المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2777 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



النظام النحوي (القرائن تغني عن العوامل)  
  
2489   09:26 صباحاً   التاريخ: 22-2-2019
المؤلف : تمام حسان
الكتاب أو المصدر : اللغة العربية مبناها ومعناها
الجزء والصفحة : ص231- 240
القسم : علوم اللغة العربية / علم اللغة / مستويات علم اللغة / المستوى النحوي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-2-2019 1085
التاريخ: 24-11-2018 8282
التاريخ: 22-2-2019 7305
التاريخ: 17-2-2019 6035

القرائن تغني عن العوامل:
بعد أن بينت طبيعة القرائن المقالية معنوية كانت أو لفظية في دلالتها على المعنى الوظيفي النحوي, أحب أن أضيف إليها كلمة أخرى تتصل بإغناء فهم القرائن المقالية عن فكرة العامل النحوي الذي قال به النحاة. لقد اتجه النحاة بقولهم بالعامل النحوي إلى إيضاح قرينة لفظية واحدة فقط هي قرينة الإعراب أو العلامة الإعرابية, فجاء قولهم بالعامل لتفسير اختلاف هذه العلامات بحسب المواقع في الجملة, فكانت الحركات بمفردها قاصرة عن تفسير المعاني النحوية لأمور:
1- إن المعربات التي تظهر عليها الحركات أقلّ بكثير جدًّا من مجموع ما يمكن وروده في السياق من الكلمات, فهناك الإعراب بالحذف, والإعراب المقدَّر للتعذر أو للثقل أو لاشتغال المحل, وهناك المحل الإعرابي للمبنيات, والمحل الإعرابي للجمل, وكل هذه الإعرابات لا تتمُّ بواسطة الحركة الإعرابية الظاهرة.
ص231
2- إننا لو افترضنا أن كل الإعرابات تَمَّت على أساس الحركة الظاهرة فلم يكن هناك إعراب تقديري ولا إعراب محلي, فإننا سنصادف صعوبة أخرى تنشأ عن أنَّ الحركة الواحدة تدل على أكثر من باب واحد, ومن هنا تصبح دلالتها بمفردها على الباب الواحد موضع لبس.
ومن هنا كان الاتكال على العلامة الإعرابية باعتبارها كبرى الدوالّ على المعنى, ثم إعطاؤها من الاهتمام ما دعا النحاة إلى أن يبنوا نحوهم كله عليها عملًا يتسم بالكثر من المبالغة وعدم التمحيص, وقد سبق لنا مثل هذا القول عند بداية الكلام عن القرائن اللفظية, ويكفي لإظهار اهتمامهم بهذه العلامة الإعرابية أن أطلقوا على تحليل النص تحليلًا نحويًّا اسم "الإعراب" وهو -كما علمونا- اسم يطلق على تفسير أواخر الكلمات بحسب العوامل.
وإذا كان العامل قاصرًا عن تفسير الظواهر النحوية والعلاقات السياقية جميعها, فإن فكرة القرائن توزع اهتمامها بالقساطس بين قرائن التعليق النحوي معنويها ولفظيها, ولا تعطى للعلامة الإعرابية منها أكثر مما تعطيه لأية قرينة أخرى من الاهتمام. فالقرائن كلها مسئولة عن أمن اللبس وعن وضوح المعنى, ولا تستعمل واحدة منها بمفردها للدلالة على معنًى ما, وإنما تجتمع القرائن متضافرة لتدل على المعنى النحوي, وتنتجه لا كما يأتي حاصل الجمع من اجتماع مفردات المعدودات, بل كما يأتي المركب الكيماوي من عناصر مختلفة, أي إنه إذا صحَّ أن تُسمَّى مفردات القرائن عند إرادة التحليل فإن الاستعمال اللغوي لا يعرف من أمر ذلك شيئًا, ولا يعرف إلّا قرينة كبرى واحدة يسميها "وضوح المعنى", ويسميها اللغويون "أمن اللبس", وتقوم هذه القرينة الكبرى من قرائنها الفرعية مقام ناتج التفاعل الكيميائي من العناصر التي نتج عنها؛ إذ لا يشبه منها واحدًا بمفرده.
وفائدة القول بالاعتماد على القرائن في فهم التعليق النحوي أنه ينفي عن النحو العربي:
أ- كل تفسير ظني أو منطقي لظواهر السياق.
ص232
ب- كل جدل من نوع ما لَجَّ فيه النحاة حول منطقية هذا "العمل" أو ذاك, وحول أصالة بعض الكلمات في العمل وفرعية الكلمات الأخرى, وحول قوة العامل وضعفه أو تعليله أو تأويله مما ازدحمت به كتب النحو دون طائل يكون تحته. ويكفي للاقتناع بحسن تحليل النص بحسب قرائن التعليق مجتمعة أننا نستطيع بواسطة ذلك أن نلمح الصلة أو الرابطة أو العلاقة إن شئت بين كل جزء من أجزاء السياق وبين الأجزاء الأخرى من حيث المعنى ومن حيث المبنى في الوقت نفسه. ويستتبع القول بالقرائن واختياره بديلًا للقول بالعوامل أننا سنكتفي في تحليل الكلمات المعربة بقولنا: مرفوع أو منصوب أو مجرور أو مجزوم فقط, دون قولنا: مرفوع بكذا أو منصوب بكذا إلخ، بل يمكننا إذا أردنا أن نقول مثلًا: "مرفوع على الفاعلية" و"منصوب على المفعولية" وهلمَّ جرا.
وأخيرًا أحب أن أضيف أيضًا لما يترتب على "تضافر القرائن" من أنَّ بعض القرائن قد يغني عن بعض عند أمن اللبس. ولقد كررنا القول إن اللغة العربية -وكل لغة أخرى في الوجود- تنظر إلى أمن اللبس باعتباره غاية لا يمكن التفريط فيها؛ لأن للغة الملبسة لا تصلح واسطة للإفهام والفهم, وقد خلقت اللغات أساس للإفهام والفهم, وإن أعطاها النشاط الإنساني استعمالات أخرى فنية ونفسية. فإذا كان من الممكن الوصول إلى المعنى بلا لبسٍ مع عدم توفُّر إحدى القرائن اللفظية الدالة على هذا المعنى, فإن العرب كانت تترخص أحيانًا في هذه القرينة اللفظية الإضافية؛ لأن أمن اللبس يتحقق بوجودها وبعدمها. ولقد وجدنا في مأثور التراث العربي الكثير من الشواهد والأمثلة على هذ الظاهرة, وسنحاول فيما يلي أن نضرب أمثلة تطبق هذه الظاهرة على القرائن اللفظية كل على حدة:
1- العلامة الإعرابية: لقد وقع النحاة ضحايا اهتمامهم الشديد بالعلامة الإعرابية حين رأوا النصوص العربية تهمل الاعتماد على قرينة
ص233
الحركة أحيانًا فتضحي بها لأن المعنى واضح بدونها اعتمادًا على غيرها من القرائن المعنوية واللفظية. ومن أمثلة ذلك ما يأتي(1):
- قالت العرب: خرق الثوب المسمار, فاعتمدوا على القرينة المعنوية وهي "الإسناد", وأهملوا الحركة إذ لا يصح أن يسند الخرق إلى الثوب, وإنما يسند إلى المسمار, فعلم أيهما فاعل وأيهما مفعول.
- قالت العرب: "جحر ضب خرب" فأغنت عندهم قرية التبعية وهي معنوية, عن قرينة المطابقة في العلامة الإعرابية وهي لظفية, وكان الداعي إلى ذلك داعيًا موسيقيًّا جماليًّا هو المناسبة بين المتجاورين في الحركة الإعرابية, وقد سماه النحاة "المجاورة".
- العرب تقطع النعت فتختلف حركته الإعرابية عن حركة متبوعه, ويستبدل السياق بالمطابقة في الحركة قرينة التبعية, وقد قال الشاعر:
قد سالم الحيات منه القدما ... للأفعوان والشجاع الشجعا
- قال الله تعالى: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ} بجر "خضر" على قراءة, وفي هذا يقال ما قيل في إعراب المجاورة من قبل, وهو إعراب تدعو إليه أسباب جمالية خالصة لا صلة بينها وبين مطالب المعنى الوظيفي, ومثله {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَان} .
