أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-8-2020
3339
التاريخ: 18-8-2020
3931
التاريخ: 19-8-2020
2839
التاريخ: 19-8-2020
6711
|
قال تعالى : {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُو الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} [النمل : 76 - 85] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
ذكر سبحانه من الحجج ما يقوي قلب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} أي يخبرهم بالصدق {أكثر الذي هم فيه يختلفون} من حديث مريم وعيسى والنبي المبشر به في التوراة حيث قال بعضهم هو يوشع وقال بعضهم لا بل هو ومنتظر لم يأت بعد وغير ذلك من الأحكام وكان ذلك معجزة لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا كان لا يدرس كتبهم ولا يقرؤها ثم أخبرهم بما فيها {وإنه} يعني القرآن {لهدى} أي دلالة على الحق {ورحمة للمؤمنين} أي نعمة لهم .
{إن ربك يقضي بينهم بحكمه} يريد بين المختلفين في الدين يوم القيامة وأشار بذلك إلى شيئين ( أحدهما} أن الحكم له فلا ينفذ حكم غيره فيوصل إلى كل ذي حق حقه ( والآخر} أنه وعد المظلوم بالانتصاف من الظالم {وهو العزيز} القادر على ما يشاء لا يمتنع عليه شيء {العليم} بالمحق والمبطل فيجازي كلا بحسب عمله وفي هذه الآية تسلية للمحقين من الذين خولفوا في أمور الدين وأن أمرهم يؤول إلى أن يحكم بينهم رب العالمين .
ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {فتوكل على الله} يا محمد {إنك على الحق المبين} أي الواضح البين الظاهر والمحق أولى بالتوكل من المبطل المدغل والمراد بهذا الخطاب سائر المؤمنين وإن كان في الظاهر لسيد المرسلين ثم شبه الكفار بالموتى فقال {إنك لا تسمع الموتى} يقول كما لا تسمع الميت الذي ليس له آلة السمع النداء كذلك لا تسمع الكافر النداء لأنه لا يسمع ولا يقبل الموعظة ولا يتدبر فيها {ولا يسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين} إنما قال ذلك لأن الأصم إذا كان قريبا فالإنسان يطمع في إسماعه فإذا أعرض وأدبر وتباعد انقطع الطمع في إسماعه فجعل سبحانه المصمم على الجهل كالميت في أنه لا يقبل الهدى وكالأصم في أنه لا يسمع الدعاء .
{وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} في الدين بالآيات الدالة على الهدى إذا أعرضوا عنها كما لا يمكنك أن تهدي الأعمى إلى قصد الطريق جعل سبحانه الجهل بمنزلة العمى لأنه يمنع عن إدراك الحق كما يمنع العمى من إدراك المبصرات {أن تسمع إلا من يؤمن ب آياتنا} أي ما يسمع إلا من يطلب الحق بالنظر في آياتنا {فهم مسلمون} أي مستسلمون منقادون جعل سبحانه استماعهم وقبولهم الحق سماعا وتركهم للقبول تركا للسماع وقيل مسلمون أي موحدون مخلصون .
{وإذا وقع القول عليهم} أي وجب العذاب والوعيد عليهم وقيل معناه إذا صاروا بحيث لا يفلح أحد منهم ولا أحد بسببهم عن مجاهد وقيل معناه إذا غضب الله عليهم من قتادة وقيل معناه إذا أنزل العذاب بهم عند اقتراب الساعة فسمي المقول قولا كما يقال جاء الخبر الذي قلت ويراد به المخبر قال أبوسعيد الخدري وابن عمر إذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر وجب السخط عليهم وأخذوا بمبادىء العقاب منها قوله {أخرجنا لهم دابة من الأرض} تخرج بين الصفا والمروة فتخبر المؤمن بأنه مؤمن والكافر بأنه كافر وعند ذلك يرتفع التكليف ولا تقبل التوبة وهو علم من أعلام الساعة وقيل لا يبقى مؤمن إلا مسحته ولا يبقى منافق إلا خطمته تخرج ليلة جمع والناس يسيرون إلى منى عن ابن عمر وروى محمد بن كعب القرظي قال سئل علي صلوات الرحمن عليه من الدابة فقال أما والله ما لها ذنب وإن لها للحية وفي هذا إشارة إلى أنها من الإنس وروي عن ابن عباس أنها دابة من دواب الأرض لها زغب وريش ولها ربع قوائم وعن حذيفة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال دابة الأرض طولها ستون ذراعا لا يدركها طالب ولا يفوتها هارب فتسم المؤمن بين عينيه وتكتب بين عينيه مؤمن وتسم الكافر بين عينيه وتكتب بين عينيه كافر ومعها عصا موسى وخاتم سليمان فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتختم أنف الكافر بالخاتم حتى يقال يا مؤمن ويا كافر .
وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر فتخرج خروجا بأقصى المدينة فيفشو ذكرها في البادية ولا يدخل ذكرها القرية يعني مكة ثم تمكث زمانا طويلا ثم تخرج خرجة أخرى قريبا من مكة فيفشو ذكرها في البادية ويدخل ذكرها القرية يعني مكة ثم سار الناس يوما في أعظم المساجد على الله عز وجل حرمة وأكرمها على الله يعني المسجد الحرام لم ترعهم إلا وهي في ناحية المسجد تدنو وتدنو كذا ما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم عن يمين الخارج في وسط من ذلك فيرفض الناس عنها ويثبت لها عصابة عرفوا أنهم لن يعجزوا الله فخرجت عليهم تنفض رأسها من التراب فمرت بهم فجلت عن وجوههم حتى تركتها كأنها الكواكب الدرية ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب حتى أن الرجل ليقوم فيتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول يا فلان الآن تصلي فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه فيتجاور الناس في ديارهم ويصطحبون في أسفارهم ويشتركون في الأموال يعرف الكافر من المؤمن فيقال للمؤمن يا مؤمن وللكافر يا كافر .
