أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-9-2020
3235
التاريخ: 11-10-2017
2691
التاريخ: 2023-10-08
1630
التاريخ: 2023-10-10
892
|
أبو ذر الغفاريّ: جُندب بن جَنادة (1).
رمز اليقظة في الضمير الانساني المتعب، كما هو في الضمير الإسلاميّ.
أتمثله شيخاً حاني الظهر، ترتسم على وجهه سيماء الأولياء والصالحين، وفي عينيه ألق ظل مشع بالأمل والحياة على هاتك الفئات المظلومة من الناس.
أتمثله، وهو ينهب الأرض بقدميه، في رحلته التأريخية الثأرية، حاملا على ظهره هموم المظلومين والمعذّبين، وعلى لسانه تتجسّد صرختهم.
فهو هكذا أراد، أراد أن يخرج عن حدود الزمان والمكان، ويرقى قمة الحرية.. حرية الكلمة، وحرية التعبير، فكان منبر الإسلام في فترة من فترات الحكم.
لقد بايع أبو ذر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، على ان لا تأخذه في الله لومة لائم، وعلى أن يقول الحق، ولو كان مُرَّا (2).
فالتزم ببيعته، وكان جريئاً في جنب الله آخر عمره، كما كان في أول أمره.
ولعلّ أجرأ نداء صريح في مسمع حاكم ظالم، كان نداء أبي ذر (رض) على أبواب الخضراء: «أتتكم القطار بحمل النار! اللهمّ العن الآمرين بالمعروف التاركين له، اللهمّ العن الناهين عن المنكر، المرتكبين له» (3).
هذا هو أبو ذر، صاحب الكلمة الجريئة، التي لا تعرف المداهنة، ولا الرياء ولا الوجل
خاطب معاوية ذات مرة، مجيباً إيّاه: «ما أنا بعدو لله ولا لرسوله، بل أنت وأبوك عدوّان لله ولرسوله، أظهرتما الاسلام، وابطنتما الكفر، ولقد لعنك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودعا عليك مرّات أن لا تشبع.
فقال معاوية: ما أنا ذاك الرجل.
فقال أبو ذر: بل أنت ذلك الرجل! أخبرني بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمعته يقول، وقد مررتَ به: اللهمّ العنه، ولا تشبعه إلا بالتراب..» (4).
وخُيِّل لجلّاديه الحاكمين، أنّ غضبه إنّما كان لنفسه، وأنّه ربّما كان عن فاقة ألمَّت به، أو مطمع يدفعه الى ذلك، فساوموه رجاء أن يسكت أو يكف، لكنّهم وجدوا خلاف ما كانوا يتوقعون.
بعث اليه معاوية بثلاثمائة دينار، فقال: إن كانت من عطائي الذي حرمتموني عامي هذا، قبلتها، وان كانت صلة، فلا حاجة لي فيها» (5).
وقال له ـ ذات مرّة ـ حبيب بن مسلمة أحد القادة: «لك عندي يا أبا ذر، ألف درهم، وخادم، وخمسمائة شاة. قال أبو ذر: أعطِ خادمك، وألفَكَ، وشويهاتِكَ، من هو أحوج الى ذلك منّي! فانّي إنّما أسأل حقّي في كتاب الله!» (6).
بهذه الصراحة، وبهذا الوضوح يرسم لنا أبو ذر بعض مواقفه، إنّه لم يكن ليثأر، ويغضب لنفسه، بل للحق الذي طالب بتثبيته، وبذلك جعل من نفسه رمزاً يدفع بالمقهورين والمظلومين الى المطالبة بحقوقهم، وعرض ظلاماتهم، فكان في تصرّفاته تلك رائداً من رواد الحق، يجازف بنفسه من أجل الآخرين.
وما أغناه عن أن يقاسي ما قاسى، لو أراد.
لقد كان بوسعه أن يعيش حياة الرفاهية والترف، شأن بعض الصحابة ممّن هم دونه في الفضل بمراتب لو أراد، ولكن في هذه النقطة تكمن احدى الفوارق ما بين الانسان الرسالي، والانسان العادي بين الانسان الذي يحمل هموم ومستقبل أمّة بأسرها، وبين انسان ينشغل بنفسه ولهوه، متخماً يتجشأ على موائد الترف!
نعم، كان أبو ذر انساناً رساليّاً، ولم يكن انساناً عادياً، وكان في بعض مواقفه يمثل مواقف أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ولا غرو ولا عجب، فهو تلميذ الإمام وواحد من أكثر الناس إخلاصاً له.
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "ولو شِئتُ لاهتديتُ الطريق الى مُصفى هذا العسلِ، ولُبابِ هذا القمح، ونَسائِج هذا القزِّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جَشعي الى تخيُّرِ الأطعمة، ولعلَّ بالحجاز أو اليمامة، من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أوَ أبيت مبطاناً، وحولي بطون غرثى، وأكباد حرَّى، أوَ أكونُ كما قال القائل: وحسبك داء أن تبيت ببطنة *** وحولك اكباد تحِنُّ الى القِدِّ (7).
لقد كان أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، يقول هذا، ومقدّرات الأمة تحت قبضة يده، بل المعروف أنّ صدقاته الخاصة وحدها كانت تساوي آلاف الدنانير ذهباً.
نعم، كان يقول هذا ـ ويعمل بما يقول مع نفسه ـ ليلفت أنظار المسلمين الى ضرورة تفقّد الضعفاء، والمقهورين، والمدفوعين عن حقوقهم، ويلفت أنظار الولاة الى الرفق بالرعية وتفقّد أحوالهم.
وكان أبو ذر ـ تلميذ الإمام ـ ممّن سار على هذا الهدي، فقد كان عطاؤه السنويّ أربعمائة ديناراً ذهباً، ومع هذا فانّه كان لا يدّخر منها شيئاً.
وكان يندّد بالكانزين للذهب والفضة الذين لا يخرجون الزكاة الواجبة منها، أو الذين أخذوها من طرق غير مشروعة أيام عثمان، وكان يطلب حقه (في كتاب الله) كما تقدّم، ويرفض الألف درهم، والعبد والخمسمائة شاة.
اجل، انّه لم يكن ليفعل هذا عن فاقة، أو مطمع، بل كان يريد إلفات المسؤولين ـ في حينه ـ الى انصاف المظلومين، وايصال كلّ ذي حق الى حقه.
وأعيت الحيلة غرماءه الحاكمين في إسكاته، فعمدوا الى طريقة ثانية قرّروا فيها إسكاته، وكانت طريقة ناجحة ـ في نظرهم ـ فنفوه الى الربذة.
حمل من الشام الى المدينة على مركب وعر، حتى تسلّخ فخذاه، ثم بعد ذلك، نفي الى الربذة (8) بعيداً عن مهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله، ومواطن الايمان، حتى توفّي غريباً هناك! رحم الله أبا ذر، لقد كان ينسى كل جراحه وآلامه في رحلته الثأرية تلك، ليكتب على رمال الصحراء ملحمته الخالدة، ملحمته التي ستبقى مع الشمس تشرق، ولكنّها لا تغيب!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على الأصح الأشهر. وقيل اسمه: برير بن جنادة، وقيل: جندب بن سكن وقيل: السكن بن جنادة ولكن المشهور المتسالم عليه هو جندب ابن جنادة، ولا يعرف في كتب التراجم بغير هذا الاسم.
(2) اعيان الشيعة / 16 / 319 نقلا عن أسد الغابة.
(3) شرح النهج ج 8 / 257.
(4) شرح النهج 8 / 257.
(5) الغدير 8 / 293.
(6) اعيان الشيعة 16 / 364 عن آمالي الطوسي.
(7) نهج البلاغة 3 / 71 / 72 (الجشع ـ الحرص ـ البطنة ـ الاشر والبطر)، والقد: سير من جلد غير مدبوغ، والمعنى انّ بعضهم يطلب أكله فلا يجده.
(8) الربذة: موضع على بعد ثلاثة ايّام من المدينة ... معجم البلدان 3 / 24.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|