أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-10-2014
1519
التاريخ: 8-10-2014
1546
التاريخ: 7-12-2015
2001
التاريخ: 7-12-2015
2272
|
لم يكن أكثر الصحابة في عصر الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه وآله يتمتّعون بالمقدار الكافي من الوعي للظروف والمضاعفات وما يستدعيه مرور الزمن وانتهاء عصر الوحي من وضع ضمانات لحماية المعرفة التفسيرية وغيرها من فروع المعرفة الإسلامية وضبطها ، فنجم عن هذا الإهمال مجموعة من المضاعفات ونقاط الضعف أصابت جوانب من المعرفة التفسيرية.
فقد عرفنا أنّ المعرفة التفسيرية في عصر الصحابة والتابعين اعتمدت على مجموعة من المصادر كان منها النصّ القرآني ، والمأثور عن الرسول ، وأقوال الصحابة الذين عاشوا الأحداث الإسلامية التي ارتبط بها النص القرآني. ومن أجل أن تكون هذه المصادر ذات دور إيجابي في عمليّة التفسير كان يجب أن تكون موضع اهتمام في صيانتها وضبطها وحمايتها ليمكنها أن تؤدّي مهمتها في تغذية المعرفة التفسيرية.
ونحن نلاحظ مجموعة من نقاط الضعف اكتنفت عملية الاستفادة من هذه المصادر نتيجة للسذاجة في الضبط والحماية :
النقطة الاولى : نلاحظ أنّ بعض الألفاظ القرآنية تقرأ بأساليب مختلفة تؤدي في بعض الأحيان إلى الاختلاف في معنى اللفظ ومؤدّاه ، وهو ما أدّى في نهاية تطوّره إلى ولادة علم القراءات.
وقد عولجت ظاهرة تعدّد القراءات في البحوث التفسيرية العامّة على أساس أنّ القرآن الكريم جاء به الوحي إلى الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه وآله بهذا الشكل المختلف.
ولكننا لا يمكن أن نقبل مثل هذه المعالجة بشكل مطلق وفي جميع الحالات ، خصوصا في الحالات التي يكون لاختلاف القراءة تأثير على معنى ، ويكون المعنى بدوره مرتبطا بحكم ، كما في (يطهرن) بالتخفيف و(يطّهّرن) بالتشديد؛ إذ في مثل هذه الحالة لا يمكن أن نتعقّل الترديد في الحكم الشرعي المستفاد منها. (1)
وحينئذ نجد أنفسنا أمام تفسيرين لهذه الظاهرة بشكل عامّ أو على الأقل في بعض الحالات :
التفسير الأوّل : وهو إهمال ضبط الكلمات القرآنية بشكل معيّن في عهد الرسول من قبل بعض الصحابة أنفسهم أو نسيان الطريقة الصحيحة لنطق اللفظ نتيجة عدم التدوين.
التفسير الثاني : تدخّل عنصر الاجتهاد والاستحسان في القراءة بعد فقدان حلقة الوصل التي كانت تربط بين بعض الصحابة والرسول.
ومن الممكن أن يكون السببان مشتركين في نشوء هذه الظاهرة.
ويبدو لنا بشكل واضح تأثير اختلاف القراءات على فهم النصّ القرآني إذا لاحظنا هذا النص التاريخي المنقول عن مجاهد ، وهو أحد كبار مفسّري التابعين :
«لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج إلى أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن.» (2)
النقطة الثانية : ولعلّ من أبرز مظاهر عدم الضبط وأبعدها أثرا في القرآن الكريم هو ما يقال عن نسخ التلاوة ، حيث لا يمكن تفسير بعض النصوص التي تتحدّث عن هذا النسخ- إذا أردنا أن نحسن الظن في الصحابي الذي رواها- إلّا على أساس أنّه كان يسمع من النبي صلّى اللّه عليه وآله الحديث أو الدعاء فيتصوّره قرآنا أو يختلط عليه الأمر بعد ذلك ، وإلّا فكيف نفسّر ادّعاء عمر بن الخطّاب آية الرجم مع أنّه يصرّح أنّها ممّا مات عنه الرسول وهو يقرأ من القرآن؟! (3)
النقطة الثالثة : وإلى جانب القرآن الكريم تعرّض المأثور عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله إلى هذه الظاهرة ونلاحظ ذلك في اختلاف ما يروى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في التفسير. (4)
كما نجد مثل هذا الشيء في نقل الحوادث التاريخية التي ارتبطت بها بعض الآيات القرآنية ، حيث نلاحظ مفارقات كثيرة في ذلك ممّا أدّى في بعض العصور المتأخّرة الإسلامية إلى نشوء الفرق والمذاهب المختلفة.
ويظهر ذلك بمراجعة أيّ كتاب من كتب أسباب النزول (5). ومن الواضح أنّ تفسير هذه الظاهرة إنّما يكون بموجب نفس الأسس السابقة التي علّلنا بها ظاهرة تعدّد القراءات حيث يمكن إرجاع ذلك لعدم ضبط الصحابة لأقوال الرسول وسلوكه أو إلى عدم التدوين الذي أدّى في عصر ما بعد الصحابة إلى هذا الاختلاط.
النقطة الرابعة : وقد تعرّضت المعرفة التفسيرية إلى نقطة ضعف هامّة نتيجة لهذه البساطة في الشعور بالمسئولية وعدم التقدير الواعي لظروف الحماية وأساليبها ، حيث نجد المرحلة تعتمد بشكل رئيسي على أقوال أهل الكتاب ونظريّاتهم.
وقد وقع بعض الصحابة نتيجة لهذا الاعتماد في مفارقات فكريّة وعقيديّة تختلف عن الاتّجاهات الإسلامية الصحيحة. فهناك كثير من الأفكار الإسرائيلية عن الأنبياء وعالم الآخرة والملائكة أضيفت إلى القرآن الكريم نتيجة هذا الربط التفسيري بين الوقائع التي تسردها الكتب الإسرائيلية أو التي يرويها الإسرائيليون والوقائع التي يشير إليها القرآن الكريم لاستخلاص العبرة والموعظة منها.
والشواهد على هذه المفارقات في النصوص التفسيرية الصحيحة المأثورة عن الصحابة كثيرة ، وإليك نماذج منها :
الف) عن أبي هريرة في قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [الأعراف : 172] قال ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : لمّا خلق اللّه آدم مسح ظهره فسقط كلّ نسمة هو خالقها من ذرّيّته إلى يوم القيامة وجعل بين عيني كلّ انسان منهم وبيضا (6) من نور ثمّ عرضهم على آدم ، فقال آدم : أي ربّ من هؤلاء؟ قال : هؤلاء ذريّتك. فرأى رجلا منهم فأعجب وبيض ما بين عينيه فقال : أي ربّ من هذا؟ فقال رجل من آخر الامم من ذريّتك يقال له داود. فقال : ربّ كم جعلت عمره ؟ قال : ستين سنة .
قال : أي رب زده من عمري أربعين سنة ، فلما قضى آدم جاءه ملك الموت ، فقال : أولم يبق من عمري أربعون سنة ؟! قال أولم تعطها ابنك داود ؟ فجحد آدم فجحدت ذريّته ونسي آدم فنسيت ذريته وخطئ آدم فخطئت ذريّته. (7)
وهذا الحديث وإن رواه أبو هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ولكنّنا نقطع بعدم صدوره من رسول اللّه لوجود صلة الرحم بينه وبين الإسرائيليات في نظرتها إلى الأنبياء واتّهامها لهم بعظائم الامور ، كما أنّه يحاول أن يصوّر بني إسرائيل على أساس أنّهم آخر الامم ، وعدم وجود ارتباط واضح بين الفقرات الثلاثة الأخيرة وواقع القصّة ، إن لم نقل بتناقضها.
ب) عن ابن عباس أنّ النّبي صلّى اللّه عليه وآله قال : لما أغرق اللّه فرعون قال : آمنت بأنّه لا إله إلّا الذي آمنت به بنو إسرائيل. فقال جبرئيل فلو رأيتني وأنا آخذ من حال (8) البحر فأدسّه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة . (9)
فإنّ هذه الرواية تصوّر لنا جبرئيل شخصا يحبّ الانتقام والهلاك للناس ، فاذا قارنّا ذلك بما ينظر اليهود به إلى جبرئيل وأنّه ملك العذاب كما جاءت بذلك بعض النصوص التأريخية في أسباب نزول قوله تعالى : { مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ } [البقرة : 98]نعتقد أنّ هذه الرواية لم تأت عن النبيّ وإنّما جاءت على لسانه تأييدا لوجهة النظر الإسرائيلية أو تأثّرا بأفكار الإسرائيليات. وإلّا فنحن لا نفهم لما ذا يخاف جبرئيل أن تدرك رحمة اللّه أحدا من الناس حتى لو كان ذلك فرعون ؟!
ج) عن أبي هريرة رفعه : لم يكذب إبراهيم إلّا في ثلاث : قوله إنّي سقيم ولم يكن سقيما ، وقوله : سارة اختي. وقوله : بل فعله كبيرهم هذا.(10)
ولا يمكننا إلّا أن ننسب هذا الحديث إلى الاسرائيليات لما فيه من اتّهام إبراهيم بالكذب على هذه الصورة المشينة خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار عدم ورود قصّة ادعاء إبراهيم أنّ سارة أخته ، في القرآن الكريم.
د) جاء في تفسير الطبري عن سعيد بن المسيّب أنّه كان يحلف أنّ آدم لم يأكل من الشجرة إلّا بعد أن شرب من الخمر(11).
وسعيد بن المسيب هذا نجده في موضع آخر لا يرضى أن يقول في القرآن شيئا من التفسير ، (12) فكيف يمكن أن نوفّق بين ذلك ورأيه هذا ؟!
هـ) عن أبي سعيد الخدري قال : قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم : 39] قال : يؤتى بالموت كأنّه كبش أملح حتّى يوقف على السور بين الجنة والنار. فيقال : يا أهل الجنّة فيشرئبّون . ويقال : يا أهل النار فيشرئبّون . فيقال : هل تعرفون هذا ؟
فيقولون : نعم هذا الموت فيضجع فيذبح. فلولا أنّ اللّه قضى لأهل الجنّة الحياة فيها والبقاء لماتوا فرحا. ولو لا أنّ اللّه قضى لأهل النار الحياة فيها لماتوا ترحا. (13)
ويمكن أن نعرف مدى صحّة هذا النصّ إذا درسنا النصوص التي تروى عن أبي سعيد هذا ، ووجدنا أنّها تلتقي في نقطة واحدة وهي التحدّث عن أشياء غريبة ترتبط بالعالم الآخر وكأنّه شخص اختصاصي لا يمارس إلّا هذا اللون من التفسير.(14)
ويجدر بنا- ونحن نتحدّث عن المفارقات التي وقع فيها بعض الصحابة والتابعين نتيجة اعتمادهم على الإسرائيليات في التفسير- أن نعرف مدى قيمة هذا المصدر من الناحية الإسلامية في المعرفة التفسيرية.
ويمكننا أن نجزم بسهولة بأنّ هذا المصدر لا يمثّل في وجهة النظر الإسلامية أيّ قيمة حقيقيّة بعد أن نلاحظ الأمرين التاليين :
أولا : إنّ القصص والتفصيلات التي سردتها التوراة والانجيل بوجودهما الفعلي لا يمكن الاعتماد عليها لأنّها محرّفة ، وفيها اتّجاهات أخلاقية وعقيدية لا يقرّها الإسلام الحنيف. وقد صرّح القرآن الكريم في مواضع مختلفة بهذا التحريف الذي أصاب هذين الكتابين. وذمّ أهل الكتاب بصورة عامة على قيامهم بهذا التحريف والتزامهم له ، فكيف يصحّ لنا بعد هذا كله أن نعتمد على شيء من هذه التفصيلات في تفسير القرآن الكريم؟
ثانيا : إنّ الصحابة والتابعين حين كانوا يأخذون من أهل الكتاب هذه التفصيلات لم تكن لديهم وسائل الاطّلاع على ذات التوراة والإنجيل. وإنّما كانوا يعتمدون في ذلك على بعض من دخل الإسلام من أهل الكتاب وغيرهم. وقد كان بعض هؤلاء قد تظاهر بالإسلام وهو غير مخلص له. فمن الطبيعي أن يقوم بعلمية تشويه للمفاهيم الإسلامية بإدخال بعض الاتّجاهات الفكرية والأخلاقية فيما يرويه عن التوراة والإنجيل. وهذا الشيء وان كان غير وارد فعلا على أساس انتشار العهدين القديم والجديد ، ولكنّه كان ذا مفعول إيجابي في تشويه الفكر الإسلامي أيّام الصحابة والتابعين.
وقضيّة اعتماد الصحابة على الإسرائيليات في التفسير يمكن أن تعتبر بداية المشكلة لعصر التابعين حيث كان هذا الاتّجاه اتّجاها رئيسيا في عصرهم قامت عليه بعض المدارس التفسيرية وتبنّته بعض الأساليب الثقافيّة كمصدر مهمّ من مصادر التموين.
فقد ظهرت في هذه الفترة من الزمن حركة اتّخذت من سرد الحوادث التاريخية حرفة خاصّة. (15) وبرزت الإسرائيليات التي تتحدّث عن حياة الأنبياء السابقين كجزء من الثقافة الإسلامية العامّة إلى جانب السيرة النبويّة وتفصيلاتها.
وبعد هذا كلّه يمكننا أن ندرك بوضوح مقدار ما أصاب الثقافة الإسلامية من ضياع وتشويه نتيجة هذه السذاجة في الضبط والحماية.
ثالثا : سذاجة الصحابة الفكرية وميلهم للبساطة وتأثّرهم في فهم الإسلام بإطاراتهم الخاصة : لقد كانت السذاجة الفكريّة لجمهور الصحابة وتأثّرهم في فهم الإسلام بإطاراتهم الخاصّة إحدى النقاط الهامّة التي كانت لها نتائجها ومضاعفاتها في المعرفة التفسيرية ، وهي تتلخّص بما يلي :
1. فقد كان من مظاهر ذلك ما أشرنا إليه سابقا من طبيعة المرحلة التي فرضت على الصحابة أن يعيشوا القرآن كمشكلة لغويّة. فإنّ ذلك كان بسبب عاملين :
أحدهما خارجيّ : وهو عدم استيعاب الصحابة للثقافة الإسلامية. والآخر داخلي : وهو المستوى العقلي والفكريّ الذي كان يعيشه رجال المرحلة حيث كانوا ينظرون إلى البحث والتأمّل خارج المشكلة اللغوية بحثا غير إسلامي قد ينتهي بهم إلى الانحراف في فهم الدين والضلال عنه ، في الوقت الذي نجد القرآن الكريم يحضّ على التأمّل في الكون والتدبّر في القرآن الكريم ومفاهيمه واستعمال العقل كأداة لادراك بعض المفاهيم الكونية والاجتماعية من خلال النظرية الإسلامية ومفاهيمها.
2. كما كان من نتائج هذه السذاجة موقف الصحابة من القرآن الكريم- كمصدر مهم من مصادر المعرفة التفسيرية في ذلك العصر- حيث لم يتمكّنوا من الاستفادة الكاملة من العطاء القرآني في هذا المجال. ويلاحظ ذلك في ندرة ما ورد عنهم من محاولات تفسيرية تعتمد في فهم القرآن الكريم واسلوبه. وترابط النظرية الإسلامية وتكاملها يحتّم علينا فهم المقطع القرآني على ضوء جميع ما ورد في القرآن الكريم بصدد معناه.
وفي بعض الموارد التي يحاول الصحابة الاستفادة من عطاء هذا المصدر الأصل نجدهم يخضعون النصّ القرآني لإطاراتهم الفكريّة الخاصّة. ومن الشواهد التي تدل على ذلك تلك المحاولة التي تنسب إلى بعض الصحابة حين حاول التعرّف على حقيقة إبليس وماهيّته وأنّه من الجن أو الملائكة حيث خرج- بعد مقارنته لقوله تعالى {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى... } [البقرة : 34] , {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف : 50] - بنتيجة معيّنة تقول :
إنّ إبليس كان ينتمي إلى قبيلة من الملائكة تسمّى بالجن. (16)
3. وعمليّة إخضاع النصّ القرآني للإطارات الفكريّة الخاصّة التي كان يعيشها بعض الصحابة والتابعين هي إحدى المظاهر التي اصيبت بها المعرفة التفسيرية في ذلك العصر نتيجة للسذاجة الفكرية. ولدينا شواهد كثيرة على هذا التأثّر في العمليات التفسيرية المنسوبة إلى بعض الصحابة والتابعين. (17)
4. وإلى جانب ذلك كانت تبدو البساطة في فهم المعنى القرآني والاستعارة القرآنية واضحة المعالم في تفاسير بعض الصحابة والتابعين ، فعكرمة أحد التابعين يرى في قوله تعالى { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص : 26] على أنّه من تقديم ما حقّة التأخير؛ إذ يفهم الآية على أساس أنّ تركيبها الأصلي (لهم عذاب شديد يوم الحساب بما نسوا) حيث لا يرى عكرمة أنّ نسيان يوم الحساب يمكن أن يكون سببا معقولا للعذاب الشديد, (18) وكذلك ابن عباس في قوله تعالى {فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء : 153] إنّ «جهرة» كان حقّها التقديم في الكلام فتأخّرت حيث لا يعقل أن تتصف الرؤية ب «الجهرة» لأنّهم إذا رأوا فقد رأوا ، وإنّما كان قولهم جهرة وعلنا. (19) وهكذا نجد الصحابة في هذا ونظائره يفسّرون القرآن حسب مدركاتهم العقلية الخاصّة ويخضعون المجاز القرآني بأقسامه المختلفة لبساطتها وسذاجتها.
5. وقد انفتح بعض الصحابة والتابعين نتيجة لهذه السذاجة الفكرية على بعض الأفكار الإسرائيلية وتفسيراتهم لبعض الألفاظ القرآنية حين لم يجدوا فيها ما يتنافى مع أفكارهم الخاصّة ومدركاتهم العقلية ، خصوصا ما يرتبط منها بعالم الغيب ، هذا العالم الذي كانوا يجهلون الكثير من تفاصيله ودقائقه(20),فكان أن فرضت على الثقافة القرآنية مجموعة غريبة من الأفكار والمفاهيم ونظر إليها في العصور المتأخّرة على أساس أنّها جزء من الثقافة الإسلامية.
رابعا : التفسير لأغراض سياسيّة وشخصيّة :
لقد عرفنا سابقا أنّ تسلّم الصحابة لقيادة المسلمين فكريّا لم يتمّ على أساس التمييز بين رفاق النبي صلّى اللّه عليه وآله الذين أخلصوا له ولرسالته ، وبين الآخرين الذين لم يكونوا قد انفعلوا بدرجة كافية برسالة الإسلام وامتزجوا بها روحيّا. وكان لهذا التوجيه الخاطئ نتائجه الكثيرة في الثقافة الإسلامية بشكل عامّ. ولم تسلم المعرفة التفسيرية من مضاعفاته وآثاره ، فتعرّضت ثقافة القرآن الكريم للتزوير والتشويه بقصد الاستفادة السياسية أو الشخصيّة. ويلاحظ الباحث في المعرفة التفسيرية لذلك العصر مواقف كثيرة كانت تتّسم بهذا الاتجاه الخاصّ وتحقّق أغراضا وأهدافا معيّنة.
وهناك شواهد كثيرة تشير بأكثر من إصبع باتهام أولئك الأبطال الذين اشتروا آيات اللّه بأثمان قليلة فراحوا يخدمون جهات معيّنة سياسيّة أو شخصيّة ويتقاضون أجر ذلك منصبا زائلا أو ذهبا رنا.
ولعلّ من أبرز هذه الشواهد هو ما نفهمه حين نقارن بين ما يذكره علماء القرآن في شأن المفسّرين من الصحابة حيث يذكرون أنّ عليّا عليه السّلام من أكثر الصحابة تفسيرا للقرآن وأنّ أبا هريرة من أقلّهم تفسيرا. (21) وبين ما يذكر في كتب التفسير الصحيحة حيث نجد ما يروى عن أبي هريرة أكثر ممّا يروى عن علي عليه السّلام . (22)
ولا شكّ أنّ هذه المفارقة ذات دلالة على الظروف السياسية التي منعت من الرواية عن علي عليه السّلام ودفعت الناس للأخذ من أبي هريرة ، الأمر الذي سمح لهؤلاء نسبة ما يقولون إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والقرآن الكريم.
_________________________
(1) يحسن بهذا الصدد مراجعة البيان في تفسير القرآن لآية اللّه الخوئي ، المدخل ، ص 102- 117.
(2) الترمذي ، ج 11 ، ص 68.
(3) البخاري ، ج 4 ، ص 120 ، باب رجم الحبلى من الزنا في كتاب الحدود؛ والإتقان ، ج 1 ، ص 58.
(4) كمثال على ذلك قارن بين الروايات التي يذكرها السيوطي في الإتقان ، ج 2 ، ص 101- 205.
(5) وبصدد أسباب النزول ، نجد علماء التفسير يأخذون قول الصحابي بمنزلة المرفوع في أسباب النزول من دون تردد ، والكثير منهم يعمّم هذا الحكم إلى جوانب المعرفة التفسيرية ، في الوقت الذي يجب علينا كباحثين أن نميّز بين الصحابة الذين عاشوا هذه الأحداث عن كثب وشاهدوا تفاصيلها ، وبين الآخرين الذين اعتمدوا في نقلهم لها على الشائعات والأقاويل ، الأمر الذي يؤدي في أكثر الأحيان إلى الالتباس في نقل الخصوصيات والتفصيلات. فنحن حين نشاهد بعض المسلمين يختلفون في المسجد الذي اسس على التقوى هل هو مسجد (قبا) أو مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في زمن الرسول ويرفعون هذا الاختلاف للرسول الأعظم ليحكم فيه ، نسمح لأنفسنا أن نشكك في كلّ ما يروى عن الصحابة بهذا الشأن إذا لم يكن الشخص الراوي قد عاش الحادثة بنفسه.
راجع الترمذي ، ج 11 ، ص 245- 246 ويروي الترمذي بعد هذه الرواية نصّا آخر يدل بالدلالة الالتزامية على أنّ المسجد هو مسجد (قبا) في الوقت الذي تصرّح هذه الرواية بأنّ المسجد هو مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
(6) الوبيض : البريق ، انظر ابن الأثير ، البداية والنهاية ، ج 4 ، ص 191.
(7) الترمذي ، ج 11 ، ص 199- 196.
(8) الحال : الطين الاسود كالحمأة. انظر ابن الاثير ، البداية والنهاية ، ج 1 ، ص 273.
(9) الترمذي ، ج 11 ، ص 271 ، راجع الحديث الذي بعده.
(10) الترمذي ، ج 12 ، ص 24.
(11) تفسير الطبري ، ج 1 ، ص 237.
(12) المصدر السابق ، ج 1 ، ص 38.
(13) الترمذي ، ج 12 ، ص 14.
(14) يمكن ملاحظة ما رواه السيوطي في الإتقان عنه ، ج 2 ، ص 191- 205؛ والترمذي في كتاب التفسير.
(15) يشير إلى هذا ما ذكره هبة اللّه ابن سلامه في كتابه(الناسخ والمنسوخ) المطبوع بهامش أسباب النزول للواحدي ، ص 6- 8.
(16) انظر الطبري ، في تفسير الآية الاولى.
(17) راجع بهذا الصدد الاتقان ، ج 1 ، ص 144 وج 2 ، ص 142.
(18) الإتقان : ج 3 ، ص 13.
(19) الإتقان : 2/ 13.
(20) راجع الترمذي ، ج 11 ، ص 284؛ والاتقان ، ج 2 ، ص 142 وغير ذلك.
(21) الإتقان ، ج 2 ، ص 187 و189.
(22) فقد ذكر ابن حزم الأندلسي في أسماء والصحابة والرواة أنّ أبا هريرة قد روى 5374 حديثا بينما روى علي بن أبي طالب 536 حديثا.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|