ذكر الوعيد والوعيد تأكيدا للدعوة وتسلية للنبي
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 3، ص296-299.
2025-10-05
215
ذكر الوعد والوعيد تأكيدا للدعوة وتسلية للنبي
قال تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ} [هود : 25 - 28].
قال الشيخ الطبرسيّ : لما تقدم ذكر الوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب ، عقب ذلك سبحانه بذكر أخبار الأنبياء ، تأكيدا لذلك ، وتخويفا للقوم ، وتسلية للنبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ، وبدأ بقصة نوح عليه السّلام فقال : {لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ } وقد مر بيانه.
أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ أي : أنذركم أن لا تعبدوا إلا اللّه ، عن الزجاج ، يريد أن توحدوا اللّه وتتركوا عبادة غيره.
وبدأ بالدعاء إلى الإخلاص في العبادة.
وقيل : إنه دعاهم إلى التوحيد ، لأنه من أهم الأمور إذ لا يصح شيء من العبادات إلا بعد التوحيد .
{إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } إنما قال أَخافُ مع أن عقاب الكفار مقطوع عليه ، لأنه لم يعلم ما يؤول إليه عقابة أمرهم ، من إيمان أو كفر ، وهذا لطف في الاستدعاء ، وأقرب إلى الإجابة في الغالب فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ أي : من قوم نوح لنوح عليه السّلام : ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا ظنا منهم أن الرسول إنما يكون من غير جنس المرسل إليه ، ولم يعلموا أن البعثة من الجنس قد تكون أصلح ، ومن الشبهة أبعد وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا أي : لم يتبعك الملأ ، والأشراف ، والرؤساء منا ، وإنما اتبعك أخساؤنا الذين لا مال لهم ، ولا جاه بادِيَ الرَّأْيِ أي : في ظاهر الأمر ، والرأي ، لم يتدبروا ما قلت ، ولم يتفكروا فيه .
وقال الزجاج : معناه اتبعوك في الظاهر ، وباطنهم على خلاف ذلك.
ومن قرأ بالهمز : فالمعنى أنهم اتبعوك ابتداء الرأي أي : حين ابتدأوا ينظرون ، ولو فكروا لم يتبعوك . وقيل : معناه إن في مبتدأ وقوع الرؤية عليهم يعلم أنهم أراذلنا وأسافلنا وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ أي : وما نرى لك ولقومك علينا من فضل ، فإن الفضل إنما يكون في كثرة المال والمنزلة في الدنيا ، والشرف في النسب ، وإنما قالوا ذلك لأنهم جهلوا طريقة الاستدلال ، ولو استدلوا بالمعجزات الدالة على نبوته ، لعلموا أنه نبي ، وأن من آمن به مؤمن ، ومن خالفه كافر ، وعرفوا حقيقة الفضل ، وهكذا عادة أرباب الدنيا ، يستحقرون أرباب الدين إذا كانوا فقراء ، ويسترذلونهم ، وإن كانوا هم الأكرمين الأفضلين عند اللّه سبحانه بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ هذا تمام الحكاية ، عن كفار قوم نوح ، قالوه لنوح ، ومن آمن به قالَ نوح لقومه يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي أي : على برهان وحجة يشهد بصحة النبوة وهي المعجزة .
وقال ابن عباس : على بينة ، أي : على يقين وبصيرة ، ومعرفة من ربوبية ربي وعظمته . واختلف في قول نوح عليه السّلام هذا أنه جواب عماذا ، فقيل : إنه جواب عن قولهم : بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ فكأنه قال : بل هو جواب عن قولهم : ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا أي : وإن كنت بشرا فما ذا تقولون إذا أتيتكم بحجة دالة على صدقي ألا تصدقوني ؟
وفيه بيان أن الرسالة إنما تظهر بالمعجزة ، فلا معنى لاعتبار البشرية .
وقيل : هو جواب عن قولهم ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا فكأنه قال أنهم اعتصموا باللّه ، وبما آتاهم من البينة والرحمة ، فنالا بذلك الرفعة والفضل ، وأنتم قنعتم بالدنيا الدنية الفانية ، فأنتم في الحقيقة الأراذل لا هم .
وقيل : هو جواب عن قولهم : وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فكأنه قال : لا تتبعوا المال والجاه ، فإن الواجب اتباع الحجة والدلالة . ويجوز أن يكون جوابا عن جميع ذلك .
وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ رد عليهم بهذا جميع ما ادعوه . والرحمة والنعمة هي ههنا النبوة أي وأعطاني نبوة من عنده فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أي :
خفيت عليكم لقلة تدبركم فيها. { أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ } أي :
أتريدون مني أن أكرهكم على المعرفة ، وألجئكم إليها ، على كره منكم ؟ هذا غير مقدور لي . والهاء كناية عن الرحمة ، فيدخل فيها النبوة ، والدين ، وسائر النعم . وقيل : معناه أنلزمكم قبولها ، فحذف المضاف . ويجوز أن يكون الهاء كناية عن البينة . ويكون المراد : إن علي أن أدلكم بالبينة ، وليس علي أن أضطركم إلى معرفتها « 1 ».
___________________
( 1 ) مجمع البيان : ج 5 ، ص 264 - 265 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة