القانون العام
القانون الدستوري و النظم السياسية
القانون الاداري و القضاء الاداري
القانون الاداري
القضاء الاداري
القانون المالي
المجموعة الجنائية
قانون العقوبات
قانون العقوبات العام
قانون العقوبات الخاص
قانون اصول المحاكمات الجزائية
الطب العدلي
التحقيق الجنائي
القانون الدولي العام و المنظمات الدولية
القانون الدولي العام
المنظمات الدولية
القانون الخاص
قانون التنفيذ
القانون المدني
قانون المرافعات و الاثبات
قانون المرافعات
قانون الاثبات
قانون العمل
القانون الدولي الخاص
قانون الاحوال الشخصية
المجموعة التجارية
القانون التجاري
الاوراق التجارية
قانون الشركات
علوم قانونية أخرى
علم الاجرام و العقاب
تاريخ القانون
المتون القانونية
دور التحكيم البترولي في وضع التصورات الخاصة بتسوية عقود الاستثمار النفطي
المؤلف:
لمياء عواد جاهل الزيادي
المصدر:
دور التحكيم البترولي في فض منازعات العقود النفطية
الجزء والصفحة:
ص 79-91
2025-07-06
22
نظرا لعدم وجود تحكيم بترولي متخصص، ولما تتمتع به العقود النفطية بخصوصية تتبع لأطرافها من جهة، ولمحل العقود المتمثل باستثمار الموارد الطبيعية النفطية لدى الدولة المنتجة من جهة أخرى، ولضخامة رؤوس الأموال المُستثمرة من قبل الشركات، فقد جاءت الحاجة إلى وجود تحكيم خاص فقط في النزعات الناشئة عن العقود النفطية على وجه الخصوص.
وفي ظل عدم وجود تشريع متخصص لمواكبة هذه العقود وتطورها المستمر، وذلك من الجانب المؤسسي والتنظيمي؛ أي من خلال وجود مراكز تحكيمية متخصصة في فض تلك النزاعات، من خلال محكمين أكفاء ذوي خبرة في مجالات التعاقد النفطي وآليات تنفيذه، وتوقع قيام النزاعات وكيفية فضها. وسيتم بيان هاتين المسألتين من خلال الفرعين الآتيين:
الفرع الأول: رؤية لقانون تحكيم نفطي متخصص
جاءت الحاجة إلى تقنين التحكيم في تشريع خاص ينظمه لكون أن المشرع العراقي لم يتضمنه بتشريع خاص مستقل، وإنما كان في التشريع العام وفقا لأحكام الباب الثاني من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 في المواد (251 وما بعدها).
وفي ظل الأزمات التي مرت بها الدولة العراقية؛ كالاحتلال الأمريكي للعراق في سنة 2003 الحاصل بسبب أزمات سياسية واقتصادية، حيث كان النفط له دور بارز في حل هذه الأزمة بهدف إحكام قبضة اليد الأمريكية على مصادر النفط العراقية، وإيجاد البدائل عن النفط السعودي في ظل الأزمة الاقتصادية التي طرأت على الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تحاول إبراز القوة العسكرية التي تمتلكها لإحكام الهيمنة الاقتصادية والعسكرية وتوظيفها في الجانب الاقتصادي وإنعاش اقتصادها (1).
ومن قبلها، ولتعدد صور التعاقدات النفطية واتخاذها لصور عدة؛ كالمشاركة في الإنتاج، والاستثمار النفطي، والتعاقد المشترك وغيرها ولكل ما سلف من بيان للطبيعة القانونية التي يتمتع بها العقد النفطي والتطورات القانونية والفقهية الواقعة عليه، من حيث تعدد الآراء الفقهية في عده عقدا إداريا، أو من عقود الإذعان، أو من العقود ذات الطبيعة الخاصة، والعقود الدولية.
وفي ظل القصور التشريعي لدى المشرع العراقي في تنظيم الأحكام القانونية الخاصة بالنزاعات الناشئة عن عقود الاستثمار النفطي، بل وتأخر دخول مشروع قانون النفط والغاز العراقي قد أدى إلى تفاقم مسألة الاستثمار النفطي من جهة، وتنظيم الأحكام القانونية الخاصة بفض النزاعات الناشئة عنه من جهة أخرى.
إذ إنه ومنذ مطلع عام 2005 حتى يومنا هذا لم يتم إقرار هذا المشروع, وبقي على حاله ضمن مسودة تشريعية لم تدخل حيز التنفيذ، وجاءت الآراء فيها بأن مشروع قانون النفط والغاز العراقي ينص على إدارة حقول النفط في البلاد من خلال شركات في العراق وبلد واحد، على أن تودع الواردات في حساب واحد، بالرغم من المناداة بالموافقة عليه وتنفيذه نظرا لما يتأتى عنه من تحقيق استراتيجي للاستثمار بصورته المثلى (2).
وتنص مسودة مشروع قانون النفط والغاز في العراق المتوفرة لدى البرلمان على أن: "مسؤولية إدارة الحقول النفطية في البلاد يجب أن تكون مناطة بشركة وطنية للنفط، ويشرف عليها مجلس اتحادي متخصص بهذا الموضوع، وتضم اللجنة التي تشكلت بين بغداد وكردستان لصياغة مسودة قانون للنفط والغاز كلا من وزير النفط ووزير الموارد الطبيعية في الإقليم ومدير عام شركة سومو والملاك المتقدم في وزارة النفط، فضلا عن المحافظات المنتجة للنفط كالبصرة وذي قار وميسان وكركوك" بحسب وكالة واع"(3).
وقد شكل النزاع بين بغداد وأربيل في موضوع النفط مصدرا رئيسيا للتوتر بينهما لسنين عدة، حتى وصل إلى القضاء، بل ووصل الأمر إلى القضاء، الذي أبطل بدوره العديد من العقود والاتفاقيات، الأمريكية والكندية على وجه الخصوص، بما شكل توقفا للصادرات النفطية العراقية، والتي اكتفت بالتصدير لتركيا فقط (4).
ويتضح ذلك جليا بقرار هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية بباريس بأنها أصدرت حكما لصالح العراق، بما يعيد الأمور لنصابها والطريق الصحيح باعتبار أن صادرات النفط العراقية من ميناء جيهان التركي ستكون من قبل الوزارة وشركة تسويق النفط العراقية (somo)، حتى أن المتحدث باسم وزارة النفط العراقية أعلن أن تركيا أعلنت إيقاف تصدير النفط من إقليم كردستان"، مضيفاً أن الوزارة ستجري مشاورات مع المعنيين في الإقليم والسلطات التركية لبحث المستجدات من أجل استئناف تصدير النفط العراقي بإشراف الحكومة العراقية ووزارة النفط (5).
وعليه، فأن تعدد النزاعات على الصعيدين الداخلي والدولي على الموارد الطبيعية، النفطية خاصة، قد شكل ثغرة توجب على المشرع تقنينها من حيث الموضوع أولاً؛ أي من حيث التشريعات القانونية الناظمة، ومن حيث وسائل فض النزاعات الناشئة عنها ثانيا ؛ أي من خلال عدم الالتزام بكون التحكيم مجرد وسيلة يتم اتخاذها أمام القضاء المدني، بل أن التحكيم أضحى الوسيلة المثلى لفض هذه النزاعات.
كما أن هذا التقنين سيشكل - لا محالة - نقلة نوعية من خلال التعرف على إجراءات التحكيم الذي يتم على النزاعات بشأن العقود النفطية وآليات إبرام العقود وتضمينها لهذا الشرط بشكل أساسي، بل أن الأمر سيتعدى ذلك إلى حدٍ أبعد من ذلك؛ أي من الممكن استحداث المراكز التحكيمية الخاصة بالنزاعات النفطية داخل دولة العراق ذاتها، أو استقطاب المؤسسات التحكيمية الكبرى والمراكز الدولية داخل العراق لفض النزاعات بشكل أسرع وبأقل التكاليف والخسائر. فقانون الاستثمار لسنة 2006 المعدل قد ذكر التحكيم على سبيل الجواز" للأطراف في اللجوء إليه (6)، مراعاة لقانون إرادة الأطراف، علما بأن اللجوء للتقاضي الوطني سيأخذ وقتا أطول مما هو عليه في التحكيم ، عدا التخصصية التي تنفرد بها هيئة التحكيم، التي تكون على علم ودراية بأصول التقاضي ونظر محل النزاع بشكل اكبر من القاضي الوطني؛ أي: إنهم من ذوي الخبرة.
مع التأكيد على ولاية المشرع العراقي القانونية والقضائية على العقود المبرمة في الدولة، والنزاعات الناشئة بشأنها، و يجب عدم إغفال دور الهيئة الوطنية للاستثمار، والهيئات الموجودة في الأقاليم والمحافظات المسؤولة عن التخطيط الاستثماري منح إجازات الاستثمار في الإقليم أو المحافظة(7). إذ إن وجود قانون تحكيم - نفطي - سيسهم بشكل كبير في حل الأزمة المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق وكيفية إصدار الحكم التحكيمي وتطابقه مع أحكام القانون الوطني والدولي، من خلال تطابقه لأحكام النظام العام والآداب العامة، وعدم مخالفته إياها بما يشكل سببا لرفع دعوى البطلان بحكم التحكيم، ومن ثم عدم الاعتداد به وعدم تنفيذه.
الفرع الثاني:
رؤية لمركز تحكيم نفطي عراقي
يمكن رد إنشاء مركز تحكيمي نفطي عراقي إلى ما يقوم به العراق من إبرام للاتفاقيات والعقود النفطية على المستويين الوطني والدولي، بما يشكل سببا لإنشاء مركز تسوية للنزاعات بين الأطراف داخل العراق، بما يسهم في نظر النزاع بشكل أسرع، ويخفف التكاليف والوقت والجهد على الأطراف، لأن أن المركز سيكون مقره في الجمهورية العراقية؛ أي الدولة المنتجة للنفط.
ذلك أن وجود المراكز التحكيمية أو مراكز تسوية النزاعات في دول أخرى سيضيف تكاليفا أخرى على الأطراف، بما يثير إشكاليات أخرى لا ترتبط بالعقد النفطي بشكل مباشر، وإنما بإجراءات تسويته.
زيادة على ذلك، فإن من أهم الأسباب الدافعة لاستحداث مثل هذا المركز هو لكونه يمثل حلقة وصل بين الأطراف المتنازعة (الدولة والشركة الأجنبية أو الوطنية أو الأفراد) من خلال هيئة مستقلة حيادية تنظر في موضوع النزاع في سبيل فضه.
وذلك بموجب قواعد قانونية واضحة تبين آلية عمل المركز، وهيئة التحكيم أو الهيئة الناظرة بالنزاع والتي ستفصل فيه، والقدر العلمي والمعرفي والخبرة المتوافرة لديها التي تؤهلها من نظره، بما يخفف عن كاهل الأطراف التعقيدات والإجراءات المتعددة في سبيل إنهاء النزاع بينهم، خاصة فيما تعلق بتعيين القانون الواجب التطبيق ؛ أي من خلال تطبيق أحكام التحكيم المؤسسي عليه.
إذ يمارس المركز - على هذا النحو - صلاحية الموفق والمحكم والمصلح في آن واحد، مع إلزامية الحكم الصادر عنه بموجب قواعد قانونية آمرة تؤكد ذلك العقد بموجب النفطي، وبما يراعي حقوق الأطراف على اختلافهم.
فلو تم التمعن في التحكيم وصلاحية الهيئة التحكيمية في مباشرة إجراءاتها، يتضح أن قانون الإرادة هو العنصر الأساسي في ذلك، إلا أن هذا القانون - في بعض الأحيان – يغيب عن أرض الواقع، كحالة تعيين القانون الواجب التطبيق، الذي يعد من أهم المسائل التي تحكم سير العملية التحكيمية بشكل خاص، وعملية فض النزاع بشكل عام.
وأن عدم اللجوء للتقاضي الوطني أو حتى التعاقد مع شركات الاستثمار النفطي – سابقا – كان بسبب أن الشركة أو الدولة يشعران بالإجحاف نتيجة تطبيق العقد أو شروطه، الأمر الذي يستنزف موارد الدولة على حساب الأفراد والشعب والدولة ذاتها في صالح الشركة المستثمرة، أو العكس، مما يجعل فكرة اللجوء للقضاء الوطني لا تقدم فاعليتها في فض النزاعات. ويمكن الإشارة هنا إلى أن اختيار الأفراد للقانون الواجب التطبيق لا يثير أية إشكالية في ذلك، باعتبار أن العقد - سواء أكان العقد الأصلي أم اتفاق التحكيم - يتبع لسلطان إرادة الأطراف، أما في حالة عدم الاتفاق على هذا القانون من قبل الأطراف؛ فتعتد الهيئة – هيئة التحكيم – بقرينة تطبيق القانون الذي يحكم العقد ذاته أو موطن العقد، وفي حالة عدم تحديده من قبل الأطراف، فإن لهيئة التحكيم تطبيق قانون مقر وموطن التحكيم؛ أي القانون الذي تتم فيه إجراءات التحكيم(8). ففي ظل غياب الإرادة الصريحة للأطراف بتعيين القانون الواجب التطبيق على النزاع فهنا على هيئة التحكيم أن تتخذ الخطوة في تحديده, الذي عادة ما يكون قانون الدولة المتعاقدة؛ أي الدولة البترولية، مع الأخذ بعين الاعتبار إرادة الأطراف في ذلك (9) . ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث في قضية القروض الصربية والبرازيلية، وما ورد في قضية أرامكو تربيوانا (10).
وبالتالي فإن سلطة مركز التسوية أو الهيئة في تعيين القانون الواجب التطبيق عادة ما يتم تطبيقها من خلال اتباع معيار القانون الأكثر صلة بالنزاع المعروض عليها، زيادة على أن لها أن تحدده من خلال تحديد القواعد السارية على إجراءات النزاع بشرط إلا يكون هذا الأخير متعارضا مع أي من حقوق وضمانات الدفاع أو أسس المساواة العدالة بين الخصوم(11).
وفي ذلك فإن الدور المتعلق في تعيين القانون الواجب التطبيق يبرز - كما ذكرنا – حين غياب إرادة الأطراف في تعيينه، وأبرز الأمثلة على ذلك ما ورد في أحد العقود المبرمة بين شركة نفط الجنوب العراقية وشركة إنجليزية عام 2009 الذي تناول فيه أحد البنود بأن: "جميع النزاعات التي تنشأ عن هذا العقد أو التي لها صلة به يجب تسويتها وفقا لقواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية بواسطة ثلاثة محكمين يتم تعيينهم بموجب القواعد المذكورة، و يتمتع الأطراف بحرية اختيار القواعد القانونية التي يجب على هيئة التحكيم تطبيقها على موضوع النزاع، وعند غياب مثل هذا الاختيار تطبق هيئة التحكيم قواعد القانون التي تعتبرها ملائمة، وتأخذ الهيئة بعين الاعتبار أحكام العقد المبرم بين الطرفين بحسب مقتضى الحال وكذلك أي أعراف تجارية ذات صلة (12) .
فعلى سبيل المثال، تم اعتناق القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لدى كل من المركز الدولي للتحكيم في القاهرة ومحكمة لندن الدولية للتحكيم، باعتباره بمثابة قانون إجرائي مستقل، ويبعد عن المفاهيم القانونية العامة الإقليمية الوطنية لدى مختلف الدول، ويبعد عن مسائل التعديل والإلغاء وعدم الاستقرار وأي مما يعيق إجراءات التحكيم (13). ويعد لجوء الأطراف إلى مراكز تسوية النزاعات التي تقوم بتطبيق قواعد القانون النموذجي المذكور بمثابة قبول لحل النزاع بطريق التحكيم ، وقبولهم - المسبق - لما أخذت به هيئة التحكيم من قواعد في الناحية الإجرائية، طالما لم يتم تعديلها أو تكملتها أو التخفيف منها؛ أي على وفق ما يختاره الأطراف بشكل لاحق على ما أخذت به هيئة التحكيم من قواعد قانونية إجرائية مسبقة التهيئة(14). ولا بد من الإشارة إلى أن المشرع العراقي لم يبين مصير القانون الواجب التطبيق في حالة عدم الاتفاق عليه من قبل الأطراف، وإنما رد تطبيقه إلى ما ورد في القواعد العامة في القانون المدني العراقي، التي يتم تطبيق الأحكام العامة بالالتزامات التعاقدية ومدى توافق كل من القانون الواجب التطبيق والنظام العام والآداب العامة، ولاسيما في المسائل الإجرائية بدون النص على ذلك في المسائل الموضوعية.
وعليه فإن اللجوء إلى مراكز التحكيم يفترض أن أطراف التحكيم قد وافقوا بشكل مسبق على ما نص عليه نظام مقر التحكيم من الناحية الإجرائية، ومن ثم تطبيق هذه القواعد على النزاع المطروح أمام الهيئة، مع جواز تعديل هذه القواعد كلها أو جزء منها على وفق إرادة الأطراف (15).
ومثالها ما نصت عليه المادة الثامنة من نظام غرفة التجارة الدولية على أنه: "إذا اتفق الأطراف على اللجوء إلى تحكيم غرفة التجارة الدولية، فأنها تخضع لهذا النظام"، ويطبق على التحكيم في مثل هذه الأحوال القواعد الإجرائية السائدة في المركز وقت التحكيم.
وبهذا حكمت محكمة استئناف باريس :أنه وبالنسبة لشروط التحكيم الذي يمنح الاختصاص لغرفة التجارة الدولية، فإن نظام هذه الهيئة هو بالضرورة الساري وقت إجراءات التحكيم". ويجوز للأطراف أنفسهم تحديد الإجراءات الواجبة الاتباع بمعرفة المحكمين دون الحاجة إلى الإشارة إلى قانون دولة ما ، وقد تكون هذه الإشارة إلى قانون دولة ما بشكل جزئي، وأن اختيار الأطراف هنا يعد بمثابة اختيار قانون مادي يتم إدماجه في اتفاق التحكيم (16).
ولم يشر المشرع العراقي في قانون المرافعات المدنية بما تعلق بالتحكيم إلى دور السلطة التحكيمية في تعيين القانون الواجب التطبيق على التحكيم، وإنما أشار في المادة (265) من القانون المذكور إلى أنه ويجب على المحكمين اتباع الأوضاع والإجراءات المقررة في قانون المرافعات إلا إذا تضمن الاتفاق على التحكيم أو أي اتفاق لاحق عليه إعفاء المحكمين منها صراحة أو وضع إجراءات معينة يسير عليها المحكمون".
وذلك دونما تحديد لمصير المسائل الموضوعية في العقد الأصلي؛ أي العقد البترولي، لكون أن القواعد الإجرائية حتما تختلف عن المسائل الموضوعية المدرجة في الاتفاق البترولي، وقد برزت هذه المسألة وحددها المشرع العراقي في المادة (27) من قانون الاستثمار سالفة الذكر والتي جاء فيها: تخضع المنازعات الناشئة عن تطبيق هذا القانون إلى القانون العراقي وولاية القضاء العراقي، ويجوز الاتفاق مع المستثمر على اللجوء للتحكيم التجاري - الوطني أو الدولي – على وفق اتفاق يبرم بين الطرفين يحدد بموجه إجراءات التحكيم وجهته والقانون الواجب التطبيق". ويُلاحظ على المادة السابقة أن المشرع لم يحدد الطبيعة القانونية للقانون الواجب التطبيق على النزاعات الناشئة بشأن الاستثمار الموضوعية منها والإجرائية، ولم يذكر في قانون الاستثمار الخاص في تصفية النفط الخام والتعليمات الصادرة بموجبه أي مما يدل على كيفية القيام بالتحكيم في ظل وجود النزاعات الناشئة بشأن الاستثمار الأجنبي في النفط، وإنما نظم عمليات الاستثمار من الناحية الفنية والإجرائية وتحصيل التراخيص وغيرها (17).
ويمكن لمركز تسوية النزاعات النفطية العراقي محل الدراسة أن يكون متبعا في عمله الأصول والأعراف المتعارف عليها من حيث انطباق القواعد العامة لأحكام العقد الواردة في القانون المدني، كالواردة في المادة (25) من القانون المدني العراقي والتي نصت على : 1 - يسري على الالتزامات التعاقدية قانون الدولة التي يوجد فيها الموطن المشترك للمتعاقدين إذا اتحدا في الموطن، فإذا اختلفا يسري قانون الدولة التي تم فيها العقد، و هذا ما لم يتفق المتعاقدان أو يتبين من الظروف أن قانوناً آخراً يراد تطبيقه 2 قانون موقع العقار هو الذي يسري على العقود التي أبرمت بشأنه".
وبإسقاط ما ورد في المادة السابقة على تسوية النزاعات النفطية، فإن الشق الأول منها يمكن إعماله على التحكيم البترولي من حيث الأخذ بما اتفق عليه أطراف العقد من حيث تعيين القانون الواجب التطبيق؛ أي: تفعيل دور سلطان إرادة الأطراف المتعاقدة على تعيين القانون الواجب التطبيق على التحكيم، ودور هيئة التحكيم في تطبيقه.
لكن لم يتم الإشارة إلى أنه في غياب هذه الإرادة فما مصير القانون الواجب التطبيق، وهل يتم تطبيق ما ورد في المادة (26) من القانون المدني العراقي، التي جاء فيها: تخضع العقود في شكلها لقانون الدولة التي تمت فيها ، أم ما ورد في المادة (29) من ذات القانون، والتي ورد فيها: لا تطبق أحكام المواد السابقة إذا وجد نص على خلافها في قانون خاص أو معاهدة دولية نافذة في العراق؟
وللإجابة على هذا التساؤل، فلا بد من الإشارة إلى أن المشرع العراقي قد نص في المادة (31) من القانون المدني أن: 1- إذا تقرر أن قانوناً أجنبيا هو واجب التطبيق فإنما يطبق منه أحكامه الموضوعية دون التي تتعلق بالقانون الدولي الخاص. 2 - وإذا كان هذا القانون الأجنبي هو قانون دولة تتعهد فيها الشرائع فأن قانون هذه الدولة, هو الذي يقرر أية شريعة من هذه يجب تطبيقها".
وجاء في المادة (32) من ذات القانون أنه لا يجوز تطبيق أحكام قانون أجنبي قررته النصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام مخالفة للنظام العام أو للآداب في العراق".
ومن خلال ذلك يتضح أن على المركز أن يطبق الأحكام القانونية, التي تصدر عن إرادة الأطراف مع ضرورة عدم مخالفتها للنظام والآداب العامة في الدولة العراقية، وأن ما يتم تطبيقه هو ما تعلق في المسائل الموضوعية دون الإجرائية، وهنا تثور إشكالية أخرى وهي كيف سيتم التعامل مع القانون الواجب التطبيق, الذي حدده الأطراف من قبل هيئة التحكيم في حالة خالف النظام العام في الدولة؟
إذ إن لمجلس المركز أو الهيئة التحكيمية فيه أن تعمد إلى تطبيق قانون مقر النزاع أو مقر العقد؛ أي القانون الذي تنعقد فيه إجراءات التسوية على عملية التسوية كلها، حيث أنه وبذات الوقت ستكون القواعد القانونية المطبقة موافقة لما ورد في قانون الدولة التي يتم بها فض النزاع، وبالتالي فلا يُصار إلى عدم الأخذ به لأنه موافقا للنظام العام ولا يخالفه، لأن دولة مقر النزاع هي بالأساس من نظمت هذا القانون، فيُستحال أن يكون القانون الذي سنته مخالفاً لأنظمتها وقوانينها .
وحري بالذكر أنه وفي ظل عدم سن تشريع خاص بالتحكيم من قبل المشرع العراقي، وعدم ذكر أي مما يتعلق بالتحكيم في التشريعات الخاصة باستثمار البترول إلا ما ورد بشأن اللجوء للتحكيم فقط، واشتراط موافقة الأطراف على أي من الإجراءات التي ستقوم بها هيئة التحكيم لاحقا، كاتباع القواعد الإجرائية على سبيل المثال، كذلك في ظل عدم وصول الدراسة إلى أي رأي فقهي أو تشريعي للنظر بتأسيس مركز تسوية لمنازعات الاستثمار النفطي أو حتى مركز تحكيمي نفطي متخصص، فإن اللجوء للقانون الواجب التطبيق هو أمر لا يتسم بالسهولة، ولا سيما في مجال التحكيم البترولي، لتعدد نوعية وطبيعة العلاقات القانونية بين الأطراف من جهة؛ أي يجب على هيئة التحكيم أن تأخذ بعين الاعتبار أنها تتعامل مع أشخاص من القانون الدولي بشقيه العام والخاص.
ومن جهة أخرى، فأن إرادة الأطراف في تحديد القانون الواجب التطبيق من عدمه، يثير العديد من الإشكاليات التي يجب على المركز أو الهيئة التعامل معها، ولاسيما في حالة كان القانون مخالفا للنظام العام في الدولة المنتجة؛ أي: التوفيق بين قانون إرادة الأطراف والاحتكام لقواعد النظام العام وعدم انتهاكه.
ويمكن إجمال القيود المفروضة على المركز في اعتبار أن التحكيم البترولي" هو بمثابة عملية تحكيم هنا شأنها شأن التحكيم الدولي التجاري؛ أي يجب عليه عدم الخروج عما تم النص عليه من أعراف وقواعد تجارية في الأخذ بالقواعد القانونية المطبقة على النزاع من جهة، ومن جهة أخرى ألا تتعارض مع ما يتمتع به الأطراف من حقوق كإحضار الشهود وتقديم البينات، وغيرها من الإجراءات؛ أي: إلا تخالف القواعد القانونية الإجرائية القواعد العامة للإجراءات التي تكفل حقوق الأطراف المتعاقدة (18) .
وقد أشار الفصل (27) من معاهدة ميثاق الطاقة لسنة 1991 إلى الآلية المتبعة في القيام بإجراءات التحكيم في تسوية النزاعات بين الأطراف المتعاقدة والتابعية للمعاهدة المذكورة، إذ بينت آلية تشكيل أعضاء الهيئة وشكليته بل وتعدت إلى وضع الأطر القانونية في حالة أن أحد أطراف الهيئة لا يحمل - أو يحمل - ذات الجنسية التي يتمتع بها الأطراف، وكيفية تعيينهم، وآلية الفصل بالنزاع.
وقد وضحت القواعد القانونية التي يتم الاستناد إليها في فض هذا النزاع، وهي على وفق أحكام المعاهدة المذكورة وقواعد ومبادئ القانون الدولي، مع التأكيد على قوة وإلزامية القرار التحكيمي الصادر فيها، والنفقات والأتعاب وكيفية إصدار الحكم وآلية إبداعه لدى الأمانة العامة وانعقاد جلسات التحكيم في مدينة لاهاي أو محلات ومرافق المجلس الدائم للتحكيم.
أما من حيث الموضوع، فأن من الأجدر أن يتم تطبيق كافة الأصول المتعارف عليها في قوانين المرافعات والبينات والإثبات وحق تقديم الدفاع وتقديم المستندات والخبرة، والاحتكام إلى سلطان الإرادة وتعيين القانون المتفق عليه من قبل الأطراف على العقد ذاته؛ أي العقد البترولي. ذلك أن أطراف العقد هم الأقدر على تحديد ما يترتب عليهم من التزامات وما يتمتعون بحقوق أما في ظل غياب هذه الإرادة التي تعين تلك المسائل، فتنتقل عجلى تعيينها نحو المركز من خلال اتباع الحياد ومبادئ النزاهة والعدالة في بناء على أسس قانونية ترد إلى اللجوء إلى أفضل القواعد التي يمكن تطبيقها على الأطراف، كتعيين قانون دولة المركز أو هيئة التحكيم – مثلا – أو أقرب دولة على دولة كل من الطرفين بشرط أخذ موافقة الأطراف المتعاقدة على هذا القانون.
لذا فإن من أهم أسباب قيام مركز تسوية نزاعات أسوة بما جاء عن اتفاقية واشنطن بإنشاء مركز تسوية منازعات الاستثمار والتمتع العراق بثروة نفطية كبيرة، فإن وجود المركز هو أمر يتلازم مع طبيعة التعاقد متعدد الأطراف في استثمار النفط.
مع الضرورة على تأكيد تقنين أحكام التحكيم بقانون مستقل ، وفض النزاعات الناشئة عن العقود النفطية بشكل خاص، والاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال واستقطاب الخبرات في تأسيس المركز، ومراعاة مصالح الدولة والشركات المستثمرة، وأفراد الشعب العراقي وثرواته.
______________
1- د. عباس النصيراوي، الاقتصاد العراقي بين دمار التنمية توقعات المستقبل 1950-2010، ترجمة: د. محمد سعيد عبد العزيز، الطبعة العربية الأولى، بيروت، 1995، ص13. د. سامي عبيد دراسة في قانون النفط والغاز العراقي الجديد مع التركيز على اتفاقيات - عقود - المشاركة في الإنتاج، مجلة العلوم الاقتصادية، العدد الثاني، 2008، ص 80 وما بعدها.
2- مقال بعنوان: "مشروع قانون النفط والغاز العراقي.. "العقدة الكبرى لم تحل بعد"، منشور على موقع الحرة الإلكتروني، عدد خاص واشنطن، منشور بتاريخ 2023/9/28، منشور على الموقع الإلكتروني: (www.alhurra.com)
3- المرجع نفسه.
4- وفي ذلك أكد رئيس دائرة الإعلام والمعلومات بحكومة إقليم كردستان (جوتيار عادل) على أهمية تشريع قانون النفط والغاز الكون أن هذا القطاع لا يزال يعمل دون تنظيم قانوني ويعتمد فقط على قانون وزارة النفط الصادر في سبعينيات القرن الماضي والذي لا يتماشى مع الوضع ما بعد عام 2003 مقال بعنوان: "العقدة الأكبر لم تحل بعد .... مشروع قانون النفط والغاز .. بين صلاحيات الاستثمار والاستخراج والتسويق"، منشور على موقع صحيفة الزوراء العراقية الإلكترونية، منشور بتاريخ 2023/10/1، منشور على الموقع الإلكتروني: (https://alzawraapaper.com)
5- مقال بعنوان : العراق يكسب قضية تحكيم دولي بوقف صادرات النفط من كردستان"، منشور على موقع الشرق الإخبارية الإلكتروني، منشور بتاريخ 2023/3/26، منشور على الموقع الإلكتروني: (asharq.com).
6- الفقرة الأولى من المادة (27) من قانون الاستثمار لسنة 2015.
7- المادة الأولى من قانون الاستثمار المشار إليه.
8- Masood Hossain Masood International Arbitration Of Petroleum Disputes, PhD Thesis, University Of Aberdeen, 2004, P.123-124. Piero Bernardini, "Arbitration Clauses: Achieving Effectiveness in the Law Applicable to the Arbitration Clause", (1999) ICCA Congress Paris, (no. 9) p. 197-203
9- D.R Emmanuel Gaillard & Yas Banifatemi, The Meaning Of "And" In Article 42 (1), Second Sentence, Of The Washington Convention: The Role Of International Law In The Icsid Choice Of Law Process, Icsid Review-Foreign Investment Law Journal, Volume 18, Number 2 Issue Of The Icsid, 2003, P377-378.
10- Masood Hossain, Ibid, p172-173.
11-عبد السلام عبد الله قائد مفلح، شرط التحكيم في عقود النفط والغاز - دراسة تحليلية مقارنة، أطروحة دكتوراه، جامعة القاهرة 2011، ص 305
12- ومن أبرز ما تم تطبيقه على هذا العقد أعلاه: قواعد المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار بين الدولة ومواطني دول أخرى. قانون الأونيسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985 المعدل عام 2006، قواعد الأونيسترال للتحكيم قواعد التحكيم المتبعة في محاكم لندن للتحكيم التجاري الدولي قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية مشار إليه لدى: بسام العشرة التحكيم التجاري الجامعة الافتراضية السورية سوريا، 2018، ص 28
Art 28-1 de la loi type de la CNUDCI sur l'arbitrage commercial international 1985. ; Art 35-1 du Règlement d'arbitrage de la CNUDCI (version révisée en 2013). ; Art 21- 1 Règlement d'arbitrage de la Chambre de commerce internationale (2012).; Art 22.3 of LCIA ARBITRATION RULES. ; Art 42-1 de la convention du 18 mars 1965 pour
le Règlement des Différends relatifs aux Investissements entre Etats et Ressortissants d'autres Etats.; Art 54 of Arbitration (additionalfacility) rules - 2006.
13- د. منير عبد المجيد، قضاء التحكيم في منازعات التجارة الدولية دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1995، ص 126-127.
14- Fouchard, L'arbitrage commercial international No 472. note (3) - Paris 15 (1) Janv. 1985.
15- بين جانب من الفقه أن أول حكم تحكيم قد أخضع عملية التحكيم لقانون دولة مقر التحكيم هو الحكم في قضية "سافير" الصادر في 1958/3/10، حيث كان النزاع بين الشركة الوطنية الإيرانية للبترول والشركة الكندية للبترول "سافير" حيث تعرض فيه المحكم" "كافين" للقانون الإجرائي على أساس أن الأطراف لم يحددوا القانون الإجرائي الواجب التطبيق، وبذا قام المحكم كافين حال عدم اختيار هذا القانون من قبل الأطراف بتحديد قانون دولة مقر التحكيم بمثابة القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، وهو ما تم تأكيده في أول مادة من القرار الصادر في جلسة 1961/6/13 بتطبيق القانون الفيدرالي للمرافعات المدنية السويسري الصادر في 1947/12/14، باعتباره قانون مقر التحكيم "لوزان انظر د. محسن شفيق التحكيم الدولي - دراسة في قانون التجارة الدولية، دار النهضة العربية ،القاهرة ،1997، ص 142 أحمد منير فهمي دراسة موجزة للتحكيم التجاري الدولي، مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية الرياض، 1993، ص34.
16- هشام علي صادق (2001) القانون الواجب التطبيق على عقود التجارة الدولية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، ص 125-126
Kaiser Bauxite v. Jamaica (ICSID Case ARB/74/3), Decision on Jurisdiction and Competence, July 6, 1975, 1 ICSID Rep. 296 (1993), at 301.
17- قانون الاستثمار الخاص في تصفية النفط الخام العراقي رقم (1) لسنة 2009 والتعليمات الصادرة بموجبه.
18- ومثالها ما ورد في امتياز "تكساسكو - ليبيا" الذي يقضي باللجوء إلى رئيس محكمة العدل الدولية لتعيين المحكم الوحيد، إلا أن هذا النص لا يعني أن إرادة الأطراف ورغبتهم قد انصرفت نحو أن يتم التحكيم تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة، وبالتالي تطبيق قواعد القانون الدولي العام على الإجراءات في التحكيم، لكون أن هذه المسألة تحمل في طيها أكثر مما تحتمل، عدا عما يهدره من حيث القاعدة التي كانت تسود في مجال التحكيم والتي تنطبق على كافة تفاصيله، والقاضية بأن اتفاق التحكيم لا يتم فرضه ولا يتم افتراضه وبذا يكون المحكم قد أهدر هذه القاعدة بافتراض قواعد قانونية يتم تطبيقها على الإجراءات ما لم تتجه إرادة الأطراف نحوها، حيث انه هنا يكون قد افترض ذلك بمجرد وجود النص المشار إليه بشأن اللجوء إلى رئيس محكمة لاعدل الدولية في تعيين المحكم، حيث فرض المحكم في هذه الحالة ما ذهبت إليه إرادة الأطراف بالاتجاه نحو محكمة العدل الدولية وبناء عليها فرض قواعد قانونية يتم تطبيقها على هذا التحكيم. انظر: مجدي الدسوقي، تدويل الحلول في منازعات البترول، دار الفكر الجامعي، مصر،2012 ص 130.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
