أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-1-2020
1974
التاريخ: 18-1-2020
1382
التاريخ: 25-12-2015
8966
التاريخ: 14-08-2015
13677
|
إذا علمنا ما اتفق للشعر الغنائي الجاهلي من علّيّة وغلبة، فما الذي عاق تطور هذا المفهوم فيما بعد، ولا سيما بعد اطلاع العرب على كتاب ارسطو، وبعد محاولات التجديد المبكرة في العصر العباسي خصوصاً على يد بشار وأبي نواس؟ أن امامنا في هذا المجال عاملاً نفسياً ذا شأن هو تلك الحظوة العظيمة التي نعم بها الشعر الجاهلي في أذهان النقاد، وتلك الهالة التي أحاطت به، وحالت دون اجتراء الناس على طبيعته ، وقواعده ، وطريقته في التعبير، وربما كان السبب الرئيس ــ كما يرى الدكتور عبد الرحمن بدوي ــ هو ان النقد العربي ابتلي منذ عهد مبكر بعلماء اللغة الذين كانوا يجلون الشعر الجاهلي اجلالاً عظيماً، لأنه مصدر علومهم الوحيد تقريباً، فلم يأبهوا للمعاني الانسانية فيه، يقول: "والشيء المؤلم حقاً هو ان الشعر قد دخل منذ البداية في باب علوم العربية لأنه كان يدرس استخلاص الشواهد النحوية والصرفية واللغوية فوجدت هوة هائلة بين علماء العربية، وبين علماء الثقافة الانسانية"(1). على ان الشعر الجاهلي انما اكتسب هذا الاجلال العظيم في أذهان النقاد ايضاً، لأنه يمثل النشأة الأولى، فهذا الشعر هو رمز ذواتهم وحضارتهم ، واي مساس به هو مساس بالحضارة نفسها، يقول الدكتور مصطفى ناصف: "نشأ الأدب العربي من الأدب الجاهلي، ونمت الشجرة وترعرعت لكن جذورها ثابتة في تربة الادب الجاهلي، ان الادب العربي ينبع من الأدب الجاهلي، ويصب احياناً في الأدب الجاهلي ايضاً، اننا لا ننكر ان الأدب العربي تطور كما تتطور الكائنات الحية في مراحل عمرها المتنوعة، ولكن بعض علماء التحليل النفسي يقولون: ان الطفولة الأولى تؤلف جزءاً جوهرياً من شخصية الإنسان، فتجارب السنين الاولى تشكل حياة الفرد المقبلة كلها، قد يعرف ذلك الفرد وربما لا يعرفه، ولكن الحقيقة الثابتة أن الأدب العربي تأثر تأثراً بليغاً بالأدب الجاهلي"(2) وليس يعنينا هنا تأثر الأدب العربي بالأدب الجاهلي، فربما كان ذلك امرأ طبيعياً مسلماً به، ولكن المعضلة هي تأثر النقد العربي الذي راح يستنبط قواعده من ذلك الأدب، ويضفي عليها من الاجلال ما يجعل كل محاولة لتطويرها عبثاً باطلاً، فقد استلهم في نظراته، وآرائه، واحكامه ، خواطر اولئك الذين صاروا سدنة الشعر من اعلام الشعر الجاهلي ، ومضى يحض عليها الشعراء ويزينها لهم، وهكذا حبطت كل محاولات التجديد التي أرادت تحطيم هذه الوثيقة الأدبية. يقول الدكتور مصطفى ناصف ايضا: "وليس منا من لا يذكر فكرة عمود الشعر، فقد كان عمود الشعر عندهم يشبه عمود الدين، والحياد عنده بدعة من البدع، أو ضلال ينبغي أن يتناول بالكراهة التي تبلغ أحياناً حد التحريم"(3).
ولا ريب ان الباحث
يستطيع ان ينعم النظر طويلاً في الأثر الذي خلفه النقاد حين اتخذوا من الشعر
الجاهلي وثناً فنياً قصروا حركة الفكر والفن عليه، بحيث اصبحت غايتهم الأولى تقرير
احكامه على نحو صارم ينبغي ان يحتذى أو يحاكي في كل آن، فلم يعد الغرض من النقد
كما يقول احمد ضيف: (تقويم حركة العقول والافكار، بل شرح الشعر العربي، وتقرير
طريقة الشعر الجاهلي لتكون نموذجاً ومنهجاً للشعراء.. فتمكنت الطريقة العربية
القديمة، وطريقة الخيال والتصور عند العرب من الاستيلاء على افكار الشعراء والكتّاب)
(4).
أجل لقد تمكنت
طريقة الخيال القديمة من الشعراء، فلم تفلح أية محاولة في اضفاء عنصر جديد على هذه
الطريقة التي كبل بها النقاد عقول الشعراء، وافكارهم واخيلتهم، يقول الدكتور مصطفى
ناصف: (فقد ظل الشعراء يصطنعون لغة الاطلال، ويبكون الديار، ويذكرون منازل الأحبة،
بعد انقضاء العصر الجاهلي وظل الشعراء ينتقلون من موضوع إلى موضوع في القصيدة على
نحو قريب او بعيد من الأدب الجاهلي، ولكنه ليس مختلفاً عنه اختلافاً اصلياً بأية
حال، وظلت المادة التي يصنع منها الشعراء خيالهم متشابهة ، او كالمتشابهة ،
فالشمس، والنجوم، والجبال، والوديان، وانماط الشجر، والنبأ ، والظباء، والابقار،
والثور، والخيام والنؤى، والاثافي، والناقة والفرس، والبحر والسفن، كل اولئك وغيره
كثير، ظل مادة تفكير ادباء العربية عصوراً طوالاً، وقد ارسى شعراء العصر الجاهلي
دعائم هذه المادة الفكرية والخيالية)(5).
من المسلم به اذن
ذلك الاثر الطاغي الذي طبع به الشعر الجاهلي الشعر العربي، واذا تأملنا في طبيعة
الشعر الجاهلي، وما ينطوي عليه من طابع حسي، جزئي، ظاهري، لا يأبه غالباً للفكر
الانساني، ولا يحاول النفاذ إلى جوهر الظواهر المرئية، ادركنا كيف انس النقاد
العرب بآراء افلاطون، وأخلدوا إلى مفهومه في طبيعة المحاكاة وكان ذلك كله وراء
جفاف النقد، وجموده على طريقة واحدة هي الطريقة الجاهلية في فهم الشعر: (فكان
النقد الأدبي عند العرب فهم الشعر، وتأويله على الطريقة القديمة التي جعلت الشعر
الجاهلي نموذجاً لها، فلم يكن له من القوة ما يمكنه من تغيير سير الافكار، ولا من
تقويم حركة العقول)(6).
وطبيعي ان هذه
النظرة النقدية الجامدة، لا بد ان تفضي إلى مشكلة تتجلى في التناقص القائم بين حض
النقاد للشعراء على محاكاة النموذج الجاهلي، ثم اتهامهم بالتقليد ان هم فعلوا ذلك،
وينبغي ان نذكر ايضاً ان النقاد القدامى احجموا تماماً عن الأصغاء إلى الشعر
المحدث مهما بلغ حظه من الابداع، وتروى في ذلك حكايات طريفة مثل قول ابي عمروا بن
العلاء حين اعجبه بعض شعر جرير: (لقد احسن هذا المولد حتى همت ان آمر صبياننا
بروايته)(7).(قال الاصمعي وجلست إليه (أي إلى ابي عمرو) ثماني حجج فما
سمعته يحتج ببيت اسلامي، وسئل عن المولدين فقال: ما كان من حسن فقد سبقوا إليه،
وما كان من قبيح فهو من عندهم، ليس النمط واحداً، ترى قطعة ديباج، وقطعة مسيح)(8)
ويقول الدكتور شوقي ضيف موضحاً علة هذه الاحكام: (وانما جاءتهم هذه العصبية من
وظيفتهم ، فقد كانوا يعدون انفسهم حماة اللغة، والحراسة على تراثها، ولم يكن يهمهم
من الشعر إلا المثل والشاهد في دراستهم . . . وقد جعلتهم عنايتهم بالشاهد والمثل
في ابحاثهم يقفون اكثر مما ينبغي عند المعاني الجزئية، بل كانوا يفاضلون احياناً
بينهم على اساس هذه الجزئيات. . ولا نبالغ إذا قلنا ان كل بحث جزئي في النقد
العربي مرجعه هذه النظرة من اللغويين فهم الذي جعلوا البيت وحدة النقد، واتخذوا
المعنى المحدود اصلاً للتقدير، وقاعدة للتقويم) (9).
كله في الشعر
الجاهلي، ثم نظروا فيه بعد ذلك نظرة لغوية جزئية اغلت كونه فناً خاضعاً للتطور،
واقتصرت على الملاحظة العابرة، فلم يخطر ببالهم ان يضعوا للشعر مذهباً شاملاً يسهم
في تخليصه من اغلال الشكل، ويوجهه إلى ما في الشعر من غاية انسانية، ومظهر فكري،
فكأن الشعر هو الذي صاغ مبادئ النقد، في حين ان النقد هو الذي كان ينبغي ان يصوغ
مبادئ الشعر، ويخيل للمرء ان اجلال النقاد للشعر الجاهلي كان يمكن ان يحضهم على
محاولة تطويره، وإضفاء الطابع الانساني عليه، عوضاً من ان يفقوا على رسومه،
ويجعلوا منه طالاً ينبغي للشعراء ان يعرجوا عليه كلما عن لهم خاطر الشعر(10) ــ
ولا ريب ان هذا كله لا يعني الغض من قيمة الشعر الجاهلي، فالشعر الجاهلي هو روح
الشعر العربي، وهو الذي صاغ رؤى الشعراء، واحلامهم، وتجاربهم، ورموزهم، وثقافتهم،
ولكنه يعني انه اذا كان هذا الشعل يمثل حضارة العرب في حقبة من حقب التاريخ، فمن
الجلي انه ينبغي ان يخضع لقانون التطور الحضاري فيمثل هذه الحضارة في مظهرها
الجديد الذي نسجته ثقافات جديدة، غير ان النقاد ــ فيما يلوح ــ شعروا بخوف غامض
من ضياع هذا المظهر الحضاري في خضم الفكر الوافد، فغالوا في التثبت ــ بوعي او
بغير وعي ــ بالنمط الحرفي لما اثر من الشعر الجاهلي، حتى انهم لم يتورعوا عن
تحريم كل عاطفة أو ثقافة لا تنطوي في اهاب هذا الشعر، اذ كانوا يرون في ذلك جحوداً
عظيماً، يقول الدكتور مصطفى ناصف: (ان التعبير الشخصي عن العاطفة عندهم كان
كالمروق من سلطان النظام، وكان النظام في رأيهم ــ احياناً على الأقل ــ لا يستقيم
مع اعطاء الفرصة لكل شاعر كي يعبر عن نفسه دون تقييد أو تحديد ، فالعاطفة الشخصية
خطر على الولاء لنقاء الادب العربي ونظامه، أو تقاليده كما يقال هذه الايام . . .
وكما انكرت العاطفة الشخصية ، انكروا الثقافة التي لا تصبح جزءاً من دم الادب
العربي في ماضيه وحياته الطويلة)(11) على هذا النحو الصارم مضى واتى
للشعر العربي ان يتطور روحياً انسانياً اذا كان الشعر الجاهلي هو المثل الذي ينبغي
إلا يحيد عنه المرء، فاذا فعل فهو مارق، وان لم يفعل فهو مقلد اما حظه من الابداع
فهو ضعيف على كل حال: (ما كان من حسن فقد سبقوا إليه، وما كان من قبيح فهو من
عندهم) ولسنا ندري ما هو المجال الذي يريد ابو عمرو بن العلاء للشعراء ان يتحركوا
فيه اذا كان قد اغلق امامهم كل سبيل إلا سبيل التقليد أو القبح؟
وهكذا كان اجلال
الشعر الجاهلي عاملاً هاماً في عجز النقاد عن إدراك بعض ما ذهب إليه ارسطو من امر
المحاكاة، فظلوا يعتقدون ان ما وصل إليه ذلك الشعر هو الانموذج الاعلى، وان ما
يتردد فيه من معان وصور هو مجلى الابداع الوحيد، ولا سيما فيما يتعلق بفن التشبيه
الذي فسروا به المحاكاة، فكأنهم كانوا يصوغون بذلك مبادئ النقد العربي صياغة
نهائية لا سبيل إلى تأثرها بتجارب الامم، ولا سبيل إلى استشرافها افقاً آخر من
آفاق الشعر الانساني.
_______________________
(1)
الكتاب الذهبي للمهرجان الألفي: ص113.
(2)
قراءة ثانية لشعرنا القديم: منشورات الجامعة الليبية ــ كلية الآداب. ص41-42.
(3)
المصدر نفسه: ص12.
(4)
أحمد ضيف: مقدمة لدراسة بلاغة العرب، الطبعة الاولى، القاهرة 1921-ص158.
(5)
قراءة ثانية: ص43.
(6)
مقدمة لدراسة بلاغة العرب: ص161.
(7) ابن رشيق: العمدة، تحقيق محي الدين عبد
الحميد، الطبعة الثالثة القاهرة، 1963. ص1/90.
(8) المصدر نفسه: 1/ص90-91.
(9) الدكتور شوقي ضيف: النقد (سلسلة فنون
الادب العربي) ودار المعارف الطبعة الثالثة 1974 ــ ص40-41.
(10)
انظر ايضاً: مقدمة لدراسة بلاغة العرب ص162-164-166-167 وقراءة ثانية: ص11، ؟ظ ،
41، 44.
(11)
قراءة ثانية: ص13
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|