المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

احتياطات تداول المبيدات وسوء استخدامها
8-2-2016
قانون الجذب العام (New tons Law of Universal Gravity)
31-8-2017
تفسير آية (30) من سورة النساء
10-2-2017
زكار أبو سليمان
3-9-2017
المكافحة غير الكيميائية للاكاروسات
4-7-2021
Pulling Strings
1-8-2016


تفسير الأية (83-91) من سورة الأنبياء  
  
16098   06:16 مساءً   التاريخ: 14-9-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنبياء /

 

قال تعالى: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86) وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ  } [الأنبياء: 83 - 91]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ} أي: واذكر يا محمد أيوب حين دعا ربه لما امتدت المحنة به { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} أي: نالني الضر وأصابني الجهد { وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} أي: ولا أحد أرحم منك وهذا تعريض منه بالدعاء لإزالة ما به من البلاء وهو من لطيف الكنايات في طلب الحاجات ومثله قول موسى رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير {فاستجبنا له} أي: أجبنا دعاءه ونداءه { فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} أي: أزلنا ما به من الأوجاع والأمراض.

 { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} قال ابن عباس وابن مسعود رد الله سبحانه عليه أهله الذين هلكوا بأعيانهم وأعطاه مثلهم معهم وكذلك رد الله عليه أمواله ومواشيه بأعيانها وأعطاه مثلها معها وبه قال الحسن وقتادة وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقيل أنه خير أيوب فاختار إحياء أهله في الآخرة ومثلهم في الدنيا فأوتي على ما اختار عن عكرمة ومجاهد قال وهب وكان له سبع بنات وثلاثة بنين وقال ابن يسار سبعة بنين وسبع بنات.

 { رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} أي: نعمة منا عليه { وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} أي: موعظة لهم في الصبر والانقطاع إلى الله تعالى والتوكل عليه لأنه لم يكن في عصر أيوب أحد أكرم على الله منه فابتلاه بالمحن العظيمة فأحسن الصبر عليها فينبغي لكل عاقل إذا أصابته محنة أن يصبر عليها ولا يجزع ويعلم أن عاقبة الصبر محمودة { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ} أي: واذكر هؤلاء الأنبياء وما أنعمت عليهم من فنون النعمة.

 ثم قال { كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} صبروا على بلاء الله والعمل بطاعته فأما إسماعيل فإنه صبر ببلد لا زرع به ولا ضرع وقام ببناء الكعبة وأما إدريس فإنه صبر على الدعاء إلى الله وكان أول من بعث إلى قومه فدعاهم إلى الدين فأبوا فأهلكهم الله تعالى ورفعه إلى السماء السادسة وأما ذوالكفل فاختلف فيه فقيل أنه كان رجلا صالحا ولم يكن نبيا ولكنه تكفل لنبي بصوم النهار وقيام الليل وأن لا يغضب ويعمل بالحق فوفى بذلك فشكر الله ذلك له عن أبي موسى الأشعري وقتادة ومجاهد وقيل هو نبي اسمه ذوالكفل عن الحسن قال ولم يقص الله خبره مفصلا وقيل هو إلياس عن ابن عباس وقيل كان نبيا وسمي ذا الكفل بمعنى أنه ذوالضعف فله ضعف ثواب غيره ممن هو في زمانه لشرف عمله عن الجبائي وقيل هو اليسع بن خطوب الذي كان مع إلياس وليس اليسع الذي ذكره الله في القرآن تكفل لملك جبار إن هوتاب دخل الجنة ودفع إليه كتابا بذلك فتاب الملك وكان اسمه كنعان فسمي ذا الكفل والكفل في اللغة هو الخط .

وفي كتاب النبوة بالإسناد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) أسأله عن ذي الكفل وما اسمه وهل كان من المرسلين فكتب (عليه السلام) أن الله بعث مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي المرسلين منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا وإن ذا الكفل منهم وكان بعد سليمان بن داود (عليهماالسلام) وكان يقضي بين الناس كما يقضي داود (عليه السلام) ولم يغضب قط إلا لله تعالى وكان اسمه عدويا بن أدارين { وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا} أي: وأدخلنا هؤلاء الذين ذكرناهم من الأنبياء في نعمتنا وأراد غمرناهم بالرحمة ولوقال رحمناهم لما أفاد ذلك بل أفاد أنه فعل بهم الرحمة { إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ} أي: إنما أدخلناهم في رحمتنا لأنهم كانوا ممن صلحت أعمالهم .

ثم ذكر سبحانه قصة يونس (عليه السلام) فقال { وَذَا النُّونِ} أي: واذكر ذا النون والنون الحوت وصاحبها يونس بن متى {إذ ذهب} أي: حين ذهب {مغاضبا} لقومه عن ابن عباس والضحاك أي مراغما لهم من حيث أنه دعاهم إلى الإيمان مدة طويلة فلم يؤمنوا حتى أوعدهم الله بالعذاب فخرج من بينهم مغاضبا لهم قبل أن يؤذن له { فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي: لن نضيق عليه عن عطا وجماعة من المفسرين وقيل ظن أن لن نقضي عليه ما قضيناه والقدر بمعنى القضاء عن مجاهد وقتادة والكلبي والجبائي قال الجبائي ضيق الله عليه الطريق حتى ألجأه إلى ركوب البحر ثم قذف فيه فابتلعته السمكة.

 ومن قال أنه خرج مغاضبا لربه وأنه ظن أن لن يقدر الله على أخذه بمعنى أنه يعجز عنه فقد أساء الثناء على الأنبياء فإن مغاضبة الله كفر أوكبيرة عظيمة وتجويز العجز على الله سبحانه كذلك فكيف يجوز ذلك على نبي من أنبياء الله تعالى وقال ابن زيد إنه استفهام معناه التوبيخ وتقديره فظن إن لن نقدر عليه وأنكره علي بن عيسى وقال لا يجوز حذف الاستفهام من غير دليل عليه وقد جاء في كلام العرب حذفه على خلاف ما قاله أنشد النحويون قول عمر بن أبي ربيعة :

ثم قالوا تحبها قلت بهرا                           عدد القطر والحصى والتراب(2)

 أي: أ تحبها { فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} قيل إنها ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت عن ابن عباس وقتادة وقيل كان حوت في بطن حوت عن سالم بن أبي الجعد { أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ} لما أراد السؤال والدعاء قدم ذكر التوحيد والعدل ثم قال {إني كنت من الظالمين} أي: من الذين يقع منهم الظلم وإنما قاله على سبيل الخشوع والخضوع لأن جنس البشر لا يمتنع منه وقوع الظلم قال الجبائي لم يكن يونس في بطن الحوت على جهة العقوبة من الله تعالى لأن العقوبة عداوة للمعاقب لكن كان ذلك على وجه التأديب والتأديب يجوز للمكلف وغير المكلف كتأديب الصبي وغيره وبقاؤه في بطن الحوت حيا معجزة له { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} أي: من بطن الحوت { وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} أي: ننجيهم إذا دعونا به كما أنجينا ذا النون.

 ثم قال سبحانه {وزكريا} أي: واذكر زكريا {إذ نادى ربه} ودعاه يا { رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا} بغير وارث ولا ولد يعينني على أمر الدين والدنيا في حياتي ويرثني بعد وفاتي { وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} هذا ثناء على الله سبحانه بأنه الباقي بعد فناء خلقه وأنه خير من بقي حيا بعد ميت وإن الخلق كلهم يموتون ويبقى هو سبحانه {فاستجبنا له ووهبنا له يحيى} روى الحرث بن المغيرة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ) إني من أهل بيت قد انقرضوا وليس لي ولد فقال ادع وأنت ساجد رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء { رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} قال ففعلت فولد لي علي والحسين.

 { وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ } بأن كانت عقيمة فجعلناها ولودا عن قتادة وقيل كانت هرمة فرددنا عليها شبابها عن أبي مسلم وقيل كانت سيئة الخلق فجعلناها حسنة الخلق {إنهم} يعني زكريا ويحيى وقيل معناه أن الأنبياء الذين تقدم ذكرهم { كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} أي: يبادرون إلى الطاعات والعبادات {ويدعوننا رغبا ورهبا} أي: للرغبة والرهبة رغبة في الثواب ورهبة من العقاب وقيل راغبين وراهبين عن الضحاك وقيل رغبا ببطون الأكف ورهبا بظهور الأكف.

 { وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} أي: متواضعين عن ابن عباس وقيل الخشوع المخافة الثابتة في القلب عن الحسن وقيل معناه أنهم قالوا حال النعمة اللهم لا تجعلها استدراجا وحال السيئة اللهم لا تجعلها عقوبة بذنب سلف منا وفي قوله سبحانه { يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} دلالة على أن المسارعة إلى كل طاعة مرغب فيها وعلى أن الصلاة في أول الوقت أفضل .

ثم عطف سبحانه على ما تقدم بقصة عيسى (عليه السلام) فقال { وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} يعني مريم ابنة عمران أي: واذكر مريم التي حفظت فرجها وحصنته وعفت وامتنعت من الفساد { فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} أي: أجرينا فيها روح المسيح كما يجري الهواء بالنفخ فأضاف الروح إلى نفسه على وجه الملك تشريفا له في الاختصاص بالذكر وقيل إن معناه أمرنا جبرائيل فنفخ في جيب درعها فخلقنا المسيح في رحمها { وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} إنما قال آية ولم يقل آيتين لأنه في موضع دلالة فلا يحتاج إلى أن تثنى الآية فيهما أنها جاءت به من غير فحل فتكلم في المهد بما يوجب براءة ساحتها من العيب.

_______________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج7،ص106-111.

2- قوله ((بهراً)) أي :بهرني بهراً بمعنى غلبني غلباً اي :أحبها حباً بهرني بهراً.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ وأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ } . قال المفسرون والرواة الكثير عن أيوب ، وتفننوا بالقول . .

والذي دلت عليه الآيات تصريحا وتلويحا هنا وفي سورة ص ان أيوب كان في عافية وهناء ، ثم تراكم عليه البلاء ، وأحاط به من كل جانب ، حتى صار مضرب الأمثال ، فأصيب بنفسه وأهله ، فصبر صبر الأحرار ، وبقي على ثقته ويقينه باللَّه لا يشغله عن طاعته حزن ولا ألم ، ولما طال عليه الأمد ، واشتدت وطأة الآلام ، ولم يجد منها مخرجا شكا أمره إلى اللَّه بكلمتين : مسني البلاء ، وأنت رحيم وكريم . . قال : مسني ، ولم يقل : تفاقم وتراكم كيلا تشعر شكواه بالضجر وعدم الصبر ، فاستجاب سبحانه إلى شكواه ، وكشف بلواه ، وأعاده إلى أحسن مما كان .

{ وآتَيْناهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وذِكْرى لِلْعابِدِينَ }. رزقه اللَّه من الأولاد والأحفاد ضعف من فقده منهم رحمة به وجزاء على صبره ، وتذكيرا بأن من صبر كما صبر أيوب تكون عاقبته تماما كعاقبته ، وخص سبحانه العابدين بالذكر للإشارة إلى أن اللَّه مع الصابر المحتسب المخلص له في أقواله وأفعاله .

هذا مجمل ما دلت عليه الآيات المتعلقة بأيوب ، ولم تتعرض للتفاصيل التي ذكرها الرواة والقصاصون لأنها لا تتصل بالعقيدة ولا بالحياة من قريب أوبعيد ، ومن طريقة القرآن أن يذكر من القصة ما فيه عبرة نافعة ، وعظة رادعة .

{وإِسْماعِيلَ وإِدْرِيسَ وذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ وأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ }. صبر إسماعيل على الانقياد للذبح ، وصبر في بلد لا زرع فيه ولا ضرع ، وذكرنا إدريس عند تفسير الآية 56 من سورة مريم ، أما ذوالكفل فقال الأكثرون : انه نبي ، وقال جماعة : انه عبد صالح وليس بنبي ، ونحن نؤمن بأنه من الصابرين الصالحين تبعا لنص القرآن ، ولسنا بمسؤولين عن غير ذلك .

{وذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهً إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }. النون الحوت ، وذا النون يونس ، قال تعالى : {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ولا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ} - 48 القلم . ومغاضبا أي لقومه . ولن نقدر عليه لن نضيّق عليه كما في الآية 7 من سورة الطلاق : {ومَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} . والمراد بالظلمات هنا بطن الحوت ، ومجمل المعنى اذكر يا محمد خبر يونس حين دعا قومه إلى الايمان باللَّه ، فلم يستجيبوا لدعوته ، فضجر منهم وخرج عنهم مغاضبا لهم ، فظن أن لن نضيق عليه بالحبس وغيره ، فلما التقمه الحوت استغاث بنا { فَاسْتَجَبْنا لَهُ ونَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }. المراد بالغم هنا بطن الحوت ، وبالنجاة إخراجه من بطن الحوت إلى البر ، وتقدم الكلام عن ذلك عند تفسير الآية 98 من سورة يونس ج 4 ص 193 .

{ وزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ فَاسْتَجَبْنا لَهُ ووَهَبْنا لَهُ يَحْيى وأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ } . تقدم نظيره في الآية 38 وما بعدها من سورة آل عمران ج 2 ص 53 والآية 7 وما بعدها من سورة مريم { إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ ويَدْعُونَنا رَغَباً ورَهَباً وكانُوا لَنا خاشِعِينَ } . ضمير انهم لزكريا وزوجه ويحيى ، أولمن تقدم ذكره من الأنبياء ، وكلهم فعلوا الخيرات رغبة في ثواب اللَّه ، ورهبة من عقابه ، وكلهم كانوا منقادين له في كل شيء .

{ والَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وجَعَلْناها وابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ } .

تقدم في الآية 45 وما بعدها من سورة آل عمران ج 2 ص 63 والآية 16 وما بعدها من سورة مريم .

_____________

1- التفسير الكاشف، ج 5، محمد جواد مغنية، ص 295-296.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} الضر بالضم خصوص ما يمس النفس من الضرر كالمرض والهزال ونحوهما وبالفتح أعم.

وقد شملته (عليه السلام) البلية فذهب ماله ومات أولاده وابتلي في بدنه بمرض شديد مدة مديدة ثم دعا الله وشكى إليه حاله فاستجاب الله له ونجاه من مرضه وأعاد عليه ماله وولده ومثلهم معهم وهوقوله في الآية التالية:{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} أي نجيناه من مرضه وشفيناه{وآتيناه أهله} أي من مات من أولاده{ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} ليتذكروا ويعلموا أن الله يبتلي أولياءه امتحانا منه لهم ثم يؤتيهم أجرهم ولا يضيع أجر المحسنين.

وستجيء قصة أيوب (عليه السلام) في سورة ص إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى:{ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ} إلخ.

أما إدريس (عليه السلام) فقد تقدمت قصته في سورة مريم، وأما إسماعيل فستجيء قصته في سورة الصافات، وتأتي قصة ذي الكفل في سورة ص إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى:{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} إلخ.

النون الحوت وذوالنون هو يونس النبي ابن متى صاحب الحوت الذي بعث إلى أهل نينوى فدعاهم فلم يؤمنوا فسأل الله أن يعذبهم فلما أشرف عليهم العذاب تابوا وآمنوا فكشفه الله عنهم ففارقهم يونس فابتلاه الله أن ابتلعه حوت فناداه تعالى في بطنه فكشف عنه وأرسله ثانيا إلى قومه.

وقوله:{ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} أي واذكر ذا النون إذ ذهب مغاضبا أي لقومه حيث لم يؤمنوا به فظن أن لن نقدر عليه أي لن نضيق عليه من قدر عليه رزقه أي ضاق كما قيل.

ويمكن أن يكون قوله:{ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} واردا مورد التمثيل أي كان ذهابه هذا ومفارقة قومه ذهاب من كان مغاضبا لمولاه وهو يظن أن مولاه لن يقدر عليه وهو يفوته بالابتعاد منه فلا يقوى على سياسته وأما كونه (عليه السلام) مغاضبا لربه حقيقة وظنه أن الله لا يقدر عليه جدا فمما يجل ساحة الأنبياء الكرام عن ذلك قطعا وهم معصومون بعصمة الله.

وقوله:{فنادى في الظلمات} إلخ.

فيه إيجاز بالحذف والكلام متفرع عليه والتقدير فابتلاه الله بالحوت فالتقمه فنادى في بطنه ربه، والظاهر أن المراد بالظلمات كما قيل - ظلمة البحر وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل.

وقوله:{ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ} تبر منه (عليه السلام) مما كان يمثله ذهابه لوجهه ومفارقته قومه من غير أن يؤمر فإن ذهابه ذلك كان يمثل - وإن لم يكن قاصدا ذلك متعمدا فيه - أن هناك مرجعا يمكن أن يرجع إليه غير ربه فتبرأ من ذلك بقوله لا إله إلا أنت، وكان يمثل أن من الجائز أن يعترض على فعله فيغاضب منه وأن من الممكن أن يفوته تعالى فائت فيخرج من حيطة قدرته فتبرأ من ذلك بتنزيهه بقوله: سبحانك.

وقوله:{ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} اعتراف بالظلم من حيث إنه أتى بعمل كان يمثل الظلم وإن لم يكن ظلما في نفسه ولا هو(عليه السلام) قصد به الظلم والمعصية غير أن ذلك كان تأديبا منه تعالى وتربية لنبيه ليطأ بساط القرب بقدم مبرأة في مشيتها من تمثيل الظلم فضلا عن نفس الظلم.

قوله تعالى:{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} هو(عليه السلام) وإن لم يصرح بشيء من الطلب والدعاء، وإنما أتى بالتوحيد والتنزيه واعترف بالظلم لكنه أظهر بذلك حاله وأبدى موقفه من ربه وفيه سؤال النجاة والعافية فاستجاب الله له.

ونجاه من الغم وهو الكرب الذي نزل به.

وقوله:{ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} وعد بالإنجاء لمن ابتلي من المؤمنين بغم ثم نادى ربه بمثل ما نادى به يونس (عليه السلام) وستجيء قصته (عليه السلام) في سورة الصافات إن شاء الله.

قوله تعالى: { وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} معطوف على ما عطف عليه ما قبله أي واذكر زكريا حين نادى ربه يسأل ولدا وقوله:{رب لا تذرني فردا} بيان لندائه، والمراد بتركه فردا أن يترك ولا ولد له يرثه.

وقوله:{وأنت خير الوارثين} ثناء وتحميد له تعالى بحسب لفظه ونوع تنزيه له بحسب المقام إذ لما قال:{لا تذرني فردا} وهو كناية عن طلب الوارث والله سبحانه هوالذي يرث كل شيء نزهه تعالى عن مشاركة غيره له في معنى الوراثة ورفعه عن مساواة غيره فقال:{وأنت خير الوارثين}.

قوله تعالى:{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} إلخ.

ظاهر الكلام أن المراد بإصلاح زوجه أي زوج زكريا له جعلها شابة ولودا بعد ما كانت عاقرا كما يصرح به في دعائه{وكانت امرأتي عاقرا:} مريم: 8.

وقوله:{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} ظاهر السياق أن ضمير الجمع لبيت زكريا، وكأنه تعليل لمقدر معلوم من سابق الكلام والتقدير نحومن قولنا: أنعمنا عليهم لأنهم كانوا يسارعون في الخيرات.

والرغب والرهب مصدران كالرغبة والرهبة بمعنى الطمع والخوف وهما تمييزان إن كانا باقيين على معناهما المصدري وحالان إن كانا بمعنى الفاعل والخشوع هوتأثر القلب من مشاهدة العظمة والكبرياء.

والمعنى: أنعمنا عليهم لأنهم كانوا يسارعون في الخيرات من الأعمال ويدعوننا رغبة في رحمتنا أوثوابنا رهبة من غضبنا أوعقابنا أويدعوننا راغبين راهبين وكانوا لنا خاشعين بقلوبهم.

وقد تقدمت قصة زكريا ويحيى (عليهما السلام) في أوائل سورة مريم.

قوله تعالى:{ وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} المراد بالتي أحصنت فرجها مريم ابنة عمران وفيه مدح لها بالعفة والصيانة ورد لما اتهمها به اليهود.

وقوله:{فنفخنا فيها من روحنا} الضمير لمريم والنفخ فيها من الروح كناية عن عدم استناد ولادة عيسى (عليه السلام) إلى العادة الجارية في كينونة الولد من تصور النطفة أولا ثم نفخ الروح فيها فإذا لم يكن هناك نطفة مصورة لم يبق إلا نفخ الروح فيها وهي الكلمة الإلهية كما قال:{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ:} آل عمران: 59 أي مثلهما واحد في استغناء خلقهما عن النطفة.

وقوله:{وجعلناها وابنها آية للعالمين} أفرد الآية فعدهما أعني مريم وعيسى (عليهما السلام) معا آية واحدة للعالمين لأن الآية هي الولادة كذلك وهي قائمة بهما معا ومريم أسبق قدما في إقامة هذه الآية ولذا قال تعالى:{وجعلناها وابنها آية} ولم يقل: وجعلنا ابنها وإياها آية.

