أراد ما لا يحل له أو بدا لنا منه بغي كنا عليه فقال علي (عليه السلام) مرحبا واهلا هذا هو الفقه في الدين والعلم بالسنة من لم يرض بهذا فهو جائر ؛ وانما رضي منهم بذلك مع ظهور الحجة عليهم لأنه قد علم من حالهم انهم لا يقبلون بغير هذا فلو ألزمهم بالحرب معه ربما ينفرون ويكونون مع معاوية فكان رضاه بما قالوا أصلح الأمرين لأنه يرجى انضمامهم إليه بعد ذلك ، وأتاه آخرون من أصحاب عبد الله بن مسعود فيهم ربيع بن خثيم وهو المدفون بقرب المشهد الرضوي الذي يسميه الإيرانيون خواجة ربيع وهم يومئذ أربعمائة رجل فقالوا يا أمير المؤمنين انا شككنا في هذا القتال على معرفتنا بفضلك ولا غناء بنا ولا بك ولا المسلمين عمن يقاتل العدو فولنا بعض الثغور نكون به ثم نقاتل عن أهله ، فوجهه على ثغر الري فكان أول لواء عقده بالكوفة لواء ربيع بن خثيم ؛ ودعا علي باهلة فقال يا معشر باهلة أشهد الله انكم تبغضونني وأبغضكم فخذوا عطاءكم وأخرجوا إلى الديلم وكانوا قد كرهوا أن يخرجوا معه إلى صفين .

قال نصر بن مزاحم : وكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية : من محمد بن أبي بكر إلى الغاوي معاوية بن صخر سلام على أهل طاعة الله اما بعد فان الله تعالى خلق خلقا اختارهم على علمه فاصطفى منهم محمدا (صلى الله عليه واله) فاختصه برسالته فدعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة فكان أول من أجاب أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب فوقاه كل هول وواساه بنفسه في كل خوف فحارب حربه وسالم سلمه وقد رأيتك تساميه وأنت أنت وهو هو المبرز السابق في كل خير أول الناس اسلاما واصدق الناس نية ثم لم تزل أنت وأبوك تبغيان الغوائل لدين الله وتجتهدان على اطفاء نور الله وتجمعان على ذلك الجموع وتبذلان فيه المال وتحالفان فيه القبائل على ذلك مات أبوك وعلى ذلك خلفته فكيف يا لك الويل تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله (صلى الله عليه واله) وأبو ولده وأول الناس له اتباعا وآخرهم به عهدا يخبره بسره ويشركه في امره وأنت عدوه وابن عدوه فتمتع ما استطعت بباطلك وليمدد لك ابن العاص في غوايتك فكان اجلك قد انقضى وكيدك قد وهى والسلام على من اتبع الهدى .

فاجابه معاوية : من معاوية بن أبي سفيان إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر سلام على أهل طاعة الله اما بعد فقد اتاني كتابك لرأيك فيه تضعيف ولأبيك فيه تعنيف ذكرت حق ابن أبي طالب وقديم سوابقه وقرابته واحتجاجك بفضل غيرك لا بفضلك فاحمد إلاهاً صرف الفضل عنك وجعله لغيرك وقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا وفضله مبرزا علينا فلما اختار الله لنبيه (صلى الله عليه واله) ما عنده كان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه ثم قام بعده عثمان يهتدي بهديهما ويسير بسيرتهما فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي فخذ حذرك فسترى وبال امرك وقس شبرك بفترك تقصر من أن تساوي من يزن الجبال حلمه لا تلين على قسر قناته ولا يدرك ذو مدى أناته أبوك مهد مهاده وبنى ملكه وشاده فان يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله وإن يكن جورا فأبوك أسسه ونحن شركاؤه وبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا فعب أباك ما بدا لك أو دع والسلام على من اتبع الهدى .

وبلغ أهل العراق مسير معاوية إلى صفين فنشطوا وجدوا غير أنه كان من الأشعث بن قيس شئ عند عزله عن الرياسة وذلك أن رياسة كندة وربيعة كانت للأشعث فجعلها أمير المؤمنين (عليه السلام) لحسان بن محدوج فتكلم في ذلك أناس من أهل اليمن منهم الأشتر وعدي بن حاتم الطائي وزحر بن قيس وهاني بن عروة فقالوا يا أمير المؤمنين إن رياسة الأشعث لا تصلح الا لمثله وما حسان مثل الأشعث فغضبت ربيعة فقال حريث بن جابر يا هؤلاء رجل برجل وليس بصاحبنا عجز في شرفه وموضعه ونجدته وبأسه ولسنا ندفع فضل صاحبكم وشرفه وغضب رجال اليمنية فاتاهم سعيد بن قيس الهمداني فتكلم في اصلاح الحال وقال حريث بن جابر إن كان الأشعث ملكا في الجاهلية وسيدا في الإسلام فان صاحبنا أهل هذه الرياسة وما هو أفضل منها فقال حسان للأشعث لك راية كندة ولي راية ربيعة فقال معاذ الله لا يكون هذا ابدا ما كان لك فهو لي وما كان لي فهو لك وبلع معاوية ما صنع بالأشعث فقال اقذفوا إلى الأشعث شيئا تهيجونه به على علي فدعوا شاعرا لهم فقال هذه الأبيات فكتب بها مالك بن هبيرة إلى الأشعث وكان له صديقا وكان كنديا :

من كان في القوم مثلوجا باسرته * فالله يعلم اني غير مثلوج

زالت عن الأشعث الكندي رياسته * واستجمع الأمر حسان بن محدوج

يا للرجال لعار ليس يغسله * ماء الفرات وكرب غير مفروج

إن ترض كندة حسانا بصاحبها * ترض الدناة وما قحطان بالهوج

كان ابن قيس هماما في أرومته * ضخما يبوء يملك غير مفلوج

إن الذين تولوا بالعراق له * لا يستطيعون طرا ذبح فروج

ليست ربيعة أولى بالذي خديت * من حق كندة حق غير محجوج

فلما انتهى الشعر إلى أهل اليمن قال شريح بن هاني يا أهل اليمن ما يريد صاحبكم الا أن يفرق بينكم وبين ربيعة ومشى حسان بن محدوج إلى الأشعث برايته حتى ركزها في داره فقال الأشعث : إن هذه الراية عظمت على علي وهي والله أخف علي من زف النعام ومعاذ الله أن يغيرني ذلك لكم فعرض عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يعيدها إليه فابى وقال يا أمير المؤمنين إن يكن أولها شرا فليس آخرها بعر فقال له علي انا أشركك فيه فولاه على ميمنته وهي ميمنة أهل العراق .

وامر علي (عليه السلام) الحارث الأعور أن ينادي في الناس إن اخرجوا إلى معسكركم بالنخيلة فنادى بذلك وبعث علي إلى مالك بن حبيب اليربوعي صاحب شرطته فامره أن يحشر الناس إلى المعسكر ودعا عقبة بن عمرو الأنصاري فاستخلفه على الكوفة وكان أصغر أصحاب العقبة السبعين ثم خرج علي (عليه السلام) وخرج الناس معه إلى النخيلة .

ولما أراد المسير إلى النخيلة بعث زياد بن النضر وشريح بن هاني على مقدمته في اثني عشر ألفا ؛ شريح على طائفة من الجند وزياد على الكل وأمرهما أن يأخذا على طريق واحد ولا يختلفا فاخذ شريح يعتزل بمن معه على حده ولا يقترب من زياد فكتب زياد إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) مع مولى له اسمه شوذب إن شريحا لا يرى لي عليه طاعة وكتب شريح إليه أن زيادا تنكر واستكبر فان أراد أمير المؤمنين أن يعزله عنا ويبعث مكانه فانا له كارهون فكتب إليهما علي (عليه السلام) إن جمعكما حرب فزياد على الناس وإن افترقتما فكل واحد أمير على الطائفة التي وليناه امرها ومن ذلك يعلم كيف كان حال أصحابه في تفرقهم .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.