أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-02-2015
2173
التاريخ: 2024-02-25
1032
التاريخ: 2024-01-11
1451
التاريخ: 22-12-2014
2879
|
يعدّ مقصد الخطاب أو هدفه من العناصر التي لها تأثيرات بارزة في
صياغة النصّ ، وقد رأينا كثيرا من المظاهر النصيّة والعناصر ترتبط بالغرض في
المباحث السابقة ، وقد ركّز المفسّرون على هذا المقصد أو الغرض أو الهدف ، ونظروا
في أثر هذا المقصد داخل النصّ ، أو حاولوا استخراج ذلك الهدف من خلال صياغة النّص.
فالزمخشري حين نظر في الآيات الأربع الأولى تنبه إلى أنّها نظمت بحيث تؤدّي غرضا
ما من خلال ترتيبها يقول : " ففي الأولى الحذف والرمز إلى الغرض بألطف وجه
وأرشقه"«1». ومرّ بنا أنّ التأثير في
المخاطب هو هدف الآية { خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ
وَعَلى سَمْعِهِمْ وعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ} وقد تجلّى الأثر الخطيّ لهذا الهدف في عمليّة تكرير الجار في النّص.
وهدف الخطاب له أثر في تكوين الأسلوب وتنويع الضمائر وطرائق الخطاب ، فمثلا كان
القصد إلى إنكار الدعوى أو المقولة سببا في عدم المطابقة بين قوله تعالى {وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} وقولهم { آمَنُوا بِاللَّهِ والْيَوْمِ
الْآخِرِ}
. والأوّل في ذكر شأن الفعل لا الفاعل ، والثاني في شأن الفاعل لا الفعل ، ويعبّر
عنه الزمخشري بقوله" القصد إلى إنكار ما ادّعوه ونفيه ، فسلك في ذلك طريقا
أدّى إلى الغرض المطلوب ، وفيه من التوكيد والمبالغة ما ليس في غيره ، وهو إخراج
ذواتهم وأنفسهم من أن تكون طائفة من طوائف المؤمنين لمّا علم من حالهم المنافية
لحال الداخلين في الإيمان .... فإن قلت فلم جاء الإيمان مطلقا في الثاني ، وهو
مقيّد في الأول ؟ قلت يحتمل أن يراد التقييد ويترك لدلالة المذكور عليه ، وأن يراد
بالإطلاق أنّهم ليسوا من الإيمان في شيء" «2». إنّ الكيفيّة التي عرض النّص من خلالها
موضوعه ، والعلاقات التي استثمرها كالتقييد والإطلاق ، كلّ ذلك مرتبط
بالمقام" حالهم" ومرتبط مباشرة بغرض الخطاب كما صرّح بذلك الزمخشري.
وتتعدّد الأغراض والأهداف في الخطاب القرآني
، وكلّ هدف منها يجد صداه يتردّد داخل النصّ ، في بنيته وتركيبه ومفرداته ، وأسلوبه
، وأصواته ، وبداءاته ، وفواصله ، فمثلا ينظر المفسّر في قوله تعالى{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ
وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } [البقرة : 44].
قال الزمخشري : " قوله { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ} تبكيت ، أو فيها الوعيد على الخيانة ، وترك البرّ ، ومخالفة القول
العمل" أَ فَلا تَعْقِلُونَ" توبيخ عظيم بمعنى أ فلا تفطنون لقبح ما
أقدمتم عليه حتى يصدّكم استقباحه عن ارتكابه" «3».
فقد جمع المفسر هنا ثلاثة أهداف : التبكيت ، والوعيد ، والتوبيخ. وتبدّت هذه
الأهداف في النّص وخاصّة في الفاصلة التي اشتملت على الاستفهام الاستنكاري متعلّقا
بالعقل.
وحين استخدم النّص صيغة التسوية في الآية { سَواءٌ عَلَيْهِمْ
أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} ربط الرازي بين هذه الصيغة وهدف الناس في قوله : " ليقطع طعمه
عنهم ولا يتأذّى بسبب ذلك" «4». وفي تفسير قوله تعالى : { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا ولَنْ
تَفْعَلُوا}
فقد علّل الرازي مجيء (إن) في مكان (إذا) بأنّه" يتهكّم بهم" «5». وفي موضع آخر يربط بين هدف الخطاب وظاهر
النصّ يقول : " واعلم أنّ قوله {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} وإن كان بصورة الاستخبار فالمراد به التبكيت ، والتعنيف لأنّ عظم
النعمة يقتضي عظم معصية المنعم" «6».
وينظر المفسّر في تعدّد احتمالات الغرض
الكامن وراء الخطاب ، في تفسير الرازي للآية { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
وَنُقَدِّسُ لَكَ} قال : " ليس المراد مدح
النفس ، بل المراد بيان أنّ هذا السؤال ما أوردناه لنقدح به في حكمتك يا رب فإنّا
... ، فكأنّ الغرض من ذلك بيان أنّهم ما أوردوا السؤال للطعن في الحكمة الإلهيّة ،
بل لطلب وجه الحكمة على سبيل التفصيل.
وأمّا الوجه الرابع ، وهو أنّ قولهم { لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما
عَلَّمْتَنا}
يشبه الاعتذار فلا بد من سبق الذنب"«7». ويساهم تحديد غرض الخطاب في قراءة الخطاب
، بل وتختلف القراءة بتعدّد احتمالات الغرض ومنه في تفسير الآية { وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ
بِهِ} فقد تساءل المفسّر كيف جعلوا
أوّل من كفر به وقد سبقهم إلى الكفر به مشركو العرب؟ ويجعل الجواب من وجوه : أحدها
أنّ هذا تعريض بأنّه كان يجب أن يكونوا أوّل من يؤمن به لمعرفتهم به وبصفته ، ولأنّهم
كانوا مثل أول كافر به يعني من أشرك من أهل مكّة" أي ولا تكونوا وأنتم
تعرفونه مذكورا في التوراة والإنجيل ..." مثل من لم يعرفه" «8».
وفي تفسير الآية {إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ
الدُّنْيا} يستعرض المفسّر احتمالات الغرض
منها ، ويرجّح أنّه الذّم العظيم والتحقير البالغ من غير تخصيص ، ويشير إلى أنّ
مجيء كلمة خزي بصيغة النكرة" يدلّ على أنّ الذّم واقع في النهاية العظمى
" «9». وهذه إشارة صريحة لأثر الغرض في لغة النّص
.
ويتمثّل أثر المقصد في صياغة النصّ وأسلوبه
في تفسير الرازي للآية { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} ولم يقل " يرفع قواعد البيت " لأنّ في إبهام القواعد وتبيّنها
بعد الإبهام من تفخيم الشأن ما ليس في العبارة الأخرى ، واعلم أنّ اللّه تعالى حكى
عنهما بعد ذلك ثلاثة أنواع من الدعاء " «10». إنّ موضوع النصّ يمكن التعبير عنه بعدد
كبير من الأشكال والصيغ والصور اللّغويّة ، وإنّ استخدام شكل بعينه دون الآخر
مرتبط مباشرة بالسياق ، وهنا بعنصر محدّد من السياق وهو الغرض.
ومثله أيضا تفسير الآية {شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ} قال الرازي : " قال { شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ} ولم يقل شهداء للناس لأنّ قولهم يقتضي التكليف إمّا بقول وإما بفعل ،
وذلك عليه لا له في الحال ، فإن قيل : لم أخّرت صلة الشهادة أولا ، وقدّمت آخرا ، قلنا
لأنّ الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم ، وفي الآخر اختصاص بكون الرسول
شهيدا عليهم" «11».
ويقف الطبري عند الغرض في تفسير كلّ آية تقريبا ، ومن
أمثلته هنا حين يفسّر الآية (28) يقول : " وهذه الآية توبيخ من اللّه جلّ
ثناؤه للقائلين { آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ
الْآخِرِ} «12». وفي تفسيره للآية (30) يتساءل عن وجه قيل الملائكة
لربّها {أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ
فِيها ..} ثم يرجّح أنّ ذلك كان استخبارا من الملائكة لربّها " «13». وفي تفسير الآية (263) يشرح علاقة الفاصلة
القرآنيّة { وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} بما قبلها من خلال مقصد الخطاب ، يقول : " غنّي لا حاجة به إلى
منفق يمنّ ويؤذي ، (حليم) عن معاجلته بالعقوبة وهذا سخط منه ووعيد له" «14». وفي تفسير الآية { إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ} تنبّه الطبري إلى أنّ ظاهر النصّ قد يطوي تحته مقصد الخطاب يقول :
" وهذا وإن كان من اللّه جلّ ثناؤه خبرا عن إبليس فإنّه تقريع لضربائه من خلق
اللّه الذين يتكبّرون عن الخضوع لأمر اللّه والانقياد لطاعته فيما أمرهم به" «15». وهكذا يظهر المقصد أو الغرض أو الهدف
عنصرا رئيسا من عناصر الخطاب يفسر من خلالها علاقة أجزاء النّص بعضها ببعض ، ويفسّر
من خلالها أسلوب النصّ وصياغته واختياره.
_______________
(1) الكشاف ، 1/ 37.
(2) الكشّاف ، 1/ 42.
(3) الكشاف ، 1/ 33.
(4) تفسير الرازي ، 3/ 40.
(5) نفسه ، 35/ 121.
(6) نفسه ، 3/ 149.
(7) نفسه ، 3/ 169.
(8) نفسه 3/ 41.
(9) تفسير الرازي ، 3/ 186.
(10) نفسه ، 4/ 57.
(11) نفسه ، 4/ 57.
(12) نفسه ، 4/ 102.
(13) تفسير الطبري ، 1/ 156.
(14) تفسير الطبري ، 1/ 163.
(15) نفسه ، 1/ 312.
|
|
للتخلص من الإمساك.. فاكهة واحدة لها مفعول سحري
|
|
|
|
|
العلماء ينجحون لأول مرة في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي في المختبر
|
|
|
|
|
قسم العلاقات العامّة ينظّم برنامجاً ثقافياً لوفد من أكاديمية العميد لرعاية المواهب
|
|
|