أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-8-2021
5785
التاريخ: 17-5-2016
9823
التاريخ: 2023-10-09
1533
التاريخ: 1-6-2016
22758
|
لعل مبدأ حسن النية كان في بادئ الامر يلقي على المتعاقد موقفاً سلبياً اي عدم اقترافه مسلكا ينطوي على سوء نية ، ثم تطور الامر واضحى المبدأ هذا يرتب على المتعاقد موقفاً ايجابياً يتمثل بالتعاون وعدم الاكتفاء بالامتناع عن سوء النية ، ذلك ان العقد ليس محض ثمرة للتوفيق بين ارادتين مختلفتين تعبران عن مصالح متعارضة ، وانما يجب ان ينظر إلى العقد على انه الوسيلة القانونية للتعاون بين الطرفين (1).
وعليه لا يقف الأمر عند قيام المدين بالضمان بالعيوب الخفية بتسليم المعقود عليه إلى الدائن بالضمان وانما يفرض عليه ان يمنحه الافادة من محل العقد على الوجه الذي سعى إليه من خلال الرابطة التعاقدية ، ذلك أن التزام المدين بالضمان بنقل ملكية الشيء أو الانتفاع به وبالتسليم لن تتحقق الفائدة المرجوة منه اذا وجدت اسباب من شأنها أن تؤدي إلى القضاء على الفائدة المرجوة من الشيء أو التقليل منها إلى حد يجعل من انتقال الملكية أو الانتفاع بالشيء إلى الدائن بالضمان عديم الجدوى أو قليلها ، ويتحقق هذا عندما يكون الشيء محل العقد معيبا بعيوب تعطي للدائن بالضمان الحق في الرجوع على المدين بضمان هذه العيوب الخفية (2)، ومن خلال استقراء نص المادة (559) من القانون المدني العراقي والمقابلة للمادة (447) من القانون المدني المصري قد نصت على أنه " لا يضمن البائع عيبا قديما كان المشتري يعرفه أو كان يستطيع ان يتبينه لو أنه فحص المبيع بما ينبغي من العناية ، والتي اكدت مضمونها محكمة التمييز الاتحادية في قرار لها جاء فيه ) كون السيارة المبيعة هي موديل 1955 وليست 1959 هو من العيوب التي يمكن للمشتري تبينه بنفسه لو فحص المبيع بما يجب من العناية هذا بالإضافة الى اطلاع المشتري على شهادة التسجيل التي ذكر فيها كون السيارة موديل 1955 وعليه تنطبق المادة 559 ولا يضمن البائع العيب المذكور ) (2) ، ونص في المادة (757) من القانون المدني العراقي على انه " لا يضمن المؤجر العيب اذا كان المستأجر قد اخطر به أو كان يعلم به وقت التعاقد ، وكذلك لا يضمن المؤجر العيب اذا كان يسهل على المستأجر ان يتحقق وجوده" وما نصت عليه المادة (2/576) من القانون المدني المصري حيث نصت على انه " ومع ذلك لا يضمن المؤجر العيب اذا كان المستأجر قد اخطر به او كان يعلم به وقت التعاقد"، اما بالنسبة للقانون المدني الفرنسي ، فأننا نستنتج استلزام عدم علم المشتري بالعيب مما أوردته المادة (1641) من القانون المدني الفرنسي في اخرها ، إذ جاء فيها انه " يكون البائع ملزما بالضمان بسبب العيوب الخفية في الشيء المبيع والتي تجعله غير صالح للاستعمال الذي خصص له ، أو التي تنقص بشدة هذا الاستعمال بحيث ان المشتري ما كان ليشتريه أو ما كان يدفع فيه إلا ثمنا اقل لو علم بها (3) ، يتبين لنا ان المدين بالضمان لا يسأل عن العيب الظاهر ولكنه يسأل فقط عن العيب الخفي ويكون العيب خفيا اذا كان لا يمكن للدائن بالضمان اكتشافه بالفحص المعتاد أو لا يمكن اكتشافه الا بعد تجربة الشيء محل العقد فترة من الوقت، فالعيب لا يعد خفيا اذا لم يطلع عليه الدائن اذا كان من الممكن الاطلاع عليه بالفحص المعتاد أو اذا كان مثل هذا العيب يوجد في امثال المبيع عادة (4).
