المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17644 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

أضرار الحزن والقلق على جسم الإنسان
26-6-2019
Compressibility of radiation
2024-05-17
Chemicals Based on Benzene, Toluene, and Xylenes
6-9-2017
الانزلاقات والانهيارات الأرضية
7-9-2019
Respiration
29-10-2015
أثر مخالفة شروط الاختصاص على قرار المخول إليه
2024-07-14


تفسير الأية (7-15) من سورة الأنبياء  
  
2476   03:34 مساءً   التاريخ: 11-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنبياء /

 

قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ  } [الأنبياء: 7 - 15]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ} يا محمد {إلا رجالا} هذا جواب لقولهم ما هذا إلا بشر مثلكم والمعنى لم نرسل قبلك يا محمد إلا رجالا من بني آدم {نوحي إليهم} لا ملائكة لأن الشكل إلى الشكل أميل وبه آنس وعنه أفهم ومن الأنفة منه أبعد { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} اختلف في المعنى بأهل الذكر على أقوال فروي عن علي (عليه السلام) أنه قال نحن أهل الذكر وروي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام) ويعضده أن الله تعالى سمى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ذكرا رسولا في قوله {ذكرا رسولا} وقيل أهل الذكر أهل التوراة والإنجيل عن الحسن وقتادة وقيل هم أهل العلم بإخبار من مضى من الأمم وقيل هم أهل القرآن والذكر هو القرآن وهم العلماء بالقرآن عن ابن زيد.

 { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} أي: باقين لا يموتون هذا رد لقولهم ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ومعناه وما جعلنا الأنبياء قبلك أجسادا لا يأكلون الطعام ولا يموتون حتى يكون أكلك الطعام وشربك وموتك علة في ترك الإيمان بك فإنا لم نخرجهم عن حد البشرية بالوحي قال الكلبي الجسد المجسد الذي فيه الروح ويأكل ويشرب فعلى هذا يكون ما يأكل ويشرب جسما وقال مجاهد الجسد ما لا يأكل ولا يشرب فعلى هذا يكون ما يأكل ويشرب نفسا.

 { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ} أي: صدقناهم الوعد بأن العاقبة الحميدة تكون لهم ومعناه أنجزنا ما وعدناهم به من النصر والنجاة والظهور على الأعداء وما وعدناهم به من الثواب {فأنجيناهم ومن نشاء} أي: فأنجيناهم من أعدائهم وأنجينا معهم من نشاء من المؤمنين بهم {وأهلكنا المسرفين} على أنفسهم بتكذيبهم الأنبياء قال قتادة المسرفين هم المشركون وهذا تخويف لكفار مكة ثم ذكر نعمته عليهم بإنزال القرآن فقال {لقد أنزلنا إليكم} يا معشر قريش {كتابا فيه ذكركم} أي: فيه شرفكم إن تمسكتم به كقوله {وإنه لذكر لك ولقومك} وقيل هو خطاب للعرب لأنه أنزل القرآن بلغتهم وقيل هو خطاب لجميع المؤمنين لأن فيه شرفا للمؤمنين كلهم وقيل إن معناه فيه ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم ودنياكم عن الحسن وقيل فيه ذكر مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال لتتمسكوا بها {أ فلا تعقلون} ما فضلتم به على غيركم وقيل معناه أ فلا تتدبرون فتعلمون أن الأمر على ما قلناه .

ثم بين سبحانه ما فعله بالمكذبين فقال {وكم قصمنا} أي: أهلكنا {من قرية} عن مجاهد والسدي وقيل عذبنا عن الكلبي {كانت ظالمة} أي: كافرة يعني أهلها {وأنشأنا} أي: أوجدنا {بعدها} أي: بعد إهلاك أهلها {قوما آخرين فلما أحسوا} أي: فلما أدركوا بحواسهم {بأسنا} أي: عذابنا { إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ } معناه: إذا هم من القرية أومن العقوبة يهربون سراعا هرب المنهزم من عدوه {لا تركضوا} أي: يقال لهم تقريعا وتوبيخا لا تهربوا { وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ} أي: وارجعوا إلى ما نعمتم فيه وإلى مساكنكم التي كفرتم وظلمتم فيها وقيل إنهم لما أخذتهم السيوف انهزموا مسرعين فقالت لهم الملائكة بحيث سمعوا النداء لا تركضوا وارجعوا إلى ما خولتم ونعمتم فيه وارجعوا إلى مساكنكم وقال ابن قتيبة: معناه إلى نعمكم التي أترفتكم ومساكنكم لعلكم تسألون شيئا من دنياكم والمعنى أن الملائكة استهزأت بهم فقالت لهم ارجعوا إلى نعمكم ومساكنكم {لعلكم تسئلون} شيئا من دنياكم فإنكم أهل ثروة ونعمة يقولون ذلك استهزاء بهم هذا قول قتادة وقيل لعلكم تسألون أي يسألكم رسولكم أن تؤمنوا كما سئل قبل نزول العذاب بكم وهذا استهزاء بهم أيضا أي لا سبيل إلى هذا فتدبروا الأمر قبل حلوله وقيل: لكي تسألوا عن أعمالكم وعن تنعمكم في الدنيا بغير الحق وعما استحققتم به العذاب عن الجبائي وأبي مسلم.

 {قالوا} على سبيل التندم لما رأوا العذاب { يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} لأنفسنا حيث كذبنا رسل ربنا والمعنى أنهم اعترفوا بالذنب حين عاينوا العذاب والويل الوقوع في الهلكة { فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } أي: لم يزالوا يقولون يا ويلنا وتلك دعواهم {حتى جعلناهم حصيدا} أي: محصودا مقطوعا {خامدين} ساكني الحركات ميتين كما تخمد النار إذا انطفات والمعنى استأصلناهم بالعذاب وأهلكناهم عن الحسن وقيل بالسيف وهو قتل بخت نصر لهم عن مجاهد وقيل: نزلت في قرية باليمن قتلوا نبيا لهم يقال له حنظلة فسلط الله عليهم بخت نصر حتى قتلهم وسباهم ونكافيهم حتى خرجوا من ديارهم منهزمين فبعث الله ملائكة حتى ردوهم إلى مساكنهم فقتل صغارهم وكبارهم حتى لم يبق لهم اسم ولا رسم.

_____________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص73-76.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{وما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ }. تقدم بنصه مع التفسير في الآية 43 من سورة النحل ج 4 ص 517 { وما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وما كانُوا خالِدِينَ } . ليس الأنبياء أرواحا  بلا أجساد ، ولا خالدين في هذه الحياة . . انهم تماما كغيرهم من الناس لا يمتازون عنهم إلا بالتبليغ عن اللَّه ، وانهم أكمل البشر . انظر ما كتبناه بعنوان حقيقة النبوة عند تفسير الآية 35 من سورة طه .

{ ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ ومَنْ نَشاءُ وأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ } . يشير سبحانه بهذا إلى قوله تعالى : « كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا ورُسُلِي إِنَّ اللَّهً قَوِيٌّ عَزِيزٌ » - 21 المجادلة . وقوله : « إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ يَقُومُ الأَشْهادُ » - 51 غافر . وخلاصة المعنى ان اللَّه سبحانه وعد الأنبياء والذين آمنوا بالنجاة ، والكافرين بالهلاك ، وقد وفى بوعده ، ومن أوفى بعهده من اللَّه .

محمد والعرب :

{ لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ } . لم يكن العرب قبل محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) والقرآن شيئا مذكورا ، وبعدهما أصبحوا مشهورين تذكر الأمم تاريخهم وحضارتهم ، وترفع من شأنهم ومكانتهم ، قال « و . ل . ديورانت » في موسوعته التاريخية « قصة الحضارة » :

كان محمد من أعظم عظماء التاريخ . فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب عاش في دياجير الهمجية ، وحرارة الجو ، وجدب الصحراء ، وقد نجح في هذا الغرض نجاحا لا يدانيه أي مصلح آخر في التاريخ كله . كانت بلاد العرب لما بدأ دعوته صحراء جرداء تسكنها قبائل من عبدة الأوثان ، قليل عددها ، متفرقة كلمتها ، وصارت عند وفاته أمة ممّاسكة ، وقد كبح جماح التعصب والخرافات ، وأقام فوق اليهودية والمسيحية ودين بلاده القديم دينا سهلا واضحا ، وصرحا قوامه البسالة والعزة والقومية ، واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة ، وفي قرن واحد أن ينشئ دولة عظيمة ، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في العالم .

{ وكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ } . هذا تهديد ووعيد للذين كذبوا محمدا ( صلى الله عليه واله وسلم ) بأن يحل بهم من الهلاك ما حل بمن كان قبلهم من الأمم الذين كذبوا رسلهم ، ثم يوجد سبحانه قوما لا يمتون إلى الهالكين بسبب ولا بنسب ، فيورثهم أملاكهم وديارهم ، فيعيدون بناءها من جديد ، ويتمتعون بخيراتها وبركاتها .

{ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ } . هذا تصوير لحال المشركين حين ينزل بهم عذاب السماء . . انهم يعدون ويسرعون هربا منه . . ولكن هيهات أين المفر من سلطان اللَّه وقضائه ؟ ولو هربوا من قبل إلى اللَّه لوجدوا عنده الأمن والأمان ، أما الهرب من اللَّه فهو تماما كهرب الإنسان من ظله وأجله { لا تَرْكُضُوا وارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ومَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ } . قبل أن ينزل العذاب بالمشركين كانت لاهية قلوبهم عن كل شيء إلا عن أموالهم وترفهم ، وحين نزل بهم العذاب عميت أبصارهم وبصائرهم عن كل شيء ، وأطلقوا سيقانهم للهواء لا يلوون على مال ولا بنين . . فقال لهم سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع : إلى أين ؟ ارجعوا إلى مساكنكم وأموالكم وأولادكم . . أتتركونها الآن ، وقد كنتم بالأمس تعبدونها من دون اللَّه ؟ هذا جزاء من ترك الرشد ، ولم يهتد إلى قصد .

{ قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ }. اطمأنوا لترفهم ، ودانوا لشهواتهم ، واتهموا الناصح الأمين ، ولما رأوا العذاب ندموا ودعوا بالويل والثبور ، ولكن الحسرات لا ترجع ما قد فات { فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ }.

هم يكررون الدعاء بالويل ، والعذاب ينصب على رؤوسهم تلو العذاب ، حتى أصبحوا أثرا بعد عين . . وما أغنى عنهم جاه ولا مال ، بل تنكر لهم كل شيء وتلك عاقبة المجرمين .

______________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 264-266.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} جواب عما احتجوا به على نفي نبوته (صلى الله عليه وآله وسلم) بقولهم:{هل هذا إلا بشر مثلكم}، بأن الماضين من الأنبياء لم يكونوا إلا رجالا من البشر فالبشرية لا تنافي النبوة.

وتوصيف{رجالا} بقوله:{نوحي إليهم} للإشارة إلى الفرق بين الأنبياء وغيرهم ومحصله أن الفرق الوحيد بين النبي وغيره هو أنا نوحي إلى الأنبياء دون غيرهم والوحي موهبة ومن خاص لا يجب أن يعم كل بشر فيكون إذا تحقق تحقق في الجميع وإذا لم يوجد في واحد لم يوجد في الجميع حتى تحكموا بعدم وجدانه عندكم على عدم وجوده عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك كسائر الصفات الخاصة التي لا توجد إلا في الواحد بعد الواحد من البشر مما لا سبيل إلى إنكارها.

فالآية تنحل إلى حجتين تقومان على إبطال استدلالهم ببشريته على نفي نبوته: إحداهما نقض حجتهم بالإشارة إلى رجال من البشر كانوا أنبياء فلا منافاة بين البشرية والنبوة.

والثانية: من طريق الحل وهو أن الفارق بين النبي وغيره ليس وصفا لا يوجد في البشر أوإذا وجد وجد في الجميع بل هو الوحي الإلهي وهو كرامة ومن خاص من الله يختص به من يشاء فالآية بهذا النظر نظيرة قوله:{ قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا - إلى أن قال -: قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ:} إبراهيم: 11.

وقوله:{ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } تأييد وتحكيم لقوله:{وما أرسلنا قبلك إلا رجالا} أي إن كنتم تعلمون به فهو وإن لم تعلموا فارجعوا إلى أهل الذكر واسألوهم هل كانت الأنبياء الأولون إلا رجالا من البشر؟.

والمراد بالذكر الكتاب السماوي وبأهل الذكر أهل الكتاب فإنهم كانوا يشايعون المشركين في عداوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان المشركون يعظمونهم وربما شاوروهم في أمره وسألوهم عن مسائل يمتحنونه بها وهم القائلون للمشركين على المسلمين:{ هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا:} النساء: 51، والخطاب في قوله{فاسألوا} إلخ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكل من يقرع سمعه هذا الخطاب عالما كان أو جاهلا وذلك لتأييد القول وهو شائع في الكلام.

قوله تعالى:{ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} - إلى قوله - المسرفين} أي هم رجال من البشر وما سلبنا عنهم خواص البشرية بأن نجعلهم جسدا خاليا من روح الحياة لا يأكل ولا يشرب ولا عصمناهم من الموت فيكونوا خالدين بل هم بشر ممن خلق يأكلون الطعام وهو خاصة ضرورية ويموتون وهو مثل الأكل.

قوله تعالى:{ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} عطف على قوله المتقدم:{وما أرسلنا قبلك إلا رجالا} وفيه بيان عاقبة إرسالهم وما انتهى إليه أمر المسرفين من أممهم المقترحين عليهم الآيات، وفيه أيضا توضيح ما أشير إليه من هلاكهم في قوله:{من قرية أهلكناها} وتهديد للمشركين.

والمراد بالوعد في قوله:{ثم صدقناهم الوعد} ما وعدهم من النصرة لدينهم وإعلاء كلمتهم كلمة الحق كما في قوله:{ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}: الصافات: 173، إلى غير ذلك من الآيات.

وقوله:{فأنجيناهم ومن نشاء} أي: الرسل والمؤمنين وقد وعدهم النجاة كما يدل عليه قوله:{ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ }: يونس: 103، والمسرفون هم المشركون المتعدون طور العبودية، والباقي ظاهر.

قوله تعالى:{ لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} امتنان منه تعالى بإنزال القرآن على هذه الأمة، فالمراد بذكرهم الذكر المختص بهم اللائق بحالهم وهو آخر ما تسعه حوصلة الإنسان من المعارف الحقيقية العالية وأقوم ما يمكن أن يجري في المجتمع البشري من الشريعة الحنيفية والخطاب لجميع الأمة.

وقيل: المراد بالذكر الشرف، والمعنى: فيه شرفكم أن تمسكتم به تذكرون به كما فسر به قوله تعالى:{ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ:} الزخرف: 44، والخطاب لجميع المؤمنين أوللعرب خاصة لأن القرآن إنما نزل بلغتهم وفيه بعد.

قوله تعالى:{ وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} إلى آخر الآيات الخمس، القصم في الأصل الكسر، يقال: قصم ظهره أي كسره، ويكنى به عن الهلاك، والإنشاء الإيجاد، والإحساس الإدراك من طريق الحس، والبأس العذاب، والركض العدوبشدة الوطء، والإتراف التوسعة في النعمة، والحصيد المقطوع ومنه حصاد الزرع، والخمود السكون والسكوت.

والمعنى:{وكم قصمنا} وأهلكنا{من قرية} أي أهلها{كانت ظالمة} لنفسها بالإسراف والكفر{وأنشأنا} وأوجدنا{قوما آخرين فلما أحسوا} ووجدوا بالحس أي أهل القرية الظالمة{بأسنا} وعذابنا{إذا هم منها يركضون} ويعدون هاربين كالمنهزمين فيقال لهم توبيخا وتقريعا{لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه} من النعم{ومساكنكم} وإلى مساكنكم{لعلكم تسئلون} أي لعل المساكين وأرباب الحوائج يهجمون عليكم بالسؤال فتستكبروا عليهم وتختالوا أو تحتجبوا عنهم وهذا كناية عن اعتزازهم واستعلائهم وعد المتبوعين أنفسهم أربابا للتابعين من دون الله.

}قالوا} تندما{ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ } وهي كلمتهم يا ويلنا المشتملة على الاعتراف بربوبيته تعالى وظلم أنفسهم{ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا} محصودا مقطوعا{خامدين} ساكنين ساكتين كما تخمد النار لا يسمع لهم صوت ولا يذكر لهم صيت.

وقد وجه قوله:{لعلكم تسئلون} بوجوه أخرى بعيدة من الفهم تركنا التعرض لها.

_____________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج14،ص206- 208 .

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

كلّ الأنبياء كانوا بشراً:

قلنا: إنّ ستّة إشكالات وإيرادات قد أُعيد ذكرها في الآيات السابقة، وهذه الآيات التي نبحثها تجيب عنها، تارةً بصورة عامّة جامعة، وأُخرى تجيب عن بعضها بالخصوص.

ثمّ تطرّقت الآية التالية إلى جواب الإشكال الأوّل ـ خاصةً ـ حول كون النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشراً، فتقول: إنّك لست الوحيد في كونك نبيّاً، وفي نفس الوقت أنت بشر { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} فإنّ هذه حقيقة تاريخيّة يعرفها الجميع { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

من هم أهل الذكر؟

لا شكّ أنّ (أهل الذكر) تشمل من الناحية اللغوية كلّ العلماء والمطّلعين، والآية أعلاه تبيّن قانوناً عقلائيّاً عامّاً في مسألة (رجوع الجاهل إلى العالم) فإنّ مورد ومصداق الآية وإن كان علماء أهل الكتاب، إلاّ أنّ هذا لا يمنع من عمومية القانون. ولهذه العلّة إستدلّ علماء وفقهاء الإسلام بهذه الآية في مسألة «جواز تقليد المجتهدين المسلمين».

وإذا رأينا في بعض الرّوايات التي وصلتنا عن أهل البيت(عليهم السلام) بأنّ (أهل الذكر) قد فسّرت بعلي (عليه السلام) أو سائر الأئمّة (عليهم السلام)، فلا يعني ذلك الحصر، بل هو بيان لأوضح مصاديق هذا القانون الكلّي. ولزيادة الإيضاح حول هذا الموضوع، اقرأ تفسير الآية (43) من سورة النحل من هذا الكتاب.

ثمّ تعطي الآية التالية توضيحاً أكثر حول كون الأنبياء بشراً، فتقول: { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ}. وجملة (لا يأكلون الطعام)إشارة إلى ما جاء في موضع آخر من القرآن في نفس هذا الموضوع: {وقالوا ما لهذا الرّسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق}.(الفرقان،7)

وجملة (ما كانوا خالدين) أيضاً تكملة لنفس هذا المعنى، لأنّ المشركين كانوا يقولون: كان من الأفضل أن يُرسل ملك مكان البشر، ملك له الخلود، ولا تمتدّ إليه يد الموت! فأجابهم القرآن بأنّ أيّاً من الأنبياء السابقين لم يُكتب له الخلود حتّى يُكتب لرسول الله (محمّد) الخلود و «البقاء في هذه الدنيا».

على كلّ حال، فلا شكّ ـ كما قلنا ذلك مراراً ـ في أنّه يجب أن يكون قائد البشر ومرشدهم من جنسهم، بنفس تلك الغرائز والعواطف والأحاسيس والحاجات والعلاقات حتّى يحسّ بآلامهم وعذابهم، ولينتخب أفضل طرق العلاج باستلهامه من معلوماته ليكون قدوة واُسوة لكلّ البشر، ويقيم الحجّة على الجميع.

ثمّ تحذّر الآية وتهدّد المنكرين المتعصّبين العنودين، فتقول: إنّا كنّا قد وعدنا رسلنا بل ننقذهم من قبضة الأعداء، ونبطل كيد اُولئك الأشرار { ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ}.

أجل، فكما أنّ سنّتنا كانت إختيار قادة البشر من بين أفراد البشر، كذلك كانت سنّتنا أن نحميهم من مكائد المخالفين، وإذا لم تؤثّر المواعظ والنصائح المتلاحقة أثرها في المخالفين، فإنّنا سنطهّر الأرض من وجودهم القذر.

ومن المعلوم أنّ المراد من «ومن نشاء»: الإرادة التي تدور حول معيار الإيمان والعمل الصالح، كما أنّ من الواضح أيضاً أنّ المراد من «المسرفين» هنا هم الذين أسرفوا في حقّ أنفسهم ومجتمعهم الذي يعيشون فيه عن طريق إنكار الآيات الإلهيّة وتكذيب الأنبياء، ولهذا نرى القرآن في موضع آخر يقول: {كذلك حقّاً علينا ننجي المؤمنين}.(يونس ،103)

أمّا آخر آية من الآيات مورد البحث، فتجيب ـ مرّة أُخرى ـ في جملة قصيرة عميقة المعنى عن أكثر إشكالات المشركين، فتقول: {ولقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون} فإنّ كلّ من يتدبّر آيات هذا الكتاب الذي هو أساس التذكّر وحياة القلب، وحركة الفكر، وطهارة المجتمع، سيعلم جيداً أنّه معجزة واضحة وخالدة، ومع وجود هذه المعجزة البيّنة التي تظهر فيها آثار الإعجاز من جهات مختلفة .. من جهة الجاذبيّة الخارقة، ومن جهة المحتوى، الأحكام والقوانين، العقائد والمعارف، وو.. فهل لا زلتم بإنتظار معجزة أُخرى؟ أي معجزة تقدر أن تثبت أحقّية دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحسن من هذه المعجزة؟

وفضلا عمّا مرّ، فإنّ آيات هذا الكتاب تصرخ بأنّها ليست سحراً، بل هي حقائق وتعليمات غنيّة المحتوى وجذّابة، أتقولون بعد ذلك أنّها سحر؟

هل يمكن أن توصف هذه الآيات بأنّها أضغاث أحلام؟ فأين هي الأحلام المضطربة التي لا معنى لها من هذا الكلام المنسجم الموزون؟ وأين الثرى من الثريّا؟

هل يمكن أن تعتبر تلك الآيات كذباً وإفتراءً مع أنّ آثار الصدق بادية في كلّ مكان منها؟

أم أنّ من جاء بها كان شاعراً، في حين أنّ الشعر يدور حول محور الخيال، وآيات هذا الكتاب تدور كلّها حول محور الواقعيّات والحقائق؟

وبكلمة قصيرة، إنّ الدقّة والبحث في هذا الكتاب يثبت أنّ هذه الإدّعاءات متضادّة متناقضة غير منسجمة، وهي كلام المغرضين الجهلة.

وإختلف المفسّرون في معنى كلمة «ذكركم» في الآية آنفة الذكر، وذكروا لها تفاسير مختلفة.

فذهب بعضهم: إنّ المراد هو أنّ آيات القرآن منبع الوعي والتذكّر بين أفراد المجتمع، كما يقول القرآن في موضع آخر:{ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ }.(ق:45)

وقال آخرون: إنّ المراد أنّ هذا القرآن سيرفع إسمكم ومكانتكم في الدنيا، أي إنّه أساس عزّكم وشرفكم أيّها المؤمنون والمسلمون، أو أنتم أيّها العرب الذين نزل القرآن بلسانكم، وإذا اُخذ منكم فسوف لا يكون لكم اسم ولا رسم في العالم.

والبعض الآخر قالوا: إنّ المقصود هو أنّه قد ذكر في هذا القرآن كلّ ما تحتاجون إليه في اُمور الدين والدنيا، أو في مجال مكارم الأخلاق.

وبالرغم من أنّ هذه التفاسير لا ينافي بعضها بعضاً، ويمكن أن تكون مجتمعة في تعبير «ذكركم»، إلاّ أنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأظهر.

فإن قيل: كيف يكون هذا القرآن أساس الوعي واليقظة، في حين أنّ كثيراً من المشركين قد سمعوه فلم ينتبهوا؟

قلنا: إنّ كون القرآن موقظاً ومنبّهاً لا يعني إجباره الناس على هذا الوعي، بل إنّ الوعي مشروط بأن يريد الإنسان ويصمّم، وأن يفتح نوافذ قلبه أمام القرآن.

كيف وقع الظّالمون في قبضة العذاب؟

تبيّن هذه الآيات مصير المشركين والكافرين مع مقارنته بمصير الأقوام الماضين، وذلك بعد البحث الذي مرّ حول هؤلاء. فتقول الآية الاُولى: { وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ}.

