المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

قاعدة « أصالة الفساد في المعاملات‌ »
21-9-2016
High-density lipoprotein metabolism
1-11-2021
yperbolic Cosine
23-11-2018
تفسير سورة الأعلى من آية ( 4-15)
2024-02-25
عناصر عملية التنظيم
5-5-2016
نسيج الزمكان الحركي
2023-04-03


التمييز بين أقسام السلطة التأسيسية  
  
30492   08:46 صباحاً   التاريخ: 27-9-2018
المؤلف : نفيسة بختي
الكتاب أو المصدر : التعديل الدستوري في الدولة العربية بين العوائق والحلول
الجزء والصفحة : ص36-48
القسم : القانون / القانون العام / القانون الدستوري و النظم السياسية /

مبدأ سمو الدستور يظهر من خلال استلزام إجراءات مطولة ومتعددة الحلقات لإمكانية تعديله، حتى يأتي في إطاره المشروع، أو وضعه طبقا لكيفيات معينة كذلك. ومن هنا يمكن التمييز (1) بين السلطة التي لها صلاحية وضع الدستور وتعديله. إن سلطة التعديل تختلف عن السلطة التأسيسية، لأن التعديل يتعلق بنص أو بمجموعة النصوص الموجودة في الدستور، يظهر التعديل بصورة مفاجئة، في حين أن السلطة التأسيسية  الأصلية، هي السلطة التي تقوم بوضع الدستور وليس بتعديله (2)

أولا: السلطة التأسيسية الأصلية : وضع الدساتير يختلف بأنواع أنظمة الحكم السائدة، واختلاف الظروف المحيطة بكل نظام سياسي وبالتالي فالجهة التي لها صلاحية وضع  الدستور اختلفت على مر العصور باختلاف النظر إلى من تعود إليه السيادة في ذلك أي السلطة التأسيسية الأصلية كمظهر لها. أي أن أساليب نشأة الدساتير ترتبط بفكرة السيادة في الدولة وتحديد صاحب السيادة العملي الذي له حق وضع الدستور وبالتالي مالك السلطة الأصلية (3) . واذا كان حاضرا الشعب مصدر السلطات وهو وحده يختص بوضع الدستور، غير أن الأمر لم يكن كذلك، فقد تطورت أساليب نشأة الدساتير تبعا لتطور النظريات السياسية التي قيلت في شأن تبرير السلطة. وقد اعتبرت بعض النظريات أن الملوك هم أصحاب السيادة في الدولة سواء استمدوا شرعيتهم من الله مباشرة أو بتفويض منه أو بشكل غير مباشر من خلال توجيه إرادة الشعوب لاختيار الحاكم، حيث يختص هؤلاء الحكام دون سواهم بوضع الدستور بارادتهم المطلقة وتقديمه للشعب بشكل منحة أو بطريقة مشاركة الشعوب في وضع الدستور عن طريق العقد (4)  .  غير أن انتشار الديمقراطية في دول العالم المعاصر مكنت الشعوب من تسلم زمام المبادرة في إدارة الدول وتقرير رغبتها الحقيقية في كافة جوانب الحياة لتصبح صاحبة السيادة فيها، ولتتحول أساليب نشأة الدساتير من أسلوب المنحة أو العقد إلى أسلوب الجمعية التأسيسية أو الإستفتاء الشعبي. إذن السلطة التأسيسية الأصلية تملكها السلطة التي تضع الدستور، والأساليب في ذلك تنوعت من بين الأساليب غير الديمقراطية والمتمثلة في المنحة أو العقد، وكذلك الأساليب . الديمقراطية والمتمثلة في الجمعية التأسيسية والإستفتاء الدستوري (5)  وعليه تفصيلا لهذا الجزء من الدراسة، نتولى تحديد (أ) مفهوم السلطة التأسيسية الأصلية (ب )، خصائصها (ج )، تطبيقات عن السلطة التأسيسية الأصلية في بعض الدساتير ( د) السلطة التأسيسية الأصلية وتقدير أساليبها.

أ - مفهوم السلطة التأسيسية الأصلية: يقصد بها أن يتولى الشعب إنتخاب ممثلين عنه يكونون  جمعية خاصة تسمى السلطة التأسيسية، تقتصر مهمتها على وضع الدستور، هذه الهيئة يمكن تسميتها بالجمعية التأسيسية أو المجلس التأسيسي. وقد سميت بالتأسيسية لأنها تقوم فعلا بتأسيس نظام الحكم عن طريق وضع مبادئ هذا النظام في صلب الدستور، وهكذا بمجرد انتهاء السلطة التأسيسية الأصلية من وضع الدستور، فإنها تنحل ولا يعود له وجود، ويعتبر الدستور نافذا بمجرد إقراره من السلطة التأسيسية وفق أحكام إنشائها (6) . إن السلطة التي تقيم الدستور هي السلطة المؤسسة أو بتعبير آخر السلطة التأسيسية الأصلية، بما أن الدستور ينشئ بدوره جميع السلطات في الدولة (  التشريعية والتنفيذية والقضائية )، ويترتب على هذا أن السلطة المؤسسة (السلطة التأسيسية الأصلية) أعلى من هذه السلطات التي أنشئها الدستور، والسلطة المؤسسة ( السلطة التأسيسية الأصلية) ليست فقط أعلى من هذه السلطات بل أنها متميزة منطقيا وواقعيا عنها، وهذا يعني أن السلطة المؤسسة تتمتع بوجود مستقل عن باقي السلطات في الدولة، فهي التي أسست هذه السلطات، وذلك لإقامتها وثيقة الدستور، ولذلك يطلق على السلطات في الدولة اسم السلطات المنشأة تمييزا لها عن (السلطة المؤسسة ) أو ( السلطة التأسيسية الأصلية )، فهناك إذن سلطة مؤسسة متميزة وأعلى من السلطات المؤسسة، فالسلطة  المؤسسة هي سلطة تعلو على السلطات المنشأة (7) إن صاحب السلطة العليا (السلطة المؤسسة) لا يمكن أن يكون غير الشعب، فالشعب هو مصدر جميع السلطات في الدولة، والسلطة المؤسسة تعود إلى مصدر جميع السلطات وهو الشعب ، فالشعب إذن صاحب السلطة المؤسسة، لأن جميع السلطات في الدولة تنبثق عنه، وهو الذي يمارس السلطة المؤسسة حينيؤسس السلطات في الدولة أي حين يقيم دستورها (8) . وفي ضوء ما تقدم فإن السلطات التي أوجدها الدستور تتأتى جميعا بدون تمييز من الإرادة العامة التي تعود إلى الشعب، إلا أن الشعب لا يستطيع من الناحية العملية أن يمارس مباشرة سلطته المؤسسة، إذ من المتعذر أن يجتمع لهذه الغاية، ولذلك فإن ممثلين عنهم سيمارسون هذه السلطة المؤسسة، فالشعب يستطيع أن يفوض ممارسة هذه السلطات لممثلين عنه يمارسونها باسمه ولحسابه، وفي الحدود التي يعينها. والشعب عندما يقيم دستوره ينظم ممارسة السلطة في الدولة من قبل هيئات متعددة ( تشريعه وتنفيذية وقضائية)، وهذه الهيئات التي تمارس السلطة في الدولة( سلطة الشعب )، تمارسها نيابة  عن الشعب ولحساب الشعب، فبإقامة الدستور قد تخلى الشعب عن الممارسة المباشرة للسلطة، وتبنى الممارسة غير المباشرة (الممارسة التمثيلية). إذا كانت السلطة المؤسسة تقوم بوضع وثيقة الدستور على النحو السابق، فإن التساؤل يثار حول مدى حريتها في وضعها، أي مدى ما يكون لها من سلطات في هذا الخصوص؟.

