أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-7-2017
1044
التاريخ:
10274
التاريخ: 4-7-2017
853
التاريخ: 12-3-2018
1314
|
الأسوار في العصر العباسي :
(1) أسوار مدينة بغداد المدورة :
سجل هذا العصر تطوراً ملحوظاً في اقامة المدن ذات الاستحكامات الدفاعية الكبيرة ، وكان من الطبيعي ان تكون عاصمة الخلافة التي شرع في انشائها الخليفة المنصور موضع الاهتمام الاكبر ، فقد جعل لمدينته ثلاثة أسوار تفصل بينها الفصـلان ، نبينها كما يأتي :
أ. السور الاول: وهو السور الخارج الذي يحاذي مسناة الخندق ويدور معها دورة كاملة مع أستدارة المدينة. ويفهم من النصوص التاريخية ان هذا السور كان أقل سمكاً وارتفاعاً من السور الثاني الذي يليه، فقد اطلق عليه اليعقوبي اسـم (السور) فقـط، فـي حين اطلق صفــة (الاعظم) على السور الثاني (1)، وذكر الطبري ان السور الداخل اكثر ارتفاعاً من السور الخارج (2).
وقد أغفلت تلك المصادر وصف هذا السور ، لذلك فأنه ليست لدينا معلومات تاريخية دقيقة عن قياساته ، الا ان الطبري اورد قياسات لاحد الاسوار يعتقد انها ربما تكون لهذا السور ( 3 )، فقد ذكر ان المنصور أمر بأن يجعل عرض السور من اسفله خمسين ذرعاً وقدر اعلاه عشرين ذراعاً ( 4 ). ويرى كريسول ان ارتفاع هذا السور لا يقل عن ( 24 ) ذراعاً( 5 )، في حين يعتقد هرتسفلد ان نسبة ارتفاع السور الاول الى الثاني هي اربعة الى خمسة ، وعلى هذا الاساس يرى ان ارتفاع السور الاول هو ( 28 ) ذراعاً ، وسمكه( 8 )اذرع ( 6 ).
ولهذا السور أربعة مداخل سميت بأسماء الاقاليم او المدن التي تتجه نحوها ، وهـي باب الكوفة ، وباب البصرة ، وباب خراسان ، وباب الشام ( 7 ). ومحور كل مدخل من هذه المداخل هو من النوع المنكسر او المزور .
وليس هناك من النصوص التاريخية ما يؤكد او ينفي وجود الابراج في هذا السور، إذ أن المصادر العربية لم تشر الى ذلك كما اشارت الى وجودها في السور الثاني . الا ان هرتسفلد لا يستبعد وجود مساند ومتكأت مستديرة كالتي في سامراء لأغراض بنائية وليس لأغراض عسكرية ( 8 ).
ويبلغ محيط هذا السور ( 20000 ) ذراع حسب رواية اليعقوبي ، اذ قـدر المسافة بين كل باب وآخر مـن أبواب هذا السور بخمسة الاف ذراع ( 9 ). بينما ذكر الخطيب ان المسافة بيـن كل باب وآخر هو ميل واحد ( 10 ) ( أربعة ألاف ذراع ) ( 11 ) فيكـون محيط السور حسب هذه الرواية ( 16000 ) ذراع .
وقد ذهب بعض المختصين الى ان وظيفة هذا السور لم تكن دفاعية محضة ( 12 )، وربما دفعهم الى ذلك ، ان هذا السور هو اقل ارتفاعاً من السور الثاني كما جاء في النصوص التاريخية . الا اننا نعتقد بالدور الدفاعي لهذا السور مستندين في ذلك على ما يأتي :
أولاً : ان الاستحكامات الدفاعية لمدينة بغداد المدورة تتكون اساساً من عدة خطوط دفاعية متتالية تكمل بعضها بعضاً ، ابتداءاً من الموقع الجغرافي الحصين ثم الخط الدفاعي الاول وهو الخندق ، ثم السور الاول ، ثم الفصيل الاول ، ثم السور الثاني . وان لكل خط من هذه الخطوط الدفاعية دوراً معيناً في عملية تحصين المدينة ، والسور الخارج احد هذه الخطوط .
ثانياً : ان ارتفاع السور الثاني اكثر من السور الاول لا يقوم دليلاً على ضعف الدور الدفاعي للسور الأول ، اذ ان مرد ذلك ان السور الأول ( في حالة تعدد الأسوار ) يجب ان يكون اقل ارتفاعاً من السور الثاني لكي لا يحجب الرؤية عن الجنود الرابضين فوق السور الثاني والمكلفين برصد تحركات القوة المهاجمة . وهي مسألة دفاعية محسوبة بدقة .
ثالثاً : ان اختيار تصميم المحور المزور لمداخل هذا السور دون عن مداخل السور الثاني يؤكد بشكل واضح الدور الدفاعي لهذا السور.
رابعاً : ان زيادة متانة السور الثاني اكثر من السور الأول مسألة طبيعية ، لأنه يمثل الخط الدفاعي الأخير للمدينة ، فإذا ما تمكن العدو من اجتياز الخطوط الدفاعيــة السابقة له ، استوجب ان يصــدهم السور الأخير ( الأكثر متانة ) لأطول فترة لإتاحة الفرصة أمام المدافعين من ان يعملوا على إيقاف زخم العدو ، وهذا لا يقلل من أهمية ودور الخطوط الدفاعية الأخرى .
ب. الفصيل الأول : وهو الشريط من الأرض المحصورة بين السور الأول والسـور الثاني . وقــد أطلقت عليه المصادر التاريخية اســم ( الفصيل ) ، وقد اختلفت هذه المصادر في تحديد عرض هذا الفصيل ، فاليعقوبي يحدده بمئة ذراع ( 13 )، اما الخطيب فيذكر ان عرضه هو ستون ذراعاً ( 14 ). والغاية من وجود هذا الفصيل هو لحماية السور بواسطة قوات عسكرية تدعم جنود السور وتزودهم باستمرار بما يحتاجون اليه من قوة ومؤونة وسلاح ( 15 ). وقد أمر المنصور ان يكون الفصيل خاليا من البناء ( 16 )، حتى يؤدي الغرض العسكري المطلوب .
وقد قسم هذا الفصيل الى أربعة أرباع بواسطة الرحبات الاربعة الممتدة بين مداخل السور الخارج والمداخل الاربعة المقابلة لها في السور الداخل ، طول كل رحبة منها ( 60 ) ذراعاً وعرضها ( 40 ) ذراعاً ، ويحدها من الجانبين جداران على كل منهما باب يؤدي الى ربع من الفصيل ( 17 ). والغاية من هذه الأبواب ، كما يرى احد الباحثين ، السيطرة على الفصيل ومنع الناس من الدخول عدا قادة الجيش والعسكريين ، ليأمن شر المخربين والجواسيس الذين قد يتسربون الى الجزء الخلفي من السور لو لم تكن تلك الابواب والحواجز موجودة( 18 ).
ج. السور الثاني: وهو السور الداخل ( 19 ). وقد اختلفت المصادر التاريخية في تحديد قياساته ، فيذكر اليعقوبي ان ارتفاع هذا السور هو (( ستون ذراعاً مع الشرفات )) ( 20 )، في حين يذكر الخطيب ان ارتفاعه ( 35 ) ذراعاً وعليه أبرجة ارتفاع كل منها فوق السور خمسة اذرع ، وعلى السور شرف ( 21 ). اما سمك هذا السور فهو عند اليعقوبي (90) ذراعاً عند الأسس ، أي الجزء الأسفل من السور ، و ( 25 ) ذراعاً في قمته ( 22 ). اما عند الخطيب فان السمك هو ( 20 ) ذراعاً ( 23 ).
يفهم من النصوص السابقة ، على الرغم من الاختلاف الواضح بينها ( وان كانت نصوص الخطيب اقرب الى الواقع ) ، ان هذا السور كان متيناً وضخماً .
