أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-8-2020
2839
التاريخ: 20-8-2020
3097
التاريخ: 18-8-2020
12984
التاريخ: 18-8-2020
5560
|
قال تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل : 15 - 19] .
عطف سبحانه على قصة موسى (عليه السلام) قصة داود وسليمان (عليهما السلام) فقال سبحانه {ولقد آتينا داود وسليمان علما} أي علما بالقضاء بين الخلق وبكلام الطير والدواب عن ابن عباس {وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين} أي اختارنا من بين الخلق بأن جعلنا أنبياء وبالمعجزة والملك والعلم الذي أتاناه . وبإلانة الحديد وتسخير الشياطين والجن والإنس وإنما نكر قوله {علما} ليدل على أنه أراد علما احتاجا إليه مما ينبىء عن صدقهما في دعوى الرسالة .
{وورث سليمان داود} في هذا دلالة على أن الأنبياء يورثون المال كتوريث غيرهم وهو قول الحسن وقيل معناه أنه ورثه علمه ونبوته وملكه دون سائر أولاده ومعنى الميراث هنا أنه قام مقامه في ذلك فأطلق عليه اسم الإرث كما أطلق على الجنة اسم الإرث عن الجبائي وهذا خلاف للظاهر والصحيح عند أهل البيت (عليهم السلام) هو الأول {وقال} سليمان مظهرا لنعمة الله وشاكرا إياها {يا أيها الناس علمنا منطق الطير} أهل العربية يقولون أنه لا يطلق النطق على غير بني آدم وإنما يقال الصوت لأن النطق عبارة عن الكلام ولا كلام للطير إلا أنه لما فهم سليمان معنى صوت الطير سماه منطقا مجازا وقيل أنه أراد حقيقة المنطق لأن من الطير ما له كلام مهجى كالطيطوى قال المبرد العرب تسمي كل مبين عن نفسه ناطقا ومتكلما قال رؤبة :
لو أنني أعطيت علم *** الحكل علم سليمان كلام النمل
والحكل : ما لا يسمع له صوت وقال علي بن عيسى أن الطير كانت تكلم سليمان معجزة له كما أخبر عن الهدهد ومنطق الطير صوت يتفاهم به معانيها على صيغة واحدة بخلاف منطق الناس الذي يتفاهمون به المعاني على صيغ مختلفة ولذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها ولم تفهم هي عنا لأن أفهامها مقصورة على تلك الأمور المخصوصة ولما جعل سليمان يفهم عنها كان قد علم منطقها .
{وأوتينا من كل شيء} أي من كل شيء يؤتى الأنبياء والملوك وقيل من كل ما يطلبه طالب لحاجته إليه وانتفاعه به وقيل من كل شيء علما وتسخيرا في كل ما يصلح أن يكون معلوما لنا أو مسخرا لنا غير أن مخرجه مخرج العموم فيكون أبلغ وأحسن وروى الواحدي بالإسناد عن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال أعطي سليمان بن داود ملك مشارق الأرض ومغاربها فملك سبعمائة سنة وستة أشهر ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والإنس والشياطين والدواب والطير والسباع وأعطي علم كل شيء ومنطق كل شيء وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة التي سمع بها الناس وذلك قوله {علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء} .
{إن هذا لهو الفضل المبين} أي هذا فضل الله الظاهر الذي لا يخفى على أحد وهذا قول سليمان على وجه الاعتراف بنعم الله عليه ويحتمل أن يكون من قول الله سبحانه على وجه الأخبار بأن ما ذكره هو الفضل المبين {وحشر لسليمان جنوده} أي جمع له جموعه وكل صنف من الخلق جند على حدة بدلالة قوله {من الجن والإنس والطير} قال المفسرون كان سليمان إذا أراد سفرا أمر فجمع له طوائف من هؤلاء الجنود على بساط ثم يأمر الريح فتحملهم بين السماء والأرض والمعنى وحشر لسليمان جنوده أي جمع له جموعه في مسير له .
وقال محمد بن كعب : بلغنا أن سليمان بن داود كان معسكره مائة فرسخ خمسة وعشرون منها للإنس وخمسة وعشرون للجن وخمسة وعشرون للوحش وخمسة وعشرون للطير وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاثمائة صريحة وسبعمائة سرية فيأمر الريح العاصف فترفعه ويأمر الرخاء فتسير به فأوحى الله تعالى إليه وهو يسير بين السماء والأرض أني قد زدت في ملكك أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت به الريح فأخبرتك وقال مقاتل نسجت الشياطين لسليمان بساطا فرسخا في فرسخ ذهبا في إبريسم وكان يوضع فيه منبر من الذهب في وسط البساط فيقعد عليه وحوله ثلاثة آلاف كرسي من ذهب وفضة فيقعد الأنبياء على كراسي الذهب والعلماء على كراسي الفضة وحولهم الناس وحول الناس الجن والشياطين وتظله الطير بأجنحتها حتى لا تقع عليه الشمس وترفع الريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح ومن الرواح إلى الصباح .
{فهم يوزعون} أي يمنع أولهم على آخرهم عن ابن عباس ومعنى ذلك أن على كل صنف من جنوده وزعة ترد أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ولا يتفرقوا كما تقوم الجيوش إذا كثرت بمثل ذلك وهو أن تدفع أخراهم وتوقف أولاهم وقيل معناه يحبسون عن ابن زيد وهو مثل الأول في أنه يحبس أولاهم على أخراهم {حتى إذا أتوا على واد النمل} أي فسار سليمان وجنوده حتى إذا أشرفوا على واد وهو بالطائف عن كعب وقيل هو بالشام عن قتادة ومقاتل {قالت نملة} أي صاحت بصوت خلق الله لها ولما كان الصوت مفهوما لسليمان عبر عنه بالقول وقيل كانت رئيسة النمل {يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم} أي لا يكسرنكم {سليمان وجنوده وهم لا يشعرون} بحطمكم ووطئكم فإنهم لو علموا بمكانكم لم يطؤوكم وهذا يدل على أن سليمان وجنوده كانوا ركبانا ومشاة على الأرض ولم تحملهم الريح لأن الريح لو حملتهم بين السماء والأرض لما خافت النمل أن يطئوها بأرجلهم ولعل هذه القصة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان .
فإن قيل كيف عرفت النملة سليمان وجنوده حتى قالت هذه المقالة قلنا إذا كانت مأمورة بطاعته فلا بد أن يخلق لها من الفهم ما تعرف به أمور طاعته ولا يمتنع أن يكون لها من الفهم ما يستدرك به ذلك وقد علمنا أنه تشق ما تجمع من الحبوب بنصفين مخافة أن يصيبها الندى فتنبت إلا الكزبرة فإنها تكسرها بأربع قطع لأنها تنبت إذا شقت بنصفين فمن هداها إلى هذا فإنه جل جلاله يهديها إلى تمييز ما يحطمها مما لا يحطمها وقيل إن ذلك كان منها على سبيل المعجز الخارق للعادة لسليمان (عليه السلام) .
قال ابن عباس : فوقف سليمان بجنوده حتى دخل النمل مساكنه {فتبسم} سليمان {ضاحكا من قولها} وسبب ضحك سليمان التعجب وذلك إن الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجب وضحك وقيل أنه تبسم بظهور عدله حيث بلغ عدله في الظهور مبلغا عرفه النمل وقيل إن الريح أطارت كلامها إليه من ثلاثة أميال حتى سمع ذلك فانتهى إليها وهي تأمر النمل بالمبادرة فتبسم من حذرها .
{وقال رب أوزعني} أي ألهمني {أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي} بأن علمتني منطق النمل وأسمعتني قولها من بعيد حتى أمكنني الكف وأكرمتني بالنبوة والملك {وعلى والدي} أي أنعمت على والدي بأن أكرمته بالنبوة وفصل الخطاب وألنت له الحديد وعلى والدتي بأن زوجتها نبيك وجعل النعمة عليها نعمة لله سبحانه عليه يلزمه شكرها {وأن أعمل صالحا ترضاه} أي وفقني لأن أعمل صالحا في المستقبل ترضاه {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} قال ابن عباس يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن بعدهم من النبيين أي أدخلني في جملتهم وأثبت اسمي مع أسمائهم واحشرني في زمرتهم وقال ابن زيد في عبادك معناه مع عبادك قال الزجاج جاء لفظ ادخلوا كلفظ ما يعقل لأن النمل هاهنا أجري مجرى الآدميين حتى نطق كما ينطق الآدميون وإنما يقال لما لا يعقل ادخلي وفي الخبر دخلت أو دخلن وروي أن نمل سليمان هذا كان كأمثال الذئاب والكلاب ! .
______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص368-371 .
{ولَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وسُلَيْمانَ عِلْماً} يهتديان به إلى طاعة اللَّه ومنفعة الناس ، ولم يتطاولا به على عباد اللَّه وعياله ، أو يخترعا به أسلحة الفناء والدمار ليستعبدا الضعفاء ، ويسيطرا على أقواتهم ومقدّراتهم ، بل أطاعا اللَّه في أمره ونهيه ، وشكراه على نعمة العلم التي لا يعادلها شيء {وقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} . المراد بالفضيلة هنا فضيلة العلم النافع ، وبالكثير من المؤمنين من لم يكن في مكانتهما من العلم . . وفيه إيماء إلى أن في المؤمنين من هو أفضل من داود وسليمان . . وهذا هو الواقع ، بل إن الأفضل أكثر بكثير من المفضول بالنسبة إليهما . . ومهما يكن فإن الفضل عند اللَّه لا يقاس بالعلم ، ولا بتسخير الرياح ، ولا بإلانة الحديد ، ولا بشيء إلا بمنفعة الناس وصلاحهم بجهة من الجهات .
{ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ} . داود من نسل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، وقد كرمه اللَّه بالنبوة ، وأنزل عليه الزبور ، وجعله خليفة في الأرض ، وخصه بأجمل الأصوات ، وألان له الحديد ، وهو ثاني ملك لدولة اليهود ، ويطلق عليه لقب الملك داود ، أما الملك الأول فهو طالوت كما في الآية 247 من سورة البقرة : إِنَّ اللَّهً قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً . وكان ابنه سليمان نبيا أيضا ، وخصه اللَّه بكثير من النعم ، منها وراثة الملك عن أبيه ، ويقول التاريخ : ان ملكهما امتد سبعين سنة . وكان ذلك من حوالي ثلاثة آلاف سنة ، وبعد موت سليمان انقسم اليهود إلى دولتين متحاربتين : دولة إسرائيل ، ودولة يهوذا ، ولما جاء بختنصر قضى عليهما ، ولم تقم لليهود بعدئذ قائمة حتى تعاون الاستعمار الانكلوا أمريكي على إنشاء قاعدة عسكرية تحفظ مصالحه في الشرق الأوسط ، فأنشأوها باسم دولة إسرائيل على أرض فلسطين سنة 1948 .
ويقول اليهود عن ملكهم داود : انه كان يخطف النساء ، ويقتل أزواجهن ، وان ابنه سليمان كان من الجبابرة الطغاة ، والمسرفين المبذرين .
وقال بعض المفسرين : المراد بقوله تعالى : {ووَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ} ان سليمان ورث العلم فقط عن أبيه . . والصحيح ان الآية تعني وراثة الملك ، كما حدث ذلك بالفعل ، أما العلم فلا يكون بالوراثة بل بالجد والاجتهاد ، أو بالوحي من اللَّه . . وحديث : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، محل خلاف بين المسلمين ، فأثبتته طائفة ، ونفته أخرى .
{وقالَ - سليمان - يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} . أقر الإسلام فكرة المعجزة الخارقة على أيدي الأنبياء ، ومن أنكرها فليس بمسلم ، لأن هذا الإنكار تكذيب للَّه ورسوله ، وبالمعجزة وحدها نفسر معرفة سليمان بلغة بعض الطيور . .
إن اللَّه سبحانه خصّ كل نبي بنوع خاص من المعجزات ، فكان نصيب سليمان تسخير الريح له وبعض الجن ، ومعرفته بلغة بعض الطيور والحشرات كالنمل {وأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هذا لَهُو الْفَضْلُ الْمُبِينُ} . المراد بكل هنا الكثرة دون الشمول والاستغراق ، تماما كما تقول : فلان يملك كل شيء كناية عن كثرة أملاكه وتنوعها . وتدل الآية على أن للطيور إدراكا ولغة تتفاهم بها ، ويؤكد ذلك قوله تعالى : {وما مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ} - 38 الأنعام .
{وحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ والإِنْسِ والطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} . و{من} هنا للتبعيض ، أي بعض الجن والإنس والطير . . وقلنا مرارا : اننا نؤمن بوجود الجن لأن القرآن يثبته والعقل لا ينفيه ، وقد كان لسليمان جيش من الجن والإنس والطير ، وكان لكل صنف من هذه الأصناف الثلاثة قادة ومراقبون يحافظون على النظام في السير وغيره ، وهذا هو معنى يوزعون .
العظات والعبر في نملة سليمان :
{حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ وهُمْ لا يَشْعُرُونَ} . اختلف المفسرون في مكان هذا الوادي ، فمن قائل : انه في الطائف ، وقائل هو بالشام ، ومهما يكن فإن الآية تدل على أن للنمل إدراكا ولغة ونظاما ، وهذا ما أثبته العلم ، أما معرفة سليمان بلغة النمل فلا تفسير لها إلا بالمعجزة الخارقة .
وتسأل : كيف سمع سليمان كلام النملة ، وبينه وبينها من البعد ما اللَّه أعلم به ، مع أن أحدنا لو أدخل النملة إلى أذنه لا يسمع لها صوتا ؟ .
وجاء في بعض الروايات ان الريح حملت لسليمان كلام النملة . ويؤيد هذه الرواية قوله تعالى : {فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ} [ص - 36 ] .
{فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعَلى والِدَيَّ وأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ} .
حين طلب سليمان من ربه أن يهبه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده أراد بالملك تسخير الرياح والجن والطير ونحوه ، لأن التمكين في الأرض قد منحه اللَّه إلى كثيرين ، ولما أتى سليمان على وادي النمل ، وحملت له الريح قول النملة وفهم معناه أدرك بأن هذا مما لا يكون لأحد من بعده ، فاغتبط بهذه النعمة ، وأدى حقها بالشكر للَّه ، ومجرد الشعور بأن هذه النعمة من اللَّه هو نوع من الشكر ، وأعظم أنواعه هو عمل الخير لوجه الخير .
وكما دلت الآية على أن لسليمان دولته وجنوده ، وان اللَّه سبحانه قد ألهمه العلم بلغة النملة ومنطقها فقد دلت أيضا على أن للنملة دولتها ورعيتها ، وان اللَّه قد ألهمها العلم ببعض الآدميين وأسمائهم ، وإلا فمن أين لها العلم بأن هذا القادم العظيم بموكبه وجنوده هو سليمان بن داود ؟ . . انها عظيمة في عالمها تماما كسليمان في عالمه ، وانها تعدل في الرعية ، وترفق بها ، وتسهر على مصالحها ، وتؤدي حق الولاية كاملة ، كما يفعل سليمان وغيره من ولاة الحق والعدل .
ومن تأمل وتدبر حادث النملة مع سليمان ينتهي إلى العبر والعظات التالية :
1 - ان النظام والتقدير يعم ويشمل جميع الكائنات من أصغر صغير كالنملة إلى أكبر كبير كالمجرّات : ولا تفسير لهذا النظام الدقيق ، والتدبير العجيب إلا بوجود قادر عليم : {وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان - 2 ] .
2 - ان المشاركة الوجدانية والشعور بالمسؤولية نحو الآخرين لا يختص بالإنسان ، بل يعم ويشمل الحيوانات والطيور والحشرات . . فهذه الذرة التي لا تكاد ترى بالعين حين أحست بالخطر على جماعتها ، وأبناء جنسها وقفت تحذرهم وتقول : {ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وجُنُودُهُ} . وقد أورد أهل الاختصاص العديد من الشواهد على هذه الحقيقة من حياة الحيوان .
3 - ان اللَّه سبحانه إذا أنعم على عبد من عباده بنعمة كالعلم أو السلطان وغيره فعليه أن يشكر اللَّه ويتواضع له وللناس ، ولا يأخذه الخيلاء والعجب ، ويتطاول بنعمة اللَّه على الآخرين ، وأن يكون على يقين بأن هذه النعمة قد أنعم اللَّه بمثلها وبخير منها على أضعف الكائنات ، وان الإنسان ليس هو الكائن المدلل الذي خصه اللَّه بفضله ورحمته دون الخلق أجمعين . . وقد أثبتت الكشوف العلمية ان هناك أكوانا أعظم من هذا الكون الذي نراه ، وانه لا أحد يستطيع معرفة حقيقتها إلا خالق الكائنات ، وان الإنسان بالنسبة إليها ليس شيئا مذكورا . .
ويومئ إلى ذلك قوله تعالى : {لَخَلْقُ السَّماواتِ والأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [ غافر- 57 ] .
وعلى هذا فإن الآيات التي تقول : {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ . . يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ . . وإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ} [فاطر- 24] . إن هذه الآيات وأمثالها تعم وتشمل الإنسان وغير الإنسان . . وتجدر الإشارة إلى أن اللَّه سبحانه قد أطلق كلمة الأمة على غير البشر كما في الآية 38 من سورة الأنعام : {إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ} .
______________
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص 10- 14 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
نبذة من قصص داود وسليمان (عليهما السلام) وفيها شيء من عجائب أخبار سليمان بما آتاه الله من الملك .
قوله تعالى : {ولقد آتينا داود وسليمان علما} إلخ ، في تنكير العلم إشارة إلى تفخيم أمره ، ومما أشير فيه إلى علم داود من كلامه تعالى قوله : {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص : 20] .
ومما أشير فيه إلى علم سليمان قوله : {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } [الأنبياء : 79] ، وذيل الآية يشملهما جميعا .
وقوله : {وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين} المراد بالتفضيل إما التفضيل بالعلم على ما ربما يؤيده سياق الآية ، وإما التفضيل بمطلق ما خصهما الله به من المواهب كتسخير الجبال والطير لداود وتليين الحديد له وإيتائه الملك ، وتسخير الجن والوحش والطير وكذا الريح لسليمان وتعليمه منطق الطير وإيتائه الملك على ما يستدعيه إطلاق التفضيل .
والآية أعني قوله : {وقالا الحمد لله} إلخ ، على أي حال بمنزلة حكاية اعترافهما على التفضيل الإلهي فيكون كالشاهد على المدعى الذي تشير إليه بشارة صدر السورة أن الله سبحانه سيخص المؤمنين بما تقر به عيونهم ومثلها ما سيأتي من اعترافات سليمان في مواضع من كلامه .
قوله تعالى : {وورث سليمان داود} إلخ ، أي ورثه ماله وملكه ، وأما قول بعضهم : المراد به وراثة النبوة والعلم ففيه أن النبوة لا تقبل الوراثة لعدم قبولها الانتقال ، والعلم وإن قبل الانتقال بنوع من العناية غير أنه إنما يصح في العلم الفكري الاكتسابي والعلم الذي يختص به الأنبياء والرسل كرامة من الله لهم وهبي ليس مما يكتسب بالفكر فغير النبي يرث العلم من النبي لكن النبي لا يرث علمه من نبي آخر ولا من غير نبي .
وقوله : {وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير} ظاهر السياق أنه (عليه السلام) يباهي عن نفسه وأبيه وهو منه (عليه السلام) تحديث بنعمة الله كما قال تعالى : {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } [الضحى : 11] ، وأما إصرار بعض المفسرين على أن الضمير في قوله : {علمنا} و{أوتينا} لنفسه لا له ولأبيه على ما هو عادة الملوك والعظماء في الإخبار عن أنفسهم - فإنهم يخبرون عنهم وعن خدمهم وأعوانهم رعاية لسياسة الملك - فالسياق السابق لا يساعد عليه كل المساعدة .
والمراد بالناس ظاهر معناه وهو عامة المجتمعين من غير تميز لبعضهم من بعض وقول بعضهم إن المراد بهم عظماء أهل مملكته أو علماؤهم غير سديد .
والمنطق والنطق على ما نتعارفه هو الصوت أو الأصوات المؤلفة الدالة بالوضع على معان مقصودة للناطق المسماة كلاما ولا يكاد يقال - على ما ذكره الراغب - إلا للإنسان لكن القرآن الكريم يستعمله في معنى أوسع من ذلك وهو دلالة الشيء على معنى مقصود لنفسه ، قال تعالى : {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [فصلت : 21] ، وهو إما من باب تحليل المعنى كما يستعمله القرآن في أغلب المعاني والمفاهيم المقصورة في الاستعمالات على المصاديق الجسمانية المادية كالرؤية والنظر والسمع واللوح والقلم والعرش والكرسي وغيرها ، وإما لأن للفظ معنى أعم واختصاصه بالإنسان من باب الانصراف لكثرة الاستعمال .
وكيف كان فمنطق الطير هوما تدل به الطير بعضها على مقاصدها ، والذي نجده عند التأمل في أحوالها الحيوية هو أن لكل صنف أو نوع منها أصواتا ساذجة خاصة في حالاتها الخاصة الاجتماعية حسب تنوع اجتماعاتها كحال الهياج للسفاد وحال المغالبة والغلبة وحال الوحشة والفزع وحال التضرع أو الاستغاثة إلى غير ذلك ونظير الطير في ذلك سائر الحيوان .
لكن لا ينبغي الارتياب في أن المراد بمنطق الطير في الآية معنى أدق وأوسع من ذلك .
أما أولا : فلشهادة سياق الآية على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يتحدث عن أمر اختصاصي ليس في وسع عامة الناس أن ينالوه وإنما ناله بعناية خاصة إلهية ، وهذا المقدار المذكور من منطق الطير مما يسع لكل أحد أن يطلع عليه ويعرفه .
وأما ثانيا : فلأن ما حكاه الله تعالى في الآيات التالية من محاورة سليمان والهدهد يتضمن معارف عالية متنوعة لا يسع لما نجده عند الهدهد من الأصوات المعدودة أن تدل عليها بتميز لبعضها من بعض ففي كلام الهدهد ذكر الله سبحانه ووحدانيته وقدرته وعلمه وربوبيته وعرشه العظيم وذكر الشيطان وتزيينه الأعمال والهدى والضلال وغير ذلك ، وفيه ذكر الملك والعرش والمرأة وقومها وسجدتهم للشمس ، وفي كلام
سليمان أمره بالذهاب بالكتاب وإلقائه إليهم ثم النظر فيما يرجعون ، وهذه كما لا يخفى على الباحث في أمر المعاني المتعمق فيها معارف جمة لها أصول عريقة يتوقف الوقوف عليها على ألوف وألوف من المعلومات ، وأنى تفي على إفادة تفصيلها أصوات ساذجة معدودة .
على أنه لا دليل على أن كل ما يأتي بها الحيوان في نطقه من الأصوات أو خصوصيات الصوت يفي حسنا بإدراكه أو تمييزه ، ويؤيده ما نقل من قول النملة في الآيات التالية وهومن منطق الحيوان قطعا ولا صوت للنملة يناله سمعنا ويؤيده أيضا ما يراه علماء الطبيعة اليوم أن الذي يناله سمع الإنسان من الصوت عدد خاص من الارتعاش المادي وهوما بين ستة عشر ألفا إلى اثنين وثلاثين ألفا في الثانية ، وأن الخارج من ذلك في جانبي القلة والكثرة لا يقوى عليه سمع الإنسان وربما ناله سائر الحيوان أو بعضها .
وقد عثر العلماء الباحثون عن الحيوان من عجيب الفهم ولطيف الإدراك عند أنواع من الحيوان كالفرس والكلب والقرد والدب والزنبور والنملة وغيرها على أمور لا يكاد يعثر على نظائرها عند أكثر أفراد الإنسان .
وقد تبين بما مر أن ظاهر السياق أن للطير منطقا علمه الله سليمان ، وظهر به فساد قول من قال إن نطق الطير كان معجزة لسليمان وأما هي في نفسها فليس لها نطق هذا .
وقوله : {وأوتينا من كل شيء} أي أعطينا من كل شيء و{كل شيء} وإن كان شاملا لجميع ما يفرض موجودا - لأن مفهوم شيء من أعم المفاهيم وقد دخل عليه كلمة الاستغراق - لكن لما كان المقام مقام التحديث بالنعمة ولا كل نعمة بل النعم التي يمكن أن يؤتاها الإنسان فيتنعم بها تقيد به معنى كل شيء وكان معنى الجملة : وأعطانا الله من كل نعمة يمكن أن يعطاها الإنسان فيتنعم بها مقدارا معتدا به كالعلم والنبوة والملك والحكم وسائر النعم المعنوية والمادية .
وقوله : {إن هذا لهو الفضل المبين} شكر وتأكيد للتحديث بالنعمة من غير عجب ولا كبر واختيال لإسناده الجميع إلى الله بقوله : {علمنا} و{أوتينا} ، واحتمل بعضهم أن تكون الجملة من كلام الله سبحانه لا من كلام سليمان والسياق يأباه .
قوله تعالى : {وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون} الحشر هو جمع الناس وإخراجهم لأمر بإزعاج والوزع المنع وقيل الحبس ، والمعنى كما قيل : وجمع لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يمنعون من التفرق واختلاط كل جمع بآخر برد أولهم إلى آخرهم وحبس كل في مكانه .
ويستفاد من الآية أنه كان له جنود من الجن والطير يسيرون معه كجنوده من الإنس .
وكلمة الحشر ووصف المحشورين بأنهم جنود ، وسياق الآيات التالية كل ذلك دليل على أن جنوده كانوا طوائف خاصة من الجن والإنس والطير سواء كانت {من} في الآية للتبعيض أو للبيان .
وقد أغرب في التفسير الكبير ، فزعم أن الآية تدل على أن جميع الجن والإنس والطير كانوا جنوده وقد ملك الأرض كلها وأن الله تعالى جعل الطير في زمانه عقلاء مكلفين ثم عادت بعد زمانه على ما كانت عليه قبله وقال بمثله في النملة التي تكلمت ، قال في تفسير الآية : والمعنى أنه جعل الله تعالى كل هذه الأصناف جنوده ، ولا يكون كذلك إلا بأن يتصرف على مراده ، ولا يكون كذلك إلا مع العقل الذي يصح معه التكليف أو يكون بمنزلة المراهق الذي قد قارب حد التكليف ، فلذلك قلنا : إن الله تعالى جعل الطير في أيامه مما له عقل وليس كذلك حال الطيور في أيامنا وإن كان فيها ما قد ألهمه الله تعالى الدقائق التي خصت بالحاجة إليها أو خصها الله بها لمنافع العباد كالنحل وغيره .
انتهى .
ووجوه التحكم فيه غنية عن البيان .
وتقديم الجن في الذكر على الإنس والطير لكون تسخيرهم ودخولهم تحت الطاعة عجيبا ، وذكر الإنس بعده دون الطير مع كون تسخيرها أيضا عجيبا رعاية لأمر المقابلة بين الجن والإنس .
قوله تعالى : {حتى إذا أتوا على واد النمل} الآية ، {حتى} غاية لما يفهم من الآية السابقة ، وضمير الجمع لسليمان وجنوده ، وتعدية الإتيان بعلى قيل : لكون
الإتيان من فوق ، ووادي النمل واد بالشام على ما قيل ، وقيل في أرض الطائف ، وقيل : في أقصى اليمن ، والحطم الكسر .
والمعنى : فلما سار سليمان وجنوده حتى أتوا على وادي النمل قالت نملة مخاطبة لسائر النمل : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يكسرنكم سليمان وجنوده أي لا يطأنكم بأقدامهم وهم لا يشعرون .
وفيه دليل على أنهم كانوا يسيرون على الأرض .
قوله تعالى : {فتبسم ضاحكا من قولها} إلى آخر الآية ، قيل : التبسم دون الضحك ، وعلى هذا فالمراد بالضحك هو الإشراف عليه مجازا .
ولا منافاة بين قوله (عليه السلام) : {علمنا منطق الطير} وبين فهمه كلام النملة إذ لم ينف فهمه كلام سائر الحيوان أو كلام بعضها كالنملة .
وقد تسلم جمع منهم دلالة قوله : {علمنا منطق الطير} على نفي ما عداه فتكلفوا في توجيه فهمه (عليه السلام) قول النملة تارة بأنه كانت قضية في واقعة ، وأخرى بتقدير أنها كانت نملة ذات جناحين وهي من الطير ، وثالثة بأن كلامها كان من معجزات سليمان (عليه السلام) ورابعة بأنه (عليه السلام) لم يسمع منها صوتا قط وإنما فهم ما في نفس النملة إلهاما من الله تعالى هذا .
وما تقدم من معنى منطق الحيوان يزاح به هذه الأوهام .
على أن سياق الآيات وحده كاف في دفعها .
وقوله : {وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه} الإيزاع الإلهام .
تبسم (عليه السلام) مبتهجا مسرورا بما أنعم الله عليه حتى أوقفه هذا الموقف وهي النبوة والعلم بمنطق الحيوان والملك والجنود من الجن والإنس والطير فسأل الله أن يلهمه شكر نعمته وأن يعمل بما فيه رضاه سبحانه .
وقد جعل الشكر للنعمة التي أنعم الله تعالى بها على نفسه مختصة به ، وللنعمة التي أنعم بها على والديه فإن الإنعام على والديه إنعام عليه بوجه لكونه منهما وقد أنعم الله تعالى على أبيه داود بالنبوة والملك والحكمة وفصل الخطاب وغيرها وأنعم على أمه حيث زوجها من داود النبي ورزقها سليمان النبي وجعلها من أهل بيت النبوة .
وفي كلامه هذا دليل على أن والدته من أهل الصراط المستقيم الذين أنعم الله عليهم وهم إحدى الطوائف الأربع المذكورين في قوله تعالى : { الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ } [النساء : 69] .
وقوله : {وأن أعمل صالحا ترضاه} عطف على قوله : {أن أشكر نعمتك} ومسألته هذه : {أوزعني أن أعمل} إلخ ، أمر أرفع قدرا وأعلى منزلة من سؤال التوفيق للعمل الصالح فإن التوفيق يعمل في الأسباب الخارجية بترتيبها بحيث توافق سعادة الإنسان والإيزاع الذي سأله دعوة باطنية في الإنسان إلى السعادة ، وعلى هذا فليس من البعيد أن يكون المراد به الوحي الذي أكرم الله به إبراهيم وآله فيما يخبر عنه بقوله : {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ } [الأنبياء : 73] ، وهو التأييد بروح القدس على ما مر في تفسير الآية .
وقوله : {وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} أي اجعلني منهم ، وهذا الصلاح لما لم يتقيد بالعمل كان هو صلاح الذات وهو صلاح النفس في جوهرها الذي يستعد به لقبول أي كرامة إلهية .
ومن المعلوم أن صلاح الذات أرفع قدرا من صلاح العمل ففي قوله : {وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} تدرج في المسألة من الأدنى إلى الأعلى وقد كان صلاح العمل منسوبا إلى صنعه واختياره بوجه دون صلاح الذات ولذا سأل صلاح الذات من ربه ولم يسأل نفس صلاح العمل بل أن يوزعه أن يعمل .
وفي تبديله سؤال صلاح الذات من سؤال أن يدخله في عباده الصالحين إيذان بسؤاله ما خصهم الله به من المواهب وأغزرها العبودية وقد وصفه الله بها في قوله : {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص : 30] .
_______________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص279-284 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
حكومة داود وسُليمان (عليهما السلام) :
بعد الكلام عن جانب من قصّة موسى (عليه السلام) في هذه السورة ، يجري الكلام عن نبيّين آخرين من الأنبياء العظام ، وهما «داود» و«سليمان» . . . والكلام على داود لا يتجاوز الإشارة العابرة ، إلاّ أنّ الكلام على سليمان أكثر استيعاباً .
وذكر هذا المقطع من قصّة هذين النبيّين بعد قصّة موسى (عليه السلام) ، لأنّهما كانا من أنبياء بني إسرائيل أيضاً ، وما نجده من اختلاف بين تأريخهما وتاريخ الأنبياء الآخرين ، هو أنّهما ـ ونتيجة للإستعداد الفكري وملائمة المحيط الإجتماعي في عهدهما ـ قد وفّقا إلى تأسيس حكومة عظيمة ، وأن ينشرا بالإستعانة والإفادة من حكومتهما دين الله ، لذلك لا نجد هنا أثراً أو خبراً عمّا عهدناه من أسلوب في تلك الآيات التي كانت تتكلم عن الأنبياء الآخرين ، وهم يواجهون قومهم المعاندين ، وربّما نالوا منهم الأذى والطرد والاخراج من مدنهم وقراهم . . فالتعابير هنا تختلف عن تلكم التعابير تماماً .
ويدلّ هذا بوضوح أنّه لوكان المصلحون والدعاة إلى الله يوفقون إلى تشكيل حكومة لما بقيت معضلة ولغدى طريقهم معبداً سالكاً .
وعلى كل حال ، فالكلام هنا عن العلم والقدرة والعظمة ، وعن طاعة الآخرين حتى الجن والشياطين لحكومة الله وعن تسليم الطير في الهواء والموجودات الأخر لحكومة الله ! .
وأخيراً ، فإنّ الكلام عن مكافحة عبادة الأصنام عن طريق الدعوة المنطقية ، ثمّ الإفادة من قدرة الحكومة ! .
وهذه الأُمور هي التي ميّزت قصّة هذين النبيّين عن الأنبياء الآخرين .
الطريف ، أن القرآن يبدأ من مسألة «موهبة العلم» التي هي أساس الحكومة الصالحة القوية ، فيقول : {ولقد آتينا داود وسليمان علماً} .
وبالرغم من أن كثيراً من المفسّرين أجهدوا أنفسهم وأتعبوها ليعرفوا هذا العلم الذي أوتيه سليمانُ وداودُ ، لأنّه جاء في الآية بصورة مغلقة . . فقال بعضهم : هو علم القضاء ، بقرينة الآية (20) من سورة ص : {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص : 20] والآية (79) من سورة الأنبياء {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء : 79] .
وقال بعضهم : إن هذا العلم هو معرفة منطق الطير بقرينة الآية {عُلمنا منطق الطير} .
وقال بعضهم : «إن المراد من هذا العلم هو صنعة الدروع ، بقرينة {صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم} .
إلاّ أن من الواضح أن العلم هنا له مفهوم واسع ، بحيث يحمل في نفسه علم التوحيد والإعتقادات المذهبية والقوانين الدينية ، وكذلك علم القضاء ، وجميع العلوم التي ينبغي توفرها لمثل هذه الحكومة الواسعة القوية . . . لأنّ تأسيس حكومة إلهية على أساس العدل . . . وحضارة عامرة حرّة . . . دون الإفادة من علم واسع غير ممكن . . . وهكذا فإنّ القرآن يعدُّ مقام العلم لتشكيل حكومة صالحة أوّل حجر أساس لها ! .
وبعد هذه الجملة ينقل القرآن ما قاله داود وسليمان من ثناء لله : {وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين} .
والذي يجلب النظر هو أنّه بعد بيان هذه الموهبة الكبيرة «العلم» يجري الكلام عن «الشكر» مباشرة . . . ليكون واضحاً أنّ كل نعمة لابدّ لها من شكر ، وحقيقة الشكر هو أنّ يستفاد من النعمة في طريقها الذي خلقت من أجله .
وهذان النبيّان العظيمان(عليهما السلام) استفادا من نعمة علمهما الاستفادة القصوى في تنظيم حكومة إلهية .
وقد جعل داود وسليمان معيار تفضيلهما على الآخرين «العلم» لا القدرة ولا الحكومة ، وعدّا الشكر للعلم لا لغيره من المواهب ، لأنّ كلّ قيمة هي من أجل العلم ، وكلّ قدرة تعتمد اساساً على العلم .
والجدير بالذكر أنّهما يشكران اللّه ويحمدانه لتفضيلهما ولحكومتهما على اُمّة مؤمنة . . لأنّ الحكومة على اُمّة فاسدة غير مؤمنة ليست مدعاة للفخر !
وهنا ينقدح هذا السؤال ، وهو : لم قال داود وسليمان {الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين} ولم يقولا على عباده المؤمنين جميعاً ، مع أنّهما كانا نبيّين ، وهما أفضل أهل عصرهما ؟
ولعلّ هذا التعبير رعاية لأصول الأدب والتواضع ، إذ على الإنسان أن لا يرى نفسه أفضل من الجميع في أي مقام كان !
أو لأنّهما كانا ينظران إلى جميع الأزمنة ، ولم ينظرا إلى مقطع زمنىّ خاص ، ونعرف أن على مدى التأريخ يوجد انبياء كانوا أفضل منهما .
والآية التالية تتكلم على إرث سليمان أباه داود أولا ، فتقول : {وورث سليمانُ داود} .
وهناك كلام بين المفسّرين في المراد من الإرث هنا ، ما هو ؟
فقال بعضهم : هو ميراث العلم فحسب . . . لأنّ في تصورهم أنّ الأنبياء لا يورثون .
وقال بعضهم : هو ميراث المال والحكومة ، لأنّ هذا المفهوم يتداعى إلى الذهن قبل أي مفهوم آخر .
وقال بعضهم : هو منطق الطير .
ولكن مع الإلتفات إلى أنّ الآية مطلقة ، وقد جاء في الجمل التالية الكلام على العلم وعن جميع المواهب {أوتينا من كل شيء} فلا دليل على حصر مفهوم الآية وجعله محدوداً ، فبناءً على ذلك فإنّ سليمان ورث كل شيء عن أبيه .
وفي الرّوايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) أنّهم كانوا يستدلون بهذه الآية على عدم صحة ما نسب إلى النّبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من حديث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة» وأنّه ساقط من الإعتبار لمخالفته كتاب الله .
وفي بعض الأحاديث عن أهل البيت أنّه لما أجمع أبوبكر على أخذ فدك من فاطمة(عليها السلام) ، محتجّاً بالحديث آنف الذكر ، جاءته فاطمة(عليها السلام) فقالت : (يا أبابكر ، أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي ؟! لقد جئت شيئاً فريّاً ، فعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم ، إذ يقول : {وورث سليمان داود} (2) .
ثمّ تضيف الآية حَاكيةً عن لسان سليمان {وقال يا أيّها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين} .
وبالرغم من ادعاء بعضهم أن تعبير النطق والكلام في شأن غير الناس لا يمكن إلاّ على نحو المجاز . . إلاّ أنّه إذا أظهر غير الانسان أصواتاً من فمه كاشفاً عن مطلب ما ، فلا دليل على عدم تسميته نطقاً ، لأنّ النطق كل لفظ مبين للحقيقة والمفهوم (3) .
ولا نريد أنّ نقول أنّ ما يظهر من أصوات الحيوانات عند الغضب أو الرضا أو الألم أو إظهار الشوق لأطفالها هو نطق ، كلاّ فهي أصوات تقترن بحالات الحيوان . . . إلاّ أنّنا ـ كما سيأتي في الآيات التالية ـ سنرى بتفصيل أن سليمان تكلم مع الهدهد في مسائل وحمّله رسالة . . . وطلب منه أن يتحرّى جوابها .
وهذا الأمر يدلّ على أن الحيوانات بالإضافة إلى أصواتها الكاشفة عن حالاتها الخاصة . . . لها القدرة على النطق في ظروف خاصة بأمر الله ، كما سيأتي الكلام في شأن تكلم النمل في الآيات المقبلة إن شاء الله .
وبالطبع فإن النطق استعمل في القرآن بمعناه الوسيع ، حيث يبيّن حقيقة النطق ونتيجته ، وهو بيان ما في الضمير ، سواءً كان ذلك عن طريق الألفاظ أوعن طريق الحالات الأخر ، كما في قوله تعالى : {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ } [الجاثية : 29] إلاّ أنّه لا حاجة إلى تفسير كلام سليمان ومنطق الطير بهذا المعنى . . . بل طبقاً لظاهر الآيات فإن سليمان كان بإمكانه أن يعرف ألفاظ الطير الخاصة الدالة على مسائل معيّنة فيشخّصها ، أو أنّه كان يتكلم معها فعلا . .
وسنتكلم في هذا الشأن في البحوث إن شاء الله تعالى .
أمّا جملة {أُوتينا من كل شيء} فهي على خلاف ما حدده جماعة من المفسّرين ، لها مفهوم واسع شامل . . فهي تشمل جميع الأسباب اللازمة لإقامة حكومة الله في ذلك الحين . . وأساساً فإن الكلام سيقع ناقصاً بدونها ، ولا يكون له ارتباط واضح بما سبق .
وهنا يثير الفخر الرازي سؤالا فيقول : أليس التعبير بـ {علمنا} و{أوتينا} من قبيل كلام المتكبرين ؟!
ثمّ يجيب على سؤاله هذا بالقول : إن المراد من ضمير الجمع هنا هو سليمان وأبوه ، أو هو ومعاونوه في الحكومة . . وهذا التعبير مستعمل حين يكون الشخص في رأس هيئة ما ، أن يتكلم عن نفسه بضمير الجمع ! .
وقوله تعالى : {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل : 17 - 19]
سُليمانُ في وادي النَمْلِ :
يستفاد من آيات هذه السورة ، وآيات سورة سبأ أن «حكومة سليمان» لم تكن حكومةً مألوفة ، بل حكومة مقرونة بما يخرق العادات والمعاجز المختلفة ، التي ورد قسم منها في هذه السورة ، والقسم الآخر ورد في سورة «سبأ» أمّا ما ورد في هذه السورة من الأُمور الخارقة للعادة «حكومة سليمان على الجن ، والطير ، وإدراكه كلام النمل ، وكلامه مع الهدهد» .
وفي الحقيقة فإنّ الله أظهر قدرته في هذه الحكومة وما سخّر لها من قوى ، ونحن نعرف أن هذه الأُمور عند الله ـ في نظر الإنسان الموحّد ـ يسيرة وسهلة ! .
وأوّل ما تبدأ هذه الآيات بقوله تعالى : {وحُشر لسليمانَ جنودُه من الجنّ والإنس والطير} .
وكانت جنوده من الكثرة بحيث كانوا عند التحرك والمسير ، ومن أجل المحافظة على النظم . يؤمرون بتوقف مقدمة الجيش لتلحق بها مؤخرتها {فهم يوزعون} .
«يُوزعون» من مادة (وزع} على وزن (جمَعَ) ومعناه الحبس والإيقاف ، وهذا التعبير متى أُطلق على الجند أو الجيش فيعني إيقاف أوّل الجيش ليلحق به آخره ، لكي يحفظ من التشتت والتفرق .
وكلمة «وزع» معناها الحرص والعلاقة الشديدة بالشيء ، بحيث تمنع الإنسان عن الأُمور الأخرى .
ويستفاد من هذا التعبير أنّ جنود سليمان كانوا كثيرين ، كما كانوا يخضعون للنظم والانضباط .
«وَحشر» فعل ماض من (الحشر) على وزن (نشر) ومعناه إخراج الجمع من المقرّ ، والتحرك نحو الميدان للقتال ، وما أشبه ذلك .
ويستفاد من هذا التعبير ـ والتعبير التالي في الآية الأُخرى أنّ سليمان(عليه السلام)كان قد جمع جنوده وحرّكهم نحو نقطة ما ، لكن هذه النقطة أية نقطة هي؟ وأين كان يتجه سليمان؟ ليس ذلك معلوماً على وجه الدقّة .
واستفاد بعضهم من الآية التالية التي تتحدث عن وصول سليمان إلى وادي النمل ، أنّها منطقة على مقربة من الطائف . وقال بعضهم : بل هي منطقة على مقربة من «الشام» .
وحيث أنّ هذا الموضوع لا تأثير له في الأُمور الأخلاقية والتربوية «للآية» لذلك لم تتطرق له الآية الكريمة .
وهناك ـ ضمناً ـ جدلٌ بين كثير من المفسّرين في أن الإنس والجن والطير ، هل كانوا جميعاً من جنود سليمان ؟ فتكون (من) في الآية بيانية ، أو أن قسماً منهم كان يؤلف جيشه وجنوده فتكون (من) تبعيضية . . ويبدو أن هذا بحث لا طائل تحته . . . لأنّ سليمان ـ دون أدنى شك ـ لم يكن حاكماً على وجه البسيطة كلها ، بل كانت منطقة نفوذه وحكومته منطقة الشام وبيت المقدس ، وقد يدخل بعض ما حولهما تحت سلطته وحكومته! .
كما يستفاد من الآيات التالية أنّه لم تكن له بعدُ سلطة على اليمن أيضاً . . وإنّما صارت اليمن تحت نفوذه بعد قصّة الهدهد و«تسليم ملكة سبأ» وإذعانها له .
وجملة {وتفقد الطير} في الآيات التالية ، تدلّ على أن هُدهداً واحداً كان ضمن الطير التي كانت تحت أمر سليمان ، بحيث أنّه لما افتقده سأل عنه ، فلو كانت الطيور جميعها تحت أمره وفيها آلاف الهداهد ، لكان هذا التعبير غير صحيح «فتأملّوا بدقة» .
وعلى كل حال ، فإنّ سليمان تحرك بهذا الجيش العظيم {حتى أتوا على وادي النمل} .
فخاطبت نملة من النمل أصحابها محذرة ، كما تقول الآية : {قالت نملة يا أيّها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون} (4) .
ولنا كلام يسأتي ـ إن شاء الله ـ في كيفية اطّلاع النملة ومعرفتها بحضور سليمان وجنوده في تلك المنطقة ، وكيف أوصلت صوتها إلى بقية النمل؟ .
ويستفاد ضمناً من جملة {لا يشعرون} أن عدل سليمان كان ظاهراً وواضحاً حتى عند النمل ، لأنّ مفهوم الجملة أن سليمان وجنوده لو شعروا والتفتوا إلى النملة الضعيفة لما وطأوها بالأقدام ، وإذا وطأوها فإنّما ذلك لعدم توجههم والتفاتهم . {فتبسم ضاحكاً من قولها} .
هناك كلمات مختلفة عند المفسّرين في الشيء الذي أضحك سليمان ، والظاهر أن القضية ذاتها كانت عجيبة عند سليمان ، بحيث تُحذّر نملة صويحباتها من النمل . . . تحذرهنّ من تحطيم سليمان وجنوده إياهن وهم لا يشعرون : فضحك من أجلها!
وقال بعضهم : كان ضحك سليمان سروراً منه بأن عرف أن النمل تعترف بتقواه وعدالته وتقوى جنوده وعدالتهم .
وقال بعضهم : كان ضحكه وتبسمه لأنّ الله أعطاه هذه القدرة ، وهي أنّه برغم جلجلة جيشه ولجبه فإنّه التفت إلى صوت النملة مخاطبة بقية النمل فلم يغفل عنها .
وعلى كل حال ، فإن سليمان توجه نحو الله . . داعياً وشاكراً مستزيداً فضله {وقال ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علىّ وعلى والدي} (5) .
أي ، لتكون لي القدرة أن استعمل هذه النعم جميعها في ما أمرتني به وما يرضيك ، ولا أنحرف عن طريق الحقّ . . فإن أداء شكر هذه النعم لا يكون إلاّ بتوفيقك وإعانتك . (وأن أعمل صالحاً ترضاه} وهو يشير إلى أن بقاء هذا الجيش وحكومته وتشكيلاتها الواسعة غير مهم بالنسبة إليه ، بل المهم أن يؤدي عملا صالحاً يرضي به ربّه ، وحيث أن «أعمل» فعل مضارع فهو دليل على طلب استمرار التوفيق من قبل الله له .
والطلب الثّالث الذي طلبه سليمان من ربّه ، كما حكته الآية ، هو أن يجعله في زمرة الصالحين ، إذ قال : (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} . .
________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص411-424 .
2 ـ راجع كتاب الإحتجاج للطبرسي طبقاً لما جاء في تفسير نور الثقلين ، ج 4 ، ص 75 .
3 ـ يقول ابن منظور في لسان العرب : «النطق» هو التكلم ، ثمّ يضيف «وكلام كل شيء منطقه . ومنه قوله تعالى : {علمنا منطق الطير} ثمّ ينقل عن بعض علماء العرب ـ وهو ابن سيده ـ أنّه «خلافاً لما قال بعضهم : إن النطق خاص بالإنسان . فقد يستعمل النطق في غير الإنسان» . وينبغي الإلتفات إلى أن الفلاسفة وعلماء المنطق أطلقوا النطق على القدرة على التفكير الذي يعطي الانسان التمكن من الكلام . . .
4 ـ قال بعض المفسّرين : إن (التاء) في النملة للوحدة ، وتأنيث الفعل مراعاة لظاهر الكلمة! . .
5 ـ «أوزعنى» من مادة (إيزاع) ومعناه «الإلهام» ، أو المنع عن الإنحراف ، أو إيجاد العشق والتعلق ، إلاّ أن أغلب المفسّرين اختاروا المعنى الأوّل .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|