ص234
- قال الله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (2) بجر المعطوف على قراءة, وهو اتباع في الموسيقى اللفظية لا في المعنى.
- قال تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} (3). فالموفون معطوف على مَنْ بقرينة الإسناد والتبعية والرفع وموصولية "أل", فكان ذلك عطف موصول على موصول, ولكن ماذا نقول في "الصابرين"؟ إن قرينة الإسناد والتبعية وهما معنويتان يقولان: إن "الصابرين" معطوفة أيضًا على "مَنْ آمن", ولكن القرينة اللفظية وهي الواو غير موجودة إذ حلَّت محلها الياء, فكيف يمكن فهم ذلك إلّا على أساس إغناء بعض القرائن عن بعض؟ فالقرائن تتضافر كما ذكرت.
- قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (4) فما الذي رفع "الصابئون"؟ الجواب: إن قرينة التبعية لوضوحها أغنت عن قرينة العلامة الإعرابية.
- قالت العرب "ما رأيته مذ يومان" فأغنت قرينة التضام وما تضافر معها عن قرينة الإعراب التي تكون فيما جاء بعد حرف الجر.
ص235
ومما نلاحظه جميعًا حين نستمع إلى نشرة الأنباء مثلًا أو إلى خطيب أو متكلِّم أو معلِّق أننا على رغم ما نسمعه في النشرة أو الخطبة أو الكلام أو التعليق السياسي من أخطاءٍ في الإعراب فإننا نفهم الكلام الذي يقال, ويستتبع ذلك بالضرورة أننا نفهم علاقات الكلمات بعضها مع بعض, لا فرق في ذلك بين أميّ منَّا ومثقَّف, فنعلم من قول المديح مثلًا: "أجمعت وكالات الأنباء على أن الصين الشعبية أجرت اليوم تفجيرًا نوويًّا" ندرك المعنى العام الذي ينبني على صلات الكلمات بعضها مع بعض دون الحاجة إلى التحليل, ودون الحاجة إلى دلالة العلامات الإعرابية؛ لأن قرائن أخرى قد أغنت عنها. ومن هذا نرى فداحة الخطأ الذي يمكن في اعتبار الحركات الإعرابية أهمّ ما في النحو العربي.
2- الرتبة: يتضح الترخص في الرتبة أولًا في عدم حفظها والاعتراف بوجود رتبة غير محفوظة في النحو, وكذلك عندما تغني عنها القرائن الأخرى في قول الشاعر:
عليك ورحمة الله السلام
فالذي أغنى عن رتبة المتعاطفين هنا:
أ- ما بين المتعاطفين من شهرة التعاطف على نسقٍ خاصٍّ حتى أصبحا كالمثل وذلك هو التضام.
ب- حفظ الرتبة بين حرف العطف والمعطوف.
جـ- توسُّط المعطوف بين الخبر المقدَّم والمبتدأ المؤخَّر مما جعله لا يزال في حيز الجملة, فكذلك تغني القرائن حين تتضافر عن قرينة أخرى يَصِحُّ المعنى بدونها.
ومن قبيل إغناء القرائن الأخرى عن الرتبة ما نراه أحيانًا من عود الضمير على متأخّرٍ رتبة كضمير الشأن.
ونحو: خاف ربه عمر, وزان نوره الشجر, وفي بيته يؤتى الحكم.
ص236
ومن ذلك أيضا قول الشاعر:
لعن الإله وزوجها معها ... هند الهنود طويلة البظر
ومشنوء من يشنوءك وتميمي أنا
3- مبنى الصيغة:
ويبدو الترخص في الصيغة فيما نجده كثيرًا في الرجز من نحو قوله:
الحمد لله العلي الأجلل "والمقصود الأجل".
أو قوله:
أو ألفا مكة من ورق الحمى "والمقصود الحمام".
ومن ذلك أيضًا مجيء الحال جامدة, والنيابة عن المفعول المطلق بغير مصدر أو بمصدر فعل غير فعله, وإضافة المتفرقين إلى كلا وكلتا.
وكل ضرورة شعرية فهي ترخص في قرينة ما وإغناء غيرها عنها, وكثير من ذلك يندرج تحت عنوان الصيغة مثل: قصر الممدود, وحذف النون من اللذين واللتين, وحذل الألف من لفظ الجلالة, وواو هو, وياء وهي, وحذف الألف من ضمير المتكلم, وتخفيف المشدد في القوافي, وإبدال حركة من حركة, وحرف من حرف, أو حذف حرف الجر نحو: "تمرون الديار ولم تعوجوا" وهلمَّ جرا(5). هذا على المستوى الصرفي, أما على المستوى النحوي: فقد تأتي الحال الجامدة والنعت كذلك والخبر, وقد يأتي المفعول المطلق بغير صيغة المصدر, وغير ذلك.
4- المطابقة: سبق أن ذكرنا أن المطابقة تكون في الشخص والنوع والعدد والتعيين والعلامة الإعرابية, وقد مر بنا الترخُّص في المطابقة في العلامة الإعرابية بين التابع ومتبوعه, وأما ترك المطابقة في الشخص فمنها:
- إن ضمير الموصول دالّ على الغيبة, فيعود إليه من الصلة رابط في صورة ضمير الغائب, ولكن الموصول إذا كان خبرًا ضمير متكلم أو مخاطب, فقد سُمِعَ عن العرب ترك المطابقة بين العائد والموصول كقوله:
أنا الذي سمتن أمي حيدرة

ص237
وقوله:
أأنت الهلالي الذي كنت مرة ... سمعنا به والأرحبي المعلق
فهنا حمل العائد على المعنى لا على اللفظ كما يقول النحاة "ويمكن أن يفهم بإعادة الضمير على "أنت" لا على "الذي", وفي ذلك إهمال للمطابقة وهي قرينة لفظية لوضوح المعنى بدونها, وأما إهمال المطابقة في النوع فمنها:
- إن الصفات التي لا يوصف بها إلّا المؤنث يترك تأنيثها لعدم توهم أنها لمذكر, ومن ذلك حائض وطالق وناشز ومرضع إلخ, وقد تحذف التاء عند أمن اللبس "كإقام الصلاة" و"عِدَ الأمر" و {مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِم} .
- إن بعض الصفات على وزن فعيل تصدق على المذكر والمؤنث كقتيل وجريح.
- إن الفعل لا يطابق فاعله المؤنث إذا فُصِلَ بينهما نحو: "أتى القاضي بنت الفاضل".
ومن الترخص في المطابقة في العدد قول الشاعر:
فمن يك أضحى بالمدينة رحله ... فإني وقيار بها لغريب
إلّا أن نجعل جملة "وقيار بها" جملة حالية حذف منها العائد لمعرفة أن قيارًا هو جمل الشاعر, فكأنه قال: وجملي بها, ويكون البيت حينئذ شاهدًا على إسقاط الرابط لا على إساقط المطابقة في العدد.
- قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} فانفكت المطابقة بين الواو وبين كافر دون أن يتأثّر المعنى؛ لأن القرائن الأخرى ضمنت هذا المعنى.
5- الربط: يعتبر عود الضمير من الروابط الهامة في الجملة, ولكن الارتباط قد يتمّ بقرائن أخرى فيصبح المعنى واضحًا دون حاجة إلى الضمير الرابط, ومن ذلك قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} أي: "فيه", وقول بعضهم: "مررت بالبر قفيز بدرهم" أي: "منه", فترخص في الرابط لضمان الربط بدونه, أي: بقرائن أخرى.
ص238
6- التضام:
من أمثلة الترخُّص في التضام باعتباره قرينة ما يأتي:
- كل ما دلَّت عليه قرينة أمكن حذفه, وقد رأينا من قبل كيف يمكن حذف المضاف والموصوف والمبتدأ والخبر والفعل إلخ, والحذف إسقاط قرينة أغنت عنها قرائن أخرى.
- ورد إسقاط صلة الموصول في قول الشاعر:
نحن الأولى فاجمع جمو ... عك ثم وجههم إلينا
- ورد حذف المبتدأ من الجملة الحالية في قول الشاعر:
فلما خشيت أظافيرهم ... نجوت وأرهنهم مالكًا
- قد تسقط الضميمة التي بعد الظرف وينوّن الظرف نحو: "حينئذ", وقول الشاعر:
فساغ لي الشراب وكنت قبلًا ... أكاد أعل بالماء الفرات
- قد تسقط ضميمة المرجع كما في ضمير الشيء نحو: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُون} .
7- الأداة:
يسقط حرف النداء ويبقى النداء مفهومًا بواسطة قرائن أخرى, ويسقط حرف العطف ويبقى العطف مفهومًا بقرينة النغمة كقولك: يستمر الامتحان في الأيام الآتية:
السبت - الأحد - الأثنين - الثلاثاء إلخ, وتغني نغمة الكلام عن حرف العطف, وقد تسقط "ربَّ" ويفهم معناها لإغناء الواو عنها, أي: إن قرينة التضام "بين الواو وربَّ" قد أغنت عن قرينة الأداة, وقد ينزع الخافض ويبقى المعنى مفهومًا, وقد سبق أن ذكرنا أن أداة الاستفهام قد أسقطت من بيت عمر بن أبي ربيعة الذي يقول فيه:
ثم قالوا تحبها؟ قلت بهرًا ... عدد النجم والحصى والتراب
لأن قرينة النغمة أغنت عن قرينة الأداة, ومن قبيل حذف الأداة حذف "لا" في قوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} ؛ حيث دلَّت قرينة التضام على المعنى فأمن معها اللبس.
ص239
8- النغمة:
قد تسقط قرينة النغمة لوضوح الكلام بدونها كحالك حين تقرأ قوله تعالى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فإنك لو وقفت عند لفظ الجلالة: فإنك لا تقف في التلاوة بنغمة الاستفهام ولكن بنغمة الترتيل العادي, ولا يحس السامع غرابة في ذلك كما يحسّها لو سمع منك جملة "هل رأيت محمدًا؟ " بنغمة التقرير التي في "قد رأيت محمدًا" مثلًا.
فالقرائن تتضافر على إيضاح المعنى الوظيفي النحوي, والقرينة تسقط عند إغناء غيرها عنها, وفي إدراك هذه الحقيقة تفسير لكثير مما عده النحاة مسموعًا يحفظ ولا يقاس عليه, أو عده شاذًّا أو قليلًَا أو نادرًا أو خطأ. وكم أبدأ النحاة وأعادوا في قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَان} ونحن ندرك من فهمنا لظاهرة تضافر القرائن وإغناء بعضها عن بعض أن المنافسة الموسيقية الصوتية دعت إلى إهمال العلامة الإعرابية؛ لأن الرتبة واقتران الخبر باللام أوضحا أنَّ لفظ "هذان" لا يمكن فيه إلّا أن يكون اسم إن, ولم يعد للعلامة الإعرابية بعد ذلك من الأهمية ما يحتمّ الاحتفاظ بها, ولا سيما أمام إرادة المناسبة الموسيقية بين أصوات المتلازمين.
ص240

__________
(1) قال الشاعر:
يا ليت أم الصبا رواجعا ... إن العجوز حية جزورا
كان أذنية إذا تشوفا ... قادمة أو قلمًا محرفا
قال صلى الله عليه وسلم: "إن قعر جهنم لسبعين خريفًا".
وسمع بعضهم يقول: لعل زيدًا أخانا.
وأورد ابن سيده:
إذا أسودَّ جنح الليل فلتأت ولتكن ... خطاك خفاقًا أن حراسنا أسدًا
وقال ذو الذمة:
كأن جلودهن هموهات ... على أبشارها ذهبًا زلالًا
في قولنا: "ما قام الناس إلّا زيد" أغنت قرينة الأداة عن قرينة الإعراب, وساغ أن يكون هناك مناسبة صوتية, ومثله في "ما مررت بأحد إلّا زيد" فالانصراف عن النصب هنا جاء إيفاءً للمناسبة, وهي مطلب من مطالب الأداء.
قال تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} .
قال امرؤ القيس:
كأن ثبيرًا في عرانين وبله ... كبير أناس في نجاد مزمل
حكى الحياني أن من العرب من يجزم بـ"لن" وينصب بـ"لم".
(2) براءة: 3.
(3) البقرة: 177.
(4) المائدة: 69.
(5) ارجع إلى الضرائر للألوسي.




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.