وقد دعم هذا السور بعدد من الأبراج ، فقد جعل المنصور (( بين كل بابين ثمانية وعشرين برجاً الا بيــن باب البصرة وباب الكوفــة ، فانه يزيد واحداً ))( 24 ). وبهذا يكون عدد الأبراج ( 113 ) برجاً .
ولهذا السور أربعة مداخل ذات محور مستقيم تقابل المداخل الاربعة في السور الخارج ، اذ تربط بين كل مدخلين متقابلين رحبة طويلة. ويفضي كل مدخل الى (دهليز آزج ( * ) معقود بالآجر والجص طوله عشرون ذراعاً وعرضه أثنا عشر ذراعاً ) ( 25 ). وعلى كل مدخل بابا حديد (( جليلان عظيمان )) ( 26 ).
بنيت الأسوار باللبن ذات الحجم الكبير ، فقد ذكر الخطيب ان قياس اللبنة الواحدة هو ذراع في ذراع وقد اطلق عليه اسم اللبن الجعفري ، وتزن الواحدة منها ( 117 ) رطلاً ( 27 ). كما استخدمت الى جانبها قطع من اللبن أصغر حجماً قياسها نصف ذراع في ذراع ( 28 ).
وقد روعي في بناء السور عملية التراجع التدريجي الى الداخل كلما ارتفع البناء، ففي الثلث الاول مــن البناء جُعل فــي كل ساف مـن اسواف البناء ( 162000 ) لبنة ، ثم قُلص هذا العدد في الثلث الثاني الى ( 150000 ) لبنة ، ليتقلص مرة اخرى في الثلث الاخير ليصل الى ( 140000 ) لبنة ( 29 ). وهو ما يعرف بعملية ((السبط )) التي تحافظ على شاقولية البناء . والاقتصاد في المواد البنائية ، كما انها تخفف من ثقل السور على الاسس .
وقد اتفق رأي كل من هرتسفلد وكريسول بصحة ما ذكره الخطيب من اعداد اللبن في سافات بناء السور . ولما كان محيط السور هو ( 16000 ) ذراع ، لذلك يفترض هرتسفلد ان عرض السور كان ( 10 ) اذرع في الثلث الاول وبذلك يكون لها ( 160000 ) لبنة مضافاً الى ذلك ( 2000 ) لبنة تركت للأبراج . اما الـ( 150000 ) لبنة المستعملة في بناء الثلث الثاني من السور فتكّون سُمكاً قدره ( 9.25 ) اذرع يضاف اليها الفان للابراج ، اما الجزء العلوي من السور فكان سمكه ( 8.50 ) اذرع يضاف اليها ( 4000 ) لبنة للابراج والشرفات ( 30 ). وقـد أيد يعقوب ليسنر هذه الأرقام في سمك السور ( 31 ).
وكان من المألوف عند العرب وضع روابط خشبية بين سافات البناء عند بناء السور لتوثيق الربط وأحكام الصلة بين لبنات السور ( 32 )، إلا انه في أسوار مدينة بغداد جعلت هذه الروابط من حزم القصب بدلا من الخشب ( 33 ).
د. الفصيل الثاني : وهو الفصيل الداخلي ، ويحاذي السور الثاني من الداخل ويفصله عن المنطقة السكنية ، إذ انه بعد دهليز السور الثاني يفضي الداخل إلى رحبة مربعة عشرون ذراعاً في مثلها ، وعلى جانبي هذه الرحبة بابان احدهما على الجهة اليمنى والآخر على الجهة اليسرى ، ويؤدي كل باب منهما الى ربع الفصيل الثاني . ويبلغ عرضه من السور الى أفواه السكك ( 25 ) ذراعاً . واذا اجتاز الداخل هذه الرحبة وصل الى منطقة الطاقات والتي تمتد خلفها من جهتي اليمين واليسار ، المنطقة السكنية ، وتتضمن السكك والدور والشوارع ، وتنقسم هذه المنطقة الى اربعة اقسام ايضاً ، ويفصل هذه الاقسام الاربعة عن بعضها الطرق الاربعة النافذة من أبواب السور الثاني والتي تجتاز وسط الطاقات حتى تصل الى الرحبة المربعة الثانية التي تقع أمام كل مدخل من المداخل الاربعة للسور الثالث ( 34 ) الذي هو اشبه بحاجز يفصل المنطقة المركزية التي تضم قصر الخليفة والمسجد الجامع وملحقاتهما ، وهو لا يداني السورين الاول و الثاني من حيث المتانة والقوة والضخامة( 35 ).
ويبدو ان الخليفة المنصور ، رغم كل هذه الخطوط الدفاعية التي أقامها لحماية عاصمته ، قد ذهب في أجراءات الامن أبعد من ذلك تحسباً لأي مفاجأة غير سارة ، فقد أنشأ في مدينته نفقاً سرياً آمنا يؤدي بسالكه الى خارج المدينة . فقد روى الخطيب ان المنصور سأل يوماً احد أتباعه : (( يا ربيع هل تعلم في بنائي هذا موضعاً أن اخذني فيه الحصار خرجت خارجاً منه على فرسخين ، قال : لا . قال بلى ، في بنائي هذا أما أن أخذني فيه الحصار خرجت خارجاً منه على فرسخين )) ( 36 ).
ومهما يكن من أمر فأن مدينة المنصور المدورة تعد بحق نموذجاً للمدن ذات الاستحكامات الدفاعية العالية. وقد مرت هذه الاستحكامات بأول وأقسى تحد واجهته بعد اقل من نصف قرن من انشائها، فقد حدثت الحرب بين الاخوين الامين والمأمون سنة 197هـ (812 م ) ، وقرر الامين ان يحتمي بقصر المنصور داخل المدينة المدورة ، وجاءت جيوش المأمون بقيادة طاهر بن الحسين لتحاصر المدينة وتضرب اسوارها بالمنجنيق ، ودام الحصار قرابة السنة ، استطاعت هذه الاسوار ان تصمد بوجه جيوش المأمون رغم كل اعمال العنف والتخريب التي قام بها طاهر بن الحسين( 37 ) . كما استطاعت مداخل المدينة ان تصمد بوجه الهجمات المتتالية عليها، فعلى الرغم من وصول المهاجمين اليها الا انهم لم يتمكنوا من اقتحامها ( 38 ). وبقيت المدينة صامدة بفعل قوة ومتانة اسوارها وبقية استحكاماتها، حتى قرر الامين ان يغادرها بمحض ارادته ويسلم نفسه الى القائد هرثمة بن اعين حيث لقي نهايته ( 39 ).
ويبدو ان دور هذه الاسوار في الدفاع عن المدينة قد تراجع الى حد كبير بعد ان توسعت بغداد في القرون اللاحقة ، بحيث لم تعد مدينة المنصور تشكل الا محلة من محلات الجانب الغربي لمدينة بغداد ، عرفت بأسم محلة باب البصرة ( 40 ). ثم ان الفيضانات قد نالت من هذه الاسوار ما نالت ( 41 )، اذ تهدمت اجزاء كثيرة منها في أوائل القرن الرابع الهجري ( 42 ) ( العاشر الميلادي ) ، واندثرت تدريجياً بحيث لم يبق لها أثر يذكر .
2. أسوار بغداد الشرقية :
أ. سور المستعين :
سبق ان اشرنا الى المنصور انزل ابنه وولي عهده محمد المهدي عند قدومه من الري مع جنده سنة 151هـ ( 768م ) في الجانب الشرقي لنهر دجلة ( وبنى المنصور الرصافة وعمل لها سوراً وخندقاً ، ولم يستتم البناء الا في السنة الثانية من خلافة المهدي أي سنة 159هـ ( 776م ) . وقد عرفت ابتداءاً باسم عسكر المهدي ) ثم سميت بالرصافة ( 43 ). ولم تبين لنا المصادر التاريخية أبعاد هذا السور ولا هيئته.
وفي سنة 251هـ لجأ الخليفة المستعين الى بغداد قادماً من سامراء بعد ظهور الخلاف بينه وبين القادة الاتراك ، وأضطر الى تشييد سور جديد ليحيط بجانبي بغداد ( الشرقي والغربي ) . ويبدو لنا ان السبب الرئيس الذي دعا المستعين الى اقامة اسوار جديدة ، ليس فقط لان اسوار الرصافة كانت قد اندثرت ، اذ كان يمكن له ان يعيد بنائها على الاسس نفسها مما يوفر له الكثير من الوقت والجهد والنفقات ، انما السبب هو التوسع العمراني الذي اصاب شطري المدينة ، هذا التوسع الذي تجاوز حدود الاسوار القديمة والتي لم تعد تفي بالغرض الذي شيدت من اجله .
المعلومات التاريخية حول سور المستعين قليلة جداً . وهي بمجملها إشارات مقتضبة تحجم عن ذكر قياسات وإبعاد السور وعدد أبراجه وأشكالها. فقد ذكر الطبري ان المستعين أمر قائد جيشه محمد بن عبد الله بن طاهر بتحصين مدينة بغداد بجانبيها ((فأدار عليها سوراً ضخماً منيعاً بالآجر والجص، فصار السور وكأنه حلقة تحيط بمدينة بغداد بجانبيها الشرقي والغربي)) (44). الطرف الأعلى لسور الجانب الغربي يبدأ من ضفة دجلة عند فرضة الخندق ألطاهري متبعاً جانبه الأيمن حتى باب الانبار ومن ثم ينحرف إلى الجنوب الشرقي متبعاً ضفة نهر عيسى، ثم يلتقي ثانية بنهر دجلة بالقرب من قصر حميد بن عبد الحميد (احد قواد المأمون) الواقع على ضفة دجلة. أما سور الجانب الشرقي فكان يبدأ من ضفة دجلة قبالة قصر حميد مباشرة، وبعد مروره بـ(باب سوق الثلاثاء) يصل إلى (باب أبرز) ثم ينحرف الى الشمال الغربي فيسير بمحاذاة نهر دجلة من الشرق فيجتاز في طريقه (باب سوق الدواب) و (باب خراسان) ثم يسير بمحاذاة نهر السور فيصل الى ( باب البردان ) و من ثم يميل الى الغرب فيجتاز ( باب الشماسية ) وينتهي الى ضفة دجلة قباله فرضة الخندق الطاهري حيث يبدأ سور الجانب الغربي من المدينة ( 45 ).
لم تشر المصادر التاريخية الى طول السور او ارتفاعه او عدد الابراج الخاصة به ، ومع ذلك فلابد ان يكون السور عريضاً وقوياً ، فقد افادت المصادر التاريخية انه قد نصبت المجانيق والعرادات في اعلى السور . كما انه بلاشك كان عاليا ، اذ حاول العديد من الجنود المهاجمين تسلقه بواسطة الحبال والسلالم الخاصة بالأسوار ولم يفلحوا في ذلك ( 46 ).
وان كانت المصادر التاريخية قد ذكرت لنا أسماء ( 13 ) مدخلاً في هذه الأسوار ، ستة مداخل في سور الجانب الشرقي ، وسبعة مداخل في سور الجانب الغربي ، الا انها لم تبين لنا تصاميم تلك المداخل ، وهل هي من النوع المزور . إلا ان الطبري يذكر ان تلك المداخل كانت مدعمة بأبواب حديدية منزلقة ( 47 ).
وقد حُفر خندق حول كل من السورين ، وأمر قائد جيش المستعين بهدم ما وراء سور الجانب الشرقي من الدور والحوانيت والبساتين وقطع النخل والشجر وذلك من باب الشماسية والى ثلاثة أبواب هي باب البردان وباب خراسان وباب سـوق الدواب ( 48 ). ولا نعلم لم ترك ما يقابل ( باب ابرز ) وحتى نهاية السور في أقصى الجنوب ، ربما لانه لم يكن يقابل السور هناك مبان سكنية او حوانيت او غيرها من المبان العامة ، حيث لم يكن العمران في منتصف القرن الثالث الهجري قد أمتد إليها بعد ( 49 ). ولا شك ان سبب قطع الأشجار وهدم الدور خارج السور هو لرصد الأعداء بشكل جيد من قبل المدافعين، ولمنع العدو من اتخاذ تلك الدور والأشجار ستراً يستترون وراءه. كما أمــر قائد جيش المستعين بتشييد مظلات (( يأوي اليها الفرسان في الحر والامطار )) ( 50 ). الا اننا لا نعرف على وجه الدقة موقع تلك المظلات . ويرى د. عبد العزيز حميد انها لم تكن ملاصقة أو قريبة جداً من تلك الاسوار كي لا تحجب الرؤية بالنسبة للجنود المدافعين الموجودين في اعلى السور، ولا يستبعد انها قد أقيمت على الارض الواقعة بين السور والخندق ( 51 ). الا اننا نرى ان المسافة المحصورة بين السور والخندق ( ان وجدت اصلاً ) هي ضيقة جداً بحيث لا تكفي لتشييد مثل تلك المظلات ، ثم لا جدوى من تواجد الفرسان في هذه المنطقة اساساً ، لان الخندق يكون عائقاً امامهم وجدار السور خلفهم .
لقد كانت الاجراءات الدفاعية التي اتخذها جيش المستعين على اعلى المستويات ، فضلا عن الاستحكامات الدفاعية المقامة ، فقد زودت المداخل بالمجانيق والعرادات المختلفة ( 52 ). وقد ابلى هذا الجيش بلاءً حسناً في دفاعه عن المدينة ازاء الهجمات المتلاحقة لجيش سامراء ، الا ان هذا لا يعني ان جيش سامراء لم يكن قوياً او تنقصه العدة ، بل على العكس من ذلك ، فقد أستمر في شن الهجمات وعلى محوري أسوار بغداد الشرقية والغربية ، حتى تمكن مــن إحداث ثغرة في سور الجانب الغربي قرب ( باب القطيعة ) الا ان المدافعين تمكنوا من قتل الجنود الذين دخلوا من هذه الثغرة ( 53 ). ثم تمكن المهاجمون من ثقب السور مرة اخرى في موضعين قرب (باب بغواريا) في الجانب الغربي أيضا ودخلوا منهما وساروا بمحاذاة السـور حتى وافوا ( باب الانبار ) فاحرقوه واحرقوا ما كان عليه من المجانيق والعرادات ، ودخلوا بغداد حتى صاروا الى ( باب حربة ) فتصدى لهم محمد بن عبد الله مع جنده ووجه قواده الى ( باب الانبار ) و ( باب بغواريا ) وجميع الأبواب التي في الجانب الغربي وشحنها بالرجال ، وتمكنوا من إيقاف زخم الهجوم ورد المهاجمين . ثم أمــر بسد (باب الانبار) بالآجر والجص (54).
ومهما يكن من امر ، فان اسوار المستعين لم تدم طويلاً بعد تلك الحرب ، وان اخر إشارة اليها كانت في اواخر القرن الثالث الهجري ( 55 ).
ويبدو من سير المعارك التي دارت في بغداد سنة 330هـ (950م) بين أمير الامراء محمد بن رائق وبين عبد الله البريدي (الذي اصبح فيما بعد واليا على البصرة)، ان سور المستعين وصل حداً من التلف والخراب بحيث ان ابن رائق لم يستفد منه اطلاقا في تلك الحرب، مما اضطره الى التحصن في دار الخلافة ، ونصب المجانيق والعرادات على سور تلك الدار ( 56 ).
وقد اختلفت الآراء حول أسباب سرعة اندثار هذا السور ، ولا يمكن ان يعزى ذلك الى ان السور كان وقتياً وانه لم يكن متين البنيان ، كما يرى لسترنج ( 57 )، اذ ان هــذا السور كان مشيداً بالآجر ، وكان عريضاً وعالياً كما ذكره قائد جيـش سامراء ( 58 ). وقد أُنفق عليه الكثير من الاموال بلغت ( 330000 ) دينار ( 59 )، وهو مبلغ كبير جداً اذا ما قورن بالأجور والأسعار في ذلك الوقت ( 60 ).
في حين يرى ماسنيون ان زوال سور المستعين بهذه السرعة أمر يستدعي الكثير من التمهل ، فهو يعتقد ان السور في واقع الأمر لم ينقض او يزول ، إذ ان السور الجديد الذي شُيد فيما بعد حول مدينة بغداد هو في الواقع نفسه سور المستعين القديم مع شئ من الإضافات والتجديدات ، وانه نفس السور الذي شاهده ابن جبير عند زيارته لبغداد في سنة 580هـ ( 1184م ) . ويضيف الى ما تقدم بان هذا السور قد أستمر يحيط بمدينة بغداد حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر ( 61 ) إلا ان هذا الرأي لا يمكن قبوله ، ذلك لآن تبدلاً حقيقياً قد حدث في خارطة بغداد من ناحيتها الشمالية حتى صار موقع الشماسية بعيداً باتجاه الشمال ، في حين ان المدينة أمتدت باتجاه الجنوب بسبب توسع دار الخلافة ، وظهور محلات جديدة وكبيرة ملاصقة لها باتجاه الشرق والجنوب ،ففي حين كانت نهاية سور المستعين عند موقع المدرسة المستنصرية الحالية ، صارت نهاية السور الذي شاهده ابن جبير عند موقع الباب الشرقي ( 62 ).
ويرى المرحومان الدكتور مصطفى جواد والدكتور احمد سوسة ان سور المستعين قد تهدم ، اما تعفيا وتهدماً وإما نقض قصداً ( 63 ).
وجاءت أحدث هذه الآراء واجمعها من الدكتور عبد العزيز حميد الذي يرى ان أسباباً كثيرة تقف وراء اندثار هذا السور وزواله ، وربما من أهمها أنتهاء السبب الذي شُيد من اجله ، وهي الحرب بين المعتز والمستعين ، فلم يعد أهل بغداد ولا السلطة تنظر اليه بارتياح لما يذكرهم به من الأيام العصبية التي مرت ، ثم ان قسماً من السور لابد ان يكون قد تصدع أو تضرر نتيجة لتلك الحرب ، كما ان الفيضانات التي اجتاحت بغداد قد قوضت أجزاء كبيرة من السور . ولما كان السور مشيداً بالآجر ، فلا شك ان الناس ، وربما السلطة قد نقضت معظم ما تبقى من أجزاءه للاستفادة من آجره في بناء العمارات العامة او الدور والمساكن ( 64 ).
____________
( 1 ) اليعقوبي : البلدان ، ص 8 .
( 2 ) الطبري : تاريخ ، ج6 ، ص 256 .
( 3 ) لسترانج ، كي : بغداد في عهد الخلافة العباسية . ترجمة بشير فرنسيس ، المطبعة العربية بغداد ، ص 27 . العميد : بغداد مدينة المنصور المدورة ، ص 217 .
( 4 ) الطبري : تاريخ ، ج6 ، ص 238 .
( 5 ) Creswell : op . cit . vol . II P.11.
( 6 ) Sarre und Herzfeld , op.cit . Band II . P. 119 .
( 7 ) اليعقوبي : البلدان ، ص 8 .
( 8 ) Sarre und Herzfeld : op. cit . Band II . P. 119 .
( 9 ) اليعقوبي : البلدان ، ص 8 .
( 10 ) الخطيب : تاريخ ، ج1 ، ص 71 – 72 .
( 11 ) الميل كما جاء في معجم البلدان هو اربعة الاف ذراع . ياقوت: معجم، ج1، ص 36.
( 12 ) العميد : المصدر السابق ، ص 218 .
( 13 ) اليعقوبي : البلدان ، ص 8 .
( 14 ) الخطيب : تاريخ ، ج1 ، ص 74 .
( 15 ) البكري : المصدر السابق ، ص 347 .
( 16 ) الخطيب : تاريخ ، ج1 ، ص 73 .
( 17 ) المصدر نفسه ، ص 74 .
( 18 ) البكري : المصدر السابق ، ص 347 .
( 19 ) الخطيب : تاريخ ، ج1 ، ص 74 .
( 20 ) اليعقوبي : البلدان ، ص 8 .
( 21 ) الخطيب : تاريخ ، ج1 ، ص 74 .
( 22 ) اليعقوبي : البلدان ، ص 8 .
( 23 ) الخطيب : تاريخ ، ج1 ، ص 74 .
( 24 ) المصدر نفسه ، ج1 ، ص 72 .
( * ) الازج بيت يبنى طولاً ويقال له بالفارسية اوستان . ابن منظور: لسان العرب، مادة (آزج) .
( 25 ) المصدر نفسه ، ج1 ، ص 74 .
( 26 ) اليعقوبي : البلدان ، ص 8 .
( 27 ) الطبري : تاريخ ، ج7 ، ص 652 . الخطيب: تاريخ، ج1، ص 72 .
( 28 ) اليعقوبي : البلدان ، ص 7 .
( 29 ) الخطيب : تاريخ ، ج1 ، ص 72 .
( 30 ) Sarre und Herzfeld : op. cit , Band II . pp. 108 – 109 , 121 . Cresswell. op . cit . vol. II . p. 8 .
( 31 ) ليسنر : المصدر السابق ، ص 146 .
( 32 ) العميد : المصدر السابق ، ص 244 .
( 33 ) الطبري : تاريخ ، ج6 ، ص 238 .
( 34 ) الخطيب : تاريخ ، ج1 ، ص 76 .
( 35 ) العميد : المصدر السابق ، ص 247 .
( 36 ) الخطيب : تاريخ ، ج1 ، ص 77 .
( 37 ) الطبري : تاريخ ، ج8 ، ص 447 ، 459 ، 473 .
( 38 ) ابن الاثير : الكامل ، ج6 ، ص 280 .
( 39 ) الطبري : تاريخ ، ج8 ، ص 487 .
( 40 ) حميد : المصدر السابق ، ص 356 .
( 41 ) أنظر سوسة : فيضانات بغداد في التاريخ ، ص 340 – 344 .
( 42 ) جواد وسوسة : دليل خارطة بغداد ، ص 148 .
( 43 ) المصدر نفسه : ص 107 .
( 44 ) الطبري : تاريخ ، ج9 ، ص 286 .
( 45 ) جواد وسوسة : المصدر السابق ، ص 119 .
( 46 ) حميد : المصدر السابق ، 358 .
( 47 ) الطبري : تاريخ ، ج9 ، ص 288 .
( 48 ) المصدر نفسه ، ج9 ، 303 .
( 49 ) حميد : المصدر السابق ، ص 358 .
( 50 ) الطبري : تاريخ ، ج9 ، ص 286 .
( 51 ) حميد : المصدر السابق ، ص 358 – 359 .
( 52 ) الطبري : تاريخ ، ج9 ، ص 288 .
( 53 ) المصدر نفسه ، ج9 ، ص 312 – 313 .
( 54 ) المصدر نفسه ، ج9 ، ص 331 .
( 55 ) سهراب : عجائب ، ص 130 – 131 .
( 56 ) القرطبي ، عريب بن سعد : صلة تاريخ الطبري ، تحقيق ابو الفضل ابراهبم ، دار المعارف ، القاهرة ، ص 331 . حميد : المصدر السابق ، ص 366 .
( 57 ) لسترنج : المصدر السابق ، ص 49 .
( 58 ) يذكر ان المعتز كتب الى قائد جيشه ، يلومه للتقصير في قتال اهل بغداد فأجاب القائد على كتاب المعتز بجواب على شكل قصيدة ، جاء فيها على ذكر السور والخندق :
وسور عريض له ذروة تفوت العيون وبحر عميق
الطبري : تاريخ ، ج9 ، ص 316 .
( 59) المصدر نفسه ، ج9 ، 287 .
( 60 ) حميد : المصدر السابق ، ص 365 .
( 61 ) مقدسي ، د. جورج : خطط بغداد في القرن الخامس الهجري . ترجمة د. صالح احمد العلي ، مطبعة المجمع العلمي العراقي بغداد ، 1984 . ص 10 .
( 62 ) حميد : المصدر السابق ، ص 367 .
( 63 ) جواد وسوسة : المصدر السابق ، ص 148 .
( 64 ) حميد : المصدر السابق ، ص 367 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|