أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-05-2015
1992
التاريخ: 6-03-2015
1900
التاريخ: 6-03-2015
2172
التاريخ: 17/10/2022
1676
|
تمهيد
يعتبر كتاب الميزان في تفسير القرآن ، للعلّامة السيّد محمّد حسين الطباطبائي واحداً من أشهر وأهمّ كتب التفسير في واقعنا المعاصر ، ونظراً لشهرته اخترنا هذا التفسير ليكون نموذجاً لبحثنا.
حول تفسير الميزان
من تأليف العلّامة الحكيم السيّد محمّد حسين الطباطبائي المولود بتبريز سنة (1321هـ). والمتوفّى بقمّ المقدّسة سنة (1402هـ).
وهو تفسير جامع حافل بمباحث نظريّة تحليلية ذات صبغة فلسفية في الأغلب ، جمع فيه المؤلّف إلى جانب الأنماط التفسيريّة السائدة ، أموراً ممّا أثارته النهضة الحديثة في التفسير ، فقد تصدّى لما يثيره أعداء الإسلام من شبهات ، وما يضلّلون به من تشويه للمفاهيم الإسلامية ، بروح اجتماعية واعية ، على أساس من القرآن الكريم.
مزايا تفسير الميزان
1- جمع بين نمطي التفسير : الموضوعي والترتيبيّ ، فقد فسَّر القرآن آية فآية وسورة فسورة ، لكنّه إلى جنب ذلك ، نراه يجمع الآيات المتناسبة بعضها مع بعض ، ليبحث عن الموضوع الجامع بينها ، كلّما مرّ بآية ذات هدف موضوعيّ ، وكانت لها نظائر منبثّة في سائر القرآن.
2- عنايته التامّة بجانب الوحدة الموضوعيّة السائدة في القرآن ، كلّ سورة هي ذات هدف أو أهداف معيّنة ، هي تشكّل بنيان السورة بالذّات ، فلا تتمّ السورة إلّا عند اكتمال الهدف الموضوعيّ الّذي رامته السورة ، ولذلك نجد السور تتفاوت في عدد آياتها.
3- الاستعانة بمنهج "تفسير القرآن بالقرآن" ، فقد حقّق القرآن هذا الأمر وأوجده بعيان؛ إذ نراه يعتمد في "تفسيره" على القرآن ذاته ، فيرى أنّ غير القرآن غير صالح لتفسير القرآن ، بعد أن كان تبياناً لكلّ شيء فيا تُرى كيف يكون القرآن تبياناً لكلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه؟!
يقول العلّامة الطباطبائي : "الطريقة المرضيّة في التفسير هي أن تفسّر القرآن بالقرآن ، ونشخّص المصاديق ونعرّفها بالخواص الّتي تعطيها الآيات ، كما قال تعالى : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل : 89] وحاشا القرآن أن يكون تبياناً لكلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه" (1) ويمكن القول بحقّ إنّ "الميزان في تفسير القرآن" هو من التفاسير الجامعة لكلّ مناهج وألوان التفسير حيث تجد أنّ السيّد الطباطبائي جمع إلى جانب منهج تفسير القرآن بالقرآن منهج التفسير الروائي والفلسفي والتاريخي والاجتماعي...
بيان الطباطبائي لمنهج التفسير بالرأي
ذكر العلماء والمفسّرون آراء متباينة حول مفاد روايات التفسير بالرأي ، وسنعرض لرأي العلّامة الطباطبائي وموقفه من هذا المنهج.
اعتبر السيّد الطباطبائي أنّ التفسير بالرأي يحتمل وجوهاً متعدّدة ، أهمّها :
- تفسير المتشابه الّذي لا يعلمه إلّا الله.- التفسير المقرّر للمذهب الفاسد بأن يجعل المذهب أصلاً والتفسير تبعاً ، فيردَّ إليه بأيّ طريق أمكن وإن كان ضعيفاً. وهذا يحصل فيما لو كان للمفسِّر ميل إلى نزعة أو مذهب فيتأوّل القرآن على رأيه ويصرفه عن المراد ، فيجرّ شهادة القرآن لتقرير رأيه.