ان المدين بالضمان ملزم ببيان ما خفي من العيوب التي يعلمها والتي لا يستطيع الدائن بالضمان أن يكتشفها بذاته لو قام بفحص الشيء فحصاً عادياً، وقد ذهب البعض من الفقه القانوني إلى القول بعدم سوء نية المدين بالضمان إذا تجنب استعمال وسائط الغش لإخفاء العيب الموجود في المعقود عليه ، إذ أن دراية المدين بالضمان بالعيب من غير تعمد إخفاء هذا العيب لا يعد سوء نية لدى المدين بالضمان ، ايضاً لو كان المدين بالضمان عالما بوجود العيب وسكت عنه ولكنه لم يتعمد اخفائه عن الدائن بالضمان إذا كان هذا السكوت في ظروف تعاقد لا تلزمه بالإعلام عن عيوب المعقود عليه ، اما اذا كانت ظروف التعاقد تحتم على المدين بالضمان الادلاء بالمعلومات وعدم الصمت عما يعتري المعقود عليه من عيوب وسكت عن ذلك فانه يعد سيء النية وفي هذه الحالة لا بد من رد قصد المدين عليه وعدم السماح له بالانتفاع من سوء نيته (5).
ونجد ان هنا ان المشرع في القوانين المقارنة قد وضع جملة من الإجراءات على الدائن بالضمان للحصول على حقه وهو ما نصت عليه المادة (560) من القانون المدني العراقي على انه "1- اذا تسلم المشتري المبيع وجب عليه التحقق من حالته بمجرد تمكنه من ذلك وفقا للمألوف في التعامل، فاذا كشف عيبا يضمنه البائع وجب عليه ان يبادر بإخباره عنه، فإن أهمل في شيء من ذلك عُد قابلا للمبيع .2 أما اذا كان العيب مما لا يمكن الكشف عنه بالفحص المعتاد ثم كشفه المشتري وجب عليه ان يخبر به البائع عند ظهوره وإلا اعتبر قابلاً للمبيع " ، وما نصت عليه المادة (449) من القانون المدني المصري 1- إذا تسلم المشتري المبيع وجب عليه التحقق من حالته بمجرد أن يتمكن من ذلك ، وفقا للمألوف في التعامل ، فإذا كشف عيبا يضمنه البائع وجب عليه أن يخطره به خلال مدة معقولة ، فان لم يفعل أعتبر قابلا للمبيع.
2-أما إذا كان العيب مما لا يمكن الكشف عنه بالفحص المعتاد ثم كشفه المشتري ، وجب عليه أن يخطر به البائع بمجرد ظهوره ، وإلا أعتبر قابلاً للمبيع بما فيه من عيب )(6) ، عليه يتعين على المشتري القيام بفحص المبيع بمجرد تسلمه ، فاذا اهمل في ذلك سقط حقه في التمسك بالعيب المدعى به فلا يمكنه الرجوع على البائع (7) ، ويتعين ان يقع الفحص في اقرب وقت ممكن من تسلم المشتري للمبيع، كما أن على الدائن بالضمان المبادرة بأخطار المدين بالضمان بالعيب عند كشفه وعدم التراخي في اتخاذ الاجراءات اللازمة لأثبات العيب والمبادرة إلى رفع دعوى الضمان لان الابطاء في ذلك قد يجعل اثبات العيب عسيراً وقد تتعذر معرفة منشأه وهل كان موجوداً عند التسليم أو حدث بعده فيؤدي ذلك إلى المنازعات خاصة اذا كان الدائن بالضمان سيء النية (8).
وتجدر الاشارة هنا ان معلومية العيب لدى الدائن بالضمان مع قدومه على انشاء الرابطة التعاقدية على الرغم من ذلك العلم ، يشكل افتراضاً انه لا يأبه للعيب المذكر اما انه حسب رأيه لا اثر له على استعمال المعقود عليه ، وانه قد تنازل عن حقه بالرجوع على الطرف المدين بالضمان ، خاصة وانه اخذ بنظر الاعتبار ما يشوب محل العقد من بيع عند ابرام العقد وتقدير البدل الموضوع في متن العقد ، اي ان معلومية العيب وسمته بسوء النية (9).
ان افتراض تنازل الدائن بالضمان عن حقه مشروط بعلمه المشروع المبرر، اي امكانية تبين العيب الموجود في المعقود عليه لو اقدم على فحصه بعناية الشخص العادي (10)، وهذا ما نصت عليه المادة ( 1642) من القانون المدني الفرنسي التي جاء فيها ( لا يعتبر البائع مسؤولاً عن ضمان العيوب الظاهرة والتي اقتنع بها المشتري بذاته ((11) ، وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في قرار لها جاء فيه ( لا يلزم البائع بضمان المبيع اذا علم المشتري وقت البيع بالعيب الذي يصيب الشيء ) (12) ، كما واستنتجت المحكمة نفسها العلم من قيمة البدل ذاهبة الى ان العلم بالعيب ) علم مستخلص من الفرق الشاسع بين ثمن الشراء وثمن اعادة البيع )(13)، وبعد الذي ذكر ، فأن السؤال الذي لابد من اثارته هو ماهي الخيارات المتاحة للدائن بالضمان في العيب الخفي ؟ ان الاجابة يمكن تلمسها من خلال استقراء النصوص القانونية المقارنة ، اذ نصت المادة (1/558) من القانون المدني العراقي والتي جاء فيها " إذا ظهر بالمبيع عيب قديم كان المشتري مخيرا أن شاء رده وأن شاء قبله بثمنه المسمى" ، ويتضح من خلال هذا النص ان للمشتري وهو الدائن بالضمان الخيار بين رد المبيع وبين الابقاء عليه ولكن بالثمن المسمى في متن العقد ، كما نصت المادة (758) من القانون المدني العراقي على انه " 1- اذا وجد بالمأجور عيب يتحقق معه الضمان ، جاز للمستأجر ان يطلب فسخ العقد او انقاص الاجرة..." وهو ما اكدته محكمة بداءة البياع في قرار لها جاء فيه .....اذا اخل احد الطرفين بالالتزامات التي يفرضها عليه عقد الايجار ومنها التزامه بتسليم مأجور خال من العيوب التي تخل بالانتفاع به ، كان للطرف الاخر ان يطلب فسخ العقد مع التعويض ان كان له محل.....(14) ويتضح هنا ان الخيار الممنوح للدائن بالضمان وهو المستأجر عند وجود عيب في المأجور اما ان يطلب فسخ العقد او انقاص الاجرة .
اما بالنسبة لموقف المشرع المصري فنجد ان المادة (450) من القانون المدني المصري تنص على انه " إذا أخطر المشتري البائع في الوقت الملائم ، كان له أن يرجع بالضمان على النحو المبين في المادة 444، ويتبين من النص المصري انه قد طبق على ضمان العيب نفس الأحكام التي وضعها في ضمان الاستحقاق الجزئي ، أي إنه فرق بين العيب الجسيم وغير الجسيم ، فاذا كان العيب جسيما يكون للدائن بالضمان الخيار بين الرد أو ابقاء المبيع مع التعويض عن العيب طبقا لما تقتضيه القواعد العامة. وإذا لم يكن العيب جسيما فلا يكون للدائن الا التعويض عما اصابه من ضرر ، كما نصت المادة (577) من القانون المدني المصري على انه " 1- اذا وجد بالعين المؤجرة عيب يتحقق معه الضمان ، جاز للمستأجر تبعا للظروف ان يطلب فسخ العقد او انقاص الاجرة ....."، وبذلك يكون الموقف في المادة (577 ) من القانون المدني المصري موافقة لموقف المادة (758) من القانون المدني العراقي.