وكفى لها فخرا أن يدخل ذكرها في ذكر الأنبياء (عليهم السلام) في كلامه تعالى وليست منهم.

____________

1- تفسير الميزان،الطباطبائي،ج14،ص256-259.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

أيّوب ونجاته من المصاعب:

تتحدّث الآيتان عن نبي آخر من أنبياء الله العظماء وقصّته المُلهمة، وهو «أيّوب» وهو عاشر نبي اُشير إلى جانب من حياته في سورة الأنبياء.

إنّ لأيّوب قصّة حزينة، وهي في نفس الوقت عظيمة سامية، فقد كان صبره وتحمّله عجيبين، خاصّةً أمام الحوادث المرّة، بحيث أنّ صبر أيّوب أصبح مضرباً للمثل منذ القدم.

غير أنّ هاتين الآيتين تشيران ـ بصورة خاصّة ـ إلى مرحلة نجاته وإنتصاره على المصاعب، وإستعادة ما فقده من المواهب، ليكون درساً لكلّ المؤمنين على مرّ الدهور ليغوصوا في المشاكل ويخترقوها، ولا سيّما لمؤمني مكّة الذين كانوا يُعانون ضغوطاً من أعدائهم عند نزول هذه الآيات، فتقول:{ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.

وكلمة «الضرّ». تطلق على كلّ سوء وأذى يصيب روح الإنسان أو جسمه، وكذلك لنقص عضو، وذهاب مال، وموت الأعزّة وإنهيار الشخصيّة وأمثال ذلك، وكما سنقول فيما بعد، فإنّ أيّوب قد إبتلي بكثير من هذه المصائب.

إنّ أيّوب ـ كسائر الأنبياء ـ يُظهر أقصى حالات الأدب والخضوع أمام الله عند الدعاء لرفع هذه المشاكل المضنية المجهدة، ولا يعبّر بتعبير تُشمّ منه رائحة الشكوى، بل يقول فقط: إنّي ابتليت بهذه المصائب وأنت أرحم الراحمين، فهو حتّى لا يقول: حلّ مشكلتي، لأنّه يعلم أنّه جليل عظيم، وهو يعرف حقّ العظمة.

وتقول الآية التالية: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} ليعلم المسلمون أنّ المشاكل كلّما زادت، وكلّما زادت الإبتلاءات، وكلّما زاد الأعداء من ضغوطهم وضاعفوا قواهم، فإنّها جميعاً ترفع وتحلّ بنظرة ومنحة من لطف الله، فلا تجبر الخسارة وحسب، بل إنّ الله سبحانه يعطي الصابرين أكثر ممّا فقدوا جزاءً لصبرهم وثباتهم، وهذا درس وعبرة لكلّ المسلمين، وخاصةً المسلمين الذين كانوا تحت محاصرة العدو الشديدة، وتحت ضغط المشاكل عند نزول هذه الآيات.

إسماعيل وإدريس وذو الكفل(عليه السلام):

تعقيباً على قصّة أيّوب(عليه السلام) التربوية، وصبره وثباته بوجه سيل الحوادث، تشير الآيتان ـ محلّ البحث ـ إلى صبر ثلاثة من أنبياء الله الآخرين فتقول الأُولى: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} فكلّ واحد من هؤلاء صبر طوال عمره أمام الأعداء، أو أمام مشاكل الحياة المجهدة المضنية، ولم يركع أبداً في مقابل هذه الحوادث، وكان كلّ منهم مثلا أعلى في الصبر والإستقامة.

ثمّ تبيّن الآية الاُخرى موهبة إلهيّة لهؤلاء مقابل الصبر والثبات، فتقول: {وأدخلناهم في رحمتنا إنّهم من الصالحين}.

ممّا يلفت النظر هنا أنّه لم يقل: وهبناهم رحمتنا، بل قال: وأدخلناهم في رحمتنا، فكأنّ كلّ أجسامهم وأرواحهم أصبحت غارقة في الرحمة الإلهيّة، بعد أن كانت غارقة في بحر المشاكل.

إدريس وذو الكفل(عليهما السلام):

«إدريس» ـ نبي الله العظيم ـ وكما تقدّم ـ هو جدّ والد نوح(عليه السلام) وفقاً لما رواه أغلب المفسّرين، وإسمه في التوّراة (أخنوخ) وفي العربية (إدريس) ويرى بعضهم أنّ إدريس مشتق من مادّة الدرس، لأنّه كان أوّل من كتب بالقلم، وكان ذا إحاطة بعلم الفلك والنجوم والحساب والهيأة بالإضافة إلى كونه نبيّاً .. ويقال أنّه أوّل من علّم الناس خياطة الثياب.

وأمّا «ذو الكفل»، فالمشهور أنّه كان من الأنبياء(2)، وإن كان بعضهم يعتقد أنّه كان من الصالحين. وظاهر آيات القرآن التي ذكرته في عداد الأنبياء يؤيّد أنّه من الأنبياء، وأغلب الظنّ أنّه كان من أنبياء بني إسرائيل(3).

وهناك إحتمالات عديدة في سبب تسميته بهذا الإسم، مع ملاحظة أنّ كلمة «كفل» جاءت بمعنى النصيب، وكذلك بمعنى الكفالة والضمان والتعهّد.

فقال بعضهم: إنّ الله سبحانه لمّا غمره بنصيب وافر من ثوابه ورحمته في مقابل الأعمال والعبادات الكثيرة التي كان يؤدّيها سمّي ذا الكفل، أي صاحب الحظّ الأوفى.

وقال آخرون: إنّه لمّا تعهّد بأن يحيي الليل في العبادة ويصوم النهار، وأن لا يغضب عند الحكم، وأن يفي بوعده أبداً، لذلك سمّي بذي الكفل.

ويعتقد بعضهم ـ أيضاً ـ أنّ «ذا الكفل» لقب «إلياس»، كما أنّ إسرائيل لقب يعقوب، والمسيح لقب عيسى، وذا النون لقب يونس(4). على نبيّنا وآله وعليهم الصلاة والسلام ..

نجاة يونس من السجن المرعب:

تبيّن هاتان الآيتان جانباً من قصّة النّبي الكبير يونس(عليه السلام)، حيث تقول الأُولى واذكر يونس إذ ترك قومه المشركين غاضباً عليهم: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا}.

كلمة «النون» في اللغة تعني السمكة العظيمة، أو بتعبير آخر تعني الحوت، وبناءً على هذا فإنّ «ذا النون» معناه صاحب الحوت، وإختيار هذا الإسم ليونس بسبب الحادثة التي سنشير إليها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وعلى كلّ حال، فإنّه ذهب مغاضباً {فظنّ أن لن نقدر(5) عليه} فقد كان يظنّ أنّه قد أدّى كلّ رسالته بين قومه العاصين، ولم يترك حتّى «الأُولى» في هذا الشأن، فلو تركهم وشأنهم فلا شيء عليه، مع أنّ الأولى هو بقاؤه بينهم والصبر والتحمّل والتجلّد، فلعلّهم ينتبهون من غفلتهم ويتجّهون إلى الله سبحانه.

وأخيراً، ونتيجة تركه الأولى هذا، ضيّقنا عليه فابتلعه الحوت {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فقد ظلمت نفسي، وظلمت قومي، فقد كان ينبغي أن أتقبّل وأتحمّل أكثر من هذه الشدائد والمصائب، وأُواجه جميع أنواع التعذيب والآلام منهم فلعلّهم يهتدون.

وتقول الآية التالية: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ}أجل لم يكن هذا الأمر خاصّاً بيونس، بل هو لطف الله الشامل فكلّ مؤمن يعتذر من ربّه عن تقصيره ويسأله العون والمدد والرحمة فإنّ الله سيستجيب له ويكشف عنه غمّه.

نجاة زكريا من الوحدة:

تبيّن هاتان الآيتان جانباً من قصّة شخصيتين اُخريين من أنبياء الله العظماء، وهما زكريا ويحيى(عليهما السلام). فتقول الأُولى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}.

لقد مرّت سنين من عمر زكريا، واشتعل رأسه شيباً، ولم يرزق الولد حتّى ذلك الحين، ثمّ أنّ زوجته كانت عقيماً، وقد كان يأمل أن يُرزق ولداً يستطيع أن يُكمل مناهجه الإلهيّة وأعماله التبليغيّة، ولئلاّ يتسلّط المنتفعون على معبد بني إسرائيل، فينهبوا منه أمواله وهداياه التي ينبغي إنفاقها في سبيل الله.

وعندئذ توجّه إلى الله بكلّ وجوده وسأله ولداً صالحاً .. ودعا الله دعاءً يفيض تأدّباً، فبدأ دعاءَه بكلمة «ربّ»، الربّ الذي يشمل الإنسان بلطفه من أوّل لحظة.

ثمّ أكّد زكريا(عليه السلام) على هذه الحقيقة، وهي أنّي إن بقيت وحيداً فسأُنسى ـ ولا أُنسى وحدي، بل ستُنسى مناهجي وسيرتي أيضاً; أكّد كلّ ذلك بتعبير {لا تذرني}من مادّة (وذر) على وزن مرز بمعنى ترك الشيء لقلّة قيمته وعدم أهميّته. وأخيراً فإنّ جملة {وأنت خير الوارثين} تعبّر عن حقيقة أنّه يعلم أنّ هذه الدنيا ليست دار بقاء، ونعلم أنّ الله خير الوارثين، ولكنّه يبحث ـ من جهة عالم الأسباب ـ عن سبب يوصله إلى هذا الهدف ..

فاستجاب الله هذا الدعاء الخالص المليء بعشق الحقيقة، وحقّق اُمنيته وما كان يصبوا إليه، كما تقول الآية: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} ومن أجل الوصول إلى هذا المراد أصلحنا زوجته وجعلناها قادرة على الإنجاب (وأصلحنا له زوجه).

ثمّ أشار الله سبحانه إلى ثلاث صفات من الصفات البارزة لهذه الاُسرة فقال: {إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً(6) وكانوا لنا خاشعين} والخشوع هو الخضوع المقرون بالإحترام والأدب، وكذلك الخوف المشفوع بالإحساس بالمسؤولية.

إنّ ذكر هذه الصفات الثلاث ربّما تكون إشارة إلى أنّ هؤلاء عندما يصلون إلى النعمة فلا يبتلون بالغفلة والغرور كما في الأشخاص الماديين من ضعفاء الإيمان، فهؤلاء لا ينسون الضعفاء المحتاجين على كلّ حال، ويسارعون في الخيرات، ويتوجّهون إلى الله سبحانه في حال الفقر والغنى، والمرض والصحّة، وأخيراً فإنّهم لا يبتلون بالكبر والغرور عند إقبال النعمة، بل كانوا خاشعين خاضعين أبداً.

مريم السيّدة الطاهرة:

اُشير في هذه الآية إلى مقام مريم وعظمتها وعظمة إبنها المسيح (عليهما السلام).

إنّ ذكر مريم في ثنايا البحوث التي تتكلّم على الأنبياء الكرام; إمّا من أجل ولدها عيسى (عليه السلام)، أو لأنّ ولادته كانت تشبه ولادة يحيى بن زكريا(عليهما السلام) من جهات متعدّدة، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في ذيل آيات سورة مريم(7). أو ليوضّح أنّ العظمة غير مختّصة بالرجال، بل هناك نساء عظيمات يدلّ تاريخهنّ على عظمتهنّ، وكنّ قدوة ومثلا أسمى لنساء العالم.

تقول الآية: واذكر مريم: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ}.

_____________

1- تفسير الامثل،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص309-321.

2ـ التّفسير الكبير للفخر الرازي، ذيل الآية مورد البحث.

3ـ تفسير في ظلال القرآن، الجلد5، ص556.

4- تفسير الفخر الرازي، ذيل الآية مورد البحث، ونقرأ في التأريخ الكامل: إنّ الكفل كان أحد أولاد أيّوب، وكان إسمه الأصلي (بشر) وكان يعيش في أرض الشام. الكامل لابن الأثير، ج1، ص136.

5ـ «نقدر» من مادّة قدر بمعنى التعسير والتضييق، لأنّ الإنسان عند التضييق يأخذ من كلّ شيء قدراً محدوداً، لا على نطاق واسع وبدون حساب.

6- «رغباً» بمعنى الرغبة والميل والعلاقة، و «رهباً» بمعنى الخوف والرعب، وهناك إحتمالات متعدّدة في محلّها من الإعراب، فيمكن أن تكون حالا أو تمييزاً أو مفعولا مطلقاً، أو ظرفاً أي في حال الرغبة وفي حال الرهبة. وبالرغم من أنّ نتائج هذه الإحتمالات الخمسة تختلف مع بعضها، إلاّ أنّ هذا التفاوت في جزئيات مفهوم الآية، لا في أساسها ونتيجتها.

7- تراجع الآيات الأُولى من سورة مريم.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .