أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-10-2017
1554
التاريخ: 3-9-2017
1774
التاريخ: 7-8-2017
2194
التاريخ: 17-9-2017
1596
|
سالم بن مكرم أبو خديجة (1):
سالم بن مكرم المعروف بأبي خديجة، أحد مشاهير رواة أصحابنا، وقد اختلف في وثاقته وضعفه، فقد حكى الكشي (2) عن العيّاشي أنّه سأل علي بن الحسن بن فضال عن أبي خديجة: أنه ثقة؟ فقال: (صالح).
وظاهره أنّه لم يكن يرتقي به إلى مرتبة الوثاقة وإن كان يقرُّ بصلاحه. ولكن النجاشي (3) وثّقه مرتين.
ووردت (4) رواية ابن أبي عمير عنه في بعض الأسانيد، مما يقتضي كونه ثقة عنده أيضاً. ولكن الشيخ نصّ في الفهرست (5) على ضعفه،
وقال في موضع من الاستبصار (6): إنّه (ضعيف عند أصحاب الحديث لما لا احتياج إلى ذكره).
ولهذا التضارب في آراء الرجاليّين بشأن وثاقة الرجل وضعّفه توقّف في قبول رواياته غير واحد منهم العلامة (قدس سره) (7)، بل بنى بعضهم على كونه ضعيفاً كالمحقق الأردبيلي (طاب ثراه) (8).
ولكن رجّح جمع من المتأخرين وثاقته وأجابوا عن تضعيف الشيخ (قدس سره) إيّاه بوجوه:
(الوجه الأول): ما ذكره المحقق التستري (قدس سره) (9) من أن الشيخ قد وثق أبا خديجة في بعض المواضع ــ كما حكاه عنه العلامة (10) ــ فيتعارض تضعيفه وتوثيقه ويتساقطان فيؤخذ بتوثيق النجاشي.
وهذا الوجه أشار إليه السيد الأستاذ (قدس سره) في المعجم (11) واستغربه قائلاً: إنه لا وجه لجعل المعارضة بين خبري الشيخ والأخذ بخبر النجاشي، بدعوى أنه لا معارض له، وهل هو إلا نظير ما لو ورد خبر عن زرارة يدل على حرمة شيء وخبر آخر عنه يدل على حليّته وخبر عن محمد بن مسلم يطابق الخبر الثاني، فيقال بتعارض خبري زرارة وتساقطهما والأخذ بخبر محمد بن مسلم. مع أن هذا واضح الفساد.
ولكن الملاحظ أنه (قدس سره) قد تبنى هذا الوجه في بعض بحوثه الفقهية قائلاً (12) في تقريبه: (إن تضعيف الشيخ إن كان مقارناً لتوثيقه زماناً كما لو فرضنا أنه وثقه وضعفه في وقت واحد فلا يمكن أن يشمل دليل الحجية شيئاً من تضعيفه وتوثيقه لتعارضهما، ودليل الاعتبار لا يشمل المتعارضين. إذاً يبقى توثيق النجاشي سليماً عن المعارض، وإذا فرضنا أن تضعيفه كان صادراً قبل توثيقه لم يكن أيضاً مورداً للاعتبار، لأن توثيقه بعد التضعيف عدول عن تضعيفه السابق لا محالة لعدم احتمال أن الرجل عند الشيخ ثقة وضعيف، لوضوح أن الثابت عنده أحدهما، فالتوثيق المتأخر منه عدول عن تضعيفه. كما أن تضعيفه لو كان صادراً بعد توثيقه لكان ذلك عدولاً عن توثيقه السابق ومعارضاً لتوثيق النجاشي. وحيث لم يعلم تاريخهما وأن المتأخر أيهما اندرج ذلك في الشبهات المصداقية للتضعيف، لعدم ثبوت تضعيف الشيخ وعدوله عن توثيقه، كما لم يثبت عدوله عن تضعيفه فلا يعتمد معه على شيء من قولي الشيخ فيرجع إلى توثيق النجاشي من دون معارض في البين).
ثم إنّه (قدس سره) عدل في موضع لاحق عن هذا البيان قائلاً (13): (إنّه وإن كان صحيحاً في نفسه إلا أنّه إنّما يتمّ فيما إذا لم يصدر المتأخر منهما حال غفلته عما ذكره أولاً، فإن مع التوجه والالتفات إليه لم يعقل صدور ضده أو نقيضه إلا عدولاً عما ذكره أولاً. وأما مع احتمال كونه غافلاً عما ذكره أولاً فلا يمكننا الحكم بأن المتأخر عدول عن سابقه لمكان غفلته، وذلك لأن التشبث بأصالة عدم الغفلة إنما يصح فيما إذا شككنا في أن كلاً من تضعيفه وتوثيقه هل صدر عنه مع الغفلة أو الالتفات. وبها نبني على أنه ضعفه مع الالتفات إليه ووثقه كذلك، وأما إنه عندما أخذ بتضعيفه مثلاً مع الالتفات لم يكن غافلاً عن الأمر المتقدم عليه فهو مما لا يمكن إثباته بأصالة عدم الغفلة عند العقلاء).
أقول: في أصل التقريب المذكور وما أجاب (قدس سره) به عنه إشكال. والصحيح أن يقال: إنه إذا بني على حجية قول الرجالي من باب حجية رأي أهل الخبرة ــ نظير فتوى الفقيه ونظر الطبيب ــ فالمتعين مع عدم العلم بتاريخ التوثيق والتضعيف هو البناء على سقوطهما ويبقى توثيق الآخر بلا معارض، نظير ما لو صدر من الفقيه فتويان تارة بالحلِّ وأخرى بالحرمة ولم يعلم المتقدم والمتأخر منهما ولم يتيسر استعلام الحال فإنه لا عبرة بشيء منهما ويرجع في المسألة إلى فقيه آخر. ولا فرق في ذلك بين أن يحرز أن الفقيه الأول كان ملتفتاً إلى الفتوى الأولى عند صدور الفتوى الثانية منه أو لا، فإن العبرة عند العقلاء في آراء أهل الخبرة إنما هو بالرأي الأخير سواء مع الالتفات إلى أنه صدر منه رأي مخالف له من قبل أو لا، ولا أثر لصدق عنوان العدول وعدمه مما ذكره (قدس سره) ــ من أنه إذا لم يكن ملتفتاً إلى كلامه الأول لا يعدّ ذلك عدولاً منه ليؤخذ بالأخير بل يتعارضان عندئذٍ ــ مما لا يمكن المساعدة عليه، فإنه يتعين في كل الأحوال الأخذ بالرأي الأخير وعدم الاعتداد بما سبقه.
وإنّ بني على حجية قول الرجالي من باب حجية خبر الثقة في الموضوعات على أساس استناده عادة إلى نقل كابر عن كابر ــ كما هو مبنى السيد الأستاذ (قدس سره) ــ فالمتعين وقوع التعارض بين التضعيف وبين التوثيقين حتى مع العلم بتاريخ التوثيق والتضعيف الصادرين من الرجالي الأول وكون التوثيق متأخراً عن التضعيف، فإن من أخبر عن واقعة حسية ــ مع الواسطة أو بلا واسطة ــ ثم أخبر عن نفس تلك الواقعة بخلاف الخبر الأول لا يعتد العقلاء بخبره الثاني لمجرد تأخره سواء أكان ملتفتاً حينذاك لما أخبر به أولاً أو لا. نعم إذا حصل الوثوق بوقوع الاشتباه في الخبر الأول ولو من جهة اعترافه بخطأ منشأه فهو أمر آخر، وإلا فيتعامل معهما معاملة الخبرين المتعارضين. والظاهر أن الخبر الصادر من الشخص الآخر موافقاً لمضمون أحد الخبرين يكون أيضاً طرفاً في التعارض مع الخبر الآخر لا أنه يتساقط الخبران المتعارضان من الشخص الأول ويُعتمد على ما صدر من الثاني.
والحاصل: أنه لو بني على حجية قول الرجالي من باب حجية آراء أهل الخبرة فالصحيح في المقام ما ذهب إليه المحقق التستري (قدس سره) من تعارض قولي الشيخ وتساقطهما والأخذ بما ذكره النجاشي من التوثيق.
وليس الوجه فيه ما ذكره السيد الأستاذ (قدس سره) في الموضع الأول من بحوثه الفقهية ليرد عليه ما ذكره في المورد الثاني، بل الوجه فيه هو أن العبرة في آراء أهل الخبرة بالرأي الأخير مطلقاً فإذا كان لأحدهم رأيان ولم يعلم المتقدم والمتأخر منهما فلا عبرة بأيهما، لاندراج ذلك في الشبهة المصداقية للتوثيق والتضعيف.
وأمّا لو بني على حجية قول الرجالي من باب حجية خبر الثقة في الموضوعات فالصحيح وقوع التعارض بين تضعيف الشيخ وبين توثيقه وتوثيق النجاشي، وليس ذلك من جهة عدم العلم بالمتقدم والمتأخر من تضعيف الشيخ وتوثيقه كما ذكره (قدس سره) في الموضع الآخر من بحوثه الفقهية، بل حتى لو علم أن التوثيق كان متأخراً عن التضعيف لم يختلف الحال عما ذكر كما تقدم.
هذا ولكن كلا المبنيين المذكورين في حجية أقوال الرجاليين غير تام كما مرّ في الفصل الأول (14)، بل الصحيح أن قول الرجالي إنما هو من مبادئ حصول الاطمئنان بحال الراوي، وبذلك يتبين أنه لو لم يكن هنا مؤشر إلى خطأ ما صدر من الشيخ (قدس سره) من تضعيف أبي خديجة فإنه لا سبيل إلى الاطمئنان بوثاقته ليبني على ذلك.
ثم إنّ ما حكاه العلّامة (قدّس سره) من توثيق الشيخ لأبي خديجة في موضع آخر غير الموضع الذي ضعفه فيه مما يصعب الاعتماد عليه، فإن المتتبع لطريقة العلامة (قدس سره) في تأليف الخلاصة يعلم أنه ليس من دأبه مراجعة ما عدا الفهرست والرجال واختيار الكشي من سائر كتب الشيخ في البحث عن أحوال الرواة فالمظنون قوياً وقوع اشتباه في البين، ولعله وجد التوثيق في نسخته من رجال الشيخ ولكن لا مجال للأخذ به بعد خلو النسخ الأخرى عنه حتى نسخة ابن داود التي يظهر من مواضع من كتابه أنها كانت بخط الشيخ (قدس سره)، فليتأمّل.
ونظير هذا ما حكاه الفاضل الخاجوئي (15) من تضعيف البرقي لأبي خديجة مع خلو النسخ المتداولة من رجال البرقي عن ذلك.
(الوجه الثاني): ما أشار إليه المحقق البهبهاني (قدس سره) في بعض كلماته (16)، وذكره أيضاً المحقق التستري (قدس سره) (17) وهو الذي اختاره السيد الأستاذ (قدس سره) (18) أخيراً من أن الشيخ (قدس سره) قد اشتبه عليه سالم بن مكرم بسالم بن أبي سلمة فاعتقد اتحادهما، وحيث إن الثاني كان ضعيفاً ضعف الأول أيضاً.
وتوضيحه: أنّه قد حكى الكشي (19) بإسناده عن أبي خديجة سالم بن مكرم أنه قال له أبو عبد الله (عليه السلام): ((لا تكتنِ بأبي خديجة))، فقال له: فبم اكتني؟ فقال (عليه السلام): ((بأبي سلمة)).
وقد ذكر غير واحد من المؤرخين والرجاليين كالنوبختي والبرقي والنجاشي (20) أنه كان يكنى بأبي سلمة في جنب كنيته بأبي خديجة، وقد ورد هذا في أسانيد عدد من الروايات أيضاً (21).
ولكن ذكر الشيخ (قدس سره) (22) أنّ أبا سلمة كنية لمكرم والد سالم، وهذا هو المطابق مع ما ورد في بعض الأسانيد (23).
والظاهر أنّ الأول هو الصحيح، وأن ما ذكره الشيخ (قدس سره) اشتباه منه أو من بعض من تقدمه من أصحاب الفهارس أو غيرهم، وأما ما ورد في بعض الأسانيد من التعبير بـ(سالم بن أبي سلمة) فيبدو أن لفظة (بن) فيه حشو، والصحيح: (سالم أبي سلمة).
ومهما يكن فمن المؤكد أن الشيخ حين ضعّف أبا خديجة سالم بن مكرم في كتاب الفهرست كان بانياً على كون أبي سلمة كنية لمكرم والد سالم، وأن سالم بن مكرم هو سالم بن أبي سلمة لا غير.
هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن كلاً من ابن الغضائري والنجاشي (24) ترجم لسالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني، وضعّفه الأول وقال الثاني: (حديثه ليس بالنقي، وإن كنا لا نعرف منه إلا خيراً)، ثم روى كتابه عن عدة من أصحابنا.
قال السيد الأستاذ (قدس سره) (25): (ومع ذلك لم يتعرض له الشيخ حتى في رجاله، مع أن موضوعه أعم مما في الفهرست، أفهل يمكن أن العدة المخبرين للنجاشي بكتاب سالم بن أبي سلمة لم يخبروا الشيخ، فلم يعلم الشيخ لا بنفسه ليذكره في رجاله، ولا بكتابه ليذكره في فهرسته؟! فينحصر سرّ عدم تعرضه له في تخيله أنه هو سالم بن مكرم، فإنه اعتقد أن مكرماً كنيته أبو سلمة، وقد تعرض له في الفهرست والرجال. وعليه فيكون تضعيفه لسالم بن مكرم مبنياً على أنه متحد مع سالم بن أبي سلمة الذي مرَّ كلام النجاشي وابن الغضائري فيه، وحيث إنه (قدس سره) أخطأ في ذلك، فإن سالم بن أبي سلمة رجل آخر غير سالم بن مكرم فالتضعيف لا يكون راجعاً إلى سالم بن مكرم الذي ليس بابن أبي سلمة بل هو نفسه مكنى بأبي سلمة، فتوثيق النجاشي ومدح ابن فضال يبقى بلا معارض).
أقول هنا أمور ينبغي الالتفات إليها:
1 ــ الظاهر أن مصدر النجاشي (قدس سره) فيما ذكره من كتاب سالم بن أبي سلمة هو فهرست ابن قولويه، فإنه قد عدَّ الشيخ (26) من مؤلفاته فهرست ما رواه من الكتب والأصول، ويبدو أن هذا الفهرست كان موجوداً لدى النجاشي، فإنه روى فيما يزيد على خمسين مورداً عن ابن قولويه بطريق جمع من مشايخه منهم المفيد والغضائري وابن نوح.
وأمّا الشيخ فيبدو أنّه لم يكن لديه هذا المصدر المهم حين تأليفه لفهرسته، ولذلك لم يرو فيه عن طريق ابن قولويه إلا في أربعة أو خمسة مواضع، ولو كان فهرسته عنده لما اقتصر في النقل عنه على هذه الموارد فقط.
وبذلك يظهر الجواب عما أفاده السيد الأستاذ (قدس سره) من أنه (هل يمكن أن العدة المخبرين للنجاشي بكتاب سالم بن أبي سلمة لم يخبروا الشيخ..) فإن تأليف الشيخ والنجاشي لكتابيهما لم يكن مبنياً على التلقي الشفهي من المشايخ بل اعتماداً على ما كان لديهما من فهارس الأصحاب وإجازاتهم، ومن المعلوم لدى الممارس أن بين مصادر النجاشي ومصادر الشيخ عموماً من وجه، ولذلك يلاحظ أن هناك غير واحد ممن ترجم له النجاشي وذكر كتابه ممن لم يرد ذكره في كتاب الشيخ ويوجد العكس ولكنه قليل.
2 ــ إنّ الشيخ (قدس سره) (27) قد ترجم لمحمد بن سالم بن أبي سلمة السجستاني وذكر أن له كتاباً، ورواه عن ابن أبي جيد. وصرح النجاشي (28) أن الكتاب المنسوب إلى محمد بن سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني إنما (هو كتاب أبيه، رواه عنه). ولذلك فإن من القريب جداً أن عدم ترجمة الشيخ لسالم بن أبي سلمة السجستاني وذكر كتابه في الفهرست إنما كان من جهة خلو مصادره عن نسبة الكتاب إلى الأب بل كونه منسوباً فيها إلى الابن فأورده كذلك.
3 ــ إنّ عدم ذكر الشيخ لسالم بن أبي سلمة السجستاني في رجاله لا يقتضي بوجه أنه اعتقد اتحاده مع سالم بن مكرم، فإن الملاحظ أنه قد فاته فيه
ذكر الكثير من الرواة حتى الذين ذكرهم بنفسه في الفهرست كمحمد بن سالم بن أبي سلمة السجستاني، فإنه لم يذكره في رجاله مع أنه ترجم له وذكر كتابه في فهرسته.
ولا يبعد أن يكون الوجه في عدم ذكر سالم بن أبي سلمة السجستاني في كتاب الرجال هو عدم ورود اسمه في المصادر التي كانت في متناول يده عند تأليفه له ومنها أسانيد الروايات، فإن ما وصل إلينا منها خالٍ عن ذكره. نعم ذكر في بعض الموارد (سالم بن أبي سلمة) كما تقدم. ولكن مرَّ أن الصحيح فيها (سالم أبي سلمة).
4 ــ إنّ ما ذكره الشيخ (قدس سره) من أنّ أبا سلمة كنية لمكرم والد سالم وإن كان اشتباهاً على الظاهر كما تقدم إلا أنه لم يعلم كون الاشتباه منه (قدس سره)، ولعله من بعض مصادره، فإنه روى كتاب سالم بن مكرم بثلاثة طرق أحدها طريق الصدوق والآخر طريق الغضائري والثالث طريق ابن أبي جيد، ويحتمل أنه وجد ذلك في أحد المصادر الثلاثة.
5 ــ إنّ الشيخ (قدس سره) وإن بنى على كون أبي سلمة كنية لمكرم والد سالم إلا أن احتمال كون تضعيفه للرجل مبنياً على اتحاده مع سالم بن أبي سلمة المضعّف غير صحيح، ولا أقل من أنه غير مدعوم بشاهد يذكر، فإن سالم هذا سجستاني كما صرح الشيخ نفسه بذلك في ترجمة ولده محمد، في حين أن سالم بن مكرم كوفي مولى بني أسد كما صرح بذلك في كتاب الرجال (29) فكيف يتوهم (قدس سره) اتحاد العنوانين؟!
بل يمكن أن يقال: إنّ من يتتبع طريقة الشيخ (قدس سره) في تأليف الفهرست يرى أنه كان يورد ما يجده في مصادره كفهرست ابن عبدون وفهرست الصدوق وفهرست ابن النديم وفهرست ابن بطة وفهرست حُميد بن زياد تحت عنوان واحد إذا كان الاتحاد أمراً واضحاً تماماً، وأحياناً يغفل فيكرر العنوان الواحد كما في إبراهيم بن محمد الأشعري وإسماعيل بن أبان ومحمد بن إسحاق بن عمار ومحمد بن إسماعيل بن بزيع ومحمد بن بندار بن عاصم الذهلي وغيرهم.
وأمّا مع وجود أدنى شك في وحدة المراد من العناوين المذكورة في الفهارس فيورد كل واحد منها على حدة، وأحياناً يعقب ذلك بالتنبيه على احتمال الاتحاد، كما صنع ذلك في فضيل الأعور وفضيل بن عثمان الصيرفي قائلاً (30): (وأظن أنّهما واحد).
هذه هي طريقة الشيخ في كتاب الفهرست، ومقتضاها أنه لو كان قد وجد ذكراً لسالم بن أبي سلمة السجستاني في بعض الفهارس أن يفرد له ترجمة مستقلة لا أن يدمجها في ترجمة سالم بن مكرم لمجرد الاتحاد بينهما في الاسم وكنية الأب.
والحاصل: أنّه لا سبيل إلى البناء على أن تضعيف الشيخ (قدس سره) لسالم بن مكرم إنما هو من جهة توهم اتحاده مع سالم بن أبي سلمة السجستاني، فتدبّر.
(الوجه الثالث): ما نبه عليه المحقق البهبهاني (قدس سره) (31) حيث ذكر قول الشيخ في الاستبصار من (أن أبا خديجة ضعيف عند أصحاب الحديث لما لا احتاج إلى ذكره). وعقب عليه بقوله: (وهذا يشير إلى أن سبب الضعف شيء معروف عندهم كنفسه، وغير خفي أنه ليس شيء معروف إلا ما نقله الكشي).
ومقصوده هو ما ذكره الكشي (32) من (أن سالم كان من أصحاب أبي الخطاب، وكان في المسجد يوم بعث عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس ــ وكان عامل المنصور على الكوفة ــ إلى أبي الخطاب لما بلغه أنهم قد أظهروا الإباحات ودعوا الناس إلى نبوة أبي الخطاب، وأنهم يجتمعون في المسجد ولزموا الأساطين يورون الناس أنهم قد لزموها للعبادة، وبعث إليهم رجلاً فقتلهم جميعاً لم يفلت منهم إلا رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى يعدُّ فيهم، فلما جنَّه الليل خرج من بينهم فتخلص، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال الملقب بأبي خديجة، فذكر بعد ذلك أنه تاب وكان ممن يروي الحديث).
ما أفاده (قدس سره) من كون منشأ تضعيف الشيخ لأبي خديجة هو كونه من أصحاب أبي الخطاب قبل مقتله قريب جداً، ولكنه لا يصلح وجهاً للخدش في وثاقته، فإن الرجل بقي بعد ذلك التاريخ مدة غير قصيرة كان فيها من أصحاب الصادق (عليه السلام) ثم أصحاب الكاظم (عليه السلام). ومن الواضح أن رواية ابن أبي عمير عنه كان بعد وفاة الصادق (عليه السلام)، كما أن شهادة علي بن الحسن بن فضال بصلاحه تكشف عن صحة ما ورد في ذيل خبر الكشي من أنه تاب بعد ذلك. ولعل في تأكيد النجاشي على وثاقته بتوثيقه مرتين إشارة إلى الرد على ما ذكره الشيخ في الفهرست من تضعيفه، فإن الممارس يعلم أنه كان ناظراً إلى فهرست الشيخ، فتدبّر.
والحاصل: أنّ الأقرب هو ما بنى عليه جمع من محقّقي المتأخرين من وثاقة أبي خديجة سالم بن مكرم، والله العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|