المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 5780 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
صلاة الليل بإشارات القرآنية
2024-04-18
الائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر
2024-04-18
معنى الصد
2024-04-18
ان الذي يموت كافر لا ينفعه عمل
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملتان الحادية عشرة والثانية عشرة.
2024-04-18
تحتمس الثالث الحملة الثالثة عشرة السنة الثامنة والثلاثون.
2024-04-18

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


غزوة الخندق  
  
1727   08:33 مساءً   التاريخ: 18-7-2019
المؤلف : الواقدي
الكتاب أو المصدر : المغازي
الجزء والصفحة : ص 385- 400
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / السيرة النبوية / سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-6-2021 1795
التاريخ: 27-6-2021 2689
التاريخ: 4-12-2016 2430
التاريخ: 2023-10-18 398

غزوة الخندق

عسكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الثلاثاء لثمانٍ مضت من ذي القعدة، فحاصروه خمس عشرة، وانصرف يوم الأربعاء لسبعٍ بقين سنة خمس؛ واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.

فحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه، وربيعة ابن عثمان، ومحمد عن الزهري، وعبد الصمد بن محمد، ويونس بن محمد الظفري، وعبد الله بن جعفر، ومعمر بن راشد، وحزام بن هشام، ومحمد بن يحيى بن سهل، وأيوب بن النعمان بن عبد الله بن كعب بن مالك، وموسى بن عبيدة، وقدامة بن موسى، وعائذ بن يحيى الزرقي، ومحمد بن صالح، وعبد الرحمن بن عبد العزيز، وهشام بن سعد، ومجمع ابن يعقوب، وأبو معشر، والضحاك بن عثمان، وعبد الرحمن بن محمد ابن أبي بكر، وابن أبي حبيبة، وابن أبي الزناد، وأسامة بن زيد؛ فكلٌّ قد حدثني من هذا الحديث بطائفة، وبعضهم أوعى له من بعض، وغير هؤلاء قد حدثني، فكتبت كل ما حدثوني، قالوا: لما أجلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني النضير ساروا إلى خيبر، وكان بها من اليهود قومٌ أهل عددٍ وجلدٍ، وليست لهم من البيوت والأحساب ما لبني النضير - كان بنو النضير سرهم، وقريظة من ولد الكاهن من بني هارون - فلما قدموا خيبر خرج حيي بن أخطب، وكنانة بن أبي الحقيق، وهوذة بن الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي من الأوس من بني خطمة، وأبو عامر الراهب في بضعة عشر رجلاً إلى مكة يدعون قريشاً وأتباعها إلى حرب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا لقريش: نحن معكم حتى نستأصل محمداً. قال أبو سفيان: هذا الذي أقدمكم ونزعكم ؟ قالوا: نعم، جئنا لنحافلكم على عداوة محمدٍ وقتاله. قال أبو سفيان: مرحباً وأهلاً، أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد. قال النفر: فأخرج خمسين رجلاً من بطون قريشٍ كلها أنت فيهم، وندخل نحن وأنتم بين أستار الكعبة حتى نلصق أكبادنا بها، ثم نحلف بالله جميعاً لا يخذل بعضنا بعضاً، ولتكونن كلمتنا واحدةً على هذا الرجل ما بقي منا رجل. ففعلوا فتحالفوا على ذلك وتعاقدوا، ثم قالت قريش بعضها لبعض: قد جاءكم رؤساء أهل يثرب وأهل العلم والكتاب الأول، فسلوهم عما نحن عليه ومحمدٌ؛ ديننا خيرٌ أم دين محمد؟ فنحن عمار البيت، وننحر الكوم، ونسقي الحجيج، ونعبد الأصنام. قالوا: اللهم، أنتم أولى بالحق منه؛ إنكم لتعظمون هذا البيت، وتقومون على السقاية، وتنحرون البدن، وتعبدون ما كان عليه آباؤكم، فأنتم أولى بالحق منه. فأنزل الله تعالى في ذلك: " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً ". فاتعدوا لوقتٍ وقتوه، فقال صفوان بن أمية: يا معشر قريش، إنكم قد وعدتم هؤلاء القوم لهذا الوقت وفارقوكم عليه، ففوا لهم به! لا يكون هذا كما كان، وعدنا محمداً بدر الصفراء فلم نف بموعده، واجترأ علينا بذلك، وقد كنت كارهاً لميعاد أبي سفيان يومئذ. فخرجت اليهود حتى أتت غطفان، وأخذت قريشٌ في الجهاز، وسيرت في العرب تدعوهم إلى نصرها، وألبوا أحابيشهم ومن تبعهم. ثم خرجت اليهود حتى جاءوا بني سليم، فوعدوهم يخرجون معهم إذا سارت قريش. ثم ساروا في غطفان، فجعلوا لهم تمر خيبر سنة، وينصرونهم ويسيرون مع قريشٍ إلى محمدٍ إذا ساروا. فأنعمت بذلك غطفان، ولم يكن أحدٌ أسرع إلى ذلك من عيينة بن حصن.

وخرجت قريش ومن تبعها من أحابيشها أربعة آلاف، وعقدوا اللواء في دار الندوة، وقادوا معهم ثلاثمائة فرس، وكان معهم من الظهر ألف بعيرٍ وخمسمائة بعير. وأقبلت سليم فلاقوهم بمر الظهران، وبنو سليم يومئذٍ سبعمائة؛ يقودهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية، وهو أبو أبي الأعور الذي كان مع معاوية بن أبي سفيان بصفين. وخرجت قريش يقودها أبو سفيان بن حرب، وخرجت بنو أسد وقائدها طلحة بن خويلد الأسدي، وخرجت بنو فزارة وأوعبت، وهم ألفٌ يقودهم عيينة بن حصن، وخرجت أشجع وقائدها مسعود بن رخيلة وهم أربعمائة - لم توعب أشجع. وخرج الحارث بن عوف يقود قومه بني مرة وهم أربعمائة. لما أجمعت غطفان السير أبي الحارث بن عوف المسير وقال لقومه: تفرقوا في بلادكم ولا تسيروا إلى محمد، فإني أرى أن محمداً أمر ظاهر، لو ناوأه من بين المشرق والمغرب لكانت له العاقبة. فتفرقوا في بلادهم ولم يحضر واحدٌ منهم؛ وهكذا روى الزهري وروت بنو مرة.

حدثني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، وعاصم بن عمر بن قتادة قالا: شهدت بنو مرة الخندق وهم أربعمائة وقائدهم الحارث بن عوف المري، وهجاه حسان وأنشد شعراً، وذكروا مجاورة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ. فكان هذا أثبت عندنا أنه شهد الخندق في قومه، ولكنه كان أمثل تقيةً من عيينة.

قالوا: وكان القوم جميعاً الذين وافوا الخندق من قريش، وسليم، وغطفان، وأسد، عشرة آلاف؛ فهي عساكر ثلاثة، وعناج الأمر إلى أبي سفيان. فأقبلوا فنزلت قريش برومة وادي العقيق في أحابيشها ومن ضوى إليها من العرب، وأقبلت غطفان في قادتها حتى نزلوا بالزغابة إلى جانب أحد. وجعلت قريشٌ تسرح ركابها في وادي العقيق في عضاهه، وليس هناك شيءٌ للخيل غلا ما حملوه معهم من علف - وكان علفهم الذرة - وسرحت غطفان إبلها إلى الغابة في أثلها وطرفائها في عضاه الجرف. وقدموا في زمان ليس في العرض زرع، فقد حصد الناس قبل ذلك بشهر، فأدخلوا حصادهم وأتبانهم. وكانت غطفان ترسل خليها في أثر الحصاد - وكان خيل غطفان ثلاثمائة - بالعرض فيمسك ذلك من خيلهم ، وكادت إبلهم تهلك من الهزال. وكانت المدينة ليالي قدموا جديبة.

فلما فصلت قريشٌ من مكة إلى المدينة خرج ركبٌ من خزاعة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبروه بفصول قريش، فساروا من مكة إلى المدينة أربعاً، فذلك حين ندب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الناس وأخبرهم خبر عدوهم، وشاورهم في أمرهم بالجد والجهاد، ووعدهم النصر إن هم صبروا واتقوا، وأمرهم بطاعة الله وطاعة رسوله. وشاورهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان رسول الله يكثر مشاورتهم في الحرب، فقال: أنبرز لهم من المدينة، أم نكون فيها ونخندقها علينا، أم نكون قريباً ونجعل ظهورنا إلى هذا الجبل؟ فاختلفوا، فقالت طائفة: نكون مما يلي بعاث إلى ثنية الوداع إلى الجرف. فقال قائل: ندع المدينة خلوفاً! فقال سلمان: يا رسول الله، إنا إذ كنا بأرض فارس وتخوفنا الخيل خندقنا علينا؛ فهل لك يا رسول الله أن نخندق؟ فأعجب رأي سلمان المسلمين، وذكروا حين دعاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد أن يقيموا ولا يخرجوا، فكره المسلمون الخروج وأحبوا الثبات في المدينة.

فحدثني أبو بكر بن أبي سبرة قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن جهم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ركب فرساً له ومعه نفرٌ من أصحابه من المهاجرين والأنصار، فارتاد موضعاً ينزله، فكان أعجب المنازل إليه أن يجعل سلعاً خلف ظهره، ويخندق من المذاذ إلى ذباب إلى راتج . فعمل يومئذٍ في الخندق، وندب الناس، فخبرهم بدنو عدوهم، وعسكرهم إلى سفح سلع، وجعل المسلمون يعملون مستعجلين يبادرون قدوم العدو عليهم، وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعمل معهم في الخندق لينشط المسلمين؛ وعملوا، واستعاروا من بني قريظة آلةً كثيرةً من مساحي، وكرازين ومكاتل، يحفرون به الخندق - وهم يومئذٍ سلمٌ للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يكرهون قدوم قريش. ووكل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكل جانبٍ من الخندق قوماً يحفرونه، فكان المهاجرون يحفرون من جانب راتج إلى ذباب، وكانت الأنصار تحفر من ذباب إلى جبل بني عبيد، وكان سائر المدينة مشبكاً بالبنيان.

فحدثني محمد بن يحيى بن سهل، عن أبيه، عن جده، قال: كنت أنظر إلى المسلمين والشباب ينقلون التراب، والخندق بسطة أو نحوها، وكان المهاجرون والأنصار ينقلون على رؤوسهم في المكاتل، وكانوا إذا رجعوا بالمكاتل جعلوا فيها الحجارة يأتون بها من جبل سلع، وكانوا يجعلون التراب مما يلي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه، وكانوا يسطرون الحجارة مما يليهم كأنها حبال التمر - وكانت الحجارة من أعظم سلاحهم يرمونهم بها.

فحدثني ابن أبي سبرة، عن مروان بن أبي سعيد، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذٍ يحمل التراب في المكاتل ويطرحه، والقوم يرتجزون، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:

هذا الجمال لا جمال خيبر ... هذا أبر ربنا وأطهر

وجعل المسلمون يومئذٍ إذا رأوا من الرجل فتوراً ضحكوا منه. وتنافس الناس يومئذٍ في سلمان الفارسي، فقال المهاجرون: سلمان منا!.. وكان قوياً عارفاً بحفر الخنادق. وقالت الأنصار: هو منا ونحن أحق به! فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قولهم فقال: سلمان رجلٌ منا أهل البيت. ولقد كان يومئذٍ يعمل عمل عشرة رجالٍ حتى عانه يومئذٍ قيس بن أبي صعصعة، فلبط به، فسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: مروه فليتوضأ له، وليغتسل به. ويكفإ الإناء خلفه. ففعل فكأنما حل من عقال.

فحدثني ابن أبي سبرة، عن الفضيل بن مبشر قال: سمعت جابر ابن عبد الله يقول: لقد كنت أرى سلمان يومئذٍ، وقد جعلوا له خمسة أذرعٍ طولاً وخمساً في الأرض، فما تحينته حتى فرغ وحده، وهو يقول: اللهم، لا عيش إلا عيش الآخرة.

وحدثني أيوب بن النعمان، عن أبيه، عن جده، عن كعب بن مالك قال: جعلنا يوم الخندق نرتجز ونحفر، وكنا - بني سلمة - ناحيةً، فعزم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ألا أقول شيئاً، فقلت: هل عزم على غيري؟ قالوا: حسان بن ثابت. قال: فعرفت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما نهانا لوجدنا له وقلته على غيرنا، فما تكلمت بحرفٍ حتى فرغنا من الخندق. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ: لا يغضب أحدٌ مما قال صاحبه، لا يريد بذلك سوءاً، إلا ما قال كعب وحسان فإنهما يجدان ذلك.

وحدثني يحيى بن عبد العزيز، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: كان جعيل بن سراقة رجلاً صالحاً، وكان ذميماً قبيحاً، وكان يعمل مع المسلمين يومئذٍ في الخندق، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد غير اسمه يومئذٍ فسماه عمراً، فجعل المسلمون يرتجزون ويقولون:

سماه من بعد جعيلٍ عمرا ... وكان للبائس يوماً ظهرا

قال: فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يقول من ذلك شيئاً غلا أن يقول عمرا.

فبينا المسلمون يحفرون، وكان زيد بن ثابت فيمن ينقل التراب مع المسلمين، فنظر إليه سعد بن معاذ وهو جالسٌ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: الحمد لله يا رسول الله الذي أبقاني حتى آمنت بك؛ إني عانقت أبا هذا يوم بعاث، ثابت بن الضحاك، فكانت اللبجة به، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أما إنه نعم الغلام! وكان زيد بن ثابت قد رقد في الخندق، غلبته عيناه حتى أخذ سلاحه وهو لا يشعر، وهو في قر شديدٍ - ترسه، وقوسه، وسيفه - وهو على شفير الخندق مع المسلمين، فانكشف المسلمون يريدون يطيفون بالخندق ويحرسونه، وتركوا زيداً نائماً، ولا يشعرون به حتى جاءه عمارة بن حزم فأخذ سلاحه، ولا يشعر حتى فزع بعد فقد سلاحه، حتى بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدعا زيداً فقال: يا أبا رقاد، نمت حتى ذهب سلاحك! ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من له علمٌ بسلاح هذا الغلام؟ فقال عمارة بن حزم: أنا يا رسول الله، وهو عندي. فقال: فرده عليه، ونهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يروع المسلم أو يؤخذ متاعه لاعباً جاداً .

حدثني علي بن عيسى، عن أبيه، ما كان في المسلمين يومئذٍ أحدٌ إلا يحفر في الخندق أو ينقل التراب، ولقد رئي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر، وعمر - وكان أبو بكر وعمر لا يتفرقان في عمل، ولا مسير، ولا منزل - ينقلان التراب في ثيابهما يومئذٍ من العجلة، إذ لم يجدا مكاتل لعجلة المسلمين.

وكان البراء بن عازب يقول: ما رأيت أحداً أحسن في حلةٍ حمراء من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنه كان أبيض شديد البياض، كثير الشعر، يضرب الشعر منكبيه. ولقد رأيته يومئذٍ يحمل التراب على ظهره حتى حال الغبار بيني وبينه، وإني لأنظر إلى بياض بطنه.

وقال أبو سعيد الخدري: لكأني أنظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يحفر الخندق مع المسلمين، والتراب على صدره وبين عكنه ، وإنه ليقول:

اللهم لولا أنت ما هتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا

يردد ذلك.

وحدثني أبي بن عباس بن سهل، عن أبيه، عن جده، قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الخندق، فأخذ الكرزن وضرب به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حجراً فصل الحجر، فضحك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل: يا رسول الله، مم تضحك؟ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أضحك من قوم يؤتى بهم من المشرق في الكبول ، يساقون إلى الجنة وهم كارهون.

فحدثني عاصم بن عبد الله الحكمي، عن عمر بن الحكم، قال: كان عمر بن الخطاب يضرب يومئذٍ بالمعول، فصادف حجراً صلداً، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منه المعول، وهو عند جبل بني عبيد، فضرب ضربةً فذهبت أولها برقةً إلى اليمن، ثم ضرب أخرى فذهبت برقةً إلى الشام، ثم ضرب أخرى فذهبت برقةً نحو المشرق، وكسر الحجر عند الثالثة. فكان عمر بن الخطاب يقول: والذي بعثه بالحق، لصار كأنه سهلة وكان كلما ضرب ضربةً يتبعه سلمان ببصره ، فيبصر عند كل ضربةٍ برقة، فقال سلمان: يا رسول الله، رأيت المعول كلما ضربت به أضاء ما تحته. فقال: أليس قد رأيت ذلك؟ قال: نعم. قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): إني رأيت في الأولى قصور الشام، ثم رأيت في الثانية قصور اليمن، ورأيت في الثالثة قصر كسرى الأبيض بالمدائن. وجعل يصفه لسلمان فقال: صدقت والذي بعثك بالحق، إن هذه لصفته، واشهد أنك لرسول الله! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هذه فتوحٌ يفتحها الله عليكم بعدي يا سلمان، لتفتحن الشام، ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته، وتظهرون على الشام فلا ينازعكم أحد، ولتفتحن اليمن، وليفتحن هذا المشرق، ويقتل كسرى بعده. قال سلمان: فكل هذا قد رأيت.

قالوا: وكان الخندق ما بين جبل بني عبيد بخربي إلى راتج، فكان للمهاجرين من ذباب إلى راتج، وكان للأنصار ما بين ذباب إلى خربى، فهذا الذي حفر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون، وشبكوا المدينة بالبنيان من كل ناحيةٍ وهي كالحصن. وخندقت بنو عبد الأشهل عليها بما يلي راتج إلى خلفها، حتى جاء الخندق من وراء المسجد، وخندقت بنو دينار من عند خربى إلى موضع دار ابن أبي الجنوب اليوم. ورفع المسلمون النساء والصبيان في الآطام، ورفعت بنو حارثة الذراري في أطمهم، وكان أطماً منيعاً، وكانت عائشة يومئذٍ فيه. ورفع بنو عمرو بن عوف النساء والذرية في الآطام، وخندق بعضهم حول الآطام بقباء، وحصن بنو عمرو بن عوف ولفها ، وخطمة، وبنو أمية، ووائل، وواقف، فكان ذراريهم في آطامهم.

فحدثني عبد الرحمن بن أبجر ، عن صالح بن أبي حسان، قال: أخبرني شيوخ بني واقف أنهم حدثوه أن بني واقف جعلوا ذراريهم ونساءهم في أطمهم، وكانوا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكانوا يتعاهدون أهليهم بأنصاف النهار بإذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فينهاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فغذا ألحوا أمرهم أن يأخذوا السلاح خوفاً عليهم من بني قريظة.

فكان هلال بن أمية يقول: اقبلت في نفرٍ من قومي وبني عمرو بن عوف، وقد نكبنا عن الجس وصفنة فأخذنا على قباء، حتى إذا كنا بعوسا إذا نفرٌ منهم فيهم نباش بن قيس القرظي، فنضحونا بالنبل ساعة، ورميناهم بالنبل، وكانت بيننا جراحة، ثم انكشفوا على حاميتهم ورجعنا إلى أهلنا، فلم نر لهم جمعاً بعد.

وحدثني أفلح بن سعيد، عن محمد بن كعب، قال: كان الخندق الذي خندق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بين جبل بني عبيد إلى راتج - وهذا أثبت الأحاديث عندنا. وذكروا أن الخندق له أبواب، فلسنا ندري أين موضعها.

فحدثني محمد بن زياد بن أبي هنيدة، عن محمد بن إبرايهم بن الحارث، عن جابر بن عبد الله، قال: أصاب الناس كديةً يوم الخندق فضربوا فيها بمعاولهم حتى انكسرت، فدعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدعاء بماءٍ فصبه عليها فعادت كثيباً. قال جابر بن عبد الله: فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحفر، ورأيته خميصاً، ورأيته بين عكنه الغبار، فأتيت امرأتي فأخبرتها ما رأيت من خمص بطن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: والله، ما عندنا شيءٌ إلا هذه الشاة ومدٌّ من شعي. قال جابر: فاطحني وأصلحي. قالت: فطبخنا بعضها وشوينا بعضها، وخبز الشعير. قال جابر: ثم أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمكثت حتى رأيت أن الطعام قد بلغ، فقلت: يا رسول الله، قد صنعت لك طعاماً فأت أنت ومن أحببت من أصحابك. فشبك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصابعه في أصابعي، ثم قال: أجيبوا، جابر يدعوكم! فأقبلوا معه فقلت: والله، إنها لفضيحة! فأتيت المرأة فأخبرتها فقالت: أنت دعوتهم أو هو دعاهم؟ فقلت: بل هو دعاهم! قالت: دعهم، هو أعلم. قال: فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمر أصحابه، فكانوا فرقاً، عشرةً عشرةً، ثم قال لنا: اغرفوا وغطوا البرمة، وأخرجوا من التنور الخبز ثم غطوه. ففعلنا فجعلنا نغرف ونغطي البرمة ثم نفتحها، فما نراها نقصت شيئاً، ونخرج الخبز من التنور ثم نغطيه، فما نراه ينقص شيئاً. فأكلوا حتى شبعوا، وأكلنا وأهدينا، فعمل الناس يومئذٍ كلهم والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وجعلت الأنصار ترتجز وتقول:

نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

اللهم لا خير إلا خير الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجره

وحدثني ابن أبي سبرة، عن صالح بن محمد بن زائدة، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي واقد الليثي، قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعرض الغلمان وهو يحفر الخندق، فأجاز من أجاز ورد من رد، وكان الغلمان يعملون معه، الذين لم يبلغوا ولم يجزهم، ولكنه لما لحم الأمر أمر من لم يبلغ أن يرجع إلى أهله إلى الآطام مع الذراري. وكان المسلمون يومئذٍ ثلاثة آلاف، فلقد كنت أرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنه ليضرب مرةً بالمعول، ومرةً يغرف بالمسحاة التراب، ومرةً يحمل التراب في المكتل. ولقد رأيته يوماً بلغ منه، فجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم اتكأ على حجرٍ على شقه الأيسر، فذهب به النوم. فرأيت أبا بكر وعمر واقفين على رأسه ينحيان الناس أن يمروا به فينبهوه، وأنا قربت منه، ففزع ووثب، فقال: ألا أفزعتموني! فأخذ الكرزن يضرب به، وإنه ليقول:

اللهم إن العيش عيش الآخره ... فاغفر للأنصار والمهاجره

اللهم العن عضلاً والقاره ... فهم كلفوني أنقل الحجاره

فكان ممن أجاز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذٍ ابن عمر؛ وهو ابن خمس عشرة، وزيد بن ثابت؛ وهو ابن خمس عشرة، والبراء بن عازب؛ وهو ابن خمس عشرة.

حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: لما فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الخندق، وكان حفره ستة أيام وحصنه، ونزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دبر سلع، فجعله خلف ظهره والخندق أمامه، وكان عسكره هنالك. وضرب قبة من أدم، وكانت القبة عند المسجد الأعلى الذي بأصل الجبل - جبل الأحزاب - وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعقب بين نسائه، فتكون عائشة اياماً، ثم تكون أم سلمة، ثم تكون زينب بنت جحش، فكان هؤلاء الثلاث اللاتي يعقب بينهن في الخندق، وسائر نسائه في أطم بني حارثة. ويقال: كن في المسير، أطم في بني زريق، وكان حصيناً. ويقال: كان بعضهن في فارع - وكل هذا قد سمعناه.

فحدثني أبو أيوب بن النعمان، عن أبيه، قال: كان حيي بن أخطب يقول لأبي سفيان بن حرب ولقريشٍ في مسيره معهم: إن قومي قريظة معكم، وهم أهل حلقةٍ وافرة، هم سبعمائة مقاتلٍ وخمسون مقاتلاً. فلما نوا قال أبو سفيان لحيي بن أخطب: ائت قومك، حتى ينقضوا العهد الذي بينهم وبين محمد. فذهب حيي حتى أتى بني قريظة؛ وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قدم صالح قريظة والنضير ومن بالمدينة من اليهود ألا يكونوا معه ولا عليه. ويقال: صالحهم على أن ينصروه ممن دهمه منهم، ويقيموا على معاقلهم الأولى التي بين الأوس والخزرج. ويقال إن حيي عدل من ذي الحليفة فسلك على العصبة حتى طرق كعب بن أسد، وكان كعب صاحب عقد بني قريظة وعهدها.

فكان محمد بن كعب القرظي يحدث يقول: كان حيي بن أخطب رجلاً مشئوماً؛ هو شأم بني النضير قومه، وشأم قريظة حتى قتلوا، وكان يحب الرئاسة والشرف عليهم، وله في قريشٍ شبهٌ - أبو جهل بن هشام. فلما أتى حيي إلى بني قريظة كرهت بنو قريظة دخوله دارهم، فكان أول من لقيه غزال بن سموأل، فقال له حيي: قد جئتك بما تستريح به من محمد، هذه قريشٌ قد حلت وادي العقيق، وغطفان بالزغابة. قال غزال: جئتنا والله بذل الدهر! قال حيي: لا تقل هذا! ثم وجه إلى باب كعب بن أسد فدق عليه، فعرفه كعب وقال: ما أصنع بدخول حيي علي، رجل مشئوم قد شأم قومه، وهو الآن يدعوني إلى نقض العهد! قال: فدق عليه، فقال كعب: إنك امرؤ مشئومٌ قد شأمت قومك حتى أهلكتهم، فارجع عنا فإنك إنما تريد هلاكي وهلاك قومي! فأبى حيي أن يرجع، فقال كعب: يا حيي، إني عاقدت محمداً وعاهدته، فلم نر منه إلا صدقاً؛ والله، ما أخفر لنا ذمةً ولا هتك لنا ستراً، ولقد أحسن جوارنا. فقال حيي: ويحك! إني قد جئتك ببحرٍ طامٍ وبعز الدهر، جئتك بقريشٍ على قادتها وسادتها، وجئتك بكنانة حتى أنزلتهم برومة، وجئتك بغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بالزغابة إلى نقمي ، قد قادوا الخيل وامتطوا الإبل، والعدد عشرة آلاف، والخيل ألف فرس، وسلاح كثير، ومحمدٌ لا يفلت في فورنا هذا، وقد تعاقدوا وتعاهدوا ألا يرجعوا حتى يستأصلوا محمداً ومن معه. قال كعب: ويحك! جئتني والله بذل الدهر وبسحابٍ يبرق ويرعد ليس فيه شيء. وأنا في بحرٍ لجيٍّ، لا أقدر على أن أريم داري، ومالي معي والصبيان والنساء؛ فارجع عني، فإنه لا حاجة لي فيما جئتني به. قال حيي: ويحك! أكلمك. قال كعب: ما أنا بفاعل. قال: والله، ما أغلقت دوني إلا لجشيشتك أن آكل معك منها، فلك ألا أدخل يدي فيها. قال: فأحفظه ، ففتح الباب فدخل عليه، فلم يزل يفتله في الذروة والغارب حتى لان له، وقال: ارجع عني يومك هذا حتى أشاور رؤساء اليهود. فقال: قد جعلوا العهد والعقد إليك فأنت ترى لهم. وجعل يلح عليه حتى فتله عن رأيه، فقال كعب بن أسد: يا حيي، قد دخلت فيما ترى كارهاً له، وأنا أخشى ألا يقتل محمد، وتنصرف قريشٌ إلى بلادها، وترجع أنت إلى أهلك، وأبقى في عقر الدار وأقتل ومن معي. فقال حيي: لك ما في التوراة التي أنزلت على موسى يوم طور سيناء، لئن لم يقتل محمدٌ في هذه الفورة ورجعت قريشٌ وغطفان قبل أن يصيبوا محمداً، لأدخلن معك حصنك حتى يصيبني ما أصابك. فنقض كعب العهد الذي كان بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ودعا حيي بالكتاب الذي كتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بينهم فشقه حيي، فلما شقه حيي علم أن الأمر قد لحم وفسد، فخرج على بني قريظة وهم حلقٌ حول منزل كعب بن أسد، فخبرهم الخبر. يقول الزبير بن باطا: واهلاك اليهود! تولى قريش وغطفان ويتركوننا في عقر دارنا وأموالنا وذرارينا، ولا قوة لنا بمحمد! ما بات يهوديٌّ على حزم قط، ولا قامت يهوديةٌ بيثرب أبداً. ثم أرسل كعب بن أسد إلى نفرٍ من رؤساء اليهود خمسة - الزبير بن باطا، ونباش بن قيس، وغزال ابن سموأل، وعقبة بن زيد، وكعب بن زيد، فخبرهم خبر حيي، وما أعطاه حيي أن يرجع إليه فيدخل معه فيصيبه ما أصابه. يقول الزبير ابن باطا: وما حاجتك إلى أن تقتل ويقتل معك حيي! قال: فأسكت كعب وقال القوم: نحن نكره نزري برأيك أو نخالفك، وحيي من قد عرفت شومه. وندم كعب بن أسد على ما صنع من نقض العهد، ولحم الأمر لما أراد الله تعالى من حربهم وهلاكهم.

فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون في الخندق أتى عمر بن الخطاب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في قبته - وقبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مضروبة من أدمٍ في أصل الجبل عند المسجد الذي في أسفل الجبل - معه أبو بكر والمسلمون على خندقهم يتناوبون، معهم بضعةٌ وثلاثون فرساً، والفرسان يطوفون على الخندق ما بين طرفيه، يتعاهدون رجالاً وضعوهم في مواضع منه، إلى أن جاء عمر فقال: يا رسول الله، بلغني أن بني قريظة قد نقضت العهد وحاربت. فاشتد ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: من نبعث يعلم لنا علمهم؟ فقال عمر: الزبير بن العوام. فكان أول الناس بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الزبير بن العوام، فقال: اذهب إلى بني قريظة. فذهب الزبير فنظر، ثم رجع فقال: يا رسول الله، رأيتهم يصلحون حصونهم ويدربون طرقهم، وقد جمعوا ماشيتهم. فذلك حين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن لكل نبي حوارياً، وحواري الزبير وابن عمتي.

ثم دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأسيد بن حضير، فقال: إنه قد بلغني أن بني قريظة قد نقضوا العهد الذي بيننا وبينهم وحاربوا، فاذهبوا فانظروا إن كان ما بلغني حقاً؛ فإن كان باطلاً فأظهروا القول، وإن كان حقاً فتكلموا بكلامٍ تلحنون به أعرفه؛ لا تفتوا أعضاد المسلمين. فلما انتهوا إلى كعب بن أسد وجدوا القوم قد نقضوا العهد، فناشدوهم الله والعهد الذي كان بينهم، أن يرجعوا إلى ما كانوا عليه قبل ذلك قبل أن يلتحم الأمر، وألا يطيعوا حيي بن أخطب. فقال كعب: لا نرده أبداً؛ قد قطعته كما قطعت هذا القبال لقبال نعله. ووقع كعب بسعد بن معاذ يسبه، فقال أسيد بن حضير: تسب سيدك يا عدو الله؟ ما أنت له بكفء! أما والله يا ابن اليهود ، لتولين قريشٌ إن شاء الله منهزمةً وتتركك في عقر دارك، فنسير إليك فتنزل من جحرك هذا على حكمنا. وإنك لتعلم النضير؛ كانوا أعز منك وأعظم بهذه البلدة، ديتك نصف ديتهم، وقد رأيت ما صنع الله بهم. وقبل ذلك بنو قينقاع، نزلوا على حكمنا. قال كعب: يا ابن الحضير، تخوفونني بالمسير إلي؟ أما والتوراة، لقد رآني أبوك يوم بعاث - لولا نحن لأجلته الخزرج منها. إنكم والله ما لقيتم أحداً يحسن القتال ولا يعرفه؛ نحن والله نحسن قتالكم! ونالوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن المسلمين أقبح الكلام، وشتموا سعد بن عبادة شتماً قبيحاً حتى أغضبوه. فقال سعد بن معاذ: دعهم فإنا لم نأت لهذا، ما بيننا أشد من المشاتمة - السيف! وكان الذي يشتم سعد بن عبادة نباش بن قيس فقال: غضضت ببظر أمك! فانتفض سعد بن عبادة غضباً، فقال سعد بن معاذ: إني أخاف عليكم مثل يوم بني النضير. قال غزال بن سموأل: أكلت أير أبيك! قال سعد بن معاذ غير هذا القول أحسن منه. قال: ثم رجعوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما انتهوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال سعد بن عبادة: عضل والقارة. وسكت الرجلان - يريد بعضل والقارة غدرهم بخبيب وأصحاب الرجيع - ثم جلسوا. فكبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: أبشروا يا معشر المسلمين بنصر الله وعونه. وانتهى الخبر إلى المسلمين بنقض بني قريظة العهد، فاشتد الخوف وعظم البلاء.

قرىء على ابن أبي حبيبة وأنا أسمع، قال: حدثنا محمد بن الثلجي قال: حدثنا الواقدي، قال: فحدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر، عن عبيد الله بن أبي بكر بن حزم قال: أرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، وعبد الله بن رواحة، وخوات بن جبير إلى بني قريظة. قال ابن واقد: والأول أثبت عندنا.

قالوا: ونجم النفاق، وفشل الناس، وعظم البلاء، واشتد الخوف، وخيف على الذراري والنساء، وكانوا كما قال الله تعالى: " إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر " ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمون وجاه العدو، لا يستطيعون الزوال عن مكانهم، يعتقبون خندقهم ويحرسونه. وتكلم قومٌ بكلامٍ قبيح، فقال معتب بن قشير: يعدنا محمدٌ كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يأمن أن يذهب إلى حاجته، وما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً!

فحدثني صالح بن جعفر، عن ابن كعب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق وآخذ المفتاح، وليهلكن الله كسرى وقيصر، ولتنفقن أموالهم في سبيل الله - يقول ذلك حين رأى ما بالمسلمين من الكرب. فسمعه معتب فقال ما قال.

فحدثني ابن أبي سبرة، عن الحارث بن الفضيل قال: همت بنو قريظة أن يغيروا على بيضة المدينة ليلاً، فأرسلوا حيي بن أخطب إلى قريشٍ أن يأتيهم منهم ألف رجلٍ، ومن غطفان ألف، فيغيروا بهم . فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الخبر بذلك فعظم البلاء، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يبعث سلمة بن أسلم بن حريش الأشهلي في مائتي رجل، وزيد بن حارثة في ثلاثمائة يحرسون المدينة ويظهرون التكبير، ومعهم خيل المسلمين، فإذا أصبحوا أمنوا. فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول: لقد خفنا على الذراري بالمدينة من بني قريظة أشد من خوفنا من قريشٍ وغطفان، ولقد كنت أوفى على سلع فأنظر إلى بيوت المدينة، فإذا رأيتهم هادين حمدت الله عز وجل، فكان مما رد الله به قريظة عما أرادوا أن المدينة كانت تحرس.

حدثني صالح بن خوات، عن ابن كعب، قال: قال خوات بن جبير: دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونحن محاصرو الخندق، فقال: انطلق إلى بني قريظة فانظر هل ترى لهم غرةً أو خللاً من موضعٍ فتخبرني. قال: فخرجت من عنده عند غروب الشمس، فتدليت من سلعٍ وغربت لي الشمس فصليت المغرب، ثم خرجت حتى أخذت في راتج، ثم على عبد الأشهل، ثم في زهرة، ثم على بعاث. فلما دنوت من القوم قلت: أكمن لهم. فكمنت ورمقت الحصون ساعة، ثم ذهب بي النوم فلم أشعر إلا برجلٍ قد احتملني وأنا نائم، فوضعني على عنقه ثم انطلق يمشي. قال: ففزعت ورجلٌ يمشي بي على عاتقه، فعرفت أنه طليعة من قريظة واستحييت تلك الساعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حياءً شديداً، حيث ضيعت ثغراً أمرني به، ثم ذكرت غلبة النوم. قال: والرجل يرقل بي إلى حصونهم، فتكلم باليهودية فعرفته، قال: أبشر بجزرةٍ سمينة! قال: وذكرت وجعلت أرب بيدي - وعهدي بهم لا يخرجم منهم أحدٌ أبداً إلا بمعولٍ في وسطه. قال: فأضع يدي على المعول فأنتزعه، وشغل بكلام رجل من فوق الحصن، فانتزعته فوجأت به كبده فاسترخى وصاح: السبع! فأوقدت اليهود النار على آطامها بشعل السعف. ووقع ميتاً وانكشف، فكنت لا أدرك، وأقبل من طريقي التي جئت منها. وجاء جبريل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ظفرت يا خوات! ثم خرج فأخبر أصحابه فقال: كان من أمر خوات كذا وكذا. وآتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو جالسٌ في أصحابه وهم يتحدثون، فلما رآني قال: أفلح وجهك! قلت: ووجهك يا رسول الله! قال: أخبرني خبرك. فأخبرته، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): هكذا أخبرني جبريل. وقال القوم: هكذا حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). قال خوات: فكان ليلنا بالخندق نهاراً. قال غير صالح: قال خوات: رأيتني وأنا أتذكر صسوء أثري عندهم بعد ممالحةٍ وخلصيةٍ مني لهم، فقلت: هم يمثلون بي كل المثل حتى ذكرت المعول.

حدثني أبو بكر بن أبي سبرة، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم، قال: خرج نباش بن قيس ليلةً من حصنهم يريد المدينة، ومعه عشرةٌ من اليهود من أشدائهم وهم يقولون: عسى أن نصيب منهم غرة. فانتهوا إلى بقيع الغرقد، فيجدون نفراً من المسلمين من أصحاب سلمة بن أسلم بن حريش، فناهضوهم فراموهم ساعةً بالنبل، ثم انكشف القريظيون مولين. وبلغ سلمة بن أسلم وهم بناحية بني حارثة، فأقبل في أصحابه حتى انتهوا إلى حصونهم، فجعلوا يطيفون بحصونهم حتى خافت اليهود، وأوقدوا النيران على آطامهم وقالوا: البيات! وهدموا قرني بئر لهم وهوروها عليهم، فلم يقدروا يطلعوا من حصنهم وخافوا خوفاً شديداً.

وحدثني شيخٌ من قريش، قال ابن أبي الزناد وابن جعفر هذا أثبت من الذي في أحد، قال: كان حسان بن ثابت رجلاً جباناً، فكان قد رفع مع النساء في الآطام، فكانت صفية في أطم فارع، ومعها جماعةٌ وحسان معهم. فأقبل عشرةٌ من اليهود ورأسهم غزال بن سموأل من بني قريظة نهاراً، فجعلوا ينقمعون ويرمون الحصن، فقالت صفية لحسان: دونك يا أبا الوليد! قال: لا والله، لا أعرض نفسي لهؤلاء اليهود. ودنا أحدهم إلى باب الحصن يريد أن يدخل، فاحتجزت صفية بثوبها، ثم أخذت خشبةً فنزلت إليه فضربته ضربةً شدخت رأسه فقتلته، فهرب من بقي منهم.

واجتمعت بنو حارثة فبعثوا أوس بن قيظي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: يا رسول الله. إن بيوتنا عورة؛ وليس دارٌ من دور الأنصار مثل دارنا. ليس بيننا وبين غطفان أحد يردهم عنا، فأذن لنا فلنرجع إلى دورنا فنمنع ذرارينا ونساءنا. فأذن لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فرجعوا بذلك وتهيئوا للانصراف. فبلغ سعد بن معاذ، فجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله، لا تأذن لهم؛ إنا والله ما أصابنا وإياهم شدةٌ قط إلا صنعوا هكذا. ثم أقبل عليهم فقال لبني حارثة: هذا لنا منكم أبداً؛ ما أصابنا وإياكم شدةٌ إلا صنعتم هكذا. فردهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وكانت عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تقول: لقد رأيت لسعد ابن أبي وقاص ليلةً ونحن بالخندق لا أزاله أحبه أبداً. قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يختلف إلى ثلمةٍ في الخندق يحرسها، حتى إذا آذاه البرد جاءني فأدفأته في حضني. فإذا دفىء خرج إلى تلك الثلمة يحرسها ويقول: ما أخشى أن يؤتى الناس إلا منها. فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حضني قد دفىء وهو يقول: ليت رجلاً صالحاً يحرسني ! قالت: إلى أن سمعت صوت السلاح وقعقعة الحديد، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من هذا؟ فقال: سعد بن أبي وقاص. قال: عليك بهذه الثلمة، فاحرسها. قالت: ونام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى سمعت غطيطه.

قال الواقدي: حدثني عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر، عن عبد الله ابن أبي بكر بن حزم قال: قالت أم سلمة: كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخندق فلم أفارقه مقامه كله، وكان يحرس نفسه في الخندق، وكنا في قرٍ شديد، فإني لأنظر إليه قام فصلى ما شاء أن يصلي في قبته، ثم خرج فنظر ساعةً فأسمعه يقول: هذه خيل المشركين تطيف بالخندق، من لهم؟ ثم نادى: يا عباد بن بشر. فقال عباد: لبيك! قال: أمعك أحد؟ قال: نعم، أنا في نفرٍ من اصحابي كنا حول قبتك. قال: فانطلق في أصحابك فأطف بالخندق، فهذه خيلٌ من خيلهم تطيف بكم يطمعون أن يصيبوا منكم غرة. اللهم ادفع عنا شرهم وانصرنا عليهم واغلبهم، لا يغلبهم غيرك! فخرج عباد بن بشر في أصحابه، فإذا بأبي سفيان في خيلٍ من المشركين يطيفون بمضيق الخندق. وقد نذر بهم المسلمون، فرموهم بالحجارة والنبل. فوقفنا معهم فرميناهم حتى أذلقناهم بالرمي فانكشفوا راجعين إلى منزلهم. ورجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأجده يصلي فأخبرته. قالت أم سلمة: فنام حتى سمعت غطيطه فما تحرك حتى سمعت بلالاً يؤذن بالصبح وبياض الفجر، فخرج فصلى بالمسلمين. فكانت تقول: يرحم الله عباد بن بشر، فإنه كان ألزم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقبة رسول الله يحرسها أبداً.

فحدثني أيوب بن النعمان، عن أبيه، قال: كان أسيد بن حضير يحرس الخندق في أصحابه، فانتهوا إلى مكان من الخندق تطفره الخيل، فإذا طليعةٌ من المشركين، مائة فارس أو نحوها، عليهم عمرو بن العاص يريدون أن يغيروا إلى المسلمين، فقام أسيد بن حضير عليها بأصحابه، فرموهم بالحجارة والنبل حتى أجهضوا عنا وولوا. وكان في المسلمين تلك الليلة سلمان الفارسي، فقال لأسيد: إن هذا مكان من الخندق متقارب، ونحن نخاف تطفره خيلهم - وكان الناس عجلوا في حفره. وبادروا فباتوا يوسعونه حتى صار كهيئة الخندق وأمنوا أن تطفره خيلهم. وكان المسلمون يتناوبون الحراسة، وكانوا في قر شديدٍ وجوع.

فحدثني خارجة بن الحارث، عن أبي عتيق السلمي، عن جابر بن عبد الله قال: لقد رأيتني أحرس الخندق، وخيل المشركين تطيف بالخندق وتطلب غرةً ومضيقاً من الخندق فتقتحم فيه، وكان عمرو بن العاص وخالد ابن الوليد هما اللذان يفعلان ذلك، يطلبان الغفلة من المسلمين. فلقينا خالد بن الوليد في مائة فارس، قد جال بخيله يريد مضيقاً من الخندق يريد أن يعبر فرسانه، فنضحناهم بالنبل حتى انصرف .

فحدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، قال: قال محمد بن مسلمة: أقبل خالد بن الوليد تلك الليلة في مائة فارس. فأقبلوا من العقيق حتى وقفوا بالمذاد وجاه قبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فنذرت بالقوم فقلت لعباد بن بشر، وكان على حرس قبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان قائماً يصلي، فقلت: أتيت! فركع ثم سجد، وأقبل خالد في ثلاثة نفرٍ هو رابعهم، فأسمعهم يقولون: هذه قبة محمد، ارموا! فرموا، فناهضناهم حتى وقفنا على شفير الخندق، وهم بشفير الخندق من الجانب الآخر، فترامينا، وثاب إلينا أصحابنا، وثاب إليهم أصحابهم، وكثرت الجراحة بيننا وبينهم. ثم اتبعوا الخندق على حافتيه وتبعناهم والمسلمون على محارسهم، فكلما نمر بمحرس نهض معنا طائفةٌ وثبت طائفة، حتى انتهينا إلى راتجٍ فوقفوا وقفةً طويلة، وهم ينتظرون قريظة يريدون أن يغيروا على بيضة المدينة، فما شعرنا إلا بخيل سلمة بن أسلم بن حريش يحرس، فيأتون من خلف راتج، فلاقوا خالد بن الوليد فاقتتلوا واختلطوا، فما كان إلا حلب شاةٍ حتى نظرت إلى خيل خالد مولية، وتبعه سلمة بن أسلم حتى رده من حيث جاء. فأصبح خالد وقريشٌ وغطفان تزري عليه وتقول: ما صنعت شيئاً فيمن في الخندق ولا فيمن أصحر لك . فقال خالد: أنا أقعد الليلة، وابعثوا خيلاً حتى أنظر أي شيءٍ تصنع.

فحدثني ابن أبي سبرة، عن عبد الواحد بن أبي عون، عن أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت: والله، إني لفي جوف الليل في قبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو نائم، إلى أن سمعت الهيعة ، وقائلٌ يقول: يا خيل الله! وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل شعار المهاجرين " يا خيل الله " ففزع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بصوته فخرج من القبة، فإذا نفرٌ من الصحابة عند قبته يحرسونها، منهم عباد بن بشر، فقال: ما بال الناس؟ قال عباد: يا رسول الله، هذا صوت عمر بن الخطاب؛ الليلة نوبته ينادي: يا خيل الله والناس يثوبون إليه، وهو من ناحية حسيكة ما بين ذباب ومسجد الفتح. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعباد بن بشر: اذهب فانظر، ثم ارجع إلي إن شاء الله فأخبرني! قالت أم سلمة: فقمت على باب القبة أسمع كل ما يتكلمان به. قالت: فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائماً حتى جاءه عباد بن بشر فقال: يا رسول الله، هذا عمرو بن عبد في خيل المشركين، معه مسعود بن رخية ابن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع ابن ريث بن غطفان، في خيل غطفان، والمسلمون يرامونهم بالنبل والحجارة. قالت: فدخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلبس درعه ومغفره، وركب فرسه. وخرج معه أصحابه، حتى أتى تلك الثغرة، فلم يلبث أن رجع وهو مسرورٌ فقال: صرفهم الله، وقد كثرت فيهم الجراحة. قالت: فنام حتى سمعت غطيطه، وسمعت هائعةً أخرى، ففزع فوثب فصاح: يا عباد ابن بشر! قال: لبيك! قال: انظر ما هذا. فذهب ثم رجع فقال: هذا ضرار بن الخطاب في خيلٍ من المشركين، معه عيينة بن حصن في خيل غطفان عند جبل بني عبيد، والمسلمون يرامونهم بالحجارة والنبل. فعاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلبس درعه وركب فرسه، ثم خرج معه أصحابه إلى تلك الثغرة. فلم يأتنا حتى كان السحر، فرجع وهو يقول: رجعوا مفلولين، قد كثرت فيهم الجراحة. ثم صلى بأصحابه الصبح وجلس. فكانت أم سلمة تقول: قد شهدت معه مشاهد فيها قتالٌ وخوف - المريسيع، وخيبر، وكنا بالحديبية، وفي الفتح، وحنين - لم يكن من ذلك شيءٌ أتعب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أخوف عندنا من الخندق. وذلك أن المسلمين كانوا في مثل الحرجة ، وأن قريظة لا نأمنها على الذراري، والمدينة تحرس حتى الصباح، يسمع تكبير المسلمين فيها حتى يصبحوا خوفاً، حتى ردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال .

حدثني إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، عن محمد بن مسلمة. قال: كنا حول قبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نحرسه، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نائمٌ نسمع غطيطه، إذ وافت أفراسٌ على سلع، فبصر بهم عباد بن بشر فأخبرنا بهم، قال: فأمضى إلى الخيل، وقام عباد على باب قبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) آخذاً بقائم السيف ينظرني، فرجعت فقلت: خيل المسلمين أشرفت، عليها سلمة بن أسلم بن حريش، فرجعت إلى موضعنا. ثم يقول محمد بن مسلمة: كان ليلنا بالخندق نهاراً حتى فرجه الله.

حدثني خارجة بن الحارث، عن أبي عتيق، عن جابر، وحدثني الضحاك ابن عثمان، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله، قال: كان خوفنا على الذراري بالمدينة من بني قريظة أشد من خوفنا من قريشٍ حتى فرج الله ذلك.

قالوا: فكان المشركون يتناوبون بينهم، فيغدو أبو سفيان بن حرب في أصحابه يوماً، ويغدو هبيرة بن أبي وهب يوماً، ويغدو عكرمة بن أبي جهل يوماً، وضرار بن الخطاب يوماً، فلا يزالون يجيلون خيلهم ما بين المذاذ إلى راتج، وهم في نشرٍ من أصحابهم، يتفرقون مرة ويجتمعون أخرى، حتى عظم البلاء وخاف الناس خوفاً شديداً. ويقدمون رماتهم - وكان معهم رماة؛ حبان بن العرقة، وأبو أسامة الجشمي، وغيرهم من أفناء العرب - فعمدوا يوماً من ذلك فتناوشوا بالنبل ساعة، وهم جميعاً في وجهٍ واحد وجاه قبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائم، عليه الدرع والمغفر، ويقال على فرسه. فيرمي حبان بن العرقة سعد بن معاذ بسهم فأصاب أكحله ، فقال: خذها وأنا ابن العرقة! قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): عرق الله وجهك في النار! ويقال أبو أسامة الجشمي رماه، وكان دارعاً. فكانت عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تقول: كنا في أطم بني حارثة قبل الحجاب ومعنا أم سعد بن معاذ، فمر سعد بن معاذ يومئذٍ عليه ردع خلوقٍ ما رأيت أحداً في الخلوق مثله، وعليه درعٌ له، مشمرة عن ذراعيه؛ والله، إني لأخاف عليه يومئذٍ من تشميرة درعه ما أصابه، فمر يرفل في يده الحربة، وهو يقول:

لبث قليلاً يدرك الهيجا حمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل

وأمه تقول: الحق برسول الله يا بني! وقد والله تأخرت، فقلت: والله يا أم سعد، لوددت أن درع سعد أسبغ على بنانه. قالت أم سعد: يقضي الله ما هو قاض! فقضى له أن أصيب يومئذٍ، ولقد جاء الخبر بأنه قد رمي، تقول أمه: واجبلاه! ثم إن روساءهم أجمعوا أن يغدوا جميعاً، فغدا أبو سفيان بن حرب، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطاب، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وهبيرة بن أبي وهب، ونوفل بن عبد الله المخزومي، وعمرو بن عبد، ونوفل بن معاوية الديلي، في عدة، فجعلوا يطيفون بالخندق؛ ومعه روساء غطفان - عيينة بن حصن، ومسعود بن رخيلة، والحارث بن عوف؛ ومن سليم رؤساوهم؛ ومن بني أسد طليحة بن خويلد. وتركوا الرجال منهم خلوفاً، يطلبون مضيقاً يريدون يقتحمون خيلهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه، فانتهوا إلى مكانٍ قد أغفله المسلمون، فجعلوا يكرهون خيلهم ويقولون: هذه المكيدة، ما كانت العرب تصنعها ولا تكيدها. قالوا : إن معه رجلاً فارسياً، فهو الذي أشار عليهم بهذا. قالوا: فمن هناك إذاً؟ فعبر عكرمة بن أبي جهل، ونوفل بن عبد الله، وضرار ابن الخطاب، وهبيرة بن أبي وهب، وعمرو بن عبد، وقام سائر المشركين من وراء الخندق لا يعبرون، وقيل لأبي سفيان: ألا تعبر؟ قال: قد عبرتم، فإن احتجتم إلينا عبرنا. فجعل عمرو بن عبدٍ يدعو إلى البراز ويقول:

ولقد بححت من الندا ... ء لجمعكم هل من مبارز

وعمرو يومئذٍ ثائر، قد شهد بدراً فارتث جريحاً فلم يشهد أحداً، وحرم الدهن حتى يثأر من محمدٍ وأصحابه، وهو يومئذٍ كبير - يقال بلغ تسعين سنة. فلما دعا إلى البراز قال علي كرم الله وجهه: أنا أبارزه يا رسول الله! ثلاث مرات. وإن المسلمين يومئذٍ كأن على رءوسهم الطير، لمكان عمرو وشجاعته. فأعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيفه، وعممه وقال: اللهم أعنه عليه! قال: وأقبل عمرو يومئذٍ وهو فارسٌ وعليٌّ راجل، فقال له عليٌ رضي الله عنه: إنك كنت تقول في الجاهلية: لا يدعوني أحدٌ إلى واحدةٍ من ثلاثٍ إلا قبلتها! قال: أجل! قال عليٌ: فإني أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتسلم لله رب العالمين. قال: يا ابن أخي، أخر هذا عني. قال: فأخرى؛ ترجع إلى بلادك، فإن يكن محمدٌ صادقاً كنت أسعد الناس به، وإن غير ذلك كان الذي تريد. قال: هذا ما لا تتحدث به نساء قريشٍ أبداً، وقد نذرت ما نذرت وحرمت الدهن. قال: فالثالثة؟ قال: البراز. قال فضحك عمرو ثم قال: إن هذه الخصلة ما كنت أظن أن أحداً من العرب يرومني عليها! إني لأكره أن أقتل مثلك، وكان أبوك لي نديماً؛ فارجع، فأنت غلامٌ حدث، إنما أردت شيخي قريش! أبا بكر وعمر. قال فقال عليٌّ رضي الله عنه: فإني أدعوك إلى المبارزة فأنا أحب أن أقتلك. فأسف عمرو ونزل وعقل فرسه فكان جابر يحدث يقول: فدنا أحدهما من صاحبه وثارت بينهما غبرةٌ فما نراهما، فسمعنا التكبير تحتها فعرفنا أن علياً قتله. فانكشف أصحابه الذين في الخندق هاربين، وطفرت بهم خيلهم، إلا أن نوفل ابن عبد الله وقع به فرسه في الخندق، فرمي بالحجارة حتى قتل. ورجعوا هاربين، وخرج في أثرهم الزبير بن العوام وعمر بن الخطاب، فناوشوهم ساعة. وحمل ضرار بن الخطاب على عمر بن الخطاب بالرمح، حتى إذا وجد عمر مس الرمح رفعه عنه وقال: هذه نعمة مشكورة، فاحفظها يا ابن الخطاب! إني قد كنت حلفت لا تمكنني يداي من رجلٍ من قريشٍ ابداً. فانصرف ضرار راجعاً إلى أبي سفيان وأصحابه وهم قيامٌ عند جبل بني عبيد. ويقال: حمل الزبير على نوفل بن عبد الله بن المغيرة بالسيف حتى شقه باثنين وقطع أندوج سرجه - والأندوج: اللبد الذي يكون تحت السرج - ويقال إلى كاهل الفرس. فقيل: يا أبا عبد الله، ما رأينا سيفاً مثل سيفك! فيقول: والله، ما هو بالسيف ولكنها الساعد وهرب عكرمة وهبيرة فلحقا بأبي سفيان، وحمل الزبير على هبيرة فضرب ثفر فرسه فقطع ثفر فرسه وسقطت درعٌ كان محقبها الفرس، فأخذ الزبير الدرع، وفر عكرمة وألقى رمحه. فلما رجعوا إلى أبي سفيان قال: هذا يومٌ لم يكن لنا فيه شيء، ارجعوا! فنفرت قريشٌ فرجعت إلى العقيق، ورجعت غطفان إلى منازلها، واتعدوا يغدون جميعاً ولا يتخلف منهم أحد. فباتت قريش يعبئون أصحابهم، وباتت غطفان يعبئون أصحابهم، ووافوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخندق قبل طلوع الشمس. وعبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه وحضهم على القتال، ووعدهم النصر إن صبروا، والمشركون قد جعلوا المسلمين في مثل الحصن من كتائبهم فأخذوا بكل وجهٍ من الخندق.

فحدثني الضحاك بن عثمان، عن عبيد الله بن مقسم، عن جابر بن عبد الله قال: قاتلونا يومهم وفرقوا كتائبهم، ونحوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتيبةً غليظةً فيها خالد بن الوليد، فقاتلهم يومه ذلك إلى هويٍ من الليل، ما يقدر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا أحدٌ من المسلمين أن يزولوا من مواضعهم، وما يقدر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على صلاة الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء، فجعل أصحابه يقولون: يا رسول الله، ما صلينا! فيقول: ولا أنا والله ما صليت! حتى كشفهم الله تعالى فرجعوا متفرقين. فرجعت قريشٌ إلى منزلها، ورجعت غطفان إلى منزلها، وانصرف المسلمون إلى قبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وأقام أسيد بن حضير على الخندق في مائتين من المسلمين، فهم على شفير الخندق إذ كرت خيلٌ من الشمركين يطلبون غرةً، عليهم خالد بن الوليد؛ فناوشوهم ساعةً ومع المشركين وحشي، فزرق الطفيل بن النعمان من بني سلمة بمزراقه فقتله، فكان يقول: أكرم الله تعالى حمزة والطفيل بحربتي ولم يهنى بأيديهما. فلما صار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى موضع قبته أمر بلالاً فأذن. وكان عبد الله بن مسعود يقول: أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاذن وأقام للظهر، وأقام بعد لكل صلاةٍ إقامةً إقامةً.

وقد حدثني ابن أبي ذئب - وهو أثبت الحديثين عندنا - قال: أخبرني المقبري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: جلسنا يوم الخندق حتى كان بعد المغرب بهويٍ من الليل حتى كفينا، وذلك قول الله عز وجل: " وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً " . فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلالاً فأمره، فأقام صلاة الظهر فصلاها كأحسن ما كان يصليها في وقتها. ثم أقام صلاة العصر فصلاها كأحسن ما كان يصليها في وقتها، ثم أقام المغرب فصلاها كأحسن ما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العشاء فصلاها كأحسن ما كان يصليها في وقتها. قال: وذلك قبل أن ينزل الله صلاة الخوف: " فرجالاً أو ركباناً " .

وكان ابن عباس يحدث يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذٍ: شغلنا المشركون عن صلاة الوسطى - يعني العصر - ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً! وأرسلت بنو مخزوم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يطلبون جيفة نوفل ابن عبد الله يشترونها بالدية، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنما هي جيفة حمار! وكره ثمنه. فلما انصرف المشركون تلك الليلة لم يكن لهم قتالٌ جميعاً حتى انصرفوا، إلا أنهم لا يدعون يبعثون الطلائع بالليل، يطمعون في الغارة. وخرجت بعد ذلك طليعتان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلاً، فالتقيا ولا يشعر بعضهم ببعض، ولا يظنون إلا أنهم العدو، فكانت بينهم جراحةٌ وقتلٌ؛ ولسنا نعرف من قتل ولم يسم لنا. ثم نادوا بشعار الإسلام، وكف بعضهم عن بعض، وكان شعارهم: حم لا ينصرون! فجاءوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبروه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): جراحكم في سبيل الله، ومن قتل منكم فإنه شهيد. فكانوا بعد ذلك إذا دنا المسلمون بعضهم من بعضٍ نادوا بشعارهم؛ لأن يكف بعضهم عن بعض، فلا يرمون بنبلٍ ولا بحجر. كانوا يطيفون بالخندق بالليل حتى الصباح يتناوبون، وكذلك يفعل المشركون أيضاً، يطيفون بالخندق حتى يصبحوا. قال: فكان رجالٌ من أهل العوالي يطلعون إلى أهليهم، فيقول لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني أخاف عليكم بني قريظة. فإذا ألحوا في كثرة ما يستأذنونه يقول: من ذهب منكم فليأخذ سلاحه فإني لا آمن بني قريظة، هم على طريقكم. وكان كل من يذهب منهم إنما يسلكون على سلعٍ حتى يدخلوا المدينة، ثم يذهبون إلى العالية.

فحدثني مالك بن أنس، عن صيفي مولى ابن أفلح، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه دخل على أبي سعيد الخدري في بيته فوجده يصلي، قال: فجلست أنتظره حتى يقضي صلاته. قال: فسمعت تحريكاً تحت سريره في بيته فإذا حية، فقمت لأقتلها فأشار إلي أن اجلس. فلما جلست سلم وأشار إلى بيتٍ في الدار، فقال لي: أترى هذا البيت؟ فقلت: نعم فقال: إنه كان فيه فتىً حديث عهدٍ بعرس، فخرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الخندق فكان يستأذنه بأنصاف النهار ليطلع إلى أهله، فاستأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): خذ سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة. قال: فأخذ الرجل سلاحه وذهب فإذا امرأته قائمةٌ بين البابين، فهيأ لها الرمح ليطعنها، وأصابته غيرةٌ فقالت: اكفف عليك رمحك حتى ترى ما في بيتك! فكف ودخل فإذا هو بحيةٍ منطوية على فراشه، فركز فيها رمحه فانتظمها فيه، ثم خرج به فنصبه في الدار، فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر الفتى ميتاً، فما ندري أيهما كان أسرع موتاً، الفتى أو الحية. قال أبو سعيد: فجئنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرنا ذلك له فقلنا: يا رسول الله، ادع الله أن يحييه. فقال: استغفروا لصاحبكم. ثم قال: إن بالمدينة جناً قد أسلموا، فإذا رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان.

فحدثني قدامة بن موسى، عن عائشة بنت قدامة، عن أبيها، قال: بعثنا ابن أختنا ابن عمر يأتينا بطعامٍ ولحفٍ وقد بلغنا من الجوع والبرد، فخرج ابن عمر حتى إذا هبط من سلع - وذلك ليلاً - غلبته عيناه فنام حتى أصبح. فاهتممنا به فخرجت أطلبه فأجده نائماً، والشمس قد ضحته، فقلت: الصلاة، أصليت اليوم؟ قال: لا. قلت: فصل. فقام سريعاً إلى الماء، وذهبت إلى منزلنا بالمدينة فجئت بتمرٍ ولحاف واحد، فكنا نلبس ذلك اللحاف جميعاً - من قام منا في المحرس ذهب مقروراً ثم رجع حتى يدخل في اللحاف، حتى فرج الله ذلك. وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): نصرت بالصبا وأهلكت عادٌ بالدبور.

وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول: جاءت الجنوب إلى الشمال فقالت: انطلقي بنصر الله ورسوله فقالت الشمال: إن الحرة لا تسري بليل. فبعث الله عز وجل الصبا، فأطفأت نيرانهم وقطعت أطناب فساطيطهم.

حدثني عمر بن عبد الله بن رياح الأنصاري، عن القاسم بن عبد الرحمن بن رافع، من بني عدي بن النجار، قال: كان المسلمون قد أصابتهم مجاعةٌ شديدة، فكان أهلوهم يبعثون إليهم بما قدروا عليه، فأرسلت عمرة بنت رواحة ابنتها بجفنة تمرٍ عجوةٍ في ثوبها، فقالت: يا بنية، اذهبي إلى أبيك بشير بن سعد، وخالك عبد الله بن رواحة بغدائهما. فانطلقت الجارية حتى تأتي الخندق، فتجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالساً في أصحابه وهي تلتمسهما، فقال: تعالي يا بنية، ما هذا معك؟ قالت: بعثتني أمي إلى أبي وخالي بغدائهما. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): هاتيه! قالت: فأعطيته فأخذه في كفيه، ثم أمر بثوبٍ فبسط له، وجاء بالتمر فنشره عليه فوق الثوب، فقال لجعال بن سراقة: ناد بأهل الخندق أن هلم إلى الغداء. فاجتمع أهل الخندق عليه يأكلون منه، حتى صدر أهل الخندق وإنه ليفيض من أطراف الثوب.

وحدثني شعيب بن عبادة، عن عبد الله بن معتب، قال: أرسلت أم عامر الأشهلية بقعبةٍ فيها حيسٌ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في قبته وهو عند أم سلمة، فأكلت أم سلمة حاجتها، ثم خرج بالبقية فنادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عشائه، فأكل أهل الخندق حتى نهلوا وهي كما هي.

حدثنا محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، قال: حصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه بضع عشرة حتى حلص إلى كل امرىءٍ منهم الكرب، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إنك أن تشأ لا تعبد! فبينا هم على ذلك من الحال أرسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عيينة بن حصن وإلى الحارث بن عوف - ولم يحضر الخندق الحارث بن عوف ولا قومه، ويقال حضرها الحارث بن عوف. قال ابن واقد: وهو أثبت القولين عندنا. وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسل إليه وإلى عيينة: أرأيت إن جعلت لكم ثلث تمر المدينة ترجعان بمن معكم وتخذلان بين الأعراب؟ قالا: تعطينا نصف تمر المدينة. فأبى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يزيدهما على الثلث، فرضيا بذلك وجاءا في عشرةٍ من قومهما حين تقارب الأمر، فجاءوا وقد أحضر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحضر الصحيفة والدواة، وأحضر عثمان بن عفان فأعطاه الصحيفة وهو يريد أن يكتب الصلح بينهم. وعباد بن بشر قائمٌ على راس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مقنعٌ في الحديد. فأقبل أسيد بن حضير إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يدري بما كان من الكلام، فلما جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجاء عيينة ماداً رجليه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلم ما يريدون، فقال: يا عين الهجرس ، اقبض رجليك! أتمد رجليك بين يدي رسول الله؟ ومعه الرمح. والله، لولا رسول الله لأنفذت خصيتيك بالرمح! ثم أقبل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله، إن كان أمراً من السماء فامض له، وإن كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف! متى طمعوا بهذا منا؟ فأسكت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعا سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فاستشارهما في ذلك، وهو متكىءٌ عليهما، والقوم جلوسٌ، فتكلم بكلامٍ يخفيه، وأخبرهما بما قد أراد من الصلح. فقالا: إن كان هذا أمراً من السماء فامض له، وإن كان أمراً لم تؤمر فيه ولك فيه هوىً فامض لما كان لك فيه هوىً، فسمعاً وطاعةً، وإن كان إنما هو الرأي فما لهم عندنا إلا السيف. وأخذ سعد بن معاذ الكتاب، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إني رأيت العرب رمتكم عن قوسٍ واحدةٍ فقلت أرضيهم ولا أقاتلهم. فقالا: يا رسول الله، إن كانوا ليأكلون العلهز في الجاهلية من الجهد، ما طمعوا بهذا منا قط، أن يأخذوا تمرةً إلا بشرى أو قرى! فحين أتانا الله تعالى بك، وأكرمنا بك، وهدانا بك نعطي الدنية! لا نعطيهم أبداً إلا السيف! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): شق الكتاب. فتفل سعد فيه، ثم شقه وقال: بيننا السيف! فقام عيينة وهو يقول: أما والله للتي تركتم خيرٌ لكم من الخطة التي أخذتم، وما لكم بالقوم طاقة. فقال عباد بن بشر: يا عيينة، أبالسيف تخوفنا؟ ستعلم أينا أجزع! وإلا فوالله لقد كنت أنت وقومك تأكلون العلهز والرمة من الجهد فتأتون هاهنا ما تطمعون بهذا منا إلا قرىً أو شرىً، ونحن لا نعبد شيئاً. فلما هدانا الله وأيدنا بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سألتمونا هذه الخطة! أما والله، لولا مكان رسول الله ما وصلتم إلى قومكم. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ارجعوا، بيننا السيف! رافعاً صوته. فرجع عيينة والحارث وهما يقولان: والله، ما نرى أن ندرك منهم شيئاً. ولقد أنهجت للقوم بصائرهم! والله، ما حضرت إلا كرهاً لقوم غلبوني. وما مقامنا بشيءٍ. مع أن قريشاً إن علمت بما عرضنا على محمدٍ عرفت أنا قد خذلناها ولم ننصرها. قال عيينة: هو والله ذلك! قال الحارث: أما إنا لم نصب بتعرضنا لنصر قريشٍ على محمد، والله لئن ظهرت قريشٌ على محمد ليكونن الأمر فيها دون سائر العرب، مع أني أرى أمر محمد أمراً ظاهراً. والله، لقد كان أحبار يهود خيبر وإنهم يحدثون أنهم يجدون في كتبهم أنه يبعث نبي من الحرم على صفته. قال عيينة: إنا والله ما جئنا ننصر قريشاً، ولو استنصرنا قريشاً ما نصرتنا ولا خرجت معنا من حرمها. ولكني كنت أطمع أن تأخذ تمر المدينة فيكون لنا به ذكرٌ مع ما لنا فيه من منفعة الغنيمة. مع أنا ننصر حلفاءنا من اليهود فهم جلبونا إلى ما ها هنا. قال الحارث: قد والله أبت الأوس والخزرج إلا السيف؛ والله لتقاتلن عن هذا السعف. ما بقي منها رجلٌ مقيم وقد أجدب الجناب وهلك الخف والكراع. قال عيينة: لا شيء. فلما

أتيا منزلهما جاءتهما غطفان فقالوا: ما وراءكم؟ قالوا: لم يتم الأمر؛ رأينا قوماً على بصيرةٍ وبذل أنفسهم دون صاحبهم، وقد هلكنا وهلكت قريش، وقريشٌ تنصرف ولا تكلم محمداً! وإنما يقع حر محمدٍ ببني قريظة؛ إذا ولينا جثم عليهم فحصرهم جمعةً حتى يعطوا بأيديهم. قال الحارث: بعداً وسحقاً! محمدٌ أحب إلينا من اليهود. منزلهما جاءتهما غطفان فقالوا: ما وراءكم؟ قالوا: لم يتم الأمر؛ رأينا قوماً على بصيرةٍ وبذل أنفسهم دون صاحبهم، وقد هلكنا وهلكت قريش، وقريشٌ تنصرف ولا تكلم محمداً! وإنما يقع حر محمدٍ ببني قريظة؛ إذا ولينا جثم عليهم فحصرهم جمعةً حتى يعطوا بأيديهم. قال الحارث: بعداً وسحقاً! محمدٌ أحب إلينا من اليهود.

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).





قسم الشؤون الفكرية يصدر العدد الثامن والثلاثين من مجلة دراسات استشراقية
مجمع أبي الفضل العباس (عليه السلام) يستقبل الطلبة المشاركين في حفل التخرج المركزي
جامعة الكفيل تحيي ذكرى هدم مراقد أئمة البقيع (عليهم السلام)
الانتهاء من خياطة الأوشحة والأعلام الخاصة بالحفل المركزي لتخرج طلبة الجامعات