أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-6-2021
2664
التاريخ: 7-2-2017
2946
التاريخ: 2023-06-25
800
التاريخ: 4-12-2016
1905
|
غزوة حنين
حدثنا أبو عبد الله محمد بن شجاع الثلجي قال: حدثنا الوادي قال: حدثنا محمد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر، وابن أبي سبرة، ومحمد بن صالحن وأبو معشر، وابن أبي حبيبة، ومحمد بن يحيى بن سهل، وعبد الصمد بن محمد السعدي، ومعاذ بن محمد، وبكير بن مسمار، ويحيى بن عبد الله بن أبي قتادة؛ فكل قد حدثنا بطائفةٍ، وغير هؤلاء حدثنا ممن لم أسم، أهل ثقة، فكل قد حدثنا بطائفةٍ من هذا الحديث، وبعضهم أوعى له من بعض، وقد جمعت كل ما قد حدثوني به.
قالوا: لما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة مشت أشراف هوزان بعضها إلى بعض، وثقيف بعضها إلى بعض، وحشدوا وبغوا وأطهروا أن قالوا: والله ما لاقى محمد قوماً يحسنون القتال، فأجمعوا أمركم فسيروا إليه قبل أن يسير إليكم. فأجمعت هوزان أمرها وجمعها مالك بن عوف وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة - وكان سيداً فيها، وكان مسبلاً، يفعل في ماله ويحمد. فاجتمعت هوزان كلها، وكان في تكيف سيدان لها يومئذ: قارب بن الأسود بن مسعود في الأحلاف، هو الذي قادها؛ وفي بني مالك ذو الخمار أبيع بن الحراث - ويقال الأحمر بن الحارث - وهو الذي قادها موالياً ثقيفاً؛ فأوبت كلها مع هوزان، وقد أجمعوا المسير إلى محمد، فوجد ثقيفاً إلى ذلك سراعاً، فقالوا: قد كنا نهم بالمسير إليه، ونكره أن يسير إلينا، ومع ذلك لو سار إلينا لوجد حصناً حصيناً نقاتل دونه، وطعاماً كثيراً، حتى نصيبه أو ينصرف، ولكنا لا نريد ذلك، ونسير معكم ونكون يداً واحدة. فخرجوا معهم. قال غيلان بن سلمة الثقفي لبنيه، وهم عشرة: أني أريد أمراً كائنه له أمور، لا يشهدها رجل منكم إلا على فرسه. فشهدها عشرة من ولده على عشرة أفراس، فلما انهزموا بأوطاس هربوا، فدخلوا حصن الطائف فغلقوه. وقال كنانة بن عبد يا ليل: يا معشر ثقيف، إنكم تخرجون من حصنكم وتسيرون إلى رجل لا تدرون أيكون لكم أم عليكم؛ فمروا بحصنكم أن يرم مارث منه، فإنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه. فأمروا به أن يصلح، وخلفوا على حرمته رجلاً وساروا، وشهدها ناس من بني هلال ليسوا بكثيرٍ، ما يبلغون مائة، ولم يحضرها من هوزان كعب ولا كلاب، ولقد كانت كلاب قريبة، فقيل لبعضهم: لم تركتها كلاب فلم تحضرها؟ فقال: أما والله إن كانت لقريبة، ولكن ابن أبي إبراء مشى فنهاها عن الحضور فأطاعته، وقال: والله، لو ناوأ محمداً من بين المشرق والمغرب لظهر عليه.
ونصرها دريد بن الصمة في بني جشم، وهو يومئذٍِ ابن ستين ومائة سنة، شيخ كبير ليس فيه شئ إلا التيمن به ومعرفته بالحرب، وكان شيخاً مجرباً، وقد ذهب بصره يومئذ. وجماع الناس، ثقيف وغيرها من هوزان. إلى مالك بن عوف النصري، فلما أجمع مالك المسير بالناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الناس فجاءوا معهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم حتى نزلوا بأوطاس، واجتمع الناس به فعسكروا وأقاموا به، وجعلت الأمداد تأتيهم من كل ناحية. ودريد بن الصمة يومئذ في شجار يقاد به على بعير، فمكث على بعيره، فلما نزل الشيخ لمس الأرض بيده، فقال: بأي واد أنتم؟ قالوا: بأوطاس. قال: نعم مجال الخيل! لا حزن ضرس ولا سهل دهس! مالي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وثغاء الشاء، وخوار البقر، وبكاء الصغير؟ قالوا: ساق مالك من الناس أبناءهم نساءهم وأموالهم. قال: يا معشر هوزان، أممعكم من بني كلاب بن ربيعة أحد؟ قالوا: لا. قال: فمعكم من بني كعب بن ربييعة أحد؟ قالوا: لا. قال: فهل معكم من بني هلال بن عامر أحد؟ قالوا: لا. قال دريد: لو كان خيراً ما سبقتموهم إليه، ولو كان ذكراً أو شرفاً ما تخلفوا عنه؛ فأطيعوني يا معشر هوزان، وارجعوا وافعلوا ما فعل هؤلاء! فأبوا عليه. قال: فمن شهدها منكم؟ قالوا: عمرو بن عامر، وعوف بن عامر. قال: ذانك الجذعان من عامر، لا يضران ولا ينفعان! ثم قال: أين مالك؟ قالوا: هذا مالك فدعا له فقال: يا مالك، إنك تقاتل رجلاً كريماً؛ وقد أصبحت رئيس قومك، وإن هذا اليوم كائن لما بعده من الأيام! يا مالك، مالي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وخوار البقر، وبكاء الصغير، وثغاء الشاء؟ قال مالك سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم نساءهم. قال دريد: ولم؟ قال مالك: أردت أن أجعل خلف كل رجلٍ أهله وماله وولده ونساءه حتى يقاتل عنهم. قال: فأنقض بيده، ثم قال: راعى ضأن، ما له والحرب؟ وهل يرد المنهزم شئ؟ أنها إن كانت لكم لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك! ثم قال: ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا: لم يشهدها منهم أحد. قال: غاب الجد والحد، ولو كان يوم رفعةٍ وعلاء لم تغب عنه كعب ولا كلاب. يا مالك، إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوزان إلى نحور الخيل شيئاً، فإذا صنعت ما صنعت فلا تعصى في هذه الخطة؛ ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعليا قومهم وعزهم، ثم الق القوم على متون الخيل، فإن كانت لك لحق بك من وراءك؛ وكان أهلك لا خوف عليهم، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك. فغضب مالك من قوله وقال: والله لا أفعل، ولا إير أمراً صنعته، إنك قد كبرت وكبر علمك، وحدث بعدك من هو أبصر بالحرب منك؟ قال دريد: يا معشر هوزان، والله ما هذا لكم برأي هذا فاضحكم في عورتكم وممكن منكم عدوكم، ولاحق بحصن ثقيف وتارككم، فانصرفوا واتركوه؟! فسل مالك سيفه، ثم نكسه، ثم قال يا معشر هزان، والله لتطيعنني أو لأتكئن على السيف حتى يخرج من ظهري! وكره مالك أن يكون لدر يد فيها ذكر ورأى، فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا: والله، لئن عصينا مالكاً، وهو شاب، ليقتلن نفسه ونبقى مع دريد، شيخ كبير لا قتال فيه، ابنستين ومائة سنة. واجمعوا أمرهم مع مالك، فلما رأى ذلك دريد وأنهم قد خالفوه، قال: هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأضع
وكان دريد قد ذكر با لفوسية والشجاعة، ولم يكن له عشرون سنة، وكان سيد بني جشم وأوسطهم نسباً، ولكن السن أدركته حتى فنى فناء وهو دريد بن الصمة بن بكر بن علقمة.
قال: حدثني معمر، عن الزهري، قال: افتتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة لثلاث عشرة مضت من رمضان، وأنزل الله تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح قالوا: وكان فتح مكة يوم الجمعة لعشرٍ بقين من رمضان، فأقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة خمس عشرة يصلى ركعتين، ثم غدا يوم السبت لست ليال خلون من شوال، واستعمل على مكة عتاب بن أسيد يصلى بهم، ومعاذ بن جبل يعلمهم السنن والفقه.
قالوا: وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في اثنى عشر ألفاً من المسلمين، عشرة آلاف من أهل المدينة، وألفين من أهل مكة، فلما فصل قال رجل من أصحابه: لو لقينا بني شيبان ما بالينا، ولا يغلبنا اليوم أحد من قلة. فأنزل الله عز وجل في ذلك: لقد نصركم الله في مواطن كثيرةٍ ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم الآية.
قال : حدثني إسماعيل بن إبراهيم، عن موسى بن عقبة، عن الزهري، عن سعيد بن السيب، قال: قال أبو بكر : يا رسول الله، لا نغلب اليوم من قلة. فأنزل الله عز وجل في ذاك: " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة.. " الآية.
قال: حدثني محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خير الأصحاب أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولا تغلب اثنا عشر ألفاً من قلة - كلمتهم واحدة.
قالوا: وخرج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ناس من المشركين كثير، منهم صفوان بن أمية، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد استعار منه مائة درع بأداتها كاملة، فقال: يا محمد، طوعاً أو كرهاً؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عارية موداة! وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لصفوان: اكفنا حملها. فحملها صفوان على إبله حتى انتهوا إلى أوطس، فدفعها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
حدثنا معمر، عن الزهري، عن سنان بن أبي سنان الديلي، عن أبي واقد الليثي - وهو الحارث بن مالك - قال: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حنين، وكانت لكفار قريش ومن سواهم من العرب شجرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط، يأتونها كل سنة يعلقون عليها أسلحتهم، ويذبحون عندها، يعكفون عليها يوماً. قال: فرأينا يوماً، ونحن نسير مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، شجرة عظيمة خضراء، فسترتنا من جانب الطريق، فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الله أكبر! الله أكبر! قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى: " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون " إنها للسنن، سنن من كان قبلكم.
حدثني ابن حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: كانت ذات أنواط شجرة عظيمة، أهل الجاهلية يذبحون بها ويعكفون عليها يوماً، وكان من حج منهم وضع رداءه عندها، ويدهل بغير رداء تعظيماً لها، فلما مر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حنين قال له رهط. من أصحابه، فيهم الحارث بن مالك: يا رسول الله. اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثاً، وقال: هكذا فعل قوم موسى بموسى.
قال: قال أبو بردة بن نيار: لما كنا دون أوطاس نزلنا تحت شجرة ونظرنا إلى شجرة عظيمة، فنزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحتها، وعلق بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيفه وقوسه. قال: وكنت من أقرب أصحابه إليه. قال: فما أفزعني إلا صوته: يا أبا بردة! فقلت: لبيك! فأقبلت سريعاً، فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيفه وقوسه. قال: وكنت من أقرب أصحابه إليه. قال: فما أفزعني إلا صوته: يا أبا بردة! فقلت: لبيك! فأقبلت سريعاً، فإذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالس وعنده رجل جالس، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن هذا الرجل جاء وأنا نائم، فسل سيفي ثم قام به على رأس ففزعت به، وهو يقول: يا محمد، من يومنك مني اليوم؟ قلت: الله ! قال أبو بردة: فوثبت إلى سيفي فسللته، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): شم سيفك! قال: قلت: يا رسول الله، دعني أضرب عنق عدو الله؛ فإن هذا من عيون المشركين. قال: فقال لي: اسكت يا أبا بردة. قال: فما قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئاً ولا عاقبة. قال: فجعلت أصيح به في العسكر ليشهده الناس فيقتله قاتل بغير أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأما أنا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كفني عن قتله. فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: اله عن الرجل يا أبا بردة!، إن الله مانعي وحافظي حتى يظهر دينه على الدين كله.
قالوا: وانتهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حنين مساء ليلة الثلاثاء لعشر ليالً خلون من شوال. وبعث مالك بن عوف رجالاً من هوازان ينظرون إلى محمد وأصحابه - ثلاثة نفر - وأمرهم أن يتفرقوا في العسكر، فرجعوا إليه وقد تفرقت أوصالهم، فقال: ما شأنكم ويلكم؟ قالوا: رأينا رجالاً بيضاً على خيلً بلقٍ، فو الله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى! وقالوا له: ما نقاتل أهل الأرض، إن نقاتل إلا أهل السموات - وإن أفئدة عيونه تخفق - وإن أطعتنا رجعت بقومك، فإن الناس إن رأوا مثل ما رأينا أصابهم مثل الذي أصابنا. قال: أف لكم! بل أنتم قوم أجبن أهل العسكر. فجسهم عنده فرقاً أن يشيع ذلك الرعب في العسكر، وقال: دلوني على رجلٍ شجاع. فأجمعوا له على رجلٍ، فخرج، ثم رجع إليه وقد أصابه نحو ما أصاب من قبله منهم، فقال: ما رأيت؟ قال: رأيت رجالاً بيضاً على خيلٍ بلقٍ، ما يطاق النظر إليهم؛ فو الله ما تماسكت أن أصابني ما ترى! فلم يثنه ذلك عن وجهه.
قالوا: ودعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابن أبي حدرد الأسلمي فقال: انطلق فادخل في الناس حتى تأتى بخير منهم، وما يقول مالك. فخرج عبد الله فطاف في عسكرهم، ثم انتهى إلى ابن عوف فيجد عنده رؤساء هوزان، فسمعه يقول لأصحابه: إن محمداً لم يقاتل قط. قبل هذه المرة، وإنما كان يلقي قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب فينصر عليهم؛ فإذا كان في السحر فصفوا مواشيكم ونساءكم وأبناءكم من ورائكم، ثم صفوا صفوفكم، ثم تكون الحملة منكم، واكسروا جفون سيوفكم فتلقونه بعشرين ألف سيف مكسور الجفن، واحملوا حملة رجلٍ واحدٍ، واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولاً! فلما وعى ذلك عبد الله بن أبي حدرد رجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخبر بكل ما سمع، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبره بما قال، فقال: كذب ابن أبي حدرد. فقال ابن أبي حدرد: لئن كذبتني لربما كذبت بالحق! فقال: يا رسول الله، اسمع ما يقول ابن أبي حدرد! قال: صدق، كنت ضالاً فهداك الله! قالوا: وكان سهل بن الحنظلية الأنصاري يقول: سرنا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة هوزان، فأسرع السير حتى أتاه رجل فقال: يا رسول الله، قد تقطعوا من ورائك! فنزل فصلى العصر، وأوى إليه الناس فأمرهم فنزلوا، وجاءه فارس فقال: يا رسول الله، إني انطلقت من بين أيديكم على جبل كذا وكذا، فإذا بهوزان على بكرة أبيها بظعنها ونسائها ونعمها في وادي حنين. فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله! ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ألا فارس يحرسنا الليلة؟ إذا أقبل أنيس بن أبي مرثد الغنوى على فرسه، فقال: أنا ذا يا رسول الله. فقال انطلق حتى تقف على جبل كذا وكذا فلا تنزلن إلا مصليا أو قاضي حاجة، ولا تغرن من خلفك! قال وبتنا حتى أضاء الفجر، وحضرنا الصلاة، فخرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: أأحسستم فارسكم الليلة؟ قلنا: لا والله!فأقيمت الصلاة فصلى بنا، فلما سلم رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينظر خلال الشجر، فقال: أبشروا، قد جاء فارسكم! وجاء فقال: يا رسول الله ، إني وقفت على الجبل كما أمرتني، فلم أنزل عن فرسى إلا مصلياً أو قاضي حاجة حتى أصبحت، فلم أحس أحداً. قالرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): انطلق فانزل عن فرسك، وأقبل علينا. فقال: ما على هذا ألا يعمل بعد هذا عملاً؟ قالوا: وخرج رجال من مكة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يغادر منهم أحداً - على غير دين - ركباناً ومشاة، ينظرون لمن تكون الدرئة فيصيبون من الغنائم، ولا يكرهون أن تكون الصدمة لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه. وخرج أبو سفيان بن حرب في أثر العسكر، كلما مر بترس ساقط. أو رمح أو متاع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حمله، والأزلام في كنانته، حتى أوقر جمله. وخرج صفوان ولم سلم، وهو في المدة التي جعل له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاضطرب خلف الناس، ومعه حكيم بن حزام. وحويطب بن عبد العزي، وسهيل بن عمرو، وأبو سفيان بن حرب. والحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة، ينظرون لمن تكون الدائرة. واضطربوا خلف الناس والناس يقتلون، فمر به رجل فقال: أبشر أبا وهب! هزم محمد وأصحابه! فقال له صفوان: إن ربا من قريش أحب إلى من رب من هزان إن كنت مربوباً.
قالوا: ولما كان من الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبأهم في وادي حنين - وهو واد أجوف، ذو شعابٍ ومضايق - وفرق الناس فيه، وأعوعز إلى الناس أن يحملوا على محمد وأصحابه حملة واحدة. وعبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه وصفهم صفوفاً في السحر، ووضع الألوية والرايات في أهلها؛ مع المهاجرين لواء يحمله على عليه السلام، وراية يحملها سعد بن أبي وقاص، وراية يحملها عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وفي الأنصار رايات، مع الخزرج لواء يحمله الحباب بن المنذر - ويقال لواء الخزرج الأكبر مع سعد بن عبادة - ولواء الأوس مع أسيد بن حضير، وفي كل بطن من الأوس والخزرج لواء أو راية. وفي بني عبد الأشهل راية يحملها أبو نائلة، وفي بني حارثة راية يحملها أبو بردة بن نيار، وفي ظفر راية يحملها قتادة بن النعمان، وراية يحملها جبر بن عتيك في بني معاوية، وراية يحملها هلال بن أمية في بني واقف، وراية يحملها أبو لبابة بن عبد المنذر في بني عمرو بن عوف. وراية يحملها أبو أسيد الساعدي في بني ساعدة، وراية يحملها عمارة بن حزم في بني مالك بن النجار، وراية يحملها أبو سليط. في بني عدى بن النجار، وراية يحملها سليط. بن قيس في بني مازن. وكانت رايات الأوس والخزرج في الجاهلية خضر وحمر، فلما كان الإسلام أقروها على ما كانت عليه؛ وكانت رايات المهاجرين سود والألوية بيض. وكان في قبائل العرب في أسلم رايتان، إحداهما مع بريدة بن الحصيب، والأخرى مع جندب بن الأعجم. وكان في بني غفار راية يحملا أبو ذر، ومع بني ضمرة، وليث، وسعد بن ليث راية يحملها أبو واقد الليثي الحارث بن سفيان، والأخرى أبو شريح. وكان في بني مزينة ثلاث رايات؛ راية يحملها بلال بن الحارث، وراية يحملها النعمان بن مقرن، وراية يحملها بلال بن الحارث، وراية يحملها النعمان بن مقرن، وراية يحملها عبد الله بن عمرو بن عوف. وكان في جهينة أربع رايات؛ راية مع رافع بن مكيث، وراية مع عبد الله بن يزيد. وراية مع أبي زرعة معبد بن خالد، وراية مع سويد بن صخر. وكانت في بني أشجع رايتان؛ واحدة مع نعيم بن مسعود، والأخرى مع معقل بن سنان. وكانت في بني سليم ثلاث رايات؛ راية مع العباس بن مرداس، وراية مع خفاف بن ندبة، وراية مع الحجاج بن علاط. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قدم سليماً من يوم خرج من مكة فجعلهم مقدمة الخيل، واستعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد، فلم يزل على مقدمته حتى ورد الجعرانة.
قالوا: وانحدر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأصحابه، وقد مضت مقدمته وهو على تعبئة في وادي حنين، فانحدر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انحداراً - وهو وادٍ حدور - وركب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بغلته البيضاء دلدل، ولبس درعين والمغفر والبيضة، واستقبل الصفوف، وطاف عليها بعضها خلف بعض ينحدرون في الوادي، فحضهم على القتال وبشرهم بالفتح إن صدقوا وصبروا، فبيناهم على ذلك ينحدرون في غلس الصبح.
فكان أنس بن مالك يحدث يقول: لما انتهينا إلى وادي حنين - وهو وادٍ من أودية تهامة له مضايق وشعاب - فاستقبلنا من هوزان شئ، لا والله ما رأيت مثله في ذلك الزمان قط. من السواد والكثرة! قد ساقوا نساءهم وأموالهم وأبناءهم وذراريهم ثم صفوا صفوفاً، فجعلوا النساء فوق الإبل وراء صفوف الرجال، ثم جاءوا بالإبل والبقر والغنم فجعلوها وراء ذلك؛ لئلا يفروا بزعمهم. فلما رأينا ذلك السواد حسبناه رجالاً كلهم، فلما تحدرنا في الوادي، فبينا نحن فيه غلس الصبح، إن شعرنا إلا بالكتائب قد خرجب علينا من مضيق الوادي وشعبه فحملوا حملة واحدة، فانكشف أول الخيل - خيل سليم - مولية فولوا، وتبعهم أهل مكة وتبعهم الناس منهزمين، ما يلوون على شئ. قال أنس: فسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والتفت عن يمينه ويساره والناس منهزمون، وهو يقول: يا أنصار الله وأنصار رسوله! أنا عبد الله ورسوله صابر! قال: ثم تقدم بحربته أمام الناس، فوالذي بعته بالحق، ما ضربنا بسيف ولا طعنا برمح حتى هزمهم الله، ثم رجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى العسكر وأمر أن يقتل من قدر عليه منهم، وجعلت هوزان تولى وثاب من انهزم من المسلمين.
قال: حدثني معمر، ومحمد بن عبد الله، عن الزهري، عن كثير بن العباس بن عبد المطلب، عن أبيه، قال: لما كان يوم حنين التقى المسلمون والمشركون، فولى المسلمون يومئذ، فلقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما معه إلا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذاً بثفر بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يألو ما أسرع نحو المشركين. قالك فأتيته حتى أخذت بحكمة بغلته، وهو على بغلة له شهباء، فشجرتها بالحكمة، وكنت رجلاً صيتاً. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين رأى من الناس ما رأى؛ لا يلوون على شئ، قالك يا عباس، اصرخ: يا معشر الأنصار! يا أصحاب السمرة! فناديت: يا معشر الأنصار! يا أصحاب السمرة! قال: فأقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت إلى أولادها، يقولون: يا لبيك! يا لبيك! فيذهب الرجل منهم فيثنى بعيره فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه فيقدمها في عنقه، ويأخذ ترسه وسيفه ثم يقتحم عن بعيره فيخلى سبيله في الناس، ويوم الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى إذا ثاب إليه الناس اجتمعوا، فكانت الدعوة أولاً: يا للأنصار! ثم قصرت الدعوة فنادوا: يا للخزرج! قال: وكانوا صبرا عند اللقاء، صدقاً عند الحرب. قال: فأشرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كالمتطاول في ركائبه، فنظر إلى قتالهم فقالك الآن حمى الوطيس! ثم أخذ بيده من الحصى فرماهم، ثم قال: انهزموا، ورب الكعبة! فو الله مازلت أرى أمرهم مدبراً، وحدهم كليلاً حتى هزمهم الله، وكأني أنظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يركض خلفهم على بغلته. ويقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال للعباس: ناد " يا أصحاب السمرة! فرجعت الأنصار وهم يقولون: الكرة بعد الفرة. قال: فعطفوا عطفة البقر على أولادها، قد شرعوا الرماح حتى إني لأخاف على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رماحهم أشد من خوفي رماح المشركين، يؤمون الصفوف ويقولون: يا لبيك! يا لبيك! فلما اختلطوا واجتلدوا، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم على بغلته في ركائبه، يقول: اللهم، إني أسلك وعدك، لا ينبغي لهم أن يظهروا. ثم قال للعباس: ناولني حصيات! فناوله حصيات من الأرض، ثم قال: شاهدت الوجوه! ورمى بها وجوه المشركين، وقال: انهزموا، ورب الكعبة! قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عاصم بن عمرو بن قتادة، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله، عن أبيه، قال: لما انكشف الناس والله ما رجعت راجعة هزيمتهم حتى وجد الأسرى عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكتفين. قال: والتفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ إلى أبي سفيان بن الحارث وهو مقنع في الحديد، وكان ممن صبر يومئذ، وهو آخذ بثفر بغلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من هذا؟ قال: ابن أمك يا رسول الله. ويقال إنه قال: من أنت؟ قال: أخوك - فداك أبي وأمي - أو سفيان بن الحارث. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم أخي، ناولني حصى من الأرض! فناولته فرمى بها في أعينهم كلهم، وانهزموا.
قالوا: فلما انكشف الناس انحاز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات اليمين، وهو واقف على دابته لم ينزل، إلا أنه قد جرد سيفه وطرح غمد وبقى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في نفرٍ من المهاجرين والأنصار وأهل بيته؛ العباس، وعلى، الفضل بن عباس، وأبو سفيان بن الحارث، وربيعة ابن الحارث، وأيمن بن عبدي الخزرجي، وأسامة بن زيد، وأبو بكر، وعمر عليهم السلام. ويقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما انكشف الناس، قال لحارثة بن النعمان: يا حارثة، كم ترى الذين ثبتوا؟ قال: فلما التفت ورائي تحرجا، فنظرت عن يميني وشمالي فحزرتهم مائة، فقلت: يا رسول الله، هم مائة! حتى كان يوم مررت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يناجي جبريل عليه السلام عند باب المسجد، فقال جبريل عليه السلام: من هذا يا محمد؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حارثة بن النعمان. فقال جبريل عليه السلام: هذا أحد المائة الصابرة يوم حنين، لو سلم لرددت عليه السلام. فأخبره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: ما كنت أظنه إلا دحية الكلبي واقف معك.
وكان دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ حين انكشف الناس عنه ولم يبق إلا المائة الصابرة: اللهم، لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان! قال له جبريل: لقد لقنت الكلمات التي لقن الله موسى يوم فلق البحر أمامه وفرعون خلفه.
قال: حدثني معمر بن راشد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: إن حارثة بن النعمان مر بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يناجي جبريل عليه السلام وهما قائمان، فسلم عليهما حارثة، فلما كان بعد ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هل رأيت الرجل؟ قال حارثة: نعم، ولا أدري من هو. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هو جبريل عليه السلام، وقد رد عليك السلام. ويقال إن المائة الصابرة يومئذ ثلاثة وثلاثون من المهاجرين، وسبعة وستون من الأنصار، والعباس، وأبو سفيان؛ العباس آخذ بلجام بغلته، وأبو سفيان عن يمينه، وحف به المهاجرون والأنصار. وكان ابن عباس يحدث قال: مر جبريل، وحارثة بن النعمان مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واقف، فقال: من هذا أحد الثمانين الصابرة، وقد تكفل الله لهم بأرزاقهم وأرزاق عيالهم في الجنة. وكان ابن عباس يقول: وكان أبو سفيان بن الحارث من الذين تكفل الله بأرزاقهم وأرزاق عيالهم في الجنة.
قالوا: وكان البراء بن عازب يقول: والله الذي لا إله إلا هو، ما ولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكنه وقف واستنصر، ثم نزل وهو يقول:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
فأنزل الله عليه نصره، وكبت عدوه، وأفلح حجته.
قالوا: وكان رجل من هوزان على جملٍ أحمر، بيده راية سوداء في رأس رمح له طويل أمام الناس، وإذا أدرك طعن، قد أكثر في المسلمين القتل، فيصمد له أبو دجانة فعرقب جمله، فسمع خرخرة جمله واكتسع الجمل، ويشد على وأبو دجانة عليه، فيقطع على يده اليمنى، ويقطع أبو دجانة يده الأخرى، وأقبلا يضربانه بسيفيهما جميعاً حتى تثلم سيفاهما، فكف أحدهما وأجهز الآخر عليه، ثم قال أحدهما لصاحبه: امض، لا تعرج علي سلبه! فمضيا يضربان أمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويعترض لهما فارس من هوازان بيده راية حمراء، فضرب أحدهما يد الفرس ووقع لوجهه، ثم ضرباه بأسيافهما فمضيا على سلبه. ويمر أبو طلحة فسلب الأول ومر بالآخر فسلبه. وكان عثمان بن عفان، وعلي، وأبو طلحة فسلب الأول ومر بالآخر فسلبه. وكان عثمان بن عفان، وعلي، وأبو دجانة، وأيمن بن عبيد يقاتلون بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال: حدثني سليمان بن بلال، عن عمارة بن غزية، قال: قالت أم عمارة: لما كان يومئذ والناس منهزمون في كل وجه، وأنا وأربع نسوة، في يدي سيف لي صارم، وأم سليم معها خنجر قد حزمته على وسطها - وهي يومئذ حامل بعبد الله بن أبي طلحة - وأم سليط. وأم الحارث. قالوا: فجعلت تسله وتصيح بالأنصار: أية عادة هذه! ما لكم وللفرار! قالت: وأنظر إلى من هوزان على جمل أورق، معه لواء، يوضع جمله في أثر المسلمين، فأعترض له فأضرب عزقوب الجمل، وكان جملاً مشرفاً، فوقع على عجزه، وأشد عليه، فلم أزل أضربه حتى أثبته، وأخذت سيفاً له وتركت الجمل يخرخر، يتصفق ظهراً لبطن، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم مصلت السيف بيده، قد طرح غمده، ينادي: يا أصحاب سورة البقرة! قال: وكر المسلمون، فجعلوا يقولون: يا بني عبد الرحمن! يا بني عبيد الله! يا خيل الله! وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سمى خيله خيل الله، وجعل شعار المهاجرين بن عبد الرحمن، وجعل شعرا الأوس بني عبيد الله. فكرت الأنصار، ووقفت هوزان حلب ناقةٍ فتوحٍ، ثم كانت إياها، فو الله ما رأيت هزيمة كانت مثلها، ذهبوا في كل وجه، فرجع ابناى إلى - حبيب وعبد الله ابنا زيد - بأسارى مكتفين، فأقوم إليهم من الغيظ، فأضرب عنق واحد منهم؛ وجعل الناس يأتون بالأسارى، فرأيت في بني مازن بن النجار ثلاثين أسيراً. وكان المسلمون قد بلغ أقصى هزيمتهم مكة، ثم كروا بعد وتراجعوا، فأسهم لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جميعاً.
فكان ا،س بن مالك يقول: إن أم سليم، أمي ابنة ملحان جعلت تقول: يا رسول الله، أرأيت هؤلاء الذين أسلموك وفروا عنك وخذلوك! لا تعف عنهم إذا أمكنك الله منهم، فاقتلهم كما تقتل هؤلاء المشركين! فقال: يا أم سليم، قد كفى الله! عافية الله أوسع! ومعها يومئذ جمل أبي طلحة قد خشيت أن يغلبها، فأدنت رأسه منها فأدخلت يدها في خزامته مع الخطام، وهي شادة وسطها ببرد لها، ومعها خنجر في يدها، فقال لها أبو طلحة: ما هذا معك يا أم سيم؟ قالت: خنجر أخذته معي، إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به. قال أبو طلحة: ما تسمع يا رسول الله، ما تقول أم سليم؟ وكانت أم الحارث الأنصارية أخذت بخطام جمل أبي الحارث زوجها، وكان جمله يسمى المجسار، فقالت: يا حار، تترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! فأخذت بخطام الجمل، والجمل يريد أن يلحق بألافه والناس يولون منهزمين، وهي لا تفارقه. فقالت أم الحارث: فمر بي عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، فقالت أم الحارث: يا عمر، ما هذا؟ فقال عمر: أمر الله. وجعلت أم الحارث تقول: يا رسول الله، من جاوز بعيري فأقتله، والله إن رأيت كاليوم ما صنع هؤلاء القوم بنا! تعنى بني سليم وأهل مكة الذين انهزموا بالناس.
حدثني ابن أبي سبرة قال: حدثني محمد بن عبد الله بن أبي صعصعة أن سعد بن عبادة يصيح يومئذ بالخزرج: يا للخزرج! يا للخزرج! وأسيد بن حضير: يا للأوس! ثلاثاً. فثابوا والله من كل ناحية كأنهم النحل تأوى إلى يعسوبها. قال: فحنق المسلمون عليهم فقتلوهم حتى أسرع المسلمون في قلت الذرية، فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالك ما بال أقوام ذهب بهم القتل حتى بلغ الذرية! ألا لا تقتل الذرية! ثلاثاً. قال أسيد بن حضير: يا رسول الله، أليس إنما هم أولاد المشركين؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أو ليس خياركم أولاد المشركين؟ كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهودانها أو ينصرانها.
قال: حدثني عبد الله بن علي، عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن جده، قال: لما تراءينا نحن والقوم رأينا سواداً لم نر مثله قط. كثرة، وإنما ذلك السواد نعم، فحملوا النساء عليه: قال: فأقبل مثل الظلة السوداء من السماء حتى أظلت علينا وعليهم وسدت الأفق، فنظرت فإذا وادي حنين يسيل بالنمل، نمل أسود مبثوث، لم أشك أنه نصر أيدنا الله به، فهزمهم الله عز وجل.
قال: حدثني ابن أبي سبرة قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم. عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن، عن شيوخ من قومه من الأنصار، قالوا: رأينا يومئذ كالبحد السود هوت من السماء ركاما فنظرنا فإذا نمل مبثوث، فإن كنا لننفضه عن ثيابنا، فكان نصر أيدنا الله به.
وكان سيما الملائكة يوم حنين عمائم حمراً قد أرخوها بين أكتافهم، وكان الرعب الذي قذف الله في قلوب المشركين يوم حنين كوقع الحصى في الطست. فكان سويد بن عامر السوائي يحدث، وكان قد حضر يومئذ فسئل عن الرعب، فكان أخذ الحصاة فيرمى بها في الطست فيطن، فقال: إن كنا نجد في اجوافنا مثل هذا.
وكان مالك بن أوس بن الحدثان يقول: حدثني عدة من قومي شهدوا ذلك اليوم يقولون: لقد رمى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتلك الكف من الحصيات، فما منا أحد إلا يشكو القذى في عينيه، ولقد كنا نجد في صدورنا خفقاناً كوقع الحصى في الطساس، ما يهدأ ذلك الخفقان عنا؛ ولقد رأينا يومئذ رجالاً بيضاً على خيل بلق، عليهم عمائم حمر قد أرخوها بين أكتافهم، بين أسماء والأرض كتائب كتائب ما يليقون شيئاً، ولا نستطيع أن نقاتلهم من الرعب منهم.
قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن زهيرن عن عمر بن عبد الله العبسي، عمن أخبره، عن ربيعة، قال: حدثني نفر من قومنا حضروا يومئذ قالوا: كمنا لهم في المضايق والشعاب، ثم حملنا عليهم حملة ركبنا أكتافهم حتى انتهينا إلى صاحب بغلة شهباء، وحوله رجال بيض حسان الوجوه، فقالك شاهت الوجوه، ارجعوا! فانهزمنا، وركب المسلمون أكتافنا وكانت إياها، وجعلنا نلتفت وراءنا ننظر إليهم يكدوننا، فتفرقت جماعتنا في كل وجه، وجعلت الرعدة تسحقنا حتى لحقنا بعلياء بلادنا، فإن كان ليحكى عنا الكلام ما كنا ندري به، مما كان بنا من الرعب، فقذف الله الإسلام في قلوبنا.
وكانت راية الأحلاف من ثقيف يمع قارب بن الأسود بن مسعود، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة وهرب هو وبنو عمه من الأحلاف، فم يقتل منهم إلا رجلان، من نبن غيرة، وهب واللجلاج. وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين بلغه قتل اللجلاج: قتل اليوم سيد شبان ثقيف، إلا ما كان من ابن هنيدة. وكانت راية بني مالك مع ذي الخمار، فلما انهزمت هوازان تبعهم المسلمون، يستحصى القتلى من ثقيف ببني مالك، فقتل منهم قريب من مائة رجل تحت رايتهم، فيهم عثمان بن عبد الله، فقاتل بها مليا، وجعل يحث ثقيفاً وهوزان على القتال حتى قتل؛ وكان اللجلاج رجلاً من بني كنة. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأخي بني دنة: هذا سيد شبان كنة إلا ابن هنيدة - الحارث بن عبد الله بن يعمر بن إياس ابن أوس بن ربيعة بن الحارث، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يضحك. وكانت كنة امرأة من غامد يمانية قد ولدت في قبائل العرب وكانت أمة، فأعتق الحارث كل مملوك من بني كنة، فقال له عمر في خلافته: أيسرك أن أهل بيت عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة مكان كنة؟ فقالك يا أمير المؤمنين، لوددت أن ذلك كذلك. فقال عمر: ليت أمي كنة وأن الله رزقني من برها ما رزقاك. وكان أبر الناس بأمه، ما كانت تأكل طعاماً إلا من يده، ولا يغسل رأسها إلا هو؛ ولا يسرح رأسها إلا هو.
قالوا: وهبربت ثقيف، فقال شيوخ منهم - أسلموا بعد، كانوا قد حضروا ذلك اليوم - قالوا: ما زال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في طلبنا فيما نرى، ونحن مولون حتى إن الرجل منا ليدخل حصن الطائف وإنه ليظن أنه على أثره، من رعب الهزيمة.
وكان أبو قتادة يحدث قال: لما التقينا كانت للمسلمين جولة، فرأيت رجلين يقتتلان، مسلماً ومشركاً، قد علاه المشرك، فاستدرت له حتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقه، وأقبل على فضمنى ضمة وجدت منها ريح الوت، وكاد أن يقتلني لولا أن الدم نزفه، فسقط. وذففت عليه ومضيت وتركت عليه سلبه، فلحقت عمر بن الخطاب فقلت: ما بال الناس؟ قال: أمر الله. ثم إن الناس رجعوا، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من قتل قتيلاً له عليه ببينة فله سلبه. قال: فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال: من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه. فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من قتل قيتلاً له عليه بينة فله سلبه.
فقام عبد الله بن أنيس فشهد لي، ثم لقيت الأسود بن الخزاعي فشهد لي، وإذا صاحبي الذي أخذ السلب لا ينكر أني قتلته - وقد قصصت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القصة - فقال: يا رسول الله، سلب ذلك القتيل عندي فأرضه مني. فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا ها الله إذا لا تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله، يعطيك سلبه! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): صدق، فأعطه إياه. قال أبو قتادة: فأعطانيه، فقال لي حاطب بن أبي بلتعة: يا أبا قتادة، أتبيع السلاح؟ فبعثه منه بسبع أوراقٍ، فأتيت المدينة فاشتريت به مخرفاً في بني سلمة يقال له الرديني، فإنه لأول مالٍ لي نلته في الإسلام، فلم نزل نعيش منه إلى يومنا هذا.
وكان شيبة بن عثمان بن أبي طلحة قد تعاهد هو وصفوان بن أمية حين وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حنين - وكان أمية بن خلف قتل يوم بدر، وكان عثمان بن أبي طلحة قتل يوم أحد - فكاناء تعاهدا إن رأيا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دائرة أن يكونا عليه، وهما خلفه. قال شيبة: فأدخل الله الإيمان قلوبنا. قال شيبة: لقد هممت بقتله، فأقبل شئ حتى تغشى فؤادي فلم أطق ذلك، وعلمت أنه قد منع مني. ويقال: قال: غشيتني ظلمة حتى لا أبصر، فعرفت أنه ممتنع مني وأيقنت بالإسلام. وقد سمعت في قصة شيبة وجهاً آخر؛ كان شيبة بن عثمان يقول: لما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غزا مكة فظفر بها وخرج إلى هوازن، قلت: أخرج لعلى أدرك ثأري! وذكرت قتل أبي يوم أحد، قتله حمزة، وعمى قتله على. قال: فلما انهزم أصحابه جئته عن يمينه، فإذا العباس قائم، عليه درع بيضاء كالفضة ينكشف عنها العجاج، فقلت: عمه لن يخدله! قال: ثم جئته عن يساره فإذا بأبي سفيان ابن عمه، فقلت: ابن عمه لن يخذله! فجئته من خلفه فلم يبق إلا أسوره بالسيف إذ رفع ما بيني وبينه شواظ. من نارٍ كأنه برق، وخفت أن يمحشني ووضعت يدي على بصرى ومشيت القهقرى، والتفت إلى فقال: يا شيب، ادن مني! فوضع يده على صدري وقال: اللهم، أذهب عنه الشيطان! قال: فرفعت إليه رأسي وهو أحب إلى من سمعي وبصري وقلبي، ثم قال: يا شيب، قاتل الكفار! فقالك فتقدمت بين يديه أحب والله أقيه بنفسي وبكل شئ، فلما انهزمت هوازن رجع إلى منزله، ودخلت عليه فقال: الحمد لله الذي أراد بك خيراً مما أردت. ثم حدثني بما هممت به.
فلما كانت الهزيمة حيث كانت، والدائرة على المسلمين، فتكلموا بما في أنفسهم من الكفر والضغن والغش؛ قال أبو سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر! قال: يقول رجل من أسلم يقال له أبو مقيت: أما والله، لولا أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينهى عن قتلك لقتلتك! وقال: صرخ كلدة بن الحنبل، وهو كلدة بن الحنبل أخو صفوان لأمه، أسود من سودان مكة: ألا بطل السحر اليوم! فقال صفوان: اسكت، فض بالله فاك! لأن يربنى رب من قريش أحب إلى من أن يربني رب من هوازن. قال: وقال سهيل بن عمرو: لا يجتبرها محمد وأصحابه! قال: يقول له عكرمة: هذا ليس بقول، وإنما الأمر بيد الله، وليس إلى محمد من الأمر شئ! إن أديل عليه اليوم فإن له العاقبة غدا. قال: يقول سهيل: إن عهدك بخلافه لحديث! قال: يا أبا يزيد، إنا كنا والله نوضع في غير شئ وعقولنا عقولنا، نعبد الحجر لا ينفع ولا يضر! قال: حدثني عبد الله بن يزيد، عن يعقوب بن عتبة، قال: حضرها عثمان بن عبد الله بأفراس وعبيد وموالٍ، فقتلوا يومئذ معه، وقتل معه غلام له نصراني أغرل؛ فبينا طلحة يسلب القتلى من ثقيف أذ مر به فوجده أغرل، فصاح: يا معشر الأنصار، أحلف بالله أن ثقيفاً غرل ما تختتن! قال المغيرة بن شعبة: وسمعتها وخشيت أن يذهب علينا من العرب، فقلت: لا تفعل، فداك أبي وأمي، إنما هو غلام لنا نصراني! ثم جعلت أكشف له عن قتلى ثقيف، فأقول: ألا تراهم مختتننين؟ ويقال: إن العبد كان لذى الخمار وكان نصرانياً أزرق، فقتل مع سيده يومئذ. وكان أبو طلحة يسلب القتلى، فجرده فإذا هو أغرل، فنادى بأعلى صوته للأنصار فأقبلوا إليه، فقال: أحلف بالله ما تختتن ثقيف! ثم أتى إلى ذي الخمار سيد العبد، فإذا هو مختون. قال المغيرة: وجاءني أمر قطعني، وخشيت أن تسير علينا في العرب، حتى أبصر القوم وعرفوا أنه عبد لهم نصراني. وكان الذي قتل عثمان بن عبد الله عبد الله بن أبي أمية، فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يرحم الله عبد الله بن أبي أمية! وأبعد الله عثمان بن عبد الله بن ربيعة، فإنه كان يبغض قريشاً! قال: وكان دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعبد الله برحمة الله، فبلغه فقال: إني لأرجو أن يرزقني الله الشهادة في وجهي هذا! فقتل في حصار الطائف. وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم حنين: لولا ابن جثامة الأصغر لفضحت الخيل اليوم. وقالت امرأة من خزاعة يوم حنين:
إن ماء حنين لنا فخلوه ... إن تشربوا منه فلن تعلوه
هذا رسول الله لن يعلوه
أنشدنيها ابن جعفر. وقالت امرأة من المسلمين...
غلبت خيل الله خيل اللات ... والله أحق بالثبات
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قدم سليماً في مقدمته، عليها خالد بن الوليد، فمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بامرأة مقتولة والناس مجتمعون عيها، فقالك ما هذا؟ قالوا: امرأة قتلها خالد بن الوليد. فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجلاً يدرك خالداً فقالك إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينهاك أن تقتل امرأة أو عسيفاً. ورأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) امرأة أخرى فسأل عنها فقال رجل: أنا قتلتها يا رسول الله، أردفتها ورائى فأرادت قتلي فقتلتها. فأمر بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدفنت.
قالوا: لما هزم الله تعالى هوازن اتبعهم المسلمون يقتلونهم، فنادت بنو سليم بينها: ارفعوا عن بني أمكم القتل! فرفعوا الرماح وكفوا عن القتل - وأم سليم؛ بكمة ابنة مرة أخت تميم بن مرة - فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي صنعوا قال: اللهم، عليك ببني بكمة - ولا يشعرون أن لهم أما اسمها بكمة - أما في قومي فوضعوا السلاح وضعاً، وأما عن قومهم فرفعوا رفعاً! وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بطلب القوم، ثم قال لخيله: إن قدرتم على بجاد فلا يفلتن منكم! وقد كان أحدث حدثاً عظيماً، وكان من بني سعد، وكان قد أتاه مسلم، فأخذه بجاد فقطعه عضوا ثم حرقه بالنار، فكان قد عرف جرمه فهرب. فأخذته الخيل، فضموه إلى الشيماء بنت الحارث بن عبد العزي أخت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الرضاعة، فعنفوا عليها في السياق، فجعلت الشيماء بنت الحارث تقول: إني والله أخت صاحبكم! ولا يصدقوها، وأخذها طائفة من الأنصار، وكانوا أشد الناس على هوازن، حتى أتوا بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: يا محمد، إني أختك! قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): وما علامة ذلك؟ فأرته عضة وقالت: عضضتنيها وأنا متوركتك بوادي السرر، ونحن يومئذ برعائهم، أبوك أبي وأمك أمي، قد نازعتك الثدى؛ وتذكر يا رسول الله... فعرف رسول الله عليه وسلم العلامة، فوثب قائماً فبسط. رداءه، ثم قال: اجلسى عليه! ورحب بها، ودمعت عيناه، وسألها عن أمه وأبيه من الرضاعة، فأخبرته بموتهما في الزمان. ثم قال: إن أحببت فأقيمى عندنا محبة مكرمة، وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتك رجعت إلى قومك. قالت: أرجع إلى قومي. وأسلمت فأعطاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثة أعبدٍ وجارية، أحدهم يقال له: مكحول، فزوجوه الجارية.
قال عبد الصمد: أخبرني أبي أنه أدرك نسلها في بنى سعد؛ ورجعت الشيماء المنزلها وكلمها النسوة في بجادٍ، فرجعتن إليه فكلمته أنه يهبه لها ويعفو عنه. ففعل ثم أمر لها ببعيرٍ أو بعيرين، وسألها: من بقي منهم؟ فأخبرته بأختها وأخيها وبعمها أبي برقان، وأخبرته بقومٍ سألها عنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ارجعي إلى الجعرافنة تكونين مع قومك، فإني أمضي إلى الطائف. فرجعت إلى الجعرانة، وأتاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) با لجعرانه فأعطاها نعماً وشاء لها ، ولمن بقي من أهل بيتها.
قالوا: ولما انهز الناس أتوا الطائف، وعسكر عسكر بأوطاس؛ وتجه بعضهم نو نخلة ولم يكن فيمن توجه إلى نخلة إلا بنو عنزة من ثقيف. فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيلاً تتبع من سلك نخلة، ولم تتبع من سلك الثنايا. ويدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال بن عوف بن امرئ القيس من بني سليم دريد بن الصمة، فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة، وذلك أنه كان في شجار له، فإذا هو رجل فأناخ به، وهو شيخ كبير ابن ستين ومائة سنة، فإذا هو دريد ولا يعرفه الغلام. قال الفتى: ما أريد إلى غبره ممن هو على مثل دينه. قال له دريد: من أنت؟ قال: أنا ربيعة بن رفيع السلمى. قال: فضربه بسيفه فلم يغن شيئاً. قال دريد: بئس ما سلحتك أمك! خذ سيفي من وراء الرحل في الشجار فاضربه بسيفه فلم يغن شيئاً. قال دريد: بئس ما سلحتك أمك! خذ سيفي من وراء الرحل في الشجار فاضرب به. وارفع عن الطعام واخفض عن الدماغ، فإني كنت كذلك أقتل الرجال، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة،فرب يومٍ قد منعت فيه نساءك! زعمت بنو سليم أن ربيعة لما ضربه تكشف للموت عجانه، وبطون فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل. فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه فقالت: والله لقد أعتق أمهاتٍ لك ثلاثاً في غداةٍ واحدة، وجز ناصية أبيك. قال الفتى: لم أشعر.
قالوا: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بعث أبا عامر الأشعري في آثار من توجه إلى أوطاس، وعقد له لواءً، فكان معه في ذلك البعث سلمة بن الأكوع، فكان يحدث يقول: لما ا - هزمت هوزان عسكروا بأوطاس عسكراً عظيماً، تفرق منهم من تفرق، وقتل من قتل، وأسر من أسر؛ فانتهينا إلى عسكرهم فإذا هم ممتنعون، فبرز رجل فقال: من يبارز؟ فبرز له أبو عامر، فقال: اللهم اشهد! فقتله أبو عامر حتى قتل تسعة كذلك، فلما كان التاسع برز له رجل معلم ينحب للقتال، وبرز له أبو عامر فقتله، فلما كان العاشر برز رجل معلم بعمامةٍ صفراء، فقال أبو عامر: اللهم أشهد! قال: يقول الرجل: اللهم لا تشهد! فضرب أبا عامر فأثبته، فاحتملناه وبه رمق، واستخلف أبا موسى الأشعري، وأخبر أبو عامر أبا موسى أن قاتله صاحب العمامة الصفراء. قالوا: وأوصى أبو عامر إلى أبي موسى، ودفع إليه الراية وقال: ادفع فرسى وسلاحي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
فقاتلهم أبو موسى حتى فتح الله عليه، وقتل قاتل أبي عامر، وجاء بسلاحه وتركته وفرسه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال: إن أبا عامر أمرني بذلك، وقال: قل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستغفر لي. فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فصلى ركعتين ثم قال: اللهم اغفر لأبي عامر، واجعله من أعلى أمتي في الجنة! وأمر بتركة أبي عامر فدفعت إلى ابنه. قال: فقالك أبو موسى: يا رسول الله، إني أعلم أن الله قد غفر لأبي عامر، قتل شهيداً، فادع الله لي. فقال: اللهم اغفر لأبي موسى، واجعله في أعلى أمتي! فيرون أن ذلك وقع يوم الحكمين.
قالوا: واستحر القتل في بني نصر، ثم في بني رباب، فجعل عبد الله بن قيس - وكان مسلماً - يقول: يا رسول الله، هلكت بنور باب. قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم، اجبر مصيبتهم! ووقف مالك بن عوف على ثنيةٍ من الثنايا معه فرسان من أصحابه، فقال. قفوا حتى يمضي ضعفاؤكم تلتم أخراكم. وقال: انظروا ماذا ترون. قالوا: نرى قوماً على خيولهم واضعين رماحهم على آذان خيولهم. قال: أولئك إخوانكم بنو سليم، وليس عليكم منهم بأس، انظروا ماذا ترون. قالوا: نرى رجالاً أكفالاً، قد وضعوا رماحهم على أكفال خيولهم. قال: تلك الخزرج، وليس عليكم منهم بأس، وهم سالكون طريق إخوانهم. قال: انظروا ماذا ترون. قالوا: نرى أقواماً كأنهم الأصنام على الخيل. قال: تلك كعب بن لؤي، وهم مقاتلوكم! فلما غشيته الخيل نزل عن فرسه مخافة أن يؤسر، ثم طفق يلوذ بالشجر حتى سلك في يسوم، جبلً بأعلى نخلة، فأعجزهم هارباً. ويقال: قال: ما ترون؟ قالوا: نرى رجلاً بين رجلين معلماً بعصابة صفراء، يخبط برجليه في الأرض، واضعاً رمحه على عاتقه. قال: ذلك ابن صفية، الزبير، وايم الله ليزيلنكم عن مكانكم! فلما بصر بهم الزبير حمل عليهم حتى أهبطهم من الثنية، وهرب مالك بن عوف فتحصن في قصرٍ بلية. ويقال: دخل حصن ثقيف.
وذكر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن رجلاً كان بحنين قاتل قتالاً شديداً حتى اشتد به الجراح. فذكر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: من أهل النار! فارتاب المسلمون من ذلك، ووقع في أنفسهم ما الله به عليم، فلما اشتد به الجراح أخذ مشقصاً من كنانته فانتحر به، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلالاً أن ينادي: ألا لا دخل الجنة إلا مؤمن، وأن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر.
قالوا: وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالغنائم تجمع، ونادى منادية: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يغل! وجعل الناس غنائمهم في موضعٍ حتى استعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليها. وكان عقيل بن أبي طالب دخل على زوجته وسيفه متلطخ دماً، فقالت: إني قد علمت أنك قد قاتلت المشركين، فماذا أصبت من غنائمهم؟ قال: هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك، فدفعها إليها، وهي فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة. فسمع منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: من أصاب شيئاً من المغنم فليرده. فرجع عقيل فقال: والله ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت. فألقاها في الغنائم.
قال: حدثني ابن أبي سبرة، عن عمارة بن غزية، أن عبد الله بن زيد المازني أخذ يومئذ قوساً فرمى عليها المشركين، ثم ردها في المغنم. وجاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكبة شعرٍ ، فقال: يا رسول الله، اضرب بهذه! أي دعها لي. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك. وجاءه رجل فقال: يا رسول الله، هذا الحبل وجدته حيث انهزم العدو فأشد به على رحلي؟ قال: نصيبي منه لك، وكيف تصنع بأنصباء المسلمين؟ قال: فحدثني مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله ابن المغيرة بن أبي بردة، أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أتى الناس عام حنين في قبائلهم يدعو لهم، وأنه نزل قبيلةً من القبائل وجدوا في برذعة رجل منهم عقداً من جزع غلولاً، فأتاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكبر عليهم كما يكبر على الميت.
قال: حدثني ابن أبي سبرة، عن عمارة بن غزية، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجد في رجل رجلٍ من أصحابه غلولاً فبكته ولامه، ولم يعاقبه ولم يخرق رحله.
قالوا: وأصاب المسلمون سبايا يومئذٍ، فكانوا يكرهون يقعوا عليهن ولهن أزواج، فسألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك فأنزل الله: " والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ". وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ: لا توطأ حامل من السبي حتى تضع حملها، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة. وسألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ عن العزل، فقال: ليس من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله أن يخلق شيئاً لم يمنعه شئ.
قالوا: وصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر يوماً بحنين، ثم تنحى إلى شجرةٍ فجلس إليها، فقام إليه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعي - وهو يومئذ سيد قريش - ومعه الأقرع بن حابس، يدفع عن محلم بن جثامة لمكانه من خندف، فاختصما بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعيينة يقول: يا رسول الله، لا والله لا أدعه حتى أدخل على نسائه من الحرب والحزن ما أدخل على نسائي. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): تأخذ الدية؟ ويأبى عيينة، فارتفعت الأصوات وكثر اللغط. إلى أن قام رجل من بني ليث يقال له مكيتل، قصير، مجتمع، عليه شكة كاملة، ودرقة في يده، فقال: يا رسول الله، إني لم أجد لما فعل هذا شبهاً في غرة الإسلام غنماً وردت فرميت أولاها، فنفرت أخراها، فاسنن اليوم وغير غدا فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده فقال: تقبلون الدية خمسين في فورنا هذا وخمسين إذا رجعنا المدينة! فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقوم حتى قبلوها. ومحلم بن جثامة القاتل في طرف الناس، فلم يزالوا يرونه ويقولون: آبت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستغر لك. فقام محلم فقام رجل طويل، آدم، محمر بالحناء، عليه حلة، قد كان تهيأ فيها للقتل للقصاص، حتى جلس بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعيناه تدمعان، فقال: يا رسول الله، قد كان من الأمر الذي بلغكم، فإني أتوب إلى الله تعإلى فاستغفر لي. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما اسمك؟ فال: أنا محلم بن جثامة. قال: فتلته بسلاحك في غرة الإسلام! اللهم، لا تغفر لمحلم! بصوتٍ عالٍ يتفقد به الناس. قال، فقال: يا رسول الله، قد كان الذي بلغك، وإني أتوب إلى الله تعإلى فاستغفر لي. فعاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بصوتٍ عالٍ يتفقد به الناس: اللهم، لا تغفر لمحلم! حتى كانت الثالثة. قال: فعاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لمقالته. ثم قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قم! فقام من بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو يتلقى دمعه بفض ردائه. وكان ضمرة السلمى يحدث وكان قد حضر ذلك اليوم، قال: كنا نتحدث فيما بيننا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرك شفتيه باستغفارٍ له. ولكنه أراد أن يعلم قدر الدم عند الله.
قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن الحسن البصري، قال: لما مات محلم بن جثامة دفنه قومه فلفظته الأرض، ثم دفنوه فلفظته الأرض، ثم دفنوه فلفظته الأرض، فطرحوه بين صخرتين فأكلته السباع.
قال: حدثني محمد بن حرب، عن محمد بن الوليد، عن لقمان ابن عامر، عن سويد بن جبلة، قال: لما حضر محلم بن جثامة الموت أتاه عوف بن مالك الأشجعي، فقالك يا محلم، استطعت أن ترجع إلينا فتخبرنا بما رأيتم ولقيتم. قالك فأتاه بعد ذلك بعامٍ أو ما شاء الله، فقال له: كيف أنتم يا محلم؟ قال: نحن بخير، وجدنا ربا رحيماً غفر لنا. قال عوف: أكلكم؟ قال: كلنا غير الأحراض. قال: وما الأحراض؟ قال: الذين يشار إليهم بالأصابع. والله، ما من شئ استنفقه الله لي إلا وقد وفيت أجره، حتى إن قطة لأهلي هلكت فلقد أعطيت أجرها. قال عوف: فقلت: والله إن تصديق روياي أن أنطلق إلى أهل محلم فأسألهم عن هذه القطة. فأتاهم فقال: عوف يستأذن! فأذنوا، فلما دخل قالوا: والله، ما كنت لنا بزوار! قال: كيف أنتم؟ قالوا: نحن بخير، وهذه بنت أخيك أمست وليس بها بأس، وهي هذه! لما بها، ولقد فارقنا أبوها الليلة. قال: قلت: هل هلكت لكم قطة؟ قالوا: نعم. قال: فهل حستموها يا عوف؟ قال: لقد أنبئت نبأها فاحتسبوها.
قال: حدثني أسامة بن زيد، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن أزهر، قال: رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحنين بتخلل الرجال يسأل عن منزل خالد بن الوليد، وأنا معه؛ فأتى يومئذ بشاب فأمر من عنده فضربوه بما كان في أيديهم وحثا عليه التراب.
تسمية من استشهد بحنين
أيمن بن عبيد وهو ابن أم أيمن، وهو من الأنصار من بالحارث بن الخزرج، وموالي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ ومن الأنصار سراقة بن الحارث، ورقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان، وأبو عامر الأشعري أصيب بأوطاس؛ فجميع من قتل أربعة.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|