- التفسير بأنّ مراد الله تعالى كذا على القطع من غير دليل.
- التفسير بالاستحسان والهوى ومن دون الاستناد إلى نظر في أدلّة العربية ومقاصد الشريعة ، وما لا بدّ منه من معرفة الناسخ والمنسوخ وسبب النزول.
- القول بالقرآن بما يعلم أن الحقّ غيره.
- القول في القرآن بغير علم وتثبُّت ، سواء علم أنّ الحقّ خلافه أم لا. ثمّ علّق عليها بقوله : "وربما أمكن إرجاع بعضها إلى بعض ، وكيف كان فهي وجوه خالية عن الدليل ، على أنّ بعضها ظاهر البطلان" (2).
معنى "الرأي" عند الطباطبائي
ثمّ بعد أن استعرض النصوص الدالّة على النهي عن تفسير القرآن بالرأي قال : "قوله صلى الله عليه وآله وسلم : "من فسّر القرآن برأيه..." ، الرأي هو الاعتقاد عن اجتهاد ، وربما أطلق على القول عن الهوى والاستحسان ، وكيف كان لما ورد قوله برأيه مع الإضافة إلى الضمير ، عُلِم منه أن ليس المراد به النهي عن الاجتهاد المطلق في تفسير القرآن حتّى يكون بالملازمة أمراً بالاتّباع والاقتصار على ما ورد من الروايات في تفسير الآيات عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام على ما يراه أهل الحديث. بل الإضافة في قوله : "برأيه" تفيد معنى الاختصاص والانفراد والاستقلال بأن يستقلّ المفسّر في تفسير القرآن بما عنده من الأسباب في فهم الكلام العربي ، فيقيس كلامه تعالى بكلام الناس ، فإنّ قطعة من الكلام من أيّ متكلّم إذا ورد علينا لم نلبث دون أن نعمل فيه القواعد المعمولة في كشف المراد الكلامي ونحكم بذلك : إنّه أراد كذا ، كما نجري عليه في الأقارير والشهادات وغيرهما ، كلّ ذلك لكون بياننا مبنيّاً على ما نعلمه من اللغة ونعهده من مصاديق الكلمات حقيقة ومجازاً.
والبيان القرآني غير جار هذا المجرى ، بل هو كلام موصول بعضه ببعض في عين أنّه مفصول ، ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض كما قاله الإمام عليّ عليه السلام ، فلا يكفي ما يتحصّل من آية واحدة بإعمال القواعد المقرّرة في العلوم المربوطة في انكشاف المعنى المراد منها ، دون أن يتعاهد جميع الآيات المناسبة لها ويجتهد في التدبّر فيها كما يظهر من قوله تعالى : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء : 82].
التفسير المنهي عنه
فالتفسير بالرأي المنهيّ عنه أمر راجع إلى طريق الكشف دون المكشوف وبعبارة أُخرى إنّما نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن تفهّم كلامه تعالى على نحو ما يتفهّم به كلام غيره وإن كان هذا النحو من التفهُّم ربما صادف الواقع ، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الرواية الأُخرى : "من تكلّم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ" ، فإنّ الحكم بالخطأ مع فرض الإصابة ليس إلّا لكون الخطأ في الطريق ، وكذا قوله عليه السلام : "إن أصاب لم يؤجر" (3).
وليس اختلاف كلامه تعالى مع كلام غيره في نحو استعمال الألفاظ وسرد الجمل وإعمال الصناعات اللفظية ، فإنّما هو كلام عربيّ روعي فيه جميع ما يراعى في كلام عربيّ ، وقد قال تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } [إبراهيم : 4] وقال تعالى : {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } [النحل : 103] وقال تعالى : {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [الزخرف : 3] وإنّما الاختلاف من جهة المراد والمصداق الّذي ينطبق عليه مفهوم الكلام.