فمع ملاحظة أنّ «القصم» يعني الكسر المقترن بالشدّة، بل ورد أحياناً بمعنى التفتيت والتقطيع، ومع ملاحظة التأكيد على ظلم هذه الأقوام وجورها، فإنّها توحي بأنّ الله سبحانه قد أعدّ أشدّ العقاب والإنتقام للأقوام الظالمين الجائرين.

وتشير الآية ضمناً إلى أنّكم إذا درستم تاريخ السابقين وبحثتم فيه فستعلمون بأنّ تهديدات نبي الإسلام لم تكن مزاحاً أو إعتباطاً، بل هي حقيقة مُرّة يجب أن تفكّروا فيها.

عند ذلك توضّح الآية حال هؤلاء عندما تتّسع دائرة العذاب لتشمل ديارهم العامرة، وعجزهم أمام العقاب الإلهي، فتقول: { فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ}(2) تماماً كفلول جيش منهزم يرون سيوف العدو مسلولة وراءهم فيتفرقّون في كلّ جانب.

إلاّ أنّه يقال لهؤلاء من باب التوبيخ والتقريع: { لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ }.

إنّ هذه العبارة قد تكون إشارة إلى أنّ هؤلاء حينما كانوا غارقين في تلك النعمة الوفيرة، كان السائلون وطالبو الحاجات يتردّدون دائماً إلى أبوابهم، يأتون والأمل يقدمهم، ويرجعون بالخيبة والحرمان، فالآية تقول لهم: إرجعوا وأعيدوا ذلك المشهد اللعين. وهذا في الحقيقة نوع من الإستهزاء والملامة.

وإحتمل بعض المفسّرين أن تكون جملة (لعلّكم تُسألون) إشارة إلى قدرة وثروة هؤلاء في الدنيا، حيث كانوا يجلسون في زاوية وعلائم الاُبّهة والكبرياء بادية عليهم، وكان الخدم يأتون إليهم ويحضرون عندهم بصورة متوالية ويسألون إن كان لديهم أمر أو عمل يقومون به.

أمّا من هو قائل هذا الكلام؟ فلم تُصرّح الآية به، فمن الممكن أن يكون نداء بواسطة ملائكة الله، أو أنبيائه ورسله، أو نداء صادر من داخل ضميرهم الخفي ووجدانهم.

في الحقيقة إنّه نداء إلهي يقول لهؤلاء: لا تفرّوا وارجعوا، وكان يصل إليهم بإحدى هذه الطرق الثلاث.

والجميل هنا أنّه قد رُكّز على المسكن خاصّة من بين كلّ النعم الماديّة، وربّما كان ذلك بسبب أنّ أوّل وسائل إستقرار الإنسان هو وجود سكن مناسب. أو أنّ الإنسان يصرف أكثر مورد حياته في بيته، وكذلك فإنّ أشدّ تعلّقه إنّما يكون بمسكنه.

على كلّ حال، فإنّ هؤلاء يعون في هذا الوقت حقيقة الأمر، ويرون ما كانوا يظنّونه مزاحاً من قبل قد تجلّى أمامهم بصورة جديّة تماماً، فتعلو صرختهم: {قالوا ياويلنا إنّا كنّا ظالمين}.

إلاّ أنّ هذا الوعي الإضطراري للإنسان عندما يواجه مشاهد العذاب لا قيمة له، ولا يؤثّر في تغيير مصير هؤلاء، ولذلك فإنّ القرآن في آخر آية من الآيات محلّ البحث يضيف: { فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا} فيلقونهم على الأرض كالزرع المحصود، وتبدّل مدينتهم التي غمرتها الحياة والحركة والعمران إلى قبور مهدّمة مظلمة، فيصبحوا (خامدين)(3).

_______________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص234-239.

2ـ «الركض» يأتي بمعنى ركض الإنسان بنفسه، أو بمعنى إركاض المركب والدابّة، ويأتي أحياناً بمعنى ضرب الرجل على الأرض مثل (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) سورة ص ـ 42.

3ـ خامد من مادّة الخمود، بمعنى إنطفاء النّار، ثُمّ اُطلقت على كلّ شيء يفقد حركته وفاعليّته ونشاطه.

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .