x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
قصة صالح
المؤلف: د. محمود البُستانِي
المصدر: دراسات فنية في قصص القران
الجزء والصفحة: ص447-454.
2-06-2015
2532
تبدأ قصة صالح مع قومه [في سورة النمل] على هذا النحو :
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا
اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } [النمل : 45]
مع هذه البداية القصصية التي استهلها النص بإرسال صالح ـ عليه السلام
ـ إلى قومه ، تستوقفنا سمة فنية هي : إن قوم صالح ـ عليه السلام ـ قد انشطروا
فريقين يخاصم أحدهما الآخر.
هذا يعني ـ من الزاوية الفنية ـ ان القصة قد اختزلت ، أي : حذفت
تفصيلات العمل الرسالي الذي اضطلع به صالح ، بحيث أنهتنا إلى نقطة معينة. تبدأ
احداث القصة بها ، وهي : ان صلح ـ عليه السلام ـ قد نهض بمهمته الاصلاحية ، وإلى
انه قد أفلح في هداية فريق من قومه ، وإلى ان فريقا آخر قد ظلوا على غوايتهم.
القصة ، لم تتحدث بهذا التفصيل مباشرة. لكنها ، عندما قالت لنا : { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ
} ، حينئذ نستنتج ـ وهذه هي سمة الفن ـ أن الموقف قد انتهى إلى صورته
المذكورة.
والآن : وقد أنهت القصة الموقف على هذا النحو ، ماذا يواجهنا من جديد
فيها ؟
لنتابع قراءة القصة :
{قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ
الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل : 46]
هنا ، نواجه سمة فنية جديدة من سمات العرض القصصي ، وهي : ان القصة
وجهت ـ على لسان صالح ـ عليه السلام ـ ـ إلى قومه سؤالا هو : لم تستعجلون بالسيئة
قبل الحسنة؟ ثم طالبهم صالح بالاستغفار ، لعلهم يرحمون.
وقد يعني ، أن هناك تفصيلات قد حذفت ، وترك للقارئ والسامع أن
يستخلصها ـ بطريقة فنية ، من الممكن أن نتعرفها على هذا النحو.
إن السؤال الذي وجهه صالح إلى قومه ، يخص الفريق الذي لم يستجب
للرسالة ، وإلى ان هذا الفريق فيما يبدو قد حذره صالح ـ عليه السلام ـ من انزال
العقاب عليه ، وإلى انهم قد استهزؤا بهذا التحذير ، إلى الدرجة التي طالبوا بها
صالح بإثبات حجته في نزول العذاب ، وإن صالحا قد طالبهم بالاستغفار بدلا من التعجل
بنزول العذاب.
هذه التفصيلات جميعا ، لا وجود لها في القصة ،… لكن القارئ يستخلصها
استخلاصا لمجرد أن القصة تكفلت ـ بطريقة فنية ـ حمل القارئ على هذا الاستنتاج ، من
خلال هذه الآية المحتشدة بكل سمات الفن :{قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} [النمل : 46]
بدلا ، من أن يذعن السفهاء ، لنصيحة صالح ، نجدهم يركبون رؤوسهم من
جديد ، مصرين على تمردهم ، معلنين عن الأعراض المرضية التي تغلف نفوسهم ،… معلنين
عنها بمثل هذه الأقوال المفصحة عن تفاقم حالتهم العقلية :
{قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} [النمل : 47]
هذه الإجابة ، أو القول : تكشف عن حقائق مهمة في حقل السمات الفنية
والنفسية في القصة.
فمن الناحية النفسية ، كشف القوم المتمردون عن انهم (مرضى) لا
يمتلكون سمات الشخصية السوية السليمة. ولا عجب في ذلك ، فالمتمرد على رسالة السماء
ـ أيا كانت سمات تمرده ـ لابد أن يعاني مركبات وعقدا من النقص ، والشك ، والتردد ،
وما إلى ذلك من سمات المرض.
ولا أدل على مرض مثل هؤلاء المنعزلين عن السماء ،… لا أدل على مرضهم
من اعترافهم أنفسهم بذلك ،… فقد خاطبوا (صالحا) بقوله :
{اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} [النمل : 47]
فالمعروف ، ان (الطيرة) و(الوسوسة) ونحوهما ، تعد في الصميم من دائرة
الأمراض النفسية أو العقلية التي تعرفها جيدا لغة علم النفس المرضي.
ولذلك ، فإن المشرع الإسلامي ، يقدم لمثل هؤلاء المرضى توصيات يعالج
بها حالاتهم المرضية من نحو التوصية القائلة :
[إذا تطيرت ، فامض].
أي : لا تسمح بالوساوس ، والأوهام لأن تسيطر عليك ، بل تجاوزها.
غير ان مثل هذه النصيحة أو التوصية إنما تنجع في حالات العابر ،… أما
إذا استفحلت في أعماق صاحبها ، فإن المعالجة تصبح من الصعوبة ، بمكان.
والمهم ، أن المتمردين ، أو المرضى من قوم صالح عليه السلام ، عندما
دعاهم إلى (الله) وإلى رسالته ،… كشفوا عن حالتهم المرضية ، واعلنوها بوضوح ،
حينما خاطبوه بانهم (متطيرون) منه.
والسؤال بعيدا عن سمة (التطير) المرضية ـ ، هو :
هل ان القوم شاهدوا بعض الظواهر التي جعلتهم (يتطيرون) فعلا؟
النص القصصي ساكت عن ذلك. إلا ان هذا الصمت [سمة فنية] ، في الواقع ،
لان القصة تطالبنا ـ نحن القراء ـ بان نستكشف بان هناك ظواهر أو حوادث قد اقترنت
وتزامنت مع الرسالة الخيرة التي دعاهم إليها صالح عليه السلام.
وفعلا ، فإن النصوص المفسرة ، تقول لنا : ان المطر قد انقطع عنهم
فترتئذ ، ولفتهم المجاعة.
إن السؤال الذي غاب عن اذهان هؤلاء (المتطيرين) ، المرضى ، هو : هل
ان القحط ظاهرة (طبيعية) لا صلة لها بالسماء؟
وإذا كان الأمر كذلك : فما هي صلة الرسالة الخيرة : بها حتى يعاتبوا
صالحا بذلك ؟
وإذا كان الأمر متصلا بمجرد وجود شخصية تحمل رسالة خيرة ، وان
بالإمكان أن يرتبط القحط والخصب بشخص أو بآخر ، فهذا يعني ان كل حوادث الحياة
المتنوعة ستخضع لوجود هذا الشخص أو ذاك : الأمر الذي سيعطل كل استقرار في الحياة ،
ويشغل الآخرين باستنتاجات وتداعيات ذهنية يفسرون بها كل حركة وفق الشؤم أو السعد
،… وهذا هو حالة المرضى الذين يعانون من تسلط الوسوسة والطيرة عليهم.
إذن : قوم صالح ـ ونعني بهم ، المتمردين ، أو المرضى ـ عندما قالوا
له : [انا تطيرنا بك] ، لم يكن تطيرهم مستندا إلى أية حقيقة يعتد العقلاء بها ،
بقدر ما يفضح عن سمات المرض التي غلفت شخوصهم.
وهنا ينبغي ان نلتفت إلى سمة فنية ، نستكشفها بوضوح من خلال الإجابة
(اطيرنا بك ، وبمن معك). فهذه الإجابة تكشف عن وجود [الفريق المؤمن] الذي أشارت
إليه القصة في بدايتها عندما قالت : {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } [النمل : 45]
وها هو الفريق الثاني [الفريق المؤمن] يظهر على حركة القصة ، معلنا
عن فاعليته في سير الأحداث ، بعد ان كان الفريق الأول [وهو : الفريق الكافر ،
المتمرد ، المريض] قد أعلن عن هويته منذ اللحظات الأولى من حركة القصة ، فيما
انتهى إلى هذا الموقف (المتطير) الذي يفصح عن درجة المرض الخطير لديه ، على نحو ما
فصلنا الحديث عنه.
والآن : بعد ان لحظنا جانبا من السمات النفسية ، والسمات الفنية التي
كشف القصة عنها في فقرة حوارية واحدة هي : { قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} [النمل : 47] .
حينئذ ، يجدر بنا ان نتابع القصة في احداثها اللاحقة. وفي مقدمتها :
جواب صالح عليه السلام ، وطريقة تعامله مع مرضى يغلفهم المرض النفسي الخطير من
جانب ،… ويغلفهم جهل مطبق من جانب آخر. ثم نتائج هذا المركب من المرض والجهل ، من
جانب ثالث ، فيما يعكس آثارا خطيرة على إحداث القصة ، كما سنرى.
عندما تطير قوم صالح ـ عليه السلام ـ من رسالته الخيرة ، ومن
المؤمنين الذين واكبوا رسالته… عندما تطير القوم من ذلك ، إنما كان تطيرهم ـ كما
أوضحنا مفصلا ـ ناتجا عن سمة مرضية ، وليس عن دراسة ، أو استنتاج منطقي.
مما لا شك فيه ، ان السماء تتعامل مع الآدميين وفقا لمصالح خاصة
يفرضها هذا السياق أو ذاك. فالسماء قد تغمر الأرض بالخصب : حتى للمتمردين على
أوامرها ،… وقد تقطع الخصب عنهم : عقابا على سلوكهم. وقد تجعل الخصب مستمرا دون
انقطاع : ليزدادوا إثما ،… وهكذا.
المهم ، ان صالحا ـ عليه السلام ـ قد حذرهم من نزول العذاب ـ كما
استنتجنا فنيا ـ ، وإلى انهم [ونعني : المتمردين] قد تعجلوه بالعذاب قبل نزوله.
وقد دبت في حركة القصة ، إرهاصات : لعلها [من الناحية الفنية] تمهد
لعذاب لاحق ، أو بالأحرى : تعلن عن إشارة خطر من الممكن ان تحمل القوم على التدبر
، والمراجعة ، بدلا من ركوب الذات.
ولا نستبعد ـ حينئذ ـ ان يكون (القحط) أو انقطاع المطر نذيرا أو
مؤشرا في هذا الصدد.
ولذلك ، نجد صالحا ـ عليه السلام ـ يخاطب الذين تطيروا به وبجماعته
المؤمنين ،… يخاطبهم ، مجيبا على تطيرهم بما يلي :
{ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } [النمل : 47]
وهذه الإجابة تحسم كل شيء.
فقد مسح صالح ـ عليه السلام ـ بهذه الإجابة ، كل دلالة (للتطير) في
نطاقه الذي صدر القوم عنه ، واكسبه دلالة أخرى هي : الاختبار. الفتنة ، الامتحان ،
المؤشر ، الإنذار.
أوضح لهم ، أن السماء هي مالكة الأمر ، وانها ـ تخصب الأرض أو تمحلها
ـ ، أو تشبع القوم أو تجيعهم… كل ذلك : من أجل اختبارهم في طاعة الله أو معصيته.
المهم ، ان إجابة صالح عليه السلام ، ومن قبل ذلك : تطير القوم به ،
وبجماعته المؤمنين ،… إنما شكلت تمهيدا لأحداث لاحقة ، سنتعرف عليها الآن. وهي
أحداث ، تكشف لنا عن أن القوم لم تجدهم النصيحة ، ولم يحركهم النذير… بل كانوا
حصيلة مرض نفسي من جانب ، وجهل مطبق من جانب آخر ،… حتى اقتادهم الأمر : نتيجة هذا
المركب : المرض والجهل ، إقتادهم إلى ان يمارسوا ، أو أن يفكروا بتدبير جريمة حيال
صالح عليه السلام ، على ما يكشف عنه : الجزء اللاحق من القصة.
يبدأ القسم الجديد ، من قصة صالح عليه السلام ، على هذا النحو الذي
تبدأ الاحداث معه ـ بما يسمى ـ في لغة الأدب القصصي ـ بـ(التأزم) : تبدأ الاحداث
في منعطفها الجديد ، أولا بهذا النحو :
{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا
يُصْلِحُونَ } [النمل : 48]
ثم يبدأ تأزم الاحداث على هذا النحو :
{قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ
لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [النمل : 49]
ان القارئ أو السامع ، لم يكن ليتوقع : أن تجري الاحداث بهذه السرعة
، وان تتصاعد بهذا النحو الذي طبعته مرحلة (التأزم).
فالقوم ، كانوا متطيرين من رسالة صالح وجماعته الذين آزروه.
وصالح عليه السلام ، أجابهم بان طائرهم عند الله ، وأنهم يفتنون ،…
بحادثة انقطاع المطر وما استتلاه من مجاعة مثلا.
ولكن : فيما يبدو أن القوم لم يرعوا ، ولم يفقهوا مثل هذا النذير. أو
بالأحرى : ما داموا مرضى ، فان المريض قد يقدم على ممارسة جريمة ما : عندما تتصاعد
حالته المرضية ،… وعندما يصاحبها بخاصة (جهل) بحقائق الأمور. وعندها ، نتوقع [وهذا
ما يلحظه كل من رصد تحركات المرضى والعصابيين] نتوقع أن يقدم المريض أو المنحرف
على التفكير بأية جريمة تخفف وطأة التمزق في أعماقه.
ويبدو ان هناك شخصيات منحرفة بلغت درجة انحرافها قمة المرض. وكان
عددهم تسعة انفار يجسدون ـ في عددهم ـ نموذجا أعلى للشخصيات اللاإجتماعية ، أو ما
يسمى في بالمسؤولية ـ ، ولا تقيم وزنا للثواب والعقاب الاجتماعيين ، ونعني بهما :
القوانين الرسمية أو العادات والتقاليد والاعراف الاجتماعية ،… مثل هذه الشخصيات المنحرفة
تمثل عددا ضئيلا : تعزلهم الدوائر الرسمية في جناح خاص من مؤسساتها حتى تتخلص من
شرورهم. وقد يصعدون في غفلة من الزمن إلى موقع السلطة [كما هو شأن طغاة العصر
الحديث] فيفتكون بالأخيار ، وبعامة الناس.
المهم : ان تجمع تسعة اشخاص من بين حفنة كبيرة من المنحرفين ، يحمل
دلالة خاصة هي : ان هؤلاء التسعة انفار يجسدون قمة الوقاحة والصلافة وانعدام الحس
الإنساني لديهم : حينئذ لا عجب ان يتقدم هؤلاء التسعة دون غيرهم إلى التفكير
بجريمة قتل لشخصية ارسلتها السماء إليهم : لتنقذهم من الظلمات إلى النور.
والآن : لنقف مع هذه الحفنة التي قاءتها الأرض ، لننظر ، طريقة
تفكيرها في حبك الجريمة ، وإخفاء معالمها : ظنا منهم انهم قادرون على محو آثار
الجريمة ، ما داموا : كما قلنا ، يغلفهم (الجهل) من جانب حينما لم يعوا ان اخفاء
الجريمة لا يمكن أن يتم إلا لحين. لكنهم ، ما داموا ـ من جانب آخر ـ مرضى ، لا
يرتوون إلا من سفك الدم ، حينئذ لا مناص لهم من الاقدام على الجريمة بأية حال من
الأحوال.
هؤلاء المفسدون في الأرض : كما وصفتهم القصة {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ
رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ } [النمل : 48] ، بدأوا في التفكير بمخطط الجريمة ، على هذا النحو :
{قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ
لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [النمل : 49]
لقد تحالفوا فيما بينهم على جريمة القتل. ثم قرروا ان ينكروا ذلك عند
أولياء القتيل.
بيد ان السماء ، كانت لهم بالمرصاد. فوفقا للنصوص المفسرة ، ان
السماء أرسلت ملائكتها ، فرموا كل واحد بحجر ، فقتلوهم جميعا ، أو نزلوا في سفح
جبل فخر عليهم ، أو أوحي إلى صالح بالخروج ، فنزل العذاب عليهم بعد ذلك.
وأيا كان الأمر : فان القصة نفسها عقبت على هذا الحادث :
{وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا
ظَلَمُوا..} [النمل : 50 - 52]
وبما اننا سنتحدث عن العقاب الدنيوي الذي لحق القوم بعامة ، كما
سنتحدث ـ في قصص صالح : في نصوص أخرى ، تتصل بهذا الجانب ، إلا اننا هنا حسبنا ان
نشير ـ ولو عابرين ـ ان احداث القصة [من الزاوية الفنية] ما ان بدأت بمرحلة
(التأزم) حتى أطلت المرحلة التي تليها ، وهي مرحلة ما يسمى بـ(الإنارة) ، أو
الانفراج ، أو الانعطاف بالحدث نحو نهايته التي عرج بها النص بنحو خاطف ، سريع.
يتناسب فنيا مع سرعة (المكر) الذي هيأته السماء حيال حفنة من المنحرفين الذين
يتعطشون لسفك الدم : حيث مكروا مكرا ، وخيل إليهم انهم قادرون على ذلك. وحتى لو
انهم قدروا على ذلك عاجلا ، فإن امهالهم ـ ولو لأجل من الدنيا ، لا ينقذهم من
النهاية الكسيحة التي تنتظر الطغاة : كل الطغاة في أي زمان ومكان.