أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-8-2020
7280
التاريخ: 18-8-2020
3879
التاريخ: 19-8-2020
2795
التاريخ: 18-8-2020
5513
|
قال تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45) قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } [النمل : 45 - 53] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
ثم عطف سبحانه على قصة سليمان قصة صالح فقال {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم} في النسب {صالحا أن اعبدوا الله} أي أرسلناه بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له {فإذا هم فريقان يختصمون} أي مؤمنون وكافرون يقول كل فريق الحق معي {قال} صالح للفريق المكذب {يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة} أي بالعذاب قبل الرحمة أي لم قلتم إن كان ما أتينا به حقا فأتنا بالعذاب وسمي العذاب سيئة لما فيه من الآلام ولأنه جزاء على السيئة لأن السيئة هي الخصلة التي تسوء صاحبها {لولا} أي هلا {تستغفرون الله} أي تطلبون مغفرته من الشرك بأن تؤمنوا {لعلكم ترحمون} فلا تعذبون في الدنيا {قالوا اطيرنا بك وبمن معك} أي تشأمنا بك وبمن على دينك وذلك أنهم قحط المطر عنهم وجاعوا فقالوا أصابنا هذا الشر من شؤمك وشؤم أصحابك {قال} لهم صالح {طائركم عند الله} أي الشؤم أتاكم من عند الله بكفركم وهذا كقوله {يطيروا بموسى ومن معه إلا إنما طائرهم عند الله} .
{بل أنتم قوم تفتنون} أي تختبرون بالخير والشر عن ابن عباس وقيل تعذبون بسوء أعمالكم عن محمد بن كعب وقيل تبتلون وتمتحنون بطاعة الله ومعصيته {وكان في المدينة} يعني التي بها صالح وهي الحجر {تسعة رهط يفسدون في الأرض} كانت هذه التسعة النفر من أشرافهم وهم غواة قوم صالح وهم الذين سعوا في عقر الناقة {ولا يصلحون} أي لا يطيعون الله تعالى وذكر ابن عباس أسماءهم وقال هم قدار بن سالف ومصدع ودهمي ودهيم ودعمي ودعيم وأسلم وقتال وصداف .
{قالوا تقاسموا بالله} أي قالوا فيما بينهم احلفوا بالله {لنبيتنه} أي لنقتلن صالحا {وأهله} بياتا ومن قرأ بالنون فكأنهم قالوا أقسموا لنفعلن والأمر بالقسم في القراءتين داخل في الفعل منهم {ثم لنقولن لوليه} أي لذي رحم صالح أن سألنا عنه {ما شهدنا مهلك أهله} أي ما قتلناه وما ندري من قتله وأهلكه وقد ذكرنا اختلاف القراء فيه في سورة الكهف {وإنا لصادقون} في هذا القول قال الزجاج كان هؤلاء النفر تحالفوا أن يبيتوا صالحا وأهله ثم ينكروا عند أوليائه أن يكونوا فعلوا ذلك أو رأوه وكان هذا مكرا عزموا عليه .
قال الله تعالى {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا} أي جازيناهم جزاء مكرهم بتعجيل عقوبتهم {وهم لا يشعرون} بمكر الله بهم فإنهم دخلوا على صالح ليقتلوه فأنزل الله سبحانه الملائكة فرموا كل واحد منهم بحجر حتى قتلوهم وسلم صالح من مكرهم عن ابن عباس وقيل إن الله أمر صالحا بالخروج من بينهم ثم استأصلهم بالعذاب وقيل نزلوا في سفح جبل ينظر بعضهم بعضا ليأتوا صالحا فخر عليهم الجبل عن مقاتل .
{فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم} أي أهلكناهم بما ذكرناه من العذاب {وقومهم أجمعين} بصيحة جبرائيل {فتلك بيوتهم} أشار إلى بيوتهم والمعنى فانظر إليها {خاوية} نصب على الحال أي فارغة خالية {بما ظلموا} أي بظلمهم وشركهم بالله تعالى {إن في ذلك} أي في إهلاكهم {لآية لقوم يعلمون} أي لعبرة لمن نظر إليها واعتبر بها وفي هذه الآية دلالة على أن الظلم يعقب خراب الدور وروي عن ابن عباس أنه قال أجد في كتاب الله أن الظلم يخرب البيوت وتلا هذه الآية وقيل إن هذه البيوت بوادي القرى بين المدينة والشام {وأنجينا الذين آمنوا} به {وكانوا يتقون} قالوا أنهم أربعة آلاف خرج بهم صالح إلى حضرموت وسمي حضرموت لأن صالحا لما دخلها مات .
________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص391-392 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{ ولَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهً} . تقدم في الآية 73 من سورة الأعراف والآية 61 من سورة هود {فَإِذا هُمْ فَرِيقانِ يَخْتَصِمُونَ} فريق آمن بالحق ، وفريق كذّب به ، لأنه يصطدم مع منافعهم وأغراضهم ، ومن هنا وقع الخصام بين الفريقين ، ولولاها لقال الفريق الثاني للأول : لكم دينكم ولي دين . {قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَولا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهً لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .
أنذر صالح المكذبين بالعذاب ان أصروا على الضلال والعناد ، فقالوا ساخرين :
ائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين كما في الآية 77 من سورة الأعراف ، فقال لهم بعطف ولين : علام تستعجلون نقمة اللَّه ، وهو سبحانه لم يعاجلكم بها ، وأمهلكم طويلا لترجعوا عن غيكم . . فخير لكم أن تتوبوا إليه ، وتطلبوا منه الرحمة ، وهو كريم وغفور رحيم يقبل منكم التوبة ، ويشملكم بعفوه ورحمته .
{قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وبِمَنْ مَعَكَ} . التطير التشاؤم . . بعد أن دعاهم صالح إلى اللَّه ، وأعرضوا عن دعوته أصابهم المرض والجدب ، فتشاءموا به ، وبدعوته وبمن أمن به وبها . {قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} . ان الذي نزل بكم من البلاء هو بإرادة اللَّه التي تنتهي إليها جميع الأسباب ، وتقدم نظيره في الآية 131 من سورة الأعراف ج 3 ص 384 . وكان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) يحب الفأل لأن فيه الأمل والثقة باللَّه ، ويكره الطيرة لأن فيها التوقع للبلاء ، وفي الحديث : إذا تطيرت فامض ، وإذا حسدت فلا تبغ ، وإذا ظننت فلا تحقق {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} تختبرون بالسراء والضراء لتظهر أفعالكم التي تستحقون بها الثواب والعقاب .
{وكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ ولا يُصْلِحُونَ} . كانوا من المترفين يتطاولون على الناس بثرائهم ، ويتخذون منه أداة للاستبداد والإفساد في الأرض ، ويقاومون كل مصلح ومحب للخير ، ولم يكن فيهم جهة تذم وجهة تمدح ، بل كل ما فيهم قبيح ومذموم ، وهذا هو المراد بقوله تعالى :
ولا يصلحون . {قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وإِنَّا لَصادِقُونَ} . ضمير تقاسموا يعود للتسعة المفسدين ، وضمير لنبيتنه وأهله ووليه يعود لصالح ، والمعنى ان هؤلاء التسعة قال بعضهم لبعض : احلفوا باللَّه ان نباغت صالحا وأهله ليلا ونقتلهم جميعا ، ثم نقول لأرحامه وأولياء دمه :
ما قتلناهم ، ولا نعرف من قتلهم ، ونحن صادقون فيما نقول .
{ومَكَرُوا مَكْراً ومَكَرْنا مَكْراً وهُمْ لا يَشْعُرُونَ} . أما مكر التسعة فهو تدبيرهم ان يباغتوا صالحا بياتا ، ويقتلوه وأهله دون أن يشعر أحد بذلك ، وأما مكره تعالى فهوانه تعالى عجل بأخذهم وهلاكهم قبل أن يصلوا إلى صالح من حيث لا يشعرون . انظر تفسير الآية 54 من سورة آل عمران ج 2 ص 86 فقرة : اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ {فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} . أرادوا أن يهلكوا صالحا فأهلكهم اللَّه ، وفي ذلك عبرة وعظة لمن يبيت الإساءة للآخرين {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا} أنفسهم .
لأن اللَّه حذرهم وأمهلهم ، فأصروا على الفساد والضلال {إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} المراد بالعلم هنا المقرون بالعمل والاعتبار ، أما العلم المجرد عن العمل فإن الجهل خير منه لأنه وبال على صاحبه {وأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وكانُوا يَتَّقُونَ} .
هذا على عادة القرآن الكريم إذا ذكر الظالمين وعقابهم ذكر المتقين وثوابهم ، والقصد الترهيب والترغيب .
_______________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص ٢٦-27 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
إجمال من قصة صالح النبي (عليه السلام) وقومه ، وجانب الإنذار في الآيات يغلب على جانب التبشير كما تقدمت الإشارة إليه .
قوله تعالى : {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا} - إلى قوله - - يختصمون} الاختصام والتخاصم التنازع وتوصيف التثنية بالجمع أعني قوله : {فريقان} بقوله : {يختصمون} لكون المراد بالفريقين مجموع الأمة و{إذا} فجائية .
والمعنى : وأقسم لقد أرسلنا إلى قوم ثمود أخاهم ونسيبهم صالحا وكان المرجو أن يجتمعوا على الإيمان لكن فاجأهم أن تفرقوا فريقين مؤمن وكافر يختصمون ويتنازعون في الحق كل يقول : الحق معي ، ولعل المراد باختصامهم ما حكاه الله عنهم في موضع آخر بقوله : {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الأعراف : 75 ، 76] .
ومن هنا يظهر أن أحد الفريقين جمع من المستضعفين آمنوا به والآخر المستكبرون وباقي المستضعفين ممن اتبعوا كبارهم .
قوله تعالى : {قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة} إلخ الاستعجال بالسيئة قبل الحسنة المبادرة إلى سؤال العذاب قبل الرحمة التي سببها الإيمان والاستغفار .
وبه يظهر أن صالحا (عليه السلام) إنما وبخهم بقوله هذا بعد ما عقروا الناقة وقالوا له : يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فيكون قوله : {لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون} تحضيضا إلى الإيمان والتوبة لعل الله يرحمهم فيرفع عنهم ما وعدهم من العذاب وعدا غير مكذوب .
قوله تعالى : {قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله} إلخ التطير هو التشؤم ، وكانوا يتشأمون كثيرا بالطير ولذا سموا التشؤم تطيرا ونصيب الإنسان من الشر طائرا كما قيل .
فقولهم خطابا لصالح : {اطيرنا بك وبمن معك} أي تشأمنا بك وبمن معك ممن آمن بك ولزمك لما أن قيامك بالدعوة وإيمانهم بك قارن ما ابتلينا به من المحن والبلايا فلسنا نؤمن بك .
وقوله خطابا للقوم : {طائركم عند الله} أي نصيبكم من الشر وهو الذي تستوجبه أعمالكم من العذاب عند الله سبحانه .
ولذا أضرب عن قوله : {طائركم عند الله} بقوله : {بل أنتم قوم تفتنون} أي تختبرون بالخير والشر ليمتاز مؤمنكم من كافركم ومطيعكم من عاصيكم .
ومعنى الآية : قال القوم : تطيرنا بك يا صالح وبمن معك فلن نؤمن ولن نستغفر قال صالح : طائركم الذي فيه نصيبكم من الشر عند الله وهو كتاب أعمالكم ولست أنا ومن معي ذوي أثر فيكم حتى نسوق إليكم هذه الابتلاءات بل أنتم قوم تختبرون وتمتحنون بهذه الأمور ليمتاز مؤمنكم من كافركم ومطيعكم من عاصيكم .
وربما قيل : إن الطائر هو السبب الذي منه يصيب الإنسان ما يصيبه من الخير
والشر ، فإنهم كما كانوا يتشأمون بالطير كانوا أيضا يتيمنون به والطائر عندهم الأمر الذي يستقبل الإنسان بالخير والشر كما في قوله تعالى : { وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا} [الإسراء : 13] ، وإذ كان ما يستقبل الإنسان من خير أوشر هو بقضاء من الله سبحانه مكتوب في كتاب فالطائر هو الكتاب المحفوظ فيه ما قدر للإنسان .
وفيه أن ظاهر ذيل آية الإسراء أن المراد بالطائر هو كتاب الأعمال دون كتاب القضاء كما يدل عليه قوله : {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا} .
وقيل : معنى {بل أنتم قوم تفتنون} أي تعذبون ، وما ذكرناه أولا أنسب .
قوله تعالى : {وكان في المدينة تسعة رهط} إلخ قال الراغب : الرهط العصابة دون العشرة وقيل إلى الأربعين انتهى ، وقيل : الفرق بين الرهط والنفر أن الرهط من الثلاثة أو السبعة إلى العشرة والنفر من الثلاثة إلى التسعة انتهى .
قيل : المراد بالرهط الأشخاص ولذا وقع تمييزا للتسعة لكونه في معنى الجمع فقد كان المتقاسمون تسعة رجال .
قوله تعالى : {قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون} التقاسم المشاركة في القسم ، والتبييت القصد بالسوء ليلا ، وأهل الرجل من يجمعه وإياهم بيت أو نسب أودين ، ولعل المراد بأهله زوجه وولده بقرينة قوله بعد : {ثم لنقولن لوليه ما شهدنا} ، وقوله : {وإنا لصادقون} معطوف على قوله : {ما شهدنا} فيكون من مقول القول .
والمعنى : قال الرهط المفسدون وقد تقاسموا بالله : لنقتلنه وأهله بالليل ثم نقول لوليه إذا عقبنا وطلب الثأر ما شهدنا هلاك أهله وإنا لصادقون في هذا القول ، ونفي مشاهدة مهلك أهله نفي لمشاهدة مهلك نفسه بالملازمة أو الأولوية ، على ما قيل .
وربما قيل : إن قوله : {وإنا لصادقون} حال من فاعل نقول أي نقول لوليه كذا والحال أنا صادقون في هذا القول لأنا شهدنا مهلكه وأهله جميعا لا مهلك أهله فقط .
ولا يخفى ما فيه من التكلف وقد وجه بوجوه أخر أشد تكلفا منه ولا ملزم لأصل الحالية .
قوله تعالى : {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون} أما مكرهم فهو التواطىء على تبييته وأهله والتقاسم بشهادة السياق السابق وأما مكره تعالى فهو تقديره هلاكهم جميعا بشهادة السياق اللاحق .
قوله تعالى : {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} التدمير الإهلاك ، وضمائر الجمع للرهط ، وكون عاقبة مكرهم هو إهلاكهم وقومهم من جهة أن مكرهم استدعى المكر الإلهي على سبيل المجازاة ، واستوجب ذلك إهلاكهم وقومهم .
قوله تعالى : {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا} إلخ ، الخاوية الخالية من الخواء بمعنى الخلاء ، والباقي ظاهر .
قوله تعالى : {وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} فيه تبشير للمؤمنين بالإنجاء ، وقد أردفه بقوله : {وكانوا يتقون} إذ التقوى كالمجن للإيمان وقد قال تعالى : {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف : 128] ، وقال : {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } [طه : 132] .
_______________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص298-301 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
صالحٌ في ثمود :
بعد ذكر جانب من قصص موسى وداود وسليمان (عليهم السلام) فإنّ هذه الآيات تتحدث عن قصّة رابع نبيّ ـ وتبيّن جانباً من حياته مع قومه ـ في هذه السورة ، وهي ما جاء عن صالح (عليه السلام) وقومه «ثمود» !
إذ يقول القرآن : {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً أن اعبدوا الله} (2) .
وكما قيل من قبل : إنّ التعبير بـ «أخاهم» الوارد في قصص كثير من الأنبياء ، هو إشارة إلى منتهى المحبّة والإشفاق من قبل الأنبياء لأُممهم ، كما أن في بعض المواطن إشارة الى علاقة القربى «الروابط العائلية للانبياء بأقوامهم» .
وعلى كل حال ، فإنّ جميع دعوة هذا النّبي العظيم تلخصت في جملة {أن اعبدوا الله} . أجل ، إنّ عبادة الله هي عصارة كل تعليمات رسل الله .
ثمّ يضيف قائلا : {فاذا هم فريقان يختصمون} (3) . المؤمنون من جهة والمنكرون المعاندون من جهة أُخرى .
وقد عبر في الآيتين 75 و76 من سورة الأعراف عن الفريقين ، بالمستكبرين والمستضعفين : (قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربّه قالوا إنّا بما أرسل به مؤمنون ، قال الذين استكبروا إنّا بالذي آمنتهم به كافرون} .
وبالطبع فإنّ هذه المواجهة بين الفريقين «الكفار والمؤمنين» تصدق في شأن كثير من الأنبياء ، بالرغم من أن بعض الانبياء بقوا محرومين حتى من هذا المقدار القليل من الانصار حيث وقف كل افراد قومهم ضدهم .
فأخذ صالح(عليه السلام) ينذرهم ويحذرهم من عذاب الله الأليم . . . إلاّ أنّ أُولئك لم يستجيبوا له وتمسكوا بعنادهم وطلبوا منه باصرار أن إذا كنت نبيّاً فليحل بنا عذاب الله «وقد صرحت الآية 77 من سورة الأعراف بأنّهم سألوا نبيّهم نزول العذاب» {وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف : 77] .
إلاّ أن صالحاً أجابهم محذراً و{قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة} .
فلِمَ تفكرون بعذاب الله دائماً وتستعجلونه؟ ألا تعلمون أن عذاب الله إذا حلّ بساحتكم ختم حياتكم ولا يبقى مجال للايمان؟
تعالوا واختبروا صدق دعوتي في البعد الايجابي والأمل في رحمة الله في ظل الإيمان به {لولا تستغفرون الله لعلكم تُرحمون} ! .
علام تسألون عن نزول العذاب وتصرون على السيئات؟! ولم هذا العناد وهذه الحماقة؟!
لم يكن قوم صالح ـ وحدهم ـ قد طلبوا العذاب بعد انكارهم دعوة نبيّهم ، فقد ورد في القرآن المجيد هذا الامر مراراً في شأن الامم الآخرين ، ومنهم قوم هود «كما في الآية 70 من سورة الاعراف» .
ونقرأ في شأن النّبي محمّد (صلى الله عليه وآله) وما واجهه به بعض المشركين المعاندين ، إذ قالوا : {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [الأنفال : 32] .
وهذا أمر عجيب حقّاً أن يريد الإنسان اختبار صدق دعوة نبيّه عن طريق العقاب المهلك ، لا عن طريق طلب الرحمة! مع أنّهم يعلمون يقيناً احتمال صدق دعوة هؤلاء الأنبياء «يعلمون ذلك في قلوبهم وإن أنكروه بلسانهم» .
وهذا الأمر يشبه حالة ما لو أدعى رجل بأنّه طبيب ، فيقول : هذا ا لدواء ناجع شاف ، وذلك الدواء ضار مهلك . ونحن من أجل أن نختبر صدقه نستعمل الدواء المهلك !!
فهذا منتهى الجهل والتعصب . . . ولمرض الجهل الكثير من هذه الافرازات .
وعلى كل حال ، فإنّ هؤلاء القوم المعاندين بدلا من أن يصغوا لنصيحة نبيّهم ويستجيبوا له ، واجهوه باستنتاجات واهية وكلمات باطلة! . . . منها أنّهم {قالوا اطيرنا بك وبمن معك} ولعل تلك السنة كانت سنة قحط وجدب ، فقالوا : إنّ هذا البلاء والمشاكل والعقبات كلّها بسبب قدوم هذا النّبي وأصحابه . . . فهم مشؤومون جلبوا الشقاء لمجتمعنا !!
فكانوا يحاولون مواجهة دعوة نبيّهم صالح ومنطقه المتين بحربة التطير ، التي هي حربة المعاندين الخرافيين .
لكنّه ردّ عليهم و {قال طائركم عند الله} فهو الذي يبتليكم بسبب أعمالكم بهذه المصائب التي ادت إلى هذه العقوبات .
في الحقيقة إن ذلك اختبار وإمتحان إلهي كبير لكم ، أجل {بل أنتم قوم تفتنون} .
هذه امتحانات وفتن إلهية . . . هذه إنذارات وتنبيهات لينتبه ـ من فيهم اللياقة من غفلتهم ، ويصلحوا انحرافهم ويتجهوا نحو الله ! .
وقوله تعالى : {وَكَانَ فِي الْمَدِيْنَةِ تِسْعَةُ رَهْط يُفْسِدُونَ فِى الاْرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ (48) قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وِإنَّا لَصَدِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَهُمْ وَقَومَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةٌ بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذلِكَ لاَيَةً لِّقَوم يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ}
تآمر تسعة رهط في وادي القُرى :
نقرأ هنا قسماً آخر من قصّة «صالح» وقومه ، حيث يكمل القسم السابق ويأتي على نهايته ، وهو ما يتعلق بالتآمر على قتل «صالح» من قِبل تسعة «رهط» (3) من المنافقين والكفار ، وفشل هذا التآمر! في وادي القرى منطقة «النّبي صالح وقومه» .
يقول القرآن في هذا الشأن {وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الارض ولا يصلحون} .
ومع ملاحظة أنّ «الرّهط» يعني في اللغة الجماعة التي تقلُّ عن العشرة أو تقلّ عن الأربعين ، فإنّه يتّضح أن كلاّ من المجموعات الصغيرة التسع كان لها منهج خاص ، وقد اجتمعوا على أمر واحد ، وهو الإفساد في الأرض والاخلال بالمجتمع (ونظامه الإجتماعي) ومبادىء العقيدة والأخلاق فيه .
وجملة «لا يصلحون» تأكيد على هذا الأمر ، لأنّ الإنسان قد يفسدُ في بعض الحالات ثمّ يندم ويتوجه نحو الإصلاح . . إنّ المفسدين الواقعيين ليسوا كذلك ، فهم يواصلون الفساد والإفساد ولا يفكرون بالإصلاح ! .
وخاصّة أن الفعل في الجملة «يفسدون» فعل مضارع ، وهو يدل على الإستمرار ، فمعناه أن إفسادهم كان مستمراً . . . وكلّ رهط من هؤلاء التسعة كان له زعيم وقائد . . . ويحتمل أن كلاًّ ينتسب إلى قبيلة ! .
ولا ريب أن ظهور «صالح» بمبادئه السامية قد ضيّق الخناق عليهم ، ولذلك تقول الآية التالية في حقّهم : {قالوا تقاسموا بالله لنبيتنّه وأهله ثمّ لنقولنّ لوليّه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون} .
«تقاسموا» فعل أمر ، أيّ اشتركوا جميعاً في اليمين ، وتعهّدوا على هذه المؤامرة الكبرى تعهداً لا عودة فيه ولا انعطاف! .
الطريف أنّ أُولئك كانوا يقسمون بالله ، ويعني هذا أنّهم كانوا يعتقدون بالله ، مع أنّهم يعبدون الأصنام ، وكانوا يبدأون باسمه في المسائل المهمّة . . كما يدل هذا الأمر على أنّهم كانوا في منتهى الغرور و«السكر» بحيث يقومون بهذه الجناية الكبرى على اسم الله وذكره !! فكأنّهم يريدون أن يقوموا بعبادة أو خدمة مقبولة . . . إلاّ أنّ هذا نهج الغافلين المغرورين الذين لا يعرفون الله والضالين عن الحق .
وكلمة «لنبيتنّه» مأخوذة من ـ«التبييت» ، ومعناه الهجوم ليلا ، وهذا التعبير يدلّ على أنّهم كانوا يخافون من جماعة صالح وأتباعه ، ويستوحشون من قومه . . لذلك ومن أجل أن يحققوا هدفهم ولا يكونوا في الوقت ذاته مثار غضب أتباع صالح ، اضطروا إلى أن يبيتوا الأمر ، واتفقوا أن لو سألوهم عن مهلك النّبي ـ لأنّهم كانوا معروفين بمخالفته من قبل ـ حلفوا بأن لا علاقة لهم بذلك الأمر ، ولم يشهدوا الحادثة أبداً .
جاء في التواريخ أن المؤامرة كانت بهذه الصورة ، وهي أن جبلا كان في طرف المدينة وكان فيه غار يتعبّد فيه صالح ، وكان يأتيه ليلا بعض الأحيان يعبد الله فيه ويتضرع إليه ، فصمّموا على أن يكمنوا له هناك ليقتلوه عند مجيئه في الليل ، ويحملوا على بيته بعد استشهاده ثمّ يعودوا إلى بيوتهم ، وإذا سئلوا أظهروا جهلهم وعدم معرفتهم بالحادث .
فلمّا كمنوا في زاوية واختبأوا في ناحية من الجبل انثالت صخور من الجبل تهوي إلى الأرض ، فهوت عليهم صخرة عظيمة فأهلكتهم في الحال !
لذلك يقول القرآن في الآية التالية : {ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون} .
ثمّ يضيف قائلا : {فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرنا هم وقومهم أجمعين} .
وكلمة (مكر) ـ كما بينّاها سابقاً ـ تستعملها العرب في كل حيلة وتفكير للتخلص أو الإهتداء إلى أمر ما . . ولا تختص بالاُمور التي تجلب الضرر ، بل تستعمل بما يضر وما ينفع . . فيصح وصف المكر بالخير إذا كان لما ينفع ، ووصفه بالسوء إذا كان لما يضرّ . . قال سبحانه : {ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين} . وقال : {ولا يحيق المكر السيء إلاّ بأهله} ! «فتأملوا بدقّة»
يقول الراغب في المفردات . . المكر صرف الغير عما يقصده . . فبناءً على هذا إذا نسبت هذه الكلمة إلى الله فإنّها تعني إحباط المؤامرات الضارة من قبل الآخرين ، وإذا نسبت إلى المفسدين فهي تعني الوقوف بوجه المناهج الإصلاحية ، والحيلولة دونها .
ثمّ يعبّر القرآن عن كيفية هلاكهم وعاقبة أمرهم فيقول : {فتلك بيوتهم خاويةً بما ظلموا} .
فلا صوتَ يُسمع منها ولا حركة تتردد ولا أثر من تلك الزخارف والزبارج والنعم والمجالس الموبوءة بالذنوب والخطايا .
أجل ، لقد أذهبهم ريح عتوّهم وظلمهم ، واحترقوا بنار ذنوبهم فهلكوا جميعاً {إن في ذلك لآية لقوم يعلمون} .
إلاّ أن الأخضر لم يحترق باليابس ، والأبرياء لم يؤخدوا بجرم الأشقياء . . . بل سلم المتقون {وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} .
________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص459-466 .
2 ـ جملة (أن اعبدوا الله) مجرورة بحرف جر مقدرو أصلها : ولقد ارسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً بعبادة الله .
3 ـ كلمة (فريقان) تثنية ، وفعلها مسند إلى ضمير الجميع ، وذلك لأنّ كل فريق يتألف من جماعة . . . فأخذ الجمع بنظر الإعتبار . .
4 ـ «الرهط» من الناس ما لا يقل عن الثلاثة ولا يزيد عن العشرة ، وهو اسم جنس لا مفرد له من نوعه ويجمع على أراهط وأرهاط ـ ولا يكون في الرهط امرأة (المصحح) .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|