أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-02-2015
3651
التاريخ: 2024-04-03
810
التاريخ: 2024-04-06
866
التاريخ: 17-10-2014
1995
|
من المعروف في تأريخ العلم عند المسلمين، أنّ العلوم انبثقت من حول القرآن والحديث مندمجين باللغة وآدابها، ثمّ تشقّقت إلى فروع واختصاصات ظلّت تحوم حول تلك النواة وتتوسّع تدريجيا، قبل أن تكتسب أنساقها المعرفية المتميّزة في عصر الازدهار، لتشقّ طريقها بعدئذ كاتجاهات ونظم كبرى في المعرفة أو مدارس رئيسية بلورها فكر المسلمين.
التنظير لهذه الأنساق أو النظم أو المدارس المعرفية الرئيسية يختلف من باحث إلى آخر من القدماء والمحدثين، بيد أنّه يكاد مع ذلك أن يستقر على خطوط عريضة مشتركة بين الجميع. فلو أغضينا عن تفاصيل المعارف وفروع العلوم ، فإنّ الأنساق الرئيسية في البحث عن الحقائق والكشف عنها تكاد لا تخرج عن هذه الثلاثة :
1- الطريقة النصوصية التي يتمّ فيها الاستناد إلى النصوص والظواهر الدينية، وفي الطليعة الكتاب والسنّة.
2- طريقة البحث العقلي، وهي التي تغطّي منهج الفلاسفة.
3- طريقة تصفية النفس وتهذيب الباطن، وهي التي تغطّي منهج العرفاء.
هذا التصنيف الثلاثي لطرق المعرفة تبدو بذوره واضحة في نصوص تعود لذي النون المصري (ت : 245 هـ) الذي يوزّع المعرفة إلى ثلاثة أصناف (1)، بيد أنّه يبدو أوضح مع أبي القاسم القشيري (376- 465 هـ)، الذي كتب موضحا هذا التمييز ومؤسّسا له على مصطلحات قرآنية : «فعلم اليقين على موجب اصطلاحهم ما كان بشرط البرهان، وعين اليقين ما كان بحكم البيان، وحق اليقين ما كان بنعت العيان. فعلم اليقين لأرباب العقول، وعين اليقين لأصحاب العلوم، وحقّ اليقين لأصحاب المعارف» (2).
على هذا المنوال وما يحاذيه استمرّ التنظير لطرق البحث عن الحقائق والكشف عنها، حيث مرّ الشوط مع السهروردي (ت : 587 هـ) صاحب حكمة الإشراق، وابن رشد الأندلسي (ت : 595 هـ) الذي قسّم الأدلّة إلى ثلاثة خطابية وجدلية وبرهانية (3)، وأثبت لها الحجّية بأجمعها وفاقا لاستعدادات الناس الفطرية وتباين قرائحهم في التصديق، وتبعا لتفاوت محصّلتهم العلمية.
ثمّ تدافعت حلقاته لتستقرّ مع هادي السبزواري على الصيغة التالية، التي اقترنت مع بيان معيار الافتراق بحسب رأيه، الذي صاغه كما يلي : «و وجه ضبط افتراق أهل العلم والمعرفة إلى المتكلّم والحكيم المشائي والإشراقي والصوفي، أنّ المتصدّين لمعرفة حقائق الأشياء :
إما أن يبحثوا بحيث يطابق الظاهر مع الشريعة في الأغلب فيقال لهم المتكلّمون.
وإما أن لا يراعوا المطابقة ولا المخالفة ؛ فإمّا أن يقتصروا على المجاهدة والتصفية فيقال لهم الصوفية.
وإمّا أن يكتفوا بمجرّد النظر والبيان والدليل والبرهان فيقال لهم المشاءون.
وإمّا أن يجمعوا بين الأمرين [التهذيب النفسي والنظر العقلي] فيقال لهم «الإشراقيون» (4).
من المعاصرين أنهى الطباطبائي الأنساق الكبرى في البحث عن الحقائق إلى طرق ثلاثة، هي الطريق النصوصي الذي يستند إلى الظواهر الدينية، وطريق البحث العقلي، وطريق تصفية النفس. فهذه الطرق «أخذ بكلّ منها طائفة من المسلمين، على ما بين الطوائف الثلاث من التنازع والتدافع» (5). على حين انتهت عند الإمام إلى ثلاث مرجعيات معرفية أساسية هي المرجعية الفلسفية والعرفانية والفقهية (6)، حيث تعمّ الأخيرة لتتخطّى مجال الفقه إلى ما هو أشمل منه.
على المنوال نفسه أو قريب منه نسج عدد آخر من الدارسين المعاصرين خاصّة الجابري الذي استقرّ تحليله لنظم المعرفة على ثلاثية البيان والبرهان والعرفان (7)، في حصيلة لا تخرج عن روح التصنيفات السابقة عليه، وإن اختلفت في النتائج المستوحاة وطبيعة توظيف هذه النتائج.
ملاحظة منهجية
ثمّ خلط كبير وقعت به العديد من الدراسات الوصفية والتحليلية، ناشئ عن عدم التمييز الدقيق بين مرتبتين للبحث، هما :
الاولى : مرتبة البحث عن الحقائق والتفتيش عنها وبلوغها. فعلى صعيد هذا المستوى من البحث يقع الاختلاف بين الاتجاهات المعرفية تبعا لاختلاف الطرق والمناهج، حيث يركّز بعضهم على النص، وبعض على العقل كمصدر للمعرفة، والآخر على الكشف والشهود أو الحس والتجربة وهكذا.
الثانية : أمّا في مرتبة إثبات تلك الحقائق وعلى مستوى تعميم معطياتها إلى الآخرين، فإنّ الجميع يلجأ للاستدلال العقلي.
ومن ثمّ يمكن القول إنّ جميع الأنساق والاتجاهات والمرجعيات المعرفية هي عقلانية في المرتبة الثانية، لأنّها تتمسّك باسس الاستدلال العقلي وقواعده في إثبات مدّعياتها وتعميمها إلى الآخرين، وتلوذ بالبرهان بمعناه العام.
بتعبير آخر، إنّ العارف يستوي مع الفيلسوف والمتكلّم والمفسّر والفقيه والمحدّث واللغوي في استخدام الدليل والحجّة وحشد مختلف ضروب الاستدلال وقواعده لإثبات صحّة ما وصل إليه في المرتبة الاولى، ولإقناع الآخرين بما عنده.
وبذلك لا يصحّ الحديث في هذه المرتبة عن علم غير برهاني، فالعلوم كلّها برهانية بوجه من الوجوه (8)، وإذا كان المقصود من البيان عند بعض الدارسين المحدثين هو إخراج علوم اللغة والكلام والتفسير والحديث واصول الفقه والفقه نفسه عن دائرة الاستدلال، فإنّ هذا مقصد خاطئ لا محالة (9).
فالعارف الذي يزعم أنّه حصل على ما حصل عليه عن طريق الكشف والشهود مباشرة وبالإملاء عليه من طريق لدني وما شابه لا يلزمنا في دعاويه هذه بشيء، بل يلجأ إلى ممارسة الاستدلال إذا ما رام إقناع الآخرين بما عنده، بحيث لا يختلف عمّن سواه من أنصار الاتجاهات الأخر في هذا المستوى من البحث، وإلّا بقي كشفه وما بلغه من معارف خاصّة حجّة عليه فقط لا تلزم الآخرين بشيء قطّ، من دون إقامة الدليل.
(2)- الرسالة : 180، نقلا عن : بنية العقل العربي : 252.
(3)- فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من الاتصال : 96 و109 ومواضع اخرى.
(4)- شرح الأسماء الحسنى : 234.
(5)- الميزان في تفسير القرآن 5 : 282.
(6)- تفسير سورة حمد : 175 فما بعد.
(7)- راجع : تكوين العقل العربي، بنية العقل العربي. كما يلحظ أيضا : بحث في مناهج المعرفة : مدخل إلى المدارس الخمس في العصر الإسلامي.
(8)- هذا ما انتبه إليه الناقد علي حرب في نقده المبكر لمشروع الجابري، راجع : مداخلات : 54، 70، 72، ومواضع كثيرة اخرى. كما راجع التمييز بين المرتبتين : بحث في مناهج المعرفة : 5، 26، ومواضع اخرى.
(9)- راجع في ذلك ما ذهب إليه الجابري في مشروعه عن نقد العقل وما كتبه علي حرب في الردّ عليه : المعطيات السابقة نفسها.
|
|
للتخلص من الإمساك.. فاكهة واحدة لها مفعول سحري
|
|
|
|
|
العلماء ينجحون لأول مرة في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي في المختبر
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية يحتفي بإصدار العدد الألف من نشرة الكفيل
|
|
|