المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

مواد الأيض الفطرية Fungal Metabolites
24-5-2018
سلطة قاضي التحقيق في الدعوى الجزائية
11-5-2017
التقسيم الزراعي للمحاصيل
15-3-2016
الإدراك بالحواس الظاهرة
25-10-2014
معنى {هُدَى الله}
18-11-2015
علاج العجب بالحسب و النسب
6-10-2016


علي بن الحسين بن محمد بن الهيثم (أبو الفرج الأصبهاني)  
  
2945   04:37 مساءاً   التاريخ: 29-06-2015
المؤلف : ياقوت الحموي
الكتاب أو المصدر : معجم الأدباء (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)
الجزء والصفحة : ج4، ص50-71
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-12-2015 3254
التاريخ: 22-7-2016 5117
التاريخ: 29-12-2015 4881
التاريخ: 21-06-2015 2543

ابن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الله بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف أبو الفرج الأصبهاني العلامة النسابة الأخباري الحفظة الجامع بين سعة الرواية والحذق في الدراسة لا أعلم لأحد أحسن من تصانيفه في فنها وحسن استيعاب ما يتصدى لجمعه وكان مع ذلك شاعرا جيدا مات في رابع عشر ذي الحجة سنة ست وخمسين وثلاثمائة في خلافة المطيع لله ومولده سنة أربع وثمانين ومائتين.

 روى عن أبي بكر بن دريد وأبي بكر بن الأنباري والفضل بن الحباب الجمحي وعلي بن سليمان الأخفش وإبراهيم نفطويه.

 وجدت على الهامش بخط المؤلف تجاه وفاته ما صورته وفاته هذه فيها نظر وتفتقر إلى التأمل لأنه ذكر في كتاب أدب الغرباء من تأليفه:

 حدثني صديق قال قرأت على قصر معز الدولة بالشماسية يقول فلان ابن فلان الهروي حضرت هذا الموضع في سماط معز الدولة والدنيا عليه مقبلة وهيبة الملك عليه مشتملة ثم عدت إليه في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة فرأيت ما يعتبر به اللبيب يعني من الخراب وذكر في موضع آخر من كتابه هذا قصة له مع صبي كان يحبه ذكرتها بعد هذا يذكر فيه موت معز الدولة وولاية ابنه بختيار وكان ذلك في سنة ست وخمسين وثلاثمائة ويزعم في تلك الحكاية أنه كان في عصر شبابه فلا أدري ما هذا الاختلاف آخر ما كان على الهامش.

 وقال الوزير أبو القاسم الحسن بن الحسن المغربي في مقدمة ما انتخبه من كتاب الأغاني إلى سيف الدولة ابن حمدان فأعطاه ألف دينار وبلغ ذلك الصاحب أبا القاسم بن عباد فقال لقد قصر سيف الدولة وإنه يستأهل أضعافها ووصف الكتاب فأطنب ثم قال ولقد اشتملت خزائني على مائتين وستة آلاف مجلد ما منها ما هو سميري غيره ولا راقني منها سواه.

 قال وقال أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف كاتب عضد الدولة لم يكن كتاب الأغاني يفارق عضد الدولة في سفره ولا حضره وإنه كان جليسه الذي يأنس إليه وخدينه الذي يرتاح نحوه.

 قال وقال أبو محمد المهلبي سألت أبا الفرج في كم جمعت هذا الكتاب فقال في خمسين سنة قال وإنه كتبه مرة واحدة في عمره وهي النسخة التي أهداها إلى سيف الدولة.

 قال المؤلف: لعمري إن هذا الكتاب لجليل القدر شائع الذكر جم الفوائد عظيم العلم جامع بين الجد البحت والهزل النحت وقد تأملت هذا الكتاب وعنيت به وطالعته مرارا وكتبت منه نسخة بخطي في عشر مجلدات ونقلت منه إلى كتابي الموسوم بأخبار الشعراء فأكثرت وجمعت تراجمه فوجدته يعد بشيء ولا يفي به في غير موضع منه كقوله في أخبار أبي العتاهية ( ( وقد طالت أخباره هاهنا وسنذكر خبره مع عتبة في موضع آخر ) ) ولم يفعل وقال في موضع آخر ( ( أخبار أبي نواس مع جنان إذ كانت سائر أخباره قد تقدمت ) ) ولم يتقدم شيء إلى أشباه لذلك والأصوات المائة هي تسع وتسعون وما أظن إلا أن الكتاب قد سقط منه شيء أو يكون النسيان قد غلب عليه والله أعلم.

 قال المؤلف: وتصانيفه كثيرة وهذا الذي يحضرني منها: كتاب الأغاني  الكبير كتاب مجرد الأغاني كتاب التعديل والانتصاف في أخبار القبائل وأنسابها لم أره وبودي لو رأيته ذكره هو في كتاب الأغاني كتاب مقاتل الطالبيين كتاب أخبار القيان كتاب الإماء الشواعر كتاب المماليك الشعراء كتاب أدباء الغرباء كتاب الديانات كتاب تفضيل ذي الحجة كتاب الأخبار والنوادر كتاب أدب السماع كتاب أخبار الطفيليين كتاب مجموع الأخبار والآثار كتاب الخمارين والخمارات كتاب الوزن والمعيار في الأوغاد والأحرار وهي رسالة عملها في هارون بن المنجم كتاب دعوة النجار كتاب أخبار جحظة البرمكي كتاب جمهرة النسب كتاب نسب بني عبد شمس كتاب نسب بني شيبان كتاب نسب المهالبة كتاب نسب بني تغلب كتاب الغلمان المغنين كتاب مناجيب الخصيان عمله للوزير المهلبي في خصيين مغنيين كانا له. وله بعد تصانيف جياد فيما بلغني كان يصنفها ويرسلها إلى المستولين على بلاد المغرب من بني أمية وكانوا يحسنون جائزته لم يعد منها إلى الشرق إلا القليل والله أعلم.

 حدث الرئيس أبو الحسين هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال الصابئ في الكتاب الذي ألفه في أخبار الوزير المهلبي واسمه الحسن بن محمد بن هارون ابن إبرهيم بن عبد الله بن زيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة وزير معز الدولة ابن بويه الديلمي قال وكان أبو الفرج الأصفهاني صاحب كتاب الأغاني من ندماء الوزير أبي محمد الخصيصين به وكان وسخا قذرا لم يغسل له ثوبا منذ فصله إلى أن قطعه وكان المهلبي شديد التقشف عظيم التنطس وكان يحتمل له ذلك لموضعه من العلم. فقال فيه:

كان أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني أموي النسب غزير الأدب عالي الرواية حسن الدراية وله تصنيفات منها كتاب الأغاني وقد أورد فيه ما دل به على اتساع علمه وكثرة حفظه وله شعر جيد إلا أنه في الهجاء أجود وإن كان في غيره غير متأخر وكان الناس في ذلك العهد يحذرون لسانه ويتقون هجاءه ويصبرون في مجالسته ومعاشرته ومواكلته ومشاربته على كل صعب من أمره لأنه كان وسخا في نفسه ثم في ثوبه ونعله حتى إنه لم يكن ينزع دراعة إلا بعد إبلائها وتقطيعها ولا يعرف لشيء من ثيابه غسلا ولا يطلب منه في مدة بقائه عوضا.

 فحدثني جدي وسمعت هذا الخبر من غيره لأنه متفاوض متعاود أن أبا الفرج كان جالسا في بعض الأيام على مائدة أبي محمد المهلبي فقدمت سكباجة وافقت من أبي الفرج سعلة فبدرت من فمه قطعة من بلغم فسقطت وسط الغضارة فتقدم أبو محمد برفعها وقال هاتوا من هذا اللون في غير الصحفة ولم يبن في وجهه إنكار ولا استكراه ولا داخل أبا الفرج في هذه الحال استحياء ولا انقباض. هذا إلى ما يجري هذا المجرى على مضي الأيام. وكان أبو محمد عزوف النفس بعيدا من الصبر على مثل هذه الأشياء إلا أنه كان يتكلف احتمالها لورودها من أبي الفرج وكان من ظرفه في فعله ونظافته في مأكله أنه كان إذا أراد أكل شيء بملعقة كالأرز واللبن وأمثاله وقف من جانبه الأيمن غلام معه نحو ثلاثين ملعقة زجاجا مجرودا وكان يستعمله كثيرا فيأخذ منه ملعقة يأكل بها من ذلك اللون لقمة واحدة ثم يدفعها إلى غلام آخر قام من الجانب الأيسر ثم يأخذ أخرى فيفعل بها فعل الأولى حتى ينال الكفاية لئلا يعيد  الملعقة إلى فيه دفعة ثانية فلما كثر على المهلبي استمرار ما قدمنا ذكره جعل له مائدتين إحداهما كبيرة عامة وأخرى لطيفة خاصة وكان يواكله عليها من يدعوه إليها.

 قال مؤلف الكتاب: وقد ذكر مثل هذا عن أبي رياش أحمد بن إبراهيم اللغوي وقد ذكرناه في بابه. قال هلال وعلى صنع أبي محمد بأبي الفرج ما كان يصنعه فما خلا من هجوه حيث قال فيه: [الكامل]

 (أبعين مفتقر إليك رأيتني ... بعد الغنى فرميت بي من حالق)

 (لست الملوم أنا الملوم لأنني ... أملت للإحسان غير الخالق)

 قال ابن الصابىء: وحدثني جدي أيضا قال قصدت أنا وأبو علي الأنباري وأبو العلاء صاعد دار أبي الفرج لقضاء حقه وتعرف خبره من شيء وجده وموقعها على دجلة في المكان المتوسط بين درب سليمان ودرب دجلة وملاصقة لدار أبي الفتح البريدي وصعد بعض غلماننا لإيذانه بحضورنا فدق الباب دقا عنيفا حتى ضجر من الدق وضجرنا من الصبر قال وكان له سنور أبيض يسميه يققا ومن رسمه إذا قرع الباب قارع أن يخرج ويصيح إلى أن يتبعه غلام أبي الفرج لفتح الباب أو هو نفسه فلم نر السنور في ذلك اليوم فأنكرنا الأمر وازددنا تشوقا إلى معرفة الخبر فلما كان بعد أمد طويل صاح صائح أن ( ( نعم ) ) ثم خرج أبو الفرج ويده متلوثة بما ظنناه شيئا كان يأكله فقلنا له عققناك بأن قطعناك عما كان أهم من قصدنا إياك. فقال لا والله يا سادتي ما كنت على ما تظنون وإنما لحق يققا يعني سنوره قولنج فاحتجت إلى حقنه فأنا مشغول بذلك. فلما سمعنا قوله ورأينا الفعل في يده ورد علينا أعظم مورد من أمره لتناهيه في القذارة إلى ما لا غاية بعده وقلنا ما يجوز أن نصعد إلى عندك فنعوقك عن استتمام ما أنت فيه وإنما جئناك لتعرف خبرك وقد بلغنا ما أردناه وانصرفنا.

 قال: واختاره في كل شيء مريح وكانت صحبته له قبل الوزارة وبعدها إلى أن فرق بينهما الموت. وكتب أبو الفرج إلى المهلبي يشكو الفأر ويصف الهر: [الخفيف]

 (يا لحدب الظهور قعص الرقاب ... لدقاق الأنياب والأذناب)

 (خلقت للفساد مذ خلق الخلق ... وللعيث والأذى والخراب)

 (ناقبات في الأرض والسقف والحيطان ... نقبا أعيا على النقاب)

 (آكلات كل المآكل لا تأمنها ... شاربات كل الشراب)

 (آلفات قرض الثياب وقد يعدل ... قرض القلوب قرض الثياب)

 (زال همي منهن أزرق تركيي ... السبالين أنمر الجلباب)

 (ليث غاب خلقا وخلقا فمن لاح ... لعينه خاله ليث غاب)

 (ناصب طرفه إزاء الزوايا ... وإزاء السقوف والأبواب)

 (ينتضي الظفر حين يطفر للصيد ... وإلا فظفره في قراب)

 (لا يري أخبثيه عينا ولا يعلم ... ما أخبثاه غير التراب )

(قرطقوه وشنقوه وحلوه ... أخيرا وأولا بالخضاب)

 (فهو طورا يمشي بحلي عروس ... وهو طورا يخطو على عناب)

 (حبذا ذاك صاحبا وهو في الصحبة ... أوفى من أكثر الأصحاب)

 وحدث القاضي أبو علي الحسن بن علي التنوخي في كتاب نشوار المحاضرة قال ومن طريف أخبار العادات أني كنت أرى أبا الفرج علي بن الحسين الأصفهاني الكاتب نديم أبي محمد المهلبي صاحب الكتب المصنفة في الأغاني والقيان وغير ذلك دائما إذا ثقل الطعام في معدته ( ( وكان أكولا نهما ) ) يتناول خمسة دراهم فلفلا مدقوقا فلا تؤذيه ولا تدمعه وأراه يأكل حمصة واحدة أو يصطبغ بمرقة قدر فيها حمص فيسرهج بدنه كله من ذلك وبعد ساعة أو ساعتين يفصد وربما فصد لذلك دفعتين وأسأله عن سبب ذلك فلا يكون عنده علم منه وقال لي غير مرة إنه لم يدع طبيبا حاذقا على مرور السنين إلا سأله عن سببه فلا يجد عنده علما ولا دواء فلما كان قبل فالجه بسنوات ذهبت عنه العادة في الحمص فصار يأكله فلا يضره وبقيت عليه عادة الفلفل. ومن كتاب الوزراء لهلال بن المحسن:

 وحدث أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني قال سكر الوزير أبو محمد المهلبي ليلة ولم يبق بحضرته من ندمائه غيري فقال لي يا أبا الفرج أنا أعلم أنك تهجوني سرا فاهجني الساعة جهرا. فقلت الله الله أيها الوزير في إن كنت قد مللتني انقطعت وإن كنت تؤثر قتلي فبالسيف إذا شئت. فقال دع ذا لا بد أن تهجوني. وكنت قد سكرت فقلت: [مجزوء الخفيف]

 (أيـ... بغل بلولبِ)

 فقال في الحال مجيزا:

                       (في حِـ... ام المهلبي)

 هات مصراعا آخر. فقلت: الطلاق لازم للأصفهاني إن زاد على هذا وإن كان عنده زيادة. قرأت بخط أبي علي المحسن بن هلال الصابىء صاحب الشامة لأبي الفرج الأصفهاني يهجو أبا الحسن طازاد النصراني الكاتب: [السريع]

 (طازاد مشتق من الطيـ... ... فعد عن ذكر فتى الحوز)

 (كأن رجليه إذا ما مشى ... مخنث يلعب بالشيز)

 قرأت بخط هلال بن المظفر الكاتب الزنجاني: حدثني الأستاذ أبو المظفر عبد الغفار بن غنيمة قال كان أبو الفرج الكاتب الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني كاتبا لركن الدولة حظيا عنده محتشما لديه وكان يتوقع من الرئيس أبي الفضل بن العميد أن يكرمه ويبجله ويتوفر عليه في دخوله وخروجه وعدم ذلك منه فقال: [السريع]

 (مالك موفور فما باله ... أكسبك التيه على المعدم)

 (ولم إذا جئت نهضنا وإن ... جئنا تطاولت ولم تتمم)

 (وإن خرجنا لم تقل مثل ما ... نقول قدم طرفه قدم)

 (إن كنت ذا علم فمن ذا الذي ... مثل الذي تعلم لم يعلم)

 (ولست في الغارب من دولة ... ونحن من دونك في المنسم)

 (وقد ولينا وعزلنا كما ... أنت فلم نصغر ولم تعظم)

 (تكافأت أحوالنا كلها ... فصلْ على الإنصاف أو فاصرم)

وقد روى أبو حيان في كتاب الوزيرين من تصنيفه من خبر هذه الأبيات غير هذا وقد ذكرناها في أخبار ابن العميد من هذا الكتاب. قرأت في بعض المجاميع لأبي الفرج الأصبهاني: [الطويل]

 (حضرتكم دهرا وفي الكم تحفة ... فما أذن البواب لي في لقائكم)

 (إذا كان هذا حالكم يوم أخذكم ... فما حالكم تالله يوم عطائكم)

 قال ابن عبد الرحيم: حدثني أبو نصر الزجاج قال كنت جالسا مع أبي الفرج الأصبهاني في دكان في سوق الوراقين وكان أبو الحسين علي بن يوسف بن البقال الشاعر جالسا عند أبي الفتح بن الحراز الوراق وهو ينشد أبيات إبراهيم بن العباس الصولي التي يقول فيها: [الطويل]

 (رأى خلّتي من حيث يخفى مكانها ... فكانت قذى عينيه حتى تجلّتِ)

 فلما بلغ إليه استحسنه وكرره ورآه أبو الفرج فقال لي قم إليه فقل له قد أسرفت في استحسان هذا البيت وهو كذاك فأين موضع الصنعة فيه فقلت له ذاك فقال قوله ((وكانت قذى عينيه)) فعدت إليه وعرفته. فقال: عد إليه فقل له أخطأت الصنعة في قوله ((من حيث يخفى مكانها)) قال عبيد الله الفقير إليه مؤلف هذا الكتاب وقد أصاب كل واحد منهما حافة من الغرض فإن الموضعين معا غاية في الحسن وإن كان ما ذهب إليه أبو الفرج أحسن.

 قال أبو الفرج في كتاب الغرباء: وخرجت أنا وأبو الفتح أحمد بن إبراهيم بن علي بن عيسى رحمه الله ماضيين إلى دير الثعالب في يوم ذكر أنه  من سنة خمس وخمسين وثلاثمائة للنزهة ومشاهدة اجتماع النصارى هناك والشرب على نهر يزدجرد الذي يجري على باب هذا الدير ومعه جماعة من أولاد كتاب النصارى من أحداثهم وإذا بفتاة كأنها الدينار المنقوش تتمايل وتنثني كغصن الريحان في نسيم الشمال فضربت بيدها إلى يد أبي الفتح وقالت يا سيدي تعال اقرأ هذا الشعر المكتوب على حائط هذا الشاهد فمضينا معها وبنا من السرور بها وبظرفها وملاحة منطقها ما الله به عليم فلما دخلنا البيت كشفت عن ذراع كأنه الفضة وأومأت إلى الموضع فإذا فيه مكتوب: [مجزوء الخفيف]

 (خرجت يوم عيدها ... في ثياب الرواهب)

 (فتنت باختيالها ... كل جاء وذاهب)

 (لشقائي رأيتها ... يوم دير الثعالب)

 (تتهادى بنسوة ... كاعب في كواعب)

 (هي فيهم كأنها البدر ... بين الكواكب)

 فقلت لها أنت والله المقصودة بهذه الأبيات ولم نشك أنها كتبت الأبيات ولم نفارقها بقية يومنا وقلت لها هذه الأبيات وأنشدتها إياها ففرحت: [السريع]

 (مرت بنا في الدير خمصانه ... ساحرة الناظر فتّانه)

 (أبرزها الذكران من خدرها ... تعظّم الدير ورهبانه)

 (مرت بنا تخطر في مشيها ... كأنما قامتها بانه)

 (هبت لنا ريح فمالت بها ... كما تثنى غصن ريحانه)

 (فتيمت قلبي وهاجت له ... أحزانه قدما وأشجانه)

 وحصلت بينها وبين أبي الفتح عشرة بعد ذلك ثم خرج إلى الشام وتوفي بها ولا أعرف لها خبرا بعد ذلك

 قال أبو الفرج وكنت انحدرت إلى البصرة منذ سنيات فلما وردتها أصعدت من الفيض إلى سكة قريش أطلب منزلا أسكنه لأني كنت غريبا لا أعرف أحدا من أهلها إلا من كنت أسمع بذكره فدلني رجل على خان فصرت إليه واستأجرت فيه بيتا وأقمت بالبصرة أياما ثم خرجت عنها طالبا حصن مهدي وكتبت هذه الأبيات على حائط البيت الذي أسكنه: [السريع]

 (الحمد لله على ما أرى ... من صنعتي من بين هذا الورى )

 (أصارني الدهر إلى حالة ... يعدم فيها الضيف عندي القرى)

 (بدلت من بعد الغنى حاجة ... إلى كلاب يلبسون الفرا)

 (أصبح أدم السوق لي مأكلا ... وصار خبز البيت خبز الشرا)

 (وبعد ملكي منزلا مبهجا ... سكنت بيتا من بيوت الكرى)

 (فكيف ألفى لاهيا ضاحكا ... وكيف أحظى بلذيذ الكرى)

 (سبحان من يعلم ما خلفنا ... وبين أيدينا وتحت الثرى)

 (والحمد لله على ما أرى ... وانقطع الخطب وزال المرا)

 قال أبو الفرج: وكنت في أيام الشبيبة والصبا آلف فتى من أولاد الجند في السنة التي توفي فيها معز الدولة وولي بختيار وكانت لأبيه حال كبيرة ومنزلة من الدولة ورتبة وكان الفتى في نهاية حسن الوجه وسلامة الخلق وكرم الطبع ممن يحب الأدب ويميل إلى أهله ولم يترك قريحته حتى عرف صدرا من العلم وجمع خزانة من الكتب حسنة فمضت لي معه سير لو حفظت لكانت في كتاب مفرد من مكاتبات ومعاتبات وغير ذلك مما يطول شرحه. منها ما يشبه ما نحن فيه أنني جئته يوم جمعة غدوة فوجدته قد ركب إلى الحلبة وكانت عادته أن  يركب إليها في كل ثلاثاء ويوم جمعة فجلست على دكة على باب دار أبيه في موضع فسيح كان عمرها وفرشها فكنا نجلس عليها للمحادثة إلى ارتفاع النهار ثم يدخل إذا أقمت عنده إلى حجرة لطيفة كانت مفردة له لنجتمع على الشرب والشطرنج وما أشبههما فطال جلوسي في ذلك اليوم منتظرا له فأبطأ وتصبح من أجل رهان كان بين فرسين لبختيار فعرض لي لقاء صديق لي فقمت لأمضي ثم أعود إليه فهجس لي أن كتبت على الحائط الذي كنا نستند إليه هذه الأبيات: [مجزوء الكامل]

 (يا من أظل بباب داره ... ويطول حبسي لانتظاره)

 (وحياة طرفك واحوراره ... وجمال صدغك في مداره)

 (لا حلت عمري عن هوا...ك ولو صُليت بحر ناره)

 وقمت فلما عاد قرأ الأبيات وغضب من فعلي لئلا يقف عليه من يحتشمه وكان شديد الكتمان لما بيني وبينه ومطالبا بمثل ذلك مراقبة لأبيه إلا أن ظرفه ووكيد محبته لي وميله إلي لم يدعه حتى أجاب عنها بما كتب تحتها ورجعت من ساعتي فوجدته في دار أبيه فاستأذنت عليه فخرج إلي خادم لهم فقال يقول لك لا التقينا حتى تقف على الجواب عن الأبيات فإنه تحتها فصعدت الدكة فإذا تحت الأبيات بخطه ما هذه الشناعة ومن فسح لك في هذه الإذاعة وما أوجب خروجك عن الطاعة ولكن أنا جنيت على نفسي وعليك ملكتك فطغيت وأطعتك فتعديت

 وما أحتشم أن أقول هذا تعرض للإعراض عنك والسلام. فعلمت أنني قد أخطأت وسقطت شهد الله قوتي وحركتي فأخذتني الندامة والحيرة ثم أذن لي فدخلت فقبلت يده فمنعني وقلت يا سيدي غلطة غلطتها وهفوة هفوتها فإن لم تتجاوز عنها وتعف هلكت فقال لي أنت في أوسع العذر بعد أن لا يكون لها أخت. وعاتبني على ذلك عتابا عرفت صحته ولم تمض إلا مديدة حتى قبض على أبيه وهرب فاحتاج إلى الاستتار فلم يأنس هو وأهله إلا بكونه عندي فأنا على غفلة إذ دخل في خف وإزار وكادت مرارتي تنفطر فرحا فلقيته أقبل رجليه وهو يضحك ويقول يأتيها رزقها وهي نائمة هذا يا حبيبي بخت من لا يصوم ولا يصلي في الحقيقة. وكان أخف الناس روحا وأنشطهم لبادرة وبتنا في تلك الليلة عروسين لا نعقل سكرا واصطبحنا وقلت هذه الأبيات: [المنسرح]

 (بت وبات الحبيب ندماني ... من بعد نأي وطول هجران )

 (نشرب قفصية معتقة ... بحانة الشط منذ أزمان)

 (وكلما دارت الكؤوس لنا ... ألثمني فاه ثم غناني)

 (الحمد لله لا شريك له ... أطاعني الدهر بعد عصيان)

 ولم يزل مقيما عندي نحو الشهر حتى استقام أمر أبيه ثم عاد إلى داره.

وحدث الحسن بن الحسين النَّعَّال قال: قال أبو الفرج الأصبهاني بلغ أبا الحسن جحظة أن مدرك بن محمد الشيباني الشاعر ذكره بسوء في مجلس كنت حاضره وكتب إلي: [الطويل]

 (أبا فرج أهجى لديك ويعتدى ... علي فلا تحمى لذاك وتغضب)

 (لعمرك ما أنصفتني في مودتي ... فكن معتبا إن الأكارم تعتب)

 قال أبو الفرج فكتبت إليه:

 (عجبت لما بلغت عني باطلا ... وظنك بي فيه لعمرك أعجب)

 (ثكلت إذا نفسي وعزي وأسرتي ... بفقدي ولا أدركت ما كنت أطلب)

 (فكيف بمن لا حظ لي في لقائه ... وسيان عندي وصله والتجنب)

 (فثق بأخ أصفاك محض مودة ... تشاكل منها ما بدا والتغيب)

 قال غرس النعمة حدثني أبي قال حدثني جدي قال كان أبو القاسم الجهني القاضي ( ( وأظنه من أهل البصرة وتقلد الحسبة بها ومنها عرف أبا محمد المهلبي وصحبه ) ) يشتمل على آداب يتميز بها إلا أنه كان فاحش الكذب يورد من الحكايات ما لا يعلق بقبول ولا يدخل في معقول وكان أبو محمد قد ألف ذلك منه وقد سلك مسلك الاحتمال وكنا لا نخلو عند حديثه من التعجب والاستطراف والاستبعاد وكان ذلك لا يزيده إلا إغراقا في قوله وتماديا في فعله فلما كان في بعض الأيام جرى حديث النعنع وإلى أي حد يطول فقال  الجهني في البلد الفلاني يتشجر حتى يعمل من خشبه السلاليم فاغتاظ أبو الفرج الأصبهاني من ذاك وقال نعم عجائب الدنيا كثيرة ولا يدفع مثل هذا وليس بمستبدع وعندي ما هو أعجب من هذا وأغرب وهو زوج حمام راعبي يبيض في نيف وعشرين يوما بيضتين فأنتزعهما من تحته وأضع مكانهما صنجة مائة وصنجة خمسين فإذا انتهى مدة الحضان تفقست الصنجتان عن طست وإبريق أو سطل وكرنيب. فعمنا الضحك وفطن الجهني لما قصده أبو الفرج من الطنز وانقبض عن كثير مما كان يحكيه ويتسمح فيه وإن لم يخل من الأيام من الشيء منه. ومن عجيب ما مر بي من الكذب حكاية أوردها غرس النعمة عقيب هذه قال كان لوالدي تاجر يعرف بأبي طالب وكان معروفا بالكذب فأذكر وقد حكى في مجلسه والناس حضور عنده أنه كان في معسكر محمود بن سبكتكين صاحب خراسان ببخارى معه وقد جاء من البرد أمر عظيم جمد منه المري حتى قد وفري وعملت منه خفاف وأن الناس كانوا ينزلون في المعسكر فلا يسمع لهم صوت ولا حديث ولا حركة حتى ضرب الطبل في أوقات الصلوات فإذا أصبح الناس وطلعت الشمس وحميت ذاب الكلام فسمعت الأصوات الجامدة منذ أمس من أصوات الطبول والبوقات وحديث الناس وصهيل الخيول ونهيق الحمير ورغاء الإبل. قرأت على ظهر جزء من نسخة بكتاب الأغاني لأبي الفرج حدث  ابن عرس الموصلي وكان المترسل بين عز الدولة وبين أبي تغلب ابن ناصر الدولة وكان يخلف أبا تغلب بالحضرة قال كتب إلي أبو تغلب يأمرني بابتياع كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني فابتعته له بعشرة آلاف درهم من صرف ثمانية عشر درهما بدينار فلما حملته إليه ووقف عليه ورأى عظمه وجلالة ما حوى قال لقد ظلم وراقه المسكين وإنه ليساوي عندي عشرة آلاف دينار ولو فقد لما قدرت عليه الملوك إلا بالرغائب وأمر أن يكتب له نسخة أخرى ويخلد عليها اسمه فابتدأ بذلك فما أدري أتمت النسخة أم لا.

 قال أبو جعفر محمد بن يحيى بن شيرزاد اتصل بي أن مسودة كتاب الأغاني وهي أصل أبي الفرج أخرجت إلى سوق الوراقين لتبتاع فأنفذت إلى ابن قرابة وسألته إنفاذ صاحبها لأبتاعها منه لي فجاءني وعرفني أنها بيعت في النداء بأربعة آلاف درهم وأن أكثرها في طروس وبخط التعليق وأنها اشتريت لأبي أحمد بن محمد بن حفص فراسلت أبا أحمد فأنكر أنه يعرف شيئا من هذا فبحثت كل البحث فما قدرت عليها.

كان الراضي بالله في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة قد ولى أبا عبد الله البريدي وكان قد خرج عليه بنواحي البصرة الوزارة فتحدث الناس أن الراضي إنما قصد بتقليد أبي عبد الله الوزارة طمعا في إيقاع الحيلة عليه في تحصيله فقال أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني في ذلك قصيدة طويلة تزيد على مائة بيت يهجو فيها أبا عبد الله ويؤنب الراضي في توليته وطمعه فيه أولها: [الخفيف]

 (يا سماء أسقطي ويا أرض ميدي ... قد تولى الوزارة ابن البريدي)

(جل خطب وحل أمر عضال ... وبلاء أشاب رأس الوليد)

 (هد ركن الإسلام وانهتك الملك ... ومحيت آثاره فهو مودي)

 (أخلقت بهجة الزمان كما أنهج ... طول اللباس وشي البرود)

 يقول فيها:

 (وتوهمت أن سيخدعه ذاك ... فيغتاله اصطياد الصيود)

 (هو أزنى مما تقدر أما ... ليس ممن يصاد بالتقليد)

 فانتهت هذه القصيدة إلى أبي عبد الله البريدي فلما بلغ البيت الأخير ضحك وضرب بيديه ورجليه وقال لو عرف أبو الفرج ما في نفسي وأزال الوحشة وصار إلي لبالغت في صلته والإفضال عليه من أجل هذا البيت.

 قال الحميدي: وقد ذكر صاحب كتاب النشوار أبو علي المحسن بن علي القاضي أنه حضر مجلس أبي الفرج الأصبهاني صاحب كتاب الأغاني فتذاكروا موت الفجاءة فقال أبو الفرج أخبرني شيوخنا أن جميع أحوال العالم قد اعترت من مات فجاءة إلا أنني لم أسمع من مات على منبر.

 قال أبو علي المحسن: وكان معنا في مجلس أبي الفرج شيخ أندلسي قدم من هناك لطلب العلم ولزم أبا الفرج يقال له أبو زكريا يحيى بن مالك بن عائذ وكنت أرى أبا الفرج يعظمه ويكرمه ويذكر ثقته فأخبرنا أبو زكريا أنه شاهد في المسجد الجامع ببلدة من الأندلس خطيب البلد وقد صعد يوم الجمعة ليخطب فلما بلغ يسيرا من خطبته خر ميتا فوق المنبر حتى أنزل به وطلب في الحال من رقي المنبر فخطب وصلى الجمعة بنا. إلا أن أبا علي قلب نسبة زكريا فقال: يحيى بن عائذ بن مالك الأندلسي. والصواب ما قلنا.

 قال الثعالبي: ومن قوله في المهلبي: [الطويل]

 (ولما انتجعنا عائذين بطله ... أعان وما عنّى ومنّ وما منّى)

 (وردنا عليه مقترين فراشنا ... وردنا نداه مجدبين فأخصبنا)

 وقوله من قصيدة يهنئه بمولود من سُرّيّة رومية: [الكامل]

 (أسعد بمولود أتاك مباركا ... كالبدر أشرق جنح ليل مقمر)

 (سعد لوقت سعادة جاءت به ... أم حصان من بنات الأصفر)

 (متبحبح في ذروتي شرف العلا ... بين المهلب منتماه وقيصر)

 (شمس الضحى قرنت إلى بدر الدجى ... حتى إذا اجتمعا أتت بالمشتري)

 وأنشد له في عيدية: [الطويل]

 (إذا ما علا في الصدر والنهي والأمر ... وبثهما في النفع منه وفي الضر)

 (وأجرى ظبا أقلامه وتدفقت ... بديهته كالمستمد من البحر)

(رأيت نظام الدر في نظم قوله ... ومنثوره الرقراق في ذلك النثر)

 (ويقتضب المعنى الكثير بلفظة ... ويأتي بما تحوي الطوامير في سطر)

 (أيا غرة الدهر ائتنف غرة الشهر ... وقابل هلال الفطر في ليلة الفطر)

 (بأيمن إقبال وأسعد طائر ... وأفضل ما ترجوه من أفسح العمر)

 (مضى عنك شهر الصوم يشهد صادقا ... بطهرك فيه واجتنابك للوزر)

 (فأكرم بما خط الحفيظان منهما ... وأثنى به المثني وأطرى به المطري)

 (وزكتك أوراق المصاحف وانتهى ... إلى الله منها طول درسك والذكر)

 (وقبضك كف البطش عن كل مجرم ... وبطشكها بالعرف والخير والبر)

 (وقد جاء شوال فشالت نعامة الصيام ... وأبدلنا النعيم من الضر)

 (وضجت حبيس الدن من طول حبسها ... ولامت على طول التجنب والهجر)

(وأبرزها من قعر أسود مظلم ... كإشراق بدر مشرق اللون كالبدر)

 (إذا ضمها والورد فوه وكفه ... فلا فرق بين اللون والطعم والنشر)

 (وتحسبه إذ سلسل الكأس ناظما ... على الكوكب الدري سمطا من الدر)

 وله فيه يهنئه بإبلاله من مرض:

 (أبا محمد المحمود يا حسن الـ...إحسان والجود يا بحر الندى الطامي)

 (حاشاك من عود عواد إليك ومن ... دواء داء ومن إلمام آلام)

 وله: [البسيط]

 (يا فرجة الهم بعد اليأس من فرج ... يا فرحة الأمن بعد الروع من وهل)

 (إسلم ودم وابق واملك وانم واسم وزد ... وأعط وامنع وضر وانفع وصُل وصِل)

 وله في القاضي الإيذجي وكان التمس منه عكازة فلم يعطه إياها: [البسيط]

 (إسمع حديثي تسمع قصة عجبا ... لا شيء أظرف منها تبهر القصصا)

 (طلبت عكازة للوحل تحملني ... ورمتها عند من يخبا العصا فعصا)

 (وكنت أحسبه يهوى عصا عصب ... ولم أكن خلته صبا بكل عصا)

 

 وله في قصيدة يستميح المهلبي: [المتقارب]

 (رهنت ثيابي وحال القضاء ... دون القضاء وصد القدر)

 (وهذا الشتاء كما قد ترى ... عسوف علي قبيح الأثر)

 (يغادي بصر من العاصفات ... أو دمق مثل وخز الإبر)

 (وسكان داري ممن أعول ... يلقين من برده كل شر)

 (فهذي تحن وهذي تئن ... وأدمع هاتيك تجري درر)

 (إذا ما تململن تحت الظلام ... يعللن منك بحسن النظر)

 (ولاحظن ريعك كالممحلين ... شاموا البروق رجاء المطر)

 (يؤملن عودي بما ينتظرن ... كما يرتجى آئبٌ من سفر)





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.