المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17644 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
اية الميثاق والشهادة لعلي بالولاية
2024-11-06
اية الكرسي
2024-11-06
اية الدلالة على الربوبية
2024-11-06
ما هو تفسير : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ؟
2024-11-06
انما ارسناك بشيرا ونذيرا
2024-11-06
العلاقات الاجتماعية الخاصة / علاقة الوالدين بأولادهم
2024-11-06

التنازع
17-10-2014
قبس من أسرار الحروف المتقطعة أمام بعض السور القرآنية
5-05-2015
المعاناة
15-2-2018
حكم يزيد بن عبد الملك الظالم للمسلمين
15-04-2015
القرآن والمطهرون عند الطباطبائي
14-11-2020
Enhancing Antibody Potency
9-12-2020


تفسير الآية (65-75) من سورة النمل  
  
2802   03:15 مساءً   التاريخ: 19-8-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النمل /

قال تعالى : { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [النمل : 65 - 75] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{قل} يا محمد {لا يعلم من في السموات والأرض} من الملائكة والإنس والجن {الغيب} وهوما غاب علمه عن الخلق مما يكون في المستقبل {إلا الله} وحده أومن أعلمه الله تعالى {وما يشعرون أيان يبعثون} أي متى يحشرون يوم القيامة دل سبحانه بهذه الآية كما دل بما تقدمها على قدرته .

لما أخبر سبحانه عن الكفار أنهم لا يشعرون متى يبعثون وأنهم شاكون عقبه بأنهم يعلمون حقيقة ذلك يوم القيامة فقال {بل ادارك علمهم في الآخرة} أي تتابع منهم العلم وتلاحق حتى كمل علمهم في الآخرة بما أخبروا به في الدنيا فهو على لفظ الماضي والمراد به الاستقبال أي يتدارك ومن قرأ أدرك فمعناه سيدرك علمهم هذه الأشياء في الآخرة حين لا ينفعهم اليقين .

{بل هم في شك منها} في الدنيا عن ابن عباس والمعنى أن ما جهلوه في الدنيا وسقط علمه عنهم علموه في الآخرة وقيل معناه اجتمع علمهم يوم القيامة فلم يشكوا ولم يختلفوا عن السدي وقال مقاتل يقول بل علموا في الآخرة حين عاينوها ما شكوا وعموا عنه في الدنيا وقيل أن هذا على وجه الاستفهام فحذف الألف والمراد به النفي بمعنى أنه لم يدرك علمهم بالآخرة ولم يبلغها علمهم وقيل معناه أدرك هذا العلم جميع العقلاء لو تفكروا ونظروا لأن العقل يقتضي أن الإهمال قبيح فلا بد من تكليف والتكليف يقتضي الجزاء وإذا لم يكن ذلك في الدنيا فلا بد من دار للجزاء وقيل إن الآية إخبار عن ثلاث طوائف طائفة أقرت بالبعث وطائفة شكت فيه وطائفة نفته كما قال {بل هم في أمر مريج} .

وقوله {بل هم منها عمون} أي عن معرفتها وهو جمع عمي وهو الأعمى القلب لتركه التدبر والنظر {وقال الذين كفروا} بإنكارهم البعث {أ إذا كنا ترابا وآباؤنا أ إنا لمخرجون} من القبور مبعوثون يقولون ذلك على طريق الاستبعاد والاستنكار {لقد وعدنا هذا} البعث {نحن} فيما مضى {وآباؤنا من قبل} أي ووعد آباؤنا ذلك من قبلنا فلم يكن مما قالوه شيء {إن هذا إلا أساطير الأولين} أي أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها {قل} يا محمد {سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} الذين كفروا بالله وعصوه أي كيف أهلكهم الله وخرب ديارهم .

{ولا تحزن عليهم} أي على تكذيبهم وتركهم الإيمان {ولا تكن في ضيق} وهوما يضيق به الصدر {مما يمكرون} أي يدبرون في أمرك فإن الله تعالى يحفظك وينصرك عليهم {ويقولون متى هذا الوعد} الذي تعدنا يا محمد من العذاب {إن كنتم صادقين} بأنه يكون {قل} يا محمد {عسى أن يكون ردف لكم} أي قرب لكم عن ابن عباس وقيل أقرب لكم عن السدي وقيل أردف لكم عن قتادة {بعض الذي تستعجلون} من العذاب وعسى من الله واجب فمعناه أنه قرب منكم وسيأتيكم وهذا البعض الذي دنا لهم القتل والأسر يوم بدر وسائر العذاب لهم فيما بعد الموت وقيل هو الإنذار عند الموت وشدته وعذاب القبر عن الجبائي .

{وإن ربك لذو فضل على الناس} بضروب النعم الدينية والدنيوية وقيل بإمهالهم ليتوبوا والفضل هو الزيادة من الله تعالى للعبد على ما يستحقه بشكره والعدل حق للعبد والفضل فيه واقع من الله تعالى إلا أنه على ما يصح وتقتضيه الحكمة {ولكن أكثرهم لا يشكرون} نعمه {وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم} أي تخفيه وتستره {وما يعلنون} أي ويعلم ما يظهرونه أيضا {وما من غائبة} أي من خصلة غائبة {في السماء والأرض} يعني جميع ما أخفاه عن خلقه وغيبه عنهم {إلا في كتاب مبين} أي إلا وهو مبين في اللوح المحفوظ وقيل أراد أن جميع أفعالهم محفوظة عنده غير منسية كما يقول القائل أفعالك عندي مكتوبة أي محفوظة عن أبي مسلم والجبائي .

_____________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص397-401 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ والأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} .

طلب الجاحدون من الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ان يحدد لهم أمد البعث ، فقال له العلي الأعلى : قل لهم : لا أحد من الإنس والجن والملائكة يعلم الغيب وأمد البعث الا اللَّه ، وانهم يحشرون من حيث لا يشعرون {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ} .

ادارك تتابع ، والمعنى ان الأنبياء أخبروا المشركين بالآخرة ، فلم يصدقوا ، ولما بعثوا ورأوا الآخرة رأي العين علموا ان إخبار الأنبياء كان حقا وصدقا ، فالتتابع المقصود هنا ان علم المشركين بالآخرة حصل بعد إخبار الأنبياء بها وبعد رؤيتها {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها} أي كيف يسألون عن وقت الآخرة ، وهم غير مؤمنين بها ؟ {بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ} بل عميت قلوبهم عن الآخرة لضلالهم وعنادهم حتى استحال أن يروها .

{وقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُراباً وآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الأَوَّلِينَ} . تقدم مثله في الآية 5 من سورة الرعد والآية 36 و84 من سورة المؤمنون .

{قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} . هذا تهديد لمن كذب بنبوة محمد (صلى الله عليه واله وسلم) أن يصيبهم من الهلاك ما أصاب غيرهم من الأمم السابقة الذين كذبوا أنبياءهم . وتقدم نظيره في الآية 137 من سورة آل عمران ج 2 ص 159 .

{ولا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ولا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} . تقدم بنصه في الآية 127 من سورة النحل ج 4 ص 565 .

{ويَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} . حذّر الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) قريشا من عاقبة تكذيبهم وتمردهم ، فقالوا له ساخرين : ومتى يكون ذلك ؟ وكل نبي كان يسمع هذا الجواب الساخر من قومه إذا أنذرهم وحذرهم {قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} ربما كان العذاب وراءكم ، وأنتم لا تشعرون ، وفي هذا المعنى الآية 51 من سورة الإسراء : {ويَقُولُونَ مَتى هُو قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً .

{وإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ} . انه تعالى يتفضل عليهم بالإمهال وتأخير العذاب ليتوبوا ويرجعوا عن غيهم ، وكان عليهم ان يشكروا اللَّه على ذلك ، ولكنهم استعجلوا العذاب ساخرين مستهزئين {وإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وما يُعْلِنُونَ} . أعلنوا الشرك باللَّه ، وأضمروا الكيد والشر لرسول اللَّه ، واللَّه يعلم ما يسرون وما يعلنون ، وانه مجازيهم لا محالة على هذا وذاك بما يستحقون {وما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ والأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ} . لا يغيب شيء عن علمه تعالى ، ما في ذلك ريب ، والقصد من هذا الإخبار تهديد الخونة والعملاء الذين يتسترون بثوب النفاق والرياء .

________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص ٣٦-37 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون} لما أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد إبطال ألوهية آلهتهم بانتساب الخلق والتدبير إليه تعالى وحده أن يطالبهم بالبرهان على ما يدعونه أمره ثانيا أن يواجههم ببرهان آخر على بطلان ألوهية آلهتهم وهو عدم علمهم بالغيب وعدم شعورهم بالساعة وأنهم أيان يبعثون مع أنه لا يعلم أحد ممن في السماوات والأرض - ومنهم آلهتهم الذين هم الملائكة

والجن وقديسو البشر - الغيب وما يشعرون أيان يبعثون ، ولو كانوا آلهة لهم تدبير أمر الخلق - ومن التدبير الجزاء يوم البعث - لعلموا بالساعة .

وقد ظهر بهذا البيان أن قوله : {لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} برهان مستقل على بطلان ألوهية آلهتهم واختصاص الألوهية به تعالى وحده وأن قوله : {وما يشعرون أيان يبعثون} من عطف أوضح أفراد الغيب عليه وأهمها علما بالنسبة إلى أمر التدبير .

وظهر أيضا أن ضميري الجمع في {وما يشعرون أيان يبعثون} لمن في السماوات لعدم تمام البيان بدونه .

فقول بعضهم : إن الضمير للمشركين وإن كان عدم الشعور بما ذكر عاما لئلا يلزم التفكيك بينه وبين الضمائر الآتية الراجعة إليهم قطعا .

فيه أنه ينافي ما سيقت له الآية الكريمة من البيان كما قدمنا الإشارة إليه والتفكيك بين الضمائر مع وجود القرينة لا بأس به .

قوله تعالى : {بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون} ادارك في الأصل تدارك والتدارك تتابع أجزاء الشيء بعضها بعد بعض حتى تنقطع ولا يبقى منها شيء ، ومعنى تدارك علمهم في الآخرة أنهم صرفوا ما عندهم من العلم في غيرها حتى نفد علمهم فلم يبق منه شيء يدركون به أمر الآخرة على حد قوله تعالى : {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ } [النجم : 29 ، 30] و{عمون} جمع عمي .

لما انتهى احتجاجه تعالى إلى ذكر عدم شعور أحد غيره تعالى بوقت البعث وتبكيت المشركين بذلك رجع إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وذكره أنهم في معزل عن الخطاب بذلك إذ لا خبر لهم عن شيء عن أمور الآخرة فضلا عن وقت قيام الساعة وذلك أنهم صرفوا ما عندهم من العلم في جهات الحياة الدنيا فهم في جهل مطلق بالنسبة إلى أمور الآخرة بل هم في شك من الآخرة يرتابون في أمرها كما يظهر من احتجاجاتهم على نفيها المبنية على الاستبعاد بل هم منها عمون والله أعمى قلوبهم عن التصديق بها والاعتقاد بوجودها .

وقد ظهر بهذا البيان أن تكرر كلمة الإضراب لبيان مراتب الحرمان من العلم بالآخرة وأنهم في أعلاها ، فقوله : {بل ادارك علمهم في الآخرة} أي لا علم لهم بها كأنها لم تقرع سمعهم ، وقوله : {بل هم في شك منها} أي أنه قرع سمعهم خبرها وورد قلوبهم لكنهم ارتابوا ولم يصدقوا بها ، وقوله : {بل هم منها عمون} أي إنهم لم ينقطعوا عن الاعتقاد بها من عند أنفسهم وباختيار منهم بل الله سبحانه أعمى أبصار قلوبهم فصاروا عمين فهيهات أن يدركوا من أمرها شيئا .

وقيل : المراد بتدارك علمهم تكامله وبلوغه حد اليقين لتكامل الحجج الدالة على حقية البعث والجملة مسوقة للتهكم ، وفيه أنه لا يلائم ما يتبعه من الإضراب بالشك والعمى .

قوله تعالى : {وقال الذين كفروا أ إذا كنا ترابا وآباؤنا أ إنا لمخرجون - إلى قوله - الأولين} حكاية حجة منهم لنفي البعث مبنية على الاستبعاد أي كيف يمكن أن نخرج من الأرض بشرا تامين كما نحن اليوم وقد متنا وكنا ترابا نحن وآباؤنا كذلك؟ .

وقوله : {لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل} حجة أخرى منهم مبنية على الاستبعاد أي لقد وعدنا هذا وهو البعث بعد الموت نحن وآباؤنا وعدوه قبل أن يعدنا هذا النبي والذين وعدوا قبلا هم الأنبياء الماضون فهو وعد قديم لم نزل نوعد به ولوكان خبرا صادقا ووعدا حقا لوقع إلى هذا اليوم وإذ لم يقع فهومن الخرافات التي اختلقها الأولون وكانوا مولعين باختلاق الأوهام والخرافات والإصغاء إليها .

قوله تعالى : {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} إنذار وتخويف لهم على إنكارهم وعد الأنبياء بالبعث بأمرهم أن يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة المجرمين المكذبين للأنبياء المنذرين لهم بالبعث فإن في النظر إلى عاقبة أمرهم على ما تدل عليه مساكنهم الخربة وديارهم الخالية كفاية للمعتبرين من أولي الأبصار ، وفي التعبير عن المكذبين بالمجرمين لطف بالمؤمنين في ترك الجرائم .

كذا قيل ، ويمكن أن تقرر الآية حجة تدل على المعاد وتقريبها أن انتهاء عاقبة أمر المجرمين إلى عذاب الاستئصال دليل على أن الإجرام والظلم من شأنه أن يؤاخذ عليه وأن العمل إحسانا كان أو إجراما محفوظ على عامله سيحاسب عليه وإذ لم تقع عامة هذا الحساب والجزاء - وخاصة على الأعمال الصالحة - في الدنيا فذلك لا محالة في نشأة أخرى وهي الدار الآخرة .

فتكون الآية في معنى قوله تعالى : { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } [ص : 28] ، ويؤيد هذا التقرير قوله : {عاقبة المجرمين} ولوكان المراد تهديد مكذبي الرسل وتخويفهم كان الأنسب أن يقال : عاقبة المكذبين ، كما تقدمت الإشارة إليه .

قوله تعالى : {ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون} أي لا يحزنك إصرارهم على الكفر والجحود ولا يضق صدرك من مكرهم لإبطال دعوتك وصدهم الناس عن سبيل الله فإنهم بعين الله وليسوا بمعجزيه وسيجزيهم بأعمالهم .

فالآية مسوقة لتطييب نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقوله : {ولا تكن في ضيق} إلخ ، معطوف على ما قبله عطف التفسير .

قوله تعالى : {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} الظاهر أن المراد بالوعد الوعد بعذاب المجازاة أعم من الدنيا والآخرة ، والسياق يؤيد ذلك والباقي ظاهر .

قوله تعالى : {قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون} قالوا : إن اللام في {ردف لكم} مزيدة للتأكيد ، كالباء في قوله : {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [البقرة : 195] ، والمعنى تبعكم ولحق بكم ، وقيل : إن ردف مضمن معنى فعل يعدى باللام .

والمراد ببعض الذي يستعجلونه هو عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة فإنهم كانوا يستعجلون إنجاز ما وعدهم الله من الحكم الفصل ، وهو ملازم لعذابهم ، وعذابهم في الدنيا بعض العذاب الذي يستعجلونه باستنجاز الوعد ، ولعل مراد الآية به عذاب يوم بدر كما قيل .

قالوا : إن {عسى ولعل} من الله تعالى واجب لأن حقيقة الترجي مبنية على الجهل ولا يجوز عليه تعالى ذلك فمعنى قوله : {عسى أن يكون ردف لكم} سيردفكم ويأتيكم العذاب محققا .

وفيه أن معنى الترجي والتمني ونحوهما كما جاز أن يقوم بنفس المتكلم يجوز أن يقوم بالمقام أو بالسامع أو غيرهما وهو في كلامه تعالى قائم بغير المتكلم من المقام وغيره وما في الآية من الجواب لما أرجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان الرجاء المدلول عليه بكلمة عسى قائما بنفسه الشريفة والمعنى : قل أرجو أن يكون ردف لكم العذاب .

وفي تفسير أبي السعود : ، وعسى ولعل وسوف في مواعيد الملوك بمنزلة الجزم بها ، وإنما يطلقونها إظهارا للوقار ، وإشعارا بأن الرمز من أمثالهم كالتصريح ممن عداهم وعلى ذلك مجرى وعد الله تعالى ووعيده انتهى وهو وجه وجيه .

ومعنى الآية : قل لهؤلاء السائلين عن وقت الوعد : أرجو أن يكون تبعكم بعض الوعد الذي تستعجلونه وهو عذاب الدنيا الذي يقربكم من عذاب الآخرة ويؤديكم إليه ، وفي التعبير بقوله : {ردف لكم} إيماء إلى قربه .

قوله تعالى : {وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون} معنى الآية في نفسها ظاهر ووقوعها في سياق التهديد والتخويف يفيد أن تأخيره تعالى العذاب عنهم مع استحقاقهم ذلك إنما هو فضل منه عليهم يجب عليهم شكره عليه لكنهم لا يشكرونه ويسألون تعجيله .

قوله تعالى : {وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون} أي إن تأخير العذاب ليس عن جهل منه تعالى بحالهم وما يستحقونه بالكفر والجحود فإنه يعلم ما تستره وتخفيه صدورهم وما يظهرونه .

ثم أكد ذلك بأن كل غائبة - وهي ما من شأنه أن يغيب ويخفى في أي جهة من جهات العالم كان - مكتوب محفوظ عنده تعالى وهو قوله : {وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين} .

 ________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص309-312 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1)

 

لمّا كان البحث في آخر الآيات السابقة عن القيامة والبعث ، فإن الآيات ـ محل البحث ـ تعالج هذه المسألة من جوانب شتى ، فتجيب أولا على السؤال الذي يثيره المشركون دائماً ، وهو قولهم : متى تقوم القيامة ؟ و«متى هذا الوعد» ؟! فتقول : {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلاّ الله وما يشعرون أيّان يبعثون} !

لا شك أن علم الغيب ـ ومنه تاريخ وقوع القيامة ـ خاص بالله ، إلاّ أنّه لا منافاة في أن يجعل الله بعض ذلك العلم عند من يشاء من عباده ، كما نقرأ في الآيتين (26) و( 27) من سورة الجن {قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ } [الجن : 25 - 27] .

وبتعبير آخر فإنّ علم الغيب بالذات ، وبصورته المستقلة والمطلقة غير المحدودة ، خاصّ بالله سبحانه ، وكل علوم الاخرين مُسترفدة من علمه تعالى . ولكن مسألة تاريخ وقوع القيامة مستثناة من هذا الأمر أيضاً ، ولا يعلم بها أحد «إلاّ الله» (2) .

ثمّ يتكلم القرآن عن عدم علم المشركين بيوم القيامة وشكهم وجهلهم ، فيقول : {بل ادّارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون} .

«ادّارك» في الأصل «تدارك» ومعناه التتابع أو لحوق الآخر بالأوّل ، فمفهوم جملة : {بل ادّارك علمهم في الآخرة} أنّهم لم يصلوا إلى شيء بالرغم ممّا بذلوه من تفكير ، وجمعوا المعلومات في هذا الشأن ، لذلك فإنّ القرآن يضيف مباشرة بعد هذه الجملة {بل هم في شك منها بل هم منها عمون} . لأنّ دلائل الآخرة ظاهرة في هذه الدنيا ، فعودة الأرض الميتة إلى الحياة في فصل الربيع ، وإزهار الأشجار وإثمارها مع أنّها كانت في فصل الشتاء جرداء ! . . . ومشاهدة عظمة قدرة الخالق في مجموعة الخلق والوجود ، كلها دلائل على إمكان الحياة بعد الموت ، إلاّ أنّهم كالعُمي الذين لا يبصرون كل شيء !

وبالطبع فإنّ هناك تفاسير أخر للجملة أعلاه ، منها أنّ المراد من {ادّارك علمهم في الآخرة} أن أسباب التوصل للعلم في شأن الآخرة متوافرة ومتتابعة ، إلاّ أنّهم عمي عنها .

وقال بعضهم : إنّ المراد منها أنّهم عندما تُكشف الحجب في يوم الآخرة ، فإنّهم سيعرفون حقائق الآخرة بشكل كاف .

إلاّ أنّ الأنسب من بين هذه التفاسير الثلاثة هو التّفسير الأوّل حيث يناسب بقية الجمل في الآية ، والبحوث الواردة في الآيات الأخر ! .

وهكذا فقد ذكرت ثلاث مراحل لجهل المنكرين (للآخرة) .

الأولى : أنّ إنكارهم وإشكالهم هو لأنّهم يجهلون خصوصيّات الآخرة «وحيث أنّهم لم يروها فهم يظنون الحقيقة خيالا» .

الثّانية : أنّهم في شك من الآخرة أساساً ، وسؤالهم عن زمان تحققها ناشيء من أنّهم في شك منها! .

الثّالثة : أن جهلهم وشكهم ليس منشؤهما أنّهم لا يملكون دليلا أو دلائل كافية على الآخرة ، بل الأدلة متوفرة إلاّ أن أعينهم عميٌ عنها! .

والآية التالية : توجز منطق منكري القيامة والبعث في جملة واحدة ، فتقول : {وقال الذين كفروا ءإذا كنا تراباً وآباؤنا أئنا لمخرجون} ؟!

فهم مقتنعون بهذا المقدار ، أنّ هذه المسألة بعيدة (أن يتحول الإنسان إلى تراب ثمّ يعود إلى الحياة) ! مع أنّهم كانوا أوّل الأمر تراباً وخلقوا من التراب ، فما يمنع أن يعودوا إلى التراب ، ثمّ يرجعون أحياءً بعد أن كانوا تراباً !

الطريف أنّنا نواجه مثل هذا الإستبعاد في ثمانية مواضع من القرآن ، فهم يشكون في مسألة القيامة في المواضع آنفة الذكر بمجرّد استبعاد عودتهم إلى الحياة من «التراب» ثانية ! .

ثمّ يحكي القرآن عمّا يضيفه المشركون من قول : {لقد وعدنا هذا وآباؤنا من قبل} ولكن لم نجد أثراً لهذا الوعد ولن يوجد {إن هذا إلاّ اساطير الأولين} . فما هي سوى خرافات وخزعبلات القدماء .

فبناءً على هذا فإنّهم يبدأون من الإستبعاد ثمّ يجعلونه أساساً للإنكار المطلق . . . فكأنّهم كانوا ينتظرون أن تتحقق القيامة عاجلا ، وحيث أنّهم لم يشهدوا ذلك في حياتهم فهم ينكرونه .

وعلى كل حال ، فهذه التعبيرات جميعها تدل على غفلتهم وغرورهم ! .

ويستفاد ـ ضمناً من هذا التعبير ـ أنّهم أرادوا أن يسخروا من كلام النّبي في شأن يوم القيامة ، ويطعنوا عليه ، فيقولوا : إن هذه الوعود الباطلة سبقت لأسلافنا ، فلا جديد فيها يستحق بذل التفكير والمراجعة ! .

 

وقوله تعالى : {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل : 69 - 75] .

 

لا يضيق صدرك بمؤامراتهم :

كان الكلام في الآيات السابقة عن إنكار المعاندين الكفار للمعادْ ، واستهزائهم وتكذيبهم باليوم الآخر .

ولما كان البحث المنطقي غير مُجد لهؤلاء القوم المعاندين والأعداء الألدّاء ، بالإضافة إلى ما أقامتهُ الآيات الأخر من الدلائل الوافرة على المعاد ممّا يُرى كلّ يوم في عالم النباتات وفي عالم الأجنّة ، وما إلى ذلك ، فإنّ الآيات محل البحث بدلا من أن تأتيهم بدليل ، هددتهم بعذاب الله الّذي شمل من سبقهم من الكفّار ، وأنذرتهم بعقابه المخزي . . . فوجهت الخطاب للنبي(صلى الله عليه وآله) قائلةً : {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين} .

فأنتم تعترفون أن هذه الوعود تلقّاها أسلافكم ، فلم يكترثوا بها ، ولم يروا ضرراً . . فهلاّ سرتم في الأرض قليلا ، لتشهدوا آثار هؤلاء المجرمين المنكرين للتوحيد والمعاد ، وخاصة الآثار في المناطق القريبة من الحجاز . . . لتنظروا أن الأمر ليس كما تزعمون .

ولكن سيحين موعدكم فلا تعجلوا . . . فأنتم كأُولئك ستواجهون المصير المحتوم والعاقبة المخزية إذا لم تصلحوا أنفسكم ! .

والقرآن دعا مراراً إلى السير في الارض ، ومشاهدة آثار الماضين ، والمدن الخاوية الخربة التي حاق بأهلها سوء العذاب ، وقصور الظالمين المتداعية ، والقبور الدارسة والعظام النخرة ، والأموال التي خلفها أصحابها المغرورون !!

إنّ مطالعة تلك الآثار التي تعبّر عن التأريخ الحىّ لأُولئك الماضين ، توقظ القلوب الغافلة ! وتبصّرها بالحق . . . والواقع كذلك ، فإن مشاهدة واحد من هذه الآثار يترك في القلب أثراً لا تتركه مطالعة عدّة كتب تأريخية ! .

(كان لنا بحث مفصل في هذا المجال ذيل الآية 137 من سورة آل عمران) .

ممّا ينبغي ملاحظته أنّه جاء في هذه الآية التعبير بـ «المجرمين» بدلا من «المكذبين» . . . وهو إشارة إلى أن تكذيبهم لم يكن لأنّهم أخطأوا في التحقيق ، بل أساسه العناد واللجاجة . وتلوثهم بأنواع الجرائم !

وحيث أن الرّسول(صلى الله عليه وآله) كان يشفق عليهم لإنكارهم ، ويحزن لعنادهم ، ويحترق قلبه من أجلهم ، إذ كان حريصاً على هدايتهم ، وكان يواجه مؤامراتهم أيضاً . . فإنّ الآية التالية تسري عن قلب النّبي فتقول له : {ولا تحزن عليهم} ولا تقلق من مؤآمراتهم {ولا تكن في ضيق ممّا يمكرون} .

إلاّ أنّ هؤلاء المنكرين المعاندين ، بدلا من أن يأخذوا إنذار النّبي المشفق عليهم مأخذ الجد فيتعظوا بوعظه ويسترشدوا بنصحه ، أخذوا يسخرون منه {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} .

ومع أنّ المخاطب هو النّبي(صلى الله عليه وآله) ، إلاّ أنّ الموضوع ذكر بصيغة الجمع «إن كنتم صادقين» لأنّ المؤمنين الصادقين كانوا قد ضموا صوتهم إلى صوت النّبي(صلى الله عليه وآله)أيضاً . . . فهم مخاطبون بما خوطب به كذلك!

وهنا يردُّ القرآن على استهزائهم وسخريتهم بلهجة موضوعية ، فيقول مخاطباً نبيّه : {قل عسى أن يكون قد ردف لكم بعض الذي تستعجلون} .

فعلام تستعجلون؟! وعلام تستصغرون عقاب الله ؟! أفلا ترحمون أنفسكم ؟! ترى ، هل عذاب الله ضرب من الهزل أو المزاح؟ فعسى أن يأخذكم الله بعذابه لكلامكم هذا فيهلككم . . . فلم هذا العناد واللجاجة ؟!

«ردف» فعل مشتق من (ردف) على وزن (حرف) ومعناه كون الشيء خلف الشيء الآخر ، ولذا يطلق على من يركب الفرس خلف صاحبه (رديف) كما يطلق الرديف على الاشخاص أو الاشياء التي تقف صفاً واحداً بعضها خلف بعض .

وهناك كلام عن المراد من العذاب الذي كانوا يستعجلون به ، فقيل : هوما أصابهم يوم بدر من هزيمة كبرى ، إذ صرع من عتاتهم سبعون رجلا وأسر سبعون رجلا ! .

كما ويحتمل أنّ المراد منه العقاب العام الذي دفع أخيراً ، ببركة وجود النّبي إذ كان رحمة للعالمين ، والآية (33) من سورة الأنفال شاهدة عليه {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ } [الأنفال : 33] .

والتعبير بـ «عسى» لعله على لسان النّبيّ(صلى الله عليه وآله) . وحتى لوكان من قِبَلِ الله سبحانه ـ فعلى خلاف ما يتصوّره بعضهم ، فإنّه ليس فيه أي إشكال . . . إذ هو إشارة إلى وجود مقدمات الشيء ومقتضياته ، مع إمكان أن تقترن هذه المقدمات بالمانع ، فلا تصل إلى النتيجة النهائية (فلاحظوا بدقّة) ! .

ثمّ يتحدث القرآن في الآية التالية عن هذه الحقيقة : وهي أنّ الله إذا لم يعجل في عقابكم ، فذلك بفضله وبرحمته ، حيث يمهل عباده الإمهال الكافي لإصلاح أنفسهم ، فيقول : {وإنّ ربّك لذو فضل على الناس ولكنّ أكثرهم لا يشكرون} .

وإذا كانوا يتصورون أن تأخير العقاب لعدم علم الله سبحانه لما يدور في خلدهم من نيات سيئة وأفكار ضالة ، فهم في غاية الخطأ : {وإن ربّك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون} (3) .

فهو يعلم خفاياهم بمقدار ما يعلم من ظاهرهم وما يعلنون ، والغيب والشهادة عنده سيّان .

فهذه المفاهيم هي من نتاج علمنا المحدود ، وإلاّ فهي في مقابل غير المحدود تفقد معانيها وتتلاشى حدودها .

وهنا ذكر «علم الله بما تكنّ القلوب» مقدماً على علمه بالأفعال الخارجية ، ولعل ذلك هو بسبب أهمية النيات والإرادة ! كما يمكن أن يكون التقديم لأنّ الأفعال الخارجية ناشئة عن النيات الداخلية ، والعلم بالعلة مقدم على العلم بالمعلول ! .

ثمّ يضيف القرآن قائلا : إنّه ليس علم الله منحصراً بما تكن القلوب وما تعلن ، بل علمه واسع مطلق ! {وما من غائبة في السماء والأرض إلاّ في كتاب مبين} (4) .

وواضح أن «الغائبة» لها معنى واسع ، فهي تحمل في مفهومها كلّ ما خفي عن حسّنا وغاب . . . وتشمل أعمال العباد الخفية والنيات الباطنية ، وأسرار السماوات والأرض وقيام الناس للحساب يوم القيامة ، زمان نزول العذاب ، وأمثال ذلك . ولا دليل على أن نفسّر «الغائبة» هنا بواحد من هذه الأُمور المذكورة آنفاً ـ كما ذهب إليه بعض المفسّرين ـ .

والمراد بـ «الكتاب المبين» هو اللوح المحفوظ ، وعلم الله الذي لا نهاية له ، وقد بحثنا هذا الموضوع في ذيل الآية (59) من سورة الأنعام .

______________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص483-489 .

2 ـ كان لنا بحوث مفصلة في علم الغيب في الأجزاء السابقة في هذا التّفسير .

3 ـ «تكنّ» مأخوذ من كَنّ على وزن جَنّ ، وهذا الفعل يطلق على ما تستر فيه الأشياء وتحفظ ، وهنا كناية عن ما يخطر في قلوب الكفّار من خواطر وأفكار عدوانية ! . .

4 ـ «الغائبة» اسم فاعل مشتق يدل على الوصف ، وكما يعتقد بعضهم «التاء» ليست في هذه الكلمة للتأنيث ، بل هي إشارة للأشياء المخفية ، فهي للمبالغة في الخفاء . . . إلا أنّه لا مانع من أن نحتمل أن التاء للتأنيث ، وأن موصوفها محذوف ، وتقديره : وما من خصلة غائبة . أو أشياء غائبة ، والله العالم . .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .