ان الإعجاز أو الكرامة التي تحصل لأنبياء الله أو لأوليائه تكون  تارة - عاملاً للتغذية العلميّة فحسب لكنّها، مضافاً إلى صبغة الحجة والاستدلال، فإنّها تشكل - تارة أخرى - عاملاً "للتغذية المادية" أيضاً؛ فتحول عصا موسى الكليم إلى ثعبان مثلاً كان ينطوي على جهة البرهان والإعجاز ليس إلا، بيد أن تأثير نفس تلك العصا بعد ضرب الصخرة بها فإنّه  ناهيك عن الكرامة المعنوية الخاصة  كان عاملاً لتغذية اليهود مادياً أيضاً. كما ويشبه نزول المن والسلوى من خلال دعاء موسى الكليم حيث كان له طابعان مادي ومعنوي.

إلى جانب المعجزة فإن ما يمكن أن ينتفع منه أتباع صاحب مقام الكرامة، بغض النظر عن الانتفاع المعنوي والاستدلال العلمي، لا يختصر بالتغذية والتروية بل يتعداه أحياناً إلى منافع أخرى غير الطعام والشراب، كحصول النجاة من خطر الغرق والخلاص من سلطة العدو بالتزامن مع المعجزة؛ فقصة عبور بني إسرائيل البحر ببركة إعجاز موسى الكليم هي من هذا القبيل. فالانتفاع والتنعم يكون أحياناً بتحول البحر السائل إلى طريق يبَس: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى} [طه: 77] ، وتارة بصيرورة الحجر الصلد واليابس مصدراً لعيون جارية. فإنّ "عين الحجر" كما هو حال "عين الرأس" هي مصدر لسيلان الماء ولعل التسمية الخاصة لعين الماء باللغة الفارسية وتسميتها بالعربية عيناً ترجع إلى شبهها بعين الإنسان (1). على أي تقدير، فإنه يصبح المقبوض مبسوطاً حيناً ويصير المبسوط مقبوضاً حيناً آخر ذلك ورمز هو أن تكون أي شيء مرهون بالإرادة الإلهية التي على أساس من الحكمة تقول للشيء "كن" ويتحقق ذلك الشيء "فيكون".

تنويه: المعجزة والكرامة، سواء تقارنتا مع بركة أخرى أم لم تتقارنا، قد تنحل إلى عدة معاجز من خلال التحليل العقلي الدقيق، ومن هذا المنطلق فإنّه يمكن التعبير عن مثل هذه المعجزة القابلة للتحليل بصيغة الجمع فنقول: "بينات"؛ كما في معجزة تفجر اثنتي عشرة عيناً من الحجر؛ وذلك لأن ظهور الماء من الحجر، وتدفّق كمية ضخمة منه من جسم صغير، وخروجه على قدر الحاجة، وتفجره بضرب العصا، وانقطاعه عند انعدام الحاجة إليه هي بينات ومعجزات نتجت جميعها من تحليل معجزة تفجر العيون من الصخرة".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. فهذا الشبه موجود في اللغة الفارسية أيضاً حيث تسمّى عين الماء "چشمه" وعين الرأس "چشم".