كما نصت المادة (1644) من القانون المدني الفرنسي على انه " في الاحوال المنصوص عليها في المادتين 1641 1643 يكون المشتري مخيراً بين رد المبيع واسترداد الثمن ، وبين بقائه والرجوع بجزء من الثمن يقدره اهل الخبرة (15) ، وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في قراراتها اذ جاء في قرار لها ( ان المشتري الذي مارس دعوى ضمان عيوب المبيع الخفية بوجه البائع ، يحق له الاختيار بين دعوى رد المبيع ودعوى تخفيض الثمن ، ويمكنه بعد ان تقدم بإحداهما ان يمارس الأخرى مالم يصدر قرار في الدعوى الأولى له قوة القضية المحكوم فيها او مالم يذعن له البائع ) (16) ، وجاء في قرار اخر للمحكمة نفسها انه ( يملك المشتري وحده حرية الاختيار بين الخيارين الواردين في المادة 1644 دون ان يلزم بتبريره ) (17) ، ويتضح من نص المادة ( 1644) من القانون المدني الفرنسي واحكام محكمة النقض الفرنسية ان الدائن بالضمان له الخيرة رد المبيع وتخفيض الثمن ، له وحده من غير ان يكون للبائع ذلك ، وحتى قاضي الموضوع ملزم باحترام خيار المشتري وهو ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في قرار لها جاء فيه ( يملك المشتري وحده حرية الاختيار بين الخيارين الواردين في المادة 1644 دون ان يكون للقاضي الاخذ بالاعتبار محاولاته في اصلاح العيوب الخفية ) (18).
وينبغي الذكر ان المشرع الفرنسي قد فرض على المدين بالضمان التزامات اضافية عن سوء نيته ، أي عندما يكون عالماً بالعيوب الخفية ، اذ الزمه بالتعويض عن الضرر الذي اصاب الدائن بالضمان وهو ما نصت عليه المادة ( 1645) من القانون المدني الفرنسي بصدد عقد البيع والتي جاء فيها ( اذا كان البائع عالما بعيوب المبيع ، يلزم اضافة الى اعادة الثمن الذي حصل عليه ، بإداء التعويض عن العطل والضرر كله الى المشتري (19) ، وهو ما قضت به محكمة النقض الفرنسية في قرار لها جاء فيه ) ان هلاك الشيء وان كان يحول دون الغاء البيع لا يمنع المشتري من حق مطالبة البائع الذي كان عالماً بعيوب المبيع بالتعويض عن العطل والضرر ) (20) اما ان كان المدين بالضمان يجهل وجود العيب فأنه يكون ملزماً بالثمن مع تسديد مصاريف العقد ، وهذا ما اكدته المادة ( 1646) من القانون المدني الفرنسي التي جاء فيها ( اذا كان البائع يجهل وجود العيب في الشيء ، لا يلزم الا برد الثمن وبتسديد مصاريف إجراءات البيع للشاري ) (21) ، وهو ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في قرار لها جاء فيه ( ان البائع الذي يجهل وجود عيب في الشيء لا يلزم الا برد ثمن البيع ومصاريفه دون ان يتوجب عليه ضمان نتائج الضرر الذي تسبب به العيب للمشتري ) (22).
اما بالنسبة للفقه الاسلامي فالموقف يمكن استقراءه من خلال اشارة الفقهاء لخيار العيب ، فنجد من الشيعة الامامية الاثني عشرية من يذهب بالقول الى ان خيار العيب هو كل ما زاد عن الخلقة الاصلية وهي خلقة اكثر النوع الذي يعتبر فيه ذاتاً وصفة او نقص عنها عيناً كان الزائد والناقص كالإصبع زائدة على الخمس ، او ناقصة منها ، ، او صفة كالحمى ولو يوماً بأن يشتريه فيجده محموماً ، أو يحم قبل القبض وان برئ ليومه ، ، فأن وجد ذلك في المبيع سواء انقص قيمته ، ام زادها فضلاً عن المساواة فللمشتري الخيار مع الجهل بالعيب عند الشراء بين الرد والارش وهو جزء من الثمن نسبته اليه مثل نسبة التفاوت بين القيمتين فيؤخذ ذلك من الثمن بأن يقوم المبيع صحيحاً ومعيباً ويؤخذ من الثمن مثل تلك النسبة (23).
وقد استدل فقهاء الامامية بعدة روايات منها : سُئِل الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا ؟ قال : إن كان الشيء قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب (24)، وعنه عليه السلام أنه قال:" إن خرج في السلعة عيب، وعَلِمَ المشتري، فالخيار اليه إن شاء ردّه وإن شاء أخذه، أو رد عليه بالقيمة ارش العيب" (25).
وقد ورد عند بعض الحنفية والشافعية (26) بأنّه كلّ ما يخلو منه أصل الفطرة السليمة مما يُعد به ناقصا عند أهل الخبرة، وضابطته عندهم هي: كل ما ينقص العين أو القيمة، أو يفوت به على المشتري غرض صحيح .
هذا ويرى الحنفية أن العيب المؤثر هو: ما أوجب نقصانا في القيمة في عرف التجار سواء نقص العين أم لم ينقصها، والمراد بالقيمة هي الثمن؛ لأنّ الثمن الذي اشترى به قد يكون أقل من قيمته بحيث لا يؤدي نقصانها بالعيب إلى نقصان الثمن، فكل ما يوجب نقصا في الثمن في عرف التجار فهو عيب، وما يوجب نقصًا في العين من حيث المشاهدة والعيان كالشكل في أطراف الحيوان، والهشم في الأواني، أو ما يوجب نقصا في منافع العين، وما لا يوجب نقصا فيها يعد فيه عرف الناس، فإن عدوه عيباً كان عيبًا والا فلا، فالمرجع إلى أهل الخبرة وهم التجار وأرباب الصنائع (27) ، وقسموا العقود بحسب النقص الذي يوجب الضمان على البائع على قسمين: القسم الأول : العقود التي تنفسخ بالرد: وهي التي يؤثر فيها نقصان الثمن المترتب على العيب سواء كان يسيرًا أم فاحشا وتكون مضمونة بما يقابلها كالبيع، والقسم الثاني: العقود التي لا تنفسخ بالرد: وهي التي لا يؤثر فيها إلا العيب الفاحش، وهذه تكون مضمونة بنفسها، كالقصاص، وبدل الخلع، وخرج من ذلك المهر، فهو يرد بالعيب اليسير إذا كان من المكيل أو الموزون، والحد الفاصل في العيب أن ما يدخل تحت تقويم المقومين – بأن يقومه مقوم صحيحا بألف ومع العيب بأقل، ويقومه آخر مع هذا العيب بألف – فهو يسير، وما لا يدخل تحت تقويم المقومين - بأن يتفقا على تقويمه صحيحًا بألف أو بأقل من هذا – فهو فاحش (28).
وقد ذهب الشافعية " أنّ العيب الموجب للخيار هو ما نقصت به القيمة، أو العين، أو يُفوّت به غرض صحيح اذا كان الغالب عدم وجوده في هذا المحل، وعدم الاعتماد على عرف التجار، لأن بعض العيوب لا ينقص ثمنها وإن كان وجودها في المبيع يجعله غير صالح لبعض وصالحًا للبعض الآخر، كمن يشتري شاة مقطوعة الاذن، فلا تصلح لمن اشتراها لغرض الأضحية، فإنّ ذلك يعد عيبًا وإن لم يترتب عليه نقص قيمتها، بخلاف غيره، ولذا اشترطوا فوات غرض صحيح في المبيع؛ وذلك للاحتراز عن نقص كهذا " ، ومعهم المالكية إلى ثبوت خيار العيب على الفور، فمن علم بالعيب فله ردّ المبيع فوراً، وبخلافه يبطل خياره؛ لأن الأصل في العقود اللزوم والخيار شرّع لدفع الضرر عن المشتري ، وزاد المالكية على هذا بإعطائهم المشتري مهلة يوم أو يومين ليرد فيها المبيع، فإن زادت كان متراخيا وسقط حقه في الخيار، لأنّ سكوته خلال هذه المدة رضى منه بالمبيع، أما لو كان تأخره عن عذر فلا يسقط خياره (29).
بينما تمسك الحنابلة بعرف التجار، فما يعده العرف عيبًا فإنه يستوجب الخيار وإن لم تنقص به قيمة المبيع أو عينه، أي أن العرف يوجب سلامة المبيع عن هكذا نقيصة؛ لأن المبيع إنما صار محلا للعقد لأنّه صفة المالية، فما يوجب نقصا فيها يكون عيبا ، وأن المشتري مُخيَّر بين فسخ العقد والإمضاء وأخذ الأرش؛ لأنّ المبيع معيب قبل شرائه ثم حصل به عيب جديد فهو بالخيار إن شاء ردّه وإن شاء أخذ ارش العيب القديم (30).
وينبغي الاشارة هنا الى ان الفقهاء اتفقوا على أنّ جهل المشتري بالعيب شرط لثبوت الخيار، بأن لا يكون عالماً بوجود العيب قبل العقد، أو حينه، أو قبل القبض، وأن لا يرضى به بعده، فإذا تعاقد وهو عالم بالعيب أو رضي به بعد العقد - كما لو تسلمه عالما بالعيب – سقط خياره، لان اقدامه مع العيب رضى منه به (31).
ويعلل البعض من الفقهاء (32) أنّ إقدامه على الشراء مع العلم بالعيب دلالة على رضاه، وكذلك إذا لم يعلم بالعيب عند العقد ثم علم به عند القبض، فقبضه للمبيع مع علمه بالعيب وتصرفه فيه تصرّف الملاك دليل على رضاه؛ لأنّ تمام الصفقة متعلّق بالقبض، فكان العلم عند القبض كالعلم عند التعاقد، كما يحدث في زماننا من أن بعض الأمتعة ربّما يقع فاصل زمني بين العقد عليه و تسليمها وإقباضها ويحدث فيها العيب، ولأجل ذلك يقوم التجار اليوم بعقد التأمين مع الشركات التأمينية لضمان الخسارة الواردة على المبيع بين العقد والقبض، وما هذا الا لأن بعض المبيعات في معرض التلف والتعيب في تلك الفترة من غير فرق بين العصر الحاضر والعصور الماضية، وعليه يكون الضمان على البائع، والخيار للمشتري
واكد بعض فقهاء الامامية ان العلم بالعيب قبل العقد يسقط الرد والأرش بلا خلاف ولا إشكال لأن الخيار إنما ثبت مع الجهل (33) ، وعلل بعضهم ذلك بأنه هو الذي أقدم على تضرُّره، فلا وجه لجعل الخيار له بعد ذلك، فلو أقدم المشتري العالم بالعيب على شراء الشيء المعيوب من البائع مع علمه به ثم ردّه وألزم البائع بالقبول فإنّ العُرف وبناء الناس في معاملاتهم لا يرون له حق الرد، ويستنكرون منه إلزامه البائع بالقبول (34).
بقي ان نتساءل عن كيفية تقدير الارش ، اجاب احد فقهائنا العظام عن ذلك بالقول أن تقدير الأرش يؤخذ من الثمن بنسبة تفاوت قيمة صحيح الشيء إلى معيبه، فلو اشترى سيارة مثلا بمليون دينار وكان صحيحها يباع بمليونين ومعيبها بمليون فلا يؤخذ نفس التفاوت بين قيمتي الصحيح والمعيب بحسب الواقع الذي هو : عبارة عن مليون دينار بحيث تبقى السيارة للمشتري مجانا وبلا عوض، بل يؤخذ من الثمن المسمى بنسبة تفاوت قيمة المعيب والصحيح وهي النصف، فيؤخذ من البائع نصف الثمن وهو خمسمائة ألف دينار ؛ لأنّ وصف الصحة لا يقابل بالمال حتى يكون الأرش من أجزاء العوض ويكون اجتماعه مع المبيع عند المشتري من اجتماع العوض والمعوّض، بل الأرش غرامة تعبدية ثبتت ،بالدليل وليس هناك اجتماع للعوض مع المعوّض، وإنما هو اجتماع الغرامة مع المعوّض ) (35).
____________
1- د. وليد صلاح مرسي رمضان القوة الملزمة للعقد والاستثناءات الواردة عليها ، دراسة مقارنة بين الفقه الاسلامي والقانون المدني ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، الاسكندرية ، 2009 ، ص .265
2- القرار المرقم 144/ حقوقية 1970 ، بتاريخ 1970/2/19 ، النشرة القضائية ، العدد 1 ، السنة الأولى ، 1970 ، ص 69.
3- Art (1641) " Le vendeur est tenu de la garantie à raison des défauts cachés de la chose vendue qui la rendent impropre à l'usage auquel on la destine, ou qui diminuent tellement cet usage que l'acheteur ne l'aurait pas acquise, ou n'en aurait donné qu'un moindre prix, s'il les avait connus".
4- د. حسام الدين الاهواني ، عقد البيع في القانون المدني الكويتي ، الطبعة الأولى، مطبوعات جامعة الكويت ، الكويت ، 1989 ، ص 641 . ود. منذر الفضل ود صاحب الفتلاوي ، شرح القانون المدني الاردني ، العقود المسماة ، البيع والايجار الطبعة الأولى، 1993 ، ص 149.
5- د. توفيق حسن فرج ، عقد البيع والمقايضة ، الطبعة الأولى ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، مصر ، 1985 ، ص 460 .
6- إذ نصت المادة (585) من القانون المدني المصري على انه " يجب على المستأجر ان يبادر إلى اخطار المؤجر بكل امر يستوجب تدخله كأن تحتاج العين إلى ترميمات مستعجلة ، أو ينكشف عيب بها ، أو يقع اغتصاب عليها ، أو يتعدى أجنبي بالتعرض لها ، أو بأحداث ضرر بها .. وليس لها مقابل في القانون المدني الفرنسي
7- السيد محمد بدوي ، حول نظرية عامة لمبدأ حسن النية في المعاملات المدنية ، اطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة، 1989 ، ص 929.
8- د. محمد السعيد رشدي ، شرح احكام عقد البيع في ضوء الفقه والقضاء ، دون مكان نشر ، 2007 ، ص .198
9- E. ALLAN FARNSWORTH, CONTRACTS § 7.16, at 486 (4th ed. 2004) (noting that courts often look to basic principles of justice to determine fairness of exchange). 7See. e.g., Steven J. Burton, Breach of Contract and the Common Law Duty to Perform in Good Faith, 94 HARV. L. REV. 369, 372 (1980) (proposing foregone opportunities approach to good faith); Thomas A. Diamond & Howard Foss, Proposed Standards for Evaluating When the Covenant of Good Faith and Fair Dealing Has Been Violated: A Frameworkfor Resolving the Mystery, 47 HASTINGS L.J. 585, 586 (1996) (surveying different theoretical and judicial approaches to good faith); Robert S. Summers, The General Duty of Good Faith-Its Recognition and Conceptualization, 67 CORNELL L. REV. 810, 816 (1982) [hereinafter Summers, General Duty] (proposing excluder-analysis approach to good faith); Robert S. Summers, "Good Faith" in General Contract Law and the Sales Provisions of the Uniform Commercial Code, 54 VA. L. REV. 195,196 (1968) [hereinafter Summers, Good Faith] (same).
10 - Emily M.S. Houh, Critical Interventions: Toward an Expansive Equality Approach to the Implied Doctrine of Good Faith in Contract Law, 88 CORNELL L. REV. 1025, 1088 (2003).
11- Art 1642 "Le vendeur n'est pas tenu des vices apparents et dont l'acheteur a pu se convaincre lui-même ".
12- Cass. Civ. 1er Ch,13 mai, 1981, Bull.civ I, n° 65.
13-Cass. Civ. 3tre Ch, 16 nov, 1988, Bull.civ lll, n°164 .
14- قرار رقم 1659/ ب/ 2012 في 2012/9/6 - قرار غير منشور. انظر كذلك قرار محكمة بداءة البياع رقم 1542/ ب / 2012 في 2012/12/16. قرار غير منشور.
15- Art 1644, Dans le cas des articles 1641 et 1643, lácheteur a le choix de render la chose et de se faire restituer le prix, ou de garder la chose et de se faire render une partie du prix"
16- Cass. Civ. 2ére Ch,11 juillet, 1974, Bull.civ II, n° 231.
17- Cass. Civ. 1 Ch 5 mai, 1982, Bull.civ I, n° 163.
18- Cass. Civ. 3re Ch ,17 fevrier, 1988, Bull.civ Ill, n° 38.
19- ART 1645 " Si le vendeur connaissait les vices de la chose, il est tenu, outré la restitution du prix qu'il en a reçu, de tous les dommages et intérêts envers l'acheteur".
20- Cass. Civ. 1*** Ch,12 JANVIER, 1994. Bull.civ I, n° 23.
21- ART 1646" Si le vendeur ignorait les vices de la chose, il ne sera tenu qu'à la restitution du prix, et à rembourser à l'acquéreur les frais occasionnés par la vente.
22- Cass. Civ. 1 Ch,4 fevrier, 1963, RJDA II, 1963, n° 13159.
23- محمد بن جمال الدين مكي العاملي وزين الدين الجبعي العاملي، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية . الجزء الثالث ، الطبعة الأولى، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت، لبنان ، من غير ذكر تاريخ نشر ، ص 474
24 - ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، من لا يحضره الفقيه ، الجزء الثاني تحقيق ، علي اكبر غفاري ، الطبعة الثانية ، مؤسسة النشر الاسلامي ، قم ، ایران 1404 هـ ، ، ص 71.
25- الميرزا حسين بن محمد تقي النوري ، مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل الجزء الثالث عشر ، الطبعة الأولى، مؤسسة ال البيت لأحياء التراث ، قم ، ايران ، 1320هـ ، ص 306 .
26- الكمال بن الهمام محمد بن عبد الواحد الاسكندري الحنفي ، فتح القدير على الهداية ، الجزء الخامس الطبعة الثانية ، دار الفكر ، 1397هـ ، ص 151 ، وابو بكر علاء الدين محمد بن احمد بن ابي احمد الحنفي السمرقندي ، تحفة الفقهاء ، الجزء الثاني ، الطبعة الثانية ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1994 ص 93
27 - أبو بكر علاء الدين بن مسعود الحنفي الكاساني ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الجزء الخامس الطبعة الأولى ، منشورات المكتبة الحبيبية ، باكستان، 1409هـ ، ص 274 .
28- ابن عابدين محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز الدمشقي ، رد المحتار على الدر المختار، الجزء الرابع ، تحقيق: محمد صبحي حسن وعامر حسين، الطبعة الأولى ، دار احياء التراث العربي، بيروت ، لبنان ، ص 74 .
29- ينظر من الشافعية احمد بن محمد بن احمد الدردير ، الشرح الصغير على اقرب المسالك، الجزء الثالث ، دار المعارف، مصر ، ص 66 . ومن المالكية ابن رشد الحفيد أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد ، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق خالد العطّار، الجزء الثاني ، دار الفكر ، بيروت، لبنان ، 1415هـ ، ص 72 .
30- منصور بن يونس بن ادريس الحنبلي البهوتي ، كشاف القناع عن متن الامتناع، مراجعة وتعليق: هلال مصبحي . مصطفى الجزء الثالث ، الطبعة الثانية ، ، دار الفكر ، بيروت، لبنان ، 1997 ، ص 215 . و ابن الله عبد بن أحمد بن محمد المقدسي ، المغني على مختصر الخرقي الجزء الرابع ، دار الكتاب العربي، بيروت، 1392 ، ص 115
31 - محمد حسن صاحب النجفي المعروف بصاحب الجواهر ، جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام، الجزء الثامن ، مؤسسة المرتضى العالمية ودار المؤرخ العربي، بيروت، لبنان ، 1992م ، ص 389 .
32- - تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي ، تكملة المجموع شرح المهذب، الجزء الثاني عشر تحقيق: محمد نجيب المطيعي، المطبعة العالمية ، من غير ذكر طبعة او دار او مكان او تاريخ نشر ، ص 116 .
33- مرتضى بن محمد أمين الانصاري ، المكاسب، الجزء الخامس ، الطبعة التاسعة ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، مجمع الفكر الإسلامي، قم، ايران، 1429هـ ، ص 238 .
34 - عبد الاعلى الموسوي السبزواري، مهذب الاحكام في بيان الحلال والحرام الجزء السابع عشر ، الطبعة الاولى ، دار التفسير للنشر، قم، ایران ، 2009 ، ص 193.
35- الميرزا علي الغروي ، التنقيح في شرح المكاسب، تقريرات السيد الخوئي، الجزء الرابع ، الطبعة الرابعة ، مؤسسة الخوئي الاسلامية، 2009م ، ص 350 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
جمعية العميد تعقد اجتماعًا لمناقشة المشاريع العلمية والبحثية
|
|
|