أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-1-2023
1136
التاريخ: 9-4-2022
2870
التاريخ: 11-1-2023
1106
التاريخ: 20-4-2016
3051
|
قال الله تعالى في كتابه العزيز : {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} [غافر: 67].
إن أيام الطفولة وما يرافقها من ضعف وعجز وأيام الشباب وما يرافقها من قوة ونشاط تشكل محيطين مستقلين وزمنين مختلفين ومنفصلين .
إن جسم الطفل هزيل وتصرفه طفولي وعضلاته وعظامه ضعيفة وحركاته وسكناته وأخلاقه وأفكاره بريئة، إنه يرغب في الاختلاط بالأطفال واللهو معهم ، ويختار ألعاباً تناسب سنه.
أما الشاب فجسمه قوي وصوته ضخم رجولي وعضلاته وعظامه قوية وحركاته وسكناته وأخلاقه وأفكاره تتناسب وعمره ، إنه يرغب في معاشرة الشباب والرجال ويحب ألعاباً وتسالي تتناسب وعمره .
تعتبر مرحلتا الطفولة والشباب بمثابة دولتين مستقلتين ومنفصلتين ومنطقتين تختلف فيهما عذوبة الماء والهواء ، كل منهما لها مناخ خاص بها.
ويعتبر البلوغ همزة الوصل بين هاتين المرحلتين اللتين ينتقل الطفل من اولاها إلى الثانية عبر همزة الوصل ، أي من مرحلة الضعف والعجز إلى مرحلة القوة والنشاط . وإذا ما استطاع الفتيان والفتيات الذين أمضوا مرحلة الطفولة بسلام أن يجتازوا فترة البلوغ المليئة بالأعاصير والبراكين أيضاً بسلام فإنهم سيقبلون على مرحلة جميلة ، ألا وهي مرحلة الشباب وسيلتحقون بصفوف رجال المجتمع ونسائه .
إن الفترة من بداية ظهور عوامل البلوغ على الفتيان والفتيات حتى اكتمال هذه العوامل ودخول الطفل مرحلة الشباب وما يصاحبه من تغييرات جسمية وروحية تستغرق سنين عديدة. وفي هذه المدة تبرز تطورات عظيمة على صعيد جسم الإنسان ونفسه، فطوله يزداد وأعضاء بدنه يتضاعف نموها ، وتتفتح في باطنه أحاسيس ورغبات جديدة ، وتختل صفاته المعنوية والأخلاقية ، وتضعف عادات الطفولة وتضمحل رويداً رويداً وتحل محلها عادات جديدة ، وتندثر العلاقة بألعاب الطفولة ويزول الاهتمام بها ، ويبدأ التفكير بألعاب وتسالي جديدة.
إن فترة البلوغ في نظر الناس هي فترة أزمة وثورة، حيث يتعرض جسم الطفل ونفسه خلال هذه الفترة لأكبر تحول وتغيير يشهده الإنسان في حياته، إن أخلاق الفتيان وتصرفاتهم تصبح خلال فترة البلوغ مختلة وغير موزونة مما دفع بعلماء النفس إلى وصف هذه الفترة بأنها فترة توتر وعصيان .
«إن فترة التحول هذه والتي يصفها (ب . ماندوس) بأنها متوترة ويصفها (ش . بوهلر) بأنها سلبية، هي في الحقيقة عبارة عن دورة تعود انطلاقتها إلى ما قبل البلوغ ، والبلوغ بحد ذاته هو عبارة عن اكتساب الإنسان القهرة على الإنجاب» .
آلام البلوغ:
«إن فترة البلوغ تنحصر بين سن ال 12 وسن ال 15 وأحياناً تمتد إلى سن ال 16 ، وهي فترة يغلب عليها طابع الأزمة والتوتر ، والبعض يصفها بأنها فترة الاختلال والفوضى ، وهذه الفترة تكون دائماً مصحوبة بآلام، فالجسم يصاب بانحطاط وخمول ، والأخلاق تشهد تغييراً ملحوظاً ، ويبدو الفتى والفتاة في مثل هذه الفترة وكأنهما يسيران بعيون مغمضة نحو مستقبل مجهول» .
«ومن بعد ذلك تبدأ أعضاء جسم الإنسان باكتساب القوة ، وتتزايد علاقة الإنسان بالعمل الذي عليه أن يختاره مستقبلاً ، وفي الغالب يعمل الإنسان في هذه الفترة أجيراً أو صانعاً في المهنة المحببة إلى نفسه ، ويصبح مهتماً بالقضايا السياسية والاقتصادية ومولعاً بطلب العلم ، ويولد في باطنه شوق للحياة ، وتتفتح في نفسه أحاسيس وعواطف كتفتح زهور الأشجار في شهر نيسان، ويصبح الفتى الشاب رجلاً شاباً والفتاة الشابة امرأة شابة يتطلعان إلى المستقبل بشوق ولهفة ويتصوران نفسيهما يطيران بجناح الأمل والطموح . وهذه الفترة تنحصر بين سن ال 16 وال 20 سنة ، وهي فترة تتسم بعنفوان الشباب ، وقد أسماها أفلاطون ب «سكرة الروح» .
إن أيام البلوغ المليئة بالتوترات والأزمات هي بالنسبة للفتيان والفتيات كمرحلة برزخ بين الطفولة والشباب ، وهي جزء خاص من حياة الإنسان . فلا يمكن احتسابها من أيام الطفولة ولا يمكن احتسابها من أيام الشباب.
يطلق على الطفل الذي نمت فيه عوامل البلوغ اسم «المراهق» ، والمراهق ليس طفلا ولا يعتبر شاباً ، ليس طفلا لأن عوامل البلوغ قد تركت آثارها في نفسه وعلى جسمه وسلبت منه بعض صفات الطفولة وعاداتها ، وخرجت أفكاره وحركاته وأخلاقه من طور الطفولة واتخذت طوراً آخر، ولا يعتبر شاباً لأن عوامل البلوغ لم تكتمل فيه بعد ، وبعد اكتمالها يتحول الإنسان من فتى مراهق إلى شاب كامل البلوغ وتبرز فيه جميع صفات الشباب.
«هناك نقاش قائم منذ مدة حول ما إذا كان البلوغ يعتبر ضمن مرحلة الطفولة أم ضمن مرحلة الرشد والكمال ، وحتى يومنا هذا هناك غالبية من الناس تعتقد بأن الإنسان تستمر طفولته حتى سن ال 14 أو ال 15 سنة ، ثم يمر بمرحلة برزخ وهي مرحلة البلوغ قبل أن يصبح إنساناً ناضجاً فكرياً وجسدياً. وهذا اعتقاد خاطئ ، لأن الإنسان ما بين سن ال 12 وال 18 يمر بمرحلة معينة من الحياة مستقلة تماماً عن مرحلة الطفولة ومرحلة الكمال ، لها مميزاتها وقوانينها وتلعب دوراً مهماً في حياة الإنسان » .
«في الدراسات والأبحاث المتعلقة بنمو جسم الإنسان يجب تخصيص مكان أساسي مناسب للبلوغ ، فمفهوم كلمة بلوغ يجسد هذه الأهمية ، وهي أهمية الفترة التي ينمو فيها جسم الإنسان وعقله ، إذن فالبلوغ له أهميته الأساسية في دراسة تكامل الإنسان ، ومن المستحيل وصف دورة البلوغ وصفا دقيقا دون الأخذ بعين الاعتبار التغييرات التي تطرأ باستمرار على جسم الإنسان وعقله خلال هذه الدورة».
لقد جاء الإسلام بتعاليم وأحكام خاصة للفتيان والفتيات الذين لم يكملوا مرحلة البلوغ ، فالولد في سن ال 12 عاماً لا يمكن محاسبته كالفرد البالغ ، ولا يمكن تركه وإهماله كطفل صغير ، ينبغي عليه أن يصلي ويصوم ، ومن واجب والديه مراقبته وحثه على ذلك ، وفي المقابل منح بعض التسهيلات لأنه لم يكمل مرحلة البلوغ بعد ، فإذا ما رفض الإنصياع لبعض الأوامر وتنصل من أداء بعض المسؤوليات فإنه لن يتعرض لمجازاة وعقاب كفرد بالغ.
جرم غير البالغ:
حتى إذا ما اقترف ذنباً وارتكب جرماً فإن له وضعاً خاصاً ، لذا فإن من واجب الولد في ال 12 من العمر أن يتجنب ارتكاب الجرائم والذنوب حفاظاً على سمعته وبراءته ، أما إذا ارتكب جريمة بالصدفة فإن المحكمة لا يمكنها أن تحكم عليه بالمجازاة أو بالحد الشرعي ، لأنه لم يبلغ بعد ، ومثل هذه الأحكام لا تشمل إلاً البالغين ، ومن جهة ثانية لا يستطيع قاضي الشرع تجاهل جريمته وذنبه كلياً ولا يمكنه أن يعفيه من العقاب كطفل صغير ، وفي مثل هذه الحالة يعزر الولد ويقام فيه حكم تأديبي.
روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: في الغلام يفجر بالمرأة قال : يعذر ويقام على المرأة الحد(1) .
وروي عنه (عليه السلام) انه قال: لا حد على لأطفال ولكن يؤدبون ادباً بليغاً(2).
يعتبر البلوغ بمثابة ولادة جديدة يخرج فيها الطفل من محيط الطفولة المحدود إلى دنيا الشباب الواسعة. ورغم أن الأطفال منذ ولادتهم هم في حال نمو دائم، لكن النمو السريع والشامل للإنسان لا يكون إلاً في ولادته الثانية أي فترة البلوغ ، والبلوغ يساهم في إبراز ما خفي من ملكات الإنسان واستعداداته. إن مجموع التحولات الطبيعية للولادة الثانية يمكن حصره في ثلاثة فصول هي البلوغ والنمو والشباب .
بالرغم من أن مسألة البلوغ وما يتبعها من تحولات تعتبر إحدى مسائل علم الحياة ، والخوض في هذه المسألة بحثاً وتحليلاً هو من شأن علماء علم الحياة ، إلاً أن هذه المسألة وما لها من أهمية في تفتح مشاعر وعواطف الإنسان ، وأهميتها على الجاب الأخلاقي والنفسي للفتى البالغ ، تحظى أيضاً باهتمام كبير من قبل علماء النفس والتربية ، فعلماء الطبيعة يبحثون مسألة البلوغ من ناحية علم الحياة ، أما علماء النفس والأخلاق فيبحثونها من الناحية النفسية والتربوية .
«إن لعالم البلوغ أوجهاً مختلفة ، منها أن فترة البلوغ التي تعتبر جزءاً من حياتنا لها وجه متكامل ومعقد ، فهي عالم بحد ذاته ، ليس منغلقاً على نفسه ، يصل ما بين عهد الطفولة الذي يسبقه وعهد الكمال الذي يليه ، ومع هذا فإن له تشكيلات وانفعالات خاصة به . ومن الممكن دراسة كل ما يتعلق بمسألة البلوغ من مختلف أوجهها من قبيل علم الحياة الخاص بالبلوغ وعلم النفس والتربية والتعليم وحتى علم الأخلاق. ومن أجل تكوين صورة صحيحة واضحة عن هذه الفترة من حياة الإنسان ، لا بد من دراسة مختلف أوجه هذه الحقيقة)).
إن معنى التقدم والتطور العلمي في عالمنا المعاصر هو معرفة الأسباب الخفية للحوادث ، ومعرفة عوامل الظواهر الطبيعية . فكلما ازدادت الدول قدرة على اكتشاف الحقائق الخفية والمجهولة وإدراك أسرار الخلقة، كلما ازدادت هذه الدول علماً ومعرفة إلى جانب قدراتها، وبلغت شعوبها حداً من الرقي والتكامل.
إن العالم بأسره يرى الحوادث على ظاهرها ، لكن معرفة الأسباب التي تقف وراء هذه الحوادث ليست بالأمر اليسير ، فمن الحوادث الطبيعية التي تراها كل الأمم المتحضرة والمتخلفة نذكر على سبيل المثال كسوف الشمس وخسوف القمر وزلزلة الأرض وهبوب الأعاصير واخضرار الأشجار وحمل الحيوان والإنسان والإنجاب وغير ذلك من مئات الحوادث الطبيعية التي تشهدها كرتنا الأرضية، لكن المسألة الأهم هو أن يعرف الإنسان لماذا تكسف الشمس وتهتز الأرض؟، وكيف تتفتح الأشجار وتخضر؟، وكيف تحمل وتنجب النساء ؟ ، وكيف تنتقل الصفات من الآباء والأمهات إلى الأطفال ؟ .
في الأمس البعيد كان الإنسان يرى كيف يصاب أخوه الإنسان بمرض الملاريا الذي كان يسلبه قوته ويطرحه في الفراش ويودي بحياته تدريجياً ، لكن لا أحد كان يعرف أسباب هذا المرض . والكل كان يرى كيف أن مرض السل كان يجتاح جسم الإنسان ويصيبه بالضعف والعجز ويقضي عليه في نهاية المطاف ، لكن لا أحد كان يعرف السبب الحقيقي لهذا المرض . وعندما توصل العلم الحديث وبفضل تجهيزات غاية في الدقة إلى اكتشاف عالم الميكروبات والجراثيم والفيروسات ، ووقف مذهولاً ومتحيراً أمام موجودات لا يمكن أن تراها العين المجردة، تعرف على السبب الرئيسي للأمراض العفونية السارية ، وبذلك كشف النقاب عن أكثر أسرار الخلقة تعقيداً ، حيث تبين أن سبب هذه الأمراض هو قيام الملايين من الجراثيم المجهرية الموجودة في جسم الإنسان باجتياح جسم المريض واحتلاله والتكاثر من أجل البقاء ، وقيامها بتعزيز وجودها وإضعاف جسم المريض الذي ما يلبث أن يفارق الحياة .
_____________________
(1 و2) مستدرك ج 3 ، ص 223 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|