أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-03-2015
2129
التاريخ: 5-05-2015
1909
التاريخ: 4-05-2015
2147
التاريخ: 1-03-2015
3640
|
النظر في المعجم اللغوي (في نطاق ما نحن فيه) يتصل بمستويين هما :
الاول : تحريك الفكر لمعرفة الشيء، أي تقليب وفحص الشيء من أجل الاحاطة ببعض خصائصه واجزائه وعلاقته مع الآخر.
الثاني : المعرفة الحاصلة بعد الفحص وهو ما يسمّى بالرويّة.
المستوى الاول هو المطلوب في موضوعنا. قال تعالى : {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس : 101] أي تأمّلوا وافحصوا وقلّبوا الفكر في هذا الوجود الرحيب.
النظام اللغوي لاستعمال هذه المادّة في القرآن الكريم في غاية التنوّع والتشكّل، فقد جاء على سبيل الحث والمطالبة والتشجيع والاستفهام، مما يدلل على الاهميّة الكبيرة التي يوليها كتاب اللّه للوظيفة المذكورة.
قال تعالى : {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق : 5] ! { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [يوسف : 109] . { قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العنكبوت : 20]
و(السير) تعبير عن النشاط الحسّي المكثف وعن الملاحظة الدقيقة، وهو لازمة اولى لاي عملية استنتاج.
اذا دققنا في الآيات التي تتعلّق بالنظر وجدنا أنها تطرق الموضوعات التالية كمواد لممارسة النظر بالذات :
اولا : التجربة التاريخيّة بكل اشكالها الحضاريّة والسياسيّة والاجتماعيّة المتشعبة، ويكاد (النظر) بالمعنى الذي بيّناه ينفرد أو يغلب على أي استعمال آخر في استيعاب هذه المادّة كموضوع للدراسة والمعالجة والمعاينة.
قال تعالى : { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } [الروم : 9] . قال تعالى : {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ؟} [فاطر : 43]
وقد تعددت آيات القرآن الكريم في هذا المجال ... وهذا النظر لهدفين متلازمين، وهما :
أ- الاكتشاف، أي اكتشاف القوانين التي تحرك التاريخ ايجابا أو سلبا.
ب- العبرة، أي اتخاذ الدروس التي تترتب على الاكتشاف المذكور.
ذلك ان العبرة لا تحصل ولا تتحقق إلا من خلال الاكتشاف، اكتشاف قانون الحدث وسنة الحركة.
انها دعوة «تجريبيّة» لمعرفة التاريخ تعتمد فحص آثار السابقين والامم الماضية للوصول الى اسباب البناء والانهيار والتقدم والتأخر والنهوض والسقوط، سواء على صعيد الدول أم الشعوب أم الانظمة أم المجتمعات.
ثانيا : المفردة الكونيّة احدى مجالات النظر العقلي في القرآن الكريم، ومن الجدير بالذكر ان الامثلة هنا ليست للحصر، وانما هي منهج تعليمي يدرب العقل الانساني على خوض غمار هذا الميدان العظيم.
قال تعالى : { أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ } [الغاشية : 17 - 20]
النظر هنا مصوّب الى المواقع أو الأحوال التي تشكل مدار الاثارة والسؤال لدى العقل. فالسماء وهي على هذا العلو الشاهق، والارض بامتدادها الذي يقصر عنه البصر، والجبال بثباتها وشموخها ... كل هذه الامور تثير في الذات الانسانية مكامن التطلّع الى السر الذي يتجسّد فيها ويفسّر صيرورتها.
النقطة المهمة هنا هي : ان النظر في المفردة الكونيّة وان بدا هنا وكأنه نظرة تعتمد العزل، الا ان سياق الآية وصياغتها في فعلها المبني للمجهول، يشيران الى ان المطلوب هو النظر الى المفردة الكونية من خلال حركتها، صيرورتها، أي النظر الى المفردة باعتبارها تأريخا كيف خلقت، كيف رفعت، كيف نصبت ...، فالكيفية مع الفعل المبني للمجهول هنا تجسّد حركة كونية ذات تاريخ مشحون بالتغير والتبدل.
ثالثا : الوجود كله محل هذا النظر العقلي ... الوجود كله باعتباره حقلا هائلا من الآيات والدلالات والاشارات. قال تعالى : { قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس : 101]....
ومما لا ريب فيه ان الآية تطلق حرية العقل في كل شيء : احتواه الوجود. وذلك من مخلوقات وموجودات حيّة أو جامدة، بسيطة أو معقّدة، بعيدة أو قريبة، ظاهرة او مخفية، ومن هنا كان العلم في الاسلام يتسع لكل شيء ومن دون استثناء.
رابعا : ومما هو موضوع للنظر العقلي في القرآن الكريم ما يصطلح عليه الكتاب الكريم ب (الملكوت). والملكوت هو القانون الكلي الذي يفسّر الوجود، فهناك قانون شمولي عام يحكم هذا الكون، والعلم الحديث يسعى الآن لتفسير هذا الوجود بقانون واحد!! وفي لغة السيد الطباطبائي هو جهة اتصال الكون باللّه تعالى.
قال تعالى : {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.. } [الأعراف : 185]
خامسا : تكثّر النبات وتنوعه وعلاقته بالماء، (عبس، 24، 20، 26، 27، 28).
والنظر كالتفكر والتعقل يشير ضمنا الى جهاز التفكير ... أي الى العقل، يتضمنه باعتبار ان النظر عملية اكتشاف للقوانين والنواميس التي تحكم العالم والتاريخ والحياة والمجتمع، فلا بد من آليّة لهذه المهمة ..
يبدو من خلال التدقيق ببعض الآيات الكريمة ان من جملة مجالات النظر في القرآن يتعلّق بجذر الاشياء وأسّها وقوانينها، ولعلّ هذا واضح عند ما يطلب القرآن من الانسان ان ينظر، أي يتفحص القانون الوجودي الشامل (الملكوت) وتقليب الفكر في المادّة الانشائية. الاولى للانسان عبر تطوراتها المذهلة (الماء الدافق) وفي النواميس التي تسيّر التاريخ {سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} وفي دواعي هلاك الأمم والشعوب وكل الكيانات الضخمة {عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ}، {عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}، ومن كل هذا يمكننا ان نستنتج ان النظر في القرآن عملية عقلية جريئة، تتناول عمق الاشياء وتجول في أجوائها الرحبة الواسعة، اي دقة في التفكير، أو تفكير على مستوى عال سواء في مجال جريانه وحصوله أو مجال مادّته وموضوعه. ومن الطبيعي ان النظر بهذا المستوى من الكيفية والموضوعات يحتاج الى تصورات وتصديقات ومعارف سابقة. وربما كانت كلمة (سيروا) إشارة الى كل ذلك بشكل رمزي وفني رائع، لان السير عقلا أو حسّا يشير الى جمع واختيار وانتخاب معارف لهدف علمي اسمى. قال تعالى : {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ } [العنكبوت : 20]
ان اكتشاف كيفيّة نشوء الخلق ليست عملية سهلة أو يسيرة، وتستوجب معلومات سابقة مفصلة والفعل (سيروا) هنا يستوعب هذه المقدمات.
تأسيسا على ما سبق مع ملاحظة موضوعات النظر، خاصّة فيما يتعلق بأس الأشياء وجذرها، أي أصلها التكويني وصيرورتها، يمكننا ان نقر التعريف الذي يعطي للنظر صفة أو مهمّة أو دور (البحث). فهو اوسع من القياس ولا يقتصر على المعقولات الصرفة كما يرى بعضهم، ويحتاج الى الملاحظة التجريبيّة في بعض الاحيان بل في كثير من الاحيان.
هذا التصور القرآني لمعنى النظر يقترب من النسق اللغوي وان كان يزيد عليه حيويّة وحركة، فقد قال ابو هلال العسكري (النظر معرفته- الشيء- من جهته ومن جهة غيره ... وحدّ النظر طلب ادراك الشيء من جهة البصر أو الفكر ويحتاج في ادراك المعنى الى الامرين جميعا ... واصل النظر المقابلة، فالنظر بالبصر الاقبال نحو المبصر، والنظر بالقلب الاقبال بالفكر نحو المفكر فيه ... والنظر في الكتاب بالعين والفكر هو الاقبال نحوه بهما ...).
وبالاستفادة من هذه الاشارة اللغويّة، فان النظر احيانا يشكل عمليّة (حسيّة- عقليّة) في آن واحد، فالإنسان قد يرى بعينه ويسمع بأذنه ويلمس بيده ... وهذا نظر حسّي. ثم يتوفر على هذه المعلومات المحسوسة ليقلب الفكر فيها .. ومن هذا القبيل قوله تعالى : {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس : 24]
ان الآيات التي تطالب الانسان بالنظر في المفردات الكونية، كالسماء والارض والزرع واعضاء الانسان ... هذه الآيات التي من هذا النوع، يأتي فيها النظر وهو يحمل هذا الاستقطاب المزدوج أو هذا الزوج من الادراك (حس+ عقل)، كما ان الآيات التي توجّه النظر الى التجربة التاريخية تكون مسبوقة بكلمة (سيروا)، وقد مرّت علينا شواهد كثيرة في القرآن في هذا الصدد. هناك (13) موقعا في القرآن الكريم يسبق (السير) فيها (النظر)، (12) موقعا منها يتناول المسألة أو التجربة التاريخية وهناك آية واحدة فقط تدور حول النظر الكوني وقد سبقت بالفعل (سيروا) وهي قوله تعالى : {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}.
وهنا ملاحظة مهمّة ... انّ للتاريخ دورا أو بالاحرى موقعا جذريّا وبنائيا حتى في هذه الآية، بدلالة الفعل (بدأ)، انها تجربة الخلق، أي تاريخ الخلق، لان اطار النظر مصبوب على التكوّن والتشكّل بالنسبة للمفردة الكونية.
من عرض الآيات السابقة نفهم ان النظر هو (البحث)، ولذا نجد اللغوي المعروف علي بن عيسى يقول (النظر : هو الفكر والتأمل لأحوال الاشياء)، وهو ليس تلك العمليّة الحسيّة الساذجة فحسب، وبمقارنة سريعة مع التعقل والتفكر، نجد انه أرقى منهما كطريق لتحصيل المعارف، كما انه يتناول موضوعات اكثر خطورة واهميّة، فان النظر يستوجب احاطة سابقة أثرى وأوسع وأعمق. فهو نظر، حيث توحي الدلالة اللغوية بسمة الانكشاف، اذ لا بدّ من مراعاة المناسبة بين اللفظ والمعنى في مثل هذه الاحوال، ولذا يكون طريقه الى اصابة الحقيقة اكثر احتمالا من طريق التعقل أو التفكر.
ان النظر مثل التعقل والتفكر، ليس معرفة ولا درجة من درجاتها، بل عمليّة حسيّة/ عقلية- في اغلب الاحيان- حسب ورودها في القرآن- لتحصيل المعرفة على مستوى واف من امكان الاصابة، وسيكون من الرائع جدا تصنيف هذه العمليات على اساس الأدوات والمواضيع والنتائج.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|