أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-5-2016
3539
التاريخ: 9-3-2017
2719
التاريخ: 5-3-2020
1721
التاريخ: 2023-02-20
1094
|
الموضوع : تصرف الورثة في أعيان التركة قبل سداد الديون .
المؤلف : عبد الرزاق السنهوري .
المصدر: مصادر الحق في الفقه الاسلامي ،ص58-62.
_____________
اختلفت المذاهب في صحة هذا التصرف، ولكن اختلافها هنا لا يتفرع حتما على اختلافها في الوقت الذي تنتقل فيه التركة إلى ملك الورثة، وإلا لوجب أن يقول من بذهب إلى انتقالها إلى ملك الوارث بمجرد موت المورث بصحة تصرف الوارث قبل سداد الدين ، وأن يقول من يذهب إلى بقائها على ملك الميت بعدم صحة هذا التصرف، وسنرى بعد عرض المذاهب في هذه المسألة أن هذا ليس مطردة .
المذهب المالكي
فعند المالكية ، وهم القائلون ببقاء أموال التركة على ملك الموت حتى يسدد الدين ، يقتضي منطق هذا القول أن يكون تصرف الوارث في أعيان التركة قبل سداد الدين باطلا سواء كان الدين مستغرقة أو غير مستغرق، ولكن هذا هو أحد رأيين في المذهب، وليس مبنية على انعدام ملك الورثة بل على حماية حق الدائن فهو مقدم على حق الورثة.
والرأي الآخر يذهب إلى أن تصرف الوارث في التركة المدينة قبل أداء الدين صحيح إذا لم يمس حق الدائن ولم يتضرر هذا به، كأن بأذن فيه قبل أن يباشره الوارث، أو بنزل عن دينه ، أو يبقى من التركة بعد التصرف ما يكفي لسداد الدين. لا فرق في ذلك كله بين أن يكون الدين مستغرقة للتركة أو غير مستغرق ، وإذا لم يستطع الدائنون أخذ حقوقهم إلا من المبيع، فلذلك حالتان : الأولى أن يكون الوارث عالما بالدين وقت تصرفه أو أن يكون الميت مشهورة بأنه مدين . وعند ذلك بفسخ البيع إلا إذا دفع المشتري قيمة المبيع بوم قبضه، فإذا دفعها لزم البيع ورجع المشتري على بائعه من الورثة بما غرم من قيمته. والحالة الثانية أن يكون الوارث غير عالم بالدين ولم يكن الميت مشهورة بأنه مدين، وعند ذلك يسلم المبيع لمشتريه، ويرجع الدائنون على الوارث بقدر الثمن سواء كان فيه وفاء بالدين أو لا، ولا رجوع لهم على المشتري بشيء إلا إذا حاباه الوارث في البيع فيرجع الدائنون بقدر المحابات فقط.
ويتساوى الدائنون في اقتضاء حقوقهم من التركة. فإن ظهر بعد ذلك دائن لم يفتض حقه ، رجع على الورثة بما في أيديهم من أموال التركة. فإن لم تكن هذه الأموال لوفاء دينه ، رجع على الدائنين بما فاته من حصته .
جاء في المدونة الكبرى، (13/57-59): "قلت أرأيت لو أن رجلا ملك وترك ديونا ، فباع الورثة ماله وفضوا أهل دينه، وفضلت في يد الورثة فضلة من تركته فاقتسموها، فقدم رجل فأقام البينة على الميت بدين له عليه .. أيكون له أن يتبع الغرماء الذين أخذوا دينهم من الورثة في قول مالك؟ قال قال مالك ليس له أن يتبع الغرماء ولكن ينبع الورثة إذا كان الذي بقي من تركة الميت في يد الورثة كفافه لدينه ، وإن كان دينه أكثر مما بقي في يدي الورثة رجع على الغرماء بما يصير له عندهم أن لو كان حاضرا فحاصهم. وتفسير ذلك أن يكون على الميت دين ثلاثمائة دينار الثلاثة رجال، وتركة الميت مائتان وخمسون دينارا ، فقضى الورثة غريمين مائتين ولم يعلموا بالأخر، وبقيت في بد الورثة خمسون . فهو بحاص الغرماء بجميع دينه ، فيصير لكل واحد من الغرماء ثلاث وثمانون وثلث. فالخمسون التي في يد الورثة هي للغريم الذي أحيا دبنه ينبع الورثة بها، وينبع اللذين اقتضيا مائة يتبع كل واحد بسبعة عشر إلا ثلثا، فذلك ثلاث وثلاثون وثلث .
فيصير له ثلاث وثمانون وثلث بالخمسين التي في يد الورثة، ويصير لكل واحد من الغرماء ثلاثة وثمانون وثلث لأنه رجع على كل واحد بسبعة عشر إلا ثلثا . قلت فإن لم يترك الا مقدار الدين الذي أخذنه الغرماء من تركة الميت الذي دفعه إليهم الورثة، قال قال مالك يرجع إلى الغرماء فيحاصهم بمقدار دينه ، قلت ولا يرجع على الورثة بشيء من ذلك إن أصاب الغرماء عدمه، قال إذا قضت الورثة الغرماء دينهم وهم لا يعلمون بدين هذا الرجل الذي طرأ عليهم، فليس عليهم شيء. وإن كانوا يعلمون بدينه ، فإذا أصاب الغرماء عدمه لا مال عندهم، كان له أن يرجع على الورثة بحصنه من الدين ويتبع الورثة الغرماء الأولين بمقدار ما غرموا لهذا الغريم الذي طرأ. قلت وهذا قول مالك، قال هذا رأيي أنهم أتلفوا حقه وهم يعلمون بذلك. قلت أرأيت إن باع الورثة تركة الميت فأكلوها واستهلكوها، ثم قدم قوم فأقاموا البينة على دين لهم على الميت؟ قال مالك إن كان الرجل الميت معروفة بالدين، فبادر الورثة الغرماء فأخذوا ماله فباعوه واقتسموه وأكلوه، كان للغرماء أن يأخذوا مال الميت حيثما وجدوه، ولا يجوز بيع الورثة، واتبع الذين اشتروا الورثة . وإن كان الرجل الميت لا يعرف بالدين، فباعوا على مثل ما يبيع الناس تركة مينهم، اتبع الغرماء الورثة، ولم يكن لهم على من اشترى منهم سبيل، ولا يأخذون من الذين اشتروا ما في أيديهم . قال ابن القاسم أخبرني بهذا عن مالك غير واحد من أصحابنا، وهو رأيي . سحنون عن ابن وهب قال مالك في الرجل يهلك وهو مديان أو غير مديان معروف كلاهما على حاله ، ثم يبيع الورثة أمواله فيقسمونها، ثم يأتي دين على هذا الميت، فيوجد المال بأيدي الناس الذين اشتروا . قال أما الذي يعرف بالدين ولا يجهل أمره، فإن الغرماء يأخذون ما وجدوا بأيدي الناس الذين اشتروا، وينبع الذين اشتروا الورثة بأموالهم، وأما الذي لا يعرف بالدين ولا بطن به الدين، فإنما بنبع غرماؤه الورثة بثمن ما باعوا، كان فيه وفاؤهم أو لم يكن".
مذهب الشافعي:
وعند الشافعية، وهم القائلون بانتقال أموال التركة إلى ملك الورثة فورا بموت المورث، لا يجوز مع ذلك للوارث أن ينصرف في أموال التركة المدينة ، ولو كان الدين غير مستغرق للتركة ذلك أن التركة تنتقل إلى الوارث مثقلة بالدين، فيتعلق الدين بها كما يتعلق الرهن، والرهن عند الشافعية مانع من بيع العين المرهونة. وفي مذهب الشافعي رواية أخرى تقضي بأنه بصح نصرف الوارث في الشركة المدينة، لأن الدين حق تعلق بالمال من غير رضا المالك، فلم يمنع التصرف كمال المريض، فإن قضى الوارث الدين نفذ تصرفه وإن لم يقضه فسخ الصرف.
ويتساوى الدائنون في اقتضاء حقوقهم من التركة، فإن ظهر دائن لم يكن معروفة وقت أن اقتسم الدائنون التركة، رجع علبه وشاركهم فيما أخذوه على قدر دينه
جاء في المهذب، (1/327 )ومن مات وعليه ديون، تعلقت الديون بماله كما نتعلق بالحجر في حياته .. فإن تصرف الوارث في التركة قبل مضي الدين، ففيه وجهان : أحدهما لا بصح، لأنه مال تعلق به دين، فلا يصح التصرف من غير رضا من له الحق كالمرهون.
والثاني : يصح، لأنه حق تعلق بالمال من غير رضا المالك، فلم يمنع التصرف كمال المريض، وإن قلنا إنه يصح، فإن قضي الوارث الدين نفذ تصرفه، وإن لم يقض فسخنا... وإذا قسم مال المفلس أو مال الميت بين الغرماء ، ثم ظهر غريم آخر، رجع على الغرماء وشاركهم فيما أخذوه على قدر دينه، لأنا إنما قسمنا بينهم بحكم الظاهر أنه لا غريم له غيرهم، فإذا بان بخلاف ذلك وجب نقض القسمة، كالحاكم إذا حكم بحكم ثم وجد النص بخلافها.
المذهب الحنبلي:
وقد رأينا أن في المذهب الحنبلي روايتين: أشهرهما أن أموال التركة تنتقل إلى ملك الورثة فورة بموت المورث، مع تعلق الدين بها، فإن تصرف الورثة في التركة قبل سداد الدين، صع تصرفهم، ولزمهم أداء الدين، فإن أدره نفذ التصرف، وإن لم يؤدوه فسخ. والرواية الثانية تقضي بأن أموال التركة لا تنتقل إلى ملك الورثة إلا بعد سداد الدين . فإن تصرف الورثة في مال للتركة قبل سداد الدين، لم يصح التصرف، لأنهم يكونون قد تصرفوا في غير ملكهم.
جاء في المغني (4/487): احكي بعض أصحابنا فيمن مات وعليه دين، مل بمنع الدين نقل التركة إلى الورثة؟ روايتين: احدهما لا يمنعه .. لأن تعلق الدين بالمال لا يزيل الملك في حق الجاني والراهن والمفلس، فلم يمنع نقله. فإن نصرف الورثة في التركة ببيع أو نحوه، صح تصرفهم ولزمهم أداء الدين، فإن تعذر وفاؤه فسخ تصرفهم، كما لو باع السيد عبده الجاني أو النصاب الذي وجبت فيه الزكاة والرواية الثانية يمنع نقل التركة إليهم، لقوله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها او دين ) "النساء: 11" فجعل التركة للوارث من بعد الدين والوصية، فلا يثبت لهم الملك قبلهما، فعلى هذا لو تصرف الورثة، لم يصح تصرفهم، لأنهم تصرفوا في غير ملكهم
المذهب الحنفي:
وقد رأينا أن الحنفية يميزون بين ما إذا كان الدين مستغرقة للتركة أو كان غير مستغرق لها. فإن استغرق الدين أموال التركة، تبقى هذه الأموال على ملك الميت ولا تنتقل إلى ملك الورثة . ويكون أي تصرف للوارث في مال التركة باطلا في هذه الحالة.
ولا يستطيع الورثة أن يستخلصوا أموال التركة إلا إذا دفعوا كل الديون، ولا يكفي أن يدفعوا قسمة التركة، وهذا على الرأي المشهور في المذهب الحنفي، وفي قول آخر يكفي لاستخلاص أموال الشركة أن يدفع الورثة للدائنين قيمة هذه الأموال لا جميع الديون. ويستثنى من أن أموال التركة لا تنتقل إلى الورثة إذا كانت التركة مستغرقة بالدين حالة ما إذا كان الدائن الوحيد للتركة هو الوارث لها، فعند ذلك لا يوجد ما يمنع من أن ينزل الوارث عن دينه فينتقل إليه أموال التركة خالصة من الدين .
وإن لم يستغرق الدين أموال التركة، فبالرغم من أن هناك قولا بانتقال أموال التركة إلى ملك الورثة، لا يجوز مع ذلك للوارث التصرف في هذه الأموال، فإن تصرف كان تصرفه باطلا. وهناك من فقهاء الحنفية من يذهب إلى أن تصرف الوارث في هذه الحالة يكون صحيحة نافذة ما بقي في التركة ما يفي بسداد الدين أو أجاز الدائن التصرف .
جاء في المبسوطة (29/137-138 ) "الدين إذا كان محيطة بالتركة، يمنع ملك الوارث في التركة، وإن لم يكن محبطة فكذلك في قول أبي حنيفة رحمه الله الأول، وفي قوله الآخر لا يمنع ملك الوارث بحال لأنه يخلف الموروث في المال، والمال كان مملوكة للميت في حال حياته مع اشتغاله بالدين كالمرهون، فكذلك يكون ملكا للوارث. وحجتنا في ذلك قوله تعالى (من بعد وصية يوصى بها او دين) [النساء: 11]؛ فقد جعل الله تعالى أوان الميراث ما بعد قضاء الدين ، والحكم لا يسبق أوانه، فيكون حال الدين كحال حياة المورث في المعنى، ثم الوارث يخلفه فيما يفضل من حاجته ، فأما المشغول بحاجته لا يخلفه وارثه فيه. وإذا كان الدين محبطة بتركته فالمال مشغول بحاجته، وقيام الأصل بمنع ظهور حكم الخلف. ولا يقال يبقى مملوكة بغير مالك، تبقى مالكية المديون في ماله حكما لبقاء حاجتها. وجاء في الزيلعي (5/213-214) " إن استغراق التركة بالدين يمنع ملك الوارث في التركة، وإن كان غير مستغرق، ففي قول أبي حنيفة رحمه الله الأول كذلك، وفي قوله الآخر يملك الوارث جميع التركة ... وبعد موت المريض الغرماء أحق بالمالية، والورثة أحق بالعين
حتى كان لهم أن يستخلصوها بالقيمة. وحق الغرماء في الموضعين لم يتعلق إلا بالمالية، حتى لا يكون لهم الاستخلاص بالقيمة أصلا. وجاء في مكان آخر (6/214 ) " إن الدين يجب في الذمة .. ولا ينتقل بالموت من الذمة إلى التركة. ألا ترى أن التركة لو هلكت لا يسقط الدين، وأن للوارث أن يستخلص التركة بقضاء الدين من محل آخر.. بخلاف الوصية، فإن حق الموصي له يتعلق بعين التركة حتى لا يبقى بعد هلاك التركة، وليس للوارث أن يستخلص التركة ويعطيه من محل آخر. لأبي يوسف رحمه الله أن الدين بالموت يتعلق بالتركة لخراب الذمة ، ولهذا لا يثبت الملك فيها للوارث ولا ينفذ تصرفه فيها إذا كانت مستغرقة بالدين". وجاء في "حاشية الشلبي " (6/214) تعقيبا على ما تقدم : إذا كانت التركة مستغرقة بالدين، فأراد الوارث استخلاص التركة ونقد المال ، يجبر زب الدين على القبول. لأن عند استغراق التركة بالدين، وإن كان لا ملك لهم ، ولكن لهم حق استخلاص التركة. أما لو قالوا نحن نؤدي الدين ولم يكن المال نقدا، كان للقاضي أن يبيع التركة ويقضي حق الغرماء. والأجنبي لو نقد الدين لا يجبر رب الدين على القبول، لأنه ليس له ولاية استخلاص التركة بخلاف الورثة , والدين إذا كان زائدا على التركة ، فللورثة ولاية استخلاص التركة بأداء جميع الذين لا يقدر التركة ، كالعبد الجاني إذا فداه مولاه فداه بإرثها.
ما يخلص من اختلاف الرأي في هذه المسألة:
ويخلص مما قدمناه في اختلاف المذاهب أن منع الورثة من التصرف في أعيان التركة قبل سداد الدين لا يرجع إلى عدم انتقال الملكية إليهم قبل هذا السداد، بل يرجع إلى حماية الدائنين . وتختلف الأنظار في الطريقة التي تتم بها هذه الحماية .
فهناك قول يذهب في الحماية إلى مدى بعيد، فيبطل تصرف الوارث في أعيان التركة قبل سداد الدين، سواء انتقلت ملكية هذه الأعيان إلى الوارث فورا بموت المورث أو تراخت إلى وقت سداد الدين . وهذا القول نجده في كل من المذاهب الأربعة.
وهناك قول آخر لا يمعن في الحماية إلى هذا الحد، بل يوفن بين حق الوارث وحق الدائن، فيبيح تصرف الوارث في أعيان التركة قبل سداد الدين بشرط الا بمس التصرف حق الدائن، فلا ينفذ تصرف الوارث إلا إذا أجاز الدائن هذا التصرف، أو نزل عن دينه ، أو استوفي هذا الدين، أو بقي في التركة مال يكفي للوفاء به، وهذا القول الآخر نجده أيضا في كل من المذاهب الأربعة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|