توضيح ذلك : إنّا من جهة تعلّق وجودنا بالطبيعة الجسمانية وقطوننا المعجّل في الدنيا المادّية ، ألفنا من كلّ معنى مصداقه المادّي واعتدنا بالأجسام والجسمانيات ، فإذا سمعنا كلام واحد من الناس حملناه على ما هو المعهود عندنا من المصداق والنظام الحاكم فيه ، لعلمنا بأنّه لا يعني إلّا ذلك؛ لكونه مثلنا لا يشعر إلّا بذلك ، وعند ذلك يعود النظام الحاكم في المصداق يحكم في المفهوم ، فربما خصّص به العام أو عمّم به الخاصّ أو تصرّف في المفهوم بأيّ تصرّف آخر ، وهو الّذي نسمّيه بتصرّف القرائن العقلية غير اللفظية.
مثال ذلك إنّا إذا سمعنا عزيزاً من أعزّتنا ذا سؤدد وثروة يقول : وإن من شيء إلّا عندنا خزائنه ، وتعقّلنا مفهوم الكلام ومعاني مفرداته حكمنا في مرحلة التطبيق على المصداق أنّ له أبنية محصورة حصينة تسع شيئاً كثيراً من المظروفات ، فإنّ الخزانة هكذا تتّخذ إذا اتّخذت ، وأنّ له فيها مقداراً وافراً من الذهب والفضّة والورق والأثاث والزينة والسلاح ، فإنّ هذه الأمور هي الّتي يمكن أن تخزن عندنا وتحفظ حفظاً. وأمّا الأرض والسماء والبرّ والبحر والكوكب والإنسان فهي وإن كانت أشياء لكنّها لا تخزن ولا تتراكم ، ولذلك نحكم بأنّ المراد من الشيء بعض من أفراده غير المحصورة ، وكذا من الخزائن قليل من كثير ، فقد عاد النظام الموجود في المصداق وهو أنّ كثيراً من الأشياء لا يخزن ، وأنّ ما يختزن منها إنّما يختزن في بناء حصين مأمون عن الغيلة والغارة ، أوجب تقييداً عجيباً في إطلاق مفهوم الشيء والخزائن.
ثمّ إذا سمعنا الله تعالى يُنزل على رسوله قوله {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر : 21]
فإن لم ترق أذهاننا عن مستواها الساذج الأوّلي فسّرنا كلامه بعين ما فسّرنا به كلام الواحد من الناس ، مع أنّه لا دليل لنا على ذلك البتّة فهو تفسير بما نراه من غير علم.
وإن رقت أذهاننا عن ذلك قليلاً ، وأذعنّا بأنّه تعالى لا يخزن المال وخاصّة إذا سمعناه تعالى يقول في ذيل الآية : {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر : 21] أيضاً : {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الجاثية : 5] حكمنا بأنّ المراد بالشيء الرزق من الخبز والماء ، وأنّ المراد بنزوله نزول المطر لأنّا لا نشعر بشيء ينزل من السماء غير المطر ، فاختزان كلّ شيء عند الله ثمّ نزوله بالقدر كناية عن اختزان المطر ونزوله لتهيئة المواد الغذائية. وهذا أيضاً تفسير بما نراه من غير علم؛ إذ لا مستند له إلّا أنّا لا نعلم شيئاً من السماء غير المطر ، والّذي بأيدينا ها هنا عدم العلم دون العلم بالعدم.
وإن تعالينا عن هذا المستوى أيضاً واجتنبنا ما فيه من القول في القرآن بغير علم وأبقينا الكلام على إطلاقه التامّ ، وحكمنا أنّ قوله : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} [الحجر : 21] يبيّن أمر الخلقة ، غير أنّا لمّا كنّا لا نشكّ في أنّ ما نجده من الأشياء المتجدّدة بالخلقة كالإنسان والحيوان والنبات وغيرها لا تنزل من السماء ، وإنّما تحدث حدوثاً في الأرض ، حكمنا بأن قوله : {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ} كناية عن مطاوعة الأشياء في وجودها لإرادة الله تعالى ، وأنّ الإرادة بمنزلة مخزن يختزن فيه جميع الأشياء المخلوقة ، وإنّما يخرج منه وينزل من عنده تعالى ما يتعلّق به مشيّته تعالى. وهذا أيضاً كما ترى تفسير للآية بما نراه من غير علم؛ إذ لا مستند لنا فيه سوى أنّا نجد الأشياء غير نازلة من عند الله بالمعنى الّذي نعهده من النزول ولا علم لنا بغيره.
وإذا تأمّلت ما وصفه الله تعالى في كتابه من أسماء ذاته وصفاته وأفعاله وملائكته وكتبه ورسله والقيامة وما يتعلّق بها وحكم أحكامه وملاكاتها ، وتأمّلت ما نرومه في تفسيرها من إعمال القرائن العقلية ، وجدت أنّ ذلك كلّه من قبيل التفسير بالرأي من غير علم وتحريف لِكَلِمه عن مواضعه.
من هنا يظهر أنّ التفسير بالرأي كما بيّناه لا يخلو عن القول بغير علم كما يشير النبويّ : من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار.
ومن هنا يظهر أيضاً أنّ ذلك يؤدّي إلى ظهور التنافي بين الآيات القرآنية من حيث إبطاله الترتيب المعنوي الموجود في مضامينها فيؤدّي إلى وقوع الآية في غير موقعها ووضع الكلمة في غير موضعها. ويلزمها تأويل بعض القرآن أو أكثر آياتها بصرفها عن ظاهرها ، كما يتأوّل المجبّرة آيات الاختيار ، والمفوّضة آيات القدر ، وغالب المذاهب في الإسلام لا يخلو عن التأوّل في الآيات القرآنية وهي الآيات الّتي لا يوافق ظاهرها مذهبهم ، فيتشبّثون في ذلك بذيل التأويل استناداً إلى القرينة العقلية وهو قولهم إنّ الظاهر الفلاني قد ثبت خلافه عند العقل فيجب صرف الكلام عنه (4).
خلاصة الدرس
- يعتبر تفسير الميزان للعلّامة الطباطبائي من التفاسير المهمّة لكونه يعتمد المنهج الجامع.
- يعتبر السيّد الطباطبائي بأنّ التفسير بالرأي يحتمل وجوهاً متعدّدة ، أهمّها ما يلي :
تفسير المتشابه الّذي لا يعلمه إلّا الله ، التفسير المقرّر للمذهب الفاسد بأن يجعل المذهب أصلاً والتفسير تبعاً ، التفسير بأنّ مراد الله تعالى كذا على القطع من غير دليل ، التفسير بالاستحسان والهوى ومن دون الاستناد إلى نظر في أدلّة العربية ومقاصد الشريعة ، وما لا بدّ منه من معرفة الناسخ والمنسوخ وسبب النزول ، القول بالقرآن بما يعلم أن الحقّ غيره ، القول في القرآن بغير علم وتثبُّت ، سواء علم أنّ الحقّ خلافه أم لا.
- عند العلّامة ليس المراد بالتفسير بالرأي النهي عن الاجتهاد المطلق في تفسير القرآن بل بأن يستقلّ المفسّر في تفسير القرآن بما عنده من الأسباب في فهم الكلام العربي ، فيقيس كلامه تعالى بكلام الناس ، فالتفسير بالرأي لا يخلو عن القول بغير علم كما يشير النبويّ : من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار.
ومن هنا يظهر أيضاً أنّ ذلك يؤدّي إلى ظهور التنافي بين الآيات القرآنية من حيث إبطاله الترتيب المعنوي الموجود في مضامينها فيؤدّي إلى وقوع الآية في غير موقعها ووضع الكلمة في غير موضعها. ويلزمها تأويل بعض القرآن أو أكثر آياتها بصرفها عن ظاهرها.
______________________
1- تفسير الميزان ، العلّامة الطباطبائي ، ج 1 ، ص 9.
2- م.ن ، ج 3 ، ص 78.
3- أنظر : تفسير الميزان ، العلّامة الطباطبائي ، ج 3 ، ص 76ـ 77.
4- أنظر : تفسير الميزان ، العلّامة الطباطبائي ، ج 3 ، ص 78ـ 81.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|