وروي عن وهب أنه قال ووجهها وجه رجل وسائر خلقها خلق الطير ومثل هذا لا يعرف إلا من النبوات الإلهية وقد روي عن علي (عليه السلام) أنه قال إنه صاحب العصا والميسم وروى علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رجل لعمار بن ياسر يا أبا اليقظان آية في كتاب الله أفسدت قلبي قال عمار وأية آية هي فقال هذه الآية ف آية دابة الأرض هذه قال عمار والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يأكل تمرا وزبدا فقال يا أبا اليقظان هلم فجلس عمار يأكل معه فتعجب الرجل منه فلما قام عمار قال الرجل سبحانه الله حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب حتى ترينيها قال عمار أريتكها إن كنت تعقل .
وروى العياشي هذه القصة بعينها عن أبي ذر رحمه الله أيضا وقوله {تكلمهم} أي تكلمهم بما يسؤهم وهو أنهم يصيرون إلى النار بلسان يفهمونه وقيل تحدثهم بأن هذا مؤمن وهذا كافر وقيل تكلمهم بأن تقول لهم {إن الناس كانوا ب آياتنا لا يوقنون} وهو الظاهر وقيل ب آياتنا معناه بكلامها وخروجها {ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب ب آياتنا فهم يوزعون} أي يدفعون عن ابن عباس وقيل يحبس أولهم على آخرهم واستدل بهذه الآية على صحة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإمامية بأن قال إن دخول من في الكلام يوجب التبعيض فدل ذلك على أن اليوم المشار إليه في الآية يحشر فيه قوم دون قوم وليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا} .
وقد تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) في أن الله تعالى سيعيد عند قيام المهدي قوما ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ويبتهجوا بظهور دولته ويعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب في القتل على أيدي شيعته والذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته ولا يشك عاقل أن هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه وقد فعل الله ذلك في الأمم الخالية ونطق القرآن بذلك في عدة مواضع مثل قصة عزير وغيره على ما فسرناه في موضعه وصح عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قوله ((سيكون في أمتي كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه)) .
على أن جماعة من الإمامية تأولوا ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات وأولوا الأخبار الواردة في ذلك لما ظنوا أن الرجعة تنافي التكليف وليس كذلك لأنه ليس فيها ما يلجىء إلى فعل الواجب والامتناع من القبيح والتكليف يصح معها كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة كفلق البحر وقلب العصا ثعبانا وما أشبه ذلك ولأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق التأويل عليها وإنما المعول في ذلك على إجماع الشيعة الإمامية وإن كانت الأخبار تعضده وتؤيده ومن قال إن قوله {ويوم يحشر من كل أمة فوجا} المراد به يوم القيامة قال المراد بالفوج الجماعة من الرؤساء والمتبوعين في الكفر حشروا وجمعوا لإقامة الحجة عليهم .
{حتى إذا جاءوا} إلى موقف الحساب {قال} الله تعالى لهم {أ كذبتم ب آياتي} أي كذبتم بأنبيائي ودلالاتي الدالة على ديني {ولم تحيطوا بها علما} أي لم تطلبوا معرفتها ولم تبينوا ما أوجب الله عليكم فيها {أما ذا كنتم تعملون} حين لم تبحثوا عنها ولم تتفكروا في صحتها يقول ذلك تبكيتا لهم وتجهيلا أي هذا كان الواجب عليكم فتركتموها ولم تعرفوها حق معرفتها فبما ذا اشتغلتم ومن قال بالأول قال المراد بالآيات الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) {ووقع القول عليهم} أي وجب العذاب عليهم {بما ظلموا} أي بظلمهم إذ صاروا بحيث لا يفلح جحد منهم بسببهم {فهم لا ينطقون} إذ ذاك بكلام ينتفعون به ويجوز أن يكون المراد أنهم لا ينطقون أصلا لعظم ما يشاهدونه وهول ما يرونه .
_________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص402-406 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
شعار إسرائيل سمعنا وعصينا :
{إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} .
تحدث القرآن عن غرائب بني إسرائيل ، وكرر الحديث عنها وعنهم ، تحدث عن خصائصهم وشعارهم ، وعما اختلفوا فيه على عهد موسى وبعده ، ويتلخص شعارهم الذي يدينون به ولا يحيدون عنه ، يتلخص بقولهم : {سَمِعْنا وعَصَيْنا} ، كما جاء في الآية 94 من سورة البقرة والآية 45 من سورة النساء . أي سمعنا من اللَّه وأنبيائه وعصينا اللَّه والأنبياء ، وقد التزموا هذا الشعار في عهد موسى نفسه حتى شكاهم إلى ربه ، ووصفهم بالفاسقين ، وهو يقول بحسرة ولوعة : {رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ} [المائدة - 25 ] ، وفي آية ثانية وصفهم بالسفهاء : {قالَ رَبِّ لَو شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا} [الأعراف - 155 ] . وما زالوا على هذا الشعار والمبدأ إلى يومنا هذا ، ففي سنة 1967 قررت هيئة الأمم المتحدة التي تمثل شعوب الأرض شرقها وغربها ، قررت انسحاب إسرائيل من القدس ، فما كان جواب مندوبها إلا أن قال : الأمم المتحدة تنكة زبالة كما نشرت الصحف .
أما الذي اختلفوا فيه فهو العمل بالتوراة على عهد موسى حتى رفع اللَّه الجبل فوقهم وهددهم بالهلاك : {ورَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ واسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وعَصَيْنا} (2) [البقرة - 93] . واختلفوا في الأنبياء الذين جاؤوا بعد موسى ، ومنهم السيد المسيح (عليه السلام) ، ففريقا كذبوا ، وفريقا يقتلون كما في الآية 87 من سورة البقرة . وأيضا اختلفوا في نبوة محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ، وما آمن به إلا قليل . . ولو كانوا طلاب حق لاتفقوا على الأخذ بالقرآن الذي قامت الدلائل والبراهين على صدقه {وإِنَّهُ لَهُدىً ورَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} . هدى لمن طلب الهداية ، ورحمة لمن عمل بأحكامه وتعاليمه .
{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وهُو الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} . يقضي يوم القيامة حيث تزاح الأباطيل وتضمحل العلل ، يحكم ويفصل اللَّه بين بني إسرائيل وغيرهم فيما اختلفوا ويختلفون فيه من شؤون الدين والدنيا {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} فمن التجأ إليه فهو في كهف حريز ، ومانع عزيز {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} والمحقّ لا يبالي بما قيل ويقال عنه .
{إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ} . هذه الجمل تهدف إلى شيء واحد ، وهوان هناك صفات تميت القلب ، وتدفع بالإنسان أن يصر على الكفر والنفاق والضلال ، وتجعله والموتى سواء لا تجدي معه عظة ولا إنذار ، ومن أهم هذه الصفات الطمع والحرص على المكاسب والمناصب . . وقد تكرر هذا المعنى بأساليب شتى ، منها قوله تعالى :
{لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ولَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ولَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ} [الأعراف - 179] . ج 3 ص 425 ، وقوله : {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ ولَو كانُوا لا يَعْقِلُونَ} . {أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ ولَو كانُوا لا يُبْصِرُونَ} [يونس - 43] ج 4 ص 162 {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} . ان الذي يسمع منك ويطيعك يا محمد هو الذي يطلب الحق لوجه الحق بحيث إذا قام عليه الدليل آمن به وانقاد له ، أما أرباب المطامع والمصالح فيولون عنك مدبرين .
{ وإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ} . وقع أي ثبت ولزم ، والمراد بالقول هنا ما وعد اللَّه به من قيام الساعة ، وبالناس الكافرون ، أما الدابة فقد كثر الكلام فيها ، واللَّه سبحانه لم يبيّن لنا ما هي . والحديث عن المعصوم في بيانها لم يثبت ، حتى ولو صح سنده لم نعمل به لأنه خبر واحد ، وهو حجة في الأحكام الفرعية ، لا في الموضوعات وأصول العقيدة ، والقول بغير علم حرام ، فلم يبق إلا الأخذ بظاهر الآية الذي يدل على أن اللَّه سبحانه عندما يحشر الناس للحساب يخرج من الأرض مخلوقا يعلن ان الكافرين جحدوا الدلائل الواضحة والبراهين القاطعة على وجود اللَّه ووحدانيته ، ونبوة رسله .
وتسأل : لما ذا لم يبين سبحانه حقيقة هذه الدابة ، وترك الناس في حيرة من أمرها ، حتى قال من قال فيها بالجهل والوهم ؟
الجواب : ان الغرض من ذكرها هو مجرد التشهير بالكافرين ، وانهم يحشرون غدا أذلاء مفضوحين على رؤوس الاشهاد ، وهذا الغرض يحصل بمجرد الإشارة إلى الدابة ، وان لم تعرف باسمها وحقيقتها . فهذه الآية أشبه بقوله تعالى :
{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران - 106] .
{ويَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا} . ممن يكذب ( من} هنا بيانية ، وليست للتبعيض ، مثلها في قوله تعالى : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثانِ أي كل الأوثان لا بعضها ، والمعنى ان في الأمم مصدقين بآيات اللَّه ومكذبين بها ، واللَّه سبحانه يحشر غدا للحساب والجزاء جميع المكذبين دون استثناء ، ومعلوم ان اللَّه سبحانه يحشر المصدقين والمكذبين ، ولكن الغرض من ذكر المكذبين التهديد والوعيد {فَهُمْ يُوزَعُونَ} تمنعهم الملائكة من الذهاب يمنة ويسرة ، وتسوقهم إلى الموقف سوق النعاج إلى الذبح .
{حَتَّى إِذا جاؤُوا قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي ولَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} .
إذا وقف الجاحدون بين يدي اللَّه غدا للحساب يقول لهم موبخا ومقرعا : لما ذا كذبتم رسلي ، ولم تستجيبوا لدعوتهم ؟ وإذا كنتم جاهلين بصدقهم فلما ذا أعرضتم عن أدلتهم التي توجب العلم ، ولم تنظروا إليها نظرة من يطلب الحق ويبحث عنه لوجه الحق ؟ . وأي شيء أولى وأهم من ذلك ؟ وقد اتفق العلماء قولا واحدا على أن العقل يحكم بوجوب النظر إلى معجزة مدعي النبوة دفعا للضرر المحتمل ، وقالوا : ان العقل لا يعذر الجاهل بما يجب عليه إذا كان قادرا على البحث وتحصيل المعرفة ، وفي الحديث : يقال للعبد يوم القيامة : هلا علمت ؟ فان قال : نعم .
قيل له : هلا عملت ؟ وان قال : ما علمت . قيل له : هلا تعلمت حتى تعمل {ووَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا} حلّ بهم غضب اللَّه وعذابه بسبب كفرهم وتقصيرهم في البحث والسؤال {فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ} لانقطاع حجتهم ، وأيضا لدهشتهم من شدة الهول .
_______________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج 6 ، صفحه ٣٨-41 .
2- من أغرب ما قرأت ما نقل عن كتاب التلمود ، وهو كتاب منزل كالتوراة عند اليهود أو الكثير منهم :
((ان اللَّه إذا نزل به مسألة معضلة استشار الحاخامات في حلها ، وانه في ذات يوم رأى رأيا خاطئا ، فنبهه إلى خطئه أحد الحاخامات ، فاعترف وأذعن)) .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل} – إلى قوله - العزيز العليم} تطييب لنفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتمهيد لما سيذكره من حقية دعوته وتقوية لإيمان المؤمنين به ، وبهذا الوجه يتصل بقوله قبلا : {ولا تحزن عليهم} إلخ المشعر بحقية دعوته .
فقوله : {إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون} يشير إلى ما يقصه القرآن من قصص الأنبياء ويبين الحق فيما اختلفوا فيه من أمرهم ومنه أمر المسيح (عليه السلام) ويبين الحق فيما اختلفوا فيه من المعارف والأحكام .
وقوله : {وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين} يشير إلى أنه يهدي المؤمنين بما قصه على بني إسرائيل إلى الحق وأنه رحمة لهم تطمئن به قلوبهم ويثبت الإيمان بذلك في نفوسهم .
وقوله : {إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم} إشارة إلى أن القضاء بينهم إلى الله فهو ربه العزيز الذي لا يغلب في أمره العليم لا يجهل ولا يخطىء في حكمه فهو القاضي بينهم بحكمه فلترض نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بربه العزيز العليم قاضيا حكما ولترجع الأمر إليه كما ينبغي أن تفعل مثل ذلك في حق المشركين ولا تحزن عليهم ولا تكون في ضيق مما يمكرون .
قوله تعالى : {فتوكل على الله إنك على الحق المبين} تفريع على مجموع ما أمر به قبال كفر المشركين واختلاف بني إسرائيل أي إن أمرهم جميعا إلى الله لا إليك فاتخذه وكيلا فهو كافيك ولا تخافن شيئا إنك في أمن من الحق .
قوله تعالى : {إنك لا تسمع الموتى - إلى قوله - فهم مسلمون} تعليل للأمر بالتوكل أي إنما أمرناك بالتوكل على الله في أمر إيمانهم وكفرهم لأنهم موتى وليس في وسعك أن تسمع الموتى دعوتك وإنهم صم لا يسمعون وعمي ضالون لا تقدر على إسماع الصم إذا ولوا مدبرين - ولعله قيد عدم إسماع الصم بقوله : {إذا ولوا مدبرين} لأنهم لولم يكونوا مدبرين لأمكن تفهيمهم بنوع من الإشارة - ولا على هداية العمي عن ضلالتهم ، وإنما الذي تقدر عليه هو أن تسمع من يؤمن بآياتنا الدالة علينا وتهديهم فإنهم لإذعانهم بتلك الحجج الحقة مسلمون لنا مصدقون بما تدل عليه .
وقد تبين بهذا البيان أولا أن المراد بالإسماع الهداية .
وثانيا : أن المراد بالآيات الحجج الدالة على التوحيد وما يتبعه من المعارف الحقة .
وثالثا : أن من تعقل الحجج الحقة من آيات الآفاق والأنفس بسلامة من العقل ثم استسلم لها بالإيمان والانقياد ليس هومن الموتى ولا ممن ختم الله على سمعه وبصره .
وقوله تعالى : {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} [النمل : 82 - 85] .
هي من تمام الفصل السابق من الآيات تشير إلى البعث وبعض ما يلحق به من الأمور الواقعة فيه وبعض أشراطه وتختم السورة بما يرجع إلى مفتتحها من الإنذار والتبشير .
قوله تعالى {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} مقتضى السياق - بما أن الآية متصلة بما قبلها من الآيات الباحثة عن أمر المشركين المعاصرين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو خصوص أهل مكة من قريش وقد كانوا أشد الناس عداوة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته - أن ضمائر {عليهم} و{لهم} و{تكلمهم} للمشركين المحدث عنهم لكن لا لخصوصهم بل بما أنهم ناس معنيون بالدعوة فالمراد بالحقيقة عامة الناس من هذه الأمة من حيث وحدتهم فيلحق بأولهم من الحكم ما يلحق بآخرهم وهذا النوع من العناية كثير الورود في كلامه تعالى .
والمراد بوقوع القول عليهم تحقق مصداق القول فيهم وتعينهم لصدقه عليهم كما في الآية التالية : {ووقع القول عليهم بما ظلموا} أي حق عليهم العذاب ، فالجملة في معنى {حق عليهم القول} وقد كثر وروده في كلامه تعالى ، والفرق بين التعبيرين أن العناية في {وقع القول عليهم} بتعينهم مصداقا للقول وفي {حق عليهم القول} باستقرار القول وثبوته فيهم بحيث لا يزول .
وأما ما هو هذا القول الواقع عليهم فالذي يصلح من كلامه تعالى لأن يفسر به قوله : {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت : 53] ، فإن المراد بهذه الآيات التي سيريهم غير الآيات السماوية والأرضية التي هي بمرآهم ومسمعهم دائما قطعا بل بعض آيات خارقة للعادة تخضع لها وتضطر للإيمان بها أنفسهم في حين لا يوقنون بشيء من آيات السماء والأرض التي هي تجاه أعينهم وتحت مشاهدتهم .
وبهذا يظهر أن قوله : أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون تعليل لوقوع القول عليهم والتقدير لأن الناس ، وقوله : كانوا لإفادة استقرار عدم الإيقان فيهم والمراد بالآيات الآيات المشهودة من السماء والأرض غير الآيات الخارقة ، وقرىء إن بكسر
الهمزة وهي أرجح من قراءة الفتح فيؤيد ما ذكرناه وتكون الجملة بلفظها تعليلا من دون تقدير اللام .
وقوله : أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم بيان لآية خارقة من الآيات الموعودة في قوله : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق وفي كونه وصفا لأمر خارق للعادة دلالة على أن المراد بالإخراج من الأرض إما الإحياء والبعث بعد الموت وإما أمر يقرب منه ، وأما كونها دابة تكلمهم فالدابة ما يدب في الأرض من ذوات الحياة إنسانا كان أو حيوانا غيره فإن كان إنسانا كان تكليمه الناس على العادة وإن كان حيوانا أعجم كان تكليمه كخروجه من الأرض خرقا للعادة .
ولا نجد في كلامه تعالى ما يصلح لتفسير هذه الآية وأن هذه الدابة التي سيخرجها لهم من الأرض فتكلمهم ما هي؟ وما صفتها؟ وكيف تخرج ؟ وما ذا تتكلم به ؟ بل سياق الآية نعم الدليل على أن القصد إلى الإبهام فهو كلام مرموز فيه .
ومحصل المعنى : أنه إذا آل أمر الناس - وسوف يئول - إلى أن كانوا لا يوقنون بآياتنا المشهودة لهم وبطل استعدادهم للإيمان بنا بالتعقل والاعتبار آن وقت أن نريهم ما وعدنا إراءته لهم من الآيات الخارقة للعادة المبينة لهم الحق بحيث يضطرون إلى الاعتراف بالحق فأخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم .
هذا ما يعطيه السياق ويهدي إليه التدبر في الآية من معناها ، وقد أغرب المفسرون حيث أمعنوا في الاختلاف في معاني مفردات الآية وجملها والمحصل منها وفي حقيقة هذه الدابة وصفتها ومعنى تكليمها وكيفية خروجها وزمان خروجها وعدد خروجها والمكان الذي تخرج منه في أقوال كثيرة لا معول فيها إلا على التحكم ، ولذا أضربنا عن نقلها والبحث عنها ، ومن أراد الوقوف عليها فعليه بالمطولات .
قوله تعالى : ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون الفوج كما ذكره الراغب - الجماعة المارة المسرعة ، والإيزاع إيقاف القوم وحبسهم بحيث يرد أولهم على آخرهم .
وقوله : ويوم نحشر منصوب على الظرفية لمقدر والتقدير واذكر يوم نحشر والمراد بالحشر هو الجمع بعد الموت لأن المحشورين فوج من كل أمة ولا اجتماع لجميع
الأمم في زمان واحد وهم أحياء ، ومن في قوله : من كل أمة للتبعيض ، وفي قوله : ممن يكذب للتبيين أو للتبعيض .
والمراد بالآيات في قوله : يكذب بآياتنا مطلق الآيات الدالة على المبدأ والمعاد ومنها الأنبياء والأئمة والكتب السماوية دون الساعة وما يقع فيها وعند قيامها ودون الآيات القرآنية فقط لأن الحشر ليس مقصورا على الأمة الإسلامية بل أفواج من أمم شتى .
ومن العجيب إصرار بعضهم على أن الكلام نص في أن المراد بالآيات هاهنا وفي الآية التالية هي الآيات القرآنية قال : لأنها هي المنطوية على دلائل الصدق التي لم يحيطوا بها مع وجوب أن يتأملوا ويتدبروا فيها لا مثل الساعة وما فيها انتهى .
وفساده ظاهر لأن عدم كون أمثال الساعة وما فيها مرادة لا يستلزم إرادة الآيات القرآنية مع ظهور أن المحشورين أفواج من جميع الأمم وليس القرآن إلا كتابا لفوج واحد منهم .
وظاهر الآية أن هذا الحشر في غير يوم القيامة لأنه حشر للبعض من كل أمة لا لجميعهم وقد قال الله تعالى في صفة الحشر يوم القيامة : {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف : 47] .
وقيل : المراد بهذا الحشر هو الحشر للعذاب بعد الحشر الكلي الشامل لجميع الخلق فهو حشر بعد حشر .
وفيه أنه لوكان المراد الحشر إلى العذاب لزم ذكر هذه الغاية دفعا للإبهام كما في قوله تعالى : { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا } [فصلت : 19 ، 20] مع أنه لم يذكر في ما بعد هذه الآية إلا العتاب والحكم الفصل دون العذاب والآية كما ترى مطلقة لم يشر فيها إلى شيء يلوح إلى هذا الحشر الخاص المذكور ويزيدها إطلاقا قوله بعدها : حتى إذا جاءوا فلم يقل : حتى إذا جاءوا العذاب أو النار أو غيرها .
ويؤيد ذلك أيضا وقوع الآية والآيتين بعدها بعد نبإ دابة الأرض وهي من أشراط الساعة وقبل قوله : ويوم ينفخ في الصور إلى آخر الآيات الواصفة لوقائع يوم القيامة ، ولا معنى لتقديم ذكر واقعة من وقائع يوم القيامة على ذكر شروعه ووقوع عامة ما يقع فيه فإن الترتيب الوقوعي يقتضي ذكر حشر فوج من كل أمة لوكان من وقائع يوم القيامة بعد ذكر نفخ الصور وإتيانهم إليه داخرين .
وقد تنبه لهذا الإشكال بعض من حمل الآية على الحشر يوم القيامة فقال : لعل تقديم ذكر هذه الواقعة على نفخ الصور ووقوع الواقعة للإيذان بأن كلا مما تضمنه هذا وذاك من الأحوال طامة كبرى وداهية دهياء حقيقة بالتذكير على حيالها ولو روعي الترتيب الوقوعي لربما توهم أن الكل داهية واحدة .
وأنت خبير بأنه وجه مختلق غير مقنع ، ولوكان كما ذكر لكان دفع توهم كون الحشر المذكور في الآية في غير يوم القيامة بوضع الآية بعد آية نفخ الصور مع ذكر ما يرتفع به الإبهام المذكور أولى بالرعاية من دفع هذا التوهم الذي توهمه .
فقد بان أن الآية ظاهرة في كون هذا الحشر المذكور فيها قبل يوم القيامة وإن لم تكن نصا لا يقبل التأويل .
قوله تعالى : حتى إذا جاءوا قال أ كذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أما ذا كنتم تعملون المراد بالمجيء - بإعانة من السياق – هو الحضور في موطن الخطاب المدلول عليه بقوله : قال أ كذبتم إلخ والمراد بالآيات - كما تقدم في الآية السابقة - مطلق الآيات الدالة على الحق ، وقوله : ولم تحيطوا بها علما جملة حالية أي كذبتم بها حال كونكم لا علم لكم بها لإعراضكم عنها فكيف كذبتم بما لا تعلمون أي رميتموها بالكذب وعدم الدلالة من غير علم ، وقوله : أما ذا كنتم تعملون أي غير التكذيب .
والمعنى : حتى إذا حضروا في موطن الخطاب قال الله سبحانه لهم : أ كذبتم بآياتي حال كونكم لم تحيطوا بها علما أم أي شيء كنتم تعملون غير التكذيب ، وفي ذلك عتابهم بأنهم لم يشتغلوا بشيء غير تكذيبهم بآيات الله من غير أن يشغلهم عنه شاغل معذر .
قوله تعالى : ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون الباء في بما ظلموا للسببية وما مصدرية أي وقع القول عليهم بسبب كونهم ظالمين ، وقوله : فهم لا ينطقون تفريع على وقوع القول عليهم .
وبذلك يتأيد أن المراد بالقول الذي يقع عليهم قوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام : 144] ، والمعنى : ولكونهم ظالمين في تكذيبهم بالآيات لم يهتدوا إلى ما يعتذرون به فانقطعوا عن الكلام فهم لا ينطقون .
وربما فسر وقوع القول عليهم بوجوب العذاب عليهم والأنسب على هذا أن يكون المراد بالقول الواقع عليهم قضاؤه تعالى بالعذاب في حق الظالمين في مثل قوله :
{ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} [الشورى : 45] ، والمعنى : ولكونهم ظالمين قضي فيهم بالعذاب فلم يكن عندهم ما ينطقون به ، والوجه السابق أوجه .
وأما تفسير وقوع القول بحلول العذاب ودخول النار فبعيد من السياق لعدم ملاءمته التفريع في قوله : فهم لا ينطقون .
________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص312-320 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
عمىُ القلوب لا يقبلون دعوتك !
كان الكلام في الآيات السابقة عن المبدأ والمعاد . . . أمّا في الآيات ـ محل البحث ـ فيقع الكلام على مسألة النبوّة ، وحقّانيّة القرآن ، ليكتمل بهما هذا البحث ! .
ومن جهة أُخرى فقد كان الكلام في الآيات السابقة عن علم الله الواسع غير المحدود ، وفي الآيات محل البحث مزيد تفصيل في هذا الشأن .
أضف إلى ذلك أنّ الخطاب كان فيما سبق من الآيات موجهاً للمشركين ، وهنا يوجه الخطاب نحو الكفار الآخرين كاليهود واختلافاتهم ! .
فتقول الآيات أوّلا : {إنّ هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون} .
لقد اختلف بنو إسرائيل فيما بينهم في مسائل كثيرة! فقد اختلفوا في شأن مريم وعيسى(عليهما السلام) . وفي شأن النّبي الذي بشّرت به «التّوراة» من هو ؟
كما أنّهم اختلفوا في ما بينهم في كثير من المسائل الدينية والأحكام الشرعية . . . فجاء القرآن موضحاً هذه الأُمور بجلاء ، وقال : إن المسيح(عليه السلام) عرف نفسه بصراحة فـ {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا} [مريم : 30] .
وقال أيضاً : إنّ المسيح ولد من دون أب ، وليس أمره محالا و {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ} [آل عمران : 59] .
وأمّا النّبي الذي بشرت به التّوراة فتنطبق أوصافه على نبي الإسلام محمّد(صلى الله عليه وآله) ، ولا تنطبق على أحد سواه! .
وعلى كل حال فإنّ واحدة من مهامّ القرآن هي مواجهة الإختلافات المتولّدة من اختلاط الخرافات وحقائق التعليمات التي جاء بها الأنبياء . . . وكل نبي مسؤول أن يحسم الإختلافات الناشئة من التحريف والخلط بين الحقّ والباطل . . . وحيث أن هذا العبء لا يمكن أن ينهض به رجل أمي لم يسبق له أن يقرأ ، وفي محيط جاهلي ، فيتّضح أنّه مرسل من قبل الله!
ولما كانت مواجهة الإختلافات والوقوف بوجهها مدعاة للهدى والرحمة ، فإنّ الآية التالية تشير إلى هذا «الأصل الكلي» وتقول : {وإنّه لهدى ورحمة للمؤمنين} .
أجل ، إنّه هدى ورحمة من حيث حسم الخلافات ومبارزة الخرافات ، هدى ورحمة لأنّ دليل حقانيته كامن في عظمة محتواه !
هدى ورحمة لأنّه يهدي إلى سبيل الحق ويدل عليه ! .
وذكر «المؤمنين» هنا خاصّة . . هو لما ذكرناه آنفاً من أنّه ما لم تتوفر مرحلة من الإيمان في الانسان ، وهي مرحلة الإستعداد لقبول الحق والتسليم لله ، فإنّه لا يستطيع الاستفادة من هذا المصدر الإلهي الفيّاض .
وحيث أنّ جماعة من بني إسرائيل وقفت بوجه القرآن والحقائق الواردة فيه ، لأوامر الله ، فإنّ الآية التالية تقول في شأنهم : {إنّ ربّك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم} .
وبالرغم من أنّ هذه الآية لم تصرّح بأن قضاء الله بينهم سيكون يوم القيامة . . . إلاّ أنّه بقرينة آيتين أخريين تتحدثان عن اختلافات بني إسرائيل ، وأن الله يقضي بينهم يوم القيامة ، يتّضح أنّ مراد الآية محل البحث هو هذا المعنى ذاته .
ففي الآية (17) من سورة الجاثية يقول سبحانه : {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الجاثية : 17] .
كما ورد في ذيل الآية (93) من سورة يونس ، هذا النص المتقدم نفسه .
ووصف اللّه «بالعزيز» و«العليم» إشارة إلى ما ينبغي توفره في القاضي من هاتين الصفتين ، «العلم» بصورة كافية و«القدرة» على إجراء الحكم ، والله سبحانه أعلم من الجميع وأعزّهم .
وهذا الكلام إضافة إلى أنّه يبيّن عظمة القرآن ، وهو تهديد لبني إسرائيل ، فهو في الوقت ذاته تسلية عن قلب النّبي وتسرية عنه ، لذا فالآية التالية تقول : {فتوكل على الله} .
توكل على الله العزيز الذي لا يغلب ، والعليم بكل شيء . . توكل على الله الذي أنزل القرآن على عظمته فجعله عندك ، فتوكل عليه ولا تقلق من المشركين والمعاندين ، لأنّه يرعاك و{إنّك على الحق المبين} .
وهنا ينقدح هذا السؤال ، وهو : إذا كان القرآن حقّاً مبيناً فلماذا خالفوه ؟
فالآيات التالية تجيب على هذا السؤال ، فتقول : إذا كان أُولئك لا يذعنون للحق المبين ، ولا يؤثر في قلوبهم هذا الكلام المتين ، فلا مجال للعجب . . لـ {إنّك لا تسمع الموتى} (2) .
بل تسمع الأحياء الذين يبحثون عن الحق وأرواحهم توّاقة إليه ، أمّا إحياء الموتى ـ أو موتى الأحياء ـ لتعصبهم وعنادهم واستمرارهم على الذنب ، فلا ترهق فكرك ونفسك من أجلهم وحتى لو كانوا احياء فانهم صمّ لا يسمعون فلا يمكنهم أن يسمعوا صوتك ، وخاصة إذا اداروا إليك ظهورهم وابتعدوا عنك {ولا تسمع الصمّ الدعاء إذا وَلّوا مدبرين} .
ولعلهم لو كانوا عندك وكنت تصرخ فيهم لبلغت بعض أمواج صوتك إلى مسامعهم ، إلاّ أنّهم مع صممهم يبتعدون عنك .
كما أنّهم لو كانوا مع هذه الحال يبصرون بأعينهم لاهتدوا إلى الصراط المستقيم ، ولو ببعض العلامات ، إلاّ أنّهم عميٌ {وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} .
وهكذا فقد أوصدت جميع طرق إدراك الحقيقة بوجوههم ، فقلوبهم ميتة ، وآذانهم صمٌّ موقرة ، وأعينهم عميٌ !
فأنت يا رسول الله {إن تسمع إلاّ من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون}ويشعرون في أنفسهم بالاذعان للحق .
وفي الحقيقة إن الآيتين ـ آنفتي الذكر ـ تتحدثان عن مجموعة واضحة من عوامل المعرفة وارتباط الإنسان بالعالم الخارجي وهي :
«حس التشخيص» ، والعقل اليقظ ، في مقابل القلب الميت .
«الأذن الصاغية» لإكتساب الكلام الحق ، عن طريق السمع .
«والعين الباصرة» لرؤية وجه الحق ووجه الباطل ، عن طريق البصر .
إلاّ أن العناد واللجاجة والتقليد الأعمى والذنب . . . كلها تعمي العين التي بها يرى الانسان الحقيقة ، وتوفر سمعه ، وتميت قلبه .
ومثل هؤلاء المعاندين المذنبين ، لوجاء جميع الأنبياء والأولياء والملائكة لهدايتهم ، لما أثّروا فيهم شيئاً ، لأنّ ارتباطهم بالعالم الخارجي مقطوع ، وهم غارقون في «مستنقع ذواتهم» فحسب ! .
ونظير هذا التعبير ورد في سورة البقرة وسورة الروم وسور أخر من القرآن (وكان لنا بحث آخر في نعمة «وسائل المعرفة» في تفسير سورة النحل ذيل الآية 78 .
ومرّة أُخرى نذكّر بهذه اللطيفة وهي أنّ المراد من الإيمان والتسليم ليس معناه أنّهم قبلوا حقائق الدين من قبل ، فيكون من باب تحصيل الحاصل ، بل الهدف من ذلك أن الإنسان إذا لم يكن فيه شوق للحق وخضوع لأمر الله ، فإنه لا يصغي إلى كلام النّبي أبداً .
وقوله تعالى : {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82) وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ } [النمل : 82 - 85] .
لمّا كانت الآية السابقة تتحدث عن استعجال الكفّار بالعذاب ونزوله ، أو تحقق القيامة وانتظارهم بفارغ الصبر ووقوع ذلك ، وكانوا يقولون للنّبي(صلى الله عليه وآله) : (متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} . ومتى يوم القيامة؟! فإنّ الآيات ـ محل البحث ـ تشير إلى بعض الحوادث التي تقع بين يدي القيامة ، وتجسد عاقبة المنكرين الوخيمة ، فتقول : {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} .
والمراد من قوله تعالى : (وقع القول عليهم} هو صدور أمر الله وما وعدهم من العقاب والجزاء . . أو وقوع يوم القيامة وحضور علائمها ، العلائم التي يخضع لها كل من يراها ، ويستسلم لأمر الله ، ويحصل عنده اليقين بأنّ وعد الله حق ، وأن القيامة قد اقتربت . . وحينئذ توصد أبواب التوبة . . . لأنّ الإيمان في مثل هذه الظروف يقع اضطراراً .
وبالطبع فإنّ هذين المعنيين متلازمان لأنّ اقتراب القيامة يقترن بنزول العذاب ومجازاة الكافرين .
ولكن ما هي «دابة الأرض»؟ وما مصداقها؟ وأية مهمّة تحملها ؟ . . فالقرآن يجمل ولا يفصل ، وكأنّه يريد أن يترك الموضوع مجملا غامضاً ، ليكون الكلام فيه أكثر تأثيراً وباعثاً على التهويل .
فيقول مختصراً : يُخرج الله موجوداً يتحرك «أو دابة من الأرض» بين يدي القيامة ، فيتكلم مع الناس ويقول : «إنّ الناس كانوا لا يؤمنون بآيات الله» .
وبتعبير آخر : إنّ مهمّة هذه الدابة هي تفريق الصفوف وتمييز المنافقين والمنكرين من المؤمنين .
وبديهي أن المنكرين يرجعون إلى أنفسهم عند مشاهدة هذه الآيات ، ويندمون على ما سلف منهم وعلى أيّامهم المظلمة ، ولكن ما عسى أن ينفعهم الندم وأبواب التوبة موصدة ؟!
وهناك مسائل كثيرة ومطالب وفيرة في خصوصيات «دابة الأرض» وجزئياتها وصفاتها في الرّوايات الإسلامية الواردة في كتب الفريقين ، الشيعة وأهل السنة ، وسنتعرض إليها ذيل هذه الآيات في باب البحوث إن شاء الله .
ثمّ تشير الآيات إلى علامة أُخرى من علامات القيامة ، فتقول : {ويوم نحشر من كل أمّة فوجاً ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون} .
«والحشر» معناه إخراج جماعة ما من مقرّها والسير بها نحو ميدان الحرب أو غيره! و«الفوج» ، كما يقول الراغب في المفردات : الجماعة التي تتحرك بسرعة .
وأمّا «يوزعون» فمعناه حبس الجماعة وإيقافها حتى يلحق الآخر منها بالأوّل . . وهذا التعبير يطلق ـ عادة ـ على الجماعات الكثيرة ، نظير ما قرأنا في شأن جنود سليمان في هذه السورة ذاتها .
فبناءً على هذا يستفاد من مجموع الآية أن يوماً سوف سيأتي يحشر الله فيه من كل أُمّة جماعة ، ويهيؤهم للحساب والجزاء على أعمالهم ! .
والكثير من الأعاظم يعتقدون بأنّ هذه الآية تشير إلى مسألة الرجعة وعودة جماعة من الصالحين وجماعة من الطالحين إلى هذه الدنيا قبيل يوم القيامة . . لأنّ التعبير لوكان عن القيامة لم يكن قوله «نحشر من كل أُمّة فوجاً» صحيحاً . . إذ في القيامة يكون الحشر عاماً للجميع ، كما جاء في الآية (47) من سورة الكهف قوله تعالى : {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف : 47] .
والشاهد الآخر على أنّ الآيات هذه تتحدث عمّا يقع قبيل القيامة ، هو أن الآيات التي قبلها كانت تتحدث عن الحوادث التي تقع قبل القيامة ، والآيات التي تلي الآيات محل البحث تتحدث عن الحوادث التي تقع قبيل القيامة أيضاً . . . فمن البعيد أن تتحدث الآيات السابقة واللاحقة عن ما يقع قبل القيامة ، وهذه الآيات محل البحث ـ فقط ـ تتحدث عن ما يقع في يوم القيامة .
وهناك روايات كثيرة في هذا الصدد عن مسألة الرجعة سنتناولها في البحوث القادمة إن شاء الله ، إلاّ أن المفسّرين من أهل السنة يعتقدون أن الآية ناظرة إلى يوم القيامة ، وقالوا : إنّ المراد بالفوج هو إشارة إلى رؤساء الجماعات وأئمتهم! وأمّا عدم الإنسجام بين الآيات الذي يُحدثه هذا التّفسير ، فقالوا : إنّ الآيات بحكم التأخير والتقديم ، فكأن الآية (83) حقّها أن تقع بعد الآية (85) .
إلاّ أنّنا نعلم أن تفسير الفوج بالمعنى الآنف الذكر خلاف الظاهر ، وكذلك عدم انسجام الآيات بأنّها في حكم التأخير والتقديم هو خلاف الظاهر أيضاً .
{حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علماً أمّاذا كنتم تعملون} (3) .
وقائل هذا الكلام هو الله سبحانه ، والمراد من «الآيات» هي المعاجز التي يأتي بها الأنبياء ، أو أوامر الله ، أو الجميع ! .
والمراد من جملة (ولم تحيطوا بها علماً} هو أنّكم بدون أن تتحققوا وتطّلعوا على حقيقة الأمر ، كذبتم الآيات ، وهذا منتهى الجهل وعدم المعرفة أن ينكر الإنسان شيئاً دون أن يتحقق منه ! .
وفي الحقيقة فإنّهم يسألون عن شيئين .
الأوّل : تكذيبهم دون أن يفحصوا عن الحق .
والآخر : عن أعمالهم التي كانوا يقومون بها .
وإذا كانت الآية ـ آنفة الذكر ـ تتحدث عن القيامة ، فمفهومها واضح . وأمّا إذا كانت تشير إلى مسألة الرّجعة ـ كما يقتضيه انسجام الآيات ـ فهي إشارة إلى أنّه عندما يرجع إلى هذه الدنيا طائفة من المجرمين . . . فولي الأمر الذي يمثل الله ، وهو خليفته في الأرض ، يتحقق منهم ويسألهم عمّا فعلوه في حياتهم ، ثمّ يجازيهم حسب ما يستحقون من الجزاء الدنيوي ، ولا يمنع هذا من عذاب الآخرة ، كما أن كثيراً من المجرمين ينالون الحدّ الشرعي في هذه الدنيا ، ويستوفون جزاءهم ، فإذا لم يتوبوا فإنّ مايستحقون من العقاب ينتظرهم في الآخرة .
وبديهي أنّ هؤلاء المجرمين لا يستطيعون الإجابة على أيّ من هذين السؤالين ، لذلك فإنّ الآية الأخيرة من الآيات محل البحث تضيف قائلة : {ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون} .
وهذا القول أو العذاب دنيوي ، إذا فسّرنا الآية بالرجعة ، أو هو عذاب الآخرة إذا فسّرنا الآية بيوم القيامة .
________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص490-500 .
2 ـ قال جماعة من المفسّرين : إن هذه الجملة والجمل الأُخر التي تليها بمثابة الدليل على لزوم توكل النّبي على الله وعدم يأسه . . . مع أن الظاهر أنّها جواب على سؤال يثار في شأن القرآن وكونه هو «الحق المبين» .
3 ـ جملة (أمّاذا كنتم تعملون) جملة استفهاميّة و(أما) مركبة من (أم) التي هي حرف عطف وتأتي بعد همزة الإستفهام عادة ، وتسمّى بالمعادلة ، و(ما) الإستفهامية . ومعنى الآية : أو أيّ شيء كنتم تعملون .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|