ضلال الوهّابيّة في فهم الحقائق القرآنيّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج5/ص159-162
2025-12-21
28
إنّ التعبّد بالمعاني المتعارفة والمستعملة للآيات القرآنيّة التي يتداولها الناس في محادثاتهم ومحاوراتهم اليوميّة يُفقد الكتاب الإلهيّ شأنه تماماً؛ ويبدّل هذه الآيات العالية والرفيعة بمحمولات دانية ومعان مبتذلة. وهذا التعبّد لا ينسجم مع تعليم القرآن الذي يدعونا إلى الجدّ والاجتهاد والتنقيب والتعقّل والتفكّر. فالابتعاد عن العرفان الإلهيّ، ومقام الولاية، والسير العمليّ في عوالم الحبّ والاتّصال بالباطن، والاحتراز من العلوم العقليّة والبراهين الفلسفيّة والقواعد الحِكَميّة، هو الذي يسبّب لنا هذه الكوارث.
لقد أراد ابْنُ تَيْميَّة أن يستهدي بالقرآن والسُنَّة غير أنه ضلّ سبيله؛ ولذلك تزهق روحه في الفيأي المجدبة بكبد ملتهب، وقلب ذائب منصهر متحسّراً متأوّهاً على ما فرّط في جنب الله وجنب رسوله إذ يفتي بعدم قصر الصلاة للمسافر الذي يقصد المدينة لزيارة قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.[1] لأنّ هذا السفر سفر معصية، وزيارة رسول الله بدعة. أليس هذا تفتيتاً للكبد ومسكنةً للروح أن يقول الإنسان: أنّ السفر للنزهة والتفرّج ولأي ضرب من ضروب اللذّة والسعادة؛ أو السفر إلى أيّ بقعه من بقاع العالم للتجارة حلال، ويقصر المسافر صلاته فيه؛ أمّا السفر إلى المدينة لزيارة قبر رسول الله فإنّه حرام، ويتمّ المسافر صلاته في هذا السفر؟!
أنّ هؤلاء يريدون أن يبلغوا القرآن ولا يتجاوزوه؛ إلّا أنّ أدمغتهم المتحجّرة تزيّن لهم أن يسلّوا سيوفهم على المسلمين بذريعة محاربة الشرك الذي ينهجونه في حياتهم، بزعمهم، ويُنشئوا حمّاماً من الدم في الحجاز، ونجد، ومكّة، وجدّة، والعراق، وسوريا وغيرها من الأقطار، ويذبحوا الأطفال الرضّع، ويرتكبوا من الجرائم ما يُبيّضوا به وجه المغول، وقد بيّضوه حقّاً؛ وبعد هذا كلّه يزعمون أنّ هذه الأعمال الإجراميّة تمثّل الدعوة إلى التوحيد؛ وهل أنّ تكفير المسلمين جميعهم هو التوحيد! وهل أنّ إباحة سفك الدماء البريئة للمسلمين هي التوحيد؟ هذه هي طريقة الوَهَّابِيَّة التي ابتدعها مؤسّسها محمّد بن عبد الوهّاب، ووضع لبناتها الاولى ابن تيميّة قائدها الفكريّ الأوّل.
وعلى كلّ من أحبّ الاطّلاع الكأي على الوهّابيّة، أن يطالع الكتب التي تتحدّث عنها وعن تأريخ رجالها، لكي يعلم أنّ الابتعاد عن ولاية الإمام الصادق ومذهبه الحقّ يولّد هذه المسكنة.
ولكم أن تطالعوا كتاب: «كَشْف الارْتياب في أتباع محمّد بن عبد الوهّاب» للمرحوم السيّد محسن الأمين العامليّ؛ وكتاب: «هَذِهِ هِيَ الْوَهَّابِيَّةِ» للشيخ محمّد جواد مغنية حتى تطّلعوا على سخافة هؤلاء القوم وحماقتهم.
أنّ من أراد أن يستهدي بالقرآن دون الاستضاءة بأهل البيت فإنّ عاقبته أنه يُمنى بمثل هذه الأباطيل والتخرّصات. فحبّة الفيروز وجوهرة الماس ينبغي شراؤها من بائع المجوهرات، لا من بائع الخضروات.
أنّ المواضيع التي ذكرناها حول توحيد الذات، وتوحيد الصفات، وتوحيد الأفعال سواء في هذا الكتاب أو في غيره، أو في هذا الدرس على نحو الخصوص هي من فيوضات رافعي لواء مدرسة التشيّع، وحملة لواء الحمد ومقام الشفاعة، على بن أبي طالب وأبنائه الأمجدين. وقد نقلناها عن «التوحيد» للشيخ الصدوق، و«عيون الأخبار»، و«نهج البلاغة» وغيرها.
وما قدّمناه من آراء العرفاء الكبار والحكماء العظام الذين ظفروا بهذه النقاط الدقيقة والعميقة بسبب اتّباعهم لهذه المدرسة، نقلناها عنهم نصّاً.
ولكم أن تقارنوا بينها وبين آراء الوهّابيّة وأفكارها سواء في اصول العقائد كالتجسيم، أو في الفروع كالحكم بحرمة زيارة رسول الله، أو في العمل كرفع الحراب وارتكاب جرائم القتل بأقسى شكل متصوّر، وذلك كلّه يجري باسم الله، وباسم رسول الله، قارنوا لتروا بعد ما بينهما: {وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ}.[2]
تقول الوَهَّابِيَّة: أنّ النور المذكور في القرآن هو النور الظاهريّ؛ والظلمة هي نفسها؛ ولا معنى للمعاني الباطنيّة والتأويل والتفسير؛ وينبغي أن نأخذ بظاهر القرآن فحسب؛ وهذا هو الطريق لا غير.
فانظروا ما ذا أفرزت هذه الأفكار السقيمة من المفاسد العظيمة سواء على الصعيد العقيديّ أو على صعيد الأحكام العمليّة والمسائل الفقهيّة.
ومن المناسب هنا أن ننقل قصّة مأثورة عن استاذنا فقيد العلم والعرفان آية الله العلّامة الطباطبائيّ رضوان الله عليه ونختم بها موضوعنا هذا.
فقد نقلها لنا قبل ما يقارب خمس عشرة سنة،[3] فقال: قبل مدّة جاءنا العميد قريب، ونقل لنا قصّة وقعت له في مناسبة من المناسبات وهي معجبة ومسرّة للغاية.
[1] «رحلة ابن بطوطة» ص 96.
[2] الآية 40، من السورة 24: النور.
[3] تاريخ كتابة هذه القصّة يعود إلي عيد الفطر من سنة 1403 هجريّة ولذلك فإنّ القصّة وقعت قبل ما يقارب خمس عشرة سنة، أي: حوالي سنة 1388 هجريّة.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة