أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-5-2016
6756
التاريخ: 22-3-2017
4664
التاريخ: 21-12-2019
2076
التاريخ: 16-5-2016
2758
|
الأساس الذي قامت عليه الدعوى البوليصة وعدم الدقة في تسميتها دعوي إبطال التصرفات . أصلها في القانون الروماني
قدمنا أن الدعوي البوليصة وجدت لحماية الدائن من تصرفات مدينه ، فإذا تصرف المدين في ماله تصرفا قصد به الإضرار بحق دائنه، أعطي القانون للدائن سلاحا يطعن به هذا التصرف الضار فبهدمه فيما يتعلق به، ولا ينصرف أثره إليه، فالأساس الذي قامت عليه الدعوي البوليصة إذن هو حماية الدائن من غش مدينه عن طريق جعل تصرف هذا المدين، غير نافذ في حق الدائن . فهي دعوي عدم نفاذ تصرف المدين لا دعوي إبطال هذا التصرف ، وكان الفقه المصري قديمة بطلق عليها خطأ اسم الدعوي إبطال التصرفات. ذلك أن الدائن لا يبطل تصرف المدين بل هو يطلب عدم نفاذ هذا التصرف في حقه. فإذا أجيب إلي طلبه لم يسر التصرف في حقه، ولكنه يبقي قائمة بين المدين ومن صدر له التصرف.
ولا مانع من أن نستبقي للدعوي تسميتها التقليدية بالدعوي البوليصة . والمعروف أن هذه التسمية اشتقت من اسم البريطور (Preteur) أي القاضي الروماني الذي كان أول من أدخلها في القانون الروماني، وإن كانت صحة هذه التسمية وأنها كانت تسمية مستعملة في القانون الروماني أصبحت الآن محل شك كبير. ويبدو أن البريطور " بولص " هذا ليس إلا شخصا خياليا اخترعه بعض شراح القانون الروماني في العصور الوسطي. ولم تكن الدعوي البوليصية في عهد القانون الروماني المدرسي دعوي واحدة، بل كانت دعاوي متعددة أعطيت لحماية الدائنين في حالات مختلفة، ولم تتوحد في دعوي واحدة إلا في عهد جستنيان. وكان لهذه الدعاوي في إجراءات القانون الروماني الطابع الجماعي، إذ كانت لا تعطي ضد المدين المفلس إلا لجماعة الدائنين في شخص ممثل لهم هو الذي يوكل إليه تصفية أموال المدين، فكانت فائدتها تعود علي جماعة الدائنين لا تختص بواحد منهم دون الآخرين. وقد انقلبت الدعوي البوليصة في القانون الحديث من دعوي جماعية إلي دعوي فردية كما سنري. ونبحث الآن تفصيلات الدعوي البوليصة فنتكلم: 1. في شروط هذه الدعوي . ۲. وفي الآثار التي تترتب عليها .
ا. شروط الدعوي البوليصة :
أولا: الشروط التي ترجع إلي الدائن :
يشترط في الدائن أن يكون حقه مستحق الأداء:
حتي يجوز للدائن أن يطعن في تصرف المدين بالدعوي البوليصة، يجب أن يكون حقه مستحق الأداء، ومتي وجب أن يكون الحق مستحق الأداء، وجب بالأولي أن يكون خالية من النزاع، لأن الحق لا يستحق الوفاء به إلا إذا خلا من المنازعة.
فلا يستطيع إذن استعمال الدعوي البوليصة الدائن الذي يكون حقه متنازعة فيه، وإذا كان حق الدائن غير خال من النزاع ثم صدر حكم ابتدائي يحسم النزاع لصالحه، واستأنف المدين الحكم، فإن الدعوي البولصية توقف حتي يبت في الاستئناف الذي يتوقف عليه مصير الحق، ولا يستطيع استعمال الدعوي البولصية الدائن الذي يكون حقه معلقا علي شرط واقف، لأن الحق هنا إذا خلا من النزاع فهو مع ذلك غير مستحق الأداء، كذلك لا يستطيع استعمالها الدائن الذي يكون حقه مقترنة بأجل واقف، ولا يتعارض ذلك مع شرط إعسار المدين . وسنري أنه يشترط أن يكون المدين معسرة . لسببين:
أولهما: أن الأجل لا يسفط بمجرد الإعسار، بل يجب لسقوطه أن يصدر حكم بشهر الإعسار فجاز أن يكون المدين معسرة دون أن يسقط الأجل. والسبب الثاني أن للإعسار في الدعوي البولصيه معني عملية ينطوي علي كثير من المرونة سنبسطه فيما يلي، فجاز الا بسقط الأجل وإن توافر شرط الإعسار في معني الدعوي البولصية، فلا يصح عندئذ للدائن رفعها لأن حقه غير مستحق الأداء
وأي دائن حقه خال من النزاع مستحق الأداء يستطيع استعمال الدعوي البوليصية، فيجوز أن يستعملها دائن حقه معلق علي شرط أو مقترن بأجل فاسخ، لأن الشرط والأجل الفاسخين لا يمنعان الحق من أن يكون مستحق الأداء. ويجوز أن يستعملها دائن شخصي ودائن مرتهن ودائن له حق امتياز، إذ لا يجوز أن يكون الرهن أو الامتياز الذي أريد به تقوية حق الدائن سببا في إضعاف هذا الحق وحرمان الدائن مما هو ثابت لسائر الدائنين، ولكن يشترط إذا نصرف المدين في غير الشيء الذي ترتب عليه التأمين العيني أن يكون الشيء الذي ترتب عليه هذا التأمين غير واف بالدين حتي يتحقق الضرر من التصرف المطعون فيه . ويجوز أن يستعمل الدعوي البولصية دائن حقه غير مقدر ما دام مستحق الأداء، فيستطيع المضرور في العمل غير المشروع، حتي قبل أن يقدر التعويض المستحق له، أن يستعمل الدعوي البولصية فيطعن في تصرف صدر من مدينه المسؤول عن العمل غير المشروع بقصد " تهريب " ماله حتي لا ينفذ عليها الدائن بالتعويض المستحق له.
ثانيا : الشروط التي ترجع إلي التصرف المطعون فيه
شروطه ثلاثة:
يشترط فيما بطعن فيه الدائن من أعمال المدين أن يكون :
1- تصرفا قانونية.
2- مفقرا.
3. تالية في الوجود لحق الدائن .
تصرف قانوني:
يجب أن يكون العمل الصادر من المدين ويطعن فيه الدائن بالدعوي البولصية تصرفا قانونيا فإذا كان عملا ماديا لم يتصور الطعن فيه، فلا يتصور الطعن في عمل غير مشروع قام به المدين فأصاب شخصا بضرر ووجب عليه به مقدار من التعويض جعله معسرة او زاد في إعساره، كما لا يتصور الطعن في ترك المدين عينا له في بد شخص آخر حتي ملكها بالتقادم وإنما بنصور في هذه الحالة أن يقطع الدائن التقادم ويسترد العين باسم المدين عن طريق الدعوي غير المباشرة
فالعمل الذي يطعن فيه بالدعوي البوليصية بجب إذن أن يكون تصرفا قانونيا، ويستوي أن يكون تصرفا قانونيا صادرة من جانب واحد كالوقف والإبراء ورد الإبراء ورد الاشتراط لمصلحة
الغير ورد الوصية، أو صادرة من الجانبين تبرعا أو معارضة كالهبة والبيع والحوالة والفرض والشركة.
تصرف مفقر:
التصرف المفقر في معني الدعوي البوليصية هو التصرف الذي ينقص من حقوق المدين، عينية كانت هذه الحقوق أو شخصية، أو التصرف الذي يزيد في التزاماته، مثل التصرف الذي ينقص من حقوق المدين الهبة والبيع والوقف وهذه تنفص الحقوق العينية، والحوالة والإبراء ورد الاشتراط لمصلحة الغير وهذه تنقص الحقوق الشخصية. ومثل التصرف الذي يزيد في التزامات المدين القرض والشركة ورد الإبراء. وقد كانت تقاليد الدعوي البولصية تقضي بأن التصرف المنقر هو التصرف الذي ينقص من الحقوق دون التصرف الذي يزيد في الالتزامات ، وعلي هذه التقاليد سار التقنين المدني المصري السابق، ولكن التقنين المدني المصري الجديد عدل عنها وجعل التصرف الذي يزيد في الالتزامات مفقرة كالتصرف الذي ينقص من الحقوق.
أما التصرف المانع من الاغتناء، كأن يرفض المدين قبول هبة فيمتنع من زيادة حقوقه، فإنه لا يكون تصرفا مفقرة، ولا يجوز الطعن فيه بالدعوي البولصية
وإعطاء المدين أحد دائنيه تأمينه يجعله يتقدم علي سائر الدائنين يجوز الطعن فيه بالدعوي البوليصية ، وكذلك وفاء المدين أحد دائنيه دينا مؤجلا قبل حلول الأجل ولو لم يكن هناك تواطؤ بين الاثنين أو وفاؤه الدين عند حلول الأجل بشرط أن يكون الوفاء قد تم نتيجة تواطؤ بينهما، كل هذا يجوز الطعن فيه بالدعوي البوليصية ، ولما كان هذه الحالات محل نزاع في عهد التقنين المدني السابق ، فقد ورد نص صريح في التقنين المدني الجديد يجيز الطعن فيها جميعا بالدعوي البوليصية ، فحسم النص النزاع.
واستثناء مما قدمناه نص القانون علي أنه يجوز للدائن الطعن في نزول مدينه عن التمسك بالتقادم المسقط أو المكسب، مع أن النزول عن التقادم المسقط لبس إلا امتناع عن إنقاص الالتزامات والنزول عن التقادم المكسب ليس إلا امتناع عن زيادة الحقوق.
تصرف تال في الوجود لحق الدائن:
ويجب أن يكون التصرف القانوني المفقر المطعون فيه بالدعوي البوليصية تاليا في الوجود الحق الدائن، ذلك أن حق الدائن إذا كان متأخرا عن هذا التصرف فلبس للدائن أن يشكو من تصرف تم قبل أن يصبح هو دائنة. ومن ثم يجب أن يكون تصرف المدين صادرة بعد أن ثبت حق الدائن، حتي يمكن القول إن المدين إنما نصرف غشا وإضرارا بحق الدائن، فلو لم يوجد حق الدائن قبل صدور تصرفه لما أمكن تصور الإضرار بحق غير موجود. ولو أمكن تصور ذلك . كما لو باع شخص دارة له أو وقفها ثم اقترض وقد قصد من البيع أو الوقف السابق أن بتهرب من دائنه في المستقبل - لصحت الدعوي البوليصية . ونري من ذلك أن شرط أن يكون تصرف المدين تالية لوجود حق الدائن إنما هو فرع من شرط أعم، سيأتي الكلام فيه، وهو شرط غش المدين.. فالأصل أن غش المدين لا يتصور في العادة إلا إذا كان تصرفه تاليا لحق الدائن ، فإذا أمكن تصور الغش بينما يكون حق الدائن تالية لتصرف المدين، جاز الطعن بالدعوي البوليصية . فالعبرة إذن يتوافر غش المدين، سواء كان تصرفه لاحقا أم سابقة.
وإذا قلنا إن الأصل أن يكون تصرف المدين تالية لحق الدائن، فإنما نعتد في التصرف بتاريخ صدوره لا بتاريخ شهره إن كان من التصرفات الواجب شهرها، ويعتد في حق الدائن بتاريخ وجوده
لا بتاريخ استحقاقه إن كان تاريخ الاستحقاق تالية لتاريخ الوجود. فلو باع المدين دارة وقبل تسجيل البيع استدان، لم يستطع المفرض أن يطعن في البيع بالدعوي البولصية، لأن البيع قد صدر قبل وجود حق الدائن وإن كان قد سجل بعد ذلك. ولو كان الدين الذي في ذمة المدين دينا معلقة علي شرط أو مقترنة بأجل، ثم تصرف المدين في مال له إضرارا بحق الدائن، جاز للدائن الطعن بالدعوي البولصية ، لأن حقه موجود قبل التصرف وإن كان لم يستحق - أي لم يتحقق الشرط او يحل الأجل - إلا بعد صدور التصرف. كذلك لو كان الدين الذي في ذمة المدين متنازعة فيه ورفع الدائن الدعوي بالدين، وتصرف المدين أثناء نظر النزاع في مال له توقع لصدور حكم عليه بالدين، جاز للدائن عند صدور الحكم أن يطعن في التصرف بالدعوي البولصية، لأن حقه كان موجودة قبل صدور التصرف وإن لم يصبح خالية من النزاع بحكم نهائي إلا بعد صدور التصرف.
ثالثا : الشروط التي ترجع إلي المدين
شرطان:
أما الشروط التي ترجع إلي المدين فترد إلي شرطين رئيسين :
1- الإعسار.
2- الغش والتواطؤ . الإعسار:
يجب أن يكون تصرف المدين قد تسبب في إعساره إذا كان غير معسر قبل التصرف، أو تسبب في زيادة إعساره إذا كان معصرة قبل التصرف. فلو أن التصرف لم يسبب الإعسار، بل بقي المدين موسرة بعده ، ولكن طرا بعد ذلك ما جعله معسرة، فلا يجوز الطعن في التصرف، ما لم يكن هذا التصرف حلقة في سلسلة متصلة من التصرفات مجموعها قد أدي إلي إعساره، فبجوز اللدائن في هذه الحالة أن يطعن في هذه التصرفات كلها ولا يجتزئ بالتصرف الأخير الذي سبب مباشرة إعسار المدين. وإذا كان المدين معسرا من بادئ الأمر، ثم تصرف تصرفا بعرض كاف بحيث لم يكن هذا التصرف سببا في زيادة إعساره ، فإن التصرف لا يكون قابلا للطعن فيه بالدعوي البوليصية
والمقصود بالإعسار هو الإعسار الفعلي بأن تزيد ديون المدين علي حقوقه، لا الإعسار القانوني الذي سنتكلم فيه فيما يلي وهو الذي يستلزم حكمة بشهره بشروط وإجراءات معينة. علي أن للإعسار في الدعوي البوليصية فوق ذلك معني خاصا ينطوي علي كثير من المرونة، وذلك أن الدائن يكلف أولا بإثبات مقدار ما علي المدين من الديون، وعند ذلك ينتقل عبء الإثبات إلي
المدين ، وعليه أن يثبت أن له أموالا ظاهرة لا يتعذر التنفيذ عليها تكفي لوفاء جميع الديون، وإلا اعتبر معسرة. ومن هذا يتبين كيف أن التصرف الصادر من المدين قد يكون معارضة ومع ذلك بسبب إعساره، ويكفي لتحقق ذلك أن يكون المدين قد باع عينة مملوكة له بثمن بخس، أو باعها بثمن معادل لقيمتها ولكنه أخفي النقود أو بددها بحيث يتعذر علي الدائن التنفيذ عليها بحقه.
وإذا فرض أن حق الدائن يتركز في عين مملوكة للمدين ، كما إذا كان موعودة ببيع عين أو كان دائنا في وعد برهن أو كان دائنة مرتهنا، ثم باع المدين العين الموعود ببيعها أو الموعود برهنها إلي شخص آخر إضرارا بحق الدائن، أو باع العين المرهونة قبل أن يشهر الدائن الرهن بحيث لا يتمكن من تتبع العين، أو بعد شهر الرهن ولكن الدائن لا يريد تتبع العين حتي لا يضطر إلي تحمل إجراءات التطهير، ففي مثل هذه الأحوال يعتبر المدين في حال إعسار بالمعني المقصود في الدعوي البوليصية ما دام الدائن لا يستطيع أن يصل إلي العين ذاتها التي تركز فيها حقه، حتي لو كان عند المدين أموال كافية تفي بتعويض الدائن بعد فوات العين. ومن ثم يجوز للدائن الطعن بالدعوي البولصية في تصرف المدين في العين الموعود ببيعها أو برهنها أو في تصرفه في العين المرهونة ، فيتمكن بذلك من رد العين إلي ملك المدين بالنسبة إلي حقه وينفذ بهذا الحق عليها . يؤيد ذلك أن الدائن له أن يطالب بالتنفيذ العيني دون التعويض إذا شاء، وهنا هو يطالب بالتنفيذ العيني ويحول دون هذا التنفيذ تصرف صدر من المدين غشا فيجعله الدائن غير سار في حقه بالدعوي البولصية ، ويترتب علي ما تقدم أنه إذا باع شخص عقارة ولم يسجل المشتري، ثم باعه ثانية من مشتر آخر وبادر المشتري الثاني إلي التسجيل متواطئة مع البائع علي الإضرار بالمشتري الأول، أمكن لهذا الأخير أن يطعن في البيع الثاني بالدعوي البولصية، إذ أن حقه قد تركز في العقار المبيع. وهذا علي خلاف ما تقضي به محكمة النقض من أنه إذا بادر المشتري الثاني إلي تسجيل عقده قبل تسجيل عقد المشتري الأول فقد خلصت له ملكية المبيع، حتي لو كان المتصرف والمتصرف إليه الثاني سيء النية متواطئين كل التواطؤ علي حرمان المتصرف إليه الأول من الصفقة، ولكن محكمة النقض تقدم المشتري الأول الذي لم يسجل عقده علي المشتري الثاني الذي سجل عقده في حالة ما إذا طعن المشتري الأول في العقد الثاني ، لا بالدعوي البولصية، بل بدعوي الصورية .
ويجب أن يبقي المدين معسرة إلي وقت رفع الدعوي البولصية، فلو أن تصرفه سبب إعساره أو زاد في إعساره، ثم انقلب قبل رفع الدعوي موسرة لزيادة طرأت في ماله، كما إذا كان قد تلقي ميراثا أو وصية أو عقد صفقة رابحة، فلا يجوز للدائن أن يطعن في تصرف المدين إذ لم تعد له مصلحة في ذلك. الغش والتواطؤ:
يجب التمييز هنا بين ما إذا كان التصرف المطعون فيه معاوضة أو تبرعا.
فإذا كان التصرف معاوضة، وجب أن يكون منطويا علي غش المدين وتواطؤ من صدر له التصرف. والدائن هو الذي يحمل عبء الإثبات. ولكن يكفي لإثبات غش المدين أن يثبت الدائن
أن المدين وقت أن صدر منه التصرف كان يعلم أنه يسبب إعساره أو يزيد في إعساره، فيكون هذا قرينة علي غش المدين، ولكنها قرينة غير قاطعة، للمدين أن ينقضها بأن يثبت أنه بالرغم من علمه بإعساره إلا أنه لم يقصد إلحاق الضرر بالدائن، بل كان الدافع له علي التصرف مثلا تلبية لنداء واجب أدبي، أو حصوله علي ما يقوم بحاجات المعيشة مع وثوقه أن إعساره لا يلبث أن يزول
حتي لو أخلفت الأيام ظنه، أو أن التعاقد الذي أدي إلي إعساره سيكون سببا فيما بعد في ترويج أعماله وعودته إلي اليسار . ويكفي لإثبات تواطؤ من صدر له التصرف أن يثبت الدائن أنه كان يعلم وقت التصرف له أن هذا التصرف بسبب إعسار المدين أو يزيد في إعساره، ولمن صدر له التصرف أن ينقض القرينة بأن يثبت مثلا أنه بالرغم من هذا العلم كان يعتقد أن المدين ينصرف بحسن نية تصرفا مألوفة تقتضيه صيانة تجارته. ويخلص مما قدمناه أن الدائن يبدأ بإثبات أن المدين قد تصرف وهو عالم بأن هذا التصرف يؤدي إلي إعساره وأن من صدر له التصرف بعلم ذلك أيضا، وعند ذلك نفرض الغش في جانب الاثنين حتي يثبت أي منهما أنه لم تكن عنده نية الإضرار بالدائن . والإثبات من جانب الثلاثة يكون بجميع الطرق، ومن القرائن علي الغش أن يبيع مدين أملاكه لأولاده ويدعي أنه قبض الثمن من أمهم، وأن يبيع عقارة لزوجته ولا يستطيع أن يثبت من أين أتت بالثمن، وأن يبيع لزوجته كافة ما يمتلكه ثم تبقي الأعيان المبيعة في حيازة المدين بعد البيع
وإذا كان التصرف المطعون فيه تبرعا، لم يشترط لا غش المدين ولا تواطؤ المتبرع له، بل يكفي أن يثبت الدائن أن التبرع قد سبب إعسار المدين أو زاد في إعساره، سواء كان المدين بعلم ذلك أو لا يعلم، وسواء كان المتبرع له بعلم هو أيضا أو لا يعلم. ويبرر هذا الحكم أن الدائن يشكو من ضرر أصابه من جراء تبرع مدينه إذا بقي هذا التبرع قائمة، أما الموهوب له فلا يشكر إلا من فوات كسب عليه إذا أجزنا للدائن الطعن في التبرع، والفرق واضح بين من يتوقى ضررا ومن يبتغي كسبة، فالأول أي الدائن هو الأجدر بالرعاية . أما في المعارضات فالمفاضلة بين الدائن والمشتري غيرها بين الدائن والموهوب له، إذ المشتري إنما يتوقى ضررا كالدائن فقد دفع مقابلا للمدين ، فإن كان حسن النية وجب أن يفضل علي الدائن ما دام هذا لم يحنط لنفسه فيحصل علي ضمان خاص لاستيفاء حقه وإن كان المشتري سيء النية فضل عليه الدائن،
وقد ينصرف خلف المدين في الشيء لخلف ثان تبرعا، ففي هذا الغرض لا يشترط سوء نية الخلف الثاني لأنه إنما يبتغي كسبأ ولا يتوقى ضررا كما قدمنا، فإذا كان الخلف الأول قد تلقي التصرف هو الآخر تبرعا، فلا يشترط سوء نيته ولا غش المدين كما سبق القول. أما إذا كان الخلف الأول قد تلقي التصرف معارضة، فيشترط غش كل من المدين وهذا الخلف الأول علي النحو الذي قدمناه ، دون إثبات سوء نية لخلف الثاني المتبرع له كما مر . بقي أن نفرض أن الخلف الذي انتقل إليه الشيء من المدين قد تصرف فيه لخلف ثان معاوضة. فإذا كان المدين قد تصرف معاوضة أيضا للخلف الأول فلا يكفي أن يثبت الدائن غش كل من المدين والخلف الأول، بل يجب أيضا أن يثبت غش الخلف الثاني. وإذا كان المدين قد تصرف تبرعا للخلف الأول، فقد قدمنا أن الدائن ليس مكلفة بإثبات سوء نية المدين ولا سوء نية الخلف الأول، ولكن ما دام الخلف الأول قد تصرف معارضة للخلف الثاني فإنه يجب علي الدائن أن يثبت علم هذا الخلف الثاني بإعسار المدين
ب . الآثار التي تترتب علي الدعوي البولصية
أولا: أثر الدعوي البولصية بالنسبة إلي الدائن عدم مضي الدائن في الدعوي إذا استوفي حقه:
إذا استوفي الدائن حقه ، فإنه لا يستطيع الاستمرار في الدعوي أو في التنفيذ بعد الحصول علي حكم في الدعوي، إذ لم تعد له مصلحة في ذلك بعد أن استوفي حقه. ويغلب في العمل أن يكون الذي يوفي الدائن حقه هو من صدر له التصرف المطعون فيه . ولهذا أن يودع الثمن الذي اشتري به ، أو ثمن المثل إذا كان قد اشتري بأقل من ذلك . خزانة المحكمة علي ذمة الدائن ، فيتخلص من الدعوي أو من التنفيذ، فإن الدائن متي خلص له مقابل معادل للحق الذي خرج من ضمانه لم تعد له مصلحة في الاستمرار في الدعوي أو في التنفيذ.
عدم نفاذ تصرف المدين في حق الدائن:
فإذا لم يستوف الدائن حقه علي النحو الذي قدمناه ، استمر في الدعوي حتي يحصل علي حكم يقضي بعدم نفاذ تصرف المدين بالنسبة إليه، فلا يسري في حقه أثر هذا التصرف إذ يعتبر فيه من الغير، ويترتب علي ذلك أن المال الذي تصرف نبه المدين يعتبر أنه لم يخرج من ضمان الدائن ، فينفذ هذا عليه ويتخذ في ذلك إجراءات تنفيذ متميزة عن إجراءات الدعوي البولية وإن كانت تقترن بها.
ومن ذلك نري :
أ- أن دخول المال في ضمان الدائن يكون بأثر رجعي، إذ يعتبر أنه لم يخرج من هذا الضمان كما قدمنا. ويترتب علي ذلك أنه إذا باع المدين عقارة لمشتر وكانا سيئ النية، وأخذ شفيع العقار بالشفعة، فالدائن يعتبر العقار لم يخرج من مال المدين ، فيسقط الأخذ بالشفعة دون حاجة إلي إثبات سوء نية الشفيع، فهو ليس بمشتر من المشتري بل هو مشتر من البائع راساً .
ب . أن الدائن ينفذ علي كل العين التي تصرف فيها المدين ، ولكن مع ملاحظة ما يأتي :.
1- يستنزل من العين ما عسي أن يكون الدائن قد أفاده من تصرف المدين. فقد يكون المدين باع العين وبقي الثمن دينا في ذمة المشتري ، أو يكون المشتري دفع الثمن وسدد المدين به. بعض ديونه، فيستفيد الدائن إما علي اعتبار أن حقوق المدين زادت بمقدار الثمن الذي بقي دينا في ذمة المشتري ، وإما علي اعتبار أن بعض ديون مدينه قد وفيت فقل إعسار المدين بذلك. فيجب إذن أن تكون هذه الفائدة محل اعتبار، فلا ينفذ الدائن علي العين المبيعة إلا بقدر زيادة قيمة هذه العين علي الفائدة التي عادت علي الدائن. فإذا لم تعد علي الدائن فائدة أصلا، بأن كان الثمن الذي قبضة المدين مالا غير ظاهر لا يستطيع الدائن التنفيذ عليه كما هو الغالب في الدعوي البولصية، كان للدائن أن ينفذ بحقه علي العين بكل قيمتها.
2- قد يضطر الدائن إلي التنفيذ علي العين منقوصة ايفا، كما إذا كانت العين تحت بد موهوب له حسن النية فيملك الثمرات بالقبض، فينقص من العين ثمراتها.
3- قد يضطر الدائن إلي التنفيذ علي مال آخر حل محل المال الذي تصرف فيه المدين، كما إذا كانت العين تحت بد مشتر ثان حسن النية، فإن الدائن في هذه الحالة لا ينفذ إلا علي الثمن المستحق في ذمة المشتري الثاني للمشتري الأول أو علي قيمة العين إذا كانت أكبر الثمن. وإذا فرضنا موهوبة له حسن النية بدلا من المشتري الأول، وقد باع العين الموهوبة لمشتر حسن النية ، فإن الدائن لا يرجع علي الموهوب له حسن النية إلا بمقدار ما استفاده ، فإن كان قد باع للعين بأقل من قيمتها رجع عليه الدائن بالثمن دون القيمة.
استفادة جميع الدائنين الذين أضر التصرف إضرارا بهم من الدعوي البولصية:
كانت القاعدة في التقنين المدني المصري السابق. كما هي الآن في التقنين المدني الفرنسي - أن الدائن الذي يرفع الدعوي البوليصية هو الذي يستأثر بفائدتها . هو ومن ينضم إليه في الدعوي ۔ دون سائر الدائنين، ولكن التقنين المدني الجديد، حتي لا يخل بالمساواة بين الدائنين، جعل الدعوي تفيد جميع الدائنين الذين أضر بهم التصرف، أي الذين توافرت فيهم شروط الدعوي البولصية بالنسبة إلي التصرف المطعون فيه ولو لم يتدخلوا في الدعوي نفسها، فالعين ترجع إلي ملك المدين بالنسبة إلي هؤلاء الدائنين جميعا. ولهم أن ينفذوا عليها بحقوقهم.
ثانيا : أثر الدعوي البولصية بالنسبة إلي المدين ومن تصرف له المدين:
بقاء التصرف المطعون فيه قائما:
يبقي التصرف المطعون فيه قائمة نافذ الأثر بين الطرفين لأن الدعوي البولصية لا تبطل التصرف وإنما تجعله غير نافذ في حق الدائن وحده. فإذا كان التصرف بيعة، في المبيع ملكا للمشتري وبقي المشتري ملتزمة بدفع الثمن، فإذا نفذ الدائن علي المبيع وبقي شيء من الثمن فهو ملك المشتري، ولو ترتب علي البيع أن أخذ العين شفيع ثم استوفي الدائن حقه من العين المشفوع فيها، رجع ما بقي من العين أو من ثمنها للشفيع، وإذا كان التصرف وقفة.. فما بقي من الثمن بعد تنفيذ الدائن يكون وقفة، وتشتري به عين أخري تحل محل الأولي عن طريق الاستبدال دون حاجة إلي وقفها من جديد مع بقاء الجهة الموقوف عليها وشروط الوقف ونظارته لا تتغير .
وينصرف أثر التصرف إلي ورثة كل من الطرفين . فورثة المدين لا يرثون الباقي من العين التي تصرف فيها مورثهم بعد تنفيذ الدائن عليها. ويرث ذلك ورثة المشتري .
وينصرف أثر التصرف إلي الدائنين فيما عدا الذين استوفوا شروط الدعوي البولصية ، فهؤلاء يستوفون حقوقهم من العين، وما بقي منها لا ينفذ عليه الدائنون الذين لم يستوفوا شروط الدعوي البولصية بأن كان التصرف المطعون فيه سابقا علي حقوقهم، وإنما ينفذ عليه دائنو المشتري
تعارض مبدأ قيام التصرف مع مبدأ عدم نفاده في حق الدائن.:
علي أنه لا يمكن تفادي تعارض المبدأين اللذين قدمناهما: قيام التصرف فيما بين الطرفين من جهة، وعدم نفاذ هذا التصرف في حق الدائن من جهة أخري فلا يبقي إلا تطبيق القواعد العامة للتوفيق بين المبدأين.
وتطبيق هذه القواعد يؤدي إلي أن الدائن يستوفي حقه من العين المبيعة لأن البيع غير نافذ في حقه ، ثم لما كان البيع لا يزال قائما فيما بين المدين والمشتري، فإن المشتري برجع علي المدين بضمان الاستحقاق ، وله أيضا أن يطلب فسخ البيع، فيتحلل من دفع الثمن، ويرد إلي المدين ما بقي من العين في بده بعد تنفيذ الدائن عليها، وله أخيرة أن يرجع علي المدين بما استوفاه الدائن عن طريق دعوي الإثراء بلا سبب. فللمشتري إذن دعويان :
1. دعوي عقد البيع بضمان الاستحقاق أو بالفسخ يرفعها علي البائع
۲. ودعوي الإثراء بلا سبب يرفعها علي المدين . فإذا كان البائع هو المدين، فالمشتري بالخيار في الرجوع عليه بإحدى الدعويين ولكن قد يكون البائع غير المدين ، كما إذا كان المدين قد تصرف في العين لأخر وهذا باعها للمشتري، ففي هذه الحالة تتفرق الدعويان علي شخصين مختلفين: دعوي الاستحقاق أو دعوي الفسخ ترفع ضد البائع، ودعوي الإثراء بلا سبب ترفع ضد المدين، وللمشتري أن يختار إحدى الدعويين.
|
|
لمكافحة الاكتئاب.. عليك بالمشي يوميا هذه المسافة
|
|
|
|
|
تحذيرات من ثوران بركاني هائل قد يفاجئ العالم قريبا
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تشارك في معرض النجف الأشرف الدولي للتسوق الشامل
|
|
|