على الرغم من قلة الوثائق ، فقد اتفق الكثير من المؤرخين على أن الزواج في مصر القديمة قد عرف في بعض مراحله تعدد الزوجات (1) ، غير أنه في عهد الدولة القديمة ، حيث سادت النزعة الفردية ، فقد انتشر الزوا ج الأحادي ،  فالتماثيل و النقوش التي وجدت في المقابر والتي تعود إلى هذا العصر ، تظهر لنا الزوجين واقفين في حجم واحد جنبا إلى جنب على قدم المساواة . أما في أواخر الدولة القديمة ، فقد شاع نظام تعدد الزوجات ، نتيجة لاختفاء المساواة بين الجنسين، ونرى في نقوش هذا العصر ، أحد أمراء الأسرة السادسة محاطا بست زوجات .

وإن أباح القانون المصري مبدأ التعدد لأي رجل أيا كانت الطبقة الإجتماعية التي ينتمي إليها ، فإن ذلك لا يعني أن شخص كانت له أكثر من زوجة شرعية فقد مورس التعدد في أضيق الحدود وعلى سبيل الاستثناء ، حيث اقتصر الزواج بأكثر من واحدة على الملوك (2) والأثرياء وكبار رجال الدولة الذين كانوا قادرين على تحمل تبعاته المالية ، كما أن النساء كن يحتطن من التعدد بأن يشترطن في عقود الزواج العديد من الشروط التي تجعل من نظام التعدد شبه مستحيل من الناحية الواقعية ، كدفع مبلغ مالي ضخم لها . وفي حالة التعدد كانت جميع الزوجات شرعيات وأولادهن اعتبروا أولادا شرعيين ،  وينسبون إلى أبيهم ، غير أن واحدة منهن كانت تتمتع بمركز يميزها عن باقي الزوجات ،  ويطلق عليها ( ربة البيت) أو( الزوجة العظيمة) (3) وبجانب الزوجات الشرعيات انتشر نظام التسري ، لدرجة أن الرجل كان يفاخر بعدد محظياته ، والأولاد في هذه الحالة يعتبرون أولادا غير شرعيين وينسبون إلى أمهم وليس لهم نصيب في تركة أبيهم (4) . ومن أمثلة ممن أخذوا بتعدد الزوجات من الملوك نذكر : الملك تيتي، والملك أمنحات الأول ، وهناك الكثير من الأمثلة في عصر الدولة الحديثة ، لعل أشهرهم أمنحوتب الثالث الذي تزوج على زوجته المحبوبة الأمير ة (تي) الكثير من الزوجات الأجنبيات ، والملك رعمسيس الثاني الذي تزوج بكل من (نفرتاري) و(أست نفرت) (5) وقد توخى بعض الأزواج إظهار العدل والمساواة بين زوجاتهم في نقوش مقابرهم ومناظرها كدليل على ما كانوا يعدلون به بينهن ، وهكذا فقد صور أحدهم زوجتيه من حوله يجالسانه معنا فوق مقعد واحد ، وربما هذا يعني أنهما كانتا تعيشان معا في مسكن واحد  (6) . كما ساد الود والتآلف بين زوجات الرجل الواحد ، فمثلا نجد (أميني ) أحد نبلاء الدولة الوسطى ، قد أنجبت له الأولى ثلاث بنات وولد واحد ، أما الثانية فكان لها ولدان وخمسة بنات وقد أسم ت (حنوت) جميع بناتها باسم الزوجة الثانية ، وسمت هذه الأخيرة  بناتها بإسم (حنوت) وهذا يدل على مقدار الصفاء والتعاون الذي جمعهما (7) .

________________

1- كما عرف تعدد الزوجات في عالم الآلهة ، حيث نرى أن الإله لا يرتبط عادة إلا بزوجة واحد ، لكن بإمكانه أن يتخذ ما يشاء من المحيطات ، فبخلاف ( نفييس ) الزوجة الشرعية لـ ( ست ) كان رفيقتان هما ( عنات) و(عشتارت) ، وكان لحورس سبع عشيقات فضلا عن زوجته الشرعية ( حتحور) ، للمزيد أنظر : ديمتري ميكس ، كريستين فافار ميكس ، الحياة اليومية للآلهة الفرعونية ، تر: فاطمة  عبد الله محمود ، الهيئة العامة للكتاب ، القاهرة ، 2000 ، ص 126 .

2- كانت تحيط بالفرعون مجموعة من النساء (الحريم) في ترتيب خاص ، يحدد مكانة كل زوجة ، رأسهم  الزوجة الشرعية أي الملكة الكبرى ، التي تجلس بجانب الملك وترافقه في المناسبات الرسمية ، ولم يكن تعدد الزوجات لدى الملوك خاصة في عهد الدولة الحديثة من أجل تلبية لنزوات الفرعون ، بل وسيلة للسلطة الملكية لتوطيد علاقاتها الدبلوماسية مع الدولة المجاورة ، أنظر :

Andreu Guillemette , OP.cit.P107 .

3- أحمد إبراهيم حسن ، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية ،نظم القسم الخاص ، ديوان المطبوعات الجامعية ،الإسكندرية ، 2001 ، ص 102 .

4- صوفي حسن أبو طالب ، تاريخ النظم القانونية والاجتماعية ، دار النهضة العربية ،  القاهرة، 1973 ، ص 187 .

5 - أحمد أمين سليم، مصر والعراق دراسة حضارية ، دار النهضة العربية ، ط 1 بيروت، 2002 ، ص 42 .

6-  عبد العزيز صالح ، الأسرة في المجتمع المصري القديم ، دار القلم ،القاهرة، 1961 ، ص 73

7- محمد أبو المحاسن عصفور ، معالم حضارات الشرق الأدنى القديم ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1987 ، ص 19