قصة النبي صالح عليه السلام مع قومه
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 3، ص314-319.
2025-06-12
421
قصة النبي صالح عليه السلام مع قومه
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ } [هود: 61، 68].
جاء رجل من أهل الشام إلى عليّ بن الحسين عليه السّلام فقال : أنت عليّ بن الحسين ؟ قال : « نعم » . قال : أبوك الذي قتل المؤمنين ، فبكى عليّ بن الحسين ثمّ مسح عينيه ، فقال : « ويلك ، كيف قطعت على أبي أنّه قتل المؤمنين ؟ » قال : قوله : « إخواننا قد بغوا علينا ، فقاتلناهم على بغيهم ».
فقال : « ويلك ، أما تقرأ القرآن ؟ » قال : بلى ، قال : « فقد قال اللّه : وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً * « 1 » ، وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً فكانوا إخوانهم في دينهم أو في عشيرتهم ؟ » قال له الرجل : لا ، بل في عشيرتهم .
قال : « فهؤلاء إخوانهم في عشيرتهم وليسوا إخوانهم في دينهم » . قال :
فرّجت عنّي ، فرّج اللّه عنك « 2 ».
وقال أبو جعفر الباقر عليه السّلام : « إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم سأل جبرئيل عليه السّلام كيف كان مهلك قوم صالح عليه السّلام ؟ فقال : يا محمّد ، إنّ صالحا بعث إلى قومه وهو ابن ستّ عشرة سنة ، فلبث فيهم حتى بلغ عشرين ومائة سنة ، لا يجيبونه إلى خير ، قال : وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون اللّه عزّ ذكره فلمّا رأى ذلك منهم ، قال : يا قوم ، بعثت إليكم وأنا ابن ست عشرة سنة ، وقد بلغت عشرين ومائة سنة ، وأنا أعرض عليكم أمرين : إن شئتم فاسألوني حتّى أسأل إلهي فيجيبكم فيما سألتموني ، الساعة ، وإن شئتم سألت آلهتكم ، فإن أجابتني بالذي سألت خرجت عنكم ، فقد سئمتكم وسئمتموني .
قالوا : لقد أنصفت ، يا صالح . فاتّعدوا ليوم يخرجون فيه ، قال :
فخرجوا بأصنامهم إلى ظهرهم ، ثم قرّبوا طعامهم وشرابهم فأكلوا وشربوا ، فلمّا أن فرغوا دعوه ، فقالوا : يا صالح اسأل ، فقال لكبيرهم : ما اسم هذا ؟
قالوا : فلان . فقال له صالح : يا فلان ، أجب . فلم يجبه ، فقال صالح : ما له لا يجيب ؟ قالوا : ادع غيره . فدعاها كلّها بأسمائها فلم يجبه منها شيء ، فأقبلوا على أصنامهم ، فقالوا لها : مالك لا تجيبين صالحا ؟ فلم تجب .
فقالوا : تنحّ عنا ، ودعنا وآلهتنا ساعة . ثمّ نحّوا بسطهم وفرشهم ، ونحّوا ثيابهم ، وتمرّغوا على التراب ، وطرحوا التراب على رؤوسهم ، وقالوا لأصنامهم : لئن لم تجبن صالحا اليوم ليفضحنا . قال : ثمّ دعوه فقالوا : يا صالح ، ادعها . فدعاها فلم تجبه.
فقال لهم : يا قوم ، قد ذهب صدر النهار ، ولا أرى آلهتكم تجيبني ، فاسألوني حتى أدعو إلهي فيجيبكم الساعة . فانتدب له منهم سبعون رجلا من كبرائهم والمنظور إليهم منهم ، فقالوا : يا صالح ، نحن نسألك ، فإن أجابك ربّك اتّبعناك وأجبناك ، ويبايعك جميع أهل قريتنا.
فقال لهم صالح عليه السّلام : سلوني ما شئتم . فقالوا : تقدّم بنا إلى هذا الجبل . وكان الجبل قريبا منهم ، فانطلق معهم صالح ، فلمّا انتهوا إلى الجبل ، قالوا : يا صالح ، ادع لنا ربّك يخرج لنا من هذا الجبل الساعة ناقة حمراء شقراء وبراء عشراء ، بين جنبيها ميل « 3 » ، فقال لهم صالح : قد سألتموني شيئا يعظم علي ويهون على ربّي جلّ وعزّ وتعالى.
قال : فسأل اللّه تبارك وتعالى صالح ذلك ، فانصدع الجبل صدعا كادت تطير منه عقولهم لما سمعوا ذلك ، ثم اضطرب ذلك الجبل اضطرابا شديدا ، كالمرأة إذا أخذها المخاض ، ثم لم يفجأهم إلّا رأسها قد طلع عليهم من ذلك الصدع ، فما استتمّت رقبتها حتى اجتزّت ، ثم خرج سائر جسدها ، ثمّ استوت قائمة على الأرض ، فلما رأوا ذلك ، قالا يا صالح ، ما أسرع ما أجابك ربّك ! ادع لنا ربّك يخرج لنا فصيلها ، فسأل اللّه عزّ وجلّ ، فرمت به ، فدبّ حولها.
فقال لهم : يا قوم ، أبقي شيء قالوا : لا ، انطلق بنا إلى قومنا نخبرهم بما رأينا ويؤمنون بك . قال : فرجعوا ، فلم يبلغ أربعة وستّون رجلا ، قالوا : سحر وكذب . قال : فانتهوا إلى الجميع ، فقال الستّة : حقّ ، وقال الجميع : كذب وسحر ، قال : فانصرفوا على ذلك ثمّ ارتاب من الستّة واحد ، فكان فيمن عقرها ».
قال ابن محبوب : فحدّثت بهذا الحديث رجلا من أصحابنا ، يقال له :
سعيد بن يزيد ، فأخبرني أنه رأى الجبل الذي خرجت منه بالشام ، قال :
فرأيت جنبها قد حكّ الجبل فأثّر جنبها فيه ، وجبل آخر بينه وبين هذا ميل « 4 » .
وقال أبو بصير قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام : {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } [القمر : 23 - 25] ؟
قال : « هذا فيما كذّبوا به صالحا ، وما أهلك اللّه عزّ وجلّ قوما قطّ حتى يبعث إليهم قبل ذلك الرّسل ، فيحتجّوا عليهم ، فبعث اللّه إليهم صالحا فدعاهم إلى اللّه ، فلم يجيبوه وعتوا عليه ، وقالوا : لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصّخرة ناقة عشراء ، وكانت الصّخرة يعظمونه ويعبدونها ، ويذبحون « 5 » عندها في رأس كلّ سنة ، ويجتمعون عندها ، فقالوا له : إن كنت كما تزعم نبيّا رسولا ، فادع لنا إلهك حتى يخرج لنا من هذه الصّخرة الصمّاء ناقة عشراء « 6 » ، فأخرجها اللّه كما طلبوا منه .
ثمّ أوحى اللّه تبارك وتعالى إليه : أن - يا صالح - قل لهم : إن اللّه قد جعل لهذه الناقة من الماء شرب يوم ، ولكم شرب يوم . وكانت الناقة إذا كان يوم شربها شربت الماء ذلك اليوم ، فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير إلا شرب من لبنها يومهم ذلك ، فإذا كان الليل وأصبحوا ، غدوا إلى مائهم فشربوا منه ذلك اليوم ، ولم تشرب الناقة ذلك اليوم ، فمكثوا بذلك ما شاء اللّه.
ثمّ إنّهم عتوا على اللّه ، ومشى بعضهم إلى بعض ، وقالوا : اعقروا هذه الناقة واستريحوا منها ، لا نرضى أن يكون لنا شرب يوم ولها شرب يوم . ثم قالوا : من الذي يلي قتلها ، ونجعل له جعلا ما أحبّ ؟ فجاءهم رجل أحمر أشقر أزرق ، ولد زنا ، لا يعرف له أب ، يقال له : قدار « 7 » ، شقيّ من الأشقياء ، مشؤوم عليهم ، فجعلوا له جعلا ، فلمّا توجّهت الناقة إلى الماء الذي كانت ترده ، تركها حتى شربت وأقبلت راجعة ، فقعد لها في طريقها ، فضربها بالسّيف ضربة فلم تعمل شيئا ، فضربة ضربة أخرى فقتلها ، وخرّت إلى الأرض على جنبها ، وهرب فصيلها حتى صعد إلى الجبل ، فرغا ثلاث مرّات إلى السّماء . وأقبل قوم صالح ، فلم يبق منهم أحد إلّا شركه في ضربته ، واقتسموا لحمها فيما بينهم ، فلم يبق منهم صغير ولا كبير إلا أكل منها .
فلمّا رأى ذلك صالح أقبل إليهم ، فقال : يا قوم ، ما دعاكم إلى ما صنعتم ، أعصيتم أمر ربّكم ؟ فأوحى اللّه تبارك وتعالى إلى صالح عليه السّلام : إنّ قومك قد طغوا وبغوا ، وقتلوا ناقة بعثتها إليهم حجّة عليهم ، ولم يكن عليهم فيها ضرر ، وكان لهم منها أعظم المنفعة ، فقل لهم : إنّي مرسل عليهم عذابي إلى ثلاثة أيام ، فإن هم تابوا ورجعوا قبلت توبتهم ، وصددت عنهم ، وإن هم لم يتوبوا ولم يرجعوا بعثت عليهم عذابي في اليوم الثالث.
فأتاهم صالح عليه السّلام فقال لهم : يا قوم ، إني رسول ربّكم إليكم ، وهو يقول لكم : إن أنتم تبتم ورجعتم استغفرتم غفرت لكم ، ثبت عليكم ، فلمّا قال لهم ذلك كانوا أعتى ما كانوا وأخبث ، وقالوا : يا صالح ، ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين .
قال : يا قوم إنّكم تصبحون غدا ووجوهكم مصفرّة ، واليوم الثاني وجوهكم محمرّة ، واليوم الثالث وجوهكم مسودّة . فلما أن كان أوّل يوم أصبحوا ووجوههم مصفرّة ، فمشى بعضهم إلى بعض ، وقالوا : قد جاءكم ما قال لكم صالح ، فقال العتاة منهم : لا نسمع قول صالح ولا نقبل قوله ، وإن كان عظيما ، فلمّا كان اليوم الثاني أصبحت وجوههم محمرّة ، فمشى بعضهم إلى بعض ، فقالوا : يا قوم ، قد جاءكم ما قال لكم صالح . فقال العتاة منهم :
لو أهلكنا جميعا ما سمعنا قول صالح ، ولا تركنا آلهتنا التي كان آباؤنا يعبدونها . ولم يتوبوا ولم يرجعوا . فلمّا كان اليوم الثالث أصبحوا ووجوههم مسودّة ، فمشى بعضهم إلى بعض ، فقالوا : يا قوم ، أتاكم ما قال لكم صالح .
فقال العتاة منهم : قد أتانا ما قال لنا صالح . فلمّا كان نصف الليل أتاهم جبرئيل عليه السّلام ، فصرخ بهم صرخة خرقت تلك الصّرخة أسماعهم ، وفلقت « 8 » قلوبهم ، وصدعت أكبادهم ، وقد كانوا في تلك الثلاثة أيام قد تحنّطوا وتكفّنوا ، وعلموا أن العذاب نازل بهم ، فماتوا جميعا في طرفة عين ، صغيرهم وكبيرهم ، فلم يبق لهم ناعقة ولا راغية ولا شيء إلّا أهلكه اللّه ، فأصبحوا في ديارهم ومضاجعهم موتى أجمعين ، ثمّ أرسل اللّه عليهم مع الصّيحة النار من السّماء فأحرقتهم أجمعين ، وكانت هذه قصتهم » « 9 ».
قد تقدّم حديث أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السّلام من طريق العيّاشي [ في معنى الآية ] في سورة الأعراف برقم [ 75 - 76 ] .
______________
( 1 ) الأعراف : 85 ، هود : 84 ، العنكبوت : 36 .
( 2 ) تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 20 ، ح 53 .
(3 ) أي المسافة بين جنبيها قدر ميل .
( 4 ) الكافي : ج 8 ، ص 185 ، ح 213 .
( 5 ) في « ط » : ويدعون .
( 6 ) في « ط » : حمراء .
( 7 ) في « ط » : قذار .
( 8 ) في « ط » : وقلعت .
( 9 ) الكافي : ج 8 ، ص 187 ، ح 214 .
الاكثر قراءة في قصة النبي صالح وقومه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة