أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-10-2015
3455
التاريخ: 23-10-2015
4165
التاريخ: 29-3-2017
2515
التاريخ: 26-3-2017
2323
|
يقتضي تمييز مفهوم الحق عن مفهوم الحرية بيان ما المقصود بالحرية , والتي كانت ايضاً محل خلاف الفقهاء والفلاسفة وان كانوا قد اتفقوا على عناصر معينه فيها.
اذ تعطي لفظة (الحرية) معاني عديدة تختلف باختلاف المجالات التي تستعمل فيها وباختلاف الزمان والمكان والايديولوجية السياسية والاسس الفلسفية التي تسود المجتمع، وهي تعني قدرة الإنسان على اختيار سلوكه بنفسه ، أوهي كما يقول الفيلسوف ليبنز (قدرة الإنسان على فعل مايراه)(1).اي انها قدرة او سلطة يمارسها الشخص على نفسه في ان يقوم بعمل ام لا ، فهي صفة لما هو غير خاضع لضغط او اكراه خارجي ، اي انها سلطة تحديد ذاتي نابعة من الشخص نفسه(2).
وفي هذا الصدد ذهب بعضهم الى القول بان الحرية تستمد من الطبيعة الإنسانية وبموجبه يختار الانسان بنفسه القدرة على التحكم بتصرفاته ، ومن هؤلاء جون ستيورات ميل الذي ذهب في تعريفه للحرية بانها ( صفة فطرية طيبة في ذاتها ، الى جانب كونها مؤدية للسعادة ، وبأن الإنسان الفرد وحده يجب ان يكون الحكم النهائي لكل مايقوم به من تصرفات واعمال)(3)
اما الفيلسوف جون لوك فقد عرفها بانها ( الحق في فعل اي شيء تسمح به القوانين) , وهو نفس ما ذهب اليه الفقيه مونتسكيو في تعريفه للحرية بأنها (الحق فيما سمح به القانون والمواطن الذي يبيح لنفسه ما لايبيحه القانون لن يتمتع بحريته ، لان باقي المواطنين سيكون لهم نفس القوة) ، وهو يرى ان الوسيلة الوحيدة لتأمين الحرية تتمثل بتقييد السلطة لان جمع السلطات بيد واحدة يعد خطراً على الحرية , لذا فأن الحرية وفقاً لوجهات نظر هؤلاء الفلاسفة تبدو كأنها منحه من قبل السلطة لهذا يختلف مضمونها ويتغير وفقاً للأنظمة السياسية السائدة (4).
وقد عرف الاعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسي لسنة 1789, الحرية بأنها (الحق في عمل كل ما من شأنه الا يضر بحقوق الغير، ومباشرة الحقوق الطبيعية لكل فرد ليس لها من حدود الا تلك التي تكفل تمتع افراد الجماعة الاخرين بنفس هذه الحقوق ويجب الا تقرر حدود هذه الحقوق الطبيعية الا بواسطة القانون) (5)، اي ان الحرية غير مشروطة وهي نابعة من الذات الإنسانية وضرورة احترام الاخرين لها وفق قانون يمنع الضرر والعدوان.
اما الدستور المصري لسنة 1971 فلم يورد فيه تعريف محدد لمعنى الحريه , وأنما ترك ذلك للفقه الدستوري الذي بموجبه اورد العديد من التعريفات ، فمنهم من ذهب الى ان الحرية (هي تأكيد كيان الفرد ضد سلطة الجماعة بما يعني الاعتراف للفرد بالإرادة الذاتية ، والاتجاه الى تدعيم هذه الإرادة وتقويتها بما يحقق للإنسان سيطرته على مصيره) (6).
وقد عرفها الدكتور ماجد راغب الحلو بأَنّها (امكانيات يتمتع بها الفرد بسبب طبيعته البشرية أو نظراً لعضويته في المجتمع) (7).
ومن جانبنا فإننا نعرّف الحرية بأنها (قدرة الإنسان على اختيار سلوكه بنفسه مع مراعاة ماينص عليه القانون).
بعد أن تناولنا مفهوم الحرية نشير اخيراً الى اختلاف الفقهاء في مسألة التمييز بين اصطلاحي الحق والحرية , إذ يرى اتجاه أن الحق يختلف عن الحرية لأسباب عديدة , اولها أن الحق يتمثل باستئثار صاحبه على شيء دون الكافة ، بينما لا يوجد مثل هذا الاستئثار في الحرية, فهي حق عام او مركز قانوني عام مباح للجميع وتتمثل بالقدرة على اتيان اي عمل لا يضر بالأخرين.
ثانياً ان الحق يرد على شيء معين ومحدد وهو ينعكس في الوقت نفسه على غايته , وهي الاخرى تكون محددة , اما الحرية فهي لاترد محلاً محدداً لأنها عبارة عن اوضاع عامة غير واضحة الحدود وهو بدوره ينعكس على الهدف منها الذي يكون هو الآخر غير محدد , فالشخص الذي يتمتع بحرية غير مطالب باتباع مسلك معين ، ولكن يمكنه اتباع اي مسلك لايمنعه القانون.
ثالثاً ان الحق يستند في وجوده الى واقعة قانونية , فمثلا حق التملك لابد ان يستند الى نص قانوني اما حرية التملك فهي لاتحتاج الى نص قانوني وانما يكفي لممارستها وجود مبدأ عام وهذه المبادئ لاتحتاج الى نصوص لانشائها (8).
وعلى خلاف ذلك ذهب اتجاه اخر الى أن الحرية أصل جميع الحقوق وهي أسبق من الحقوق نشأةً ، الأمر الذي يجعل لها مضمون أوسع واشمل ويكون لها معنى ايجابي واخر سلبي يتمثل بإمكانية الفرد في ايتان الفعل الحر اوعدم ايتانه في الوقت نفسه ، مع عدم الاضرار بالأخرين(9)
ويرى آخرون في الصدد نفسه أن الحق هو عبارة عن حرية اعترف بها القانون ، وان الحرية اوسع نطاق من الحق(10).
وهناك من أتجه الى أن الحرية مجموعة من الحقوق يتمتع بها الافراد ، وتفترض تدخلاً من الدولة ، وتفرض على الغير التزاماً سلبياً بالامتناع ، وهذا الاتجاه يمييز بين نوعين من الحق، الحق الذي يعترف به المشرع للافراد بوصفه حرية ، والحق الذي ليس في جوهره سوى خدمة او مساعدة تقوم بها الدولة مثل الحق في الراحة او الحق في وقت الفراغ ، فهذه الطائفة من الحقوق لاتُعدّ من قبيل الحريات(11).
بينما وضح اتجاه اخر الى ان كلمة الحق اوسع من كلمة الحرية , وهي ليست مرادفاً لها ذلك لأن كلمة الحرية هي عبارة عن سلطة تحديد ذاتي اي سلطة يمارسها الشخص على نفسه مثل حرية التنقل تجعله يجول وتقتضي من الاخرين الوقوف موقفاً سلبياً عن طريق الامتناع عن إعاقة ممارسة هذه الحرية. أما كلمة الحقوق فإنها تنطوي على سلطتين فهي تعني في بعض الأحيان سلطة تحديد ذاتي؛ في هذه الحالة تكون مرادفاً لكلمة الحريات وبالتالي ليس هناك فرق بين الحق في التنقل او حرية التنقل ، وقد تعني سلطة يمارسها الشخص ليس على نفسه وإنما على الغير ، مما يترتب على هذا اختلاف بين مصطلح الحق ومصطلح الحرية فهو لايتطلب من الغير الوقوف موقفاً سلبياً وانما موقفاً ايجابياً ، فحق الدائن على مدينه يقتضي منح الدائن سلطة يمارسها على المدين يلزمه بمقتضاه الوفاء بالدين (12).
واخيراً فإن الاتجاه الغالب من الفقه يجعل مصطلحي الحرية والحق مترادفيين ولهما معنى واحد ويرجع سبب ذلك الى أن كليهما قد أصبحا تعبيرين متلازميين في الوقت الحاضر لأنهما يرجعان الى طبيعة واحدة (13).
وفي هذا الصدد يتجه البعض ان الحقوق يمكن تلخيصها في كلمة واحدة هي الحرية ، اي ان كل حقوق الإنسان المدنية والسياسية يمكن تلخيصها في كلمة واحدة هي الحرية فيقال الحق في الحرية اي انه بداخل كل حق يمتلك صاحبه نوعاً من حرية الاختيار في تحديد المضمون(14).
واذا مارجعنا للمواثيق الدولية نجد أن اغلبها قد اعتادت ان تطلق على حقوق الإنسان وحرياته العامة مصطلح الحقوق , وخير مثال على ذلك الإعلان العالمي لحقوق الانسان لعام 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1976 ، إذ يتبين من الحقوق التي جاءت بها هي ذات الحريات المنصوص عليها في دساتير وتشريعات الدول المتحضره ، وفي كتابات القانون الدستوري المعاصر (15).
ونحن نؤيد ما ذهب اليه الاتجاه الغالب من الفقه بأن الحق والحرية ذات معنى واحد لايتجزأ إلإ لغرض الدراسة ، إذ يرتبط بعضها مع بعض بعلاقة داخلية فضلاً عن كونها جميعاً لصيقة بالإنسان واذا كان الدستور العراقي يستعمل احياناً تعبير الحرية مثل حرية الرأي وحرية العقيدة وحرية الأجتماع ويستعمل في أحيان أخرى تعبير الحق ، فانه يجب أن لايفهم من ذلك أن لكل من الحرية والحق مدلولاً مختلفاً عن الأخر، بل انهما مترادفان ويرجعان الى طبيعة واحدة لأن تمتع الفرد بحقوق معينه يعني ان له الحرية في ممارستها او عدم ممارستها .لهذا فان الحريات تُعدّ حقوقاً ، وتندرج تحت مفهوم الحقوق وتُعدّ جزءاً منه ، فهي تمنح صاحبها رخصة ممارسته هذه الحقوق ويمكن التقاضي بها شأنها شأن حقوق الإنسان الأخرى .
بناءً على ذلك ، فان الحريات والحقوق من مِعينٍ واحد ، وتلتزم الدولة بحمايتها وتوفير الضمانات اللازمة لها.
_____________
1- د.عبد الفتاح مراد ، شرح الحريات العامة وتطبيقات المحاكم بشانها ، بدون طبعة ، بدون ذكر الناشر ، الاسكندرية ، 2003 ، ص20،19.
2- د.محمد عبد اللطيف ، الحريات العامة ، الطبعة الاولى ، كلية الحقوق ، الكويت ، 1995، ص8،5.
3- محمد حسين دخيل ، الحريات العامة في الظروف الاستثنائية ، الطبعة الاولى ، منشورات الحلبي الحقوقية بدون ذكر مكان النشر ،2009 ، ص18.
4- د.جعفر عبد السادة بهير ، التوازن بين السلطة والحرية ، الطبعة الاولى ، دار حامد ، عمان،2009 ، ص41.
5- المادة (4) من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لعام 1789.
6- د.محمد صلاح عبد البديع ، الحماية الدستورية للحقوق والحريات العامة ، الطبعة الثانية ، دار النهضة العربية، القاهرة ، 2009 ، ص33،29.
7- د.ماجد راغب الحلو، النظم السياسية والقانون الدستوري ، بدون طبعة ، منشاة المعارف ، الاسكندرية ، 2005، ص816.
8- د.رمضان ابو السعود ، النظرية العامة للحق ، بدون طبعة ، دار الجامعة الجديد ، بدون ذكر مكان النشر، 2005 ، ص32،31.
9- د.بكر القباني ، الحريات والحقوق العامة في ظل حالة الطوارئ ، مجلة المحاماة ، العددان10،9 ، 1984، ص40.
10- د.ماجد راغب الحلو ، مصدر سبق ذكره ، ص816.
11-Colliard (C.a), Libertespubliques , Dalloz ,1989, No.17
12- د.محمد صلاح عبد البديع ، مصدر سبق ذكره ، ص42.
13- د.جعفر عبد السادة بهير، مصدر سبق ذكره ، ص42.
14- د.محمد صلاح عبد البديع ، مصدر سبق ذكره ، ص42.
15- انظر الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|