ب-  خصائص السلطة التأسيسية الأصلية : من أهم ما يميزها ما يلي : 

- هي السلطة التي تضع الدستور: أي هي السلطة مالكة السلطة التأسيسية  الأصلية، فتكون إما للحاكم وحده في صورة المنحة (9) ، أو الحاكم والشعب في صورة العقد (10)، أو الشعب وحده في صورة الجمعية التأسيسية (11) و الإستفتاء الدستوري (12) . أغلب الفقه (13)  يرجح الأساليب الديمقراطية لنشأة الدساتير عن انتصار إرادة الحاكم، وانفراد الشعب صاحب السيادة بوضع الدستور دون تدخل في جانب الحاكم، إذ حتى يكون الدستور صادرا عن سلطة تأسيسية بشكل حقيقي، لا بد أن يكون أعضاء هذه السلطة منتخبين من جانب الشعب، فلا يجوز بحال من الأحوال أن يكون تشكيل هذه السلطة عن طريق التعيين من قبل السلطة في الدولة، والا كان الدستور في هذه الحالة صادر عن لجنة فنية لا عن سلطة تأسيسية. ولا يجوز أيضا أن تتولى السلطة التشريعية العادية -  البرلمان-  وضع الدستور، حتى ولو كانت منتخبة بالكامل من جانب الشعب، ذلك أن هذه السلطة هي منشأة لسن التشريع لا سلطة تأسيسية أصلية لوضع الدستور، هذه الأخيرة تنحصر في النظم الديمقراطية في الشعب الذي يملك أن ينيب عنه ممثلين، تكون مهمتهم الأساسية هي وضع الدستور.

- سمو إرادة السلطة التأسيسية الأصلية: تختلف هذه السلطة في مدى ما لها من سلطات، فالسلطة التأسيسية الأصلية تتمتع بحرية مطلقة في التشريع الدستوري، هي حرة في تحديث تعديلات جوهرية في التنظيم الدستوري، فهي تستطيع أن تتراجع عن النظام الملكي إلى النظام الجمهوري ومن النظام النيابي إلى المباشر ... إلخ. حتى أن السلطة التأسيسية الأصلية من حيث الإيديولوجية السياسية تستطيع فرض النظام الإشتراكي بدلا من النظام الراسمالي (14) .

فالقاعدة إذن أن الأمر إذا آل إلى السلطة التأسيسية الأصلية، فإنها تتمتع وهي تضع الدستور بصفة مطلقة في إحداث ما شاءت من تعديلات على النظم القانونية القديمة، وادخال ما شاءت من النظم الجديدة، وهي عندما يؤول إليها الأمر تستطيع أن تلغي الدستور كله إن استدعت الضرورة وظروف المجتمع ذلك، فهي ليست مقيدة بشروط أي تعلو على كل السلطات الأخرى، تستمد مصدرها وصلاحياتها من ذاتها (15)  .

لا تنظمها نصوص خاصة : السلطة التأسيسية الأصلية لم تنظمها نصوص خاصة ولم تتلقى اختصاصها بنص صريح، إذ هي تتدخل لوضع دستور جديد في وقت تكون فيه الدولة خالية تماما من النصوص الدستورية النافذة، على العكس بالنسبة للسلطة التأسيسية الفرعية تقوم بمهامها طبقا لنصوص خاصة، فهي قد أنشئت بنصوص دستورية قائمة، وأعطيت اختصاصا محددا في هذه النصوص (16).

السلطة التأسيسية الأصلية يمكن أن تكون سلطة معدلة: هناك علاقة بين السلطة التأسيسية الأصلية وعملية تعديل الدستور، هي علاقة استثنائية متعلقة ببعض المسائل الجوهرية في الدستور، والتي يعود الفصل فيها مباشرة إلى الأمة، لأنها لا تتعلق بأحكام السلطة ولكن بمبادئ الدولة، كتغيير النظام ذاته من ملكي إلى جمهوري أو العكس، أو بشكل الدولة من موحدة إلى فيدرالية، أو اعتماد الدين من عدمه أو ما إلى ذلك من مسائل تظهر على أنها ذات قيمة خاصة (17) . وهكذا نجد أن بعض الدول تنتخب جمعية تأسيسية تنحصر مهمتها فقط في اجراء عملية التعديل، أي أنها لا تقوم بعمل آخر سوى تحضير مشروع تعديل الدستور، وقد اعتمدت الولايات المتحدة الأمريكية وأغلبية دول أمريكا اللاتينية هذه الطريقة في دساتيرها عند القيام بالتعديل، وكذلك اعتمدها الدستور الفرنسي الصادر عام 1848(18)  في حالة تعديل الدستور بواسطة مجلس أو جمعية تأسيسية تنتخب خصيصا لإجراء التعديل، يعتبر الدستور في هذه الحالة جامدا جمودا شديدا، ويحسن استعمال هذه الطريقة فقط حينما يراد تعديل الدستور تعديلا كليا، لا الاقتصار على التعديل الجزئي لنص أو أكثر من نصوص الدستور (19)  . ولا بد أن نشير إلى أن تغيير القواعد الأساسية في الدولة والمجتمع، هو من صلاحية السلطة التأسيسية الأصلية، بينما بعتبر تعديل القواعد الثانوية ذات الأهمية من الدرجة الثانية من اختصاص السلطة التأسيسية المشتقة، وهو ما يتعلق بمنع تعديل القواعد الأساسية على السلطة التأسيسية المشتقة، بل يتعداه إلى اجراءات التعديل نفسها، فغياب الموافقة أو مصادقة السلطة التأسيسية الأصلية، يصبح كل تعديل على هذا المستوى للمؤسسات من قبل السلطة التأسيسية المنشأة نوعا من التحايل على الدستور (20) .

ج. تطبيقات عن السلطة التأسيسية الأصلية: يمتلك الشعب سلطة التأسيس ، إما عن طريق التصديق على الدستور بواسطة الاستفتاء الدستوري أو بانتخاب من ينوب عنهم في إعداده والتصويت عليه، وعادة ما تنشأ هذه السلطة التأسيسية الأصلية عندما تسعى الدولة القائمة إلى إعلان دستور جديد، وذلك عند نجاح ثورة أو إنقلاب (21).

نحاول ذكر بعض النماذج في النظم الدستورية المقارنة: -

- يمكن أن تتجسد السلطة التأسيسية الأصلية فقط بجمعية تمثيلية منتخبة خصيصا لهذا الغرض تسمى الجمعية التأسيسية، هذه الطريقة نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية عقب استقلالها سنة 1776 في وضع الدستور الاتحادي والدستور الأمريكي لعام 1787 ثم انتشرت هذه الطريقة في باقي الدول.

- طبق بعد ذلك في دستور فرنسا لعام 1791 تم وضعه عن طريق جمعية تأسيسية، الدستور الياباني الصادر عام 1947، الدستور الايطالي الصادر في 12/1947  ، الدستور التشيكوسلوفاكي عام 1948  ، الدستور الباكستاني عام 1956 ، الدستور الألماني عام 1946 الدستور السوري عام 1950، دستور تونس سنة 1959 ، دستور ليبيا 1951(22) .

- هذا الأسلوب يتفق ومبدأ السيادة الشعبية، فالشعب هو صاحب السيادة، وهو الذي انتخب الجمعية التأسيسية، إذ يعتبر من الأساليب الديمقراطية التي ترسخ المبادئ الديمقراطية في الدولة.

- أما إذا رجعنا إلى أسلوب الاستفتاء الدستوري الذي يعطي الكلمة الأولى والأخيرة للشعب، وهو الأسلوب المطبق في معظم دساتير الجزائر ودستور فرنسا لعام 1946(23)

د- السلطة التأسيسية الأصلية ومدى تقدير أساليبها:

كما أشرنا فإن الشعب في طريقة الجمعية النيابية، يقوم بانتخاب ممثليه تنوب عنه لوضع دستور مكتوب، و يصبح نافذا بعد إقراره بالأغلبية من قبل هذه الجمعية المنتخبة، وتعتبر هذه  الجمعية المنتخبة أعلى السلطات في الدولة تنحصر مهمتها في وضع الدستور، إلا أن هذه الطريقة لا تعني أنها تسمح للدستور بالبقاء مدة طويلة والدليل على ذلك الدستور الفرنسي الصادر عام 1971، كذلك دستور 1795 لم يطبق سوى 5 سنوات داخل جو من الإضطرابات، وكذلك دستور 1848 الذي لم يطبق سوى 3 سنوات. وعلى خلاف ذلك نجد بعض الدساتير جاءت عن طريق المنحة لكنها عمرت كثيرا، ومثال ذلك دستور فرنسا لسنة 1814 الذي استمر تطبيقه إلى 1830 ، والدستور الياباني الصادر سنة 1891 ، استمر تطبيقه إلى غاية 1945(24)

