أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-2-2017
2644
التاريخ: 24-5-2017
3681
التاريخ: 12-4-2017
2148
التاريخ: 30-4-2017
2497
|
قال أبو وائل: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان الفارسي، فجلسنا عنده فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن التكلف لتكلفت لكم، ثم جاء بخبز وملح ساذج لا أبزار عليه(1) ، فقال صاحبي: لو كان لنا في ملحنا هذا سعتر(2) فبعث سلمان بمطهرته فرهنها على سعتر، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، فقال سلمان : لو قنعت بما رزقك لم تكن مطهرتي مرهونة(3).
ماذا تعني القناعة؟ ومن هو الشخص القنوع؟
القناعة هي أن نرضى ونقبل بما هو موجود عندنا ولا نطمع بما هو موجود عند الآخرين. فالشخص القنوع هو الذي يكون راضياً بما لديه نتيجة سعيه وعمله ويقنع بما حصل عليه بجهده وتعبه وعرق جبينه وعصارة فكره ولا يمد يد الحاجة والعوز إلى هذا وذاك ولا يتحسر لدى رؤيته ما عند الاخرين من مال وثروة وجاه. «ثمرة القناعة العز»(4) لأن الشخص القنوع لا يمد يده أمام الآخرين ولا يسألهم. «القناعة مال لا ينفد»(5) لأنه لا ينظر بعين الرجاء والتمني إلى مال الآخرين. ولأنه قانع بما عنده فهو يكون راضياً ومسروراً. حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام: [الغنى الأكيدُ اليأس عمّا في أيدي الناس] ويقول عليه السلام أيضاً: [كفى بالقناعة ملكاً وبحُسنِ الخُلقِ نَعيماً] ويقول أمير المؤمنين علي عليه السلام أيضاً: [من شرف الهمة لزوم القناعة ومن عز انفس لزوم القناعة](6) حيث إن قلب وروح الشخص القنوع يسودهما الشعور بالعزة والعظمة والغنى لأن مثل هذا الشخص لا يريد أكثر من حاصل جهده وعمله وبالتالي فهو لا يحتاج إلى الآخرين ولهذا السبب فهو لا يشعر بالفقر والفاقة ولا يغتمّ ولا يحزن ولا يتحسّر ولا يصبح أسيراً للآخرين وعبداً لهم ولا يخرج بالتالي عن إطار العفة والكرامة والتقوى ولهذا فهو كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «يبقى محافظاً على قوة دينه وإيمانه وسلامة جسمه وروحه وتحررهما من قيود الأسر والعبودية للآخرين»(7).
فقد أوحى الله سبحانه وتعالى إلى داود عليه السلام: «وضعت الغنى في القناعة وهم يطلبونه في كثرة المال فلا يجدونه»(8).
ويقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: [أنعم الناس عيشاً، من منحه الله سبحانه القناعة وأصلح له زوجه](9).
وإذا ما ابتليت امرأة لا سمح لله بزوج بخيل وطماع فإن حياتها ستتحول إلى جحيم يتلف جسمها وروحها. وكذلك الحال بالنسبة للرجل إذا ابتلي لا سمح الله بزوجة غير صالحة وغير قنوعة كثيرة الطلبات.
لاحظوا هذه الرسالة :
الرسالة:... إننا نشكل أسرة من أربعة أشخاص. صبي وبنت وزوجتي وأنا، بدأ زواجنا في ظل علاقة حب شديدة، ولكن والدي ووالدتي كانا يعارضان هذا الزواج وكانت لديهما أسباب ودوافع لمعارضة زواجي منها وقد كانا محقين وكانا يدركان حقيقة الأمر جيداً. أما أنا فلم أكن أفهم وكنت عاشقاً ومتيماً بها وقد وافق والداي في النهاية على الزواج منها نتيجة إصراري الشديد. وتم الزواج بالفعل ومنذ الأيام الاولى بدأت اسمع هذا الكلام من والدة زوجتي. . . التي تواصل إلى الان توجيه هذه العبارات وهذا الكلام:
1ـ ما هذا الخاتم؟ إن خاتم الزواج هذا لا يجلب انتباه الناس. عليك أن تستبدله.. صهر فلان اشترى لزوجته خاتماً غالي الثمن، فهل ابنتي أقل منها شأناً؟!
10ـ ... أتريد أن تشتري بيتاً؟ أنظر أولاً إلى بيت أختها، عليك أن تستبدله لابنتي بيتاً مثله، أما بيت فلان فلا نظير له! ما اروعه من بيت؟ ما أجمله من بيت؟!... ولكن وا أسفاه فإن...
100ـ رأيت زوجة فلان، وكانت ترتدي أروع الملابس وأحسنها؟ هنيئاً لها! زوجها يحبها كثيراً وهذا ما جعله يشتري لها هذه الملابس... ولكن يا حسرتي فأنت لا تعرف قدر ابنتي! يا للأسف لأن...
1000- كم كنت أرغب بأن يكون لي صهر منفق مفتوح اليد وسخي، يحافظ على سمعة العائلة ويحفظ لها ماء وجهها وكرامتها. هنيئا لمريم ما أسعدها! لان صهرها جوهرة: يتمتع بالفهم والإدراك! فهو يسافر كل يوم مع زوجته ويأخذها معه في مختلف جولاته وزياراته ويأتي لها دائماً بالهدايا، ما أروعها من هدايا؟!... أمّا أنا المسكينة فـ...
وبالطبع فإن زوجتي تلقت عند والدتها دروساً في عدم القناعة والإكثار من الطلبات والإسراف والتبذير وهي بذلك لا تقل شيئا عن والدتها في هذا المجال، إن طلبات زوجتي ليست واحدة ولا اثنتين ولا عشرة ولا مائة لكي أستطيع ان أذكرها لكم. فعلى سبيل المثال عندما اشتري فاكهة للبيت فإنها تقول لي: هل تفكر أن أهلي وأقربائي شحاذين حتى تشتري مثل هذه الفاكهة وأضعها أمامهم؟ هيا اسرع اذهب واشتر فاكهة جيدة وأئتِ بها إلى البيت فقد ذهب ماء وجهي... وبهذا فإن زوجتي تنظر دائما إلى فم أمها الواسع، بدل أن تنظر إلى جيبي وإلى إمكانياتي المادية... وهنا لا بد أن نقول بأن مثل هذه المرأة التي تعرّض نفسها وتعرض زوجها بهذا الشكل للتكلف والصعوبات إنما تجعل الحياة مرّة في نظرها وفي نظر أعزائها وأفراد أسرتها وأن مثل هذه «الحماة» (والدة الزوجة) تجعل الرجل يندم على الزواج. والإمام الصادق عليه السلام يصف مثل هؤلاء النساء بالقول: [لعنة الله ثم لعنة الله على ترك المرأة التي تؤذي زوجها وتغضبه وتحزنه](10). الرسول صلى الله عليه وآله يشير إلى مثل هؤلاء النساء المبذرات ويقول: «لا تطيعوهن أبداً»(11) لأن طاعة الشخص المسرف المبذر تكون نتيجته الندامة.
ويواصل هذا الأخ الكريم رسالته فيقول:
الرسالة:... وبدافع من السذاجة والبساطة والهيام بها فعلت كل ما طبوه مني ووفّرت لهم كل ما أرادوه وكلّما كنت أكثر من الشراء والإنفاق والطاعة كانت تزداد طلباتهم وكلما كنت أطيعهم وأسمع كلامهم أكثر كانوا يزدادون تذمراً وبطراً.
... والآن فهمت لماذا كان أبي وأمي يعارضان هذا الزواج.
أيها الأخ الكريم. لعلك كنت تتصور بأنك تستطيع من خلال طاعتك لهم أن تكسب رضاهم وتجعلهم يرتاحون إليك ولكن حبذا لو كنت تعلم: بأن الذي ينظر إلى رزق الآخرين وينمّي في قلبه الشعور بالحسرة والرجاء، مثل هذا الشخص لا يشبع أو يرضى أبداً. إن الشخص الحريص والطمّاع الذي ينظر إلى ما عند الآخرين ويهوى ما لديهم يشعر في كل لحظة بآلاف المتطلبات ويعرب باستمرار عن امتعاضه وعدم رضاه وتذمره ويزرع في قلبه ونفسه آلاف الأنواع من بذور الغم والهم والتأسف والندم ولا يشعر أبداً بالرضا والارتياح والآن فإنك تتأسف وتندم، ولكن ما فائدة هذا الندم؟!
الرسالة:... إن كثرة طلباتهم وتبذيري الزائد عن الحدّ واسرافي وتماديّ في تلبية طلباتهم جعلت منّي في الوقت الحاضر شخصا، عصبي المزاج قبيل الصبر أعاني من الكآبة بعد أن كنت في السابق شاباً نشطاً قوياً. حيث إني مضطر الآن لاستعمال الأقراص المهدئة للأعصاب وعندما لا أستعمل هذه الأقراص أبدأ بالشجار والعراك مع زوجتي وأولادي وأنا أرى أن آمالي في أن تكون لي زوجة مخلصة وحنونة متفهمة، قد ذهبت أدراج الرياح وإني الآن متورط أشعر بالندم والبؤس، إذا أردت أن أطلقها، فماذا أفعل مع أطفال ليست لديهم أم؟! وإذا أردت أن أعيش معها، فماذا أصنع مع طلبات أمها؟ أمها التي تحقرني في كل يوم وتتبجح أمامي بصهرها الآخر وكأنها تطعنني بخنجر في قلبي... أرجوكم أن تقدموا النصح لزوجتي وقولوا لها بأن لا تدمر حياتها وحياتي وحياة أطفالها. انصحوها بأن لا تصغي إلى كلام أمها ولا تنظر إلى أسلوب حياة هذا وذاك وأن تضع برنامجا معينا لنفقات البيت وأن تسير على نهج القناعة في الحياة وتعيش معي بتفاهم ووئام وصدق واخلاص. فإني قد تعبت من كل هذه الديون التي عليّ والمشاكل التي تحيط بي وضقت ذرعاً بكل تلك الطلبات وتلك الانتقادات اللاذعة وأساليب التحقير التي أواجهها.
أيها الأخ الكريم، قبل أن أقدم النصيحة لزوجتك وقبل أن أقول لها بأن لا تصغي إلى كلام أمها عليّ أن أوصيك أيها الأخ المبتلى والذي تراكمت عليه الديون بأن لا تصغي إلى كلام زوجتك ولا تستجيب لكثرة طلباتها ولا تكن أسيرا وعبداً لها ومتيماً بها ولا تسلم زمام أمور حياتك وعائلتك إلى زوجتك وأم زوجتك وعلى أية حال عليك أن تعيد حياتك العائلية إلى مجراها الطبيعي من خلال الرأفة والمحبة مع شيء من الحزم والشدة إذا تطلب الأمر ذلك. فإن أمامك طريقاً صعباً للوصول إلى بستان القناعة. عليك أن تسلك هذا الطريق بخطوات ثابتة وعزيمة راسخة قوية وتمسك بيدها وتأخذها معك وعندما تصل معها إلى بستان القناعة، فإنك لا تشاهد أي أثر للتعب النفسي وللضغوط العصبية والنفسية عندها ستعيشان معاً حياة مليئة بالفرح والنشاط.
عليك أن تقول لزوجتك: «إذا اردت أن تكوني راضية وسعيدة فعودي إلى بستان القناعة ومزرعة السعادة» وهي في طريقها إلى بستان القناعة «عليها أن ترغم نفسها وتلزمها على القناعة لكي تتعود على هذه الصفة»(12). ولتنظر إلى من هم دونها وأقل منها وأن تتجنب النظر إلى ما عند الآخرين ولا سيما الأثرياء والمرفهين من الناس.
شكا رجل إلى الإمام الصادق عليه السلام أنه يطلب فيصيب ولا يقنع، وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه وقال: علمني شيئاً أنتفع به، فقال أبو عبدالله عليه السلام: إن كان ما يكفيك يغنيك فأدنى ما فيها يغنيك وإن كان ما يكفيك لا يغنيك فكل ما فيها لا يغنيك(13).
نسأله تعالى أن يطهر قلوبنا من طفيليات الحرص والطمع ويفتح أمامنا بستان القناعة والشكر حيث لا وجود لأية أشواك وأي أذى في ذلك البستان الذي هو جنة الخُلد.
_________________________________
(1) الأبزار: ما يطيب به الغذاء.
(2) السعتر: نبات من فصيلة الشفويات طيب الرائحة ويقال له في بلاد الشام الزعتر.
(3) شرح نهج البلاغة لان أبي الحديد ج٣ ص ١٠٨ط الأعلمي.
(4) غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي.
(5) المصدر السابق.
(6) المصدر السابق.
(7) المصدر السابق.
(8) بحار الأنوار ، ج٧٨ ص ٤٥٣ باب ٣٣ ح٢.
(9) غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي.
(10) بحار الأنوار ، ج١٠٣ مضمون كلام الإمام الصادق عليه السلام.
(11) مضمون كلام الرسول صلى الله عليه وآله - راجع كتاب «من لا يحضره الفقيه».
(12) غرر الحكم ودرر الكلم، مضمون كلام أمير المؤمنين عليه السلام الذي يقول: «بأن على الإنسان أن يرغم نفسه ويحثها على القناعة لكي نتعود على ذلك».
(13) الأصول من الكافي ج٢ ص ١٤٧ باب ٦٣ ح ١٠ .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|