أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-5-2020
5351
التاريخ: 24-11-2019
2401
التاريخ: 1-12-2018
2188
التاريخ: 17-10-2021
3641
|
قديماً قالوا أن الفراغ شيء قاتل.. ليس فقط للإنسان بل لكل ما في الحياة البشرية على وجه الأرض، وقد يكون بالنسبة للإنسان أفدح وأخطر شيء يصل به إلى بؤر الفساد والإفساد الأخلاقي والتربوي والاقتصادي والديني والعلمي معا، فيتحقق عند ذلك انهيار الإنسانية بكاملها، بسبب تفسخ الجيل (المراهق) وفساده على كافة الأصعدة والأنشطة العلمية والعملية على حد سواء، وقد لوحظ أن عمل فرد وأسرة ومجتمع يصاب بنوبات الكسل والفتور، يكون السبب عائداً إلى تواجد أوقات الفراغ القاتل في حياتهم.
ولو أخذنا بعض الدول العربية التي ينشر فيها الكثير عن قضايا المراهقين والمراهقات، على سبيل المثال لا الحصر، لدراسة مشكلة أوقات الفراغ التي يعانيها الشباب، لرأينا التبدلات التالية وهي نتيجة خطيرة للغاية، وقد تنعكس على بعض المجتمعات الإسلامية والأسر المسلمة اليوم:
1ـ انحسار أعداد الشباب المنتمين إلى الجمعيات الكشفية الشبابية بنسبة هائلة، إذ أن الأعداد المسجلة للعناصر المنتمية إلى هذه الجمعيات في أحسن الظروف لا تزيد عن الأعداد المسجلة منذ عشرين عاماً مع أن تعداد السكان اختلف دون أدنى شك.
2ـ انشغال (المراهقين) داخل بعض المؤسسات الفاسدة التي يكون الشاب عبرها العلاقات الخاطئة مع الجنس الآخر، مما سبب تفسخ الذهنية العقلية وانتشار الأمراض الجنسية والعقلية بشكل عام.
٣- استغلال عقلية (المراهقين) وملء فراغاتهم بانتماءات مخربة في العالم الإسلامي كجر (المراهقين) إلى مؤسسات تدعي ملء الفراغات بشيء مثمر في الدارين (الدنيا والآخرة) وإذ به يتحول إلى مفسدة التوجيهات المذهبية والعنصرية والسياسية الخاطئة تماما.
4ـ انشغال كل عائلة بنفسها عن سواها، وتزايد المشكلات والأعباء العائلية، إلى حد يحول بين الشباب والتفاعل مع أسرهم الكبرى، أي مع أبناء الأعمام والأخوال والأقارب، لأن كل مجموعة من هؤلاء منشغلة عن الآخرين بمشكلاتها الخاصة، وإذا ما انفتحت على بعضها، زادت المشكلات بدل أن تقل مما تسبب قطيعة الرحم، حتى وصل بهم الحال أن الأقارب لا يعرفون بعضهم البعض.
5ـ عدم توافر الوقت اللازم للجلسات الأسرية الحميمة، التي يمكنها وعبرها أن تملأ أوقات الفراغ في حياة المراهق بالخبرة الحياتية، كأن تحوي الجلسة الأسرية أنشطة دينية وتربوية وأخلاقية في أوقات الفراغ للمراهق، ولا سيما أن تجعله ينخرط في الأنشطة المهنية الممنهجة من أجل أن يكتسب مهنة في حياته في وقت فراغه، وكما يقول الإمام علي (عليه السلام) (مهنة باليد أمان من الفقر).
٦- اغتنام الفراغ، وهو من النعم التي يغفل كثير من الناس عنها ويجهلون قدرها، ولا يحاولون اغتنامها في حياتهم اليومية قبل فوات الأوان، فعند ذلك يندمون ويخسرون أيما خسارة، نعمة (الفراغ) والوقت.
عن ابن عباس عن النيي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: نعمتان من نعم الله مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.
لأن اليوم الذي يمضي عليك أيها الإنسان لا يعود، ليس في الإمكان استعادته.
ينقل عن ابن مسعود : ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي.
وقال الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): واجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لله لمناجاته، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان الثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم، وبهذه الساعة تقدرون على ثلاث الساعات(١).
ولا شك أن العوامل المفسدة الكثيرة إذا توفرت في حياة «المراهق» تسبب له الدمار، ولا سيما إذا اجتمع الفراغ والقوة الفعلية والجسدية مع تزايد القدرة الغريزية والمالية في حياته التي تمكنه أن يحصل على ما يشتهي وفي أي وقت شاء.
وفي هذا يقول أبو العتاهية في أرجوزته:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
ويقول الآخر:
لقد هاج الفراغ عليه شغلاً وأسباب البلاء من الفرا غ
يعني بالشغل الذي هاجه الفراغ عليه: شغل القلب وتعلقه بالشهوات وأحلام اليقظة، مما لا يثمر إلا سوء العواقب في الآخرة والأولى.
تزايد الجريمة بسبب الفراغ:
عندما نقف على نتائج الفراغ المفسدة فإننا نصاب بالذهول وتنتابنا حالات الاستغراب والتفكير، هل يصل الأمر بالأسرة وأفرادها والمجتمعات إلى هذا المعدل من تزايد الجرائم والمنكرات والفساد؟!!
الجواب: نعم والسبب الوحيد هو الفراغ القاتل.
يقول جورج لوند بيرغ في كتابه (البطالة): إن أيام البطالة هي عبارة عن الأيام التي نكون فيها أحراراً من أوضح وأهم الوظائف التي نأخذ على أدائها أجراً أو الملتزمين بأدائها. وجاءت قضية البطالة بأثر تطور الاختراعات التي خفضت عمل الإنسان أكثر من السابق.
في عام (١٨٤٠م) بلغت ساعات أسبوع العمل لكل عامل نحو (٨٤ ساعة)، بينما جرى تقليلها عام (١٩٣٠م) إلى خمسين ساعة وأقل، وانخفضت ساعات العمل الأسبوعي في كثير من البلدان إلى (40 ساعة)، ويحتمل أن تخفض إلى مستوى أقل أيضاً.
العمل والنشاط كان في سالف الزمان هو المحور الأساس والهدف الرئيس للحياة الاجتماعية في رأي الناس، أما التسلية والترفيه فكان أمراً ثانوياً لا ضرورة له.
ذلك أن الأعمال آنذاك كانت تؤدى باليد وبقوة الإنسان المحدودة، وبالنتيجة لم يكن الإنتاج وفيراً، فيما تفرض ضرورة الحياة المزيد من العمل من أجل إنتاج أكثر.
وكان الإنسان في الماضي يضطر للقيام بأعمال صعبة ومتواصلة لتأمين حاجياته الأساسية، وبالتالي كان ينظر إلى العمل نظرة احترام وإلى البطالة نظرة اشمئزاز، إلا أن الأوضاع تغيرت كلياً في الوقت الحاضر ولا يستطيع الإنسان أن ينظر اليوم بنفس نظرة الاحترام القديمة تلك إلى العمل، بسبب قدرة إنتاجه أكثر من معدل استهلاكه، ببذل جهد ووقت أقل من السابق. وعلى إله العمل أن يهبط من عرش جلاله وجبروته العريق ويقدم مكانه إلى إله الترفيه.
علينا أن ندرك هذه النقطة، وهي أن أيام البطالة أي الأيام التي يجب أن تقضى بالترفيه والراحة هي فقط تلك الفترة التي تجعل من الحياة حياة تستحق العيش فيها، وإننا نطيق الأيام الأخرى فقط لأنها تؤثر في إغناء أيام البطالة والفراغ وتعطيها القيمة والأهمية".
انتشار الجرائم بسرعة مذهلة:
يقول رئيس وزراء الهند الاسبق نهرو في (أفكار نهرو): إن ساعات الفراغ والبطالة هي من أهم القضايا التي تواجهنا والتي ستطرح في المستقبل، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وسائر البلدان المتقدمة اقتصادياً، والتي تسير صناعاتها وشؤونها الاقتصادية الآن نحو التطور وبشكل واسع.
وليست هذه القضية مطروحة على بساط بحث البلدان النامية كالهند مثلا، مثلما هي مطروحة في الولايات المتحدة، وفي أوروبا خاصة في الدول الاسكندنافية، وفي أمريكا فهي الأشد من بين بقية البلدان، وستتخذ على ما يبدو في المستقبل شكلاً أوسع.
نقرأ في الصحف الصادرة في مختلف أنحاء العالم موضوعات حول الفساد والجرائم عند الشباب، والانحطاط العام في المبادئ الأخلاقية والانضباط الروحي للبشرية التي تحصل في المجتمعات الثرية والأكر ترفاً.
ما العمل إزاء هذه القضية الجديدة لاستغلال ساعات الفراغ؟ إن العثور على جواب لهذا السؤال ينطوي على أهمية كبيرة، ذلك لأننا إن لم نعالج القضية بنحو صحيح فسيحل نوع من الانحلال الروحي والأخلاقي في الحضارة نفسها.
عندما تحل قضية البطالة، تتقدم قضية تالية وأكبر من الأولى وهي استغلال وقت الفراغ. وطالما كان الإنسان منهمكاً بالعمل، ويسعى من أجل الحياة سواء أكان السعي منهكاً عسيراً نظير أعمال بلدنا، أو كان أكثر سهولة كما هو الحال في البلدان المتطورة، فإنه يكون مشغولا. ولكن حينما تحل قضاياهم الاقتصادية والاجتماعية وترفع عن كاهله حمل العمل الثقيل، بسبب تطور الماكنة، فإننا نواجه قضايا جديدة لا سابقة لها أبداً. كقضايا جرائم الشباب والاغتصاب الجنسي وازدياد القتل وشيوع استخدام المشروبات الكحولية وتمرد القوى المدمرة والفوضى ومئات الميكروبات الأخرى التي تسبب المرض النفسي والانحطاط الأخلاقي".
يقول صاموئيل كونيغ: بسبب خفض ساعات العمل في السنوات الأخيرة، فقد تحولت التسلية أو نشاط ساعات الفراغ، إلى قضية اجتماعية حياتية، واسترعت اهتمام الكثير من الباحثين.
وتقول دراسات هؤلاء العلماء أن اختلالات ستحصل في حياتنا أو في شخصياتنا، طالما لم نستطع استغلال أوقات فراغنا المتزايدة بشكل عقلاني. فالإنسان بطبعه كان يميل إلى الحصول على وقت فراغ أكبر، لكنه واجه هذا الخطر وهو سعة أوقات فراغه أكثر مما يستوعبه، ويخشى أن يجلب أخطاراً كبيرة تمدده وتمدد المجتمع بسبب عدم قدرته على استغلال هذا الوقت بشكل حكيم، ولهذا أصبحت قضية قضاء ساعات البطالة اليوم من أصعب القضايا التي واجهتها حتى الآن معظم المجتمعات.
الفراغ وانهيار الأسرة أخلاقياً:
يقول ويل ديورانت: وكما كانت ثروة عصر النهضة سبيلاً إلى تحريره وحريته وفنونه، كذلك ثروة العصر الحاضر السائد في كل مكان، والتي فاقت كل ثروة أدبية، هي التي بدلت قانون الحجاج القاسي بتساهل النفوس المتحررة. ويعد تغير أيام الآحاد عندنا من أيام راحة وعبادة إلى رحلات وأفراح وثنية لا حد لها، دليلاً واضحاً على تبدل أخلاقنا وحياتنا المتحررة. ومن الأسهل أن يكون الإنسان فاضلاً حين يكون فقيراً، ويقدر أن يقاوم الإغراء في بعض الأحيان إذا كان فادح الثمن. ولكن دع جيوبنا تتضخم بالمال، ودع عزلة الناس تحجبنا عن أعين الجيران، وسوف نلتمس نسيان الهموم في وجوه الحسان، ونتحرق لإظهار رجولتنا لقلوبنا ذاتها.
ومن العبث أن يرثي علماء الأخلاق لحال رفاهيتنا الحديثة في الزينة والمزاج، فهذا الأمر يقوم على دوافع كانت موجودة على الدوام، وتجد الآن أمامها فرصة نادرة للظهور. وستظل النتيجة على ماهي عليه حتى تغير الظروف الاقتصادية من هذه الحال. فما دام نظام الآلات يضاعف أوقات الفراغ، ويستبدل الأعمال اليدوية بالأعمال العقلية، فإن الطاقة التي كانت تصرف مع الأعمال الجسمانية سوف تصعد إلى الدم، وتجعلنا في غاية الحساسية للمؤثرات الجنسية.
"إن نشاط أوقات الفراغ الذي كان في الماضي محدوداً بالبيت وذا بعد اختياري، تعرض لتغيرات مدهشة إثر الهجرة الكثيفة للقرويين إلى المدن، والاختراعات الكبرى كالسيارة والسينما والمذياع والتلفزيون، وللأسف فإن القضايا الناجمة عن زيادة أوقات الفراغ لم تعط الأهمية الكبيرة من جانب علماء الاجتماع كما يقول (لوندبيرغ) في كتابه، لأن علماء الاجتماع لا زالوا تحت وقع ذات النظرية الاقتصادية القديمة التي تعتبر الإنتاج أهم من الاستهلاك، وتهتم بالعمل أكثر من البطالة، ويبدو أن البطالة تكسب أهمية أعلى يوماً بعد آخر.
ويرى بعض علماء الاجتماع أن البطالة بمثابة موضوع عاطفي، ويضعونه خارج إطار بحوثهم العلمية، بينما القضية معكوسة تماما، حيث يجب أن تستحوذ هذه القضية على كامل اهتماماتهم، لأن البحوث العلمية هي وحدها القادرة على توضيح ما سيفعله الإنسان في أوقات بطالته، مما يؤمن له أقصى حد يمكن من النفع، ويمكن القول أيضاً أن كيفية قضاء أوقات الفراغ يعكس إلى حد ما حضارة أي شعب»(2).
_________________________________
(1) راجع كتاب الوقت ص54.
(2) راجع للمزيد من المعرفة كتاب الشباب بين العقل والعاطفة ج٢ ص385.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|