أما طريقة الاستفتاء الدستوري، الذي يعتبر شكل من أشكال إشراك الشعب في إقرار نصوص الدستور ويكون ذلك بغرض استفتاءه حولها، نظرا لتعذر جمع الشعب وامكانية توصله إلى وضع مثل تلك النصوص مما يستدعي الإقتصار على عرضها عليه والتقيد بموقفه منها تجنبا للفوضى المحتملة. هذه الطريقة وان كانت تعبر عن الصورة المثلى لوضع الدستور لأنها أكثر ديمقراطية، لكن لا بد من توافر بعض الشروط حتى تحقق تلك الميزة أهدافها، كأن يكون الشعب واعيا ومدركا للعمل الذي يقوم به، وعليه فإن على السلطة التي تريد إشراك الشعب فعلا في وضع الدستور لا سيما في الدول المتخلفة، أن تسبق عملية الإستفتاء بإسناد مهمة وضع الدستور إلى جمعية تأسيسية منتخبة من قبل الشعب، تجنبا لعيوب طريقة الاستفتاء مباشرة (25)  . لكن اعتماد إعداد مشروع الدستور من قبل لجنة من الخبراء شكلت عن طريق التعيين أو لجنة حكومية برلمانية لا يفي بالغرض، لأن الشعب في حالة الاستفتاء، لا يناقش و ليس له الخيار بين عدة مشاريع وانما عليه أن يختار النص الجديد أو يرفضه، وقد يكون نظام الحكم الساري المفعول مرفوض والمشروع الجديد لا يعبر عن مطامح الشعب، خاصة إذا علمنا أن إسناد إعداده للجنة مشكلة من أصحاب السلطة، ولو كانت من ذوي الاختصاص لا يعني تمتعها بحرية العمل، بل تعمل وفق توجيهات السلطة التي لها رفض أي اقتراح يحد من استمرار بقاءها في السلطة (26) . لذلك يفضل اللجوء إلى جمعية تأسيسية على أساس تنافسي، تتولى بطريقة استقلالية دون تدخل السلطة التنفيذية إعداد ومناقشة المشروع قبل عرضه على الشعب بغرض الاستفتاء، على أن يتضمن المشروع المبادئ العامة والسلطات، اختصاصاتها وعلاقاتها مع بعضها، بيان الحقوق والحريات، آليات فرض احترام الدستور من قبل السلطة وغيرها، ولا بد أن يسبق إجراءا لاستفتاء . حملة إعلامية تنظم مناقشات حول الموضوع، حتى يشعر الشعب أنه شارك في وضع الدستور (27) .

لذلك ففي حالة الاستفتاء الشعبي الذي يسبقه وضع مشروع الدستور من قبل جمعية منتخبة، نكون بصدد الأسلوب الديمقراطي في وضع الدساتير، حتى ولو عرض ذلك على الشعب في استفتاء عام.

ونحن في الواقع العربي المعاش ووفق التجربة المصرية والتونسية نرى أن نظام الاستفتاء، يمنح الشعب بكل أطيافه المشاركة في إبداء رأيه، والى حد ما يقلص هيمنة الأحزاب في توجيه المستفتين والتأثير عليهم. واذا كانت السلطة التأسيسية الأصلية عادة ما تتأسس عند ميلاد دولة جديدة أو حصولها على استقلالها، أو عندما ينهار النظام السياسي المطبق بالدولة إثر نجاح ثورة أو إنقلاب، في هذه الحالة يسقط الدستور القديم وتظهر الحاجة إلى وضع دستور جديد، تساؤلنا المفترض في هذه الحالة: في ما يخص الشأن العربي، هل سلكت كل من تونس ومصر وليبيا بعد اسقاط النظام السياسي فيهم إلى طريقة إنشاء سلطة تأسيسية أصلية لصناعة دساتيرها الجديدة؟ (28)  .

تشترك الدساتير العربية كغيرها من الدساتير بتدوين الأحكام العامة، وتحديد السلطات العامة واختصاصاتها بشكل دستوري، وتحتوي على المبادئ العامة من حقوق وواجبات المواطن، حماية الملكية، حق التعليم... الخ. معظم الدساتير العربية القائمة، هي صناعة اللجان الفنية والحكومات القابضة على مجريات السلطة، لأن غالبية الدول العربية كانت خاضعة للاستعمار، وتحررت تدريجيا منه، لذا نرى دساتيرها تارة اقتبست عن الدساتير الفرنسية، وتارة عن الدساتير الإنجليزية (29) . زيادة على ذلك فإن اللجان الفنية الدستورية التي أعدت الدساتير في معظم الدول العربية، كانت تضم إطارات في الفقه الدستوري، والمعروف أن اللجان الفنية كانت مكلفة دائما من الحكومات القائمة وتعمل ضمن توجيهاتها لذلك لا جدال أن صناعة الدساتير العربية هي صناعة ارادة السلطة التنفيذية الحاكمة. وبشأن المتغيرات الحادة في كل من تونس ومصر وليبيا (30) ، فبالرغم من إنشاء جمعية تأسيسية لاعداد الدستور في كل منها ونظرا لطبيعة أعضاء الجمعية وصبغتها الحزبية، تعثرت وواجهت صعوبات كثيرة. وعموما الدستور وبأي دولة صناعة إرادة إما إرادة حاكم أو إرادة مشتركة بين الحاكم والشعب، أو إرادة الشعب وحدها وهذا الأخير هو الأسمى والأعلى نوعية، فالدستور مهما تنوعت صناعته وتعالت صياغته، ليتحقق سموه يجب احترامه وتطبيقه من الحاكم والمحكوم، لأن يبقى نصوص استثنائية ساكنة في مجملها وفعالة في تطبيقها عندما تختص فقط بالحاكم؟.

ثانيا: السلطة التأسيسية الفرعية: إن السلطة التأسيسية المنشأة ( بفتح الشين )أو الفرعية، تفترض أن هناك دستورا نافذا في الدولة قد نظمها وحدد فيها كل السلطات، فهي لا يمكن أن تتدخل إلا في ظل دستور قائم يمنحها حق الحياة، أما إذا سقط الدستور كلية، فإن الأمر يحتم اللجوء إلى السلطة التأسيسية الأصلية، وذلك لأن السلطة التأسيسية المنشأة تفقد حق الحياة بسقوط النصوص الدست ورية التي وضعتها (31) إذن فالسلطة التأسيسية المنشأة ينص عليها الدستور وينظم نشاطها، فهي توجد بمقتضى هذا الدستور، لتعدله بموجب الشروط والاجراءات التي يضعها، وقد اصطلح على تسميتها سلطة التعديل ، ويرجع الفضل لجعل التعديل منوطا بالسلطة التأسيسية المنشأة إلى الفيلسوف "جون جاك روسو"، حيث قرر أن الأمة تفرض على نفسها قوانين، ولا تستطيع أن تسحب هذه القوانين  أو أن تعدلها إلا طبقا لنفس الشكل الرسمي الذي أصدرتها فيه (32)  وقد دافع الفقيه Frochot عن هذا الراي، عند مناقشة الدستور الفرنسي في الجمعية التأسيسية سنة 1789 ، وتغلبت بذلك فكرة إلزام التعديل في المستقبل بالاجراءات والأشكال التي  يقررها الدستور (33) واذا كانت السلطة التأسيسية الأصلية لا تنظمها نصوص خاصة، ولا تتلقى اختصاصا من نصوص موجودة، إذ هي تتدخل في وقت لا يكون بالدولة نصوص دستورية قائمة، وتقوم بوضع دستور جديد للدولة، فإن السلطة التأسيسية المنشأة Le pouvoir constituant dérivé ، يقصد بها السلطة التي يناط بها مهام تعديل الدستور القائم في الدولة، وبالتالي فهي مقيدة بالنصوص الدستورية القائمة بالدولة، واختصاص هذه السلطة يكون ضمن إطار محدد لها (34)  . فإذا كان للسلطة التأسيسية الأصلية القدرة على التصرف خارج محيط القانون الوضعي، لا يسمح للسلطة التأسيسية المشتقة إلا التصرف داخل محيط القانون، إذ أن مهمة سلطة التعديل هي  موافقة النظام الدستوري القائم للظروف المستجدة وتكييفه معها(35) هناك تدرج بين السلطة التأسيسية الأصلية وسلطة التعديل على أسس موضوعية، فالسلطة الأولى هي سلطة ذات سيادة أو سلطة عليا، وسلطة التعديل لا تتوفر لها هذه الخصائص بذات القدر، وبعبارة أخرى، فالسلطة الأصلية هي سلطة غير مقيدة، وسلطة التعديل هي سلطة مقيدة، تلتزم بقيود وضوابط وضعتها السلطة التأسيسية الأصلية، ليست ذات طبيعة شكلية أو إجرائية فقط، وانما ذات طبيعة موضوعية أيضا، فالنصوص المتعلقة بالسيادة الوطنية من الاختصاص الحصري للسلطة التأسيسية الأصلية دون سلطة التعديل، لأن هذه النصوص تحتوي على أحكام  جوهرية تتعلق بذاتية الدولة ولا يمكن أن تطالها سلطة التعديل، نظرا لخطورة مثل هذا التعديل (36) وتجدر الإشارة بعد تعرضنا لمفهوم كل من السلطة التأسيسية الأصلية والفرعية، أننا بصدد سلطتين مختلفتين من حيث الطبيعة والجوهر، وكل واحدة منها تملك كيانا ووجود مستقل عن الآخر، وعليه فإن السلطة التأسيسية الأصلية والفرعية ما هما إلا مظهران للسلطة التأسيسية، وان كانت السلطة التأسيسية الفرعية مؤسسة من قبل السلطة التأسيسية الأصلية، إلا أنها تخضع في نشاطها لقواعد الدستور. وبالتالي فإن سلطة التعديل ليس لها قيمة بذاتها، أي لا تملك كيان مستقل، فهي لا قيمة لها إلا بقدر ما تعبر عن الإرادة المطلقة للسلطة التأسيسية الأصلية (37)

________________

1- مصطفى أبو زيد فهمي، الوجيز في القانون الدستوري والنظم السياسية، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1999 ، ص 160

2-  يرجع الفضل للأستاذ - Bonnard في استخدام التسميات المعروفة حاليا لأنواع السلطة التأسيسية، حيث يعد أول من استخدم وصف السلطة التأسيسية الأصلية، وهذه التعبيرات لقيت استحسانا من بعض الفقه، على أن الأستاذ G-Vedel فضل استخدام السلطة التأسيسية المنشأة بكسر الشين بدلا من السلطة التأسيسية المؤسسة، وهو المصطلح الذي شاع استخدامه بواسطة الفقه بعد ذلك، راجع، يوسف حاشي، المرجع السابق، ص 230.

3- ابراهيم عبد العزيز شيحا، المبادئ الدستورية العامة، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بيروت، 1982 ، ص 56

4-  اسماعيل الغزال، - القانون الدستوري والنظم السياسية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1982 ، ص 456

5-  للمزيد من المعلومات حول أساليب وضع الدساتير، راجع، نعمان أحمد الخطيب، الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، دار الثقافة، عمان، 2006 ص 482 ؛ عبد الكريم علوان، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2009 ، ص 263 ؛ بوكرا إدريس، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية، دار  الكتاب الحديث، القاهرة، 2003 ، ص 81.

6- سالم الكسواني، مبادئ القانون الدستوري مع دراسة تحليلية للنظام الدستوري الأردني، مطبعة الكسواني، الطبعة. الأولى، عمان، 1983 ، ص 30

7-  محمد طه البدوي، النظم السياسية والاجتماعية، الطبعة الأولى، دار المعارف، مصر، 1958، ص 165 ؛ ص 232

8- غازي كرم، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار إتراء للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، عمان، 2009، ص 56

9-  "هو أسلوب قديم اكتسبه، الملك عن طريق الإرث بالإستناد إلى النظريات البيروقراطية، في هذا الأسلوب الشعب لايشارك في وضع الدستور بل هو منحة يتنازل وفق لذلك الملك بإرادته المنفردة للشعب عن بعض حقوقه في وثيقة  مكتوبة . مثل الدستور الفرنسي لسنة 1819 يهبها للشعب، مولود ديدان، المرجع السابق، ص 145

-cf, Marcel MORABITO, Histoire constitutionnelle de la France (1789-1958), Montchrestien, 2004.

10- ينشأ الدستور هنا بناء على اتفاق بين الحاكم والشعب، ونتيجة لتوافق ارادتيهما على قبول الوثيقة الدستورية، مثل وثيقة THE BILL OF RIGHTS . سنة 3522 في العهد الانجليزي، راجع، الأمين شريط، الوجيز في القانون الدستوري والمؤسسات السياسية المقارنة، د.م.ج، الطبعة الثانية، 2002 ، ص 125

11- الجمعية التاسيسية: يقوم الشعب بانتخاب ممثلين عنه يكونون جمعية مهمتما تأسيس ووضع دستور، يعبر عن ارادة لشعب ويكون نافذا بمجرد المصادقة عليه مباشرة، راجع، قزو أكلي، دروس في الفقه الدستوري والنظم السياسية، دراسة . مقارنة، دار الخلدونية، 2006 ، ص 188

12- يقوم الشعب بانتخاب جمعية تتولى اعداد مشروع الدستور، ولا يصير نافذا إلا بعد عرضه على الشعب للموافقة عليه  في استفتاء عام, راجع، عبد الغني بسيوني،المبادئ العامة للقانون الدستوري، الدار الجامعية، 1985 ، ص 343

13- قزو محمد آكلي، المرجع السابق، ص 189

14- مصطفى أبو زيد فهمي، الوجيز في القانون الدستوري والنظم السياسية، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية،  1999، ص 16

15- منصور مولود، القانون الدستوري، دار الوائل للنشر والتوزيع، الطبعة ،2010 ،ص75

16-  نزيه رعد، القانون الدستوري العام "المبادئ العامة والنظم السياسية"، المؤسسة الحديثة للكتاب، الطبعة الثانية، لبنان، 2008 ، ص 90

17-  أحمد سرحال، القانون الدستوري والنظم السياسية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت 2002، ص 170

18-  نزيه رعد، المرجع نفسه، ص 234 |.

19- عبد الحميد متولي، القانون الدستوري والأنظمة السياسية، الجزء الأول، دار المعارف، الطبعة الرابعة . "منقحة"، القاهرة ،1966 ص 56

20- أحمد سرحال، المرجع السابق، ص 174

21-  يمكن وضع دستور من قبل السلطة التأسيسية الأصلية، في حالة إلغاء دستور قديم بالطريق العادي والقانوني، أو عقب نجاح ثورة أو إنقلاب.

22- راجع، مصطفى أبو زيد فهمي، المرجع السابق، ص 163 ؛ بوكرا ادريس، المرجع السابق، ص 827 ؛ قزو محمد  آكلي، الرجع السابق، ص 152.

23-  مولود ديدان، - مباحث في القانون الدستوري والنظم السياسية، دار النجاح للكتاب، الطبعة الأولى،2005 ، ص 153

24-  عبد الكريم علوان، النظم السياسية والقانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان ،2009 ص 345

25- قزو أكلي، دروس في الفقه الدستوري والنظم السياسية، دراسة . مقارنة، دار الخلدونية، 2006 ، ص 177

26-  نعمان أحمد الخطيب، الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، عمان، 2004 ص 482

27-  عبد الكريم علوان، المرجع السابق، ص 345

28- حمدي العجمي، مقدمة في القانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2009 ، ص 167

29-  رمزي طه الشاعر، النظرية العامة للقانون الدستوري والنظام الدستوري للجمهورية العربية المتحدة، دار النهضة العربية القاهرة ، 1970ص 654

30-  نزيه رعد، المرجع السابق، ص 345

31- حمدي العجمي، مقدمة في القانون الدستوري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان ، 2009ص 34

32-  ابراهيم عبد العزيز شيحا، المرجع السابق، ص 345

33- عبد الحميد متولي، المرجع السابق، ص 34

34- منذر الشاوي، القانون الدستوري نظرية الدولة ، منشورات مركز البحوث القانونية،  بغداد، 1981 ، ص 271

35-  عادل الحياري، القانون الدستوري والنظام الدستوري، دراسة مقارنة، كلية الاقتصاد والتجارة، الجامعة الأردنية، الطبعة الأولى، د.س.ن، ص 564

36-  عبد الكريم علوان، المرجع السابق، ص 54

37- عبد الغني بسيوني، أسس التنظيم السياسي، "الدولة والحكومة"، الدار الجامعية، 1985، ص 123.




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .