أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-4-2018
1512
التاريخ: 18-4-2018
736
التاريخ: 9-08-2015
1019
التاريخ: 9-08-2015
957
|
لا مناص للباحث الموضوعي المخلص في مسألة «المعاد» أن يقف في المرحلة الأولى من مسيرة بحثه عند فكرة «المعاد» مجردة من كل ما يرتبط بها من شروح وتفاصيل، ليتثبت من مدى ضرورتها وحتميتها في عالم العقيدة، ويتعرف بأسباب هذه الحتمية والضرورة ودلائلها الدينية.
وإذا استطاع الباحث اقامة البرهان على هذه الضرورة كان بإمكانه الانتقال
الى مراحل البحث الاخرى واستيفاء الحديث عنها، وذلك لأن الاقرار بهذه المرحلة يشكل
الأرضية الأساسية التي لا مناص من وجودها قبل الاقرار بما يترتب على ذلك من شئون؛
وما يتفرع عنه من تفاصيل.
ولن نستطيع الوصول الى النتيجة المنشودة إلا بالتدرج نحوها على خطوات ترتبط
كل لاحقة بسابقتها برباط وثيق يكشف لنا الغطاء ويجلو وجه الحقيقة :
1- هل أمر اللّه تعالى ونهى؟
لا اظن أن هناك من ذوي الوعي من لا يدرك- حق الادراك-
أن اللّه تعالى قد أمر ونهى؛ وأن الشريعة الاسلامية عبارة عن مجموعة ضخمة من
الأوامر والنواهي.
وان قراءة سريعة في القرآن الكريم تعطينا الدليل القاطع على ذلك، قال
تعالى: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]
{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران:
97] {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ }
[الأنفال: 41] { َجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } [الحج: 78] {أَحَلَّ
اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } [البقرة: 275] { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ } [النحل: 90] {لَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ
بَعْضًا} [الحجرات: 12] {وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] {إِنَّمَا يَفْتَرِي
الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل: 105] {اجْتَنِبُوا
كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ } [الحجرات: 12] {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين: 1]
والى سائر ما شاكل ذلك من الآيات المباركة الحافلة بالأوامر والنواهي الإلهية.
إذن فليس هناك أدنى شك في أن
اللّه تعالى قد أمر ونهى.
2- هل كانت هذه الأوامر والنواهي الزامية أو ارشادية؟
لقد فرغ علم أصول الفقه من بحث هذه المسألة بالتفصيل، وكانت خلاصة البحث
في معنى الأمر أنه «دال على الوجوب وظاهر فيه فيما إذا كان مجردا وعاريا عن قرينة
على الاستحباب» وان «الوجوب يستفاد من حكم العقل بلزوم اطاعة أمر المولى ووجوب
الانبعاث عن بعثه قضاء لحق المولوية والعبودية». كما كانت الخلاصة في النهي أن
كلمته «ككلمة الأمر في الدلالة على الالزام عقلا ... وظاهرة في الحرمة» وأن صيغة
النهي «إذا صدرت ممن تجب طاعته ... كان مقتضى وجوب طاعة هذا المولى وحرمة عصيانه
عقلا- قضاء لحق العبودية والمولوية- عدم جواز ترك الفعل الذي نهى عنه»(1).
وكيف لا يكون الأمر كذلك واللّه تعالى يقول: {مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر: 7] ويقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ
فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [النور: 63] وإذن فلا مناص من القول بان
الأوامر والنواهي الالهية الزامية بكل معنى الكلمة ؛ ولا مجال فيها لاختيار وترخيص.
3- ما ذا يترتب على مخالفة الاوامر والنواهي :
وإذا كان اللّه تعالى قد أمر ونهى، وكانت أوامره ونواهيه الزامية لا يجوز
مخالفتها والتمرد عليها، فهل يترتب على هذه المخالفة شيء من العقوبة والتعذيب-
بالمعنى المادي- أم أن المسألة لا تتعدى الآثار الادبية والمعنوية للمخالفة فقط؟
وحسبنا في الجواب على هذا السؤال أن نستعرض الآيات القرآنية التالية لنقف
على نتائج المخالفة لأمر اللّه و نهيه.
يقول تعالى: {وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ
عَذَابِ السَّعِيرِ} [سبأ: 12] {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ
يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: 15] {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ
رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا
نُكْرًا} [الطلاق: 8] {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ
الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42، 43] {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ
يَوْمٍ أَلِيمٍ } [الزخرف: 65]
واذن فلا مندوحة من القول
بترتب العقوبات البدنية على كل مخالف للأوامر والنواهي الالهية التي تشكل بمجموعها
ما نطلق عليه اسم «الشريعة الاسلامية».
4- هل الوعد والوعيد الالهي حقيقي أم لغرض الحث على الطاعة؟
بلغني أن هناك من يقول: ان تكرار القرآن لذكر العود بعد الموت؛ حيث وعد
اللّه بإثابة المطيعين وأوعد بتعذيب العصاة؛ إنما هو من باب الترغيب والترهيب المحض،
لكي يندفع الناس الى الطاعة ويبتعدوا عن المعصية، من دون قصد حقيقي الى المعنى
المادي للنعيم والعذاب وكأن هذا القائل قد انطلق في قوله هذا من اعتقاده بان الجسم
ينعدم ويتلاشى بالموت فلا يمكن اعادته بعد ذلك لاستحالة اعادة المعدوم، وحينئذ فلا
يبقى مجال للنعيم والعذاب بمعناهما المادي، ويصبح الوعد والوعيد بهما مجرد تهديد
خال من أي معنى من معاني التنفيذ.
والحقيقة أننا عند ما نقرأ القرآن الكريم- وقد أنزله اللّه بلسان عربي
مبين- ونحن أبناء لغته وأعرف بموارد الاستعمال ودلالات الألفاظ، لا نرى أي مسوغ
يسمح لنا بحمل اللفظ على خلاف ظاهره ومدلوله اذا جاء مجردا عن القرينة الدالة على
إرادة ما يخالف الظاهر.
واذا كانت الألفاظ المستعملة
في مقام التخاطب القرآني قد وردت مجردة عن القرينة المجوزة للتأويل وجب حملها على
المعنى الحقيقي الأصيل، ولا يسوغ لنا مطلقا أن نحملها على المجاز أو المبالغة أو
التهويل أو المواعيد الكاذبة المرغبة.
ونورد- فيما يلي- بعض الآيات الشريفة التي تعنى بذكر البعث والمعاد وتؤكد
وقوع ذلك كل التأكيد لنقف على صراحتها المطلقة الآبية عن التقييد والتأويل، ووضوحها
الناصع الذي لا يقبل أي معنى من معاني اللف والدوران:
{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا
كُنَّا فَاعِلِينَ } [الأنبياء: 104] {جَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ}
[الإسراء: 99].
{وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47].
{وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ
وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً
وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا
يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ
لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 15،
16] {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا
تُرْجَعُونَ } [المؤمنون: 115].
{رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ
النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل
عمران: 9] {يَا
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ
عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا
عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأنعام: 130] {إِنَّ
يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا } [النبأ: 17].
{ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا}
[النبأ: 39] {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا
يَفْعَلُونَ} [الزمر: 70] {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ
قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ
مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ
ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } [سبأ:
3، 4].
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ
يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا
يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ
الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل: 38، 39].
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ
الدِّينِ * يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ
لِلَّهِ} [الانفطار: 17 - 19].
إذن فما هي النتيجة؟ فإذا
كان اللّه تعالى قد أمر ونهى, وكانت
أوامره ونواهيه الزامية, وكانت
مخالفة هذه الأوامر والنواهي توجب العقوبة, وكانت العقوبة عقوبة مادية بمعناها الخاص وليست للتخويف الكاذب.
فلا بد أن نقول: بأن المعاد ضروري لا مفر- للمسلم- من القول به والايمان
بضرورته وقطعية وقوعه.
وهذا هو الذي دلتنا عليه الآيات المباركة المارة الذكر، بما صرحت به من
أن المعاد أمر «لا رَيْبَ فِيهِ» وهو «الْيَوْمُ الْحَقُّ» الذي لا يستأخر عنه
الناس ساعة ولا يستقدمون، وان الغرض منه هو الحساب والمحاكمة حيث توفى «كُلُّ
نَفْسٍ ما عَمِلَتْ»؛ على ضوء كتاب {لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً
إِلَّا أَحْصَاهَا } [الكهف: 49] إذ تجد فيه {كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ
خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران: 30] ، و حينذاك سيكون
المجرمون {مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} [الكهف: 49].
وان الوعد الإلهي بالمعاد وعد {عَلَيْهِ حَقًّا} [التوبة: 111] {وَمَنْ
أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء: 87] ، وان الذين زعموا {أَنْ لَنْ
يُبْعَثُوا} [التغابن: 7] ولا تأتيهم الساعة كفار وكاذبون، و{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ
بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } [المطففين: 10 - 12]، صدق اللّه العلي العظيم.
وعند ما نصل بتسلسل الحديث الى هذه النتيجة؛ يكون من الضروري- لكي يستوفى
البحث كل جوانبه- أن نقف هنا لحظات لنحدد على وجه الدقة واليقين ماهية «الشيء»
الذي سيعود:
«روح» مجردة ... كما زعم القائلون باستحالة عودة الجسم؟؟.
أم «جسم» فقط كما قال الجبائي وتابعوه «حيث أن الروح جسم أيضا»؟؟
أم «روح بجسم» كما يؤمن كثير من المفكرين المسلمين؟؟
ان المتبادر الى الذهن والفهم من سياق الآيات القرآنية المعنية بهذا
الموضوع أن العودة ستكون بالجسم الحي الحساس المدرك للذة النعيم وألم العقاب؛ أي
«الجسم ذو الروح» بكل ما يتمتع به من أجزاء وخصائص وميزات. وان تلك الآيات من جلاء
الدلالة والقصد ووضوح المعنى واللفظ ما تأبى أي تحمل أو تأويل قد يلجأ إليه
المتمحلون و المتأولون، بل لعلها من الصراحة في الدلالة ما لا يمكن معها «التبطين»
واللف والدوران بأي نحو من الانحاء.
قال تعالى:
{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
* حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ
وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ
شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ
وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ
تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا
جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا
تَعْمَلُونَ} [فصلت: 19، 22].
{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [يس: 65].
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا
كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا
الْعَذَابَ } [النساء: 56].
{ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى
قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 3، 4].
إن القراءة الفاحصة لهذه الآيات تدلنا أوضح الدلالة وأشدها صراحة على أن
العودة ستكون «بالجسم والروح» على المعتاد: سمع, أبصار, جلود. أفواه, أيدي, أرجل, عظام,
إحساس بالألم والتعذيب. وذلك مما لا يتحمل أي وجه من وجوه الاحتمالات والتأويلات والشكوك.
وهنا يجب أن لا يفوتنا التريث
قليلا عند الآيتين الاخيرتين لنقف على تلك اللمحات العلمية التي أشارت إليها الآيتان
المذكورتان وعلى تلك الحقائق التي نبهتا عليها قبل أن يكتشفها العلم الحديث بقرون
وقرون: مما يمكن أن نعتبره من أبرز دلائل الاعجاز في هذا الكتاب المعجز الخالد.
ان الآية الاولى تذكر لنا تعذيب الكفار بالنار وتضيف إليه «كُلَّما
نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها»، فلما ذا هذا التبديل؟
ان السبب في ذلك ما يذكره الطب الحديث من «أن أعصاب الألم هي في الطبقة
الجلدية، وأما الانسجة والعضلات والأعضاء الداخلية فالإحساس فيها ضعيف، ولذلك يعلم
الطبيب ان الحرق البسيط الذي لا يتجاوز الجلد يحدث ألما شديدا، بخلاف الحرق الشديد
الذي يتجاوز الجلد الى الأنسجة، لأنه مع شدته وخطره لا يحدث الما كثيرا، فاللّه
تعالى يقول لنا: ان النار كلما أكلت الجلد الذي فيه الأعصاب نجدده كي يستمر الالم
بلا انقطاع ويذوقوا العذاب الأليم, وهنا تظهر حكمة اللّه قبل أن يعرفها الانسان، وكان
اللّه عزيزا حكيما»(2).
أما الآية الثانية فهي التي
تنكر على غير المؤمنين بالمعاد عدم اعتقادهم به، ثم تؤكد المعاد {بَلَى قَادِرِينَ
عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: 4] فما هي خصوصية البنان؟
يقول العلم الحديث:
«ان البنان هو التنظيم الهندسي الرائع العجيب الموجود في خطوط الأنامل-
رسوم خطوط الأصابع البشرية-، وان كل انسان يملك رسوما وأشكالا هندسية تختلف تمام
الاختلاف عن الشخص الثاني مهما كان قريبا إليه في الدم أو العرق أو النسب، فلا
يوجد في المجتمع البشري العالمي شخصان تتشابه خطوط أصابعهما.
وفي دراسة أنامل الانسان لأول مرة عام 1884م دراسة دقيقة بعد اختراع
العدسات المكبرة استطاع العلم أن يثبت ان لكل انسان خارطة معينة الشكل دقيقة
الأجزاء من الخطوط المنتظمة التي قد أخذت رونقا زخرفيا خاصا في بشرة اصابعه، ممثلة
شخصيته السرية التي أودعتها القدرة الالهية السامية في أنامله.
ان هذه الخطوط تكون بارزة وذات ثنايا محفورة حادة الشكل؛ بحيث تظهر كافة
أجزائها الدقيقة ورسومها وتلافيفها على الورقة اذا ما طلبت سطوح الاصابع بالحبر و
ضغطت على الورق. كذلك تنطبع هذه الخطوط بصورة ثابتة فوق
سطوح المعادن الصقيلة والزجاج والخشب الأملس نتيجة احتواء بشرة الانامل على الغدد
العرقية والدهنية.
وقد أفادت الاحصاءات العالمية الحديثة لبحوث علم خطوط الاصابع ان في كل
أربعمائة مليون شخص قد يعثر على علامة واحدة تشير الى التشابه الجزئي ولكن غير
الكامل بين شخصين، إلا أن التشابه لا يكون في درجة من التناظر والانطباق الكامل.
وقد فتحت اليوم معاهد علمية خاصة في أنحاء العالم المعاصر لدراسة علم
خطوط الاصابع، لتثبيت هويات الاشخاص في المعاملات وفي حوادث الاجرام والسرقة، حيث
أنه لمجرد مسك الزجاج أو قبضة السلاح أو أية آلة فإنها تترك عليها آثارها الثابتة،
وان هذه الآثار تطبع على الورق بطرق خاصة لتثبيتها ودراستها وتكبيرها من أجل مقارنتها
بخطوط اصابع المتهمين والمشبوهين.
ومن العجيب جدا أن هذه الاشكال الهندسية المنتظمة لخرائط الأنامل البشرية
تبقى ثابتة من أول ساعة الولادة ومدى الحياة، حيث لا تتأثر أسسها الثابتة بنمو
الجسم، بل تكبر وتتوسع أطرافها دون ما تحريف أو تغيير، وكأنها موضوعة تحت عدسة مكبرة عند المقارنة بين الخارطتين في أيام الطفولة ووقت الكبر، وتلاحظ
انها نسخة طبق الاصل تماما.
ومن المدهش حقا أن خارطة خطوط الاصابع عند ما تصاب بالتلف نتيجة تآكلها
وقت العمل أو عند الجروح والالتهابات والحروق السطحية؛ تنمو أنسجة البشرة لتعيد
نفس الخارطة الاصلية بكافة أجزائها ودقتها الخارقة ومميزاتها الهندسية والتواءاتها
الزخرفية وكأن يدا خفية تأمر كل خلية لتنمو باتجاه معين وترسم صورة طبق الاصل
للخطوط المتهدمة دون ما خطأ أو اختلاف.
ولقد اثبتت علوم ودراسات خطوط الاصابع ان اشكال خرائطها الهندسية وخطوطها
المزخرفة تعود الى أربع فصائل أساسية:
1- فصيلة الخطوط المتقوسة.
2- فصيلة الخطوط العراوية.
3- فصيلة الخطوط الدوامية؛ ذات الدوائر المتحدة المركز والمتداخلة مع
بعضها والتي يكبر حجمها بالتدريج من الداخل الى الخارج وهي تشترك بمركز واحد في
الوسط.
4- فصائل المركبات، وهي عبارة عن خليط من خطوط الفصائل الثلاثة المتقوسة
والعراوية و الدوامية، حيث تكون متحدة مع بعضها بشكل
معقد عجيب.
ان رسوم الاصابع اليوم تلعب دورا خطيرا في عالم الجرائم والسرقات وتثبيت الاشخاص
في كافة انحاء العالم، ويعود فضل اكتشاف آلاف الحوادث ومسببيها الى هذا السر
الالهي العجيب الذي خلقه وأودعه في بشرة الانامل في الانسان.
ويعتبر اسلامنا العظيم اوّل من اكتشف هذا السر الغريب في الاجسام البشرية
المعقدة، عند ما اشار القرآن الكريم الى ذلك منبها الاذهان الى اهمية هذا الخلق
المنظم في انامل الانسان والى اختصاص كل انسان بخريطته الهندسية الخاصة (3).
__________________
(1) أصول الفقه
للمظفر: 1/ 55 و 59 و 89 و 90 .
(2) الاسلام و الطب
الحديث: 66 .
(3) الدكتور
ابراهيم الراوي- مجلة العدل النجفية- ع 1، س 6، ص 2.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|