المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
من آداب عصر الغيبة: القيام عند ذكر القائم
2024-07-03
من آداب عصر الغيبة: طلب التشرف بلقائه
2024-07-03
ما الفرق بين الأفعال الأخلاقيّة وغيرها؟
2024-07-03
ما الأخلاق؟
2024-07-03
من آداب عصر الغيبة: الزيارة
2024-07-03
صور الرقابة الإدارية
2024-07-03

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


كعب بن زهير  
  
3443   10:53 صباحاً   التاريخ: 14-11-2021
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي
الجزء والصفحة : ص:83-89
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-08-2015 2193
التاريخ: 22-06-2015 2190
التاريخ: 30-12-2015 31433
التاريخ: 25-06-2015 2289

 كعب (1) بن زهير

أبوه زهير بن أبي سلمي من فحول الشعر في الجاهلية، وهما من قبيلة مزينة، ولكنهما يوضعان في عداد غطفان حيث عاش زهير مع بنيه بين أخواله بني مرة الذبيانيين. وقد تلقن كعب الشعر عن أبيه، مثله في ذلك مثل أخيه بجير ومثل الحطيئة، ويذكر لنا الرواة الطريقة التي كان يخرج بها زهير تلاميذه من أهل بيته وغيرهم إذ يقولون إنه كان يحفظهم شعره وشعر غيره من الجاهليين حتي تتضح موهبة الشعر فيهم. ويقولون عن كعب إنه كان يخرج به الى الصحراء، فيلقي عليه بيتا أو شطرا ويطلب إليه أن يجيزه (2) تمرينا له وتدريبا. على صوغ

 

84

الشعر ونظمه. ويبدو أن كعبا اشتهر في الجاهلية بأكثر مما اشتهر الحطيئة.

يدل على ذلك ما يرويه ابن سلام من أن الحطيئة قال له: «قد علمت روايتي لكم أهل البيت وانقطاعي إليكم، وقد ذهبت الفحول غيري وغيرك، فلو قلت شعرا تذكر فيه نفسك وتضعني موضعا بعدك فإن الناس لأشعاركم أروي وإليها أسرع» (3)، فقال كعب قطعته التي يقول فيها:

فمن للقوافي شانها من يحوكها … إذا ما ثوي كعب وفوز جرول (4)

ومعروف أن كعبا وبجيرا أخاه والحطيئة أدركوا الإسلام، وكان أسبقهم الى الدخول فيه بجير، وقد هجاه كعب حينئذ هجاء آذي رسول الله بمثل قوله (5):

ألا أبلغا عني بجيرا رسالة … فهل لك فيما قلت-ويحك-هل لكا

شربت مع المأمون كأسا روية … فأنهلك المأمون منها وعلكا (6)

وخالفت أسباب الهدي وتبعته … على أي شئ-ويب غيرك-دلكا (7)

علي خلق لم تلف أما ولا أبا … عليه ولم تدرك عليه أخا لكا

ويقال إن الرسول سمع بهذا الشعر فتوعده، وأجابه بجير فيما أجابه به بقوله (8):

من مبلغ كعبا فهل لك في التي … تلوم عليها باطلا وهي أحزم

إلي الله لا العزي ولا اللات وحده … فتنجو إذا كان النجاء وتسلم

لدي يوم لا ينجو وليس بمفلت … من النار إلا طاهر القلب مسلم

وما زال كعب على وثنيته حتي فتحت مكة وانصرف الرسول صلي الله عليه وسلم من الطائف، فكتب إليه بجير أن النبي صلي الله عليه وسلم قتل كل من

 

85

آذاه من شعراء المشركين إلا من أعلنوا إسلامهم، ودعاه أن يقدم على رسول الله تائبا. وشرح الله صدره للإسلام، فقدم المدينة وبدأ بأبي بكر، فوقع من نفسه «فلما سلم النبي صلي الله عليه وسلم من صلاة الصبح جاء به وهو متلثم بعمامته، فقال: يا رسول الله! هذا رجل جاء يبايعك على الإسلام، فبسط النبي، صلى الله عليه وسلم، يده، فحسر كعب عن وجهه، وقال:

هذا مقام العائذ بك يا رسول الله! أنا كعب بن زهير. فتجهمته الأنصار وغلظت له، لذكره قبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحبت المهاجرة أن يسلم ويؤمنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأمنه رسول الله» (9)، وأنشده مدحته الخالدة:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول … متيم إثرها لم يفد مكبول (10)

فكساه النبي صلى الله عليه وسلم بردة اشتراها معاوية من أبنائه بعشرين ألف درهم، وكان يلبسها الخلفاء بعد معاوية في العيدين (11). وقد اكتسي بها كعب حلة مجد لا تبلي، ولقبت قصيدته من أجلها بالبردة. ونراه يستهلها بالغزل، إذ يذكر سعاد وفراقها وأن قلبه مرتهن عندها فليس له فكاك، وكأنه يتأثر أباه في بعض غزله إذ يقول في إحدى قصائده (12):

وفارقتك برهن لا فكاك له … يوم الوداع فأمسي الرهن قد غلقا (13)

ويلح في وصف سعاد ويشبهها بالظبي ويشبه ريقها بالخمر، متأثرا في ذلك أباه في نفس القصيدة، كما تأثره في الحديث عن إخلاف صاحبته لوعدها.

ويخرج من ذلك الى وصف ناقته مستلهما ما نظمه أبوه في هذا الموضوع من قبل. وما زال ينعت ناقته حتى قال يصور خوفه وفزعه من رسول الله:

 

86

وقلت خلوا طريقي-لا أبا لكم- … فكل ما قدر الرحمن مفعول

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته … يوما على آلة حدباء محمول

أنبئت أن رسول الله أوعدني … والعفو عند رسول الله مأمول

مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال‍ … قرآن فيها مواعيظ وتفصيل

لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم … أذنب ولو كثرت عني الأقاويل

إن الرسول لنور يستضاء به … مهند من سيوف الله مسلول (14)

في عصبة من قريش قال قائلهم … ببطن مكة لما أسلموا زولوا (15)

زالوا فما زال أنكاس ولا كشف … عند اللقاء ولا ميل معازيل (16)

ومضي يمدح المهاجرين حتي قال:

يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم … ضرب إذا عرد السود التنابيل (17)

يعرض بالأنصار لغلظتهم-كانت عليه-فأنكرت قريش ما قال، وقالوا لم تمدحنا إذ هجوتهم. ولم يقبلوا منه ذلك حتى قال يذكر الأنصار:

من سره كرم الحياة فلا يزل … في مقنب من صالحي الأنصار (18)

الباذلين نفوسهم لنبيهم … يوم الهياج وسطوة الجبار

يتطهرون-كأنه نسك لهم- … بدماء من علقوا من الكفار (19)

صدموا عليا يوم بدر صدمة … دانت لوقعتها جميع نزار (20)

 

87

ورثوا السيادة كابرا عن كابر … إن الكرام هم بنو الأخيار

وحسن إسلام كعب، وأخذ يصدر في شعره عن مواعظ وحكم يستهدي فيها الذكر الحكيم، من مثل قوله:

لو كنت أعجب من شيء لأعجبني … سعي الفتي وهو مخبوء له القدر

يسعي الفتي لأمور ليس يدركها … والنفس واحدة والهم منتشر

والمرء ما عاش ممدود له أمل … لا تنتهي العين حتي ينتهي الأثر

ونراه يردد كثيرا أن الله يرزق عباده، وأنه لا يتركهم بدون رزق فهو راعيهم الذي يفضل عليهم. وهو الغني الحميد، يقول:

أعلم أني متى ما يأتني قدري … فليس يحبسه شح ولا شفق (21)

والمرء والمال ينمي ثم يذهبه … مر الدهور ويفنيه فينسحق

فلا تخافي علينا الفقر وانتظري … فضل الذي بالغني من عنده نثق

إن يفن ما عندنا فالله يرزقنا … ومن سوانا ولسنا نحن نرتزق

وهو في ذلك يقرب من زهاد المسلمين الذين كانوا يكرهون أن يفكر الشخص منهم في رزق غد، بل كان منهم من يري أن ذلك خطيئة لا تغتفر.

وله قصيدة لامية يظهر أنه نظمها في الجاهلية لما يذكر فيها من شربه الخمر مع من يصطفيه. ويظهر أنه عاد فأدخل فيها بعد إسلامه هذه الأبيات:

فأقسمت بالرحمن لا شيء غيره … يمين امرئ بر ولا أتحلل (22)

لأستشعرن أعلي دريسي مسلما … لوجه الذي يحيي الأنام ويقتل (23)

هو الحافظ الوسنان بالليل ميتا … على أنه حي من النوم مثقل (24)

من الأسود الساري وإن كان ثائرا … على حد نابيه السمام المثمل (25)

 

88

وهي تنم عن ولائه لدينه الحنيف وأنه أسلم وجهه لربه، جل جلاله، الحافظ الذي يكلأ عباده ويقيهم الأذى، ولعل في ذلك ما يدل دلالة واضحة على مدى تأثير الإسلام في نفسه وفي شعره. وديوانه يدل-كما يدل تأخره في إسلامه-علي أنه كان فيه شر كثير، إذ نراه دائما في شعره الجاهلي مفاخرا متوعدا مهددا، حتى إذا أسلم أخذت نفسه تصفو، وأخذ يستشعر معاني الإسلام الروحية، وما دعا إليه من الخلق الفاضل، حتى لنراه في الهجاء نفسه يعلن لهاجيه أنه يصفح الصفح الجميل، سائقا له، لا من الشتم والسباب، بل من الحكم، ما يحاول به أن يكف أذاه عنه، يقول (26):

إن كنت لا ترهب ذمي لما … تعرف من صفحي عن الجاهل

فاخش سكوتي إذ أنا منصت … فيك لمسموع خنا القائل

فالسامع الذام شريك له … ومطعم المأكول كالآكل

مقالة السوء الى أهلها … أسرع من منحدر سائل

ومن دعا الناس الى ذمه … ذموه بالحق وبالباطل

ولا تهج إن كنت ذا إربة … حرب أخي التجربة العاقل (27)

فإن ذا العقل إذا هجته … هجت به ذا خبل خابل

فهو ينهاه أن لا يجعل الصفح عنه سببا الى سوء القول، حتى لا يجني على نفسه ما هو أقبح أثرا وأبقي وسما، ويقول إن الذين يبسطون ألسنتهم بالهجاء سرعان ما يرتد عليهم هجاء أقذع وأمر، هجاء بالحق وبالباطل. وهو في ذلك كله يأخذ بأدب القرآن ورسوله عليه الصلاة والسلام من العفو والصفح ومن التقريع لمن يهجوه بدلا من الطعن في الأعراض سنتهم القديمة.

89

 

_________

(1) راجع في ترجمة كعب طبقات فحول الشعراء لابن سلام ص 83 وما بعدها والشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 86 وأغاني (طبعة الساسي) 15/ 140 وابن هشام 4/ 144 وما بعدها والاستيعاب ص 226 وأسد الغابة 4/ 240 والإصابة 5/ 302 ومعجم الشعراء للمرزباني ص 230 والخزانة 1/ 375، 4/ 11. وقد طبعت دار الكتب المصرية ديوانه برواية ثعلب.

(2) أغاني (طبع الساسي) 15/ 141 و أمالي المرتضى (طبع الحلبي) 1/ 97.

(3) ابن سلام ص 87 وانظر الأغاني (طبع دار الكتب) 2/ 165.

(4) ثوي وفوز: مات وهلك. جرول: الحطيئة.

(5) مقدمة الديوان ص 3 وأغاني (ساسي) 15/ 142 والسيرة 4/ 144 والاستيعاب ص 226.

(6) المأمون: الرسول وقيل بل أراد به أبا بكر. النهل: الشرب الأول. العلل: الشرب الثاني.

(7) ويب غيرك: هلكت هلاك غيرك، وويب بالنصب على إضمار فعل.

(8) الديوان ص 4 والسيرة 4/ 145.

(9) ابن سلام ص 83 والشعر والشعراء 1/ 104 وانظر الأغاني 14/ 142.

(10) انظر القصيدة في ديوان كعب (طبعة دار الكتب المصرية) ص 6. ومتبول: مغرم. وبانت: فارقت. ومكبول: مقيد.

(11) ابن سلام ص 87 والشعر والشعراء 1/ 106 والإصابة 5/ 302.

(12) ديوان زهير (طبعة دار الكتب) ص 33.

(13) غلق الرهن: لم ينفك أبدا.

(14) المهند: السيف المطبوع من حديد الهند وهو خير السيوف.

(15) زولوا: هاجروا.

(16) أنكاس: جمع نكس وهو الضعيف. الذليل. كشف: جمع أكشف وهو الذي ينكشف في القتال وينهزم. ميل: جمع أميل وهو الجبان. معازيل: جمع معزال: وهو الذي ينعزل في الحرب عن صحبه ومن يستغيث به.

(17) الزهر: البيض. عرد: نكل وجبن. التنابيل: القصار.

(18) المقنب: جماعة الخيل والفرسان.

(19) علقوا: قتلوا.

(20) يريد بعلي بني على بن مسعود وهم بنو كنانة.

(21) شفق: خوف.

(22) لا أتحلل: لا أستثني.

(23) الدريس: الثوب البالي. كني بذلك عن حسن إسلامه وتوكله على الله الذي يحيي ويميت.

(24) الوسنان: النائم.

(25) الأسود: الأفعى. الساري: الذي يسير ليلا. الثائر: الطالب بثأر. المثمل: المجمع

(26) الخزانة 4/ 12 والاستيعاب ص 227 والحيوان 1/ 15.

(27) الإربة: الدهاء.

كعب  بن زهير

شوقي ضيف

تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي ،ص:83-89

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

3 - كعب (1) بن زهير

أبوه زهير بن أبي سلمي من فحول الشعر في الجاهلية، وهما من قبيلة مزينة، ولكنهما يوضعان في عداد غطفان حيث عاش زهير مع بنيه بين أخواله بني مرة الذبيانيين. وقد تلقن كعب الشعر عن أبيه، مثله في ذلك مثل أخيه بجير ومثل الحطيئة، ويذكر لنا الرواة الطريقة التي كان يخرج بها زهير تلاميذه من أهل بيته وغيرهم إذ يقولون إنه كان يحفظهم شعره وشعر غيره من الجاهليين حتي تتضح موهبة الشعر فيهم. ويقولون عن كعب إنه كان يخرج به الى الصحراء، فيلقي عليه بيتا أو شطرا ويطلب إليه أن يجيزه (2) تمرينا له وتدريبا. على صوغ

 

84

الشعر ونظمه. ويبدو أن كعبا اشتهر في الجاهلية بأكثر مما اشتهر الحطيئة.

يدل على ذلك ما يرويه ابن سلام من أن الحطيئة قال له: «قد علمت روايتي لكم أهل البيت وانقطاعي إليكم، وقد ذهبت الفحول غيري وغيرك، فلو قلت شعرا تذكر فيه نفسك وتضعني موضعا بعدك فإن الناس لأشعاركم أروي وإليها أسرع» (3)، فقال كعب قطعته التي يقول فيها:

فمن للقوافي شانها من يحوكها … إذا ما ثوي كعب وفوز جرول (4)

ومعروف أن كعبا وبجيرا أخاه والحطيئة أدركوا الإسلام، وكان أسبقهم الى الدخول فيه بجير، وقد هجاه كعب حينئذ هجاء آذي رسول الله بمثل قوله (5):

ألا أبلغا عني بجيرا رسالة … فهل لك فيما قلت-ويحك-هل لكا

شربت مع المأمون كأسا روية … فأنهلك المأمون منها وعلكا (6)

وخالفت أسباب الهدي وتبعته … على أي شئ-ويب غيرك-دلكا (7)

علي خلق لم تلف أما ولا أبا … عليه ولم تدرك عليه أخا لكا

ويقال إن الرسول سمع بهذا الشعر فتوعده، وأجابه بجير فيما أجابه به بقوله (8):

من مبلغ كعبا فهل لك في التي … تلوم عليها باطلا وهي أحزم

إلي الله لا العزي ولا اللات وحده … فتنجو إذا كان النجاء وتسلم

لدي يوم لا ينجو وليس بمفلت … من النار إلا طاهر القلب مسلم

وما زال كعب على وثنيته حتي فتحت مكة وانصرف الرسول صلي الله عليه وسلم من الطائف، فكتب إليه بجير أن النبي صلي الله عليه وسلم قتل كل من

 

85

آذاه من شعراء المشركين إلا من أعلنوا إسلامهم، ودعاه أن يقدم على رسول الله تائبا. وشرح الله صدره للإسلام، فقدم المدينة وبدأ بأبي بكر، فوقع من نفسه «فلما سلم النبي صلي الله عليه وسلم من صلاة الصبح جاء به وهو متلثم بعمامته، فقال: يا رسول الله! هذا رجل جاء يبايعك على الإسلام، فبسط النبي، صلى الله عليه وسلم، يده، فحسر كعب عن وجهه، وقال:

هذا مقام العائذ بك يا رسول الله! أنا كعب بن زهير. فتجهمته الأنصار وغلظت له، لذكره قبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحبت المهاجرة أن يسلم ويؤمنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأمنه رسول الله» (9)، وأنشده مدحته الخالدة:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول … متيم إثرها لم يفد مكبول (10)

فكساه النبي صلى الله عليه وسلم بردة اشتراها معاوية من أبنائه بعشرين ألف درهم، وكان يلبسها الخلفاء بعد معاوية في العيدين (11). وقد اكتسي بها كعب حلة مجد لا تبلي، ولقبت قصيدته من أجلها بالبردة. ونراه يستهلها بالغزل، إذ يذكر سعاد وفراقها وأن قلبه مرتهن عندها فليس له فكاك، وكأنه يتأثر أباه في بعض غزله إذ يقول في إحدى قصائده (12):

وفارقتك برهن لا فكاك له … يوم الوداع فأمسي الرهن قد غلقا (13)

ويلح في وصف سعاد ويشبهها بالظبي ويشبه ريقها بالخمر، متأثرا في ذلك أباه في نفس القصيدة، كما تأثره في الحديث عن إخلاف صاحبته لوعدها.

ويخرج من ذلك الى وصف ناقته مستلهما ما نظمه أبوه في هذا الموضوع من قبل. وما زال ينعت ناقته حتى قال يصور خوفه وفزعه من رسول الله:

 

86

وقلت خلوا طريقي-لا أبا لكم- … فكل ما قدر الرحمن مفعول

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته … يوما على آلة حدباء محمول

أنبئت أن رسول الله أوعدني … والعفو عند رسول الله مأمول

مهلا هداك الذي أعطاك نافلة ال‍ … قرآن فيها مواعيظ وتفصيل

لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم … أذنب ولو كثرت عني الأقاويل

إن الرسول لنور يستضاء به … مهند من سيوف الله مسلول (14)

في عصبة من قريش قال قائلهم … ببطن مكة لما أسلموا زولوا (15)

زالوا فما زال أنكاس ولا كشف … عند اللقاء ولا ميل معازيل (16)

ومضي يمدح المهاجرين حتي قال:

يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم … ضرب إذا عرد السود التنابيل (17)

يعرض بالأنصار لغلظتهم-كانت عليه-فأنكرت قريش ما قال، وقالوا لم تمدحنا إذ هجوتهم. ولم يقبلوا منه ذلك حتى قال يذكر الأنصار:

من سره كرم الحياة فلا يزل … في مقنب من صالحي الأنصار (18)

الباذلين نفوسهم لنبيهم … يوم الهياج وسطوة الجبار

يتطهرون-كأنه نسك لهم- … بدماء من علقوا من الكفار (19)

صدموا عليا يوم بدر صدمة … دانت لوقعتها جميع نزار (20)

 

87

ورثوا السيادة كابرا عن كابر … إن الكرام هم بنو الأخيار

وحسن إسلام كعب، وأخذ يصدر في شعره عن مواعظ وحكم يستهدي فيها الذكر الحكيم، من مثل قوله:

لو كنت أعجب من شيء لأعجبني … سعي الفتي وهو مخبوء له القدر

يسعي الفتي لأمور ليس يدركها … والنفس واحدة والهم منتشر

والمرء ما عاش ممدود له أمل … لا تنتهي العين حتي ينتهي الأثر

ونراه يردد كثيرا أن الله يرزق عباده، وأنه لا يتركهم بدون رزق فهو راعيهم الذي يفضل عليهم. وهو الغني الحميد، يقول:

أعلم أني متى ما يأتني قدري … فليس يحبسه شح ولا شفق (21)

والمرء والمال ينمي ثم يذهبه … مر الدهور ويفنيه فينسحق

فلا تخافي علينا الفقر وانتظري … فضل الذي بالغني من عنده نثق

إن يفن ما عندنا فالله يرزقنا … ومن سوانا ولسنا نحن نرتزق

وهو في ذلك يقرب من زهاد المسلمين الذين كانوا يكرهون أن يفكر الشخص منهم في رزق غد، بل كان منهم من يري أن ذلك خطيئة لا تغتفر.

وله قصيدة لامية يظهر أنه نظمها في الجاهلية لما يذكر فيها من شربه الخمر مع من يصطفيه. ويظهر أنه عاد فأدخل فيها بعد إسلامه هذه الأبيات:

فأقسمت بالرحمن لا شيء غيره … يمين امرئ بر ولا أتحلل (22)

لأستشعرن أعلي دريسي مسلما … لوجه الذي يحيي الأنام ويقتل (23)

هو الحافظ الوسنان بالليل ميتا … على أنه حي من النوم مثقل (24)

من الأسود الساري وإن كان ثائرا … على حد نابيه السمام المثمل (25)

 

88

وهي تنم عن ولائه لدينه الحنيف وأنه أسلم وجهه لربه، جل جلاله، الحافظ الذي يكلأ عباده ويقيهم الأذى، ولعل في ذلك ما يدل دلالة واضحة على مدى تأثير الإسلام في نفسه وفي شعره. وديوانه يدل-كما يدل تأخره في إسلامه-علي أنه كان فيه شر كثير، إذ نراه دائما في شعره الجاهلي مفاخرا متوعدا مهددا، حتى إذا أسلم أخذت نفسه تصفو، وأخذ يستشعر معاني الإسلام الروحية، وما دعا إليه من الخلق الفاضل، حتى لنراه في الهجاء نفسه يعلن لهاجيه أنه يصفح الصفح الجميل، سائقا له، لا من الشتم والسباب، بل من الحكم، ما يحاول به أن يكف أذاه عنه، يقول (26):

إن كنت لا ترهب ذمي لما … تعرف من صفحي عن الجاهل

فاخش سكوتي إذ أنا منصت … فيك لمسموع خنا القائل

فالسامع الذام شريك له … ومطعم المأكول كالآكل

مقالة السوء الى أهلها … أسرع من منحدر سائل

ومن دعا الناس الى ذمه … ذموه بالحق وبالباطل

ولا تهج إن كنت ذا إربة … حرب أخي التجربة العاقل (27)

فإن ذا العقل إذا هجته … هجت به ذا خبل خابل

فهو ينهاه أن لا يجعل الصفح عنه سببا الى سوء القول، حتى لا يجني على نفسه ما هو أقبح أثرا وأبقي وسما، ويقول إن الذين يبسطون ألسنتهم بالهجاء سرعان ما يرتد عليهم هجاء أقذع وأمر، هجاء بالحق وبالباطل. وهو في ذلك كله يأخذ بأدب القرآن ورسوله عليه الصلاة والسلام من العفو والصفح ومن التقريع لمن يهجوه بدلا من الطعن في الأعراض سنتهم القديمة.

89

 

_________

(1) راجع في ترجمة كعب طبقات فحول الشعراء لابن سلام ص 83 وما بعدها والشعر والشعراء لابن قتيبة 1/ 86 وأغاني (طبعة الساسي) 15/ 140 وابن هشام 4/ 144 وما بعدها والاستيعاب ص 226 وأسد الغابة 4/ 240 والإصابة 5/ 302 ومعجم الشعراء للمرزباني ص 230 والخزانة 1/ 375، 4/ 11. وقد طبعت دار الكتب المصرية ديوانه برواية ثعلب.

(2) أغاني (طبع الساسي) 15/ 141 و أمالي المرتضى (طبع الحلبي) 1/ 97.

(3) ابن سلام ص 87 وانظر الأغاني (طبع دار الكتب) 2/ 165.

(4) ثوي وفوز: مات وهلك. جرول: الحطيئة.

(5) مقدمة الديوان ص 3 وأغاني (ساسي) 15/ 142 والسيرة 4/ 144 والاستيعاب ص 226.

(6) المأمون: الرسول وقيل بل أراد به أبا بكر. النهل: الشرب الأول. العلل: الشرب الثاني.

(7) ويب غيرك: هلكت هلاك غيرك، وويب بالنصب على إضمار فعل.

(8) الديوان ص 4 والسيرة 4/ 145.

(9) ابن سلام ص 83 والشعر والشعراء 1/ 104 وانظر الأغاني 14/ 142.

(10) انظر القصيدة في ديوان كعب (طبعة دار الكتب المصرية) ص 6. ومتبول: مغرم. وبانت: فارقت. ومكبول: مقيد.

(11) ابن سلام ص 87 والشعر والشعراء 1/ 106 والإصابة 5/ 302.

(12) ديوان زهير (طبعة دار الكتب) ص 33.

(13) غلق الرهن: لم ينفك أبدا.

(14) المهند: السيف المطبوع من حديد الهند وهو خير السيوف.

(15) زولوا: هاجروا.

(16) أنكاس: جمع نكس وهو الضعيف. الذليل. كشف: جمع أكشف وهو الذي ينكشف في القتال وينهزم. ميل: جمع أميل وهو الجبان. معازيل: جمع معزال: وهو الذي ينعزل في الحرب عن صحبه ومن يستغيث به.

(17) الزهر: البيض. عرد: نكل وجبن. التنابيل: القصار.

(18) المقنب: جماعة الخيل والفرسان.

(19) علقوا: قتلوا.

(20) يريد بعلي بني على بن مسعود وهم بنو كنانة.

(21) شفق: خوف.

(22) لا أتحلل: لا أستثني.

(23) الدريس: الثوب البالي. كني بذلك عن حسن إسلامه وتوكله على الله الذي يحيي ويميت.

(24) الوسنان: النائم.

(25) الأسود: الأفعى. الساري: الذي يسير ليلا. الثائر: الطالب بثأر. المثمل: المجمع

(26) الخزانة 4/ 12 والاستيعاب ص 227 والحيوان 1/ 15.

(27) الإربة: الدهاء.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.