المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

حكم الصادق المنقولة من نثر الدرر
16-10-2015
Balancing the burning of butane
10-1-2017
إسكندر ذو القرنين، أو إسكندر الكبير.
2024-01-02
ظهور الصناعة
30-6-2018
هل الإستصحاب من الاُصول أو الأمارات؟
23-8-2016
أفضل أوقات الإحرام.
25-4-2016


تفسير الأية (101-107) من سورة الأنبياء  
  
6158   07:30 مساءً   التاريخ: 14-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنبياء /

 

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 101-107]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

قالوا ولما نزلت هذه الآية أتى عبد الله بن الزبعري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال يا محمد أ لست تزعم أن عزيرا رجل صالح وإن عيسى (عليه السلام) رجل صالح وإن مريم امرأة صالحة قال بلى قال فإن هؤلاء يعبدون من دون الله فهم في النار فأنزل الله هذه الآية { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} أي: الموعدة بالجنة وقيل الحسنى السعادة عن ابن زيد وكأنه يذهب إلى الكلمة بأنه سيسعد أوإلى العدة لهم على طاعتهم فأنث الحسنى { أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} أي: يكونون بحيث لا يسمعون صوتها الذي يحس { وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ} من نعيم الجنة وملاذها {خالدون} أي: دائمون والشهوة طلب النفس اللذة يقال اشتهى شهوة وقيل إن الذين سبقت لهم منا الحسنى عيسى وعزير ومريم والملائكة الذين عبدوا من دون الله وهم كارهون استثناهم من جملة ما يعبدون من دون الله عن الحسن ومجاهد وقيل إن الآية عامة في كل من سبقت له الموعدة بالسعادة .

{ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} أي: الخوف الأعظم وهو عذاب النار إذا أطبقت على أهلها عن سعيد بن جبير وابن جريج وقيل هو النفخة الأخيرة لقوله ونفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله عن ابن عباس وقيل هو حين يؤمر بالعبد إلى النار عن الحسن وقيل هو حين يذبح الموت على صورة كبش أملح وينادي يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت وروى أبو سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال ثلاثة على كثبان من مسك لا يحزنهم الفزع الأكبر ولا يكترثون للحساب رجل قرأ القرآن محتسبا ثم أم به قوما محتسبا ورجل أذن محتسبا ومملوك أدى حق الله عز وجل وحق مواليه { وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ } أي: تستقبلهم الملائكة بالتهنئة يقولون لهم { هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } في الدنيا فأبشروا بالأمن والفوز .

{ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ } المراد بالطي هنا هو الطي المعروف وأن الله سبحانه يطوي السماء بقدرته وقيل إن طي السماء ذهابها عن الحس { كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} والسجل صحيفة فيها الكتب عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والكلبي وعلى هذا فمعناه نطويها كما تطوى الصحيفة المجعولة للكتاب ويجوز أن يكون المراد بالكتاب المكتوب وقيل أن السجل ملك يكتب أعمال العباد عن أبي عمرووالسدي وقيل هو ملك يطوي كتب بني آدم إذا رفعت إليه عن عطا وقيل هو اسم كاتب كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن ابن عباس في رواية.

 { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} أي: كما بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا(2) كذلك نعيدهم روي ذلك مرفوعا وقيل معناه نبعث الخلق كما ابتدأناه أي قدرتنا إلى الإعادة كقدرتنا على الابتداء عن الحسن والزجاج وقيلك: معناه نهلك كل شيء كما كان أول مرة عن ابن عباس {وعدا علينا} أي: وعدناكم ذلك وعدا {إنا كنا فاعلين} ما وعدناكم من ذلك { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} قيل فيه أقوال ( أحدها ) أن الزبور كتب الأنبياء ومعناه: كتبنا في الكتب التي أنزلناها على الأنبياء من بعد كتابته في الذكر أي أم الكتاب الذي في السماء وهو اللوح المحفوظ عن سعيد بن جبير ومجاهد وابن زيد وهو اختيار الزجاج قال لأن الزبور والكتاب بمعنى واحد وزبرت كتبت ( وثانيها ) أن الزبور الكتب المنزلة بعد التوراة والذكر هو التوراة عن ابن عباس والضحاك ( وثالثها ) أن الزبور زبور داود والذكر توراة موسى عن الشعبي وروي عنه أيضا أن الذكر القرآن وبعد بمعنى قبل.

 { أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} قيل: يعني أرض الجنة يرثها عبادي المطيعون عن ابن عباس وسعيد بن جبير وابن زيد فهومثل قوله وأورثنا الأرض وقوله الذين يرثون الفردوس وقيل هي الأرض المعروفة يرثها أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالفتوح بعد إجلاء الكفار كما قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها عن ابن عباس في رواية أخرى وقال أبوجعفر (عليه السلام) هم أصحاب المهدي (عليه السلام) في آخر الزمان ويدل على ذلك ما رواه الخاص والعام عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال لولم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا صالحا من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما قد ملئت ظلما وجورا.

 وقد أورد الإمام أبوبكر أحمد بن الحسين البيهقي في كتاب البعث والنشور أخبارا كثيرة في هذا المعنى حدثنا بجميعها عنه حافده أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن أحمد في شهور سنة ثماني عشرة وخمسمائة ثم قال في آخر الباب فأما الحديث الذي أخبرنا أبوعبد الله الحافظ بالإسناد عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الناس إلا شحا ولا الدنيا إلا إدبارا ولا تقوم الساعة إلا على أشرار الناس ولا مهدي إلا عيسى بن مريم فهذا حديث تفرد به محمد بن خالد الجندي قال أبوعبد الله الحافظ ومحمد بن خالد رجل مجهول واختلف عليه في إسناده فرواه مرة عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ومرة عن أبان بن أبي عياش وهو متروك عن الحسن عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو منقطع.

 والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي (عليه السلام) أصح إسنادا وفيها بيان كونه من عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) هذا لفظه ومن جملتها ما حدثنا أبوالحسن حافده عنه قال أخبرنا أبوعلي الروذباري قال أخبرنا أبوبكر بن داسة قال حدثنا أبوداود السجستاني في كتاب السنن عن طرق كثيرة ذكرها ثم قال كلهم عن عاصم المقري عن زيد عن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لولم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني أومن أهل بيتي وفي بعضها يواطىء اسمه اسمي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وبالإسناد قال حدثنا أبوداود قال حدثنا أحمد بن إبراهيم قال حدثني عبد الله بن جعفر الرقي قال حدثني أبوالمليح الحسن بن عمر عن زياد بن بيان عن علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول المهدي من عترتي من ولد فاطمة (عليهاالسلام) .

{ إِنَّ فِي هَذَا } يعني إن في الذي أخبرناكم به مما توعدنا به الكفار من النار والخلود فيها وما وعدنا به المؤمنين من الجنة والكون فيها وقيل معناه إن في هذا القرآن ودلائله {لبلاغا} أي: كفاية ووصلة إلى البغية والبلاغ سبب الوصول إلى الحق {لقوم عابدين} لله مخلصين له قال كعب هم أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) الذين يصلون الصلوات الخمس ويصومون شهر رمضان سماهم عابدين {وما أرسلناك} يا محمد {إلا رحمة للعالمين} أي: نعمة عليهم قال ابن عباس رحمة للبر والفاجر والمؤمن والكافر فهورحمة للمؤمن في الدنيا والآخرة ورحمة للكافر بأن عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والمسخ وروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لجبرائيل لما نزلت هذه الآية هل أصابك من هذه الرحمة شيء قال نعم إني كنت أخشى عاقبة الأمر ف آمنت بك لما أثنى الله علي بقوله ذي قوة عند ذي العرش مكين وقد قال إنما أنا رحمة مهداة.

 وقيل إن الوجه في أنه نعمة على الكافر أنه عرضه للإيمان والثواب الدائم وهداه وإن لم يهتد كمن قدم الطعام إلى جائع فلم يأكل فإنه منعم عليه وإن لم يقبل وفي الآية دلالة على بطلان قول أهل الجبر في أنه ليس لله على الكافر نعمة لأنه سبحانه بين أن في إرسال محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) نعمة على العالمين وعلى كل من أرسل إليهم.

______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص116-121.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ }. وعد اللَّه المتقين ان يعاملهم بالحسنى ، ومن ذلك النجاة من النار { لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها } هذا تأكيد لبعدهم عنها ونجاتهم منها { وهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ }. آمنون من عذاب اللَّه منعمون في جنانه { لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ }. وبالأولى الأصغر ، فان للفزع مراتب : من سكرات الموت إلى وحشة القبر ثم الخروج منه إلى الحساب واطباق جهنم على أهلها { وتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }.

تستقبل ملائكة التشريفات المتقين بالحفاوة والتكريم ، وتقول لهم : لقد جمعكم اللَّه في هذا اليوم الذي وعدكم فيه بالملك الدائم والنعيم القائم . وتتلخص هذه الآيات الثلاث بكلمة : « هَلْ جَزاءُ الإِحْسانِ إِلَّا الإِحْسانُ » - 60 الرحمن . أوكلمة :

{ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى }- 26 يونس .

{ يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ }. السجل الصحيفة ، والمراد بالكتب هنا ما يكتب في الصحيفة من كلمات ، والمعنى ان اللَّه سبحانه يطوي الكواكب يوم القيامة ، على ضخامتها وكثرتها ، كما تطوي الصحيفة ما كتب فيها بحيث يصير كل كوكب أشبه بالكلمة أوالحرف في الصحيفة { كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ }. شبه سبحانه النشأة الثانية بالنشأة الأولى ، وانه كما تحققت هذه فستحقق تلك لا محاله وفاء لوعده تعالى ، وما ذاك على اللَّه بعزيز ، فان من خلق الكون قادر على أن يعيده بعد تلاشيه وتفرق أجزائه :

« وهُو الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ، وهُو أَهْوَنُ عَلَيْهِ » - 27 الروم .

أيضا المهدي المنتظر :

{ ولَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ }.

الزبور هو كتاب داود ، والذكر ما تقدمه من الكتب السماوية كصحائف إبراهيم وتوراة موسى ، والمعنى ان الحكم والسلطان في الأرض ، وان كان الآن بأيدي الطغاة الفجرة فان اللَّه سينقله من أيديهم إلى الطيبين الأخيار لا محالة ، وعندها يعم الأمن والعدل الكرة الأرضية ، وينعم بخيراتها وبركاتها الناس كل الناس ، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة وصحيحة ، منها ما رواه أبوداود في كتاب السنن وهوأحد الصحاح الستة - « قال رسول اللَّه : لولم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللَّه ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا » ( 2 ) .

وقانون الحياة لا يأبى ذلك بل يقره ويؤكده ، وإذا كانت القوة الآن بأيدي الوحوش الضارية المتسلطة على الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيره فإنه لا شيء يمنع أن تتحول القوة في يوم من الأيام من أيدي أهل البغي والضلال إلى أيدي أهل الحق والعدالة ، بل إن غريزة حب البقاء والتحرر من الظلم ، والمبدأ القائل :

كل ما على الأرض يتحرك تماما كالأرض ، وان دوام الحال من المحال ، كل ذلك وما إليه يحتم ان القوة في النهاية تكون للأصلح الأكفأ .

{ إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ }. هذا إشارة إلى أن الأرض يرثها العباد الصالحون ، ولوبعد حين ، والمراد بالعابدين هنا الذين يتعظون بالعبر ، وينتفعون بالنذر .

{ وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ }. الخطاب لمحمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، ورسالته رحمة للأولين والآخرين ، وفيما تقدم ذكرنا الكثير من مبادئها وتعاليمها ، وحسبنا منها قول صاحبها : « ما آمن باللَّه من لا تأمن الناس بوائقه . . إذا ساءتك سيئة ، وسرتك حسنة فأنت مؤمن » . وعلى هذا الاحساس والشعور يقوم العدل ، وينشر الأمن ، وتهنأ الحياة . . وتكلمنا عن عموم رسالة محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) إلى جميع الناس في كل زمان ومكان تكلمنا عن ذلك عند تفسير الآية 92 من سورة الأنعام ج 3 ص 225 .

_________________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 301-303.

2- تكلمنا عن المهدي المنتظر في ج 1 ص 206 وعند تفسير الآية 58 من سورة الإسراء.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } الحسنى مؤنث أحسن وهي وصف قائم مقام موصوفه والتقدير العدة أوالموعدة الحسنى بالنجاة أوبالجنة والموعدة بكل منهما وارد في كلامه تعالى قال:{ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا:} مريم: 72 وقال:{ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ:} التوبة: 72.

قوله تعالى:{ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} - إلى قوله - توعدون} الحسيس الصوت الذي يحس به، والفزع الأكبر الخوف الأعظم وقد أخبر سبحانه عن وقوعه في نفخ الصور حيث قال:{ وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ:} النمل: 87.

وقوله:{وتتلقاهم الملائكة} أي بالبشرى وهي قولهم:{ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }.

قوله تعالى:{ يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } إلى آخر الآية، قال في المفردات،: والسجل قيل: حجر كان يكتب فيه ثم سمي كل ما يكتب فيه سجلا قال تعالى:{كطي السجل للكتب} أي كطيه لما كتب فيه حفظا له، انتهى.

وهذا أوضح معنى قيل في معنى هذه الكلمة وأبسطه.

وعلى هذا فقوله:{للكتب} مفعول طي كما أن السجل فاعله والمراد أن السجل وهوالصحيفة المكتوب فيها الكتاب إذا طوي انطوى بطيه الكتاب وهوالألفاظ أوالمعاني التي لها نوع تحقق وثبوت في السجل بتوسط الخطوط والنقوش فغاب الكتاب بذلك ولم يظهر منه عين ولا أثر كذلك السماء تنطوي بالقدرة الإلهية كما قال:{ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ:} الزمر: 67 فتغيب عن غيره ولا يظهر منها عين ولا أثر غير أنها لا تغيب عن عالم الغيب وإن غاب عن غيره كما لا يغيب الكتاب عن السجل وإن غاب عن غيره.

فطي السماء على هذا رجوعها إلى خزائن الغيب بعد ما نزلت منها وقدرت كما قال تعالى:{ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ:} الحجر: 21 وقال مطلقا:{وإلى الله المصير:} آل عمران: 28 وقال:{إن إلى ربك الرجعى:} العلق: 8.

ولعله بالنظر إلى هذا المعنى قيل: إن قوله:{ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} ناظر إلى رجوع كل شيء إلى حاله التي كان عليها حين ابتدأ خلقه وهي أنه لم يكن شيئا مذكورا كما قال تعالى:{ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا:} مريم: 9، وقال{ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا }: الدهر: 1.

وهذا معنى ما نسب إلى ابن عباس أن معنى الآية يهلك كل شيء كما كان أول مرة وهووإن كان مناسبا للاتصال بقوله:{يوم نطوي السماء} إلخ.

ليقع في مقام التعليل له لكن الأغلب على سياق الآيات السابقة بيان الإعادة بمعنى إرجاع الأشياء بعد فنائها لا الإعادة بمعنى إفناء الأشياء وإرجاعها إلى حالها قبل ظهورها بالوجود.

فظاهر سياق الآيات أن المراد نبعث الخلق كما بدأناه فالكاف في قوله:{ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} للتشبيه و{ما} مصدرية و{أول خلق} مفعول{بدأنا} والمراد أنا نعيد الخلق كابتدائه في السهولة من غير أن يعز علينا.

وقوله:{ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} أي وعدناه وعدا ألزمنا ذلك ووجب علينا الوفاء به وإنا كنا فاعلين لما وعدنا وسنتنا ذلك.

قوله تعالى:{ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ } الظاهر أن المراد بالزبور كتاب داود (عليه السلام) وقد سمي بهذا الاسم في قوله:{ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا:} النساء: 163، إسراء: 55، وقيل: المراد به القرآن، وقيل: مطلق الكتب المنزلة على الأنبياء أوعلى الأنبياء بعد موسى ولا دليل على شيء من ذلك.

والمراد بالذكر قيل: هو التوراة وقد سماها الله به في موضعين من هذه السورة وهما قوله:{ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ:} الآية - 7 وقوله:{وذكرا للمتقين:} الآية - 48 منها، وقيل: هوالقرآن وقد سماه الله ذكرا في مواضع من كلامه وكون الزبور بعد الذكر على هذا القول بعدية رتبية لا زمانية وقيل: هواللوح المحفوظ وهوكما ترى.

وقوله:{ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} الوراثة والإرث على ما ذكره الراغب انتقال قنية إليك من غير معاملة.

والمراد من وراثة الأرض انتقال التسلط على منافعها إليهم واستقرار بركات الحياة بها فيهم، وهذه البركات إما دنيوية راجعة إلى الحياة الدنيا كالتمتع الصالح بأمتعتها وزيناتها فيكون مؤدى الآية أن الأرض ستطهر من الشرك والمعصية ويسكنها مجتمع بشري صالح يعبدون الله ولا يشركون به شيئا كما يشير إليه قوله تعالى:{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ - إلى قوله - يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا:} النور: 55.

وإما أخروية وهي مقامات القرب التي اكتسبوها في حياتهم الدنيا فإنها من بركات الحياة الأرضية وهي نعيم الآخرة كما يشير إليه قوله تعالى حكاية عن أهل الجنة:{ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ:} الزمر: 74 وقوله:{ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ:} المؤمنون: 11.

ومن هنا يظهر أن الآية مطلقة ولا موجب لتخصيصها بإحدى الوراثتين كما فعلوه فهم بين من يخصها بالوراثة الأخروية تمسكا بما يناسبها من الآيات، وربما استدلوا لتعينه بأن الآية السابقة تذكر الإعادة ولا أرض بعد الإعادة حتى يرثها الصالحون، ويرده أن كون الآية معطوفة على سابقتها غير متعين فمن الممكن أن تكون معطوفة على قوله السابق:{فمن يعمل من الصالحات} كما سنشير إليه.

وبين من يخصها بالوراثة الدنيوية ويحملها على زمان ظهور الإسلام أوظهور المهدي (عليه السلام) الذي أخبر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الأخبار المتواترة المروية من طرق الفريقين، ويتمسك لذلك بالآيات المناسبة له التي أومأنا إلى بعضها.

وبالجملة الآية مطلقة تعم الوراثتين جميعا غير أن الذي يقتضيه الاعتبار بالسياق أن تكون معطوفة على قوله السابق:{ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} إلخ.

المشير إلى تفصيل حال المختلفين في أمر الدين من حيث الجزاء الأخروي وتكون هذه الآية مشيرة إلى تفصيلها من حيث الجزاء الدنيوي، ويكون المحصل أنا أمرناهم بدين واحد لكنهم تقطعوا واختلفوا فاختلف مجازاتنا لهم أما في الآخرة فللمؤمنين سعي مشكور وعمل مكتوب وللكافرين خلاف ذلك، وأما في الدنيا فللصالحين وراثة الأرض بخلاف غيرهم.

قوله تعالى:{ إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ } البلاغ هوالكفاية، وأيضا ما به بلوغ البغية، وأيضا نفس البلوغ، ومعنى الآية مستقيم على كل من المعاني الثلاثة، والإشارة بهذا إلى ما بين في السورة من المعارف.

والمعنى: أن فيما بيناه في السورة أن الرب واحد لا رب غيره يجب أن يعبد من طريق النبوة ويستعد بذلك ليوم الحساب، وأن جزاء المؤمنين كذا وكذا وجزاء الكافرين كيت وكيت - كفاية لقوم عابدين إن أخذوه وعملوا به كفاهم وبلغوا بذلك بغيتهم.

قوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } أي أنك رحمة مرسلة إلى الجماعات البشرية كلهم - و الدليل عليه الجمع المحلى باللام - و ذلك مقتضى عموم الرسالة.

وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة لأهل الدنيا من جهة إتيانه بدين في الأخذ به سعادة أهل الدنيا في دنياهم وأخراهم.

وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة لأهل الدنيا من حيث الآثار الحسنة التي سرت من قيامه بالدعوة الحقة في مجتمعاتهم مما يظهر ظهورا بالغا بقياس الحياة العامة البشرية اليوم إلى ما قبل بعثته (صلى الله عليه وآله وسلم) وتطبيق إحدى الحياتين على الأخرى.

____________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص267-270.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

 تبيّن الآية التالية حالات المؤمنين الحقيقيين من الرجال والنساء ليتبيّن وضع الفريقين من خلال المقارنة بينهما، فتقول أوّلا: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} وهو إشارة إلى أنّنا سنفي بكلّ الوعود التي وعدنا بها المؤمنين في هذه الدنيا، وأحدها إبعادهم عن نار جهنّم.

وبالرغم من أنّ ظاهر الجملة يشمل كلّ المؤمنين الحقيقيين، إلاّ أنّ البعض إحتمل أن تكون إشارة إلى من عُبد من دون الله كالمسيح ومريم(عليهما السلام)، الذين عبدوا دون إرادتهم، ولمّا كانت الآيات السابقة تقول: ستكونون أنتم وآلهتكم في جهنّم، وكان من الممكن أن يشمل هذا التعبير أمثال المسيح (عليه السلام)، فإنّ القرآن يبيّن هذه الجملة كإستثناء بأنّ هذه الفئة سوف لا ترد الجحيم أبداً.

وذكر بعض المفسّرين سبباً لنزول هذه الآية، وهو يوحي بأنّ البعض قد سأل الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) نفس هذا السؤال، فنزلت الآية تجيبهم. ولكن مع ذلك فلا مانع من أن تكون الآية جواباً لهذا السؤال، وأن تكون حكماً عامّاً لكلّ المؤمنين الواقعيين.

وتذكر الآيتان الأخيرتان أربع نعم إلهيّة كبرى تغمر هذه الطائفة السعيدة.

فالأُولى: إنّهم {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} و«الحسيس» ـ كما قال أرباب اللغة ـ الصوت المحسوس، وجاءت أيضاً بمعنى الحركة، أو الصوت الناشىء من الحركة، ونار الجحيم المشتعلة دائماً لها صوت خاصّ، وهذا الصوت مرعب من جهتين: من جهة أنّه صوت النّار، ومن جهة أنّه صوت حركة النّار والتهامها. ولمّا كان المؤمنون المخلصون بعيدين عن جهنّم، فسوف لا يطرق سمعهم هذا الصوت المرعب مطلقاً.

والثّانية: إنّهم {وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} فليس حالهم كما في هذه الدنيا المحدودة، حيث أنّ الإنسان يأمل كثيراً من النعم دون أن ينالها، فإنّهم ينالون كلّ نعمة يريدونها، مادية كانت أو معنوية، وليس ذلك على مدى يوم أو يومين، بل على إمتداد الخلود.

والثّالثة: إنّهم {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ}. وقد إعتبر بعضهم أنّ هذا الفزع الأكبر إشارة إلى أهوال يوم القيامة التي هي أكبر من كلّ هول وفزع، وعدّه بعضهم إشارة إلى نفخة الصور وإختلافات الأحوال وتبدّلها عند إنتهاء هذه الدنيا، والزلزال العجيب الذي سيدكّ أركان هذا العالم كما جاء في الآية (87) من سورة النحل. ولكن لمّا كان هول يوم القيامة وفزعها أهمّ وأكبر من جميع تلك الاُمور، فإنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأصحّ.

