Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
النبي عيسى (ع) بين التاريخ والاحتفال-تأملات في 25 كانون الأول

منذ 5 ساعات
في 2025/12/24م
عدد المشاهدات :62
النبي عيسى عليه السلام بين التاريخ والاحتفال-تأملات في 25 كانون الأول
قراءة نقدية إسلامية جامعة في تاريخ الميلاد والممارسة الاحتفالية لدى الطوائف النصرانية
الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي
24/12/2025
يُحتفل في مختلف أرجاء العالم النصراني بتاريخ 25 كانون الأول (ديسمبر) بوصفه يوم ميلاد النبي عيسى عليه السلام، وقد أصبح هذا التاريخ جزءًا راسخًا من الموروث الديني والثقافي في المجتمعات الغربية والشرقية على حدّ سواء. غير أن رسوخ المناسبة في الذاكرة الجمعية لا يعني بالضرورة أنها تستند إلى أساس تاريخي موثّق، إذ يكشف البحث النقدي في المصادر الدينية والتاريخية القديمة أن اختيار هذا اليوم كان نتيجة مسار طويل من التأويل الرمزي والتكيّف الثقافي، أكثر من كونه توثيقًا دقيقًا لحدث تاريخي محدّد.
أولى الإشكاليات التي تواجه الباحث تتمثل في غياب أي تحديد زمني دقيق في الأناجيل الأربعة بشأن يوم أو شهر ولادة النبي عيسى عليه السلام. فالنصوص، بما فيها إنجيلا متّى ولوقا، تركز على البعد اللاهوتي والأخلاقي للولادة، وعلى رمزية الخلاص والمعجزة، دون أن تُعنى بالتاريخ أو التقويم. بل إن الكنيسة الأولى، خلال القرنين الأول والثاني الميلاديين، لم تعرف احتفالًا رسميًا بميلاد المسيح، وهو ما يشير إلى أن فكرة “عيد الميلاد” لم تكن جزءًا من الممارسة النصرانية الأولى، وإنما تشكّلت لاحقًا في سياق تحولات اجتماعية وسياسية داخل الإمبراطورية الرومانية.
ويزداد هذا الإشكال وضوحًا حين نلتفت إلى أن الطوائف النصرانية نفسها لم تتفق تاريخيًا على يوم واحد لميلاد النبي عيسى عليه السلام، وهو ما يكشف أن المسألة لم تكن محل إجماع عقدي، بل ثمرة مسارات تاريخية وثقافية متباينة. فبينما اعتمدت الكنائس الغربية، ولا سيما الكاثوليكية والبروتستانتية، يوم 25 كانون الأول موعدًا للاحتفال، ذهبت كنائس أخرى إلى اعتماد تواريخ مختلفة. فقد احتفلت بعض الطوائف القديمة بميلاد المسيح في الأول من كانون الثاني، باعتباره يومًا جامعًا بين الميلاد والختان وفق التصور اللاهوتي المبكر، في حين استقر التقليد في عدد من الكنائس الشرقية، وعلى رأسها الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، على السادس من كانون الثاني، وهو اليوم المعروف بعيد الظهور الإلهي (الغطاس)، حيث تداخلت فيه ذكرى الميلاد مع ذكرى العماد.
ولا يعكس هذا التعدد اختلافًا تقويميًا فحسب، بل يدل على أن تحديد يوم الميلاد خضع لاجتهادات لاهوتية ورمزية متأثرة بالسياق الثقافي والسياسي لكل كنيسة، أكثر مما خضع لمعطيات تاريخية ثابتة. فلو كان يوم الميلاد معلومًا بنص قطعي أو تقليد رسولي واضح، لما شهد التاريخ النصراني هذا التباين الواسع في تحديده. ومن هنا، فإن اختلاف الطوائف النصرانية نفسها حول تاريخ الميلاد يضعف الادعاء بوجود يوم محدد متفق عليه، ويؤكد أن المناسبة، في جوهرها، بناء رمزي لاحق جرى تثبيته عبر العادة والتقليد لا عبر التوثيق التاريخي.
ويرى عدد من مؤرخي النصرانية أن اعتماد يوم 25 كانون الأول ارتبط أيضًا بالأعياد الوثنية الرومانية، ولا سيما عيد ساتورناليا وعيد الشمس التي لا تُقهَر (Sol Invictus)، وهما مناسبتان كانتا تُحتفلان بهما في نهاية ديسمبر، وتتمحور طقوسهما حول مفاهيم النور والانبعاث وبداية دورة كونية جديدة. ومع تحوّل النصرانية إلى دين رسمي للإمبراطورية، انتهجت الكنيسة سياسة استيعاب هذه الطقوس الشعبية وإعادة تأويلها ضمن إطار ديني جديد، في عملية يُشير إليها الباحثون باسم التشريب الثقافي أو إعادة ترميز المقدّس. وبهذا المعنى، غدا اختيار 25 كانون الأول اختيارًا اجتماعيًا ورمزيًا يخدم توحيد التقويم الكنسي، أكثر مما يعكس حقيقة تاريخية مثبتة.
وتعزز المعطيات المناخية والزراعية هذا الطرح النقدي؛ إذ تشير دراسات فلكية وزراعية إلى أن بعض التفاصيل الواردة في الروايات الإنجيلية، مثل وجود الرعاة في الحقول ليلًا، لا تنسجم مع ظروف الشتاء في فلسطين التاريخية، حيث يقل النشاط الرعوي بشكل ملحوظ. ولهذا رجّح بعض الباحثين أن تكون ولادة النبي عيسى قد وقعت في الربيع أو الخريف، حين تكون الظروف المناخية أكثر ملاءمة، وهو ما يزيد من هشاشة فرضية 25 كانون الأول بوصفه تاريخًا فعليًا للولادة.
في المقابل، تقدّم الرؤية القرآنية مقاربة مختلفة في المنهج والمقصد. فالقرآن الكريم لا يسعى إلى تأريخ الولادة زمنيًا، بل يركّز على بعدها الإنساني والرسالي. ففي سورة مريم، يَرِد ذكر النخلة والرُّطب في سياق الولادة:
﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾ مريم: 25،
وهو توصيف يحمل دلالة موسمية واضحة، إذ إن الرُّطب لا يكون إلا في أواخر الصيف. غير أن اللافت في الخطاب القرآني أنه لا يجعل من هذه الإشارة مدخلًا لبناء تاريخ بديل أو مناسبة احتفالية، بل يتركها في إطار الدلالة الطبيعية، ويصرف الاهتمام إلى جوهر الحدث: المعجزة، والابتلاء، والرعاية الإلهية.
ويؤكد التراث التفسيري الإسلامي، بمختلف مذاهبه، هذا المنهج. فالمفسرون، رغم تنبّههم للدلالة المناخية في ذكر الرُّطب، لم يحوّلوها إلى أساس لبناء تقويم ديني، بل تعاملوا معها بوصفها قرينة سياقية تعزّز المعنى العقدي وتؤكد بشرية عيسى عليه السلام ونبوّته، دون الخوض في تقديس الزمن أو المكان. ويعكس هذا الموقف وعيًا تفسيريًا راسخًا يرفض تحويل النص إلى طقس، أو الرسالة إلى مناسبة موسمية.
وتبرز الإشكالية حين نلحظ أن بعض الدول الإسلامية باتت تتعامل مع يوم 25 كانون الأول بوصفه تاريخًا ثابتًا لميلاد النبي عيسى عليه السلام. فهنا لا يتعلق الأمر بمجرد احترام ديني متبادل، بل بتبنٍّ غير نقدي لطقس لا يستند إلى مرجعية إسلامية، ولا إلى سند تاريخي قطعي. فالإسلام، رغم إيمانه بعيسى عليه السلام نبيًا من أولي العزم، لم يجعل من ميلاده عيدًا، ولم يربطه بتاريخ محدد، ولم يدرجه ضمن منظومة الشعائر أو المناسبات الدينية.
في المحصلة، تكشف القراءة المتأنية لولادة النبي عيسى عليه السلام في الوعي الإسلامي، بمختلف مذاهبه ومدارسه التفسيرية، عن رؤية واحدة في الجوهر، ترى في الحدث رسالةً قبل أن يكون تاريخًا، ومعنىً قبل أن يتحوّل إلى طقس. فالقرآن الكريم لم يُعنَ بتحديد يوم الميلاد أو شهره، بل وجّه الخطاب نحو جوهر القصة: إنسانية المعجزة، وطهارة الأم، وامتحان النبوة في وجه المجتمع والسلطة والتقليد.
ومن هنا، لا يبدو الاحتفال بيوم 25 كانون الأول داخل السياق الإسلامي تعبيرًا عن تعايش ديني بقدر ما يعكس اختلالًا في الوعي بالحدود الفاصلة بين الاحترام والتقليد. إن إعادة النظر في هذه الظاهرة لا تستهدف نزع الرمزية الدينية عن احتفال له مكانته في الوجدان النصراني، بل تهدف إلى تحصين الوعي الثقافي الإسلامي من التحوّل إلى متلقٍ سلبي للرموز الجاهزة.
وبهذا الفهم، يتحول الحديث عن ميلاد النبي عيسى عليه السلام من سؤالٍ زمنيٍّ ضيّق حول “متى وُلد”، إلى سؤال ثقافي أعمق: كيف نقرأ الدين في زمن اختلاط الرموز؟ وكيف نحافظ على المعنى دون أن نغلق الباب أمام الآخر؟ وهو سؤال لا تُجيب عنه التقاويم، بل الوعي.

اعضاء معجبون بهذا

وصايا أمير المؤمنين نماذج حيّة لمعالجة التحديات المعاصرة
بقلم الكاتب : حسن الهاشمي
حسن الهاشمي ان وصايا الإمام علي (ع) مدرسة متكاملة لبناء الإنسان: إيمانا، وعقلا، وأخلاقا، وسلوكا، وهي صالحة لكل زمان ومكان، وليست مقتصرة على زمانه عليه السلام فحسب، اذ ان الوجدان الإنساني يتقبّلها بقبول حسن ويتلقّاها المتلقّي برغبة إنسانية جامحة توّاقة الى كل ما هو جديد في العلاقات الإنسانية... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

كان هناك رجل يُدعى سامر، يعمل موظفًا في دائرة الأراضي. كان سامر معروفًا بنزاهته... المزيد
لغة العرب لسان * أبنائك تميز بالضاد لغة العرب نشيدك غنى * حتى البلبل الغراد لغة... المزيد
في زاوية خافتة من بيت بسيط، جلس يوسف يحدق في شجرة الليمون التي غرستها يداه قبل... المزيد
يا هادي الخير لقبت أنت * وأبنك بالعسكرين النجباء يا هادي الخير نشأت على * مائدة... المزيد
الْتَّضَارِيْسُ إِنَّ الْـعُـيُوْنَ الَّـتِـيْ سَـالَـتْ تُـوَدِّعُـكُمْ ... المزيد
كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد يصف قومه...
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها شاهقٌ، وعينيها...
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط التاريخ أسماءٌ...
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه، لكنه كان...


منذ يومين
2025/12/22
خطر صامت يهدد الصحة العصبية , يُعد نمو دماغ الطفل من أكثر العمليات الحيوية تعقيدًا...
منذ يومين
2025/12/22
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء الخامس الثمانون: النقطة الأخيرة في سطر النظرية...
منذ 4 ايام
2025/12/20
* البذور (Seed): - النباتات أحادية الفلقة (Monocots): تحتوي بذور النباتات أحادية الفلقة...