المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24

عالم إنتاج الحرير
2024-03-01
جواز الإحرام في الثياب المعلَمة.
25-4-2016
آراء المفسرين في الحروف المقطعة مقدمة للسور، ومفتاح لها
2023-11-21
عناصر الديكور
22-11-2021
triadic (adj.)
2023-11-30
نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية أو Yo-He-Ho
12-7-2016


مفهوم المحاكاة عند إبن رشد  
  
8685   01:32 صباحاً   التاريخ: 14-08-2015
المؤلف : د. عصام قصبجي
الكتاب أو المصدر : أصول النقد العربي القديم
الجزء والصفحة : ص93-117
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /

 إذا كان الفارابي و "ابن سينا" قد اظهرا ضربا من التحفظ إزاء تطبيق مفاهيم "ارسطو" على الشعر العربي، فيبدو ان "ابن رشد" كان اكثر اجتراء على اقتحام هذه اللجة، فهو لم يتلبث كثيراً قبل ان يهجم على القول ان (كل قول شعري فهو اما هجاء، واما مديح)(1)، وهو يعني بالطبع ما عبر عنه "ابن سينا" غالباً بالطراغوذيا والقوموذيا حفاظاً عل أصل المصطلح ، والغريب انه ذهب إلى ذلك على الرغم من ادراكه ان هذه القسمة متعلقة بأشعارهم الحسنة والقبيحة(2) وان كان لم ينبه على اختلاف طبيعة الشعر العربي عن اليوناني في هذا المجال ــ كما فعل "ابن سينا" ــ على أنه لم يقتصر على وضع الشعر فقط في دائرة المديح والهجاء، وانما جعل الفنون جميعاً (معدة بالطبع لهذين الغرضين)(3) فكان ان لاحظ من جهة اقتران الشعر بالرقص والموسيقا، ثم جعلها من جهة اخرى يدوران بين قطبي المديح والهجاء وكان في مقدوره ان يتساءل كيف تكون الموسيقا مثلاً اما مديحاً واما هجاء اذا كانت تعبيراً عن المشاعر؟ وكيف يقرنها بالشعر في هذا الباب، ثم يغفل ذلك وهو يمضي في القول ان الشعر هو التشبيه؟ الحق ان "ابن رشد" لم يدع لنا اية فرصة للتساؤل عما يعنيه بالتخييل أو المحاكاة، اذ سرعان ما أحبط اي امل في ادراك ضرب من الشعر يتسم بالطابع الانساني من خلال محاكاته للفعل، حين راح يفسر التخييل بالمجاز وما يشتمل عليه من تشبيه واستعار وكناية، بل انه توغل وأفاض في عرض نماذج شعرية تتضح فيها ضروب المجاز وكأنه بلاغي متأخر: (والأقاويل الشعرية هي الأقاويل النخيلة، واصناف التخييل والتشبيه ثلاثة: اثنان بسيطان، وثالث مركب منها ، اما الاثنان البسيطان فأحدهما تشبيه شيء بشيء وتمثيله به، وذلك يكون في لسان بألفاظ خاصة عندهم مثل، كأن، واخال، وما اشبه ذلك في لسان العرب، وهي التي تسمى عندهم حروف التشبيه . . . وينبغي ان تعلم من في هذا القسم تدخل الانواع التي يسميها اهل زماننا (إستعارة وكناية)(4) ولقد يلاحظ ايضاً ان "ابن رشد" لم يجد حرجاً في اطراح مصطلح المحاكاة حيثما راقه مصطلح التشبيه، فكان استعماله للتشبيه اكثر من استعماله للمحاكاة او مقروناً بها على الأقل(5)، وربما لم يكن ثمة مجال لاتهام "ابن رشد" وحدة بهذا الخلط كما يبدو من كلام الدكتور احسان عباس حين قال: (وقد كان السبب الاكبر في خطأ "ابن رشد" انه لم يفهم معنى المحاكاة حين ظنها التشبيه)(6) فقط رأينا الفارابي "وابن سينا" وقعاً في هذا الخلط ايضاً وان كان "ابن رشد" اكثرهما تكراراً له، وإلحاحا عليه، ومن خلال النماذج الشعرية العربية التي حاول ان يوضح بها معنى المحاكاة.

ويلوح ان ما توهمه "ابن رشد" من امر المحاكاة حين خالها تشبيهاً لم يكن ناشئاً من خطاً في التطبيق، وانما هو ناشئ من فهمه لنظرية المحاكاة ذاتها فلقد ذهب حين كان يعرف المأساة أو (صناعة المديح) إلى انها تتقوم من مشبه ومشبه به بالتشبيه يتم بالقول المخيل، والزون، واللحن والمشبه به او المحاكى هو العادات، والاعتقادات، والنظر (الاستدلال ) وهو يقول ذلك على الرغم من ادراكه (هذا كله ليس يوجد في شعر العرب)(7) مما ينم على اعتقاده بأن المحاكاة عند "ارسطو" ايضاً لا تعدو ان تكون تشبيهاً وان اختلفت عناصر هذا التشبيه، يقول "ابن رشد" فيما يفترض انه تلخيص لكلام "ارسطو": وقد يجب ان تكون اجزاء صناعة المديح ستة" الأقاويل الخرافية، والعادات ، والزون،  والاعتقادات والنظر، واللحن، والدليل على ذلك ان كل قول شعري قد ينقسم إلى مشبه ومشبه به، والذي به يشبه ثلاثة: المحاكاة، والوزن واللحن والذي شبه في المدح ثلاثة ايضاً: العادات والاعتقادات، والنظر، اعني الاستدلال لصواب الاعتقاد، فتكون اجزاء صناعة المديح ضرورة ستة، وانما كانت العادات ، والاعتقادات اعظم اجزاء المديح لأن صناعة المديح ليست هي صناعة تحاكي الناس انفسهم من جهة ما هم اشخاص ناس محسوسون، بل انما تحاكيهم من قبل عاداتهم الجميلة، وافعالهم الحسنة، واعتقاداتهم السعيدة تشمل الافعال والخلق، ولذلك جعلت العادة احد اجزاء الستة، واستغنى بذكرها في التقسيم عن ذكر الافعال والخلق، واما النظر فهو ابانة صواب الاعتقاد، وكأنه كان عندهم ضرباً من الاحتجاج لصواب الاعتقاد الممدوح به وهذا كله ليس يوجد في اشعار العرب وانما يوجد في الاقاويل الشرعية المديحية)(8).

وواضح ان ثمة خلطا تاما بين الفاظ ثلاثة، فقد أورد "ابن رشد" الاقاويل الخرافية،  المخيلة، والمحاكية وكأنها ذات مدلول واحد، وذلك يعني ان القول المخيل او المحاكي هو القول الخرافي نفسه، ولسنا ندري على وجه اليقين ما يعنيه "ابن رشد" بالقول الخرافي، بيد ان اصراره على انه من خصائص الشعر اليوناني، ربما نم على اشارته إلى الفن القصصي، ولعل ما يعضد ذلك ــ فضلاً عن فهمه لمألة محاكاة الاغريق للأفعال لا للأشخاص ــ  تلك الملاحظة الجوهرية المتعلقة بـ (الاقاويل الشرعية المديحية) فلا ريب انه يعني بها قصص المواعظ الذي كان واضحاً في ذهنه كلما اراد ان يقارن بين ما يقرؤه، وما يعرفه، فكأنه ادرك مباينة الشعر العربي للشعر اليوناني في هذه الاقاويل التي تحاكي العادات الجميلة، والافعال، فراح يتلمس ما يعينه على شرح افكاره في انموذج آخر وأبصر في قصص المواعظ انموذجاً يقرب من مآسي اليونان وان لم يكن يماثلها ، فالقصة القرآنية تحكي غالباً الفعل الانساني السامي. في حياة الانبياء عليهم الصلاة والسلام بغية تقرير اعتقاد معين، اي بغية الحث على فعل أو النهي عن فعل. وطبعاً ليس ثم مجال للمماثلة التامة، لأن القرآن الكريم ــ ان استعمل التخييل على خلاف في جواز استعمال مصطلح التخييل في التصوير القرآني(9) ــ فإنه لا يستعمل اللحن والوزن بمفهومها الشعري لأنه ينطوي على تناغم حطي يتعلق بأسرار اعجازه، وايضاً فهو يتعلق بما هو كائن حقاً، لا بما يمكن ان يكون كالقصص اليوناني. ومهما يكن فقد المح "ابن رشد" إلى هذه المسألة في أكثر من موضع، فذهب في معرض المقارنة بين الأشعار القصصية، واشعار (صناعة المديح) إلى ان المحاكاة القصصية، قليلة في لسان العرب كثيرة في الكتب الشرعية(10)، ثم تجاوز الإشارة إلى التطبيق حين تكلم على غاية المأساة في الحث على الفضائل بواسطة التطهير: (وذلك انه يجب ان تكون المداح التي يقصد بها الحث على الفضائل مركبة من محاكاة الفضائل ومن محاكاة اشياء مخوفة محزنة يتفجع لها، وهي الشقاوة التي تلحق من عدم الفضائل لا باستئهال ، وذلك ان بهذه الاشياء يشتد تحرك النفس لقبول الفضائل . . . والاقاويل المديحية يجب ان يوجد فيها هذان الامران وذلك يكون اذا انتقل من محاكاة الفضائل إلى محاكاة الشقاوة ورادءة البخت النازلة بالأفاضل، او انتقل من هذه إلى محاكاة اهل الفضائل، فإن هذه المحاكاة ترف النفس وتزعجها إلى قبول الفضائل، وانت تجد اكثر المحاكاة الواقعة في الاقاويل الشرعية على هذا النحو الذي ذكر، اذ كانت تلك هي اقاويل مديحية تدل على العمل مثل ما ورد من حديث يوسف ــ صلى الله عليه ــ واخوته، وغير ذلك من الاقاصيص التي تسمى مواعظ)(11) اذن فقد فطن ابن رشد إلى ابنه اذا كان الشعر العربي يفتقر إلى نمط المحاكاة اليونانية فقد كان امامه نمد آخر هو قصص المواعظ الذي لا ينضب معين الفكر فيه. حقاً ابن رشد لم يذكر ذلك صراحة فلم يخطر بباله ان يحض الشعراء على استلهام النمط القرآني، ولكن مجرد ادراكه ان كثيراً من خصائص المحاكاة الفاضلة، او محاكاة الفضيلة انما يظهر في مثل قصة يوسف عليه السلام ينم على ذهن لماح هم بالنفاذ إلى جوهر مشكلة الشعر بين الذات والفعل، لولا غلبة معنى التشبيه على المحاكاة، وها هنا فلا بد من قول انه إذا كان القول المحاكى هو القصص "الخرافي" فهذا يعني ان المحاكاة تتعلق بالفعل، فلما ذا عاد "ابن رشد" ــ حين عرج على الشعر العربي ــ إلى القول: ان المحاكاة تشبيه؟ ويلاحظ ان هذا الذي فات النقاد العرب من امر استلهام القصص القرآني ــ أو الديني بعامة ــ على نحو يتيح الخلاص من دائرة الحس لم يفت شعراء الفرس الذين رددوا القصص الديني في قالب رمزي خيالي أطلق شعرهم من قيد الزخرف الفني إلى افق المعنى الروحي، ولعل الناظر في "مثنوي" جلال الدين الرومي مثلاً، أو قس (منطق الطير) لفريد الدين العطار يدرك تماماً اقام الفرس شعرهم على القصص الديني الرمزي الذي اتاح لهم فيضاً من الشعر الزاخر بسمو الفكر والخيال(12)

على ان ابن رشد قد ادرك ايضاً ــ شأن ابن سينا ــ ان المحاكاة في المأساة لا تتعلق بهيئات الناس الظاهرة، وانما تتعلق بأعمالهم الجميلة واخلاقهم الحسنة، اي بجانب الخير فيهم، ولاحظ أن هذا الضرب من المحاكاة اذا لم يكن معهوداً في الشعر العربي، فإنه معهود في القصص الديني، ويمكن استنباط امرين اثنين من هذا الكلام : اولهما ذهاب "ابن رشد" إلى ان المحاكاة الحسية هي التي تغلب على اشعار العرب فتحاكى في الإنسان ظاهرة المحسوس، وثانيهما: ان محاكاة الفضائل لم تكن غريبة عن الثقافة العربية مطلقاً فهي موجوداً على نحو ما في القصص القرآني. ولو ان "ابن رشد" مضى في الاستنباط فقال، انه يمكن الشعر العربي ان يجرب محاكاة الفضائل التي يرى مثالها في قصة يوسف عليه السلام، لكان النقد العربي قد ظفر بمبدأ جوهري يتيح له ان يضيف إلى الطابع الغنائي الذاتي في الشعر العربي طابعاً قصصياً انسانياً عاماً، ويبدو ان اعراض ابن رشد عن ذلك لا يمكن ان يفهم بمعزل عن نظرته الخلقية الخاصة إلى الشعر العربي، وذهابه مع الفارابي إلى انه شعر حسي لا يعني بالفضائل، ذلك انه عندما اراد ان يطبق نظرية محاكاة الاخيار والاشرار ــ او محاكاة التحسين والتقبيح كما اطلق عليها ابن سينا من قبل وتابعه هو ــ على الشعر العربي وجد ذلك عسيراً غالباً، لان الغاية الخلقية لم تكن امراً وارداً في اشعار العرب، بينما لم يكن الاغريق يقولون شعراً إلا اذا اشتمل على الفضيلة، قال بعد ان ذكر اصناف المحاكاة الثلاثة: التشبيه(13) والتحسين ، والقبيح: (وأنت فليس يعسر عليك وجود مثالات ذلك في أشعار العرب، وان كانت اكثر اشعار العرب انما هي ــ كما يقول ابو نصر ــ في النهم والكدية، وذلك ان النوع الذي يسمونه "النسيب" انما هو حث على الفسوق، ولذلك ينبغي ان يتجنبه الولدان، ويؤدبون من اشعارهم بما يحث فيه على الشجاعة والكرم، فإنه ليس تحث العرب في أشعارها من الفضائل على سوى هاتين الفضيلتين، وان كانت ليس تتكلم فيهما على طريق الحث عليهما وانما تتكلم فيهما على طريق الفخر، وأما الصنف من الاشعار الذي المقصود به المطابقة فقط فهو موجود كثيراً في اشعارهم، ولذلك يصفون الجمادات كثيراً، والحيوانات ، والنبات ، واما اليونانيون فلم يكونوا يقولون أكثر ذلك شعراً إلا وهو موجة نحو الفضيلة، أو الكف عن الرذيلة، أو ما يفيد أدباً من الآداب، أو معرفة من المعارف"(14).

وظاهر من كلام ابن رشد ان نظرته الخلقية يشوبها شيء من الزراية بالشعر العربي، بحيث اكد ما ذهب إليه الفارابي من شيوع طابع الحس، وحمل على ما يشيعه النسيب في النشء من ضعف خلقي، بل إنه حمل ايضاً على أغراض الشعر العربي جميعاً، ما خلا الفخر بالشجاعة والكرم، وغلا فقال إنه حتى في هذين لم تكن العرب تصدر عن ولع بالأخلاق، وإنما كانت تصدر عن ولع بالفخر، وهكذا فإذا كان أفلاطون قد أبعد الشعراء لما يشيعونه من فساد خلقي، فإن ابن رشد قد حمل عليهم بما في كلامهم من نهم وفسوق، أما التشبيه ــ وهو اكثر شعر العرب ــ فهو مجرد اصلاً من الغاية الخلقية، لاقتصاده على الغاية الفنية. ويبدو ان ابن رشد كان راسخ الاعتقاد بهذا الامر، فهو يبدئ وبعيد فيه، ويؤكد ذلك خاصة في معرض ملاحظته أن محاكاة الفضائل لا تطلب في الشعر العربي، وإنما تطلب في القصص الديني، قال في أثناء كلامه على الاستدلال (الاحتجاج) والإدارة(15) (التحول): " والاستدلال الفاضل، والإدارة، إنما تكون للأعمال الإرادية، وأكثر ما يوجد هذا النوع من الاستدلال في "الكتاب العزيز" أعني في مدح الأفعال الفاضلة، وذم الأفعال غير الفاضلة، وهو قليل في أشعار العرب، ومثال الإدارة في المدح قوله تعالى: "ضرب الله مثلاً كلمة طيبة" إلى قوله " . . . ما لها من قرار"، ومثال الاستدلال قوله تعالى: " كمثل حبة أنبتت سبع سنابل" الآية، ولكون أشعار العرب خلية من مدائح الأفعال، وذم النقائض، انحى الكتاب العزيز عليهم، واستثنى منهم من ضرب قوله إلى هذا الجنس"(16). إذن، فخلو الشعر العربي من التغني بالفضائل هو علة حملة القرآن الكريم عليهم، واستثناء الفئة المؤمنة منهم، أي التي تنحو في شعرها منحى الفضائل(17)، وكأن ابن رشد كان يشعر ــ على نحو ما ــ بأنه ليس ثمة أمل في نقل الشعر العربي من محاكاة الحس إلى محاكاة الفعل ومن ثم من المجال الفني المحض إلى المجال الانساني، وانه ليس امامنا إذا ما أردنا الانصراف إلى المجال الانساني سوى تلمس ذلك في قصص المواعظ، على ان ابن رشد لم يفلح حقاً في الأمثلة التي اختارها فيما يظهر من قصص المواعظ المحاكاة، لأنه احتار أمثلة جزئية لأمر كلي كالمأساة اليونانية التي يفهم "التحول" فيها من خلال تطور الفعل ولو انه مثل لذلك بقصة كاملة كقصة يوسف عليه السلام لكان اقرب إلى الصواب كما فعل حين جعل هذه القصة مثلاً للتطهير، وعلى الرغم من ذلك فقط كان واضحاً في ذهنه تماماً ان ما افتقر إليه الشعر حفل به الدين: (من الشعراء من يدخل في المداح محاكاة أشياء يقصد بها التعجب فقط من غير ان تكون مخيفة ، وانت تجد مثل هذه الأشياء كلها كثيراً في المكتوبات الشهرية اذ كانت مدائح الفضائل ليس تنوجد في أشعار العرب وانما توجد في زماننا هذا في السنن المكتوبة، وهذا الفعل ليس فيه مشاركة لصناعة المديح بوجه من الوجوه، وذلك انه ليس يقصد من صناعة الشعر أي لذة اتفقت، لكن انما يقصد بها حصول الالتذاذ بتخييل الفضائل، وهي اللذة المناسبة لصناعة المديح)(18) وهذه السنن المكتوبة ــ ولعله يريد قصص المواعظ عامة ــ هي أنموذج كان يمكن محاكاته للخلاص من الشعر الفني المجرد، ما دامت غاية الشعر ليست الامتاع المحض، وانما الامتاع المفضي إلى الخبر.

وفي هذا المجال ايضاً ادرك ابن رشد فكرة التطهير من خلال ما يمكن ان تثيره المحاكاة من (الرحمة والخوف)(19) بيد أن اقتران التطهير بالإثارة كان مضطرباً قليلاً، فلقد نص أرسطو على ان اثارة الرحمة والخوف انما تبغي إلى (التطهير من هذه الانفعالات)(20)، ذلك ان مجرد اثارة الرحمة والخوف دون ان تفضي هذه الاثارة إلى التسامي بهذه الانفعالات ــ وهو المقصود بالتطهير ـ لا يجدي شيئاً، أما ابن رشد فلم يذكر شيئاً عن الاثارة ، وانما ذهب إلى ان التطهير يتم بمحاكاة النفوس لما في الفاضلين من نقاء، قال في تعريف المأساة (المديح) انها: (محاكاة للعمل الاداري الفاضل الكامل) فهي (محاكاة تنفعل لها النفوس انفعالاً معتدلاً بما يولد فيها من الرحمة والخوف وذلك بما يخيل في الفاضلين من النقاء والنظافة)(21)، ومهما يكن من امر، فلعل هذه العبارة الدقيقة الصائبة هي غاية ما يخلص إليه المرء من حيرته ازاء فكرة التطهير التي اثارت لغطا كثيرا(22)، ذلك انها تلخص مجمل ما قيل من ان غاية التطهير ــ كما يرى الدكتور محمد غنيمي هلال ــ هي ان (تعتدل هذه الانفعالات التي تثيرها فينا المسرحيات والشعر والفن بعامة . . . . كما تؤدي اثارة الانفعالات اثارة قوية إلى اعتدالها) (23).

على ان ابن رشد لم يلبث ان اغفل هذا المعنى النفساني للتطهير وانصرف إلى المعنى الاخلاقي، والحق انه لم يكن بدعاً في ذلك، فقد ذهب معظم شراح القرون الوسطى إلى اضفاء الطابع الاخلاقي الديني على معنى التطهير، ويرى الدكتور عبد الرحمن بدوي ان تفسير التطهير تفسيراً طبياً فيزيولوجياً انما يغفل اقترانه بالأصل الديني للمأساة الذي هو جوهر التطهير(24)، ومهما يكن فإن الغاية الخلقية كانت تلح على ابن رشد منذ شارك الفارابي حملته على الشعر العربي، ويبدو ان النموذج القصصي المستمد من القرآن الذي كان مائلاً في ذهنه قد عضد هذا المعنى، وان كنا لا ندري حقاً: أكان القول بهذا النموذج علة هذا الفهم الخلقي ام كان نتيجة له؟ أكان ما أشار إليه من (الانفعال المعتدل) ذا غاية خلقية اصلا، ام كان النموذج الذي لاح له يعني ان التطهير ليس إلا الحث على الفضائل؟ ولكن ما هو هذا النموذج؟ ان اتجاه  ابن رشد إلى التطبيق منذ البداية، ومحاولته تلمس شبيه بمعنى التطهير قادة إلى قصة يوسف عليه السلام، فغاية هذه القصة ليست الاعتدال بالانفعال النفساني، وانما هي ترمي ــ بما تثيره من حزن وتفجع ــ إلى الحث على الفضائل: (وذلك انه يجب ان تكون المدائح التي يقصد بها الحث على الفضائل : (وذلك انه يجب ان تكون المدائح التي يقصد بها الحث على الفضائل مركبة من محاكاة الفضائل، ومن محاكاة اشياء مخوفة محزنة يتفجع لها . . . وذلك يكون اذا انتقل من محاكاة الفضائل إلى محاكاة اهل الفضائل، فإن هذه المحاكاة ترق النفس، وتزعجها إلى قبول الفضائل، وانت تجد اكثر المحاكاة الواقعة في الأقاويل الشرعية على هذا النحو الذي ذكر، اذ كانت تلك هي اقاويل مديحية تدل على العمل مثل ما ورد من حديث يوسف ــ صلى الله عليه ــ واخوته، وغير ذلك من الاقاصيص التي تسمى مواعظ)(25).

اما النموذج الاخر الذي ضربه ابن رشد مثلاً للتطهير الناجم عن الرحمة والخوف، فهو قصة ابراهيم عليه السلام، فقد قال: ان من المحاكاة ما يثير اللذة من غير ان يقترن بالحزن والخوف ومنها ما يثير اللذة إذا اقترن بالحزن والخوف، وتعلق بالصديق والحبيب: (ولهذا الذي ذكره كان قصص ابراهيم عليه السلام ــ فيما امر به في ابنه ــ في غاية الاقاويل الموجبة للحزن والخوف) (26). وإذا سلمنا بأن الغرض من قصة يوسف عليه السلام هو الحث على الفضائل الخلقية من خلال مشاعر الحزن التي تعتري الانسان، فلا بد ان نسلم بذلك في قصة ابراهيم عليه السلام ايضاً، فالغاية هنا خلقية ايضاً، بل هي دينية، وخلاصتها ان على المء ان يخضع خضوعاً مطلقاً للإرادة الالهية بحيث (تتطهر) النفس من ترددها في الامتثال لأوامر الله عز وجل. والحق ان مفهوم التطهير ينطوي اصلاً على المعنى الديني كما رأينا، وينبغي ان يلاحظ فيه دائماً ما يؤول إليه من أثر نفساني، أو خلقي ، أو ديني، لأنه اذا خلا من هذا الاثر فلا قيمة له اذ يمكن ان يكون الحض على الرحمة مثلاً في بعض الامور سبيلاً إلى الضعف، ما لم يكن ذا غاية نفسانية، أو خلقية، أو دينية ، ولقد ابن رشد يستطيع ان يستلهم من هذين النموذجين مفهوماً خاصاً عن التطهير الخلقي الديني في الشعر يغني به تراثنا النقدي، ولكنه لم يشغل نفسه بذلك، ولو انه افاض في شرح هذه الامثلة على نحو يجلو وجه الفن فيها، ويجعلها نماذج في مقدور الشاعر ان يحاكيها، فيثير في محاكاته المشاعر المفضية إلى الفضائل في ثوب تخييلي فني، لكان قد اضاف إلى النقد العربي مبدأ جديداً قيما، أما ما اخره عن ذلك فهو ــ مرة اخرى ــ الشعور الراسخ بأن التشبيه هو غاية الفن في الشعر العربي بما ينطوي عليه من تخييل الاشياء تخييلاً حسياً.

ولسنا ندري كيف استقام لابن رشد تفسير المحاكاة بالتشبيه الحسي، على الرغم من اهتدائه إلى ان المحاكاة (انما هي للهيئات التي تلزم الفضائل، لا للملكات اذ ليس يمكن فيها ان يتخيل) (27)، بيد اننا اذا رجعنا إلى قوله اصلاً ان علة توليد الشعر هي ان الانسان يلتذ (بالتشبيه للأشياء التي قد احسها وبالمحاكاة لها ... والدليل على ان الانسان يسر بالتشبيه بالطبع، ويفرح، هو انا نلتذ ونسر بمحاكاة الاشياء التي لا نلتذ بإحساسها، وبخاصة اذا كانت المحاكاة شديدة الاستقصاء، مثلما يعرف في تصاوير كثير من الحيوانات التي يعملها المهرة من المصورين)(28) ظهر لنا ان ابن رشد ــ شأن ابن سينا ــ ظل على ولائه المدني للمفهوم الحسي في المحاكاة ــ ولا سيما انه لم يتردد قط في مزجها بالتشبيه ــ على الرغم من اشارته في عدة مواضع إلى المفهوم المعنوي في محاكاة الفعل على نحو ينبئ عن ادراكه التام لهذا المفهوم(29). ويبدو انه لا مناص لنا من ان نعرض لطبيعة هذا المفهوم فقد ذهب ابن رشد إلى ان اكثر تشبيه العرب(30) انما هو تشبيه محسوس بمحسوس على نحو يوهم المماثلة التامة: (لذلك كانت حروف التشبيه عندهم تقتضي الشك)(31)، وان معيار جودة التشبيه هو هذه المماثلة نفسها، بحيث يكون التشبيه تاماً إذا اوهم الشك، وناقصاً اذا لم يوهم الشك: (كلما كانت هذه المتوهمات اقرب إلى وقوع الشك كانت اتم تشبيها، وكلما كانت ابعد من وقوع الشك كانت انقص تشبيها، وهذه هي المحاكاة البعيدة ، وينبغي ان تطرح، وذلك مثل قول امرئ القيس في الفرس . . . كأنها هراوة منوال)(32) وربما حاكت العرب المعنى بالحس، ولكن في هذا المجال ايضاً لابد من ملاحظة فعل (يناسب ) ذلك المعنى بحيث يؤول ايضاً إلى ايهام المماثلة المحسوسة نحو قولهم في المنة انها، طوق العنق، ولا بد أيضاً من ملاحظة  المعنى "القريب" و "الشبيه" و "المناسب" ــ وهي كلها ألفاظ من شأنها ان تحجر على خيال الشاعر ــ فيطرح مثلاً نحو قول ابي تمام: لا تستقني ماء الملام، (33) لأن الماء ــ كما يقول ابن رشد متابعاً معظم النقاد ـت (غير مناسب للملام)، بل ان ابن رشد يذهب ابعد من ذلك فيضع للتشبيه معياراً اخلاقياً ويصرح بأن من التشبيه ما هو شريف، وما هو خسيس، وانه ينبغي ان يتعلق (بالأشياء الفاضلة) وكأنه يريد هنا توكيد نظرته الخلقية في مجال الفني المحض ايضاً: (وكما ان البعيد الوجود هاهنا مطرح،  كذلك ينبغي ان يكون التشبيه بالخسيس الوجود مطرحاً ايضاً، وان يكون التشبيه بالأشياء الفاضلة فمثال تشبيه الشريف بالخسيس قول الراجز:

والشمس مائلة ولما تفعل                 فكأنها في الأفق عين الاحول) (34)

يلوح ان ابن رشد يناقص هنا ما ذهب إليه الفارابي في كلامه على "الاخطار بالبال" فلم يلحظ ما في هذا الاخطار من معنى "الايحاء" وانما اورد "المحاكاة التي تقع بالتذكر"(35)، واضفى عليها طابعاً حسياً حين فسرها بأن يورد الشاعر شيئاً يذكره بشيء آخر: (مثل ان يرى انسان خط انسان، فيتذكره، فيحزن عليه ان كان ميتا، أو يتشوق إليه ان كان حياً(36) ولا ريب أن ثمة فرقاً واضحاً بين "الإيحاء" و"التذكر" ولا سيما اذا نظرنا في الأمثلة التي ضربها ابن رشد والتي يظهر فيها الشعور العاطفي مقترنا  بظاهرة حسية، وحقا فإن الاشياء ذات اثر بالغ في ايقاظ المشاعر، ولكن على سبيل الإيحاء، لا على سبيل التذكر لأن الإيحاء قد يتم من خلال علاقة بعيدة ــ وهو ما ينكره ابن رشد ــ اما التذكر فلا يتم إلا بأثر محسوس، ومن خلال علاقة قريبة(37).

ويمضي ابن رشد فيحدثنا ان من المحاكاة (ان يذكر ان شخصاً ما شبيه بشخص من ذلك النوع بعينه، وهذا التشبيه لا يكون إلا في الخلق والخلق مثل قول السائل: (جاء شبيه يوسف) و (لم يأت إلا فلان)، ومن هذا قول امرئ القيس: وتعرف فيه من ابيه شمائلاً. .والتصريح بالتشبيه خلاف التشبيه، فإن التشبيه هو إيقاع شك، والتصريح بالتشبيه بين اثنين هو تحقيق لوجود الشبه، وهو الغاية في مطابقة التخييل، اعني اذا قيل: شبيه فلان)(38) وكأنه كان يرى ان الغاية المثلة في المحاكاة هي تحقيق وجود الشبه على سبيل التصريح، لا على سبيل الشك، فالمطابقة التامة هي الغاية حتى في محاكاة الخلق مثلما يظهر في قول امرئ القيس: وتعرف فيه من ابيه شمائلاً، الذي ينم على ان خلق الابن قد يعرف من خلال خلق ابيه، ومرجع ذلك ايضاً صلة النسب التي ينبغي ان تلحظ دائماً في التشبيه بين شيئين بما تحمله من مدلول حسي.

ويجعل ابن رشد الغلو الكاذب ــ الذي يسميه السفسطة ــ من ضروب المحاكاة ايضاً، وإن كان يحمل عليه ويعتبره كذباً، وكأنه يتبرم بما فيه من طابع غير خلقي فبعد ان اورد عدة امثلة منه قال: "وهذا كله كذب" ثم اضاف: (وهذا كثير موجود في اشعار العرب، وليس تجد في "الكتاب العزيز" منه شيئاً، إذ كان يتنزل من هذا الجنس من القول، أعني الشعر، منزلة الكلام السوفسطائي من البرهان، ولكن قد يوجد للمطبوع من الشعراء منع شيء محمود) (39). ولسنا ندري كيف يكون الغلو محاكاة، إذا كانت المحاكاة تشبيها تطلب فيه المطابقة؟ ويبدو انه لم يكن يقرن المحاكاة بالتشبيه وحده، وانما هو يقرنها بالمجاز عامة (40) وان كان قد غلب عنده معنى التشبيه لصلته بالمحاكاة من ناحية اللفظ، فكلاهما يرجع إلى معنى التقليد الظاهر، ومهما يكن، فان الذي يلفت النظر هو اصراره مرة اخرى على الطابع الخلقي من خلال اعتباره الغلو كذباً غير عابئ بما قد يكون فيه من قيمة فنية إلا لماما، وكذلك دأبه على البحث ملامح التشابه بين معاني المحاكاة، ومعاني القرآن لتأكيدها او نفيها مثلما فهل هنا حين نزع القرآن الكريم عن الغلو، والذي يعنينا هو ان نظرته الخلقية ربما كانت ترجع إلى إيمانه بإمكان محاكاة النمط القرآني، ونفوره من غلبة الطابع الحسي في الشعر العربي على نحو ما ظهر في حملته العنيفة على ما في النسيب من "فسوق"(41)، وحقاً فإن العلاقة بين نفوره من محاكاة الشعر، واقباله على محاكاة القرآن لم تكن واضحة تماماً بحيث تتحول إلى منهج نقدي، بيد أنها كانت تتردد كلما اراد تفسير ما اخذ نفسه بتفسيره من معاني المحاكاة اليونانية، وهكذا فربما كان الوحيد بين النقاد الذي نبه على ما ينطوي عليه القرآن من نماذج ادبية سامية، افتقر إليها الشعر العربي غالباً.

على ان ذروة المفهوم الحسي عند ابن رشد انما تتجلى في كلامه على القصص الشعري الذي يغدو عنده تصويرا واقعياً محسوساً للأشياء، حتى يكون من الافضل للشاعر ان يشهد الواقعة عياناً اذا اراد وصفها للسامع، واذا كان ارسطو قد ذهب إلى انه ينبغي للشاعر ان يتمثل احداث القصة بعينيه، بحيث لا يغيب عنه ما يوقعه غيابه في التناقض، فإنه لا يريد بذلك حض الشاعر على تصوير الشيء تصويراً محسوساً، وما دام جوهر الفن عنده هو محاكاة ما يمكن ان يكون، وقد ورد في ترجمة "متى" (ينبغي ان تقوم الخرافات، وتتيم بالمقولة، من قبل ان الامور توضع امام العينين جداً وذلك انه على هذه الجهة، عندما يرى الشاعر على ما عند الامور المعمولة انفسها، وعندما يصير هناك يجد الشيء الاولى، والاحرى، والاجمل، ولا يذهل عليه البتة المضاد لهذه)( 42) وقد ترجم الدكتور شكري عياد هذه الفقرة كما يلي: (وينبغي للشاعر حين ينظم قصصه ويتممها بالعبارة، ان يتمثلها بعينيه على قدر ما يستطيع، فإنه حين يرى الاشياء اوضح ما تكون، وكأنه كان شاهداً الاعمال نفسها، يجد ما يليق بها ، ولا يغيب عنه شيء من ضد ذلك)(43). ولعل ما يفهم من هذا الكلام هو ان الشاعر ينبغي ان يتمثل احداث القصة في خياله على نحو كل، فينسقها، ويرتبها، ثم يصورها تصويراً يقرب به من الواقع سواء اكانت واقعة ام محتملة الوقوع، وسواء (اكان الموضوع الذي يتناول قديماً ام مبتدعاً) (44). وظاهر ان هذا يختلف عن محاولة الشاعر رؤية الواقعة لكي يتمكن من اجادة وصفها على نحو ما اثنى به ابن رشد على المتنبي حين قال: انه تخييل الحروب الواقعة ، لما حي عنه من انه كان يتجنب وصف الحروب التي لم يشهدها حقاً مع سيق الدولة، وعلى نحو ما حاول ان يمثل به ابيات امرئ القيس في مغامرة نسوية خاضها، وها هنا ايضاً، لم يفت ابن رشد ان يلاحظ ، تبعاً لنزعته الاخلاقية، ان القصة الشعرية عند العرب انما صورت افعالاً "غير عفيفة" وان منها ما يقصد به "مطابقة التخييل" او التصوير الدقيق، وهكذا فقد حول ما عناه ارسطو من تصوير القصة كأنها مرئية، إلى رؤية القصة قبل تصويرها:  (... وإجادة القصص الشعري، والبلوغ به إلى غاية التمام، انما يكون متى بلغ الشاعر من وصف الشيء، او القضية الواقعة التي يصفها ، مبلغاً يرى السامعين له كأنه محسوس، ومنظور إليه ، ويكون مع هذا ضده غير ذاهب عليهم من ذلك الوصف، وهذا يوجد كثيراً في شعر الفحول، والمفلقين من الشعراء، لكن انما يوجد هذا النحو من التخييل للعرب اما في افعال غير عفيفة، واما فيما القصد منه مطابقة التخييل فقط . . . وقد يوجد لك في اشعارهم في وصف الاحوال الواقعة مثل الحروب، وغير ذلك مما يتمدحون به، والمتنبي افضل من يوجد له هذا الصنف من التخييل، وذلك كثير في اشعاره، ولذلك يحكي عنه انه كان لا يريد ان يصف الوقائع التي لم يشهدها مع سيف الدولة، واجادة هذا النوع من التشبيه يتأتى بأن يحصل للإنسان اولاً جميع المعاني في الشيء الذي يقصد وصفه ثم يركب على تلك المعاني الاجزاء الثلاثة من اجزاء الشعر: اعني التخييل، والوزن واللحن)(45).

والحق ان ولع ابن رشد بتطبيق اقوال ارسطو على الشعر العربي، هو الذي افضى به إلى التخبط ، ولو انه ظل مخلصاً لقوله: ان كثيراً من قوانين الشعر اليوناني لا يستقيم مع اشعار العرب ــ نحو قوله ذلك في مدائح الفضائل ــ لما اضطر إلى اعتبار الموشحات من قبيل ما اجتمعت فيه عناصر المحاكاة الثلاثة وهي: النغم والايقاع، والتشبيه (التخييل)، وقد كان ينظر في ذلك إلى قول ارسطو: انه اذا كانت الفنون ضروبا من المحاكاة، فأنها تختلف في الموضوع، او الوسيلة او الطريقة، ومن حيث الوسيلة مثلا فالموسيقا تعبر باللحن، والرقص يعبر بالإيقاع، والشعر يعبر بالقول، وقد تجتمع هذه الوسائل كلها احياناً في فن معين، ورد في ترجمة "متى": (وكما ان الناس قد يشبهون بالوان، واشكال كثيراً ويحاكون ذلك من حيث ان بعضهم يشبه بالصناعات ويحاكيها، وبعضهم بالعادات، وقوم آخر منهم بالأصوات، وكذلك الصناعات التي وصفها، وجميعها يأتي بالتشبيه والحكاية باللحن والقوة والنظم، وذلك يكون اما على الانفراد، واما على جهة الاختلاط)(46)

ولقد أدرك ابن رشد هذه الفكرة بوضوح، ولكنه ذهب إلى ان المحاكاة التي تجتمع فيها هذه العناصر جميعاً انما تتوفر في الموشحات: (والمحاكاة في الأقاويل الشعرية تكون من قبل ثلاثة اشياء: من قبل النغم المتفقة، ومن قبل الوزن، ومن قبل التشبيه نفسه وهذه قد يوجد كل واحد منها مفرداً عن صاحبه مثل وجود النغم في المزامير، والزون في الرقص، والمحاكاة في اللفظ، أعني الاقاويل المخيلة غير الموزونة، وقد تجتمع هذه الثلاثة بأسرها، مثلما يوجد عندما في النوع الذي يسمى الموشحات والازجال، وهي الاشعار التي استنبطها

في هذا اللسان اهل هذه الجزيرة) (47). وواضح ان كلام ارسطو يتعلق ببيان اختلاف وسائل الفنون على الرغم من وحدة الغاية التي هي محاكاة جوهر الاشياء، اما الموشح فهو نمط من انماط الشعر العربي، قد يتفق له ان يقترن باللحن، والرقص، اي ان طبيعة المحاكاة في الموضح هي نفسها طبيعة المحاكاة في الشعر ــ تلك التي يقول ابن رشد انها التشبيه ــ ولا يؤثر في تلك الطبيعة اقتران الموشح بالرقص والموسيقا، لأن هذا الاقتران عنصر اضافي لا علاقة له بجوهر الموشح الذي هو تشبيه الاشياء كما هو شأن الشعر، اما قول ارسطو فينم على ان من الفنون ما تجتمع فيه انواع المحاكاة لتؤدي غرضاً واحداً، بعد ان يصور كل نوع هذا الغرض بوسيلته الخاصة، فالقول محاكاة والرقص محاكاة، والموسيقا محاكاة، ثم قد تجتمع هذه الانواع جميعاً في التعبير عن امر معين، وحقاً لم يبين لنا ابن رشد ما اذا كان يريد الموشحة مجردة ام مقترنة باللحن والرقص، ولم يشرح لنا كيف تجتمع هذه المحاكيات في الموشحة مقترنة بالرقص واللحن دون ان يقتضي ذلك اشتراكهما في تأدية معنى المحاكاة في الموشح، ما دام هذا المعنى يرجع إلى التشبيه، وقد يبدو ذلك غريباً بالنظر إلى قوله ان الرقص والموسيقا انما يسلكان سبيل التخييل ايضاً، فلو انه افاض قليلاً في شرح الصلة والموسيقا انما يسلكان سبيل التخييل ايضاً، فلو انه افاض قليلاً في شرح الصلة بين الشعر والموسيقا من حيث طبيعة التخييل، ولا سيما انه عرف في الموشح ما يدعو إلى عقد هذه الصلة، لأمكننا ان نلمس في رأيه هذا امراً جوهرياً يجعل الموشح اقرب إلى التعبير منه إلى التصوير، ولكن، لعله من التكرار الممل حقاً القول بأن الغلط الذي افضى إلى هذا الاضطراب هو تفسير المحاكاة بالتشبيه، واعتبارها ضرباً من المجاز. يقول الدكتور محمد غنيمي هلال: (واضح اننا اذا فهمنا ان المحاكاة قد توافرت في الموشحات والازجال، فاننا بذلك نكون قد قوضنا النظرية اليونانية من اساسها)(48)، والغريب ان ابن رشد قد قرن الشعر بالتصوير ولم يقرنه بالموسيقا على الرغم من قوله: ان صناعة الموسيقا انما هي تخييل ايضاً، وعلى الرغم من ادراكه لأثر اللحن في تهيئة النفس لقبول الخيال مما يجعل للحن اثراً هاماً في الابداع الشعري، اذ يربطه بتكوين الحاسة الخيالية ــ اذا صح التعبير : (وعمل اللحن في الشعر هو انه يعد النفس لقبول خيال الشيء الذي يقصد تخييله، فكأن اللحن هو الذي يفيد النفس الاستعداد الذي به تقبل التشبيه، والمحاكاة للشيء المقصود تشبيهه)(49)، فاذا لاحظن ان اللحن عنده هو من (الاشياء التي بها يحاكى)(50) لأنه يندرج مع الوزن والتخييل في القسم الاول الذي يتولى محاكاة القسم الثاني الذي يشمل العادات والاعتقادات ، والنظر(51)، ادركنا كيف غفل عن استنباط المقارنة بين الشعر والموسيقا على نحو يحرر الشعر من طابع التشبيه الحسي القائم على ملاحظة علاقة واضحة بين شيئين منظورين.

على ان الاغرب من ذلك هو تمثيل ابن رشد لما عابه ارسطو من محاكاة المستحيل بتشبيه ابن المعتز الشهير للقمر بزورق من فضة قد أثقله العنبر، قال (والغلط الذي يقع في الشعر، ويجب على الشاعر توبيخه فيه ستة اصناف: أحدهما ان يحاكي بغير ممكن، بل ممتنع، ومثال هذا عند قول ابن المعتز يصف القمر في تنقصه:

انظر إليه كزورق من فضة قد اثقلته حمولة من عنبر فإن هذا ممتنع، وانما آنسة بذلك شدة الشبه، وانه لم يقصد به حث ولا نهي، بل انما يجب ان يحاكي بما هو موجود، او يظن انه موجود، مثل محاكاة الاشرار بالشياطين، او بما هو ممكن الوجود في الاكثر لا في الاقل، أو على التساوي، فان هذا النوع من الموجود هو اليق بالخطابة منه بالشعر) (52)، ترى هل يريد ابن رشد ان يقصر مجال التشبيه على ما هو خاضع لمنطق العقل، فيخضعه لقانون الامكان العقلي، أو قانون الرؤية البصرية؟ طبعاً، لا مجال هنا للمقارنة بما قصده ارسطو حين تكلم على الممكن والمستحيل من الناحية الفنية، لنه ينسجم في ذلك مفهومه عن المحاكاة(53)، ولكن لابد من التساؤل عن الممكن والممتنع في تشبيه القمر بالزورق؟ وهل ينبغي علينا ــ كي يكون هذا التشبيه مقبولاً ــ ان نلحظ امكان تحول القمر إلى زورق؟ اين هو اذن عمل الخيال الذي يصور للإنسان وجود علاقة بين الاشياء، سواء اكانت هذه العلاقة ظاهرة قريبة، ام خفية بعيدة؟ ان الشاعر لا يكاد يصنع شيئاً إذا كان عليه ان يجيل طرفه فيما هو ظاهر قريب من وجود الشبه الممكنة عقلاً، وكما يقول الدكتور شوقي ضيف. فإن (وظيفة التشبيه هي التصوير، والتوضيح بالانتقال من شيء إلى شيء يشبهه، ويشاكله، يعبر به الشاعر، أو الكاتب عن معنى في نفسه، وكلما كان ابعد واغرب كان اروع وأجمل) (54) ثم إن ابن رشد نفسه يقول: ان الذي دفع ابن المعتز إلى تشبيه القمر بالزورق هو شدة الشبه، فيكف يكون التشبيه ممتنعاً إذا كان وجه الشبه قوياً؟ ونحن لا نفهم ايضاً قوله إن ابن المعتز لم يقصد من تشبيه حثاً ولا نهيا، وكأن من مقتضى التشبيه ان يحث او ان ينهى؟ ان كل ذلك يؤكد اضطراب ابن رشد بين معاني المحاكاة والتشبيه، والتخييل، والحث، والنهي، والممكن، والممتنع، والغلط الرئيسي في ذلك هو اصراره على تطبيق قوانين الشعر اليوناني على الشعر العربي، على الرغم من قوله: ان هذه القوانين لا توجد في اشعار العرب، وعلى الرغم من اختلاف مفهوم المحاكاة بين المظهر والجوهر.

وتبقى مسألة مهمة من مسائل المحاكاة وهي "وحدة الموضوع" ويبدو ان ابن رشد لم ينتبه إليها وان كان قد حاول ان يفهم فكرة "العقدة" و "الحل" وطبعاً فإن افكار ارسطو لا يمكن فهمها إلا من خلال المأساة المشتملة على حكاية فعل تام(55)، ولكن اتجاه ابن رشد إلى "التعريب" اوقعه في الغلط، ومن هذا القبيل وضعه مصطلح "الرباط" مقابل "العقدة" ثم تفسيره الرباط بالمعنى القريب الذي هو ربط جزء النسيب في القصيدة العربية بجزء المديح ــ وان تباين الجزءان ــ على نحو يجعل الانتقال خفياً، اما "الحل" فهو لا يضع له مصطلحاً مقابلاً، ولكنه يلتمس معناه في الانتقال الواضح في مقل قول زهير : دع ذا وعد القول في هرم ومهما يكن فقد خضع ابن رشد لطبيعة الشعر العربي، فأضاع فكرة جوهرية من افكار المحاكاة كان من شأنها ان تضفي على القصيدة العربية طابع "الوحدة" فتخلصها من "الرباط" الذي طالما حار الشعراء في كيفية اتقانه للانتقال من الغزل إلى المديح، وكأنه لا سبيل إلى ان تخلص القصيدة للغزل، او تخلص للمديح دونما حاجة إلى هذا الربط المصطنع غالباً، (56) والحق ان الغلط في اغفال الوحدة العضوية للقصيدة يرجع إلى ابن سينا ، لأنه ادرك كيف ينبغي ان يكون الشعر مرتباً (بحيث لو نزع منه جزء واحد فد) انتقض)(57) وان كان لم يسهم في ابهام معنى الوحدة كما فعل ابن رشد حين جعل الرباط قاصراً على إيجاد علاقة سطحية بين اجزاء متباينة: (وكل مديح فمنه ما فيه رباط بين اجزائه، ومنع ما فيه حل، ويشبه ان يكون اقرب الاشياء شبها بالرباط الموجود في اشعارهم هو الجزء الذي يسمى عندما الاستطراد، وهو ربط جزء النسيب، وبالجملة صدر القصيدة، بالجزء المديحي، والحل تفصيل الجزءين احدهما من الآخر أي يؤتى بهما مفصلاً، وأكثر ما يوجد الرباط في اشعار المحدثين . . كقول ابي الطيب:

مرت بنا بين تربيها فقلت لها                      من اين جانس هذا الشادن العربا

فاستضحكت ثم قالت كالمغيث يرى             ليث الشرى، وهو من عجل إذا انتسبا

واما الحل، فهو موجود كثيراً في اشعار العرب مثل قول زهير: دع ذا وعد القول في هرم) (58) وهكذا بالرباط هو مجرد وجود علاقة بين بيتين، وان كانت علاقة يقتضيها نظم الكلام.

ولا ريب ان مفهوم "الرباط" هذا يقترن بمفهوم "المحاكاة" في النقد العربي، فاذا كانت المحاكاة علاقة ظاهرة بين شيئين، فلا سبيل إلى فهم الوحدة ايضاً الا على انها رباط ظاهر بين جزءين، وربما لم يكن ثمة ضرورة اصلاً لهذا الرباط، لن اعتبار التشبيه جوهر الفن الشعري لا يقتضي إلا بيتا واحداً، او شطر بيت، اذا توفر فيه عنصراً التشبيه، اما العلاقة بين الابيات تبعاً لذلك فإنما هي علاقة "جمع" وليست علاقة "وحدة" على نحو ما تجتمع الاشياء في الطبيعة دون ان تتحد، وكما انه قد يوجد في الطبيعة تناقض بين شيئين متجاورين ، فقد يوجد في القصيدة ايضاً تناقض بين بيتين او جزءين متجاورين، ولا يضير القصيدة ذلك كما لا يضير الطبيعة وجود الخبر والشر معاً، ألم يقل "ابن سان" ان النقاد (قد تسمحوا في الشعر ان يكون في البيت شيء، وفي بيت آخر ما ينقضه حتى يذم في بيت شيء من وجه، ويمدح في بيت آخر من ذلك الوجه بعينه، وانما اجازوا هذا لأنهم اعتقدوا ان كل بيت قائم بنفسه، فجرى البيتان مجرى قصيدتين) (59) اذان إذا كان النقاد قد اجازوا التناقض، فكيف يمكن ان يطلبوا الانسجام؟ وإذا كان البيت هو القصيدة فما معنى الرباط بين مجموعة ابيات أو "قصائد"؟ ربما كان من المفيد تأمل ذلك من خلال كلام ابن رشد على طبيعة التخييل الذي هو وصف الاشياء كما يه، وطبعاً فمن العسير ايجاد الوحدة بين الاشياء الموصوفة على نحو ما هو موجودة بين الافعال المحكية: (ولما كان الشاعر المجيد هو الذي يصف كل شيء بخواصه وعلى كنهه، وكانت هذه الاشياء تختلف بالكشرة والقلة في شيء من الاشياء الموصوفة، وجب ان يكون التخييل الفاضل هو الذي لا يتجاوز خواص الشيء. ولا حقيقته) (60).

وهكذا يلاحظ ان الفلاسفة المسلمين قد أبدوا من خلال عرض كتاب ارسطو اراء ــ جوهرية في فن الشعر، بيد انهم لم يبذلوا جهداً حقيقياً في جعل هذه الآراء منهجاً نقدياً جديداً.

___________________

(1) فن الشعر: ص201.

(2) المصدر نفسه: ص201.

(3) المصدر نفسه: ص201.

(4) المصدر نفسه: 201-203.

(5) انظر مثلا: فن الشعر، ص205 "ولما كان المحاكون والمشبهون . . . وإذا كان كل تشبيه وحكاية . . . يوجد لكل تشبيه وحكاية هذان الفصلان: أعني التحسين والتقبيح . . . وقد يوجد للتشبيه بالقول فصل ثالث".

وص206 "اما العلة الأولى فوجود التشبيه والمحاكاة للإنسان بالطبع "ص208 "والحد المفعم جوهر صناعة المديح هو انها تشبيه ومحاكاة للعمل الاداري الفاضل". ص215: "وكثير من الأقاويل الشعرية تكون جودتها في المحاكاة البسيطة، وكثير منها إنما تكون جودتها في نفس التشبيه والمحاكاة" وهذا عدا تمثيل ابن رشد بأبيات التشبيه وهو يتكلم على المحاكاة، انظر مثلاً، ص247-250.

(6) تاريخ النقد الادبي: ص527.

(7) فن الشعر: ص210

(8) المصدر نفسه: ص209 – 210

(9) انظر انتقاد ابن المنير للزمخشري في هذا الامر: كتاب الشعر ص263.

(10) فن الشعر: ص245.

(11) المصدر نفسه: 218

(12) انظر مثلاً في المثنوي "ترجمة الدكتور عبد السلام كفافي، الطبعة الأولى، المطبعة العصرية بيروت 1966: قصة الريح التي اهلكت قوم عاد:1/153 ــ قصة الهدهد وسلمان: 1/187 ــ قصة آدم والقضاء: 1/190 قصة موسى وفرعون: 1/305 ومن قصص الحديث: شرح حديث : ان لربكم في ايام دهركم نفحات: 1/255 – شرح حديث اغتنموا برد الربيع 1/265 ــ الجذع الحنان: 1/72 نطق الحصى 1/276 بل ان جلال الدين صاغ ايضاً قصص كلية ودمنة على نحو رمزي خيالي فجعل منها شعراً رائعاً زاخراً بالمعاني انظر مثلا: قصة الارنب والاسد 1/193 – 201 اما العطار صاحب المنظومة الرمزية للعجيبة كما قال حيدر بأمات في كتابه مجالي الاسلام فلعل اسم منظومته منطق الطير الذي هو جزء من آية كريمة يوحي بموضوعها الذي تخيل فيه رحلة جمع من الطير يتقدمهم الهدهد عبر وديان الحقيقة بحثا عن الحق انظر: عطار تامة تحقيق: احمد ناحي القيسي ودراسته بغداد 1969 ص558-576.

(13) يطلق ابن رشد لفظ "المطابقة" شأن ابن سينا ــ على التشبيه، وهو اصطلاح يؤكد الممثالة بين عنصري.

(14) فن الشعر: ص205-206.

(15) وهي ما أسماء أرسطو بالتحول الذي يعني به "تحول الفعل إلى نقيضه، بالانتقال من السعادة إلى الشقاوة أو العكس" أنظر: النقد الأدبي الحديث ص71.

(16) فن السعادة، ص229.

(17) انظر الآيات 224-227 من سورة الشعراء.

(18) فن الشعر: ص220

(19) يلاحظ أن ابن رشد اورد المصطلح على النحو الذي أورده ارسطو تماماً إذ يقول في تعريف المأساة: (وتثير الرحمة والخوف فتؤدي إلى التطهير من هذه الانفعالات) النقد الأدبي الحديث ص65، اما ابن سينا فقد آثر مصطلح (الرحمة والتقوى) تارة و (الرقة والتقية) تارة اخرى. انظر فن الشعر ص176.

(20) النقد الادبي الحديث ص:65.

(21) فن الشعر: ص208.

(22) انظر الجدل حول فكرة التطهير في النقد الادبي الحديث ص82-85 ــ مقدمة الدكتور بدوي في فن الشعر ص49-50، وعلى حين يميل الدكتور هلال إلى المعنى الطبي الذي هو التقليل من الانفعال والتسامي به، يصر الدكتور بدوي على المعنى الروحي الديني.

(23) النقد الادبي الحديث: ص84.

(24) مقدمة فن الشعر: ص50.

(25) فن الشعر: ص218

(26) المصدر نفسه: ص220.

(27) المصدر نفسه: ص208.

(28) المصدر نفسه: 206.

(29) انظر قوله مثلاً: ان الشعراء قد يحاكون الاشياء الناقصة (وبخاصة اذا قصدوا محاكاة الاعتقادات، لأن تخيلها يعسر اذ كانت ليس افعالاً ولا جواهر) ص125. وقوله: (ولما كان المحاكون والمشبهون انما يقصدون بذلك ان يحشوا على بعض الافعال الارادية، وان يكفوا عن عمل بعضها، فقد يجب ضرورة ان تكون الامور التي تقصد محاكاتها اما فضائل واما رذائل) ص204 بل انه يعرف المأساة اصلاً بأنها (تشبيه ومحاكاة للفعل الارادي الفاضل الكامل) ص2-8.

(30) ويلاحظ أنه يورد التشبيه والمحاكاة في معنى واحد: (والتشبيه والمحاكاة هي مدائح الاشياء التي في غاية الفضيلة) ص222.

(31) فن الشعر: ص22

(32) المصدر نفسه: ص222-223.

(33) المصدر نفسه: 224، وتمام البيت لا تسقني ماء الملام فإنني صب قد استعذبت ماء بكائي) وقد ثار حوله جدل كثير.

(34) المصدر نفسه: ص224.

(35) المصدر نفسه: ص224.

(36) المصدر نفسه: ص225.

(37) انظر في امثله ابن رشد: قبر مالك ــ الطلل ــ اسم ليلى ص 224-226.

(38) المصدر نفسه: ص226.

(39) فن الشعر: ص228.

(40) قسم ابن سينا ايضاً المحاكاة إلى تشبيه واستعارة وكناية فقرنها بالمجاز، انظر: كتاب المجموع ص18.

(41) انظر: فن الشعر ص205 – 206.

(42) كتاب الشعر: ص99.

(43) المصدر نفسه: ص98.

(44) المصدر نفسه: ص98.

(45) المصدر نفسه: ص29-23. وقد مثل ابن رشد لتخييل الافعال غير العفيفة بأبيات امرئ القيس التي مطلعها:

سموت إليها بعد ما دام اهلها                                سمو حباب الماء حالا على حال

ومثل لتخييل ما القصد منه مطابقة التشبيه بأبيات ذي الرمة التي مطلعها:

وسقط كعين الديك عاروت صحبتي                       إباها وهيأنا لموقعها وكرا

(46) كتاب الشهر: ص29-31 وانظر ترجمة شكري عياد للفقرة ذاتها ص28.

(47) فن الشعر: ص203

(48) النقد الادبي الحديث: ص163.

(49) فن الشعر: ص208.

(50) المصدر نفسه: ص210.

(51) المصدر نفسه: ص208 – 210.

(52) فن الشعر: ص247.

(53) انظر: كتاب الشعر: ص142-143 النقد الادبي الحديث ص60-62.

(54) في النقد الادبي: ص171.

(55) انظر في ذلك: النقد الادبي الحديث ص67 – 64.

(56) وهذا لا يعني انه لم توجد قصائد خلص فيها الشاعر إلى نوع من وحدة الغرض او الموضوع، ولكننا نشير هنا إلى الطابع الغالب الذي لم يجد النقاد حرجاً في وضع القواعد له كما سنرى ــ

(57) فن الشعر: ص183.

(58) فن الشعر: ص231.

(59) فن الشعر ص232.

(60) ابن سنان الخفاجي: سر الفصاحة مكتبة الخانجي، الطبعة الاولى. ص228





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.