والرّابعة: من ألطاف الله تعالى لهؤلاء هو ما ذكرته الآية محلّ البحث: {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}.

وفي نهج البلاغة أنّ أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) قال: «فبادروا بأعمالكم تكونوا مع جيران الله في داره، رافق بهم رسله، وأزارهم ملائكته، وأكرم أسماعهم أن تسمع حسيس جهنّم أبداً»(2).

يوم تطوى السّماء!

قرأنا في آخر آية من الآيات السابقة أنّ المؤمنين آمنون من الفزع الأكبر وهمّه، وتجسّم هذه الآية رعب ذلك اليوم العظيم، وفي الحقيقة تبيّن وتجسّد علّة عظمة وضخامة هذا الرعب، فتقول: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}(3).

لقد كان الناس في الأزمنة الغابرة يستعملون أوراقاً كالطومار لكتابة الرسائل والكتب، وكانوا يطوون هذا الطومار قبل الكتابة، ثمّ أنّ الكاتب يفتح منه تدريجيّاً ويكتب عليه ما يريد كتابته، ثمّ يُطوى بعد الإنتهاء من الكتابة ويضعونه جانباً، ولذلك فقد كانت رسائلهم ومثلها كتبهم أيضاً على هيئة الطومار، وكان هذا الطومار يسمّى سجلا، إذ كان يستفاد منه للكتابة.

وفي هذه الآية تشبيه لطيف لطيّ سجل عالم الوجود عند إنتهاء الدنيا، ففي الوقت الحاضر فإنّ هذا السجل مفتوح، وتقرأ كلّ رسومه وخطوطه، وكلّ منها في مكان معيّن، أمّا إذا صدر الأمر الإلهي بقيام القيامة فإنّ هذا السجل العظيم سيطوى بكلّ رسومه وخطوطه.

طبعاً، لا يعني طي العالم الفناء كما يتصوّر البعض، بل يعني تحطّمه وجمعه، وبتعبير آخر: فإنّ شكل العالم وهيئته ستضطرب ويقع بعضه على بعض، لكن لا تفنى مواده، وهذه الحقيقة تستفاد من التعبيرات المختلفة في آيات المعاد، وخاصةً من آيات رجوع الإنسان من العظام النخرة، ومن القبور.

ثمّ تضيف {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} وهذا التعبير يشبه التعبير الذي ورد في الآية (29) من سورة الأعراف: {كما بدأكم تعودون} أو أنّه مثل تعبير {وهو الذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده وهو أهون عليه}(4).

أمّا ما إحتمله بعض المفسّرين من أنّ المراد من هذا الرجوع هو الرجوع إلى الفناء والعدم، أو التلاحم والإرتباط كما في بداية الخلق، فيبدو بعيداً جدّاً.

وفي النهاية تقول الآية: {وعداً(5) عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}(6).

ويستفاد من بعض الرّوايات أنّ المراد من رجوع الناس إلى الحالة الأُولى، هو أنّهم يرجعون حفاة عراة مرّة أُخرى كما كانوا في بداية الخلق. ولكن لا شكّ أنّ هذا لا يعني إنحصار معنى الآية في ذلك وإقتصاره عليه، بل إنّه أحد صور رجوع الخلق إلى الصورة الأُولى(7).

سيحكم الصالحون الأرض:

بعد أن أشارت الآيات السابقة إلى جانب من ثواب المؤمنين الصالحين، فقد أشارت السورة في هاتين الآيتين إلى أحد أوضح المكافآت الدنيويّة لهؤلاء، فتقول: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}.

وكلمة «الأرض» تطلق على مجموع الكرة الأرضية، وتشمل كافّة أنحاء العالم إلاّ أن تكون هناك قرينة خاصّة في الأمر، ومع أنّ البعض إحتمل أن يكون المراد وراثة كلّ الأرض في القيامة، إلاّ أنّ ظاهر كلمة الأرض عندما تذكر بشكل مطلق تعني أرض هذا العالم.

ولفظ «الإرث» ـ كما أشرنا إلى ذلك سابقاً ـ يعني إنتقال الشيء إلى شخص بدون معاملة وأخذ وعطاء، وقد إستعملت هذه الكلمة في القرآن أحياناً بمعنى تسلّط وإنتصار قوم صالحين على قوم طالحين، والسيطرة على مواهبهم وإمكانياتهم، كما نقرأ في الآية (37) من سورة الأعراف في شأن بني إسرائيل: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها}.

وبالرغم من أنّ «الزبور» في الأصل يعني كلّ كتاب ومقال، ومع أنّ موضعين من المواضع الثلاثة التي إستعملت فيها هذه الكلمة في القرآن يشيران إلى زبور داود، فلا يُستبعد أن يكون المورد الثّالث، أي ما ورد في الآية محلّ البحث إشارة إلى هذا المعنى أيضاً.

إنّ زبور داود ـ أو بتعبير كتب العهد القديم (مزامير داود) ـ عبارة عن مجموعة أدعية النّبي داود ومناجاته ونصائحه ومواعظه.

وإحتمل بعض المفسّرين أن يكون المراد من الزبور هنا كلّ كتب الأنبياء السابقين(8).

ولكن يبدو على الأغلب ـ مع ملاحظة الدليل الذي ذكرناه ـ أنّ الزبور هو كتاب مزامير داود فقط، خاصةً وأنّ في المزامير الموجودة عبارات تطابق هذه الآية تماماً، وسنشير إلى ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.

«والذكر» في الأصل يعني التذكير أو ما يسبّب التذكير والتذكّر، وإستعملت هذه الكلمة في القرآن بهذا المعنى، واُطلقت أحياناً على كتاب موسى السماوي، كالآية (48) من سورة النساء: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ }.

وإستعملت أحياناً في شأن القرآن، كالآية (27) من سورة التكوير: { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} ولذلك قال البعض: إنّ المراد من الذكر ـ في الآية مورد البحث ـ هو القرآن، والزبور كلّ كتب الأنبياء السابقين، أي إنّنا كتبنا في كلّ كتب الأنبياء السابقين إضافةً إلى القرآن بأنّ الصالحين سيرثون الأرض جميعاً.

لكن ملاحظة التعبيرات التي إستعملت في الآية توضّح أنّ المراد من الزبور كتاب داود، والذكر بمعنى التوراة، ومع ملاحظة أنّ الزبور كان بعد التوراة، فإنّ تعبير (من بعد)(9) حقيقي، وعلى هذا فإنّ معنى الآية: إنّنا كتبنا في الزبور بعد التوراة أنّنا سنورث العباد الصالحين الأرض.

وهنا ينقدح سؤال، وهو: لماذا ذكر هذان الكتابان من بين الكتب السماوية؟

ربّما كان هذا التعبير بسبب أنّ داود كان أحد أكبر الأنبياء، وإستطاع أن يشكّل حكومة الحقّ والعدل، وكان بنو إسرائيل مصداقاً واضحاً للقوم المستضعفين الذين ثاروا بوجه المستكبرين ودمّروا دولتهم واستولوا على حكومتهم وورثوا أرضهم.

والسؤال الآخر الذي يُثار هنا هو: من هم عباد الله الصالحون؟

إذا لاحظنا إضافة العباد إلى الله ستتّضح مسألة إيمان هؤلاء وتوحيدهم، وبملاحظة كلمة الصالحين التي لها معنى واسع، فستخطر على الذهن كلّ المؤهّلات، الأهليّة من ناحية التقوى، والعلم والوعي، ومن جهة القدرة والقوّة، ومن جانب التدبير والتنظيم والإدراك الإجتماعي.

عندما يهيء العباد المؤمنون هذه المؤهّلات والأرضيات لأنفسهم، فإنّ الله سبحانه يساعدهم ويعينهم ليمرغوا اُنوف المستكبرين في التراب، ويقطعوا أيديهم الملوّثة، فلا يحكمون أرضهم بعدُ، بل تكون للمستضعفين، فيرثونها، فبناءً على ذلك فإنّ مجرّد كونهم مستضعفين لا يدلّ على الإنتصار على الأعداء وحكم الأرض، بل إنّ الإيمان لازم من جهة، وإكتساب المؤهّلات من جهة أُخرى، وما دام مستضعفو الأرض لم يُحيوا هذين الأصلين فسوف لا يصلون إلى وراثة الأرض وحكمها. ولذلك فإنّ الآية التالية تقول من باب التأكيد المشدّد: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ }.

لقد إعتبر بعض المفسّرين (هذا) إشارة إلى كلّ الوعود والتهديدات التي جاءت في هذه السورة، أو في كلّ القرآن، ويدخل موضوع بحثنا في هذا المفهوم الكلّي أيضاً. إلاّ أنّ ظاهر الآية هو أنّ (هذا) إشارة إلى الوعد الذي اُعطي للعباد الصالحين في الآية السابقة في شأن الحكومة في الأرض.

النّبي رحمة للعالمين:

لمّا كانت الآيات السابقة قد بشّرت العباد الصّالحين بوراثة الأرض وحكمها، ومثل هذه الحكومة أساس الرحمة لكلّ البشر، فإنّ الآية أشارت إلى رحمة وجود النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العامّة، فقالت: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} فإنّ عامّة البشر في الدنيا، سواء الكافر منهم والمؤمن، مشمولون لرحمتك، لأنّك تكفّلت بنشر الدين الذي يُنقذ الجميع، فإذا كان جماعة قد إنتفعوا به وآخرون لم ينتفعوا، فإنّ ذلك يتعلّق بهم أنفسهم، ولا يخدش في عموميّة الرحمة.

وهذا يشبه تماماً أن يؤسّس جماعة مستشفى مجّهزة لعلاج كلّ الأمراض، وفيها الأطباء المهرة، وأنواع الأدوية، ويفتحوا أبوابها بوجه كلّ الناس بدون تمييز، أليست هذه المستشفى رحمة لكلّ أفراد المجتمع؟ فإذا إمتنع بعض المرضى العنودين من قبول هذا الفيض العام، فسوف لا يؤثّر في كون تلك المستشفى عامّة. وبتعبير آخر فإنّ كون وجود النّبي رحمة للعالمين له صفة المقتضى وفاعلية الفاعل، ومن المسلّم أنّ فعلية النتيجة لها علاقة بقابلية القابل.

إنّ التعبير بـ «العالمين» له إطار واسع يشمل كلّ البشر وعلى إمتداد الأعصار والقرون، ولهذا يعتبرون هذه الآية إشارة إلى خاتمية نبي الإسلام، لأنّ وجوده رحمة وإمام وقدوة لكلّ الناس إلى نهاية الدنيا، حتّى أنّ هذه الرحمة تشمل الملائكة أيضاً:

ففي حديث شريف مروي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤيّد هذه العمومية، إذ نلاحظ فيه إنّ هذه الآية لمّا نزلت سأل النّبي جبرئيل فقال: «هل أصابك من هذه الرحمة شيء؟» فقال جبريل: «نعم إنّي كنت أخشى عاقبة الأمر، فآمنت بك لمّا أثنى الله عليّ بقوله: عند ذي العرش مكين»(10).

وعلى كلّ حال، ففي دنيا اليوم حيث ينتشر الفساد والظلم والإستبداد في كلّ جانب، ونيران الحروب مستعرة في كلّ جهة، وأخذت قبضات الجبّارين العتاة بأنفاس المستضعفين المظلومين .. في الدنيا الغارقة في الجهل وفساد الأخلاق والخيانة والظلم والجور .. أجل في مثل هذه الدنيا سيتّضح أكثر فأكثر معنى كون النّبي رحمة للعالمين، وأي رحمة أسمى من أنّه أتى بدين إذا عُمل به فإنّه يعني نهاية كلّ المآسي والنكبات والأيّام السوداء؟

أجل، إنّه هو وأوامره، ودينه وأخلاقه كلّها رحمة، رحمة للجميع، وستكون عاقبة إستمرار هذه الرحمة حكم الصالحين المؤمنين في كلّ أرجاء المعمورة.

_____________

1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي،ج8،ص331-343.

2ـ نهج البلاغة، الخطبة 183.

3ـ السَجْل: الدلو العظيمة، والسِّجِلّ حجر كان يكتب فيه، ثمّ سمّي كلّ ما يكتب فيه سجلا ـ مفردات الراغب والقاموس ـ وينبغي الإلتفات إلى أنّه احتملت إحتمالات عديدة في تفسير جملة (كطي السجل للكتب) إلاّ أنّ أقربها أنّ «طي» مصدر للسجل الذي اُضيف مفعوله، واللام في (للكتب) إمّا للإضافة أو لبيان العلّة. دقّقوا ذلك.

4ـ كما قلنا سابقاً، فإنّه لا يوجد صعب وسهل بالنسبة إلى قدرة الله اللامتناهية، بل كلّ شيء متساو مقابل قدرته، وعلى هذا فإنّ التعبير المستعمل في الآية أعلاه إنّما هو بالنسبة لمحدودية فهم البشر، دقّقوا ذلك.

5ـ «وعداً» مفعول لفعل مقدّر تقديره: وعدنا.

6ـ هذه الجملة تتضمّن عدّة تأكيدات، فلفظة الوعد، ثمّ التعبير بـ(علينا) وبعدها التأكيد بـ(إنّا) ثمّ إستعمال الفعل الماضي (كنّا) وكذلك كلمة (فاعلين).

7ـ مجمع البيان، ذيل الآيات مورد البحث.

8ـ نقل هذا الإحتمال في تفسير مجمع البيان، وتفسير الفخر الرازي عن عدّة من المفسّرين.

9-وفي الاصطلاح العلمي (بعد) ورد هنا بمعنى المرتبة المكانية لا الزمانية.

10ـ مجمع البيان، ذيل الآية محل البحث.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .